عندما تمرد عبد المجيد مناصرة ومن معه على قيادة أبو جرة سلطاني وانشقوا عن حركة مجتمع السلم، فقد خسرت الحركة في حقيقة الأمر جناحها العقائدي، ورغم ''أهمية'' أو خطورة هذه الخسارة بالنسبة إلى حزب إسلامي، فإن إمكانية مواصلة لعب التشكيلة لدور معين بهذا الحجم أو ذاك بقي ويبقى مطروحا، خاصة في ظل النموذج السياسي الجزائري في شكله ''البوتفليقي''، الذي لا يُعرَف فيه الكبير من الصغير ولا المؤثر من غير المؤثر، ولا السلبي من الإيجابي، ولا الصالح من الطالح، ولا المبدئي من الانتهازي.
أما عندما غادر وزير الأشغال العمومية عمار غول صفوف الحركة، فقد خسرت ''حمس'' جناحها البراغماتي... وللعقلاء في تشكيلة أبو جرة وفي غير هذه التشكيلة، التساؤل عما تبقّى من حزب إسلامي وسطي خسر جناحيه العقائدي والذرائعي؟
قبل هذين الانشقاقين، أفرغ أبو جرة، وحتى لا نظلم الرجل، نقول أفرغ مع رفاقه، الحركة من محتواها، بعد أن أصبح الفرق بين خطابها وخطاب التوأم جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي معدوما، فالرجل كان يردد ما كان يردده شريكاه في التحالف، بلخادم وأويحيى، من أنهم يطبقون برنامج فخامة رئيس الجمهورية، لكن مع هذا ظلت ازدواجية خطابها تشد من جهة عقائدييها، ومن الجهة الأخرى تشد العناصر الذين تحركهم حساباتهم البراغماتية، والنتيجة أن عاشت على هذا التناقض إلى اليوم الذي تآكلت فيه هذه الازدواجية، وكان من الطبيعي أن تخسر أولا الجناح العقائدي الذي لم يعد أمامه مبرر لمسايرة التناقض الحاصل... بعدها بقيت الحركة تجر نفسها جرا، إلى أن جاءت رياح الربيع العربي، وهنا اعتقد أبو جرة أن ما تحقق عن طريق الثورة في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا قابل للتحقق في الجزائر وعن طريق صناديق الاقتراع، فما الذي يحول دون فوز الإسلاميين الجزائريين مثلما فازوا في انتخابات تونس ثم في مصر. وأمام هذه القناعة، طلق التحالف الرئاسي لاعتقاده بأنه سيعود مجددا إلى السلطة، لكن عبر قناة تحالف الجزائر الخضراء، لكن جرت السفن بما لا تشتهي سفينة أبو جرة... ولأن الطبيعة تأبى الفراغ، فقد كانت الفرصة سانحة أمام عمار غول الذي يعلم علم اليقين أن السلطة لا يمكن أن تقدم على تشكيل حكومة من دون إسلاميين، وما دام هؤلاء الإسلاميون غير موجودين، أو لنقل غير مؤهلين في الوقت الحاضر على الأقل للاستفاقة من صدمة نتائج تشريعيات العاشر ماي، فقد تحرك لملء الفراغ.
ولبو جرة أن يسأل ويتساءل عما تبقى من حركة مجتمع السلم.
larbizouak@yahoo.fr
ردّ رئيس الحركة الشيخ أبو جرة سلطاني على مقال أوردته جريدة الخبر في عمودها للكاتب العربي الزواق الذي زعم أن التيار العقائدي للحركة انشق سابقا وتبعه اليوم التيار البراغماتي فماذا تبقى من حمس؟؟، السؤال الذي أجاب عنه رئيس الحركة في نفس العمود والذي نشرته جريدة الخبر مشكورة وفيما يلي نص المقال :
رد على ''ماذا تبقى من حمس''
أبو جرة سلطاني
كتب الأخ العربي زواق، في هذا الركن يوم 72 أوت الجاري، يتساءل: ماذا تبقّى من حمس؟ معتقدا أن الانشقاق الأول ذهب بجناح الحركة العقائدي، في حين ذهب الانشقاق الثاني بجناحها البراغماتي، وختم كلامه بالتساؤل: ولـبوجرة أن يسأل أو يتساءل عما تبقَّى من حركة مجتمع السلم.
وجوابنا لقراء ''الخبر'' تختصره المعاني الأربعة التالية:
ـ حركة مجتمع السلم ليست حركة أجنحة، وإنما حركة مؤسسات، لا تتأثـر بمن انشقّ، مهما كان وزنه ورتبته التنظيمية، فعقيدة الحركة ليست منحصرة في جناح، كما أن براغماتيتها ليست في ''جيب'' فريق، وإنما هي روح يسري في قناعات أبنائها وبناتها، الذين يفقهون عمق مقالة الصديق رضي الله عنه: ''أيها الناس من كان يعبد محمد فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت''.
ـ لو كانت الحركة قابلة للزوال لازالت سنة 3002، يوم ودّعت مؤسسها، الراحل الشيخ محفوظ نحناح، رحمه الله، الذي جمع كل خيوطها في عقله وقلبه، وسار بها في لجج حرائق المأساة الوطنية، حتى أرسى سفينتها على شاطئ: معا نحو الهدف.
ـ أبو جرة رئيس الحركة فعلا، ولكنه ''جندي'' داخل مؤسساتها، وليست له صفة الماريشال الذي يكتم الأنفاس ويكمم الأفواه ويصادر الرأي الآخر.. فكل القرارات والمواقف والتحالفات والمبادرات إنما تصدر عن مؤسسات الحركة عن طريق الشورى والديموقراطية، وهي ملزمة للجميع، وفقا للنصوص واللوائح الساري بها العمل، وهذا هو منهجنا.
ـ نظام الحركة برلماني وليس رئاسيا، تخضع كل قيادات الحركة ـ بمن فيهم رئيسها ـ لقرارات مجلس الشورى الوطني، كونه أعلى هيئة بين مؤتمرين، ومن خالف ذلك فمشكلته مع مؤسسات الحركة ولوائحها، وليس مع رئيسها.
وبالمختصر المفيد: لم تذهب العقائد ولا البراغماتيات، بل ذهب الأشخاص وبقيت المؤسسات، وما غيّرت المؤسسات الخط الأصيل، وإنما غيّرت الخطة التي تجاوزها الزمن، وشعارها في ذلك: يمضي الرجال، ويبقى النهج والأثـر.
المصدر