للمتغيرات الداخلية والخارجية دور بارز في التأثير على طبيعة وأسلوب وعمل السياسة الخارجية وما ينعكس بذلك على مسيرة العلاقة بين الدول سواء بالاتجاه السلبي التي تدفع السياسة الخارجية وعملها إلى التدهور أو بالاتجاه الايجابي التي يمكن أن تعمل باتجاه التطور والتقدم , إذ أن التغيير الذي شهدته إيران منذ عام 1979 ترك جملة من المتغيرات الداخلية المهمة التي أثرت بشكل واضح على طبيعة العلاقة بين البلدين بعدما كانت تربطهما علاقات ستراتيجية, كما أن المتغيرات الدولية التي حدثت على الصعيد العالمي كان لها تأثيرها على كل من البلدين وفي منظورهما في كيفية التعامل الخارجي.
وسنركز في هذا المبحث على اثر المتغيرات الداخلية ومراحلها مع الإقرار بان هناك العديد من العوامل والمتغيرات الأخرى لها تأثير في التوجه الأمريكي وسياستها باتجاه إيران المطلب الأول : مرحلة الخميني ،بداية الثورة الإسلامية عام 1979 م -------------- منذ قيام الثورة في إيران ومجيء نظام الخميني إلى السلطة حدد نظامه أهم أهدافه للسياسة الخارجية الإيرانية, بعد إزالة كل مراكز النفوذ والتأثير الموالي للغرب وبدأ بالتحرك السياسي المعادي للغرب وللولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص من خلال تطهير واسع في صفوف الجيش والسافاك ( الجهاز الاستخباري السري ).
والاهتمام بالمسلمين بشكل خاص وعلى هذا الأساس شيدت الحكومة الايرانية وسياستها الخارجية على المحاور التالية:[1] 1- اتخاذ سياسة الحياد تجاه القوى العظمى وأكد الخميني بان الحكومة الإسلامية الإيرانية هي كالزيتونة لا شرقية ولا غربية[2].
2- تطوير أشكال التعاون مع دول العالم الثالث.
3- تبني التقارب الإسلامي, وتبنى لهذه السياسة أربعة محاور: أ- مخالفة النظام الغاصب الإسرائيلي بصورة جادة, وما دامت أمريكا تدعم إسرائيل فلا تعامل لنا معهم.[3] ب- معارضة رؤى وتوجهات قادة الدول العربية المجاورة للخليج العربي والمعتدلة.
ج- بذل الجهود للتعاون مع جبهة الصمود والتصدي.[4] د- تشييد علاقات براغماتية مع كل من باكستان وتركيا [5].
وفي عهد الإمام الخميني تبنت إيران سياسة راديكالية تجاه دول الخليج كانت ترتكز على الرفض Reject وان العامل الأساسي لهذه السياسة يكمن في موضوع مهم ومحوري تعتني به السياسة الإيرانية حيث المخالفة الإيديولوجية للنظام الأمريكي والإسرائيلي ولم تبادر إيران حينها بتشييد اتفاقات لاكتساب الدعم السوفيتي بل بادرت إلى معارضة الدول التي تقع في منظومات القوى الكبرى وتنعتها بالمرتزقة والتابعين للإسلام الأمريكي وبائعي القضية الفلسطينية مما أدى إلى تخاصم مع النظم القائمة في الخليج والولايات المتحدة دون الاستظهار بالاتحاد السوفيتي[6].
وقد حاولت الولايات المتحدة إزاء هذا الموقف احتواء السياسة الإيرانية والعمل لاستثمار أي فرصة لتحسين العلاقة مع هذا البلد كما عملت على منع امتداد النفوذ السوفيتي إلى إيران.
وكانت التوجهات السياسية الإيرانية بعد الثورة لاتخاذ مواقف معادية اتجاه القوى العظمى المؤثرة التي من الممكن أن تقدم المساعدة للشاه المخلوع.
وان الثورة الإيرانية انتهجت سياسات خارجية حددت فيها مواجهة المخاطر ليس فقط من القوى الدولية وإنما من التحالفات الإقليمية في المنطقة[7] واتخاذ سياسة الحياد.
لقد كانت عملية احتجاز الرهائن الأمريكيين داخل السفارة الأمريكية في طهران من قبل الطلبة بقيادة حجة الإسلام الخونئي والذين يتلقون تعاليمهم مباشرة من الخميني بشكل مباشر, حتى استمر حجزهم لمدة 444 يوم.
حيث بدأت خيارات الأمريكان في التعامل مع هذه الأزمة محدودة, بعد العملية العسكرية الفاشلة في 25/ نيسان /1980 [8].
وقد ذهبت الحكومة الأمريكية إلى الضغوط السياسية الاقتصادية لمعالجة مشكلة الرهائن وقد برز ذلك التهديد إلى اللجوء إلى خيارات المواجهة.
وكانت الإدارة الأمريكية تحاول التوفيق بين سلامة الرهائن والتعجيل لإطلاق سراحهم من جهة ومنع تقرب الإيرانيين من الاتحاد السوفيتي.
ولتحقيق مصالحها في المنطقة.
فضلا عن الموقف الأوربي غير المحبذ لفكرة التدخل العسكري لاعتبارات سياسية واقتصادية.
لذا فان الإدارة الأمريكية رجحت الركون إلى المنهج الدبلوماسي لحل الأزمة وتبني وسائل المقاطعة الاقتصادية والضغط السياسي بغية إطلاق سراح الرهائن ودفع إيران إلى خيار تغيير سياستها[9].
لقد تمكن الزعيم الخميني من توظيف الطابع العقائدي للثورة الإيرانية, حيث قدم فكرته المسماة ( الحكومة الإسلامية ) على أساس ولاية الفقيه[10] مما أعطى الأولوية للعامل الإيديولوجي العقائدي في تكوين الدولة وسلوكها السياسي[11].
حيث أطلق خلال العقد الأول من عمر الثورة شعار(رجعية العالم العربي والعاملين بالإسلام الأمريكي) وأمر الخميني بقطع العلاقات مع أمريكا فضلا عن احتلال سفارتها في طهران من قبل الشعب بعدها مركز للجاسوسية وبذلك فالثورة الإيرانية تبنت مفهوم الحدود الإيديولوجية فولاية الفقيه ولاية إيديولوجية, والفقيه له دور قيادي ومنظم منتخب من الشعب وفق أسس الديمقراطية ومنهجية الإسلام, والتمسك به يدعم الثورة, وتصدير الثورة تعده إيران غزوا معنويا لإضفاء القوة, ومساندة الحركات الإسلامية تعده هدفا حيويا.[12] باعتبار الإسلام مدرسة فكرية وإيديولوجية لتنظيم الحياة البشرية[13].
ويتمثل في تصدير مفهوم الثورة وطروحاتها إلى باقي الدول بدءا بالدول المجاورة وهو ما عرف على نطاق واسع بمبدأ" تصدير الثورة".
ولا بد من الإشارة إلى أن الدستور الإيراني يعد المصدر الأساسي لاستلهام أصول السياسة الخارجية, حيث أكد على سعادة الإنسان في كل المجتمعات البشرية وتنظيم السياسة الخارجية وفق معايير إنسانية ورفض أي نزعة عسكرية والتسلط والخضوع لقوى الاستكبار العالمي, المتمثلة بالهيمنة الأمريكية وتحقيق النصر على المستكبرين وتوسيع العلاقات الدولية مع الحكومات الإسلامية وشعوبها لبناء الأمة الواحدة[14] .
وجعلت السياسة الإيرانية مبدأ تصدي ر الثورة هدفا حيويا ومصيريا سواء على البعد العقائدي أو البعد المتعلق بمصلحة النظام, ووضع له إستراتيجية خاصة لها وسياسات تستند إلى مصادر وامكانات وطاقات لتنفيذها[15].
وبالتالي أصبح تصدير الثورة وسيلة وغاية لكسب المناصرين لإيران ومواجهة التحديات الخارجية وإضفاء الشرعية عليها.
وهو ما عبر عنها استاذ العلوم السياسية ( رمضاني) بقوله " طالما آمنت إيران بأن حدود الدولة الإسلامية تتجاوز حدودها السياسية كدولة قومية"[16].
لقد عبرت المادة (144) من الدستور بعد أن وصفت الجيش الإيراني بنصها " يجب أن يكون جيش الجمهورية الإيرانية جيشا عقائديا وشعبيا,وان يظم أفراد لائقين مؤمنين بأهداف الثورة (الإسلامية) ومضحين بأنفسهم من أجل تحقيقها[17].وان القيم الإسلامية حيث تجعل النظام أكثر تماسكا في بناء الدولة والاستقلال وحق الشعوب في الحرية والديمقراطية[18].
وعد التوجه الإيراني في تلك المرحلة يعد خطرا على التوجهات الأمريكية التي تهدف إلى الهيمنة على منطقة الخليج لتحقيق مصالحها وما ازداد من المخاوف الأمريكية هو تصريحات الخميني (التي تحمل تهديدا للنظم الخليجية بأنها أصبحت هدفا لمبدأ(تصدير الثورة)[19].
وما الاضطرابات التي حدثت في السعودية والكويت عام 1980 تهدف إلى التمهيد إلى التغيير[20] .
أما المادة (152) من الدستور الإيراني فتؤكد على أن تقوم السياسة الخارجية الإيرانية الإسلامية على أساس رفض أي نوع من أنواع التسلط والخضوع والحفاظ على الاستقلال التام لوحدة أراضي البلاد والدفاع عن حقوق المسلمين كافة وعدم الانحياز للقوى المتسلطة.
أما المادة (153) تؤكد على منع إبرام أي معاهدة تفضي إلى السيطرة الأجنبية على الثروات الاقتصادية وتأكيدها على التحرر الاقتصادي من خلال منع الأجانب من تأسيس شركات أو مؤسسات من قطاع التجارة والصناعة.
وهناك بعض المواد في الدستور تمنع إقامة قواعد عسكرية ولو كان هدفها للأغراض السلمية.
أخذ تصريح بعض المسؤولين الإيرانيين في بداية الثورة ومنهم تصريح صادق روحاني بعدم اعترافه بدولة البحرين والمطالبة باستعادتها قد زاد من حدة التوتر في العلاقات الإيرانية البحرينية[21].
ومن جانب آخر دعوة الخميني برفض الغطرسة لدى المعسكر الأقوى على المعسكر الآخر الذي قد يكون العامل في تدفق العنف الذي يتهم به الإسلام.
كما أكد الخميني على أن لا يجب أن يقف في وجه الغرب (الانا الآخر) الذي يزداد فاعلية يوم بعد آخر للاحتجاج على الأسس الإيديولوجية التي تقوم عليها قيادات الغرب وممارستها السياسية[22].
واستمر الخميني بتأكيداته على أن المؤامرات والخطط الأمريكية قد تكرست بعد الثورة الإسلامية وتريد إجهاض وتطويق النظام الإسلامي وإفشال الثورة.
ويرى الكاتب والباحث السياسي (اوليفية) في كتابه (فشل الإسلام السياسي) الذي حملت النسخة المترجمة منه في إيران اسم ( تجربة الإسلام السياسي).
يقول أن تجربة إيران مهمة سواء قبل بها العرب المسلمون أم لم يقبلوا أو سواء أثرت فيهم أم لم تؤثر في أي حال, المهم هو أن تنجح إيران في الطريق الذي اختارته لنفسها وان توفق في حل مشاكلها الاقتصادية والسياسية, لأنها أن نجحت, ففي ذلك نجاح عظيم للإسلام السياسي, أما إذا واجهت بعض المشاكل والأزمات فان ذلك سيؤثر في الإسلام السياسي على الأقل.
ولذلك يمكن أن تراهن الولايات المتحدة الأمريكية على هزيمة إيران في المواجهة المستقبلية مما يفضي إلى هزيمة للإسلام السياسي برمته.
لمطلب الثاني : السياسة الإيرانية في مرحلة ما بعد الخميني 1989 م ---------------------- لم تكن وفاة (الخميني) وتولي رئاسة الجمهورية من قبل قيادات توصف بالاعتدال والبراغماتية مدعاة للنظر بتفاؤل نحو مستقبل الدبلوماسية الإيرانية طالما لم تخرج من الإطار الإيديولوجي لسنين الثمانينات[23].
فبعد 24 ساعة من وفاة الخميني في 3/6/1989 صادق مجلس الخبراء في اجتماعه الطارىء بتاريخ 4/6/1989 على تعيين ( علي خامنئي) خليفة له بمنصب ولى الفقيه والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وأكد خامنئي على التمسك بنهج وخطى (الخميني) وتعاليمه وتعهد بتطبيقها بحذافيرها[24] وعليه فان ما يفهم من ذلك,هو استمرارية النهج الإيراني.رغم التغيرات المؤسساتية والشخصية التي طرأت عليه.
وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في (30تموز عام 1989).أشار (علي هاشمي رفسنجاني) في خطاب توليه السلطة إلى ضرورة تخلي المتشددين عن تطرفهم وان يتيحو الفرصة أمام الإصلاحات الاقتصادية[25] أولا:- السيــاسة الخارجية الإيـرانية – مرحـلة رفسنجـاني...----------------------- مع تأكيده على التمسك بمنهج المرحلة السابقة وأفكارها[26].وهنا يمكن القول أن مبدأ "تصدير الثورة"مع انه يأتي كأساس للنظام الإيراني في عهد رفسنجاني إلا أن وسائل تطبيقه قد اختلفت[27],أخذين بنظر الاعتبار الأوضاع الداخلية الإيرانية السيئة, وحاجة إيران إلى كسر عزلتها والانفتاح على العالم لحل مشكلاتها وبالذات الاقتصادية, ولهذا شهدت مرحلة التسعينات سياسة إيرانية منفتحة على الصعيد الإقليمي مع جاراتها الشمالية الغربية (جمهوريات آسيا الوسطى والجارات الجنوبية الغربية (دول مجلس التعاون الخليجي) حتى مع تركيا في الغرب وعلى الصعيد الدولي مع أوربا ودول العالم الثالث.
وقد أكد رفسنجاني (الرئيس الإيراني الأسبق) بقوله"رغم أن إيران تركز في سياستها الخارجية على آسيا الوسطى والخليج إلا أنها أميل إلى التركيز على الخليج, لان المشكلات الأمنية المباشرة لإيران تكمن في تلك المنطقة" [28].
أن نفوذ قوة دولية تفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم يمكن أن تعرض الثورة الإسلامية في إيران بضرر كبير وتخلق لها مشاكل وأزمات, وبالتالي يمكن أن تستخدم وسائل متطورة من اتصالات وإعلام للتأثير على روحية وتطلعات الجيل الإيراني الجديد.
وتؤكد إيران حول مسألة تصدير الثورة إنما هي سياسة ثقافية لإخفاء القوة الإيرانية التي تعده هدفا مبدئيا[29], لانتشار قيمها بشكل اشمل[30]وغير إجبارية أو عسكرية.
وان الأسس البراغماتية التي جاءت بها حكومة رفسنجاني من رسم السياسة الخارجية قد اتسمت بالمزج بين الأهداف الإيديولوجية والواقعية دون التخلي عن الطابع الإيديولوجي المميز لها[31].
وذلك باستخدام الأساليب غير المباشرة للنفوذ والتأثير مثل: 1- إنشاء مراكز ثقافية ودينية لتعميق الحوار وتوسيع المعلومات.
2- تقديم منح دراسية لطلبة بعض الدول الإسلامية وزيادة حالة.
3- مد جسور مع المذاهب الأخرى وتطوير المفاهيم والتقليد لتصبح نافذة ومؤثرة[32].
4- تشجيع المنظمات الدينية المتطرفة وتقديم الدعم لها بصورة غير منظورة[33], وكان من أهم أوليات حكومة رفسنجاني هي مواصلة العمل في البرنامج النووي الإيراني والاهتمام بالتطور التكنولوجي إيمانا منها بأن زيادة القدرة العسكرية والقتالية تعد احد عناصر الحماية لأمنها القومي فضلا عن الاحتفاظ بالسيادة المستقلة للبلاد ووسيلة للبناء والتنمية.
ففي تسع سنوات قطعت إيران علاقتها مع عشرين دولة وليس لإيران خارج العالم الإسلامي سوى صديقين كوريا الشمالية- نيكاراغوا وحمل رفسنجاني مسؤولية عزلة إيران هذه لخامنئي وهذا ما أكده التقرير الذي أصدرته الخارجية الإيرانية محدود التداول وتغاضت عن احتلال أكثر من (40 ) سفارة من طهران, واعتقال نحو( 150) دبلوماسيا.
بعضهم من دول صديقة لإيران مثل ليبيا,سوريا, اليمن باكستان واتهم رفسنجاني خامنئي عن تخويف الدول المجاورة لإيران مما أدى إلى تحالفها مع العراق[34].
انيا : السياسة الخـارجية الإيـرانية – مرحـلة محمد خـاتمي...-------------------------- يمكن القول أن عهدا جديدا قد بدأ وان إيران ستمد يدها لكل الدول على أساس الاحترام المتبادل والاستقلال وخدمة المصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى, فضلا عن نيته لسياسة الانفتاح[35], فعلى الرغم من إن السيد (خاتمي) وان كان راغبا في تغيير سياسة إيران الخارجية ليكسب القبول في المحافل الدولية, إلا أنه لا يملك لوحدة سلطة فعل ذلك.
(فخاتمي) برئاسته للسلطة التنفيذية وان كان له صلاحيات واسعة في كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية.
إلا انه لا يستطيع أن يفعل كل شيء في كل وقت وبكل الطرائق والوسائل ولا سيما في وجود المرشد الأعلى (علي خامنئي) لأنه لا يملك فرصا واسعة في رسم السياسة الخارجية دون الرجوع إلى المرشد الأعلى الذي يمثل المركز الأول في هرم السلطة في إيران[36].
حيث أشار أن عهدي سيكون أمينا على ميراث الثورة الكبير وإتباع سياسة خارجية تنشد السلام والأمن على شعار مؤداه "العزة والحكمة والمصلحة " في نفس الوقت[37].
وان المهم في سياستنا هو إيجاد الموازنة في أن تكون إيران أمينة للإرث الذي تركه الخميني في مواجهة قوى الاستكبار التي تريد الهيمنة والوصول إلى مطامعها وبين سياسة الإصلاح والمرونة في علاقات إيران الخارجية.
وان عدوان العراق على الكويت منحت المبررات للقوات الأجنبية بان تمارس حضورها في هذه المنطقة أكثر لتكثيف مكانتها الحربية في هذه المنطقة.[38] توصف سياسة خاتمي بالاعتدال والتعقل, لكن لم يحدث على السياسة الإيرانية.
أي تحول جذري خاص اتجاه الولايات المتحدة لاعتبارات شخصية وإيديولوجية[39].
وقد تأكد هذا التصور بعد صدور الوثيقة السرية لما يسمى بـ (شورى الثورة الثقافية الإيرانية) عام (1998) والتي أكدت بان الحكومة الإيرانية فضلا عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد[40]وحقوق الشعب فهي حكومة تجعل من تصدير الثورة على رأس أولوياتها مع الانصياع لمقتضيات البيئة الدولية في الاعتدال والانفتاح.
" وحتى في عهد سماحة الإمام (الراحل الخميني) لم يُفسّر تصدير الثورة بالتدخل في شؤون الآخرين, وقد تجاوزنا منذ سنين سوء الفهم في هذا الشأن.
ودعوة إيران إلى ضرورة الالتزام بالسيادة القطرية لكل بلدان المنطقة[41].
ونحن لم نسمح لأنفسنا أبداً بفرض نموذجنا من الحكم عليهم ، ليس لدي أبداً أي قلق أو اضطراب، وتصدير الثورة بالصورة التي يوحيها البعض لم يكن أبداً جزءاً من السياسات الأساسية للثورة الإسلامية، والأعداء هم الذين يروجون لهذا المعنى، وإذا كان هناك مَن تحدث في هذا الشأن، إما أنهم يجهلون معنى ذلك أو لم تكن لهم نيات خيرة، وهم لا دور لهم في سياستنا الخارجية".[42] وان إيران لجأت إلى الموائمة بين الإيديولوجية الدينية التي انتهجتها عام 1979 وبين التطورات التي يشهدها النظام الدولي عام 1989 وتحاول أن تمسك العصى من النصف ليترك طرفاها في بقاء النظام واستمرار قوته.وتجاذبه وتفاعله مع المستجدات الدولية وعلينا أن نميز بين الشعب والحكومة في أمريكا فنحن لا نقف في مواجهة الشعب الأمريكي – ولم نحتقر الشعب الأمريكي أبدا[43] وان الشعب الذي يرفع شعار "الموت لأمريكا"لا يقصد إلا رؤساء النظام الأمريكي ومنهم كارتر.[44] ولقد أكد خاتمي أن احد الأخطاء التي اشتهرت بها السياسة الخارجية الأمريكية وهي أن هذه السياسة رسمت وكأن الحرب الباردة لا زالت قائمة" وجرى الحديث في بعض الأوساط الدولية بان الإسلام العدو اليوم: وللأسف فان الهجمات التي استهدفت الإسلام التقدمي والتي مثلته إيران بـ " ثورتها الدستورية " وطرحت مفاهيمها ببعدين الأول إعادة عرض المفاهيم الدينية بالشكل الذي يضع الدين والحريات بمسار واحد غير متناقض.
وبعد مرور أكثر من أربعة قرون لتأسيس الحضارة الأمريكية فان التجربة الإنسانية اثبت لنا أن الحياة السعيدة يجب أن تكون مبنية على ثلاث أسس, الالتزام الديني- والحرية-والعدالة.
وهذا البعد الذي تريده الثورة الإسلامية في إيران[45].
وان السياسة الإيرانية لا ترغب في التخلي عن إيديولوجيتها ولا في التخلي عن الأنشطة السياسية التي تعدها مرادفا لقيمها[46].
وحسب التصور الأمريكي لا تزال بعض العناصر المتشددة في الحكومة الإيرانية إلى مراحل متقدمة تتبنى سياسة "تصدير الثورة" وتبذل جهودا لتطوير القدرات العسكرية الإيرانية تحقيقا لهدفها الأعلى لتجعل إيران القوة الإيرانية المهيمنة[47], وهذا مما لا يتفق مع التوجهات الأمريكية في المنطقة.
فمع تفكك الاتحاد السوفيتي (1991) وجدت إيران فيما سمي (بالفراغ الإيديولوجي) الأمر الذي زاد من المخاوف الأمريكية من نشر إيديولوجية إيران الدينية.
بعد مرحلة الشيوعية, وما يزيد من حدة المخاوف الأمريكية استفادة إيران من خبرات جمهورية السوفيت في مجال تطوير برنامجها النووي الذي يؤدي بالتالي إلى زيادة قوتها في منطقتين نفطيتين بحر قزوين ومنطقة الخليج العربي.[48] مما يفضي إلى اختلال ميزان القوى الإقليمي حسب التصور الأمريكي بان الساسة الإيرانيون ممكن أن يستغلوا فرصة لتنشيط دورهم الإقليمي ومحاولة فرض الهيمنة الإيرانية عليها تحت ذرائع دينية.[49] وقد أشار خاتمي في لقاء صحفي مع الصحفية (كريستين فانبور) من شبكة الأخبار CNN "بان الشعب الإيراني انتفض وحارب من أجل الاستقلال وانتصر بالكلام وليس بالسلاح.
وان سياستنا قد ترى هناك أضرار وسلوك خاطيء من الطرف الأمريكي يتمثل بالخسارة الكبيرة التي لحقت بالشعوب المحرومة والمظلومة.
وان هذه الشعوب عقدت آمالا على أمريكا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد بلوغ حركات التحرر والاستقلال الذروة من الدول الاستعمارية.
وهذا ما زعزع الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية[50]".
"وان الإسلام دين يدعو البشرية إلى التعقل واعتماد المنطق والوحدة في عبادة الله وعلى أساسه وضعنا ثورتنا وبالتالي فانه يعترف للإنسان في حق تقرير مصيره, وهو يعلن بان العلاقة بين الشعوب يجب أن تقوم على أساس المنطق والاحترام المتبادل, وان الإسلام لا يعادي احد ويدعو إلى الحوار والتفاهم والسلام بين كافة الشعوب- وهذه هي سياستنا[51]" وحول العلاقات الإيرانية فقد أكد : "لقد بذلت الحكومة الايرانيةقدر استطاعتها, جهودا لإزالة التوترات وتشييد أسس الاعتماد المتبادل من خلال حوار الحضارات بدلا من صدام الحضارات التي لها سمات سلبية, وخاصة مع الدولة الخليجية المجاورة ومنها البحرين, والتنحي عن وجهات النظر الأجنبية والبدء بصفحة جديدة من التعاون الاقتصادي متجنبة المشاكل الجانبية.
لاستتباب الأمن في المنطقة وتهنيء إيران "الائتلاف العالمي للسلام" عن طريق الحوار"[52].
ثالثا :السيـاسة الخـارجية الإيرانية بعد انتهاء الحـرب العراقية - الإيرانية...-------------- كانت نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 الذي تم بموجبه قبول إيران بقرار 598 والذي عبر عنه الخميني مثل تجرع السم كان حدثا ألقى بتأثيره على السلوك السياسي الإيراني.
فقد كان توجه السياسة الإيرانية ليس للدفاع عن استقلال البلاد كما قال الخميني " نحن لا نقاتل دفاعا عن إيران وإنما نقاتل دفاعا عن الإسلام ومن أجل نشر الإسلام والثورة الإسلامية[53].
وهناك من يعد الحرب نتيجة للثورة الإيرانية ولمبدأ تصدير الثورة مما نتج من ذلك بان يكون هدفا ووسيلة في أن واحد بغية نشر النفوذ الإيراني في المنطقة في تلك الفترة[54] وفي عام 1988 وصلت إيران إلى تقديم لمجريات الوضع العام في المنطقة ولوقائع الحرب, وكان تزامنا مع الصعوبات الاقتصادية اثر انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وتراجعها إلى أدنى مستوى خلال العشرين سنة الأخيرة.
وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1977-1989 إلى 15% وارتفاع نسبة البطالة إلى 40% وإلحاق أضرار في البنية التحتية للاقتصاد الإيراني مما الحق بالطاقة الكهربائية والمنشآت النفطية والبتروكيمياوية والمصانع من دمار كبير[55], وانعكس ذلك على قابليتها في ترجمة أفكارها وبالتالي تسهيل احتوائها.مما حدى بخلفاء الخميني بان يمنحوا للوضع الاقتصادي السيئ فرصة متقدمة لتحسين ظروف إيران الاقتصادية.[56] وبعد وفاة الإمام الخميني 1989 تم انتخاب علي اكبر هاشمي رفسنجاني رئيسا لإيران باعتنباره رئيسا لمجلس الأمن القومي الإيراني, وقد عكست هذه التعديلات الرغبة في الانتقال من مرحلة تثبيت الثورة إلى مرحلة إعادة البناء والإعمار لتمكينها من تحقيق أعلى قدر من الإصلاحات[57].
وقد أدركت إيران بأنها غير قادرة على تغيير الخريطة السياسية للمنطقة وان عليها معالجة أوضاعها الداخلية, وعملت على احتواء المكانة الدولية التي احتلها العراق عقب انتهاء الحرب كما عملت على تحسين علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي وان تحقيق ذلك كان يترتب عليها أن تعمل باتجاه تعزيز الاستقرار في المنطقة وفي هذا الصدد بين الرئيس رفسنجاني انه يجب على إيران أن تتوقف عن استعداء الآخرين وان تحجم عن التدخل في شؤونهم الداخلية وإزالة الآثار السلبية والوصول إلى العقلانية.[58] ويعد هذا مؤشر على أن إيران تنحو بسياستها إلى أفاق جديدة وتطوي شعارات الماضي وإقامة علاقات طيبة على المستوى الإقليمي والدولي وتسهم في فك عزلتها ، وكان لهذا التوجه جزء من مبادرة للتوافق مع سياسة الولايات المتحدة بعدما كانت تسعى إلى تحجيم إيران واحتواءها وإيقاف سلوكها لتصدير ثورتها باتجاه دول الخليج .
وكان لسياسة الانفتاح الإيرانية انعكاس طيب لتحسين العلاقة الإيرانية الأمريكية ولنبذ سياسة الانغلاق وإتباع سياسة انفتاح اقتصادي ومعالجة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها وهذا ما أكده الرئيس الإيراني رفسنجاني إذ قال" أن إيران لن تتمكن من بناء السدود بالشعارات وحدها"[59].
وقد شهدت السياسة الخارجية الإيرانية تحولا أساسيا في اتخاذ القرار لما لرئيس الجمهورية " رفسنجاني " التأثير الشخصي والثقافي لرئاسته على السياسة الخارجية الإيرانية, في مرحلته الموسومة بالبناء والإعمار بحيث أصبح الاقتصاد هو محور السياسة الخارجية بعد أن تصدرت الأهداف الاقتصادية لائحة السياسة الخارجية.
وقد شهدت السياسة الخارجية الإيرانية بترميم الثغرات واعتماد سياسة الاعتدال في مرحلة رفسنجاني واعتماد سياسة الحوار لنزع التوتر وبناء الثقة والإتلاف حتى تركت بصمات معلنة وآثار واضحة بعدما شهت علاقات توتر مع الدول العربية منذ نجاح الثورة بسبب الدعوات المتزايدة بان لإيران إطماع كبرى في التوسع وإثارة الخلافات مع الدول الخليجية, وكان لواشنطن دور كبير في تفعيل حدة الخلافات في مراحلها الأولى إلا أن القلق الخليجي قد قلت حدته في هذا المجال, عندما حاولت إيران تخفيض مصادر هذه الخلافات وإيمانها بحل المشاكل بطرق واقعية وبناءة.
إن الأمر الذي وضعته إيران في سياستها اثر انتهاء الحرب مع العراق والذي أصبح واحدا من أهم مصادر الخلاف مع الولايات المتحدة هو تفعيل قدرتها وإمكاناتها للتزود بأسلحة الدمار الشامل.
وان القادة الإيرانيون توصلو إلى الأعتقاد بان العامل الحاسم في تشكيل بيئة إستراتيجية آمنة في الخليج العربي هو عن طريق القوى العسكرية المتفوقة من خلال الحصول على أسلحة الدمار الشامل فضلا عن إيجاد صيغة تفاوضية كفيلة لحل المشاكل والابتعاد عن استخدام الترهيب والتهديد وبذلك تحافظ على توازن ستراتيجي وإقليمي.
وان مساحة إيران وعمقها الاستراتيجي الواسع يمنحها إمكانية استنزاف الخصم إقليما, وعدم تعرضها للاختناق أو الشطر بسهولة مما يجعلها أكثر قدرة على مناورات عسكرية كبيرة ويعطيها هامشا واسعا للحركة.
وبذلك تسعى إيران من إيجاد وضع ستراتيجي أفضل, وفق ما حصل في باكستان من خلال تطوير نموذجها النووي, أما أفغانستان فتفيد التقارير الواردة بان لها تعاطي واسع للمخدرات ويواجه الشعب الأفغاني أعباء كثيرة بسبب تواجد القوات الأمريكية والغربية فضلا عن حركة طالبان مما يشكل قلقا واضحا لإيران كدولة جارة لهاتين الدولتين.[60] أما في الشمال فتنظر إيران على انه جزء من مجالها المكاني اقتطع من أراضيها شمالا.وحصلت على استقلالها من النفوذ السوفيتي ولكن القوى الإقليمية الكبرى تنظر إلى أقاليم وسط آسيا بأنها عمق ستراتيجي قاري والتقارب الاستراتيجي الإيراني مع دول أواسط آسيا قد يشوبه الحذر, أما الحدود الغربية شمال الخليج فيعده الفكر الاستراتيجي الإيراني المقبرة المزمنة التي تدفن فيها الأحلام الإيرانية في كل مرحلة.
فهناك ثلاث حلقات للصراع وهي سلاسة حضارية إيديولوجية, صراع قومي عربي فارسي, وقلاقل كردستان المزمنة على الحدود العراقية الإيرانية.[61] رابعا: نهاية الحــرب البـاردة وأثرهـا على السيــاسة الخارجية الإيرانية---------------------- أن عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم أحادي القطب تحركت الولايات المتحدة لمليء الفراغ الذي خلفه الاتحاد السوفيتي في ساحة الصراع الدولي وعليه تبنت إيران سياسة لا شرقية ولا غربية من أجل تحقيق هوية واضحة لها, وان الصراع لهذا الهدف وتحقيقه كان قد سبق نهاية الحرب الباردة بعقد كامل[62].
وقد ألقت نهاية الحرب الباردة بظلالها على السياسة الإيرانية, وكان استقلال دول آسيا الوسطى اثر انهيار الاتحاد السوفيتي قد اتاح فرصة ذهبية للسياسة الإيرانية لكن انعدام الإدارة الإستراتيجية سببت في عدم تحقيق المصالح الوطنية وساهم في ظهور تهديدات أمنية لإيران.
وعلى الرغم من ضعف الدول المجاورة من الشمال (تركمانستان, وأذربيجان, وأرمينيا) فان منهجية النزعة الانعزالية التي قادت ركب السياسة الخارجية الإيرانية في بعض المراحل والتي أعقبت الحرب العراقية –الإيرانية ويمكنها أن تلعب دورا كبيرا وأكثر فعالية من السياسة الدولية فضلا عما يضيف وجود الجمهوريات الإسلامية الجديدة من فرص أمام طموحاتها الإقليمية وما يمكن أن تلعبه سياستها الخارجية من ادوار لم تكن متاحة لها من قبل[63].
وقد وجدت إيران مع هذا التوجه أنها تتقاطع من جديد مع سياسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة المهمة لاستراتيجيتها وما تعمل عليه كلتا الدولتين من أجل صياغة عمل جديد لخدمة مصالح كل طرف من منظوره الاستراتيجي على المدى البعيد, الأمر الذي وجدت فيه إيران أنها يمكن أن تكون بحاجة إلى الدور الروسي في سياستها إزاء هذه المنطقة[64].
وعملت الولايات المتحدة على استثمار الوضع الجديد من خلال وضع دعائم ليرتكز عليها الوضع الدولي الجديد بفرض سيطرتها بالقوى العسكرية وتحويل الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى منبر لإضفاء الشرعية الدولية على حركتها الخارجية, مما اثر هذا الهيكل البنيوي للنظام الدولي على سلوك وسياسات الدول الأخرى حيث عد (WALTZ)*[65] " أن البنية التكوينية للنظام الدولي له دور حاسم في تكوين السلوك الخارجي للدول حيث تركت فترة الحرب الباردة والنظام الثنائي القطبية بوادر للنظام الدولي الجديد للشرق الأوسط "[66].
ولذا فان السياسة الخارجية الإيرانية تبنت عدم الانضمام إلى إحدى الكتلتين وتبنت سياسة الاتحاد, مع استمرار سياستها العدائية للولايات المتحدة وبادرت في نفس الوقت إلى الاتحاد مع قوى منافسة لأمريكا وخاصة الحكومة الروسية[67].
ولقد لجأت العديد من الدول التي كانت تعمل مع المنظومة الشيوعية إلى التحالف مع الولايات المتحدة لاستتباب أمنها[68] ، وقد أرغم النظام الأحادي القطب أن يمارس تواجده في منطقة الخليج العربي ومن هنا فالدولة التي تسعى لتحقيق أمنها تبذل جهودا واسعة لتحقيق هذا الهدف[69].
مما لا شك فيه أن العدوان على العراق مثل فرصة ذهبية لإيران للتخلص من منافس إقليمي قوي أنهك قوتها العسكرية وحجم دورها الإقليمي- فهي تجني ثمار هدف تحطيم القوة التي أراد فرض نفسه بفعل عسكري متفوق القدرة [70].
لكن بنفس الوقت جعلها على تماس مع قوى عظمى يمكن أن تشكل خطر عليها من العراق بحكم الفارق في ميزان القوى وطبيعة الطموحات السياسية.
وان اختلال ميزان القوى لصالح إيران بعد تحرير الكويت وطرد القوات العراقية بقدر ما رأت الأولى فرصة تعزيز من مكانها ودورها في منطقة الخليج العربي, ولا سيما بعد أن عملت على استغلال موقفها من هذا العدوان لاسترضاء دول مجلس التعاون الخليجي والغرب بما ينهي عزلتها الإقليمية والدولية [71].
خامسا : الســياسة الخـارجية الإيــرانية فـي الخليج العـربي ...مرحلة التسعينات---------------- أن من الصعب تحديد الأجواء الأمنية في منطقة الخليج العربي في التسعينات فهي مدعات للقلق نتيجة للتطورات الدولية التي مرت بها المنطقة.
وبعد وفاة الخميني, ومجيء السيد خامنئي مرشدا عاما في إيران, وعلى اثر التعديل الدستوري والذي أعطى رئيس الجمهورية المزيد من الصلاحيات لاسيما موضوع توليه رئاسة مجلس الأمن القومي الإيراني والذي ينسق شؤون الدفاع والسياسة الخارجية[72].
وعلى الرغم من انتخاب رفسنجاني رئيسا لإيران الذي أسهم في دخول التيار البراغماتي إلى السلطة[73].
فان السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية شكلت مصدر قلق من حيث تأثيراتها على استقرار منطقة الخليج وأمنه وما تشعر به دول الخليج العربي من عرضة للتهديد وقد سارت علاقة إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي باتجاهين[74]:- الأول: حاجة إيران إلى توثيق العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية وتجنب العزلة الإقليمية والاستمرار في توسيع مجالات التعاون الاقتصادية والثقافية.
الثاني: رغبة إيران في انتهاج سياسة مستقلة وقوية وبعيدة عن المؤثرات الدولية والهيمنة الأمريكية, والاضطلاع بدور إقليمي مؤثر والمساهمة في توفير الاستقرار والأمن في منطقة الخليج العربي من خلال كونها شريكا رئيسا في الترتيبات الأمنية في الخليج وتستبعد التدخل الأجنبي غير الخليجي.
وقد حاولت إيران تجنب المواجهة المباشرة مع واشنطن مع التركيز على إقناع مجلس التعاون لدول الخليج العربي بأنه ما ينفع للولايات المتحدة الأمريكية لا ينفع لهم بالضرورة.
وان امن المنطقة والمحافظة عليه مرهون بدولها.
وحثت طهران الدول على الابتعاد عن الولايات المتحدة وأشارت إلى رغبة الغرب في السيطرة على المنطقة وعلى المصادر الحيوية كالنفط والإبقاء على سعره منخفضا وبث الشقاق بين الدول وتحريض كل دولة على أخرى دون اتحاد تلك الدول[75], وفي أثناء إخراج القوات العراقية من الكويت أخذت السياسة الإيرانية بخيارين:- 1- ممارسة دور إقليمي مؤثر لدولة قد أصبحت لها إمكانيات اقتصادية وعسكرية وتتمتع بنفوذ قوي مقبول يحافظ على مصالحها الأساسية ويوفر لها مكاسب وترفض الهيمنة الأمريكية والتواجد العسكري الأجنبي في المنطقة.
2- ممارسة دور مهيمن لدولة لها قدرات متزايدة بحرية وجوية وبرية ومحاولتها لحسم جميع المشكلات وتحقيق امن واستقرار المنطقة من خلال المشاركة الفعلية, فإيران تعد نفسها قوة رئيسة في منطقة الخليج العربي ومركز الدول الإسلامية ولها مصالحها وموقعها المهم الذي لا يمكن تجاهله[76].
وتشعر إيران بالخطر الدائم من وجود القوات الأجنبية الأمريكية كما أن هذا الوجود من منظور إستراتيجية يتطلب الإعداد الاستراتيجي لمواجهته[77].
وتدرك إيران من خلال السلوك السياسي لحدود القوة لأمنها, وقيود استخداماتها والخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها أو الانزلاق إليها إقليميا ودوليا[78].بعد أن أصبحت الأهداف الأمريكية غير قابلة للشك من خلال قيامها بترتيبات أمنية ثنائية مع معظم دول مجلس التعاون.[79]مما يزيد من التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة والذي ترفضه إيران بعده يمس سيادة واستقلال البلد ومرتبط بالإيديولوجية الدينية الرافضة للتسلط والخضوع, ويعكس هذا التنازع بين الدولتين بسبب تعارض مصالحهما القومية.
أن إيران لم تتمكن بسبب ما تعانيه من نقاط ضعف على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي من استثمار عناصرها السياسية لتأمين أهدافها الوطنية نحو الاستقلال ومواجهة التحديات العالمية على الرغم من موقعها المتميز جغرافيا واقتصاديا والواقع بين منطقتي الطاقة العالميتين الخليج العربي واسيا الوسطى, واستثمار هذا الموقع يؤدي بالنتيجة إلى أن تصبح إيران دواة منافسة اقتصاديا بين الدول العالمية[80].
أن الإستراتيجية الإيرانية في سعيها للحصول على قوة عسكرية قادرة على مواجهة التهديدات تعد من ابرز معالم السلوك الإيراني المثير للقلق الأمريكي ودول المنطقة وتحديد الجهود المتواصلة لبناء قوتها العسكرية, والسعي المكثف لإيران من أجل بناء ترسانة حربية تجعلها القوة الإقليمية الوحيدة وبالتالي فرض هيمنتها[81].
سيما أنها بلد ذو أبعاد إقليمية متعددة لذا فان إستراتيجية النزعة الانعزالية ورد الفعل لا يتناسب مع طموحاتها, حتى أخذت بالسعي لإثبات حضورها في الساحة الدولية, بعد أن استفادت من مبدأ الحيادية دونما مقابل خلال عاصفة الصحراء والأزمة الأفغانية.
يعد المسؤولون الإيرانيون أن التسلح يشكل أهمية كبيرة لبلادهم للحفاظ على استقلال البلاد ومستقبلها للأسباب التالية[82]: 1- إن عجز إيران عن تحقيق أهدافها المعلنة منذ بداية الثورة وتصدير ثورتها ومنها تغيير النظام في العراق بسبب حالة الوهن العسكري.
2- تحرير الكويت والعدوان الأمريكي وما نتج عنه من تسليح هائل لدول مجلس التعاون الخليجي.
3- الوجود العسكري الأمريكي الكثيف في منطقة الخليج العربي بحريا وجويا وبريا وإنشاء قواعد عسكرية لتواجد حاملات الطائرات.
4- تطورات الوضع في بحر قزوين وأفغانستان واحتمال دخولها في حروب من أجل مصالحها.
5- سعي إيران كقوة إقليمية مؤثرة في الحفاظ على امن منطقة الخليج العربي ورفض الهيمنة الأمريكية.
وحاولت تطوير أسلحتها وتحقيق أهدافها حسب ما تسمح به تطورات الوضع الدولي[83].
وتدرك إيران أنها ينبغي أن يكون مستوى نفوذها العسكري مساويا لكل من تركيا والهند وباكستان[84].
سادسا:عملية التسوية والمشروع الشرق أوسطي وأثرهـا على السياسة الخارجية الإيرانية-------------------- انسجاما مع فلسفة النظام الإيراني الدينية فان إيران تعتبر الكيان الصهيوني كيان غاصب لحقوق الشعب العربي الفلسطيني, وان قضية فلسطين قضية إسلامية وعربية وانطلاقا من هذا الفهم, فان إيران عارضت عمليات التسوية واتفاقيات اوسلو عام 1993, باعتبار الولايات المتحدة راعية وحامية لهذه المفاوضات وللكيان الصهيوني[85].
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عام 1995, ان السياسة الأمريكية الشرق أوسطية تصب في خدمة الأهداف غير المشروعة للكيان الصهيوني المغتصب أججت غضب المسلمين ضد الولايات المتحدة[86].
وفي عام 1996 قال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية (خامنئي) في حديث للتلفزيون الإيراني " أن الدول المساندة للإرهاب كافة لاسيما الولايات المتحدة التي ما تزال تدعم الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ستتلقى الضربة من الإرهاب[87].
وتجد الولايات المتحدة بان إيران تعمل على تقويض عملية التسوية من خلال: 1- الحملة السياسية والإعلامية ضد التسوية وخصوصا في المؤتمرات الإسلامية بعد أن أكد السيد خاتمي في قمة المؤتمر الإسلامي عام 1997 " لقد برهن التاريخ على أن أي سلام لن يكون ناجحا بدون أن يقترن بمدأ العدالة والأخذ بمطالب الشعوب[88]" كما أثبتت أزمة الشرق الأوسط أن السلام العادل لن يتحقق دون إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومن هذه الحقوق حقه في تقرير مصيره وعودة اللاجئين إلى أرضهم وتحرير الأراضي العربية المغتصبة وخصوصا القدس الشريف.
"وان طبيعة الكيان الصهيوني القائمة على استخدام القوة والعنف ونقضه المتواصل للعهود والمواثيق والقوانين الدولية وممارسة الإرهاب بجميع صوره وتطوير أسلحة الدمار الشامل كلها تهدد الأمن والسلم في المنطقة بشكل واضح"[89].
وأكد السيد خاتمي علينا أن نقدم المساعدة لدول المواجهة من أجل إنقاذ فلسطين وعملت إيران إلى تنسيق جبهة رفض لمعارضة عمليات التسوية من خلال دعمها للحركات الفلسطينية مثل حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, وقيادة حركة حماس وحزب الله في لبنان وتقديم الدعم العسكري من ناحية التدريب وتوفير المال والسلاح وان إيران تدفع ما يقارب (30) مليون دولار لحركة حماس سنويا[90].
أن استمرار دعم إيران للحركات الفلسطينية ومعارضتها لعملية التسوية.
فضلا عن قيامها بتدريب عدد من جماعات الرفض الفلسطينية[91].
حيث أكد رئيس جهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية محمد دحلان أن قرار مواصلة تصعيد العمليات ضد إسرائيل يمكن أن يكون لإيران دور متميز فيه.
وان دعم إيران للحركات الفلسطينية المعارضة لعملية التسوية يتوافق مع الموقف الإيراني من هذه العملية, وستبقى احد ابرز التقاطعات والإشكالات التي تؤثر على العلاقات الأمريكية –الإيرانية وستستمر هذه الاختلافات بحكم تأثير النفوذ الصهيوني على القرار الأمريكي ونعتقد أن تقليل الدعم الإيراني لهذه الحركات والتنظيمات الفلسطينية يمكن أن تخفف من حدة المواجهة بين البلدين.
رغم أن المشروع الشرق أوسطي قد ظهر منذ أوائل الخمسينيات كبديل عن المشروع العربي إلا انه لم يظهر كمشروع سياسي قابل للنقاش والتنفيذ إلا في أواخر التسعينيات وبالتحديد منذ انعقاد مؤتمر مدريد للتسوية عام 1991 واكتسب هذا المشروع زخما قويا مع إعلان الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي في اوسلو عام 1993 ثم انعقاد مؤتمر الدار البيضاء نهاية 1994.
هذا المؤتمر الذي دشن بداية انطلاق الموضوع الشرق أوسطي[92].
وتنظر إيران إلى هذا المشروع بأنه ولادة أمريكية وصهيونية وعد بيريز رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق" الشرق الأوسط الجديد" الذي يلعب فيه الكيان الصهيوني دورا قياديا بمثابة الوسيط أو الوكيل المعتمد بين المراكز الرأسمالية المتقدمة وبلدان المشرق والخليج العربي[93].
وبهذا المفهوم فان السياسة الإيرانية قد تتقاطع في أكثر من مكان مما يؤكد ذلك هو دعوة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي إلى إقامة مشروع «الشرق الأوسط الإسلامي الكبير» القائم على «الديمقراطية والتطور والتنمية واحترام كرامة شعوب المنطقة (...) التي تريد أن تكون بلدانها مستقلة وديمقراطية وتسودها قيم المعنويات الدينية التي تناسب العصر», مشيراً إلى أن شعوب الشرق الأوسط «عانت من حكومات مستبدة تابعة للغرب ومن حركات متطرفة تريد باسم الإسلام أن تفرض التخلف والفتن».[94] وبهذا فقد تكون الاختلافات واضحة بين الطروحات الأمريكية والمفاهيم الإيرانية مما قد يشكل عائقا لطموحاتها الإقليمية وتوسيع دائرة علاقاتها مع الدول الإسلامية باعتبارها مركز له وان هذا المشروع لا يمكن إتمامه إلا من خلال استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه[95].
وتجد إيران أن حالة التقاطع لسياستها مع المشروع الشرق أوسطي في أكثر من اتجاه: 1- العامل الإيديولوجي- يرى قيادي إيران بان الكيان الصهيوني كيان مغتصب لحقوق الشعب الفلسطيني والمسلمين, فهم يرفضون التسوية والمشروع الشرق أوسطي فقد رد خامنئي مرشد الثورة الإسلامية على إنهاء بعض الدول العربية لبعض أشكال المقاطعة للكيان الصهيوني"أنها خيانة عظمى للإسلام والعرب والفلسطينيين"[96] .
2- المشروع الشرق أوسطي له تأثير سلبي على المصالح الحيوية الإيرانية ووفقا للرؤيا الأمريكية والكيان الصهيوني فان هذا المشروع سيربط دول الخليج العربي بالمشروع المذكور الأمر الذي يهدد مركز إيران ودورها الإقليمي في الخليج العربي وسيؤدي إلى تنامي الدور الصهيوني والتركي في منطقة الخليج على حساب الدور الإيراني[97].
3- في حالة تقدم مسيرة التسوية فقد يربط سوريا ولبنان بالمشروع الشرق أوسطي وستفقد إيران احد أهم مرتكزاتها في علاقتها مع العرب وفي سياستها الشرق أوسطية.
4- وفي ظل السياسة الأمريكية إزاء إيران فأنها لم تسمح لإيران في إطارها الإيديولوجي من أن تشكل حجر الأساس لمشروع شرق أوسطي يضمن الأمن القومي الإيراني.
أن السياسة الخارجية الإيرانية ترفض المشروع الشرق أوسطي وتجد فيه محاولة أمريكية وصهيونية لعزلها عن محيطها العربي والإسلامي.
وهي ضد المشروع برمته كما أكده الكتاب الإيرانيين بدافع عقائدي واضح ولا تنظم إيران لمشروع هندسة شمعون بيريز[98].
وترفض ستراتيجية الولايات المتحدة التي انطوت على معطيات وحماية إسرائيل والتأثير على الأمن الإقليمي سلبيا[99].
اتخذت إيران موقفا رافضا للمشاريع الأمريكية في المنطقة منذ بداية الثورة عام 1979 ومنها مشروع العولمة والمشاريع المتفرعة عنها بدافع روحي وعقائدي وتدرك إيران بان لها نصيب اكبر من السياسة الكونية كونها تحتل موقع جيو- ستراتيجي وهذه الشبكة من المصالح ليس لمصلحة الولايات المتحدة فحسب بل لمصلحة إسرائيل اللذان يهدفان لمحاصرتها وفق سياسة الاحتواء المزدوج.[100] ترى السياسة الإيرانية أن نظام العولمة هو عملية تمزيق وبعثرة وتهميش دول وشعوب المنطقة وإدخالها في شرك هيمنة سياسية وعلمية وتطبيق مبدأ الأمن مقابل السلام كبديل عن الأرض.
وان رفض إيران بان تكون الولايات المتحدة شرطي متسلط في الدفاع عن الحرية والانفتاح واقتصاد السوق من طرف وتقوم بتعزيز الصراعات وخلق الأزمات والتبدلات الإقليمية لصالح عناصر محدودة في برنامج العولمة وهو ما يتعارض مع الأصول الفكرية للثورة الإيرانية[101].
وتجد إيران بان الرفض لنظام العولمة لا يأتي بالرؤيا العدمية بل بتفعيل المشاركة الواسعة والاستفادة من برامج وقرارات هيئة الأمم المتحدة وحركات التحرر.
والتصور الإيراني لا ينسجم مع التوجهات الأمريكية والصهيونية في المنطقة التي تدعم هيكلية نظام الشرق الأوسط الجديد الذي تريده[102].
لقد وجد نظام العولمة ضالته في تجديد الحصار الأمريكي على إيران حتى جاءت زيارة خاتمي إلى ايطاليا والفاتيكان ومقابلة حضرة البابا في روما هي جزء من السلوك السياسي الإيراني لتوجيه ضربة لسياسة الاحتواء الأمريكية واستفزازها السياسي[103].
------------------------------------------------------------------------------- 1] - مرتضى مطهري," قضايا الجمهورية الإسلامية", دار الهادي, الطبعة الأولى, 19981, ص 9-10.
[2] - صحيفة الكويت, ج5, ص205.
[3] - صحيفة الإمام, ج19, ص95, في 28/10/1984.
[4] - أنور شيروان احتشامي, (السياسة الخارجية الإيرانية في عهد البناء), ترجمة إبراهيم مستقي, زهرة يوستيخي, طهران, مشورات الثورة الإسلامية, ص74-75.
[5] - مصدر سبق ذكره, ص75.
[6] -أطروحة, أمير محمد حاجي يوسفي, نظرية وليتس والسياسة الخارجية الإيرانية, بحث تطبيقي لدراسة خصائص فترة الحرب الباردة وما بعدها: انظر: مجلة العلاقات الإيرانية الدولية, السنة الثالثة, العدد السادس, حزيران, 2003, ص51-54.
Zabih,sepehr,Iran since the revolution ,London, 1988,p168-169.
-[7] [8] -زهير مارديني, الثورة الإيرانية بين الواقع والأسطورة / دار اقرأ للنشر, بيروت, 1986, ص 73-79.
[9] -دكتور شاه بور حقوقت, إيران الثورة الناقصة والتنسيق الأمريكي, ترجمة مركز البحوث والمعلومات, بغداد, ص25.
[10] The constitution of the Islamic republic of Iran: Adopted on: 24 Oct 1979, effective
وسنركز في هذا المبحث على اثر المتغيرات الداخلية ومراحلها مع الإقرار بان هناك العديد من العوامل والمتغيرات الأخرى لها تأثير في التوجه الأمريكي وسياستها باتجاه إيران المطلب الأول : مرحلة الخميني ،بداية الثورة الإسلامية عام 1979 م -------------- منذ قيام الثورة في إيران ومجيء نظام الخميني إلى السلطة حدد نظامه أهم أهدافه للسياسة الخارجية الإيرانية, بعد إزالة كل مراكز النفوذ والتأثير الموالي للغرب وبدأ بالتحرك السياسي المعادي للغرب وللولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص من خلال تطهير واسع في صفوف الجيش والسافاك ( الجهاز الاستخباري السري ).
والاهتمام بالمسلمين بشكل خاص وعلى هذا الأساس شيدت الحكومة الايرانية وسياستها الخارجية على المحاور التالية:[1] 1- اتخاذ سياسة الحياد تجاه القوى العظمى وأكد الخميني بان الحكومة الإسلامية الإيرانية هي كالزيتونة لا شرقية ولا غربية[2].
2- تطوير أشكال التعاون مع دول العالم الثالث.
3- تبني التقارب الإسلامي, وتبنى لهذه السياسة أربعة محاور: أ- مخالفة النظام الغاصب الإسرائيلي بصورة جادة, وما دامت أمريكا تدعم إسرائيل فلا تعامل لنا معهم.[3] ب- معارضة رؤى وتوجهات قادة الدول العربية المجاورة للخليج العربي والمعتدلة.
ج- بذل الجهود للتعاون مع جبهة الصمود والتصدي.[4] د- تشييد علاقات براغماتية مع كل من باكستان وتركيا [5].
وفي عهد الإمام الخميني تبنت إيران سياسة راديكالية تجاه دول الخليج كانت ترتكز على الرفض Reject وان العامل الأساسي لهذه السياسة يكمن في موضوع مهم ومحوري تعتني به السياسة الإيرانية حيث المخالفة الإيديولوجية للنظام الأمريكي والإسرائيلي ولم تبادر إيران حينها بتشييد اتفاقات لاكتساب الدعم السوفيتي بل بادرت إلى معارضة الدول التي تقع في منظومات القوى الكبرى وتنعتها بالمرتزقة والتابعين للإسلام الأمريكي وبائعي القضية الفلسطينية مما أدى إلى تخاصم مع النظم القائمة في الخليج والولايات المتحدة دون الاستظهار بالاتحاد السوفيتي[6].
وقد حاولت الولايات المتحدة إزاء هذا الموقف احتواء السياسة الإيرانية والعمل لاستثمار أي فرصة لتحسين العلاقة مع هذا البلد كما عملت على منع امتداد النفوذ السوفيتي إلى إيران.
وكانت التوجهات السياسية الإيرانية بعد الثورة لاتخاذ مواقف معادية اتجاه القوى العظمى المؤثرة التي من الممكن أن تقدم المساعدة للشاه المخلوع.
وان الثورة الإيرانية انتهجت سياسات خارجية حددت فيها مواجهة المخاطر ليس فقط من القوى الدولية وإنما من التحالفات الإقليمية في المنطقة[7] واتخاذ سياسة الحياد.
لقد كانت عملية احتجاز الرهائن الأمريكيين داخل السفارة الأمريكية في طهران من قبل الطلبة بقيادة حجة الإسلام الخونئي والذين يتلقون تعاليمهم مباشرة من الخميني بشكل مباشر, حتى استمر حجزهم لمدة 444 يوم.
حيث بدأت خيارات الأمريكان في التعامل مع هذه الأزمة محدودة, بعد العملية العسكرية الفاشلة في 25/ نيسان /1980 [8].
وقد ذهبت الحكومة الأمريكية إلى الضغوط السياسية الاقتصادية لمعالجة مشكلة الرهائن وقد برز ذلك التهديد إلى اللجوء إلى خيارات المواجهة.
وكانت الإدارة الأمريكية تحاول التوفيق بين سلامة الرهائن والتعجيل لإطلاق سراحهم من جهة ومنع تقرب الإيرانيين من الاتحاد السوفيتي.
ولتحقيق مصالحها في المنطقة.
فضلا عن الموقف الأوربي غير المحبذ لفكرة التدخل العسكري لاعتبارات سياسية واقتصادية.
لذا فان الإدارة الأمريكية رجحت الركون إلى المنهج الدبلوماسي لحل الأزمة وتبني وسائل المقاطعة الاقتصادية والضغط السياسي بغية إطلاق سراح الرهائن ودفع إيران إلى خيار تغيير سياستها[9].
لقد تمكن الزعيم الخميني من توظيف الطابع العقائدي للثورة الإيرانية, حيث قدم فكرته المسماة ( الحكومة الإسلامية ) على أساس ولاية الفقيه[10] مما أعطى الأولوية للعامل الإيديولوجي العقائدي في تكوين الدولة وسلوكها السياسي[11].
حيث أطلق خلال العقد الأول من عمر الثورة شعار(رجعية العالم العربي والعاملين بالإسلام الأمريكي) وأمر الخميني بقطع العلاقات مع أمريكا فضلا عن احتلال سفارتها في طهران من قبل الشعب بعدها مركز للجاسوسية وبذلك فالثورة الإيرانية تبنت مفهوم الحدود الإيديولوجية فولاية الفقيه ولاية إيديولوجية, والفقيه له دور قيادي ومنظم منتخب من الشعب وفق أسس الديمقراطية ومنهجية الإسلام, والتمسك به يدعم الثورة, وتصدير الثورة تعده إيران غزوا معنويا لإضفاء القوة, ومساندة الحركات الإسلامية تعده هدفا حيويا.[12] باعتبار الإسلام مدرسة فكرية وإيديولوجية لتنظيم الحياة البشرية[13].
ويتمثل في تصدير مفهوم الثورة وطروحاتها إلى باقي الدول بدءا بالدول المجاورة وهو ما عرف على نطاق واسع بمبدأ" تصدير الثورة".
ولا بد من الإشارة إلى أن الدستور الإيراني يعد المصدر الأساسي لاستلهام أصول السياسة الخارجية, حيث أكد على سعادة الإنسان في كل المجتمعات البشرية وتنظيم السياسة الخارجية وفق معايير إنسانية ورفض أي نزعة عسكرية والتسلط والخضوع لقوى الاستكبار العالمي, المتمثلة بالهيمنة الأمريكية وتحقيق النصر على المستكبرين وتوسيع العلاقات الدولية مع الحكومات الإسلامية وشعوبها لبناء الأمة الواحدة[14] .
وجعلت السياسة الإيرانية مبدأ تصدي ر الثورة هدفا حيويا ومصيريا سواء على البعد العقائدي أو البعد المتعلق بمصلحة النظام, ووضع له إستراتيجية خاصة لها وسياسات تستند إلى مصادر وامكانات وطاقات لتنفيذها[15].
وبالتالي أصبح تصدير الثورة وسيلة وغاية لكسب المناصرين لإيران ومواجهة التحديات الخارجية وإضفاء الشرعية عليها.
وهو ما عبر عنها استاذ العلوم السياسية ( رمضاني) بقوله " طالما آمنت إيران بأن حدود الدولة الإسلامية تتجاوز حدودها السياسية كدولة قومية"[16].
لقد عبرت المادة (144) من الدستور بعد أن وصفت الجيش الإيراني بنصها " يجب أن يكون جيش الجمهورية الإيرانية جيشا عقائديا وشعبيا,وان يظم أفراد لائقين مؤمنين بأهداف الثورة (الإسلامية) ومضحين بأنفسهم من أجل تحقيقها[17].وان القيم الإسلامية حيث تجعل النظام أكثر تماسكا في بناء الدولة والاستقلال وحق الشعوب في الحرية والديمقراطية[18].
وعد التوجه الإيراني في تلك المرحلة يعد خطرا على التوجهات الأمريكية التي تهدف إلى الهيمنة على منطقة الخليج لتحقيق مصالحها وما ازداد من المخاوف الأمريكية هو تصريحات الخميني (التي تحمل تهديدا للنظم الخليجية بأنها أصبحت هدفا لمبدأ(تصدير الثورة)[19].
وما الاضطرابات التي حدثت في السعودية والكويت عام 1980 تهدف إلى التمهيد إلى التغيير[20] .
أما المادة (152) من الدستور الإيراني فتؤكد على أن تقوم السياسة الخارجية الإيرانية الإسلامية على أساس رفض أي نوع من أنواع التسلط والخضوع والحفاظ على الاستقلال التام لوحدة أراضي البلاد والدفاع عن حقوق المسلمين كافة وعدم الانحياز للقوى المتسلطة.
أما المادة (153) تؤكد على منع إبرام أي معاهدة تفضي إلى السيطرة الأجنبية على الثروات الاقتصادية وتأكيدها على التحرر الاقتصادي من خلال منع الأجانب من تأسيس شركات أو مؤسسات من قطاع التجارة والصناعة.
وهناك بعض المواد في الدستور تمنع إقامة قواعد عسكرية ولو كان هدفها للأغراض السلمية.
أخذ تصريح بعض المسؤولين الإيرانيين في بداية الثورة ومنهم تصريح صادق روحاني بعدم اعترافه بدولة البحرين والمطالبة باستعادتها قد زاد من حدة التوتر في العلاقات الإيرانية البحرينية[21].
ومن جانب آخر دعوة الخميني برفض الغطرسة لدى المعسكر الأقوى على المعسكر الآخر الذي قد يكون العامل في تدفق العنف الذي يتهم به الإسلام.
كما أكد الخميني على أن لا يجب أن يقف في وجه الغرب (الانا الآخر) الذي يزداد فاعلية يوم بعد آخر للاحتجاج على الأسس الإيديولوجية التي تقوم عليها قيادات الغرب وممارستها السياسية[22].
واستمر الخميني بتأكيداته على أن المؤامرات والخطط الأمريكية قد تكرست بعد الثورة الإسلامية وتريد إجهاض وتطويق النظام الإسلامي وإفشال الثورة.
ويرى الكاتب والباحث السياسي (اوليفية) في كتابه (فشل الإسلام السياسي) الذي حملت النسخة المترجمة منه في إيران اسم ( تجربة الإسلام السياسي).
يقول أن تجربة إيران مهمة سواء قبل بها العرب المسلمون أم لم يقبلوا أو سواء أثرت فيهم أم لم تؤثر في أي حال, المهم هو أن تنجح إيران في الطريق الذي اختارته لنفسها وان توفق في حل مشاكلها الاقتصادية والسياسية, لأنها أن نجحت, ففي ذلك نجاح عظيم للإسلام السياسي, أما إذا واجهت بعض المشاكل والأزمات فان ذلك سيؤثر في الإسلام السياسي على الأقل.
ولذلك يمكن أن تراهن الولايات المتحدة الأمريكية على هزيمة إيران في المواجهة المستقبلية مما يفضي إلى هزيمة للإسلام السياسي برمته.
لمطلب الثاني : السياسة الإيرانية في مرحلة ما بعد الخميني 1989 م ---------------------- لم تكن وفاة (الخميني) وتولي رئاسة الجمهورية من قبل قيادات توصف بالاعتدال والبراغماتية مدعاة للنظر بتفاؤل نحو مستقبل الدبلوماسية الإيرانية طالما لم تخرج من الإطار الإيديولوجي لسنين الثمانينات[23].
فبعد 24 ساعة من وفاة الخميني في 3/6/1989 صادق مجلس الخبراء في اجتماعه الطارىء بتاريخ 4/6/1989 على تعيين ( علي خامنئي) خليفة له بمنصب ولى الفقيه والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وأكد خامنئي على التمسك بنهج وخطى (الخميني) وتعاليمه وتعهد بتطبيقها بحذافيرها[24] وعليه فان ما يفهم من ذلك,هو استمرارية النهج الإيراني.رغم التغيرات المؤسساتية والشخصية التي طرأت عليه.
وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في (30تموز عام 1989).أشار (علي هاشمي رفسنجاني) في خطاب توليه السلطة إلى ضرورة تخلي المتشددين عن تطرفهم وان يتيحو الفرصة أمام الإصلاحات الاقتصادية[25] أولا:- السيــاسة الخارجية الإيـرانية – مرحـلة رفسنجـاني...----------------------- مع تأكيده على التمسك بمنهج المرحلة السابقة وأفكارها[26].وهنا يمكن القول أن مبدأ "تصدير الثورة"مع انه يأتي كأساس للنظام الإيراني في عهد رفسنجاني إلا أن وسائل تطبيقه قد اختلفت[27],أخذين بنظر الاعتبار الأوضاع الداخلية الإيرانية السيئة, وحاجة إيران إلى كسر عزلتها والانفتاح على العالم لحل مشكلاتها وبالذات الاقتصادية, ولهذا شهدت مرحلة التسعينات سياسة إيرانية منفتحة على الصعيد الإقليمي مع جاراتها الشمالية الغربية (جمهوريات آسيا الوسطى والجارات الجنوبية الغربية (دول مجلس التعاون الخليجي) حتى مع تركيا في الغرب وعلى الصعيد الدولي مع أوربا ودول العالم الثالث.
وقد أكد رفسنجاني (الرئيس الإيراني الأسبق) بقوله"رغم أن إيران تركز في سياستها الخارجية على آسيا الوسطى والخليج إلا أنها أميل إلى التركيز على الخليج, لان المشكلات الأمنية المباشرة لإيران تكمن في تلك المنطقة" [28].
أن نفوذ قوة دولية تفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم يمكن أن تعرض الثورة الإسلامية في إيران بضرر كبير وتخلق لها مشاكل وأزمات, وبالتالي يمكن أن تستخدم وسائل متطورة من اتصالات وإعلام للتأثير على روحية وتطلعات الجيل الإيراني الجديد.
وتؤكد إيران حول مسألة تصدير الثورة إنما هي سياسة ثقافية لإخفاء القوة الإيرانية التي تعده هدفا مبدئيا[29], لانتشار قيمها بشكل اشمل[30]وغير إجبارية أو عسكرية.
وان الأسس البراغماتية التي جاءت بها حكومة رفسنجاني من رسم السياسة الخارجية قد اتسمت بالمزج بين الأهداف الإيديولوجية والواقعية دون التخلي عن الطابع الإيديولوجي المميز لها[31].
وذلك باستخدام الأساليب غير المباشرة للنفوذ والتأثير مثل: 1- إنشاء مراكز ثقافية ودينية لتعميق الحوار وتوسيع المعلومات.
2- تقديم منح دراسية لطلبة بعض الدول الإسلامية وزيادة حالة.
3- مد جسور مع المذاهب الأخرى وتطوير المفاهيم والتقليد لتصبح نافذة ومؤثرة[32].
4- تشجيع المنظمات الدينية المتطرفة وتقديم الدعم لها بصورة غير منظورة[33], وكان من أهم أوليات حكومة رفسنجاني هي مواصلة العمل في البرنامج النووي الإيراني والاهتمام بالتطور التكنولوجي إيمانا منها بأن زيادة القدرة العسكرية والقتالية تعد احد عناصر الحماية لأمنها القومي فضلا عن الاحتفاظ بالسيادة المستقلة للبلاد ووسيلة للبناء والتنمية.
ففي تسع سنوات قطعت إيران علاقتها مع عشرين دولة وليس لإيران خارج العالم الإسلامي سوى صديقين كوريا الشمالية- نيكاراغوا وحمل رفسنجاني مسؤولية عزلة إيران هذه لخامنئي وهذا ما أكده التقرير الذي أصدرته الخارجية الإيرانية محدود التداول وتغاضت عن احتلال أكثر من (40 ) سفارة من طهران, واعتقال نحو( 150) دبلوماسيا.
بعضهم من دول صديقة لإيران مثل ليبيا,سوريا, اليمن باكستان واتهم رفسنجاني خامنئي عن تخويف الدول المجاورة لإيران مما أدى إلى تحالفها مع العراق[34].
انيا : السياسة الخـارجية الإيـرانية – مرحـلة محمد خـاتمي...-------------------------- يمكن القول أن عهدا جديدا قد بدأ وان إيران ستمد يدها لكل الدول على أساس الاحترام المتبادل والاستقلال وخدمة المصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى, فضلا عن نيته لسياسة الانفتاح[35], فعلى الرغم من إن السيد (خاتمي) وان كان راغبا في تغيير سياسة إيران الخارجية ليكسب القبول في المحافل الدولية, إلا أنه لا يملك لوحدة سلطة فعل ذلك.
(فخاتمي) برئاسته للسلطة التنفيذية وان كان له صلاحيات واسعة في كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية.
إلا انه لا يستطيع أن يفعل كل شيء في كل وقت وبكل الطرائق والوسائل ولا سيما في وجود المرشد الأعلى (علي خامنئي) لأنه لا يملك فرصا واسعة في رسم السياسة الخارجية دون الرجوع إلى المرشد الأعلى الذي يمثل المركز الأول في هرم السلطة في إيران[36].
حيث أشار أن عهدي سيكون أمينا على ميراث الثورة الكبير وإتباع سياسة خارجية تنشد السلام والأمن على شعار مؤداه "العزة والحكمة والمصلحة " في نفس الوقت[37].
وان المهم في سياستنا هو إيجاد الموازنة في أن تكون إيران أمينة للإرث الذي تركه الخميني في مواجهة قوى الاستكبار التي تريد الهيمنة والوصول إلى مطامعها وبين سياسة الإصلاح والمرونة في علاقات إيران الخارجية.
وان عدوان العراق على الكويت منحت المبررات للقوات الأجنبية بان تمارس حضورها في هذه المنطقة أكثر لتكثيف مكانتها الحربية في هذه المنطقة.[38] توصف سياسة خاتمي بالاعتدال والتعقل, لكن لم يحدث على السياسة الإيرانية.
أي تحول جذري خاص اتجاه الولايات المتحدة لاعتبارات شخصية وإيديولوجية[39].
وقد تأكد هذا التصور بعد صدور الوثيقة السرية لما يسمى بـ (شورى الثورة الثقافية الإيرانية) عام (1998) والتي أكدت بان الحكومة الإيرانية فضلا عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد[40]وحقوق الشعب فهي حكومة تجعل من تصدير الثورة على رأس أولوياتها مع الانصياع لمقتضيات البيئة الدولية في الاعتدال والانفتاح.
" وحتى في عهد سماحة الإمام (الراحل الخميني) لم يُفسّر تصدير الثورة بالتدخل في شؤون الآخرين, وقد تجاوزنا منذ سنين سوء الفهم في هذا الشأن.
ودعوة إيران إلى ضرورة الالتزام بالسيادة القطرية لكل بلدان المنطقة[41].
ونحن لم نسمح لأنفسنا أبداً بفرض نموذجنا من الحكم عليهم ، ليس لدي أبداً أي قلق أو اضطراب، وتصدير الثورة بالصورة التي يوحيها البعض لم يكن أبداً جزءاً من السياسات الأساسية للثورة الإسلامية، والأعداء هم الذين يروجون لهذا المعنى، وإذا كان هناك مَن تحدث في هذا الشأن، إما أنهم يجهلون معنى ذلك أو لم تكن لهم نيات خيرة، وهم لا دور لهم في سياستنا الخارجية".[42] وان إيران لجأت إلى الموائمة بين الإيديولوجية الدينية التي انتهجتها عام 1979 وبين التطورات التي يشهدها النظام الدولي عام 1989 وتحاول أن تمسك العصى من النصف ليترك طرفاها في بقاء النظام واستمرار قوته.وتجاذبه وتفاعله مع المستجدات الدولية وعلينا أن نميز بين الشعب والحكومة في أمريكا فنحن لا نقف في مواجهة الشعب الأمريكي – ولم نحتقر الشعب الأمريكي أبدا[43] وان الشعب الذي يرفع شعار "الموت لأمريكا"لا يقصد إلا رؤساء النظام الأمريكي ومنهم كارتر.[44] ولقد أكد خاتمي أن احد الأخطاء التي اشتهرت بها السياسة الخارجية الأمريكية وهي أن هذه السياسة رسمت وكأن الحرب الباردة لا زالت قائمة" وجرى الحديث في بعض الأوساط الدولية بان الإسلام العدو اليوم: وللأسف فان الهجمات التي استهدفت الإسلام التقدمي والتي مثلته إيران بـ " ثورتها الدستورية " وطرحت مفاهيمها ببعدين الأول إعادة عرض المفاهيم الدينية بالشكل الذي يضع الدين والحريات بمسار واحد غير متناقض.
وبعد مرور أكثر من أربعة قرون لتأسيس الحضارة الأمريكية فان التجربة الإنسانية اثبت لنا أن الحياة السعيدة يجب أن تكون مبنية على ثلاث أسس, الالتزام الديني- والحرية-والعدالة.
وهذا البعد الذي تريده الثورة الإسلامية في إيران[45].
وان السياسة الإيرانية لا ترغب في التخلي عن إيديولوجيتها ولا في التخلي عن الأنشطة السياسية التي تعدها مرادفا لقيمها[46].
وحسب التصور الأمريكي لا تزال بعض العناصر المتشددة في الحكومة الإيرانية إلى مراحل متقدمة تتبنى سياسة "تصدير الثورة" وتبذل جهودا لتطوير القدرات العسكرية الإيرانية تحقيقا لهدفها الأعلى لتجعل إيران القوة الإيرانية المهيمنة[47], وهذا مما لا يتفق مع التوجهات الأمريكية في المنطقة.
فمع تفكك الاتحاد السوفيتي (1991) وجدت إيران فيما سمي (بالفراغ الإيديولوجي) الأمر الذي زاد من المخاوف الأمريكية من نشر إيديولوجية إيران الدينية.
بعد مرحلة الشيوعية, وما يزيد من حدة المخاوف الأمريكية استفادة إيران من خبرات جمهورية السوفيت في مجال تطوير برنامجها النووي الذي يؤدي بالتالي إلى زيادة قوتها في منطقتين نفطيتين بحر قزوين ومنطقة الخليج العربي.[48] مما يفضي إلى اختلال ميزان القوى الإقليمي حسب التصور الأمريكي بان الساسة الإيرانيون ممكن أن يستغلوا فرصة لتنشيط دورهم الإقليمي ومحاولة فرض الهيمنة الإيرانية عليها تحت ذرائع دينية.[49] وقد أشار خاتمي في لقاء صحفي مع الصحفية (كريستين فانبور) من شبكة الأخبار CNN "بان الشعب الإيراني انتفض وحارب من أجل الاستقلال وانتصر بالكلام وليس بالسلاح.
وان سياستنا قد ترى هناك أضرار وسلوك خاطيء من الطرف الأمريكي يتمثل بالخسارة الكبيرة التي لحقت بالشعوب المحرومة والمظلومة.
وان هذه الشعوب عقدت آمالا على أمريكا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد بلوغ حركات التحرر والاستقلال الذروة من الدول الاستعمارية.
وهذا ما زعزع الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية[50]".
"وان الإسلام دين يدعو البشرية إلى التعقل واعتماد المنطق والوحدة في عبادة الله وعلى أساسه وضعنا ثورتنا وبالتالي فانه يعترف للإنسان في حق تقرير مصيره, وهو يعلن بان العلاقة بين الشعوب يجب أن تقوم على أساس المنطق والاحترام المتبادل, وان الإسلام لا يعادي احد ويدعو إلى الحوار والتفاهم والسلام بين كافة الشعوب- وهذه هي سياستنا[51]" وحول العلاقات الإيرانية فقد أكد : "لقد بذلت الحكومة الايرانيةقدر استطاعتها, جهودا لإزالة التوترات وتشييد أسس الاعتماد المتبادل من خلال حوار الحضارات بدلا من صدام الحضارات التي لها سمات سلبية, وخاصة مع الدولة الخليجية المجاورة ومنها البحرين, والتنحي عن وجهات النظر الأجنبية والبدء بصفحة جديدة من التعاون الاقتصادي متجنبة المشاكل الجانبية.
لاستتباب الأمن في المنطقة وتهنيء إيران "الائتلاف العالمي للسلام" عن طريق الحوار"[52].
ثالثا :السيـاسة الخـارجية الإيرانية بعد انتهاء الحـرب العراقية - الإيرانية...-------------- كانت نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 الذي تم بموجبه قبول إيران بقرار 598 والذي عبر عنه الخميني مثل تجرع السم كان حدثا ألقى بتأثيره على السلوك السياسي الإيراني.
فقد كان توجه السياسة الإيرانية ليس للدفاع عن استقلال البلاد كما قال الخميني " نحن لا نقاتل دفاعا عن إيران وإنما نقاتل دفاعا عن الإسلام ومن أجل نشر الإسلام والثورة الإسلامية[53].
وهناك من يعد الحرب نتيجة للثورة الإيرانية ولمبدأ تصدير الثورة مما نتج من ذلك بان يكون هدفا ووسيلة في أن واحد بغية نشر النفوذ الإيراني في المنطقة في تلك الفترة[54] وفي عام 1988 وصلت إيران إلى تقديم لمجريات الوضع العام في المنطقة ولوقائع الحرب, وكان تزامنا مع الصعوبات الاقتصادية اثر انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وتراجعها إلى أدنى مستوى خلال العشرين سنة الأخيرة.
وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1977-1989 إلى 15% وارتفاع نسبة البطالة إلى 40% وإلحاق أضرار في البنية التحتية للاقتصاد الإيراني مما الحق بالطاقة الكهربائية والمنشآت النفطية والبتروكيمياوية والمصانع من دمار كبير[55], وانعكس ذلك على قابليتها في ترجمة أفكارها وبالتالي تسهيل احتوائها.مما حدى بخلفاء الخميني بان يمنحوا للوضع الاقتصادي السيئ فرصة متقدمة لتحسين ظروف إيران الاقتصادية.[56] وبعد وفاة الإمام الخميني 1989 تم انتخاب علي اكبر هاشمي رفسنجاني رئيسا لإيران باعتنباره رئيسا لمجلس الأمن القومي الإيراني, وقد عكست هذه التعديلات الرغبة في الانتقال من مرحلة تثبيت الثورة إلى مرحلة إعادة البناء والإعمار لتمكينها من تحقيق أعلى قدر من الإصلاحات[57].
وقد أدركت إيران بأنها غير قادرة على تغيير الخريطة السياسية للمنطقة وان عليها معالجة أوضاعها الداخلية, وعملت على احتواء المكانة الدولية التي احتلها العراق عقب انتهاء الحرب كما عملت على تحسين علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي وان تحقيق ذلك كان يترتب عليها أن تعمل باتجاه تعزيز الاستقرار في المنطقة وفي هذا الصدد بين الرئيس رفسنجاني انه يجب على إيران أن تتوقف عن استعداء الآخرين وان تحجم عن التدخل في شؤونهم الداخلية وإزالة الآثار السلبية والوصول إلى العقلانية.[58] ويعد هذا مؤشر على أن إيران تنحو بسياستها إلى أفاق جديدة وتطوي شعارات الماضي وإقامة علاقات طيبة على المستوى الإقليمي والدولي وتسهم في فك عزلتها ، وكان لهذا التوجه جزء من مبادرة للتوافق مع سياسة الولايات المتحدة بعدما كانت تسعى إلى تحجيم إيران واحتواءها وإيقاف سلوكها لتصدير ثورتها باتجاه دول الخليج .
وكان لسياسة الانفتاح الإيرانية انعكاس طيب لتحسين العلاقة الإيرانية الأمريكية ولنبذ سياسة الانغلاق وإتباع سياسة انفتاح اقتصادي ومعالجة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها وهذا ما أكده الرئيس الإيراني رفسنجاني إذ قال" أن إيران لن تتمكن من بناء السدود بالشعارات وحدها"[59].
وقد شهدت السياسة الخارجية الإيرانية تحولا أساسيا في اتخاذ القرار لما لرئيس الجمهورية " رفسنجاني " التأثير الشخصي والثقافي لرئاسته على السياسة الخارجية الإيرانية, في مرحلته الموسومة بالبناء والإعمار بحيث أصبح الاقتصاد هو محور السياسة الخارجية بعد أن تصدرت الأهداف الاقتصادية لائحة السياسة الخارجية.
وقد شهدت السياسة الخارجية الإيرانية بترميم الثغرات واعتماد سياسة الاعتدال في مرحلة رفسنجاني واعتماد سياسة الحوار لنزع التوتر وبناء الثقة والإتلاف حتى تركت بصمات معلنة وآثار واضحة بعدما شهت علاقات توتر مع الدول العربية منذ نجاح الثورة بسبب الدعوات المتزايدة بان لإيران إطماع كبرى في التوسع وإثارة الخلافات مع الدول الخليجية, وكان لواشنطن دور كبير في تفعيل حدة الخلافات في مراحلها الأولى إلا أن القلق الخليجي قد قلت حدته في هذا المجال, عندما حاولت إيران تخفيض مصادر هذه الخلافات وإيمانها بحل المشاكل بطرق واقعية وبناءة.
إن الأمر الذي وضعته إيران في سياستها اثر انتهاء الحرب مع العراق والذي أصبح واحدا من أهم مصادر الخلاف مع الولايات المتحدة هو تفعيل قدرتها وإمكاناتها للتزود بأسلحة الدمار الشامل.
وان القادة الإيرانيون توصلو إلى الأعتقاد بان العامل الحاسم في تشكيل بيئة إستراتيجية آمنة في الخليج العربي هو عن طريق القوى العسكرية المتفوقة من خلال الحصول على أسلحة الدمار الشامل فضلا عن إيجاد صيغة تفاوضية كفيلة لحل المشاكل والابتعاد عن استخدام الترهيب والتهديد وبذلك تحافظ على توازن ستراتيجي وإقليمي.
وان مساحة إيران وعمقها الاستراتيجي الواسع يمنحها إمكانية استنزاف الخصم إقليما, وعدم تعرضها للاختناق أو الشطر بسهولة مما يجعلها أكثر قدرة على مناورات عسكرية كبيرة ويعطيها هامشا واسعا للحركة.
وبذلك تسعى إيران من إيجاد وضع ستراتيجي أفضل, وفق ما حصل في باكستان من خلال تطوير نموذجها النووي, أما أفغانستان فتفيد التقارير الواردة بان لها تعاطي واسع للمخدرات ويواجه الشعب الأفغاني أعباء كثيرة بسبب تواجد القوات الأمريكية والغربية فضلا عن حركة طالبان مما يشكل قلقا واضحا لإيران كدولة جارة لهاتين الدولتين.[60] أما في الشمال فتنظر إيران على انه جزء من مجالها المكاني اقتطع من أراضيها شمالا.وحصلت على استقلالها من النفوذ السوفيتي ولكن القوى الإقليمية الكبرى تنظر إلى أقاليم وسط آسيا بأنها عمق ستراتيجي قاري والتقارب الاستراتيجي الإيراني مع دول أواسط آسيا قد يشوبه الحذر, أما الحدود الغربية شمال الخليج فيعده الفكر الاستراتيجي الإيراني المقبرة المزمنة التي تدفن فيها الأحلام الإيرانية في كل مرحلة.
فهناك ثلاث حلقات للصراع وهي سلاسة حضارية إيديولوجية, صراع قومي عربي فارسي, وقلاقل كردستان المزمنة على الحدود العراقية الإيرانية.[61] رابعا: نهاية الحــرب البـاردة وأثرهـا على السيــاسة الخارجية الإيرانية---------------------- أن عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم أحادي القطب تحركت الولايات المتحدة لمليء الفراغ الذي خلفه الاتحاد السوفيتي في ساحة الصراع الدولي وعليه تبنت إيران سياسة لا شرقية ولا غربية من أجل تحقيق هوية واضحة لها, وان الصراع لهذا الهدف وتحقيقه كان قد سبق نهاية الحرب الباردة بعقد كامل[62].
وقد ألقت نهاية الحرب الباردة بظلالها على السياسة الإيرانية, وكان استقلال دول آسيا الوسطى اثر انهيار الاتحاد السوفيتي قد اتاح فرصة ذهبية للسياسة الإيرانية لكن انعدام الإدارة الإستراتيجية سببت في عدم تحقيق المصالح الوطنية وساهم في ظهور تهديدات أمنية لإيران.
وعلى الرغم من ضعف الدول المجاورة من الشمال (تركمانستان, وأذربيجان, وأرمينيا) فان منهجية النزعة الانعزالية التي قادت ركب السياسة الخارجية الإيرانية في بعض المراحل والتي أعقبت الحرب العراقية –الإيرانية ويمكنها أن تلعب دورا كبيرا وأكثر فعالية من السياسة الدولية فضلا عما يضيف وجود الجمهوريات الإسلامية الجديدة من فرص أمام طموحاتها الإقليمية وما يمكن أن تلعبه سياستها الخارجية من ادوار لم تكن متاحة لها من قبل[63].
وقد وجدت إيران مع هذا التوجه أنها تتقاطع من جديد مع سياسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة المهمة لاستراتيجيتها وما تعمل عليه كلتا الدولتين من أجل صياغة عمل جديد لخدمة مصالح كل طرف من منظوره الاستراتيجي على المدى البعيد, الأمر الذي وجدت فيه إيران أنها يمكن أن تكون بحاجة إلى الدور الروسي في سياستها إزاء هذه المنطقة[64].
وعملت الولايات المتحدة على استثمار الوضع الجديد من خلال وضع دعائم ليرتكز عليها الوضع الدولي الجديد بفرض سيطرتها بالقوى العسكرية وتحويل الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى منبر لإضفاء الشرعية الدولية على حركتها الخارجية, مما اثر هذا الهيكل البنيوي للنظام الدولي على سلوك وسياسات الدول الأخرى حيث عد (WALTZ)*[65] " أن البنية التكوينية للنظام الدولي له دور حاسم في تكوين السلوك الخارجي للدول حيث تركت فترة الحرب الباردة والنظام الثنائي القطبية بوادر للنظام الدولي الجديد للشرق الأوسط "[66].
ولذا فان السياسة الخارجية الإيرانية تبنت عدم الانضمام إلى إحدى الكتلتين وتبنت سياسة الاتحاد, مع استمرار سياستها العدائية للولايات المتحدة وبادرت في نفس الوقت إلى الاتحاد مع قوى منافسة لأمريكا وخاصة الحكومة الروسية[67].
ولقد لجأت العديد من الدول التي كانت تعمل مع المنظومة الشيوعية إلى التحالف مع الولايات المتحدة لاستتباب أمنها[68] ، وقد أرغم النظام الأحادي القطب أن يمارس تواجده في منطقة الخليج العربي ومن هنا فالدولة التي تسعى لتحقيق أمنها تبذل جهودا واسعة لتحقيق هذا الهدف[69].
مما لا شك فيه أن العدوان على العراق مثل فرصة ذهبية لإيران للتخلص من منافس إقليمي قوي أنهك قوتها العسكرية وحجم دورها الإقليمي- فهي تجني ثمار هدف تحطيم القوة التي أراد فرض نفسه بفعل عسكري متفوق القدرة [70].
لكن بنفس الوقت جعلها على تماس مع قوى عظمى يمكن أن تشكل خطر عليها من العراق بحكم الفارق في ميزان القوى وطبيعة الطموحات السياسية.
وان اختلال ميزان القوى لصالح إيران بعد تحرير الكويت وطرد القوات العراقية بقدر ما رأت الأولى فرصة تعزيز من مكانها ودورها في منطقة الخليج العربي, ولا سيما بعد أن عملت على استغلال موقفها من هذا العدوان لاسترضاء دول مجلس التعاون الخليجي والغرب بما ينهي عزلتها الإقليمية والدولية [71].
خامسا : الســياسة الخـارجية الإيــرانية فـي الخليج العـربي ...مرحلة التسعينات---------------- أن من الصعب تحديد الأجواء الأمنية في منطقة الخليج العربي في التسعينات فهي مدعات للقلق نتيجة للتطورات الدولية التي مرت بها المنطقة.
وبعد وفاة الخميني, ومجيء السيد خامنئي مرشدا عاما في إيران, وعلى اثر التعديل الدستوري والذي أعطى رئيس الجمهورية المزيد من الصلاحيات لاسيما موضوع توليه رئاسة مجلس الأمن القومي الإيراني والذي ينسق شؤون الدفاع والسياسة الخارجية[72].
وعلى الرغم من انتخاب رفسنجاني رئيسا لإيران الذي أسهم في دخول التيار البراغماتي إلى السلطة[73].
فان السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية شكلت مصدر قلق من حيث تأثيراتها على استقرار منطقة الخليج وأمنه وما تشعر به دول الخليج العربي من عرضة للتهديد وقد سارت علاقة إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي باتجاهين[74]:- الأول: حاجة إيران إلى توثيق العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية وتجنب العزلة الإقليمية والاستمرار في توسيع مجالات التعاون الاقتصادية والثقافية.
الثاني: رغبة إيران في انتهاج سياسة مستقلة وقوية وبعيدة عن المؤثرات الدولية والهيمنة الأمريكية, والاضطلاع بدور إقليمي مؤثر والمساهمة في توفير الاستقرار والأمن في منطقة الخليج العربي من خلال كونها شريكا رئيسا في الترتيبات الأمنية في الخليج وتستبعد التدخل الأجنبي غير الخليجي.
وقد حاولت إيران تجنب المواجهة المباشرة مع واشنطن مع التركيز على إقناع مجلس التعاون لدول الخليج العربي بأنه ما ينفع للولايات المتحدة الأمريكية لا ينفع لهم بالضرورة.
وان امن المنطقة والمحافظة عليه مرهون بدولها.
وحثت طهران الدول على الابتعاد عن الولايات المتحدة وأشارت إلى رغبة الغرب في السيطرة على المنطقة وعلى المصادر الحيوية كالنفط والإبقاء على سعره منخفضا وبث الشقاق بين الدول وتحريض كل دولة على أخرى دون اتحاد تلك الدول[75], وفي أثناء إخراج القوات العراقية من الكويت أخذت السياسة الإيرانية بخيارين:- 1- ممارسة دور إقليمي مؤثر لدولة قد أصبحت لها إمكانيات اقتصادية وعسكرية وتتمتع بنفوذ قوي مقبول يحافظ على مصالحها الأساسية ويوفر لها مكاسب وترفض الهيمنة الأمريكية والتواجد العسكري الأجنبي في المنطقة.
2- ممارسة دور مهيمن لدولة لها قدرات متزايدة بحرية وجوية وبرية ومحاولتها لحسم جميع المشكلات وتحقيق امن واستقرار المنطقة من خلال المشاركة الفعلية, فإيران تعد نفسها قوة رئيسة في منطقة الخليج العربي ومركز الدول الإسلامية ولها مصالحها وموقعها المهم الذي لا يمكن تجاهله[76].
وتشعر إيران بالخطر الدائم من وجود القوات الأجنبية الأمريكية كما أن هذا الوجود من منظور إستراتيجية يتطلب الإعداد الاستراتيجي لمواجهته[77].
وتدرك إيران من خلال السلوك السياسي لحدود القوة لأمنها, وقيود استخداماتها والخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها أو الانزلاق إليها إقليميا ودوليا[78].بعد أن أصبحت الأهداف الأمريكية غير قابلة للشك من خلال قيامها بترتيبات أمنية ثنائية مع معظم دول مجلس التعاون.[79]مما يزيد من التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة والذي ترفضه إيران بعده يمس سيادة واستقلال البلد ومرتبط بالإيديولوجية الدينية الرافضة للتسلط والخضوع, ويعكس هذا التنازع بين الدولتين بسبب تعارض مصالحهما القومية.
أن إيران لم تتمكن بسبب ما تعانيه من نقاط ضعف على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي من استثمار عناصرها السياسية لتأمين أهدافها الوطنية نحو الاستقلال ومواجهة التحديات العالمية على الرغم من موقعها المتميز جغرافيا واقتصاديا والواقع بين منطقتي الطاقة العالميتين الخليج العربي واسيا الوسطى, واستثمار هذا الموقع يؤدي بالنتيجة إلى أن تصبح إيران دواة منافسة اقتصاديا بين الدول العالمية[80].
أن الإستراتيجية الإيرانية في سعيها للحصول على قوة عسكرية قادرة على مواجهة التهديدات تعد من ابرز معالم السلوك الإيراني المثير للقلق الأمريكي ودول المنطقة وتحديد الجهود المتواصلة لبناء قوتها العسكرية, والسعي المكثف لإيران من أجل بناء ترسانة حربية تجعلها القوة الإقليمية الوحيدة وبالتالي فرض هيمنتها[81].
سيما أنها بلد ذو أبعاد إقليمية متعددة لذا فان إستراتيجية النزعة الانعزالية ورد الفعل لا يتناسب مع طموحاتها, حتى أخذت بالسعي لإثبات حضورها في الساحة الدولية, بعد أن استفادت من مبدأ الحيادية دونما مقابل خلال عاصفة الصحراء والأزمة الأفغانية.
يعد المسؤولون الإيرانيون أن التسلح يشكل أهمية كبيرة لبلادهم للحفاظ على استقلال البلاد ومستقبلها للأسباب التالية[82]: 1- إن عجز إيران عن تحقيق أهدافها المعلنة منذ بداية الثورة وتصدير ثورتها ومنها تغيير النظام في العراق بسبب حالة الوهن العسكري.
2- تحرير الكويت والعدوان الأمريكي وما نتج عنه من تسليح هائل لدول مجلس التعاون الخليجي.
3- الوجود العسكري الأمريكي الكثيف في منطقة الخليج العربي بحريا وجويا وبريا وإنشاء قواعد عسكرية لتواجد حاملات الطائرات.
4- تطورات الوضع في بحر قزوين وأفغانستان واحتمال دخولها في حروب من أجل مصالحها.
5- سعي إيران كقوة إقليمية مؤثرة في الحفاظ على امن منطقة الخليج العربي ورفض الهيمنة الأمريكية.
وحاولت تطوير أسلحتها وتحقيق أهدافها حسب ما تسمح به تطورات الوضع الدولي[83].
وتدرك إيران أنها ينبغي أن يكون مستوى نفوذها العسكري مساويا لكل من تركيا والهند وباكستان[84].
سادسا:عملية التسوية والمشروع الشرق أوسطي وأثرهـا على السياسة الخارجية الإيرانية-------------------- انسجاما مع فلسفة النظام الإيراني الدينية فان إيران تعتبر الكيان الصهيوني كيان غاصب لحقوق الشعب العربي الفلسطيني, وان قضية فلسطين قضية إسلامية وعربية وانطلاقا من هذا الفهم, فان إيران عارضت عمليات التسوية واتفاقيات اوسلو عام 1993, باعتبار الولايات المتحدة راعية وحامية لهذه المفاوضات وللكيان الصهيوني[85].
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عام 1995, ان السياسة الأمريكية الشرق أوسطية تصب في خدمة الأهداف غير المشروعة للكيان الصهيوني المغتصب أججت غضب المسلمين ضد الولايات المتحدة[86].
وفي عام 1996 قال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية (خامنئي) في حديث للتلفزيون الإيراني " أن الدول المساندة للإرهاب كافة لاسيما الولايات المتحدة التي ما تزال تدعم الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ستتلقى الضربة من الإرهاب[87].
وتجد الولايات المتحدة بان إيران تعمل على تقويض عملية التسوية من خلال: 1- الحملة السياسية والإعلامية ضد التسوية وخصوصا في المؤتمرات الإسلامية بعد أن أكد السيد خاتمي في قمة المؤتمر الإسلامي عام 1997 " لقد برهن التاريخ على أن أي سلام لن يكون ناجحا بدون أن يقترن بمدأ العدالة والأخذ بمطالب الشعوب[88]" كما أثبتت أزمة الشرق الأوسط أن السلام العادل لن يتحقق دون إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومن هذه الحقوق حقه في تقرير مصيره وعودة اللاجئين إلى أرضهم وتحرير الأراضي العربية المغتصبة وخصوصا القدس الشريف.
"وان طبيعة الكيان الصهيوني القائمة على استخدام القوة والعنف ونقضه المتواصل للعهود والمواثيق والقوانين الدولية وممارسة الإرهاب بجميع صوره وتطوير أسلحة الدمار الشامل كلها تهدد الأمن والسلم في المنطقة بشكل واضح"[89].
وأكد السيد خاتمي علينا أن نقدم المساعدة لدول المواجهة من أجل إنقاذ فلسطين وعملت إيران إلى تنسيق جبهة رفض لمعارضة عمليات التسوية من خلال دعمها للحركات الفلسطينية مثل حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, وقيادة حركة حماس وحزب الله في لبنان وتقديم الدعم العسكري من ناحية التدريب وتوفير المال والسلاح وان إيران تدفع ما يقارب (30) مليون دولار لحركة حماس سنويا[90].
أن استمرار دعم إيران للحركات الفلسطينية ومعارضتها لعملية التسوية.
فضلا عن قيامها بتدريب عدد من جماعات الرفض الفلسطينية[91].
حيث أكد رئيس جهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية محمد دحلان أن قرار مواصلة تصعيد العمليات ضد إسرائيل يمكن أن يكون لإيران دور متميز فيه.
وان دعم إيران للحركات الفلسطينية المعارضة لعملية التسوية يتوافق مع الموقف الإيراني من هذه العملية, وستبقى احد ابرز التقاطعات والإشكالات التي تؤثر على العلاقات الأمريكية –الإيرانية وستستمر هذه الاختلافات بحكم تأثير النفوذ الصهيوني على القرار الأمريكي ونعتقد أن تقليل الدعم الإيراني لهذه الحركات والتنظيمات الفلسطينية يمكن أن تخفف من حدة المواجهة بين البلدين.
رغم أن المشروع الشرق أوسطي قد ظهر منذ أوائل الخمسينيات كبديل عن المشروع العربي إلا انه لم يظهر كمشروع سياسي قابل للنقاش والتنفيذ إلا في أواخر التسعينيات وبالتحديد منذ انعقاد مؤتمر مدريد للتسوية عام 1991 واكتسب هذا المشروع زخما قويا مع إعلان الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي في اوسلو عام 1993 ثم انعقاد مؤتمر الدار البيضاء نهاية 1994.
هذا المؤتمر الذي دشن بداية انطلاق الموضوع الشرق أوسطي[92].
وتنظر إيران إلى هذا المشروع بأنه ولادة أمريكية وصهيونية وعد بيريز رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق" الشرق الأوسط الجديد" الذي يلعب فيه الكيان الصهيوني دورا قياديا بمثابة الوسيط أو الوكيل المعتمد بين المراكز الرأسمالية المتقدمة وبلدان المشرق والخليج العربي[93].
وبهذا المفهوم فان السياسة الإيرانية قد تتقاطع في أكثر من مكان مما يؤكد ذلك هو دعوة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي إلى إقامة مشروع «الشرق الأوسط الإسلامي الكبير» القائم على «الديمقراطية والتطور والتنمية واحترام كرامة شعوب المنطقة (...) التي تريد أن تكون بلدانها مستقلة وديمقراطية وتسودها قيم المعنويات الدينية التي تناسب العصر», مشيراً إلى أن شعوب الشرق الأوسط «عانت من حكومات مستبدة تابعة للغرب ومن حركات متطرفة تريد باسم الإسلام أن تفرض التخلف والفتن».[94] وبهذا فقد تكون الاختلافات واضحة بين الطروحات الأمريكية والمفاهيم الإيرانية مما قد يشكل عائقا لطموحاتها الإقليمية وتوسيع دائرة علاقاتها مع الدول الإسلامية باعتبارها مركز له وان هذا المشروع لا يمكن إتمامه إلا من خلال استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه[95].
وتجد إيران أن حالة التقاطع لسياستها مع المشروع الشرق أوسطي في أكثر من اتجاه: 1- العامل الإيديولوجي- يرى قيادي إيران بان الكيان الصهيوني كيان مغتصب لحقوق الشعب الفلسطيني والمسلمين, فهم يرفضون التسوية والمشروع الشرق أوسطي فقد رد خامنئي مرشد الثورة الإسلامية على إنهاء بعض الدول العربية لبعض أشكال المقاطعة للكيان الصهيوني"أنها خيانة عظمى للإسلام والعرب والفلسطينيين"[96] .
2- المشروع الشرق أوسطي له تأثير سلبي على المصالح الحيوية الإيرانية ووفقا للرؤيا الأمريكية والكيان الصهيوني فان هذا المشروع سيربط دول الخليج العربي بالمشروع المذكور الأمر الذي يهدد مركز إيران ودورها الإقليمي في الخليج العربي وسيؤدي إلى تنامي الدور الصهيوني والتركي في منطقة الخليج على حساب الدور الإيراني[97].
3- في حالة تقدم مسيرة التسوية فقد يربط سوريا ولبنان بالمشروع الشرق أوسطي وستفقد إيران احد أهم مرتكزاتها في علاقتها مع العرب وفي سياستها الشرق أوسطية.
4- وفي ظل السياسة الأمريكية إزاء إيران فأنها لم تسمح لإيران في إطارها الإيديولوجي من أن تشكل حجر الأساس لمشروع شرق أوسطي يضمن الأمن القومي الإيراني.
أن السياسة الخارجية الإيرانية ترفض المشروع الشرق أوسطي وتجد فيه محاولة أمريكية وصهيونية لعزلها عن محيطها العربي والإسلامي.
وهي ضد المشروع برمته كما أكده الكتاب الإيرانيين بدافع عقائدي واضح ولا تنظم إيران لمشروع هندسة شمعون بيريز[98].
وترفض ستراتيجية الولايات المتحدة التي انطوت على معطيات وحماية إسرائيل والتأثير على الأمن الإقليمي سلبيا[99].
اتخذت إيران موقفا رافضا للمشاريع الأمريكية في المنطقة منذ بداية الثورة عام 1979 ومنها مشروع العولمة والمشاريع المتفرعة عنها بدافع روحي وعقائدي وتدرك إيران بان لها نصيب اكبر من السياسة الكونية كونها تحتل موقع جيو- ستراتيجي وهذه الشبكة من المصالح ليس لمصلحة الولايات المتحدة فحسب بل لمصلحة إسرائيل اللذان يهدفان لمحاصرتها وفق سياسة الاحتواء المزدوج.[100] ترى السياسة الإيرانية أن نظام العولمة هو عملية تمزيق وبعثرة وتهميش دول وشعوب المنطقة وإدخالها في شرك هيمنة سياسية وعلمية وتطبيق مبدأ الأمن مقابل السلام كبديل عن الأرض.
وان رفض إيران بان تكون الولايات المتحدة شرطي متسلط في الدفاع عن الحرية والانفتاح واقتصاد السوق من طرف وتقوم بتعزيز الصراعات وخلق الأزمات والتبدلات الإقليمية لصالح عناصر محدودة في برنامج العولمة وهو ما يتعارض مع الأصول الفكرية للثورة الإيرانية[101].
وتجد إيران بان الرفض لنظام العولمة لا يأتي بالرؤيا العدمية بل بتفعيل المشاركة الواسعة والاستفادة من برامج وقرارات هيئة الأمم المتحدة وحركات التحرر.
والتصور الإيراني لا ينسجم مع التوجهات الأمريكية والصهيونية في المنطقة التي تدعم هيكلية نظام الشرق الأوسط الجديد الذي تريده[102].
لقد وجد نظام العولمة ضالته في تجديد الحصار الأمريكي على إيران حتى جاءت زيارة خاتمي إلى ايطاليا والفاتيكان ومقابلة حضرة البابا في روما هي جزء من السلوك السياسي الإيراني لتوجيه ضربة لسياسة الاحتواء الأمريكية واستفزازها السياسي[103].
------------------------------------------------------------------------------- 1] - مرتضى مطهري," قضايا الجمهورية الإسلامية", دار الهادي, الطبعة الأولى, 19981, ص 9-10.
[2] - صحيفة الكويت, ج5, ص205.
[3] - صحيفة الإمام, ج19, ص95, في 28/10/1984.
[4] - أنور شيروان احتشامي, (السياسة الخارجية الإيرانية في عهد البناء), ترجمة إبراهيم مستقي, زهرة يوستيخي, طهران, مشورات الثورة الإسلامية, ص74-75.
[5] - مصدر سبق ذكره, ص75.
[6] -أطروحة, أمير محمد حاجي يوسفي, نظرية وليتس والسياسة الخارجية الإيرانية, بحث تطبيقي لدراسة خصائص فترة الحرب الباردة وما بعدها: انظر: مجلة العلاقات الإيرانية الدولية, السنة الثالثة, العدد السادس, حزيران, 2003, ص51-54.
Zabih,sepehr,Iran since the revolution ,London, 1988,p168-169.
-[7] [8] -زهير مارديني, الثورة الإيرانية بين الواقع والأسطورة / دار اقرأ للنشر, بيروت, 1986, ص 73-79.
[9] -دكتور شاه بور حقوقت, إيران الثورة الناقصة والتنسيق الأمريكي, ترجمة مركز البحوث والمعلومات, بغداد, ص25.
[10] The constitution of the Islamic republic of Iran: Adopted on: 24 Oct 1979, effective