ملخص المقال: لم تعطي إدارة الرئيس أوباما أولوية لتطوير العلاقات مع دول المغرب العربي، لكنها تدرج المنطقة المغاربية ضمن الحيّز الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويعود هذا الإدراج إلى تقسيم وضعه وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، الذي رسم حدودا لرؤية أمريكا تجاه هذه المنطقة بناء على هذا التقسيم الإداريّ لمناطق العالم، وألحق بموجبه المنطقة المغاربية لمنطقة الشرق الأوسط، وبقيت على إثره نفس درجة الاهتمام بمنطقة المغرب العربي سارية المفعول إلى عهد الرئيس الحاليّ باراك حسين أوباما.
يكمن سوء تقدير نمط العلاقة بين واشنطن وعواصم الدول المغاربية في أنّ واشنطن لا تقدّم توصيفا دقيقا ورؤية واضحة تجاه الدول المغاربية، خصوصا وأنّ البعد الأمنيّ أصبح مسيطرا على هذه الرؤية منذ أحداث 11 من سبتمبر 2001.
ويعود سوء تقدير رسم السياسات تجاه المنطقة المغاربية إلى رؤية هنري كيسنجر التي سيطرت على المنظور الأميركيّ، إذ لا يعقل أن يظلّ هذا التقسيم ساريا لأكثر من ربع قرن من تغيّر السياسات العالمية، التي أصبحت تتصف بشدة التعقيد والتغيّر والمستمرّ، لأنّ المنطقة المغاربية تعتبر منطقة هامشية مقارنة بالمشرق العربي، رغم أنّ واشنطن تدرك تماما المكانة الإستراتيجية لدول المنطقة، وهي تسعى لمنافسة القوى الدولية المنافسة في هذه المنطقة التي تضم أكثر من 80 مليون مستهلك، وتعدّ سوقا دوليّة هامة، تتمتع بقدرات مالية ضخمة، خصوصا في ليبيا والجزائر.
يتوقّف تحسّن العلاقات الأمريكية مع دول المغرب العربيّ على مدى اعتماد الحوار الدائم بين الجانبين، حتى يستطيع كلّ جانب التعاطي مع مقاربات الجانب المقابل له، كما يمكن اعتبار فشل التجربة التكاملية المغاربية أحد أهمّ أسباب إهمال واشنطن للمنطقة، لأنّ هذا الفشل نابع من داخل هذا التجمع الإقليميّ، والولايات المتحدة الأمريكية تفضل التعامل مع كتلة إقليمية موحدة.
لذا، يمكن اعتبار فشل التجربة الوحدوية المغاربية سببا في عدم تطور العلاقات بين الجانبين.
وتتحمل الدول المغاربية الجانب الأكبر من المسؤولية حيال فداحة "كلفة اللاّمغرب"، لأنّ التكامل المغاربيّ متوقف بسبب انعدام الثقة والتعاون والتعايش والتواصل بين أقطاره الخمس.
تدرك إدارة الرئيس أوباما التنافس الكبير القائم بين القوى الدولية الكبرى لزيادة نفوذها في المنطقة المغاربية، وهي لا تضغط نحو زيادة نفوذها في دول المنطقة، حيث تحضى الولايات المتحدة الأمريكية بوضع استثنائي وبمعاملة تفضيلية تجعلها تتموقع بشكل أفضل من بقية المنافسين في المنطقة المغاربية، لأنّها أثبتت قدرتها على التكيف مع كافة الأوضاع الأمنية التي تمرّ بها دول المنطقة، عكس بقية القوى الدولية المنافسة، خصوصا على الصعيدين العسكريّ والاقتصاديّ.
وبالرغم من أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قوى عظمى مهيمنة، إلاّ أنّها لا يمكن لها أن تملأ وحدها الفراغ الذي تركته قوى الاستعمار القديم في المنطقة المغاربية، دون الاتفاق مع الدول الأوروبية الاستعمارية السابقة حول تقاسم النفوذ والسيطرة على موارد دولها.
وتحصد واشنطن فرصا أكبر عند تدهور العلاقات بين الدول الأوروبية والدول المغاربية، فكلما تدهورت العلاقات الفرنسية الجزائرية على سبيل المثال، تسبّب ذلك في خلق فرص تعاون أمريكي جزائريّ أكبر، يجعل الدول المغاربية تتسابق للاستفادة من التواجد الأمريكيّ في المنطقة.
والملاحظ أنّ ازدياد النفوذ الصينيّ في دول المغرب العربي، يشكّل السبب الرئيس للتدخل الأمريكيّ العاجل، وزيادة التعاون الأمريكيّ المغاربيّ، في الوقت الذي عجز فيه الروس والأوروبيون في استنفار التدخّل الأمريكيّ في المنطقة المغاربية.
تهمل إدارة الرئيس أوباما المنطقة المغاربية لأنّها لم تجد من دول المنطقة فرصا حقيقية للتعاون المتطور، ولا تتحمّل واشنطن ذنب عجز الدول المغاربية عن النهوض باقتصادياتها الناشئة، التي لم تنجح في تحقيق التكامل الاقتصاديّ الحقيقيّ، الذي تحقّق به وهي مجتمعة ما تعجز عن تحقيقه وهي منفردة.
خطة الدراسة: - تمهيد - هل هناك كيان مغاربيّ موحد يسترعي الاهتمام العالميّ؟ - منطلقات الاهتمام الأمريكي بالمنطقة المغاربية ....
بين فرض المشروطية والحوار غير الاستراتيجيّ - أشكال التعاون الأمريكيّ مع الدول المغاربية - أهم المسائل الخلافية بين الجانبيين - إدارة الرئيس أوباما والمنطقة المغاربية ...
إهمال تمليه الضرورات العسكريّة - صورة المغرب العربي لدى النخب الأمريكية ...
تقدير سيء أم إدراك واقعيّ صحيح؟ - موقف واشنطن من تسلّح الدول المغاربية ...
تساؤلات طبيعية أم تدخّل غير مشروع؟ - خاتمة السياسة الأمريكية تجاه منطقة المغرب العربي في عهد الرئيس باراك أوباما إهمال مقصود أم إرجاء هادف؟ عصام بن الشيخ* تمهيد: لم تحضى منطقة المغرب العربي بالأولوية في سياسات الرئيس باراك حسين أوباما منذ بداية عهدته الرئاسية الأولى مطلع السنة 2010، إذ سيطرت فكرة الترويج لصورة "أميركا المسالمة" وسط الشعوب العربية والإسلامية، على توجّه الرئيس أوباما، الذي قدّم الكثير من الوعود لإنهاء حالة سوء الفهم الحاصلة بين شعوب العالم الإسلاميّ والشعب الأمريكيّ، والوعد بإنهاء الاحتلال الأميركيّ للعراق وأفغانستان، وإطلاق حقيقيّ لعملية السلم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإغلاق معتقل غوانتانامو الذي يضمّ عشرات المسلمين المتهمين بالتطرّف، والسعي لتصحيح سياسات سلفه الجمهوريّ جورج والكر بوش، دون التخلّي عن المكاسب العسكرية والأمنية المحقّقة في عهد الرئيس بوش، حيث أبقى الرئيس أوباما على روبرت غايتس وزيرا للدفاع الأمريكيّ.
وبما أنّ منطقة المغرب العربي تدخل –حسب المنظور الأمريكيّ- تقع ضمن دائرة الأزمات الدولية المصدّرة لظاهرة الإرهاب، فقد استمرّ الرئيس أوباما في تكليف قائد القوات الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم"، بمواصلة الدور الأمريكيّ في منطقتي شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، لمكافحة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ، ومواصلة التعاون العسكريّ والأمنيّ مع جميع دول المغرب العربيّ، التي أعلن معظمها الانخراط الفعليّ في "الحرب العالمية على الإرهاب".
وبناء على ما تقدّم بالإمكان طرح التساؤلات التالية للاقتراب من تفسير الظاهرة المدروسة: هل تملك واشنطن تصوّرا دقيقا ورؤية واضحة تجاه المنطقة المغاربية، خصوصا وأنّ البعد الأمنيّ أصبح مسيطرا على هذه الرؤية؟، وهل تخضع هذه الرؤية للمراجعة، أم أنّها دائمة وغير قابلة للتغيير؟، وهل هناك تقاطعات في الرؤية الأمريكية والأوروبية تجاه المنطقة المغاربيّة، أم أنّ هنالك اختلافات جوهرية حولها؟ هل تقوم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة المغاربية على المشروطية فقط، أم أنّها تتيح فرصا للتعاون وتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين على قدم المساواة؟، ما هو موقف واشنطن تجاه التجربة التكاملية المغاربية؟، وهل بإمكانها لعب دور واضح في النزاع الإقليميّ حول قضية الصحراء الغربية؟ هل تدرك إدارة الرئيس أوباما التنافس الكبير القائم بين القوى الدولية الكبرى لزيادة نفوذها في المنطقة المغاربية، أم أنّ الولايات المتحدة تحضى بمصالح هامة ووضع استثنائي ومعاملة تفضيلية تجعلها تتموقع بشكل أفضل من بقية المنافسين في المنطقة المغاربية؟.
للاقتراب من الإجابة على هذه التساؤلات بالإمكان اختبار الفرضيات العلمية التالية: الفرضية الأولى: يتوقف تحوّل وتحسّن نمط العلاقات الأمريكية مع دول المغرب العربيّ على اعتماد الحوار الدائم بشكل استراتيجيّ بين الجانبين، لتقريب وجهات النظر بينهما.
الفرضية الثانية: يعتبر فشل التجربة التكاملية المغاربية سببا مباشرا في عدم تحسن العلاقات الأمريكية المغاربية وتطوّرها، لأنّ واشنطن تدعم خيار التكتّل الإقليميّ المغاربيّ.
الفرضية الثالثة: لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تملأ وحدها الفراغ الذي تركته قوى الاستعمار القديم في المنطقة المغاربية، دون الاتفاق مع الدول الأوروبية الاستعمارية السابقة حول تقاسم النفوذ والسيطرة على موارد دولها.
الفرضية الرابعة: كلما تدهورت العلاقات الفرنسية الجزائرية، تسبّب ذلك في خلق فرص تعاون أمريكي جزائريّ أكبر، ما يجعل الدول المغاربية تتسابق للاستفادة من التواجد الأمريكيّ في المنطقة.
الفرضية الخامسة: يشكّل ازدياد النفوذ الصينيّ في دول المغرب العربي السبب الرئيس للتدخل الأمريكيّ العاجل، وزيادة التعاون الأمريكيّ المغاربيّ، في الوقت الذي عجز فيه الروس والأوروبيون في استنفار التدخّل الأمريكيّ في المنطقة المغاربية.
الفرضية السادسة: تعدّ مسألة التعاون العسكريّ والتنسيق الأمنيّ لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي فرصة للتقارب الأمريكيّ المغاربيّ، رغم أنّ مشكلة التسلح لا تزال قائمة بين الدول المغاربية، وعلى رأسها الجزائر والمغرب.
ومع ذلك، لم تسح دول المنطقة بقيام قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها.
هل هناك كيان مغاربيّ موحد يسترعي الاهتمام العالميّ؟ حذّر الرئيس التونسيّ زين العابدين بن علي مما أسماه زيادة فداحة "كلفة اللاّمغرب"، وتأجيل بناء الصرح المغاربيّ، مؤكّدا أنّ الاندماج الإقليميّ حتمية تفرضها الظروف العالمية، تجعل من القطرية انتحارا مقابل التكتّل، الذي تعرفه العديد من التجمعات الجغرافية الإقليمية عبر العالم.
ويتضمّن الخطاب الديماغوجيّ لغالبية النخب المغاربية الحاكمة نفس درجة الاهتمام بمصير التكتّل المغاربيّ الإقليميّ على أساسي الأخوة والجوار، غير أنّ تجسيد هذا الحلم تعرقله على أرض الواقع العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تفضح تضارب سياسات الدول المغاربية، وتؤكّد عدم تنسيق جهودها لفرض أولوية بناء سياسة مغاربية مشتركة، تجعل التجمعات الإقليمية الأخرى تنظر إليها ككتلة جغرافية حقيقية موحدة الأهداف والسياسات.
حدّد الباحث المغربيّ محمد العربي المساري أسباب تعثّر التجربة التكاملية المغاربية في ثلاثة أسباب رئيسية هي: اللاّثقة – اللاّيقين – اللاّتواصل، فهذه اللاءات الثلاث تطرح العديد من التساؤلات الصريحة داخل الكتلة المغاربية: "ظاهرة اللايقين" من جدوى المشروع المغاربيّ ومصير مؤسساته، "مسألة اللاتواصل" الذي تفرضه ظواهر غلق الحدود والخلافات الشكلية وتراجع التعاون الاقتصاديّ البينيّ، و"حقيقة اللاّثقة" التي تجعل كلّ قطر يرى أنّ ما هو نافع لجاره غير مفيد بالنسبة له.
أما أمين عام جامعة الدول العربية السابق، السيد الشاذلي القليبي، فقد اعتبر أنّ أفكارا خاطئة متجذّرة وسط النخب المغاربية الحاكمة تحول دون بناء المغرب العربي، فالمكاشفة التاريخية تبيّن أنّ كثرة تعلّق القيادات في الدول المغاربية بأوطانها، كانت سببا في ظهور التنافس البينيّ، وتغذية الاعتقاد بأنّ انفصال وابتعاد الدول المغاربية عن بعضها البعض، يعني تحقيق مكاسب أكبر، وأنّ قيم الأخوة والجوار تحولت إلى لغة خشب وخطاب ديماغوجيّ رسميّ خادع، حوّل حقيقة المغرب العربيّ من كيان فعليّ إلى وجود لفظيّ، حيث تعلو قيم التنافس والصراع على قيم الإيثار والتشارك، وقال القليبي: "آن الأوان كي نطوّر نظرتنا إلى وظيفة الحدود بين أقطارنا، فنتخلص من ربقة مفاهيم عتيقة، مدعاة للنزاع، ومجلبة لأنواع المشاكل مع الأجوار" .
كما اعتبر الباحث رشيد الإدريسي أنّ ظواهر خطيرة كالإرهاب والهجرة السريّة والمطالب الإثنية وعلى رأسها مطالب القومية الأمازيغية...وغيرها، تسبّبت في التشويش على فكرة الوحدة المغاربية وتعقيدها وتعميق الخلافات بين أقطارها.
لم تنجح إذن أفكار "مغرب الحكومات" و"مغرب الشعوب"، ولا حتى "مغرب رجال الأعمال"، في إخراج هذا الكيان الإقليمي من سباته العميق، فكلّ ما تطرحه النخب في المنطقة المغاربية، لا يخرج من حلقة نقد الذات وتشخيص الأمراض، وإعلان الطموحات دون تجسيدها، والتوجه نحو مستقبل معروف النتائج سلفا، فهل يعتبر اختلاف النظم السياسيّة في الدول المغاربية هو السبب الرئيس لفشل وجمود التجربة الوحدوية المغاربية، وهل تعتبر التبعية للاقتصاد الرأسماليّ العالميّ والقوى الاقتصادية المهيمنة عبر العالم، سببا مباشرا في فشل أيّة مبادرات تكاملية بين الأقطار المغاربية.
لكن، وبالرغم من تعثّر التجربة التكاملية المغاربية، فهي لا تزال تعتبر بالنسبة للقوى الدولية منطقة ذات أهمية استراتيجية، ما جعل الأوروبيين –على سبيل المثال لا الحصر-يفكّرون في طرح فكرة الشراكة الأورو-متوسطية لدفع الدول المغاربية المجاورة للانخراط في تجربة تنموية حديثة برعاية الاتحاد الأوروبي.
وبالرغم من أنّ دول أوروبا الشرقية وإسرائيل وتركيا قد لقيت دعما من الاتحاد الأوربيّ أكبر من الدول المغاربية، إلاّ أنّ ازدياد نسب المواطنين الأوروبيين من أصول مغاربية في دول الإتحاد، فرض تضاعف الاهتمام الأوروبيّ بالمنطقة المغاربية، رغم أنّ الأوروبيين قد قرّروا مفاوضة الدول المغاربية في مفاوضات الشراكة الأورو-متوسطية مسار (برشلونة 1995) كلّ دولة على حدى.
فهل ساهمت تلك السياسة في تغيّر المنظور الأمريكيّ للمنطقة المغاربية، والتعامل مع دول المنطقة بنفس سياسة الاتحاد الأوروبيّ؟، وهل فرض التعاون الثنائيّ بين واشنطن والدول المغاربية اعتماد هذا النمط من الفصل القطريّ لدول المنطقة بشكل استراتيجيّ لتحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية على حساب المصالح الإجمالية لشعوب المنطقة؟، وهل انخرطت الدول المغاربية في ارتباطات الرأسمالية العالمية على حساب شعوبها، نتيجة لعقدها علاقات مع الأمريكيين دون إعطاء الأولوية لعلاقاتها البينية؟، وهل تتسابق الدول المغاربية لنيل رضا القوة الدولية المهيمنة، والحصول على مقام يليق بها كدولة محورية وارتكازية هامة في المنطقة –حسب المنظور الأمريكيّ-؟ تحرص واشنطن على ضمان تأمين وصول خامات الطاقة الأحفورية من النفط والغاز الطبيعي الجزائري والليبيّ لها ولحلفائها، عبر اتفاقات تعاون طويلة الأمد، واعتمدت واشنطن على تغليب الملفات ذات الطابع الاقتصاديّ على الملفات الأمنية التي حققت توافقا كبيرا مع الدول المغاربية، باستثناء، الاختلاف حول بعض القضايا التي من المفروض أن تصنّف في خانة الثوابت أو المنوعات، مثل أطروحة الصراع مع الحضارات، مشكلة الإرهاب والتطرف الدينيّ، وصول الإسلاميين للحكم...
إلى غير ذلك من القضايا الشائكة، وتحدّد واشنطن عناوين عريضة تشكّل الإطار العام لبناء علاقة مستمرة ومتطورة مع الدول المغاربية: "تحرير الاقتصاد، ضمان استمرارية التعددية السياسية، دعم المؤسسات النيابية وحكم القانون، احترام حقوق الإنسان".
منطلقات الاهتمام الأمريكي بالمنطقة المغاربية ....
بين فرض المشروطية والحوار غير الاستراتيجيّ ظهر اهتمام الإدارة الأمريكية بمنطقة المغرب العربي منذ نيل هذه الدول استقلالها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتنافس بين موسكو وواشنطن في فترة الحرب الباردة لاستمالة العواصم المغاربية لأحد المحورين الشرقيّ الشيوعيّ أو الغربيّ الرأسماليّ، وتوّجت هذه السياسة بنجاح واشنطن في استمالة كل من تونس والمغرب مقابل استعداء كلّ من ليبيا والجزائر بسبب سياساتهما التقدّمية.
ثم تطوّر هذا الاهتمام بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتيّ السابق، من خلال المقترح الأمريكيّ لمشروع الشراكة مع منطقة المغرب العربي والذي أطلق عليه اسم مشروع "ايزنشتات"، المنافس للمشروع الأوروبيّ للشراكة، رغم أنّ سياسة واشنطن تجاه كلّ من الجزائر وليبيا كانت تتصف بالعدائية في إطار ما يسمى بسياسة التأديب الأمريكيّ للدول الاشتراكية السابقة.
كانت السياسة الأمريكية واضحة بعد نهاية الحرب الباردة في دعوة الدول المغاربية إلى الانفتاح السياسيّ والاقتصاديّ، والانخراط في حركة الاقتصاد العالميّ، وركزت واشنطن على ضمان استمرار تطور العلاقات السياسية والاقتصادية مع المملكة المغربية، إلى أن توجت هذه العلاقات بتوقيع اتفاقية التجارة الحرّة بين البلدين.
كما دخل الأمريكيون السوق النفطية الجزائرية منذ بداية التسعينيات وهم يدركون أنّ النظام السياسيّ الجزائريّ في مرحلة تحوّل سياسيّ واقتصاديّ هامّ، قد يفضي إلى زيادة نصيب الأمريكيين من النفط الجزائريّ، خصوصا إذا ما خضع الجزائريون للمشروطية الاقتصادية الدولية، وأفضت تلك الضغوط إلى خصخصة شركة سوناطراك البترولية الوطنية الجزائرية العملاقة، وسمحت بزيادة نصيب الأمريكيين في حقل حاسي بركين الذي يضمّ الاحتياطيّ الجزائريّ للنفط.
في حين كانت ليبيا تخضع لحصار دوليّ بسبب قضية لوكربي، والعديد من القضايا الأخرى التي استهدفت ضحايا أمريكيين، جعلت واشنطن والاتحاد الأوروبي تستثنيان نظام العقيد معمر القذافي من الشراكة الاقتصادية.
أما بالنسبة تونس وموريتانيا، فقد كانت العلاقات التونسية الأمريكية جيدة، وفي تحسّن مستمرّ منذ عهد الرئيس التونسيّ الراحل الحبيب بورقيبة، الذي احتفظ لبلده بعلاقات جيدة مع العواصم الغربية، تاركا وضعا مريحا لخلفه الرئيس زين العابدين بن عليّ.
في حين لم يكن نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي الطايع في موريتانيا يمتلك الكثير من الأوراق المغرية لمفاوضة الأمريكيين من أجل بناء علاقات ومصالح متطورة بين البلدين.
كانت العلاقات بين واشنطن وعواصم الدول المغاربية في فترة الرئيس السابق بيل كلينتون مرتبطة بمدى استجابة الدول المغاربية للمشروطية الأمريكية بالانخراط في السوق العالميّة، واثبات الحكومات المغاربية مدى انفتاحها السياسيّ والاقتصاديّ الذي يمكّنها من تطوير علاقاتها مع الدول الرأسمالية الغربية.
ومع حلول سنة 1999 حدث تغيير هام في كلّ من الجزائر والمملكة المغربية، بمجيء الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة للحكم، واعتلاء وليّ العهد محمد السادس العرش في المملكة المغربية خلفا لوالده الراحل الملك الحسن الثاني، وكانت واشنطن تضغط منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي على العواصم المغاربية بخصوص الانفتاح السياسيّ والتعددية الحزبية، لكن عدم تدخّل الأمريكيين –عكس الاتحاد الأوروبيّ- في الأزمة الجزائرية، إضافة إلى العلاقات الجيدة بين واشنطن والرباط، جعل الولايات المتحدة تحضى بثقة كبيرة لدى الإدارة الجزائرية والمغربية والتونسية أيضا، وهي أهمّ الدول التي ركّزت عليها واشنطن في تجربتها للتعاون مع دول المغرب العربيّ.
أما ليبيا، فقد استغلت المفاوضات مع واشنطن حول تقديم تعويضات لضحايا تفجيرات لوكربي واستغلالها لتحسين العلاقات الأمريكية الليبية بفضل جهود سيف الإسلام القذافي، حيث تقدّمت طرابلس بمبادرة مفاجئة بإعلانها التخلّي الطوعيّ عن برنامجها للتسلح النووي سنة 2003، توجّت بعدها العلاقات الثنائية بزيارة رسمية قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس إلى طرابلس.
قضية أخرى تتعلّق بموقف واشنطن من ظاهرة العنف الدينيّ والإسلام السياسيّ في دول المغرب العربيّ، فليس بإمكان الأمريكيين إنكار استغلالهم للجهاديين الأفغان في محاربة الخطر الشيوعيّ أثناء الاحتلال السوفياتي لأفغانستان بين سنتي 1979-1989، ثم غضّ واشنطن الطرف عن ممارسات السلط السياسية في الدول المغاربية حيال منع الإسلاميين من النشاط السياسيّ والمشاركة في الانتخابات للوصول إلى الحكم، خشية سيطرة الإسلاميين على السلطة واحتفاظهم بها إلى الأبد، ومحاكاة تجربة الثورة الإسلامية الإيرانية، التي تسبّبت في خسارة حليف استراتيجيّ لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، في عهد شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي.
وقد عادت مسألة مشاركة الإسلاميين في الحكم في جميع الدول المغاربية إلى الظهور من جديد، عبر ظاهرة الإسلام السياسيّ الحركيّ، التي أفضت إلى مشاركتهم في الحكم في الجزائر ووصولهم إلى البرلمان في المغرب، وتأثيرهم الخطير على الجماهير في موريتانيا خصوصا بعد إعلان نظام الرئيس السابق معاوية ولد الطايع تطبيع العلاقات مع تل أبيب وفتح سفارة إسرائيلية بنواكشوط، إضافة إلى منعهم النهائيّ في كلّ من تونس وليبيا.
وشكّلت ظاهرة الإرهاب –الإسلام السياسيّ الثالث- أحد أهمّ التهديدات الخطيرة على المصالح الأمريكية في منطقة المغرب العربي والساحل الأفريقي أيضا، خصوصا بعد ثبوت انخراط العديد من المقاتلين الإسلاميين من جميع الدول المغاربية في ما يسمى: "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ"، الذي أعلن عن ظهوره سنة 2007 بع تحول "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في الجزائر إلى هذا التنظيم الإقليميّ ذو الارتباطات العالمية.
وتسيطر هذه التهديدات الخطيرة على تفكير النخب الأمريكية في واشنطن، التي تخشى استخدام تنظيم القاعدة للعنف المسلح ضدّ المصالح الأمريكية في المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل الأفريقي أيضا.
صورة المغرب العربي لدى النخب الأمريكية ...
تقدير سيء أم إدراك واقعيّ صحيح؟ لازالت إدارة الرئيس باراك أوباما تعمل الخبرة الطويلة للإدارات السابقة في تحديد نمط السياسات الموجّهة نحو منطقة المغرب العربي، وربما تعتبر الإدارات الديمقراطية السابقة أكثر الإدارات التي فكّرت في بناء علاقات متطورة مع الدول المغاربية، غير أنّ سياسات الإدارات الجمهورية أثبتت قدرة أكبر على تنفيذ ما توصلت إليه النخب الأمريكية من أساليب لزيادة نفوذها والحفاظ على مصالحها في هذه الدول.
فإذا كانت واشنطن تخشى من تأثير تنامي موجة اليسار في باحتها الخلفية في دول أمريكا اللاتينية، فهي تخشى من تنامي اليمين في الدول العربية والإسلامية، مع ذلك، يظلّ خطر صعود الأحزاب الإسلامية للحكم في الدول المغاربية، أقلّ خطورة على المصالح الأمريكية من تحركات الإسلاميين في منطقة الشرق الأوسط.
أولا: رؤية هنري كيسنجر القديمة...
تصوّر استراتيجيّ دائم تخضع التصوّرات الأمريكية لمنطقة المغرب العربيّ بشكل مرجعيّ لرؤية وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر، الذي وضع تقسيما ادريا لمناطق العالم، ألحق بموجبه المنطقة المغاربية لمنطقة الشرق الأوسط، وبقيت على إثره نفس درجة الاهتمام بمنطقة المغرب العربي سارية المفعول إلى عهد الرئيس الحاليّ باراك حسين أوباما .
ويتأكد هذا التقسيم من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تقدّمت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس في إطار سياسة الرئيس الأسبق جورج والكر بوش لفرض الإصلاح السياسيّ على دول العالم الإسلاميّ، حيث شملت تلك الخطة دول شمال أفريقيا، والتي لم تجد مهربا من الانخراط الفعليّ في الحرب العالمية على الإرهاب، من أجل كسب ودّ الإدارة الأمريكية، واستغلال التعاون الأمنيّ لتحسين مستوى العلاقات مع واشنطن.
إلحاق منطقة المغرب العربيّ بمنطقة الشرق الأوسط يهدف بالأساس إلى جعل التحولات السياسية والإستراتيجية الحادثة في منطقة الشرق الأوسط سببا مباشرا في التأثير على المنطقة المغاربية، التي تشترك في الكثير من خصائصها السوسيولوجية والدينية مع الدول العربية الشرق أوسطية، حيث تتأثر الشعوب المغاربية بالسياسات الأمريكية حيال فلسطين المحتلة من جهة، والحرب الأمريكية على الإرهاب والتي أفضت إلى احتلال كلّ من العراق وأفغانستان من جهة ثانية، لذلك قام الرئيس جورج والكر بوش بتوجيه رسالة ضرورة الإصلاح إلى الدول المغاربية أيضا، ويسعى خلفه الرئيس براك حسين أوباما إلى تبييض صورة أميركا مع دول العالم الإسلاميّ، وإعادة صورة أميركا المسالمة عبر استرجاع القوة الأمريكيّة الناعمة، التي تجعل الدول الإسلامية مقتنعة بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأولى والأقوى في العالم، وأنها تستحق هذه المكانة العالمية عن جدارة كما قال زبيغينيو بريزنسكي.
بمعنى تقديم توصيف يليق بها من قبل هذه الدول، بما يجعلها ترتدع عن مواجهة أميركا من جهة، وتسلّم بأنّها تقبل الأوامر الأمريكية وأنّها غير قادرة على التأثير في سياسات واشنطن من جهة أخرى.
ثانيا: الفائدة العسكرية والأمنية من التعاون مع الدول المغربية اقتراب منطقة المغرب العربيّ من أوروبا وامتلاكها موقعا استراتيجيا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط جعل المنطقة محلّ تنافس دوليّ وعالميّ كبير للسيطرة على موارد هذه الدول، التي تعتبر من جهة أخرى بوابة على القارة الأفريقية الغنية بالموارد، ومعبرا هاما لهذه الموارد التي تحتاجها الدول الصناعية الكبرى، وبما أنّ الحفاظ على المصالح الأمريكية يستوجب منع القوى الدولية المنافسة وعلى رأسها الصين وروسيا وبدرجة أقلّ الاتحاد الأوروبيّ، فقد دخلت موارد الدول المغاربية ضمن دائرة النفوذ الأمريكيّ، التي تستوجب تواجدا أمريكيا كبيرا لحمايتها والمحافظة عليها، ويظهر ذلك خصوصا في لقاء الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة مع الرئيس جورج والكر بوش في واشنطن، حيث لم يثر الرئيس بوش مطلقا الملفات الداخلية الأمنية أما الرئيس الجزائريّ، وفضّل التحادث حول الملفات الاقتصادية، حيث تتحدّد السياسة الأمريكية تجاه الجزائر في مجالس الأمن القوميّ باعتبارها من صلاحيات مجالس إدارات الشركات الأمريكية، ويأتي ذلك بعد أن زاد التعاون الجزائريّ الأمريكيّ في مكافحة الإرهاب من تحسين صورة الجزائر من المنظور الأمريكي والأوروبي أيضا.
كما يجني حلف "الناتو" شمال الأطلسيّ فائدة ثمينة من التعاون العسكريّ و الأمنيّ من قبل حكومات الدول المغاربية، التي ساهمت بشكل كبير في محاصرة الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة، وذلك عبر التطوير المستمرّ لآليات التنسيق الأمنيّ واللوجستيّ، التي تدعّمت من خلال المناورات العسكرية المتكررة لقوات هذه الدول، وأهمها مناورات "أكتيف أنديفر" سنتي 2004 و2005، والتي أكّدت أهمية ودور التشارك الأمنيّ والعسكريّ مع قوات هذه الدول في تقريب الصورة الأمريكية عنها بأنها غير موجهة ضدّ الإرادة الأمريكية في العالم.
أشكال التعاون الأمريكيّ مع الدول المغاربية يقسّم التعاون الأمريكي مع دول منطقة المغرب العربي إلى ثلاثة مستويات هامة، يمكن تصنيفها كما يلي: أولا: التعاون الطاقوي: يرى الباحث الجزائريّ الدكتور سالم برقوق أنّ التعاون الطاقويّ مع الولايات المتحدة الأمريكية قد تعزّز بمجيء الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة للحكم سنة 1999، وبعد تخلي ليبيا عن برنامجها للتسلح النووي سنة 2003، وتسوية الخلاف حول قضية لوكاربي، واعتبر برقوق أنّ الأمن الطاقوي الأمريكيّ يستند إلى "مبدأ كارتر" حول جعل الطاقة كإحدى أهم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا، قبل أن يرتبط بالأمن الأمريكيّ الشامل.
وكانت واشنطن تأمل في انفتاح جزائريّ وليبيّ كليّ في مجال الطاقة الأحفورية لزيادة نفوذها نتيجة التنافس الدوليّ على ثروات البلدين خصوصا الصين والاتحاد الأوروبيّ، غير أنّ الجزائر شهدت سنة 2005 تراجعا عن المشروع الذي تقدّم به وزير الطاقة والمناجم الجزائري الذي أنهيت مهامه في التعديل الوزاريّ الأخير، وكان ينوي من خلاله خصخصة شركة سوناطراك البترولية الجزائرية وفتح السوق النفطية أمام التنافس الدوليّ الحرّ، كما يمنع النظام السياسيّ الليبيّ الذي يمزج بين السياستين الاقتصادية الاشتراكية على الصعيد الشعبيّ والرأسمالية العالمية على الصعيد العالميّ، من زيادة النفوذ الاقتصاديّ الأمريكيّ في المجال الطاقويّ، أكثر مما هو متاح الآن من استثمارات بحسب ما تقتضيه القوانين الليبية والجزائرية للاستثمار.
ثانيا: التعاون في إطار الحرب العالمية على الإرهاب يعتبر التعاون في مكافحة الإرهاب نقطة اتفاق شديدة الأهمية من المنظار الأمريكيّ لقياس درجة تعاون الدول المغاربية مع واشنطن، التي تدرك أنّ تكامل أدوار الدول في مكافحة الإرهاب يساهم في تحقيق أهداف السياسية الأمنية للولايات المتحدة من خلال تقاسم المهام وتشارك الأدوار مع الدول المغاربية.
وهنا يرى الباحث الجزائري سالم برقوق أنّ التعاون الجزائريّ في مكافحة الإرهاب –على سبيل المثال لا الحصر-، عمل على تحسين صورة الجزائر من المنظور الأمريكي والأوروبي .
ويعتبر التعاون الأمنيّ والعسكريّ أحد أهمّ نقاط التوافق بين الدول المغاربية وحلف الناتو NATO، لكن دون نقطة خلافية وحيدة، تتعلق بأهداف الحلف من دعوة إسرائيل للمشاركة في المناورات العسكرية في البحر المتوسط، رغم إدراك واشنطن والاتحاد الأوروبي لهواجس الدول المغاربية حيال هذه المشاركة.
إضافة إلى مسألة تراجع الجزائر عن المشاركة في أسطول حلف الناتو "أكتيف أنديفر" على اثر اعتراض البحرية الإسرائيلية سفينة جزائرية متوجهة إلى سوريا، حيث هدّدت الجزائر بتخفيض سقف تعاونها وتبادل المعلومات مع الحلف، وذلك لاعتقادها بأنها نالت الضوء الأخضر من الحلف لمراقبة الملاحة البحرية، غرب المتوسط.
ويمكن ملاحظة نجاح التعاون العسكريّ الأمريكيّ المغاربيّ بدرجة أكبر من التعاون مع الاتحاد الأوروبيّ، ويعود ذلك لاختلاف المنظورين الأمريكيّ والأوروبيّ للتعاون العسكريّ والأمنيّ مع الدول المغاربية، حيث يحتفظ الأوروبيون بدور الإشراف، ويمنح الأمريكيون الفرصة للتشارك والتنسيق والتعاون الأمنيّ بشكل أفضل مع الدول المغاربية، ويعود ذلك لدرجة التفاهمات المتوصل إليها بين الجانبين .
ومع ذلك، تظل هذه التفاهمات بعيدة عن سماح الدول المغاربية باستضافة قواعد عسكرية على أراضيها، ولو كانت قيادة القوات العسكرية أفريكوم AFRICOM، وكانت الجزائر آخر دولة مغاربية أعلن فيها قائد قوات أفريوكم الجنرال وليام وارد أنّ بلاده لا تسعى لإقامة قواعد عسكرية في الجزائر، أو في أيّ من دول الساحل، وليس لها أية نوايا و مخططات لتحويل مقر "أفريكوم" إلى إفريقيا".
كما ظهرت في الآونة الأخيرة مسألة خلافية أخرى مع واشنطن، تتعلق إدراج الرعايا الليبيين والجزائريين من الدول التي تحمل مخاطر على المطارات الأمريكية، وتخضع لإجراءات مشددة من الرقابة في المطارات الأمريكية والأوروبية، فدفعت هذه السياسية الأمنية بالإدارة الجزائرية والليبية إلى الاحتجاج رسميّا لدى واشنطن والاتحاد الأوروبيّ في بروكسل بسبب هذه الإجراءات، والتوعّد بالمعاملة بالمثل، سعيا من الجزائر وطرابلس للدفاع عن صورتهما كبلدين يمتلكان مطارات من أأمن المطارات العالمية حسبما تؤكّده الإحصاءات الغربية لأمن المطارات الدولية نفسها.
ثالثا: التعاون الاقتصاديّ والتجاريّ مع الأقطار الخمس للاتحاد ويتمثّل في تطوير التعاون الاقتصادي والتجاريّ بناء على ما تمّ توقيعه من اتفاقات اقتصادية وتجارية بين الجانبين، الذي وصل إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين أميركا والمملكة المغربية، والشراكة التجارية مع تونس والجزائر، والتعاون الطاقويّ والتجاريّ مع ليبيا.
غير أنّ الميزان التجاريّ ظلّ يميل وباستمرار لصالح الأمريكيين، نتيجة اللاتوازن الذي كرّسه الفارق الكبير بين أسعار المواد الأولية القادمة من دول المنطقة، مقابل الأسعار الباهظة للمواد الأمريكية المصنعة.
أهم المسائل الخلافية بين الجانبين هناك مسائل خلافية عديدة بين دول المغرب العربي والولايات المتحدة الأمريكية، وهي تتراوح بين الخلافات الحادة المتعلقة بثوابت هذه الدول، وأخرى سطحية تتعلق بقضايا هامشية لكنّ كلّ طرف يسعى لضمانها على حساب الآخر، أخرى تسبّبت في خلقها الخلافات المغاربية-المغاربية في حدّ ذاتها،ما خلق فرصا للتدخّل الأمريكيّ في شؤون دول المنطقة: أولا: تشويه صورة الدين الإسلاميّ الحنيف بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 من قبل جهات غربية متطرّفة تقوم بالترويج لأطروحة "صراع الحضارات"، ومحاولة الخلط بين المقاومة والإرهاب لتبرير الاحتلال الأمريكيّ للعراق، ثانيا: اتخاذ مسألة محاربة الإرهاب حجة للضغط على الحكومات عبر فرض الإصلاح السياسيّ عليها، خصوصا وأنّ المنطقة المغاربية كانت مشمولة ضمن خطة الشرق الأوسط الكبير للإصلاح الأمريكيّ المفروض على دول العالم الإسلاميّ.
ثالثا: قضية الصحراء الغربية، والقضية الفلسطينية، وقضية العراق المحتلّ، ولولا ضعف الجامعة العربية من جهة، وضعف مكانة الدول المغاربية في الجامعة العربية من جهة أخرى، لأمكن لهذه الدول أن تحصّل المزيد من محدّدات القوة والأدوات لضغط على واشنطن، لاتخاذ موقف حاسم حول هذه القضايا الحساسة، دون السماح بالمتاجرة السياسية بها على أساس المعايير الثنائية، فبخصوص قضية الصحراء الغربية الموقف الأمريكيّ يتصف بالغموض وعدم الثبات، مثلما هو حال الانقسام الأوروبيّ وسياسة المحاور التي ساهمت في تعميق الخلاف الجزائريّ المغربيّ، بدور فرنسيّ اسبانيّ يساهم في تأجيل الحلّ وتعميق الخلاف.
رابعا: إدراج الجزائر وليبيا ضمن القائمة السوداء للدول التي تتضمن خطرا إرهابيا على المطارات الأمريكية، والتي وجب إخضاعها لإجراءات تفتيش خاصة، وهو ما أثار امتعاض البلدين اللذين ردّا بحزم مع هذه الإجراءات، بعد أنّ تأكد أنّ المطارات الجزائرية والليبية أكثر أمانا من المطارات الغربية، لذلك احتجت كلّ من ليبيا والجزائر لدى البرلمان الأوربي والكونغرس الأمريكي حول هذه السياسية، وضغطت عن طريق تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، ولم تجد حرجا في المطالبة بإلغائها عن طريق الضغط على واشنطن من خلال مصالحها الاقتصادية ، وقد توضّح الأمر حين اعتذرت الخارجية الأمريكية عن تصريحات الناطق الرسميّ باسم الوزارة الذي سخر فيه من دعوة العقيد القذافي المسلمين إلى الجهد ضدّ سويسرا بسبب قضية المآذن، وبدا أنّ واشنطن غير مستعدّة للتضحية بمصالحها النفطية في ليبيا والجزائر، وقد أثبتت قدرة كبيرة على التكيف مع سياسات البلدين.
خامسا: مسائل حقوق الإنسان: حيث تطالب الدول المغاربية بإطلاق سراح السجناء من أصول مغاربية في سجن غوانتانامو، واحترام حقوق المسلمين من أصول مغاربية في أميركا.
لكن في المقابل، تمارس واشنطن ضغوطا متزايدة حيال المطالبة باحترام حقوق الإنسان في الدول المغاربية، ووقف الخروقات المسجلة عليها، كما تبيّن التقارير الأمريكية والدولية، التي توفر لواشنطن ورقة ضغط إضافية على هذه الدول.
وكانت الجزائر قد رفضت قبول زيارة السيدة هيلاري كلينتون عضوة الكونغرس الأمريكيّ لعائلات المفقودين جرّاء الأزمة الوطنية في تسعينيات القرن الماضي، وفي المقابل سمح المغرب بزيارة السيدة كلينتون للمغرب.
لكنّ الجزائر استطاعت أن تقطع أشواطا هامة بخصوص استرجاع السلم المدنيّ بفضل سياسة الرئيس بوتفليقة ومبادراته للوئام المدني سنة 2000 والمصالحة الوطنية سنة 2005، في انتظار إطلاقه لمبادرة جديدة لعفو الشامل .
في حين كان التركيز على دفع ليبيا التعويضات الماضية لضحايا قضية لوكربي، كأهمّ قضية تفصل في مسار بناء العلاقات الأمريكية الليبية، وتقتصر الانتقادات الموجهة لتونس وموريتانيا على ما تتضمنه التقارير الدولية من انتقادات لنظامي البلدين.
سادسا: أسرار البرامج النووية لكلّ من الجزائر وليبيا، سواء كانت تسلحية أو غير تسلحية، فبالنسبة للبرنامج النووي الجزائري، فقد شيّدت الجزائر مفاعلين نوويين للأغراض السلمية بدرارية وعين وسارة بالاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنّ الأمريكيين يروّجون لمخاوف دولية من استيلاء تنظيم القاعدة على هذه المفاعلات، وتستخدم واشنطن هذه الحجة للضغط على الجزائر لتشديد إجراءات أمانها ضدّ تنظيم القاعدة حيال المفاعلين النوويين.
وقد رافعت الجزائر في المنابر الدولية وآخرها قمة واشنطن النووية بدعوة من الرئيس باراك أوباما، لجعل امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية "مسألة سيادية"، معتبرة أنّ لكلّ الدول الحرية والاستقلالية في تطوير قدراتها النووية السلمية دون العودة إلى استشارة أيّ طرف دوليّ ، كما يثير غموض الدور الجزائريّ حيال البرنامج النووي الإيرانيّ تحفّظ واشنطن، التي لمست اقتراب الموقف الجزائريّ من الموقف الإيرانيّ.
أمّا ليبيا، فقد أظهرت تعاونا فاجأ العالم بأسره عند تخليها عن برنامج التسلح النووي بعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق، وساعد تراجع العقيد الليبيّ عن برنامج ليبيا للتسلح النووي في كشف شبكة دولية إسلامية لبيع التكنولوجيا النووية للدول الإسلامية بقيادة العالم النووي الباكستانيّ عبد القدير خان، وأعتبر ذلك نصرا دبلوماسيّا مجانيّا جعل الرئيس جورج والكر بوش يستخدمه للترويج لحملته الانتخابيّة للفوز بعهدة رئاسية ثانية سنة 2004.
مع ذلك، لا يمكن إنكار قدرة القيادة الليبية في تفادي الاختلاف مع واشنطن، ونجاحها في التفاوض مع العواصم الغربية، لتصفية الملفات العالقة مع طرابلس، التي أثبتت قدرة كبيرة في استخدام الريع النفطيّ بالبترودولار، لإغراء العواصم الغربية بمنحها امتيازات اقتصادية في ليبيا.
أما مخاوف واشنطن من تحوّلات الساحة الداخلية في الدول المغاربية فتكمن في: أولا: الخشية من أن يؤدّي ضعف الأداء الديمقراطي في هذه الدول إلى حدوث تقلبات سياسية، قد تنتج نظما سياسية متطرفة بقيادة متشدّدين إسلاميين.
ثانيا: الخشية من تقلبات أسعار الطاقة وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكيّ، فرغم طرح مسألة البحث عن البديل الطاقويّ، غير أنّ واشنطن غير مستعدة بعد للتخلي عن النفط القادم من دول المغرب العربي.
ثالثا: ضعف التنشئة السياسية وعدم ترسيخ روح المواطنة العصرية، فالمطالب الأمازيغية في الجزائر والمغرب، وازدياد نسب الفقر وتهميش الأفراد خصوصا فئة الشباب، كلها أسباب تهدّد بحدوث انفجاريات اجتماعية في البلدين قد تؤدّي إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية فيهما.
رابعا: الخشية من أن يؤدّي استمرار الخلافات المغاربية-المغاربية إلى ازدياد نشاط الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وجماعات تهريب البشر وخلايا الهجرة السريّة...، التي قد تستهدف المصالح الأمريكية في المنطقة أيضا.
خامسا: الخشية من حرب بين الجزائر والمغرب حول تعثّر تسوية قضية الصحراء الغربية، حيث لا تزال حركة البوليزاريو تضع في عين الاعتبار الخيار العسكريّ لدعم حقّها في تقرير المصير.
المطلوب أمريكيا من الدول المغاربية هو: 1- إرساء الديمقراطية المشاركاتية والحكم الراشد، واحترام حقوق الإنسان.
2- وضع آليات استباقية للتعامل مع الأزمات السياسية والاجتماعية، لتفادي تنامي الظواهر المهدّدة لأمن هذه الدول والمهدّدة للمصالح الأمريكية أيضا، ومكافحة الجريمة المنظمة وظواهر الإرهاب والهجرة السريّة.
3- وضع استراتيجيات وطنية لترقية المواطنة العصرية عبر التنشئة السياسية التي تستند إلى طرق حداثية في التلقين للقيم المواطنية، وتجنب الانقسام الاجتماعي، وعدم التواصل بين السلطة والأفراد.
4- تجنّب أية حروب بسبب القضية الصحراوية، وضرورة دفع مسار الاندماج المغاربي إلى التجسيد الفعليّ.
إدارة الرئيس أوباما والمنطقة المغاربية إهمال تمليه الضرورات العسكريّة اعتبر الباحث الأمريكيّ ادوارد موتيمر من جامعة "هاذر فورد" الأمريكية أنّه لا توجد ملامح واضحة عن سياسة الرئيس أوباما تجاه المنطقة المغاربية، كما أنّ إدارة الرئيس أوباما لا تعتبر منطقة المغرب العربي ضمن دائرة إفريقيا من الناحية الجيو- إستراتيجية، رغم أنّ هذه الدول تقع ضمن دائرة دول شمال إفريقيا.
وقد انطلقت سياسة الرئيس أوباما من اعتبار منطقة المغرب العربي –بالمفهوم الجغرافي- مرآة لمنطقة الشرق الأوسط، لذلك فهي لا تحبّذ الفصل بين المشرق العربي والمغرب العربي.
كما أكّد مورتيمر أنّ أساس ومرجعية المنظور الأمريكيّ لمنطقة المغرب العربي يعود لرؤية وزير الخارجية الأمريكيّ الأسبق هنري كيسنجر، الذي قام بإلحاق المنطقة المغاربية لمنطقة الشرق الأوسط، ويرى مورتيمر أنّ هنالك خللا في اختيار المسؤولين عن صياغة السياسة الخارجية الخاصة بمنطقة المغرب العربي، لأنّ تعيين الدبلوماسيّ جفري فرانوان –السفير السابق لدى لبنان- من قبل الرئيس أوباما، مسؤولا عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان الهدف منه هو بعث حوار مع سوريا الأسد، وتسبّب ذلك في مزيد من الإهمال للمنطقة المغاربية، إضافة إلى أنّ فرانوان لا يعرف منطقة المغرب العربي، على عكس الخبير روبرت مالي الذي شغل منصب مستشار لدى الرئيس السابق بيل كلينتون، وهو على دراية كبيرة بالمنطقة المغاربية ومتطلباتها.
يرى ادوارد مورتيمر أنّ ورؤية واشنطن غير مكتملة عن المنطقة المغاربية، معتبرا أنّه من غير المعقول أن يظلّ تقسيم كيسنجر معتمدا إلى يومنا هذا بخصوص هذه المنطقة، ويرى مورتيمر أنّ التقصير الذي تتعمده إدارة الرئيس أوباما تجاه منطقة المغرب العربي سببه انشغالها بتسوية قضية الاحتلال الأمريكيّ للعراق وأفغانستان.
لكن ما الذي يجعل إدارة الرئيس أوباما لا تتقدّم بمواقف واضحة حيال الانقلابات في موريتانيا مثلا؟، ولماذا لم تتقدّم إدارة الرئيس أوباما بموقف واضح حيال قضية الصحراء الغربية، وما الذي يبرّر تردّدها في قبول الموقف الأممي حول تقرير المصير في الصحراء الغربية،أو حتى إبداء موقف محدّد حيال الاقتراح المغربيّ بمنح الحكم الذاتي للصحراويين؟، هل بالإمكان اعتبار الغياب الأمريكيّ عن متابعة قضايا المنطقة بأنّه تراجع في الدور الأمريكيّ المهيمن، والمسيطر في العديد من الدوائر الإقليمية الدولية؟، أم أنّه يؤشّر إلى توصيف واضح بنفوذ الاتحاد الأوروبيّ على المنطقة المغاربية مقابل النفوذ الأمريكيّ المحدود، بحكم العلاقات التاريخية بين الجانبين، وعلاقة الجوار بينهما أيضا؟.
شهدت إدارة الرئيس أوباما حسب الباحث الأمريكيّ ادوارد مورتيمر -ولأول مرّة- طرح فكرة إيجاد طاقة بديلة في خليج المكسيك وآلاسكا، قد تدفع واشنطن إلى الاستغناء عن النفط الجزائري والليبي، وهو ما قد يتسبب في تدهور علاقات البلدين مع واشنطن، ناهيك عن تأثير مثل هذا القرار على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهذين البلدين جراء تراجع صادراتها للنفط.
لكن الأزمة المالية العالمية نسفت أسس هذه الخطة الجريئة، حيث يدرك الخبراء استعداد القوى الدولية الكبرى لملأ الفراغ الأمريكيّ في المنطقة في حال تخلّي الأمريكيين عن الاستثمار فيها.
موقف واشنطن من تسلّح الدول المغاربية ...
تساؤلات طبيعية أم تدخّل غير مشروع؟ تتسابق الدول المغاربية لعقد صفقات ببلايين الدولارات لدعم قدراتها العسكرية وزيادة ترسانتها الحربية، ويثير هذا الطموح "السياديّ" توجّس الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبيّ، لأنّ الدول المغاربية تمتلك جيوشا عسكرية كلاسيكية قوية وتعاني من ظاهرة انتشار العنف الإسلاميّ المسلح، خصوصا التهديدات العلنيّة التي لا يخفيها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ ضدّ المصالح الغربية، لذلك تحتاج واشنطن إلى قراءة صحيحة للعقيدة العسكرية للدول المغاربية، التي انخرط معظمها في اتفاقات تعاون وتنسيق عسكريّ ثنائيّ ومتعدّد الأطراف مع حلف الناتو NATO، أو مع دول الاتحاد الأوروبيّ، وتثير هذه الاتفاقات مسألة تبادل المعلومات العسكرية السرّية الحساسة عن الدول المغاربية، مقابل تكتّم حلف الناتو عن قدرات إسرائيل العسكرية، التي شاركت في العديد من المناورات العسكرية في إطار مكافحة الإرهاب في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
يحقّ للدول المغاربية أن تتسلح لضمان سلامة سيادتها الإقليمية، غير أنّه لا يمكن إنكار حالة "عدم الثقة" بين الدول المغاربية نفسها، حيال صفقات التسلّح، التي أفضت إلى ظاهرة التسابق نحو التسلّح بين أقطار المنطقة المغاربية.
فبالنسبة للجزائر، كانت مسألة التسلّح بمثابة مشكلة حقيقية تهدّد سيادة البلد، الذي عانى من حصار دوليّ كبير في تسعينيات القرن الماضي، بسبب أزمته الداخليّة الأمنية المعقّدة، ما دعا الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة وزير الدفاع الوطنيّ، إلى سنّ مبدأ " تنويع وتعديد مصادر التسلّح" لحلّ مشكلة امتناع الدول الغربية عن بيع الأسلحة للجزائر، فالجزائر مستعدّة لشراء السلاح - بكلّ شفافية وبطريقة شرعية- من أيّة دولة تتقدّم بفرص بيع هذه السلع حسبما تقتضيه ق
يكمن سوء تقدير نمط العلاقة بين واشنطن وعواصم الدول المغاربية في أنّ واشنطن لا تقدّم توصيفا دقيقا ورؤية واضحة تجاه الدول المغاربية، خصوصا وأنّ البعد الأمنيّ أصبح مسيطرا على هذه الرؤية منذ أحداث 11 من سبتمبر 2001.
ويعود سوء تقدير رسم السياسات تجاه المنطقة المغاربية إلى رؤية هنري كيسنجر التي سيطرت على المنظور الأميركيّ، إذ لا يعقل أن يظلّ هذا التقسيم ساريا لأكثر من ربع قرن من تغيّر السياسات العالمية، التي أصبحت تتصف بشدة التعقيد والتغيّر والمستمرّ، لأنّ المنطقة المغاربية تعتبر منطقة هامشية مقارنة بالمشرق العربي، رغم أنّ واشنطن تدرك تماما المكانة الإستراتيجية لدول المنطقة، وهي تسعى لمنافسة القوى الدولية المنافسة في هذه المنطقة التي تضم أكثر من 80 مليون مستهلك، وتعدّ سوقا دوليّة هامة، تتمتع بقدرات مالية ضخمة، خصوصا في ليبيا والجزائر.
يتوقّف تحسّن العلاقات الأمريكية مع دول المغرب العربيّ على مدى اعتماد الحوار الدائم بين الجانبين، حتى يستطيع كلّ جانب التعاطي مع مقاربات الجانب المقابل له، كما يمكن اعتبار فشل التجربة التكاملية المغاربية أحد أهمّ أسباب إهمال واشنطن للمنطقة، لأنّ هذا الفشل نابع من داخل هذا التجمع الإقليميّ، والولايات المتحدة الأمريكية تفضل التعامل مع كتلة إقليمية موحدة.
لذا، يمكن اعتبار فشل التجربة الوحدوية المغاربية سببا في عدم تطور العلاقات بين الجانبين.
وتتحمل الدول المغاربية الجانب الأكبر من المسؤولية حيال فداحة "كلفة اللاّمغرب"، لأنّ التكامل المغاربيّ متوقف بسبب انعدام الثقة والتعاون والتعايش والتواصل بين أقطاره الخمس.
تدرك إدارة الرئيس أوباما التنافس الكبير القائم بين القوى الدولية الكبرى لزيادة نفوذها في المنطقة المغاربية، وهي لا تضغط نحو زيادة نفوذها في دول المنطقة، حيث تحضى الولايات المتحدة الأمريكية بوضع استثنائي وبمعاملة تفضيلية تجعلها تتموقع بشكل أفضل من بقية المنافسين في المنطقة المغاربية، لأنّها أثبتت قدرتها على التكيف مع كافة الأوضاع الأمنية التي تمرّ بها دول المنطقة، عكس بقية القوى الدولية المنافسة، خصوصا على الصعيدين العسكريّ والاقتصاديّ.
وبالرغم من أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قوى عظمى مهيمنة، إلاّ أنّها لا يمكن لها أن تملأ وحدها الفراغ الذي تركته قوى الاستعمار القديم في المنطقة المغاربية، دون الاتفاق مع الدول الأوروبية الاستعمارية السابقة حول تقاسم النفوذ والسيطرة على موارد دولها.
وتحصد واشنطن فرصا أكبر عند تدهور العلاقات بين الدول الأوروبية والدول المغاربية، فكلما تدهورت العلاقات الفرنسية الجزائرية على سبيل المثال، تسبّب ذلك في خلق فرص تعاون أمريكي جزائريّ أكبر، يجعل الدول المغاربية تتسابق للاستفادة من التواجد الأمريكيّ في المنطقة.
والملاحظ أنّ ازدياد النفوذ الصينيّ في دول المغرب العربي، يشكّل السبب الرئيس للتدخل الأمريكيّ العاجل، وزيادة التعاون الأمريكيّ المغاربيّ، في الوقت الذي عجز فيه الروس والأوروبيون في استنفار التدخّل الأمريكيّ في المنطقة المغاربية.
تهمل إدارة الرئيس أوباما المنطقة المغاربية لأنّها لم تجد من دول المنطقة فرصا حقيقية للتعاون المتطور، ولا تتحمّل واشنطن ذنب عجز الدول المغاربية عن النهوض باقتصادياتها الناشئة، التي لم تنجح في تحقيق التكامل الاقتصاديّ الحقيقيّ، الذي تحقّق به وهي مجتمعة ما تعجز عن تحقيقه وهي منفردة.
خطة الدراسة: - تمهيد - هل هناك كيان مغاربيّ موحد يسترعي الاهتمام العالميّ؟ - منطلقات الاهتمام الأمريكي بالمنطقة المغاربية ....
بين فرض المشروطية والحوار غير الاستراتيجيّ - أشكال التعاون الأمريكيّ مع الدول المغاربية - أهم المسائل الخلافية بين الجانبيين - إدارة الرئيس أوباما والمنطقة المغاربية ...
إهمال تمليه الضرورات العسكريّة - صورة المغرب العربي لدى النخب الأمريكية ...
تقدير سيء أم إدراك واقعيّ صحيح؟ - موقف واشنطن من تسلّح الدول المغاربية ...
تساؤلات طبيعية أم تدخّل غير مشروع؟ - خاتمة السياسة الأمريكية تجاه منطقة المغرب العربي في عهد الرئيس باراك أوباما إهمال مقصود أم إرجاء هادف؟ عصام بن الشيخ* تمهيد: لم تحضى منطقة المغرب العربي بالأولوية في سياسات الرئيس باراك حسين أوباما منذ بداية عهدته الرئاسية الأولى مطلع السنة 2010، إذ سيطرت فكرة الترويج لصورة "أميركا المسالمة" وسط الشعوب العربية والإسلامية، على توجّه الرئيس أوباما، الذي قدّم الكثير من الوعود لإنهاء حالة سوء الفهم الحاصلة بين شعوب العالم الإسلاميّ والشعب الأمريكيّ، والوعد بإنهاء الاحتلال الأميركيّ للعراق وأفغانستان، وإطلاق حقيقيّ لعملية السلم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإغلاق معتقل غوانتانامو الذي يضمّ عشرات المسلمين المتهمين بالتطرّف، والسعي لتصحيح سياسات سلفه الجمهوريّ جورج والكر بوش، دون التخلّي عن المكاسب العسكرية والأمنية المحقّقة في عهد الرئيس بوش، حيث أبقى الرئيس أوباما على روبرت غايتس وزيرا للدفاع الأمريكيّ.
وبما أنّ منطقة المغرب العربي تدخل –حسب المنظور الأمريكيّ- تقع ضمن دائرة الأزمات الدولية المصدّرة لظاهرة الإرهاب، فقد استمرّ الرئيس أوباما في تكليف قائد القوات الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم"، بمواصلة الدور الأمريكيّ في منطقتي شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، لمكافحة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ، ومواصلة التعاون العسكريّ والأمنيّ مع جميع دول المغرب العربيّ، التي أعلن معظمها الانخراط الفعليّ في "الحرب العالمية على الإرهاب".
وبناء على ما تقدّم بالإمكان طرح التساؤلات التالية للاقتراب من تفسير الظاهرة المدروسة: هل تملك واشنطن تصوّرا دقيقا ورؤية واضحة تجاه المنطقة المغاربية، خصوصا وأنّ البعد الأمنيّ أصبح مسيطرا على هذه الرؤية؟، وهل تخضع هذه الرؤية للمراجعة، أم أنّها دائمة وغير قابلة للتغيير؟، وهل هناك تقاطعات في الرؤية الأمريكية والأوروبية تجاه المنطقة المغاربيّة، أم أنّ هنالك اختلافات جوهرية حولها؟ هل تقوم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة المغاربية على المشروطية فقط، أم أنّها تتيح فرصا للتعاون وتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين على قدم المساواة؟، ما هو موقف واشنطن تجاه التجربة التكاملية المغاربية؟، وهل بإمكانها لعب دور واضح في النزاع الإقليميّ حول قضية الصحراء الغربية؟ هل تدرك إدارة الرئيس أوباما التنافس الكبير القائم بين القوى الدولية الكبرى لزيادة نفوذها في المنطقة المغاربية، أم أنّ الولايات المتحدة تحضى بمصالح هامة ووضع استثنائي ومعاملة تفضيلية تجعلها تتموقع بشكل أفضل من بقية المنافسين في المنطقة المغاربية؟.
للاقتراب من الإجابة على هذه التساؤلات بالإمكان اختبار الفرضيات العلمية التالية: الفرضية الأولى: يتوقف تحوّل وتحسّن نمط العلاقات الأمريكية مع دول المغرب العربيّ على اعتماد الحوار الدائم بشكل استراتيجيّ بين الجانبين، لتقريب وجهات النظر بينهما.
الفرضية الثانية: يعتبر فشل التجربة التكاملية المغاربية سببا مباشرا في عدم تحسن العلاقات الأمريكية المغاربية وتطوّرها، لأنّ واشنطن تدعم خيار التكتّل الإقليميّ المغاربيّ.
الفرضية الثالثة: لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تملأ وحدها الفراغ الذي تركته قوى الاستعمار القديم في المنطقة المغاربية، دون الاتفاق مع الدول الأوروبية الاستعمارية السابقة حول تقاسم النفوذ والسيطرة على موارد دولها.
الفرضية الرابعة: كلما تدهورت العلاقات الفرنسية الجزائرية، تسبّب ذلك في خلق فرص تعاون أمريكي جزائريّ أكبر، ما يجعل الدول المغاربية تتسابق للاستفادة من التواجد الأمريكيّ في المنطقة.
الفرضية الخامسة: يشكّل ازدياد النفوذ الصينيّ في دول المغرب العربي السبب الرئيس للتدخل الأمريكيّ العاجل، وزيادة التعاون الأمريكيّ المغاربيّ، في الوقت الذي عجز فيه الروس والأوروبيون في استنفار التدخّل الأمريكيّ في المنطقة المغاربية.
الفرضية السادسة: تعدّ مسألة التعاون العسكريّ والتنسيق الأمنيّ لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي فرصة للتقارب الأمريكيّ المغاربيّ، رغم أنّ مشكلة التسلح لا تزال قائمة بين الدول المغاربية، وعلى رأسها الجزائر والمغرب.
ومع ذلك، لم تسح دول المنطقة بقيام قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها.
هل هناك كيان مغاربيّ موحد يسترعي الاهتمام العالميّ؟ حذّر الرئيس التونسيّ زين العابدين بن علي مما أسماه زيادة فداحة "كلفة اللاّمغرب"، وتأجيل بناء الصرح المغاربيّ، مؤكّدا أنّ الاندماج الإقليميّ حتمية تفرضها الظروف العالمية، تجعل من القطرية انتحارا مقابل التكتّل، الذي تعرفه العديد من التجمعات الجغرافية الإقليمية عبر العالم.
ويتضمّن الخطاب الديماغوجيّ لغالبية النخب المغاربية الحاكمة نفس درجة الاهتمام بمصير التكتّل المغاربيّ الإقليميّ على أساسي الأخوة والجوار، غير أنّ تجسيد هذا الحلم تعرقله على أرض الواقع العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تفضح تضارب سياسات الدول المغاربية، وتؤكّد عدم تنسيق جهودها لفرض أولوية بناء سياسة مغاربية مشتركة، تجعل التجمعات الإقليمية الأخرى تنظر إليها ككتلة جغرافية حقيقية موحدة الأهداف والسياسات.
حدّد الباحث المغربيّ محمد العربي المساري أسباب تعثّر التجربة التكاملية المغاربية في ثلاثة أسباب رئيسية هي: اللاّثقة – اللاّيقين – اللاّتواصل، فهذه اللاءات الثلاث تطرح العديد من التساؤلات الصريحة داخل الكتلة المغاربية: "ظاهرة اللايقين" من جدوى المشروع المغاربيّ ومصير مؤسساته، "مسألة اللاتواصل" الذي تفرضه ظواهر غلق الحدود والخلافات الشكلية وتراجع التعاون الاقتصاديّ البينيّ، و"حقيقة اللاّثقة" التي تجعل كلّ قطر يرى أنّ ما هو نافع لجاره غير مفيد بالنسبة له.
أما أمين عام جامعة الدول العربية السابق، السيد الشاذلي القليبي، فقد اعتبر أنّ أفكارا خاطئة متجذّرة وسط النخب المغاربية الحاكمة تحول دون بناء المغرب العربي، فالمكاشفة التاريخية تبيّن أنّ كثرة تعلّق القيادات في الدول المغاربية بأوطانها، كانت سببا في ظهور التنافس البينيّ، وتغذية الاعتقاد بأنّ انفصال وابتعاد الدول المغاربية عن بعضها البعض، يعني تحقيق مكاسب أكبر، وأنّ قيم الأخوة والجوار تحولت إلى لغة خشب وخطاب ديماغوجيّ رسميّ خادع، حوّل حقيقة المغرب العربيّ من كيان فعليّ إلى وجود لفظيّ، حيث تعلو قيم التنافس والصراع على قيم الإيثار والتشارك، وقال القليبي: "آن الأوان كي نطوّر نظرتنا إلى وظيفة الحدود بين أقطارنا، فنتخلص من ربقة مفاهيم عتيقة، مدعاة للنزاع، ومجلبة لأنواع المشاكل مع الأجوار" .
كما اعتبر الباحث رشيد الإدريسي أنّ ظواهر خطيرة كالإرهاب والهجرة السريّة والمطالب الإثنية وعلى رأسها مطالب القومية الأمازيغية...وغيرها، تسبّبت في التشويش على فكرة الوحدة المغاربية وتعقيدها وتعميق الخلافات بين أقطارها.
لم تنجح إذن أفكار "مغرب الحكومات" و"مغرب الشعوب"، ولا حتى "مغرب رجال الأعمال"، في إخراج هذا الكيان الإقليمي من سباته العميق، فكلّ ما تطرحه النخب في المنطقة المغاربية، لا يخرج من حلقة نقد الذات وتشخيص الأمراض، وإعلان الطموحات دون تجسيدها، والتوجه نحو مستقبل معروف النتائج سلفا، فهل يعتبر اختلاف النظم السياسيّة في الدول المغاربية هو السبب الرئيس لفشل وجمود التجربة الوحدوية المغاربية، وهل تعتبر التبعية للاقتصاد الرأسماليّ العالميّ والقوى الاقتصادية المهيمنة عبر العالم، سببا مباشرا في فشل أيّة مبادرات تكاملية بين الأقطار المغاربية.
لكن، وبالرغم من تعثّر التجربة التكاملية المغاربية، فهي لا تزال تعتبر بالنسبة للقوى الدولية منطقة ذات أهمية استراتيجية، ما جعل الأوروبيين –على سبيل المثال لا الحصر-يفكّرون في طرح فكرة الشراكة الأورو-متوسطية لدفع الدول المغاربية المجاورة للانخراط في تجربة تنموية حديثة برعاية الاتحاد الأوروبي.
وبالرغم من أنّ دول أوروبا الشرقية وإسرائيل وتركيا قد لقيت دعما من الاتحاد الأوربيّ أكبر من الدول المغاربية، إلاّ أنّ ازدياد نسب المواطنين الأوروبيين من أصول مغاربية في دول الإتحاد، فرض تضاعف الاهتمام الأوروبيّ بالمنطقة المغاربية، رغم أنّ الأوروبيين قد قرّروا مفاوضة الدول المغاربية في مفاوضات الشراكة الأورو-متوسطية مسار (برشلونة 1995) كلّ دولة على حدى.
فهل ساهمت تلك السياسة في تغيّر المنظور الأمريكيّ للمنطقة المغاربية، والتعامل مع دول المنطقة بنفس سياسة الاتحاد الأوروبيّ؟، وهل فرض التعاون الثنائيّ بين واشنطن والدول المغاربية اعتماد هذا النمط من الفصل القطريّ لدول المنطقة بشكل استراتيجيّ لتحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية على حساب المصالح الإجمالية لشعوب المنطقة؟، وهل انخرطت الدول المغاربية في ارتباطات الرأسمالية العالمية على حساب شعوبها، نتيجة لعقدها علاقات مع الأمريكيين دون إعطاء الأولوية لعلاقاتها البينية؟، وهل تتسابق الدول المغاربية لنيل رضا القوة الدولية المهيمنة، والحصول على مقام يليق بها كدولة محورية وارتكازية هامة في المنطقة –حسب المنظور الأمريكيّ-؟ تحرص واشنطن على ضمان تأمين وصول خامات الطاقة الأحفورية من النفط والغاز الطبيعي الجزائري والليبيّ لها ولحلفائها، عبر اتفاقات تعاون طويلة الأمد، واعتمدت واشنطن على تغليب الملفات ذات الطابع الاقتصاديّ على الملفات الأمنية التي حققت توافقا كبيرا مع الدول المغاربية، باستثناء، الاختلاف حول بعض القضايا التي من المفروض أن تصنّف في خانة الثوابت أو المنوعات، مثل أطروحة الصراع مع الحضارات، مشكلة الإرهاب والتطرف الدينيّ، وصول الإسلاميين للحكم...
إلى غير ذلك من القضايا الشائكة، وتحدّد واشنطن عناوين عريضة تشكّل الإطار العام لبناء علاقة مستمرة ومتطورة مع الدول المغاربية: "تحرير الاقتصاد، ضمان استمرارية التعددية السياسية، دعم المؤسسات النيابية وحكم القانون، احترام حقوق الإنسان".
منطلقات الاهتمام الأمريكي بالمنطقة المغاربية ....
بين فرض المشروطية والحوار غير الاستراتيجيّ ظهر اهتمام الإدارة الأمريكية بمنطقة المغرب العربي منذ نيل هذه الدول استقلالها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتنافس بين موسكو وواشنطن في فترة الحرب الباردة لاستمالة العواصم المغاربية لأحد المحورين الشرقيّ الشيوعيّ أو الغربيّ الرأسماليّ، وتوّجت هذه السياسة بنجاح واشنطن في استمالة كل من تونس والمغرب مقابل استعداء كلّ من ليبيا والجزائر بسبب سياساتهما التقدّمية.
ثم تطوّر هذا الاهتمام بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتيّ السابق، من خلال المقترح الأمريكيّ لمشروع الشراكة مع منطقة المغرب العربي والذي أطلق عليه اسم مشروع "ايزنشتات"، المنافس للمشروع الأوروبيّ للشراكة، رغم أنّ سياسة واشنطن تجاه كلّ من الجزائر وليبيا كانت تتصف بالعدائية في إطار ما يسمى بسياسة التأديب الأمريكيّ للدول الاشتراكية السابقة.
كانت السياسة الأمريكية واضحة بعد نهاية الحرب الباردة في دعوة الدول المغاربية إلى الانفتاح السياسيّ والاقتصاديّ، والانخراط في حركة الاقتصاد العالميّ، وركزت واشنطن على ضمان استمرار تطور العلاقات السياسية والاقتصادية مع المملكة المغربية، إلى أن توجت هذه العلاقات بتوقيع اتفاقية التجارة الحرّة بين البلدين.
كما دخل الأمريكيون السوق النفطية الجزائرية منذ بداية التسعينيات وهم يدركون أنّ النظام السياسيّ الجزائريّ في مرحلة تحوّل سياسيّ واقتصاديّ هامّ، قد يفضي إلى زيادة نصيب الأمريكيين من النفط الجزائريّ، خصوصا إذا ما خضع الجزائريون للمشروطية الاقتصادية الدولية، وأفضت تلك الضغوط إلى خصخصة شركة سوناطراك البترولية الوطنية الجزائرية العملاقة، وسمحت بزيادة نصيب الأمريكيين في حقل حاسي بركين الذي يضمّ الاحتياطيّ الجزائريّ للنفط.
في حين كانت ليبيا تخضع لحصار دوليّ بسبب قضية لوكربي، والعديد من القضايا الأخرى التي استهدفت ضحايا أمريكيين، جعلت واشنطن والاتحاد الأوروبي تستثنيان نظام العقيد معمر القذافي من الشراكة الاقتصادية.
أما بالنسبة تونس وموريتانيا، فقد كانت العلاقات التونسية الأمريكية جيدة، وفي تحسّن مستمرّ منذ عهد الرئيس التونسيّ الراحل الحبيب بورقيبة، الذي احتفظ لبلده بعلاقات جيدة مع العواصم الغربية، تاركا وضعا مريحا لخلفه الرئيس زين العابدين بن عليّ.
في حين لم يكن نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي الطايع في موريتانيا يمتلك الكثير من الأوراق المغرية لمفاوضة الأمريكيين من أجل بناء علاقات ومصالح متطورة بين البلدين.
كانت العلاقات بين واشنطن وعواصم الدول المغاربية في فترة الرئيس السابق بيل كلينتون مرتبطة بمدى استجابة الدول المغاربية للمشروطية الأمريكية بالانخراط في السوق العالميّة، واثبات الحكومات المغاربية مدى انفتاحها السياسيّ والاقتصاديّ الذي يمكّنها من تطوير علاقاتها مع الدول الرأسمالية الغربية.
ومع حلول سنة 1999 حدث تغيير هام في كلّ من الجزائر والمملكة المغربية، بمجيء الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة للحكم، واعتلاء وليّ العهد محمد السادس العرش في المملكة المغربية خلفا لوالده الراحل الملك الحسن الثاني، وكانت واشنطن تضغط منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي على العواصم المغاربية بخصوص الانفتاح السياسيّ والتعددية الحزبية، لكن عدم تدخّل الأمريكيين –عكس الاتحاد الأوروبيّ- في الأزمة الجزائرية، إضافة إلى العلاقات الجيدة بين واشنطن والرباط، جعل الولايات المتحدة تحضى بثقة كبيرة لدى الإدارة الجزائرية والمغربية والتونسية أيضا، وهي أهمّ الدول التي ركّزت عليها واشنطن في تجربتها للتعاون مع دول المغرب العربيّ.
أما ليبيا، فقد استغلت المفاوضات مع واشنطن حول تقديم تعويضات لضحايا تفجيرات لوكربي واستغلالها لتحسين العلاقات الأمريكية الليبية بفضل جهود سيف الإسلام القذافي، حيث تقدّمت طرابلس بمبادرة مفاجئة بإعلانها التخلّي الطوعيّ عن برنامجها للتسلح النووي سنة 2003، توجّت بعدها العلاقات الثنائية بزيارة رسمية قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس إلى طرابلس.
قضية أخرى تتعلّق بموقف واشنطن من ظاهرة العنف الدينيّ والإسلام السياسيّ في دول المغرب العربيّ، فليس بإمكان الأمريكيين إنكار استغلالهم للجهاديين الأفغان في محاربة الخطر الشيوعيّ أثناء الاحتلال السوفياتي لأفغانستان بين سنتي 1979-1989، ثم غضّ واشنطن الطرف عن ممارسات السلط السياسية في الدول المغاربية حيال منع الإسلاميين من النشاط السياسيّ والمشاركة في الانتخابات للوصول إلى الحكم، خشية سيطرة الإسلاميين على السلطة واحتفاظهم بها إلى الأبد، ومحاكاة تجربة الثورة الإسلامية الإيرانية، التي تسبّبت في خسارة حليف استراتيجيّ لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، في عهد شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي.
وقد عادت مسألة مشاركة الإسلاميين في الحكم في جميع الدول المغاربية إلى الظهور من جديد، عبر ظاهرة الإسلام السياسيّ الحركيّ، التي أفضت إلى مشاركتهم في الحكم في الجزائر ووصولهم إلى البرلمان في المغرب، وتأثيرهم الخطير على الجماهير في موريتانيا خصوصا بعد إعلان نظام الرئيس السابق معاوية ولد الطايع تطبيع العلاقات مع تل أبيب وفتح سفارة إسرائيلية بنواكشوط، إضافة إلى منعهم النهائيّ في كلّ من تونس وليبيا.
وشكّلت ظاهرة الإرهاب –الإسلام السياسيّ الثالث- أحد أهمّ التهديدات الخطيرة على المصالح الأمريكية في منطقة المغرب العربي والساحل الأفريقي أيضا، خصوصا بعد ثبوت انخراط العديد من المقاتلين الإسلاميين من جميع الدول المغاربية في ما يسمى: "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ"، الذي أعلن عن ظهوره سنة 2007 بع تحول "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في الجزائر إلى هذا التنظيم الإقليميّ ذو الارتباطات العالمية.
وتسيطر هذه التهديدات الخطيرة على تفكير النخب الأمريكية في واشنطن، التي تخشى استخدام تنظيم القاعدة للعنف المسلح ضدّ المصالح الأمريكية في المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل الأفريقي أيضا.
صورة المغرب العربي لدى النخب الأمريكية ...
تقدير سيء أم إدراك واقعيّ صحيح؟ لازالت إدارة الرئيس باراك أوباما تعمل الخبرة الطويلة للإدارات السابقة في تحديد نمط السياسات الموجّهة نحو منطقة المغرب العربي، وربما تعتبر الإدارات الديمقراطية السابقة أكثر الإدارات التي فكّرت في بناء علاقات متطورة مع الدول المغاربية، غير أنّ سياسات الإدارات الجمهورية أثبتت قدرة أكبر على تنفيذ ما توصلت إليه النخب الأمريكية من أساليب لزيادة نفوذها والحفاظ على مصالحها في هذه الدول.
فإذا كانت واشنطن تخشى من تأثير تنامي موجة اليسار في باحتها الخلفية في دول أمريكا اللاتينية، فهي تخشى من تنامي اليمين في الدول العربية والإسلامية، مع ذلك، يظلّ خطر صعود الأحزاب الإسلامية للحكم في الدول المغاربية، أقلّ خطورة على المصالح الأمريكية من تحركات الإسلاميين في منطقة الشرق الأوسط.
أولا: رؤية هنري كيسنجر القديمة...
تصوّر استراتيجيّ دائم تخضع التصوّرات الأمريكية لمنطقة المغرب العربيّ بشكل مرجعيّ لرؤية وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر، الذي وضع تقسيما ادريا لمناطق العالم، ألحق بموجبه المنطقة المغاربية لمنطقة الشرق الأوسط، وبقيت على إثره نفس درجة الاهتمام بمنطقة المغرب العربي سارية المفعول إلى عهد الرئيس الحاليّ باراك حسين أوباما .
ويتأكد هذا التقسيم من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تقدّمت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس في إطار سياسة الرئيس الأسبق جورج والكر بوش لفرض الإصلاح السياسيّ على دول العالم الإسلاميّ، حيث شملت تلك الخطة دول شمال أفريقيا، والتي لم تجد مهربا من الانخراط الفعليّ في الحرب العالمية على الإرهاب، من أجل كسب ودّ الإدارة الأمريكية، واستغلال التعاون الأمنيّ لتحسين مستوى العلاقات مع واشنطن.
إلحاق منطقة المغرب العربيّ بمنطقة الشرق الأوسط يهدف بالأساس إلى جعل التحولات السياسية والإستراتيجية الحادثة في منطقة الشرق الأوسط سببا مباشرا في التأثير على المنطقة المغاربية، التي تشترك في الكثير من خصائصها السوسيولوجية والدينية مع الدول العربية الشرق أوسطية، حيث تتأثر الشعوب المغاربية بالسياسات الأمريكية حيال فلسطين المحتلة من جهة، والحرب الأمريكية على الإرهاب والتي أفضت إلى احتلال كلّ من العراق وأفغانستان من جهة ثانية، لذلك قام الرئيس جورج والكر بوش بتوجيه رسالة ضرورة الإصلاح إلى الدول المغاربية أيضا، ويسعى خلفه الرئيس براك حسين أوباما إلى تبييض صورة أميركا مع دول العالم الإسلاميّ، وإعادة صورة أميركا المسالمة عبر استرجاع القوة الأمريكيّة الناعمة، التي تجعل الدول الإسلامية مقتنعة بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأولى والأقوى في العالم، وأنها تستحق هذه المكانة العالمية عن جدارة كما قال زبيغينيو بريزنسكي.
بمعنى تقديم توصيف يليق بها من قبل هذه الدول، بما يجعلها ترتدع عن مواجهة أميركا من جهة، وتسلّم بأنّها تقبل الأوامر الأمريكية وأنّها غير قادرة على التأثير في سياسات واشنطن من جهة أخرى.
ثانيا: الفائدة العسكرية والأمنية من التعاون مع الدول المغربية اقتراب منطقة المغرب العربيّ من أوروبا وامتلاكها موقعا استراتيجيا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط جعل المنطقة محلّ تنافس دوليّ وعالميّ كبير للسيطرة على موارد هذه الدول، التي تعتبر من جهة أخرى بوابة على القارة الأفريقية الغنية بالموارد، ومعبرا هاما لهذه الموارد التي تحتاجها الدول الصناعية الكبرى، وبما أنّ الحفاظ على المصالح الأمريكية يستوجب منع القوى الدولية المنافسة وعلى رأسها الصين وروسيا وبدرجة أقلّ الاتحاد الأوروبيّ، فقد دخلت موارد الدول المغاربية ضمن دائرة النفوذ الأمريكيّ، التي تستوجب تواجدا أمريكيا كبيرا لحمايتها والمحافظة عليها، ويظهر ذلك خصوصا في لقاء الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة مع الرئيس جورج والكر بوش في واشنطن، حيث لم يثر الرئيس بوش مطلقا الملفات الداخلية الأمنية أما الرئيس الجزائريّ، وفضّل التحادث حول الملفات الاقتصادية، حيث تتحدّد السياسة الأمريكية تجاه الجزائر في مجالس الأمن القوميّ باعتبارها من صلاحيات مجالس إدارات الشركات الأمريكية، ويأتي ذلك بعد أن زاد التعاون الجزائريّ الأمريكيّ في مكافحة الإرهاب من تحسين صورة الجزائر من المنظور الأمريكي والأوروبي أيضا.
كما يجني حلف "الناتو" شمال الأطلسيّ فائدة ثمينة من التعاون العسكريّ و الأمنيّ من قبل حكومات الدول المغاربية، التي ساهمت بشكل كبير في محاصرة الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة، وذلك عبر التطوير المستمرّ لآليات التنسيق الأمنيّ واللوجستيّ، التي تدعّمت من خلال المناورات العسكرية المتكررة لقوات هذه الدول، وأهمها مناورات "أكتيف أنديفر" سنتي 2004 و2005، والتي أكّدت أهمية ودور التشارك الأمنيّ والعسكريّ مع قوات هذه الدول في تقريب الصورة الأمريكية عنها بأنها غير موجهة ضدّ الإرادة الأمريكية في العالم.
أشكال التعاون الأمريكيّ مع الدول المغاربية يقسّم التعاون الأمريكي مع دول منطقة المغرب العربي إلى ثلاثة مستويات هامة، يمكن تصنيفها كما يلي: أولا: التعاون الطاقوي: يرى الباحث الجزائريّ الدكتور سالم برقوق أنّ التعاون الطاقويّ مع الولايات المتحدة الأمريكية قد تعزّز بمجيء الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة للحكم سنة 1999، وبعد تخلي ليبيا عن برنامجها للتسلح النووي سنة 2003، وتسوية الخلاف حول قضية لوكاربي، واعتبر برقوق أنّ الأمن الطاقوي الأمريكيّ يستند إلى "مبدأ كارتر" حول جعل الطاقة كإحدى أهم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا، قبل أن يرتبط بالأمن الأمريكيّ الشامل.
وكانت واشنطن تأمل في انفتاح جزائريّ وليبيّ كليّ في مجال الطاقة الأحفورية لزيادة نفوذها نتيجة التنافس الدوليّ على ثروات البلدين خصوصا الصين والاتحاد الأوروبيّ، غير أنّ الجزائر شهدت سنة 2005 تراجعا عن المشروع الذي تقدّم به وزير الطاقة والمناجم الجزائري الذي أنهيت مهامه في التعديل الوزاريّ الأخير، وكان ينوي من خلاله خصخصة شركة سوناطراك البترولية الجزائرية وفتح السوق النفطية أمام التنافس الدوليّ الحرّ، كما يمنع النظام السياسيّ الليبيّ الذي يمزج بين السياستين الاقتصادية الاشتراكية على الصعيد الشعبيّ والرأسمالية العالمية على الصعيد العالميّ، من زيادة النفوذ الاقتصاديّ الأمريكيّ في المجال الطاقويّ، أكثر مما هو متاح الآن من استثمارات بحسب ما تقتضيه القوانين الليبية والجزائرية للاستثمار.
ثانيا: التعاون في إطار الحرب العالمية على الإرهاب يعتبر التعاون في مكافحة الإرهاب نقطة اتفاق شديدة الأهمية من المنظار الأمريكيّ لقياس درجة تعاون الدول المغاربية مع واشنطن، التي تدرك أنّ تكامل أدوار الدول في مكافحة الإرهاب يساهم في تحقيق أهداف السياسية الأمنية للولايات المتحدة من خلال تقاسم المهام وتشارك الأدوار مع الدول المغاربية.
وهنا يرى الباحث الجزائري سالم برقوق أنّ التعاون الجزائريّ في مكافحة الإرهاب –على سبيل المثال لا الحصر-، عمل على تحسين صورة الجزائر من المنظور الأمريكي والأوروبي .
ويعتبر التعاون الأمنيّ والعسكريّ أحد أهمّ نقاط التوافق بين الدول المغاربية وحلف الناتو NATO، لكن دون نقطة خلافية وحيدة، تتعلق بأهداف الحلف من دعوة إسرائيل للمشاركة في المناورات العسكرية في البحر المتوسط، رغم إدراك واشنطن والاتحاد الأوروبي لهواجس الدول المغاربية حيال هذه المشاركة.
إضافة إلى مسألة تراجع الجزائر عن المشاركة في أسطول حلف الناتو "أكتيف أنديفر" على اثر اعتراض البحرية الإسرائيلية سفينة جزائرية متوجهة إلى سوريا، حيث هدّدت الجزائر بتخفيض سقف تعاونها وتبادل المعلومات مع الحلف، وذلك لاعتقادها بأنها نالت الضوء الأخضر من الحلف لمراقبة الملاحة البحرية، غرب المتوسط.
ويمكن ملاحظة نجاح التعاون العسكريّ الأمريكيّ المغاربيّ بدرجة أكبر من التعاون مع الاتحاد الأوروبيّ، ويعود ذلك لاختلاف المنظورين الأمريكيّ والأوروبيّ للتعاون العسكريّ والأمنيّ مع الدول المغاربية، حيث يحتفظ الأوروبيون بدور الإشراف، ويمنح الأمريكيون الفرصة للتشارك والتنسيق والتعاون الأمنيّ بشكل أفضل مع الدول المغاربية، ويعود ذلك لدرجة التفاهمات المتوصل إليها بين الجانبين .
ومع ذلك، تظل هذه التفاهمات بعيدة عن سماح الدول المغاربية باستضافة قواعد عسكرية على أراضيها، ولو كانت قيادة القوات العسكرية أفريكوم AFRICOM، وكانت الجزائر آخر دولة مغاربية أعلن فيها قائد قوات أفريوكم الجنرال وليام وارد أنّ بلاده لا تسعى لإقامة قواعد عسكرية في الجزائر، أو في أيّ من دول الساحل، وليس لها أية نوايا و مخططات لتحويل مقر "أفريكوم" إلى إفريقيا".
كما ظهرت في الآونة الأخيرة مسألة خلافية أخرى مع واشنطن، تتعلق إدراج الرعايا الليبيين والجزائريين من الدول التي تحمل مخاطر على المطارات الأمريكية، وتخضع لإجراءات مشددة من الرقابة في المطارات الأمريكية والأوروبية، فدفعت هذه السياسية الأمنية بالإدارة الجزائرية والليبية إلى الاحتجاج رسميّا لدى واشنطن والاتحاد الأوروبيّ في بروكسل بسبب هذه الإجراءات، والتوعّد بالمعاملة بالمثل، سعيا من الجزائر وطرابلس للدفاع عن صورتهما كبلدين يمتلكان مطارات من أأمن المطارات العالمية حسبما تؤكّده الإحصاءات الغربية لأمن المطارات الدولية نفسها.
ثالثا: التعاون الاقتصاديّ والتجاريّ مع الأقطار الخمس للاتحاد ويتمثّل في تطوير التعاون الاقتصادي والتجاريّ بناء على ما تمّ توقيعه من اتفاقات اقتصادية وتجارية بين الجانبين، الذي وصل إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين أميركا والمملكة المغربية، والشراكة التجارية مع تونس والجزائر، والتعاون الطاقويّ والتجاريّ مع ليبيا.
غير أنّ الميزان التجاريّ ظلّ يميل وباستمرار لصالح الأمريكيين، نتيجة اللاتوازن الذي كرّسه الفارق الكبير بين أسعار المواد الأولية القادمة من دول المنطقة، مقابل الأسعار الباهظة للمواد الأمريكية المصنعة.
أهم المسائل الخلافية بين الجانبين هناك مسائل خلافية عديدة بين دول المغرب العربي والولايات المتحدة الأمريكية، وهي تتراوح بين الخلافات الحادة المتعلقة بثوابت هذه الدول، وأخرى سطحية تتعلق بقضايا هامشية لكنّ كلّ طرف يسعى لضمانها على حساب الآخر، أخرى تسبّبت في خلقها الخلافات المغاربية-المغاربية في حدّ ذاتها،ما خلق فرصا للتدخّل الأمريكيّ في شؤون دول المنطقة: أولا: تشويه صورة الدين الإسلاميّ الحنيف بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 من قبل جهات غربية متطرّفة تقوم بالترويج لأطروحة "صراع الحضارات"، ومحاولة الخلط بين المقاومة والإرهاب لتبرير الاحتلال الأمريكيّ للعراق، ثانيا: اتخاذ مسألة محاربة الإرهاب حجة للضغط على الحكومات عبر فرض الإصلاح السياسيّ عليها، خصوصا وأنّ المنطقة المغاربية كانت مشمولة ضمن خطة الشرق الأوسط الكبير للإصلاح الأمريكيّ المفروض على دول العالم الإسلاميّ.
ثالثا: قضية الصحراء الغربية، والقضية الفلسطينية، وقضية العراق المحتلّ، ولولا ضعف الجامعة العربية من جهة، وضعف مكانة الدول المغاربية في الجامعة العربية من جهة أخرى، لأمكن لهذه الدول أن تحصّل المزيد من محدّدات القوة والأدوات لضغط على واشنطن، لاتخاذ موقف حاسم حول هذه القضايا الحساسة، دون السماح بالمتاجرة السياسية بها على أساس المعايير الثنائية، فبخصوص قضية الصحراء الغربية الموقف الأمريكيّ يتصف بالغموض وعدم الثبات، مثلما هو حال الانقسام الأوروبيّ وسياسة المحاور التي ساهمت في تعميق الخلاف الجزائريّ المغربيّ، بدور فرنسيّ اسبانيّ يساهم في تأجيل الحلّ وتعميق الخلاف.
رابعا: إدراج الجزائر وليبيا ضمن القائمة السوداء للدول التي تتضمن خطرا إرهابيا على المطارات الأمريكية، والتي وجب إخضاعها لإجراءات تفتيش خاصة، وهو ما أثار امتعاض البلدين اللذين ردّا بحزم مع هذه الإجراءات، بعد أنّ تأكد أنّ المطارات الجزائرية والليبية أكثر أمانا من المطارات الغربية، لذلك احتجت كلّ من ليبيا والجزائر لدى البرلمان الأوربي والكونغرس الأمريكي حول هذه السياسية، وضغطت عن طريق تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، ولم تجد حرجا في المطالبة بإلغائها عن طريق الضغط على واشنطن من خلال مصالحها الاقتصادية ، وقد توضّح الأمر حين اعتذرت الخارجية الأمريكية عن تصريحات الناطق الرسميّ باسم الوزارة الذي سخر فيه من دعوة العقيد القذافي المسلمين إلى الجهد ضدّ سويسرا بسبب قضية المآذن، وبدا أنّ واشنطن غير مستعدّة للتضحية بمصالحها النفطية في ليبيا والجزائر، وقد أثبتت قدرة كبيرة على التكيف مع سياسات البلدين.
خامسا: مسائل حقوق الإنسان: حيث تطالب الدول المغاربية بإطلاق سراح السجناء من أصول مغاربية في سجن غوانتانامو، واحترام حقوق المسلمين من أصول مغاربية في أميركا.
لكن في المقابل، تمارس واشنطن ضغوطا متزايدة حيال المطالبة باحترام حقوق الإنسان في الدول المغاربية، ووقف الخروقات المسجلة عليها، كما تبيّن التقارير الأمريكية والدولية، التي توفر لواشنطن ورقة ضغط إضافية على هذه الدول.
وكانت الجزائر قد رفضت قبول زيارة السيدة هيلاري كلينتون عضوة الكونغرس الأمريكيّ لعائلات المفقودين جرّاء الأزمة الوطنية في تسعينيات القرن الماضي، وفي المقابل سمح المغرب بزيارة السيدة كلينتون للمغرب.
لكنّ الجزائر استطاعت أن تقطع أشواطا هامة بخصوص استرجاع السلم المدنيّ بفضل سياسة الرئيس بوتفليقة ومبادراته للوئام المدني سنة 2000 والمصالحة الوطنية سنة 2005، في انتظار إطلاقه لمبادرة جديدة لعفو الشامل .
في حين كان التركيز على دفع ليبيا التعويضات الماضية لضحايا قضية لوكربي، كأهمّ قضية تفصل في مسار بناء العلاقات الأمريكية الليبية، وتقتصر الانتقادات الموجهة لتونس وموريتانيا على ما تتضمنه التقارير الدولية من انتقادات لنظامي البلدين.
سادسا: أسرار البرامج النووية لكلّ من الجزائر وليبيا، سواء كانت تسلحية أو غير تسلحية، فبالنسبة للبرنامج النووي الجزائري، فقد شيّدت الجزائر مفاعلين نوويين للأغراض السلمية بدرارية وعين وسارة بالاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنّ الأمريكيين يروّجون لمخاوف دولية من استيلاء تنظيم القاعدة على هذه المفاعلات، وتستخدم واشنطن هذه الحجة للضغط على الجزائر لتشديد إجراءات أمانها ضدّ تنظيم القاعدة حيال المفاعلين النوويين.
وقد رافعت الجزائر في المنابر الدولية وآخرها قمة واشنطن النووية بدعوة من الرئيس باراك أوباما، لجعل امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية "مسألة سيادية"، معتبرة أنّ لكلّ الدول الحرية والاستقلالية في تطوير قدراتها النووية السلمية دون العودة إلى استشارة أيّ طرف دوليّ ، كما يثير غموض الدور الجزائريّ حيال البرنامج النووي الإيرانيّ تحفّظ واشنطن، التي لمست اقتراب الموقف الجزائريّ من الموقف الإيرانيّ.
أمّا ليبيا، فقد أظهرت تعاونا فاجأ العالم بأسره عند تخليها عن برنامج التسلح النووي بعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق، وساعد تراجع العقيد الليبيّ عن برنامج ليبيا للتسلح النووي في كشف شبكة دولية إسلامية لبيع التكنولوجيا النووية للدول الإسلامية بقيادة العالم النووي الباكستانيّ عبد القدير خان، وأعتبر ذلك نصرا دبلوماسيّا مجانيّا جعل الرئيس جورج والكر بوش يستخدمه للترويج لحملته الانتخابيّة للفوز بعهدة رئاسية ثانية سنة 2004.
مع ذلك، لا يمكن إنكار قدرة القيادة الليبية في تفادي الاختلاف مع واشنطن، ونجاحها في التفاوض مع العواصم الغربية، لتصفية الملفات العالقة مع طرابلس، التي أثبتت قدرة كبيرة في استخدام الريع النفطيّ بالبترودولار، لإغراء العواصم الغربية بمنحها امتيازات اقتصادية في ليبيا.
أما مخاوف واشنطن من تحوّلات الساحة الداخلية في الدول المغاربية فتكمن في: أولا: الخشية من أن يؤدّي ضعف الأداء الديمقراطي في هذه الدول إلى حدوث تقلبات سياسية، قد تنتج نظما سياسية متطرفة بقيادة متشدّدين إسلاميين.
ثانيا: الخشية من تقلبات أسعار الطاقة وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكيّ، فرغم طرح مسألة البحث عن البديل الطاقويّ، غير أنّ واشنطن غير مستعدة بعد للتخلي عن النفط القادم من دول المغرب العربي.
ثالثا: ضعف التنشئة السياسية وعدم ترسيخ روح المواطنة العصرية، فالمطالب الأمازيغية في الجزائر والمغرب، وازدياد نسب الفقر وتهميش الأفراد خصوصا فئة الشباب، كلها أسباب تهدّد بحدوث انفجاريات اجتماعية في البلدين قد تؤدّي إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية فيهما.
رابعا: الخشية من أن يؤدّي استمرار الخلافات المغاربية-المغاربية إلى ازدياد نشاط الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وجماعات تهريب البشر وخلايا الهجرة السريّة...، التي قد تستهدف المصالح الأمريكية في المنطقة أيضا.
خامسا: الخشية من حرب بين الجزائر والمغرب حول تعثّر تسوية قضية الصحراء الغربية، حيث لا تزال حركة البوليزاريو تضع في عين الاعتبار الخيار العسكريّ لدعم حقّها في تقرير المصير.
المطلوب أمريكيا من الدول المغاربية هو: 1- إرساء الديمقراطية المشاركاتية والحكم الراشد، واحترام حقوق الإنسان.
2- وضع آليات استباقية للتعامل مع الأزمات السياسية والاجتماعية، لتفادي تنامي الظواهر المهدّدة لأمن هذه الدول والمهدّدة للمصالح الأمريكية أيضا، ومكافحة الجريمة المنظمة وظواهر الإرهاب والهجرة السريّة.
3- وضع استراتيجيات وطنية لترقية المواطنة العصرية عبر التنشئة السياسية التي تستند إلى طرق حداثية في التلقين للقيم المواطنية، وتجنب الانقسام الاجتماعي، وعدم التواصل بين السلطة والأفراد.
4- تجنّب أية حروب بسبب القضية الصحراوية، وضرورة دفع مسار الاندماج المغاربي إلى التجسيد الفعليّ.
إدارة الرئيس أوباما والمنطقة المغاربية إهمال تمليه الضرورات العسكريّة اعتبر الباحث الأمريكيّ ادوارد موتيمر من جامعة "هاذر فورد" الأمريكية أنّه لا توجد ملامح واضحة عن سياسة الرئيس أوباما تجاه المنطقة المغاربية، كما أنّ إدارة الرئيس أوباما لا تعتبر منطقة المغرب العربي ضمن دائرة إفريقيا من الناحية الجيو- إستراتيجية، رغم أنّ هذه الدول تقع ضمن دائرة دول شمال إفريقيا.
وقد انطلقت سياسة الرئيس أوباما من اعتبار منطقة المغرب العربي –بالمفهوم الجغرافي- مرآة لمنطقة الشرق الأوسط، لذلك فهي لا تحبّذ الفصل بين المشرق العربي والمغرب العربي.
كما أكّد مورتيمر أنّ أساس ومرجعية المنظور الأمريكيّ لمنطقة المغرب العربي يعود لرؤية وزير الخارجية الأمريكيّ الأسبق هنري كيسنجر، الذي قام بإلحاق المنطقة المغاربية لمنطقة الشرق الأوسط، ويرى مورتيمر أنّ هنالك خللا في اختيار المسؤولين عن صياغة السياسة الخارجية الخاصة بمنطقة المغرب العربي، لأنّ تعيين الدبلوماسيّ جفري فرانوان –السفير السابق لدى لبنان- من قبل الرئيس أوباما، مسؤولا عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان الهدف منه هو بعث حوار مع سوريا الأسد، وتسبّب ذلك في مزيد من الإهمال للمنطقة المغاربية، إضافة إلى أنّ فرانوان لا يعرف منطقة المغرب العربي، على عكس الخبير روبرت مالي الذي شغل منصب مستشار لدى الرئيس السابق بيل كلينتون، وهو على دراية كبيرة بالمنطقة المغاربية ومتطلباتها.
يرى ادوارد مورتيمر أنّ ورؤية واشنطن غير مكتملة عن المنطقة المغاربية، معتبرا أنّه من غير المعقول أن يظلّ تقسيم كيسنجر معتمدا إلى يومنا هذا بخصوص هذه المنطقة، ويرى مورتيمر أنّ التقصير الذي تتعمده إدارة الرئيس أوباما تجاه منطقة المغرب العربي سببه انشغالها بتسوية قضية الاحتلال الأمريكيّ للعراق وأفغانستان.
لكن ما الذي يجعل إدارة الرئيس أوباما لا تتقدّم بمواقف واضحة حيال الانقلابات في موريتانيا مثلا؟، ولماذا لم تتقدّم إدارة الرئيس أوباما بموقف واضح حيال قضية الصحراء الغربية، وما الذي يبرّر تردّدها في قبول الموقف الأممي حول تقرير المصير في الصحراء الغربية،أو حتى إبداء موقف محدّد حيال الاقتراح المغربيّ بمنح الحكم الذاتي للصحراويين؟، هل بالإمكان اعتبار الغياب الأمريكيّ عن متابعة قضايا المنطقة بأنّه تراجع في الدور الأمريكيّ المهيمن، والمسيطر في العديد من الدوائر الإقليمية الدولية؟، أم أنّه يؤشّر إلى توصيف واضح بنفوذ الاتحاد الأوروبيّ على المنطقة المغاربية مقابل النفوذ الأمريكيّ المحدود، بحكم العلاقات التاريخية بين الجانبين، وعلاقة الجوار بينهما أيضا؟.
شهدت إدارة الرئيس أوباما حسب الباحث الأمريكيّ ادوارد مورتيمر -ولأول مرّة- طرح فكرة إيجاد طاقة بديلة في خليج المكسيك وآلاسكا، قد تدفع واشنطن إلى الاستغناء عن النفط الجزائري والليبي، وهو ما قد يتسبب في تدهور علاقات البلدين مع واشنطن، ناهيك عن تأثير مثل هذا القرار على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهذين البلدين جراء تراجع صادراتها للنفط.
لكن الأزمة المالية العالمية نسفت أسس هذه الخطة الجريئة، حيث يدرك الخبراء استعداد القوى الدولية الكبرى لملأ الفراغ الأمريكيّ في المنطقة في حال تخلّي الأمريكيين عن الاستثمار فيها.
موقف واشنطن من تسلّح الدول المغاربية ...
تساؤلات طبيعية أم تدخّل غير مشروع؟ تتسابق الدول المغاربية لعقد صفقات ببلايين الدولارات لدعم قدراتها العسكرية وزيادة ترسانتها الحربية، ويثير هذا الطموح "السياديّ" توجّس الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبيّ، لأنّ الدول المغاربية تمتلك جيوشا عسكرية كلاسيكية قوية وتعاني من ظاهرة انتشار العنف الإسلاميّ المسلح، خصوصا التهديدات العلنيّة التي لا يخفيها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ ضدّ المصالح الغربية، لذلك تحتاج واشنطن إلى قراءة صحيحة للعقيدة العسكرية للدول المغاربية، التي انخرط معظمها في اتفاقات تعاون وتنسيق عسكريّ ثنائيّ ومتعدّد الأطراف مع حلف الناتو NATO، أو مع دول الاتحاد الأوروبيّ، وتثير هذه الاتفاقات مسألة تبادل المعلومات العسكرية السرّية الحساسة عن الدول المغاربية، مقابل تكتّم حلف الناتو عن قدرات إسرائيل العسكرية، التي شاركت في العديد من المناورات العسكرية في إطار مكافحة الإرهاب في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
يحقّ للدول المغاربية أن تتسلح لضمان سلامة سيادتها الإقليمية، غير أنّه لا يمكن إنكار حالة "عدم الثقة" بين الدول المغاربية نفسها، حيال صفقات التسلّح، التي أفضت إلى ظاهرة التسابق نحو التسلّح بين أقطار المنطقة المغاربية.
فبالنسبة للجزائر، كانت مسألة التسلّح بمثابة مشكلة حقيقية تهدّد سيادة البلد، الذي عانى من حصار دوليّ كبير في تسعينيات القرن الماضي، بسبب أزمته الداخليّة الأمنية المعقّدة، ما دعا الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة وزير الدفاع الوطنيّ، إلى سنّ مبدأ " تنويع وتعديد مصادر التسلّح" لحلّ مشكلة امتناع الدول الغربية عن بيع الأسلحة للجزائر، فالجزائر مستعدّة لشراء السلاح - بكلّ شفافية وبطريقة شرعية- من أيّة دولة تتقدّم بفرص بيع هذه السلع حسبما تقتضيه ق