تتسم العلاقات الأمريكية-الأوروبية بمزيج من التعاون والتحالف، ومن التنافس في آن واحد، بمنطقة البحر الأبيض المتوسط والمغرب العربي. هذه العلاقات تحكمها المصالح الحيوية لكلا الطرفين في المنطقة، إذ تعتبر أوروبا أن منطقة المغرب العربي هي مجالها الحيوي، بحكم القرب الجغرافي، والروابط التاريخية الاستعمارية، وبالتالي تعمل على احتواء المنطقة عبر الشراكة الأورو-متوسطية، بينما تشكل منطقة المغرب العربي في نظر الولايات المتحدة الأمريكية فراغا استراتيجيا لابد من ملئه، وذلك في إطار تأمين المصالح الأمريكية وفي إطار عملية الهيمنة والزعامة المطلقة على العالم. من هذه المنطلقات يمكن التطرق إلى هذا الموضوع ، من خلال استعراض أوجه التعاون والتحالف، وأوجه التنافس والآثار المترتبة على ذلك بالنسبة لمنطقة المغرب العربي, وآليات التصدي لذلك.
مقدمة
تتسم العلاقات الأمريكية-الأوروبية بمزيج من التعاون والتحالف، ومن التنافس في آن واحد، بمنطقة البحر الأبيض المتوسط والمغرب العربي.
هذه العلاقات تحكمها المصالح الحيوية لكلا الطرفين في المنطقة، إذ تعتبر أوروبا أن منطقة المغرب العربي هي مجالها الحيوي، بحكم القرب الجغرافي، والروابط التاريخية الاستعمارية، وبالتالي تعمل على احتواء المنطقة عبر الشراكة الأورو-متوسطية، بينما تشكل منطقة المغرب العربي في نظر الولايات المتحدة الأمريكية فراغا استراتيجيا لابد من ملئه، وذلك في إطار تأمين المصالح الأمريكية وفي إطار عملية الهيمنة والزعامة المطلقة على العالم.
من هذه المنطلقات يمكن التطرق إلى هذا الموضوع ، من خلال استعراض أوجه التعاون والتحالف، وأوجه التنافس والآثار المترتبة على ذلك بالنسبة لمنطقة المغرب العربي, وآليات التصدي لذلك.
أولا: التعاون والتحالف الأمريكي-الأوروبي في منطقة المغرب العربي
تميزت العلاقات الأمريكية-الأوروبية بالتعاون والتحالف منذ القرن 19 إلى غاية نهاية الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والأوروبي، حيث كان هناك توافق أمريكي-أوروبي على تقاسم مناطق النفوذ في العالم، إذ انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية بشؤون القارة الأمريكية وما جاورها، بينما سيطرت أوروبا على إفريقيا ومناطق أخرى، وقد تم احترام هذا التقسيم من كلا الطرفين إلى حد ما، وقد كانت مصالح الطرفين محفوظة في إطار سياسة احتواء الشيوعية في العالم وفي إفريقيا على الخصوص.
و يمكن أن نستشف المصالح المشتركة بين الطرفين الأمريكي والأوروبي في ما يلي :
- الحفاظ على تدفقات البترول إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية عبر المتوسط.
- منع أي طرف إقليمي من السيطرة على إنتاج القدر الذي يسمح له بالتحكم في هذه الأسواق.
- العمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
كما نجد أن أوروبا، كانت تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة إيهامها بأنها عاجزة عن تأمين أمنها واستقلالها من المد الشيوعي العالمي.
من هنا كانت المسائل الأمنية والدفاعية تتخذ من قبل أمريكا، باعتبارها القوة القادرة على حماية المنطقة من أي تدخل خارجي،مما سمح بتواجدها بالمنطقة عبر الأسطول السادس والقيادات البحرية الأمريكية المختلفة .
هذه المظلة الأمنية الأمريكية لأوروبا تنبع من بعد تاريخي قديم، إذ نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أنقذت أوروبا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما أنقذتها من المد الشيوعي الذي وصل إلى قلب القارة الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، وصواريخه النووية خلال الحرب الباردة.
لقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تأمين طريق البترول العابر للقارة الأوروبية من منطقة الخليج ومن منطقة المغرب العربي، عبر التواجد البحري العسكري الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط، كما نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد ساهمت في إعمار القارة الأوروبية بعد تحريرها من القوات النازية عبر مخطط مارشال الشهير.
لقد وجدت هذه التضحيات المقدمة من قبل أمريكا، ترجمتها الواقعية، المتمثلة في قبول الزعامة الأمريكية على العالم الغربي بعد الحرب الباردة، وعلى أوروبا أن تدفع الثمن، ذلك لأن الأمريكيين ليس لديهم أصدقاء ولا حلفاء، بل لديهم مصالح لابد من المحافظة عليها، ولو استدعى الأمر إلغاء أو إضعاف الخصوم والمنافسين سواء أكانوا أصدقاء أو أعداء، حتى تتمكن أمريكا من المحافظة ولأطول مدة ممكنة بموقعها كقوة عظمى وحيدة في العالم.
ثانيا: مظاهر التنافس الأمريكي الأوروبي منطقة المغرب العربي
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء عهد القطبية الثنائية، انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بموقع متميز عالميا كقطب مهيمن، ومن ثمة بدأت تتغير العلاقات بين الطرفين الأمريكي والأوروبي من علاقات تحالف وتلاحم داخل المعسكر الرأسمالي الغربي، إلى علاقات تنافس ، تمثلت في السباق نحو النفوذ والهيمنة، وإعادة النظر في خرائط النفوذ الموروثة عن حقبة الحرب العالمية الثانية.
و هكذا زاحمت الولايات المتحدة الأمريكية حلفائها الطبيعيين الأوروبيين، في مناطق نفوذهم التقليدية خاصة منطقة البحر الأبيض المتوسط، والمغرب العربي، فكانت مبادرة إيزنستات الأمريكية الخاصة بالشراكة مع دول المغرب العربي ومشروع الشرق الأوسط كعملية اختراق للحصن الأوروبي، الذي سارع إلى سياسة احتواء بلدان المغرب العربي عبر عملية برشلونة المتوسطية.
فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى للتموقع في منطقة المغرب العربي لضمان أمن المنطقة كممر استراتيجي للخليج العربي، وكذلك كنقطة محورية على أساس الجناح الجنوبي لأوروبا لمراقبة أوروبا من جهة وللمحافظة على مصالحها انطلاقا من المنطقة بدلا من إيطاليا.
تتجلى مظاهر التنافس الأمريكي-الأوروبي في تزعم الولايات المتحدة الأمريكية للعالم الغربي، انطلاقا من إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، المتمثلة في المحافظة لأطول مدة ممكنة بموقع قوة عظمى وحيدة في العالم، وذلك للحفاظ على المجال الأمريكي الذي ليس له حدود، إذ حيثما توجد المصالح الأمريكية، فهناك يمكن تحديد المجال الأمريكي، ونتيجة لتناثر المصالح الأمريكية عبر العالم، فلا يمكن التحدث عن تحديد المجال الأمريكي، واتساقا مع هذه الإستراتيجية تعمل الولايات المتحدة الأمريكية كل شيء من أجل ردع الخصوم بين الدول الصناعية التي قد تفكر يوما في تحدي أو مواجهة الهيمنة، والوقوف في وجه الدور الكبير الذي تلعبه أمريكا على الخريطتين الإقليمية والدولية .
و لتكريس الهيمنة تستخدم السياسة الخارجية الأمريكية، القوة العسكرية المنتشرة عبر العالم، والتي تتدخل في الصراعات المسلحة لإيجاد الحلول المناسبة، كما تستخدم القوة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، بهدف إقناع الخصوم الحاليين (أوروبا) بأنهم ليسوا في حاجة إلى أن يلعبوا دورا كبيرا نسبيا، لأن الهدف هو أن يظل موقع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة، قائدة للعالم وتستطيع ردع أي أمة أو مجموعة من الأمم قد تفكر يوما في تحدي سمو ورفعة أمريكا، أو أن تشكك في النظام الاقتصادي والسياسي الذي ترفع لواءه .
من هذه المنطلقات، كانت هناك الاختلافات في الرؤى، وتحركات على كل المستويات، إذ عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقزيم أوروبا في المحافل الدولية وفي القضايا الساخنة،عن طريق إلغاء دورها كطرف له وزنه على الساحة الإقليمية والدولية، وإيهامها بأنها مازالت بحاجة إلى المظلة الأمريكية وخاصة في المجال الأمني، حيث هناك خطر جديد يتمثل في الأصولية المرتبطة بالإرهاب والتي تشكل خطرا على العالم بأسره، ومن ثمة فلابد على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقود العالم في محاربة هذا الخطر الجديد الذي يهدد العالم بـأسره، وما على الحلفاء إلا الانقياد إلى الأطروحات الأمريكية .
هذه النظرة تقابلها النظرة الأوروبية التي تحاول أن تجسد تواجدها باعتبارها الحليف الطبيعي للولايات المتحدة الأمريكية وقوة لها وزنها الإقليمي والعالمي، وذلك عبر قوات الردع الأوروبية، للتخلص من التبعية الأمريكية في مجال الأمن، من أجل الوصول إلى نقطة التوازن في علاقاتها مع أمريكا .
من مظاهر التنافس أن كل طرف سواء الأمريكي أو الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا، يحاول قطع الطريق أمام تعزيز الطرف الآخر لنفوذه في مناطق يعتبر نفسه ولأسباب جغرافية وتاريخية أنه أولى بها، فيتحول التنافس إلى حرب مواقع اقتصادية وأسواق تجارية في إطار التنافس المصلحي حول مناطق النفوذ.
ومن هنا يتجلى التحرك الأمريكي عبر مبادرة إيزنستات القاضية بإيجاد شراكة أمريكية مغاربية مع الدول الثلاثة (المغرب،تونس، الجزائر)، هذا بالإضافة إلى طرح مشروع الشرق الأوسطي، في هذه المنطقة من المتوسط والذي يضم إليه أيضا دول شمال إفريقيا.
بينما نجد في المقابل التحرك الأوروبي لإقامة شراكة أورو-متوسطية عبر مشروع برشلونة 1995.
المشروعان هما عبارة عن تنافس خفي وغير معلن بين أمريكا والاتحاد الأوروبي للسيطرة على مقاليد الأمور في المنطقة، وتبعا لذلك يمكن مقارنة المشروعان وتأثيرهما على دول المنطقة في إطار عملية التنافس الاقتصادي المصلحي بين الطرفين الأمريكي والأوروبي، بحيث تشكل المنطقة سوقا للسلع الأوروبية والأمريكية، ومصدرا للطاقة والمواد الأولية، وموردا للاستثمار.
إذن فإن الشراكة الأورو-متوسطية تعتبر أداة أوروبية تضمن المصالح الأوروبية كقوة اقتصادية وسياسية منافسة للولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وتضمن استقلالية أوروبية في مواجهة أمريكا، ومزيدا من التحرر من القبضة الأمريكية. إن الشراكة الأورو-متوسطية تعترف بوجود نظام إقليمي عربي، وتشجع العرب على تعزيز التلاحم الاقتصادي فيما بينهم، يقوم على قاعدة الشراكة والاستفادة المتبادلة قدر الإمكان، يعمل على تقريب المصالح بين الجانبين الجنوبي والشرقي للمتوسط، وأخيرا ترك الأمور العالقة للمفاوضات السلمية وحماية أمن أوروبا والدول المتشاطئة على المتوسط والأمن الإقليمي للمتوسط .
بينما نجد الطرف الأمريكي قد بادر بمشروع الشرق أوسطي كعملية مضادة للتحرك الأورو-متوسطي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
فمشروع الشرق الأوسط يعتبر مبادرة أمريكية-إسرائيلية لا تنظر إلى المضمون الحضاري أو الثقافي أو التاريخي، أو اللغوي لدول المنطقة، بحيث تشمل المنطقة الأراضي المحصورة بين باكستان حتى المغرب غربا ومن تركيا شمالا والصومال والجمهورية اليمنية جنوبا، بحيث تشمل كافة الدول العربية وإيران وتركيا وقبرص .
هذا المشروع يخدم بالدرجة الأولى المصالح الأمريكية الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية في منطقة المتوسط بحيث تضمن أمريكا أمن إسرائيل وتفوقها كأداة حارسة للمصالح الأمريكية في المنطقة، وحماية التدفقات النفطية من الخليج العربي، وتشجيع ونشر سياسة اقتصاد السوق.
كما أن هذا المشروع يعمل على حشر إسرائيل في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة ومنحها مجالا جغرافيا وسكانيا واسعا، مما يهدد مصالح الدول الأوروبية والعربية على حد السواء، إذ يتم تحويل التفوق العسكري الإسرائيلي إلى تفوق تكنولوجي واقتصادي، يؤدي في الأمد البعيد إلى إلغاء المقاطعة العربية لإسرائيل قبل تحقيق التسوية السلمية أو أي تقدم ملموس في المفاوضات الثنائية.
إن الاهتمام الأوروبي بمشروع الشرق الأوسط يتمثل في اعتبار المنطقة امتدادا لحدوده الجنوبية والشرقية ومنطقة المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبالتالي تعمل أمريكا على إبعاد أوروبا عن التدخل في شؤون هذه المنطقة، وخاصة في عملية السلام عن طريق تقزيم دورها الإقليمي في المنطقة.
أما من جهة أخرى فيمكن أن نلمس مظهرا آخرا للتنافس بين الطرفين الأمريكي والأوروبي فيما يخص المسائل العسكرية، إذ نجد أن الطرف الأمريكي يعمل كل ما في وسعه من منع تكوين نظام أمني أوروبي، يمكن أن يهدد توازن الحلف الأطلسي، ومن ثمة فقد عارضت أمريكا مسألتين أساسيتين الأولى إمكانية الاستغناء عن القيادة الجنوبية لقوات الحلف الأطلسي لشخصية أوروبية والثانية إنشاء قوات الردع الأوروبية.
فبالنسبة للمسألة الأولى والخاصة بالاستغناء عن القيادة الجنوبية لقوات الحلف الأطلسي لشخصية أوروبية، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تعارض وبصفة قطعية هذا الطلب التي تسنده فرنسا ولم تبد أي لين أو أدنى استجابة لذلك، فكان الرد صريحا على لسان وليام كوهين وزير الدفاع الأمريكي قائلا:
"إن القيادة الجنوبية لحلف الأطلسي ليست من المسائل التي تقبل التفاوض حولها، إن الأسطول المتواجد في القاعدة الجنوبية للحلف هو أسطول أمريكي ولا يمكن أن يتولى قيادته سوى شخص أمريكي" .
و من هنا يصبح الحلف الأطلسي وقياداته أداة عسكرية يمكن أن تستخدمها أمريكا متى تشاء وكيفما تشاء، وهذا ما حدث ويحدث الآن وذلك بغية استتباب الأمن والسلام العالميين، بحيث نجد أن أمريكا هي الضامن الوحيد للاستقرار في العالم.
أما بالنسبة لقوات الردع الأوروبية فنجدها فكرة أوروبية ردا على التحدي الأمريكي الخاص بالمسألة الأولى، إذ في نظر القادة الأوروبيين أنه لا يمكن المحافظة على الحضارة الأوروبية الناشئة بدون وسائل دفاع خاصة بها، ومن ثمة فإن قوات الردع الأوروبية تعتبر الضامن الوحيد لضمان أمن واستقرار أوروبا من الهيمنة الأمريكية. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت هذه المسألة المتعلقة بالقوة الأوروبية بمثابة تهديد لوجود الحلف الأطلسي، فعلمت على الأقل لتفجيرها من الداخل وربطها بالحلف الأطلسي.
فالمخاوف الأمريكية تتمثل في أن تؤدي قوات الردع الأوروبية إلى فقدان أمريكا السيطرة على مستقبل الدفاع الأوروبي والتي طالما احتفظت به ووجهته طبقا لمصالحها الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الثانية .
وللتخفيف من حدة التوتر الأمريكي حول هذه المسألة، فقد نفت أوروبا أن الهدف من وراء ذلك هو منافسة الحلف الأطلسي، مؤكدة أن عمل هذه القوات يتم بالتعاون مع الحلف الأطلسي عن طريق استخدام العتاد والأسلحة الخاصة بالحلف، إلا أنه يعد تفاوضا شاقا قبلت أمريكا الفكرة واشترطت أن يعهد بمهمات التخطيط العسكري إلى لجنة متخصصة للقيادة المركزية للحلف يمكن من خلالها استخدام القوات الأوروبية للعتاد الاستراتيجي للحلف.
كما يمكن أن نلاحظ الخلاف القائم بين المصالح الأمريكية والأوروبية خاصة في المسائل التجارية، إذ اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات فردية في علاقتها بشركائها التجاريين بشكل يخل بالأحكام الدولية ويؤدي إلى تزايد الحمائية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بامتداد بعض التشريعات الأمريكية إلى خارج أراضيها، مما يضر بالمصالح الأوروبية ومصالح الدول الأخرى عبر تعاملها مع الولايات المتحدة الأمريكية في المجال التجاري مثل الإحجام عن التعامل في المجال التجاري بالنسبة للدول التي تصنفها أمريكا في خانة دول محور الشر .
ثالثا: تأثير التحالف والتنافس الأمريكي-الأوروبي على منطقة المغرب العربي.
هناك توافق في المقاصد، واختلاف في الطرق المتبعة من قبل الطرفين الأمريكي والأوروبي، حول تقاسم مناطق النفوذ في منطقة المغرب العربي ويمكن إجمال الموضوعات الرئيسية التي يتم عليها التحالف الأوروبي الأمريكي في الآتي:
أ – الانتماء إلى المنظومة الرأسمالية ومحاولة إرسائها في جميع مناطق العالم ومنها المنطقة المغاربية، باعتبارها المنظومة الوحيدة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية.
ب - محاربة الإرهاب بشتى الطرق والوسائل باعتباره الخطر الجديد الذي يهدد أمن واستقرار العالم.
ج – إرساء الأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمفهوم الغربي.
أما مظاهر التنافس بين الطرفين فتكمن في ما يلي:
أ – المصالح الاقتصادية وخاصة النفطية منها.
ب – محاولة الهيمنة والسيطرة على مناطق النفوذ في المنطقة.
ج – إرساء الثقافة واللغة (الفرنسية/ الإنجليزية)، وأنماط الاستهاك الغربي.
د – كسب الولاء السياسي من الأنظمة الغربية القائمة.
مما سبق يمكن الوقوف على الآثار المترتبة على منطقة المغرب العربي والمتمثلة في الآتي:
أ - من المفروض أن الشراكة تتضمن المساواة والندية، ولكن يلاحظ أن المباحثات قد كانت بين 15 دولة أوروبية ككتلة واحدة ممثلة في الاتحاد الأوروبي كطرف لها استراتيجية مهيمنة في جميع المسائل التي كان التباحث من أجلها، بل أنها وثيقة أوروبية أصلا مقدمة للبلدان المغاربية فرادى كطرف آخر، تحت شعار مباحثات الشراكة الأورو-متوسطية، ومن هنا لم تستطع أن تمتلك أية دولة من دول المغرب العربي أية قوة تفاوضية قادرة على التعامل مع الاتحاد الأوروبي هذا من جهة، ومن جهة ثانية عدم استفادة الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من أية معاملة تفاضلية كالتي تستفيد منها الدول الأوروبية، أما بالنسبة لمبادرة إيزنستات فهي مبادرة أمريكية الهدف منها الاستحواذ على المنطقة اقتصاديا وتأمين طريق النفط، ومراقبة أوروبا وتكريس الهيمنة على مختلف بقاع العالم .
ب - إن المشروعان سواء الأوروبي أو الأمريكي يعتمدان على حرية التجارة ودعم القطاع الخاص والخوصصة كمداخل للتنمية في المنطقة، وهي مسائل أثبتت التجارب عدم صلاحيتها لإحداث التنمية في البلدان النامية، لأنها تقوم على فرضيات لا تتحقق على أرض الواقع، مثل العمالة الكاملة، سهولة تنقل الأيدي العاملة من بلد إلى آخر، ومن قطاع إلى آخر، كما تفرض وجود المنافسة الكاملة، وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية كل تلك الأمور لا يمكن تحقيقها في البلدان المغاربية، نتيجة طبيعة وظروف المجتمعات المغاربية والتي تحتاج إلى مرحلة طويلة للتحول الاقتصادي مدعمة من قبل الدولة، وذلك للوصول إلى عملية التنمية والتكامل بين بلدان المغرب العربي .
ج - يشترك المشروعان من حيث الهدف في محاربة انتشار ما يسمى بالأصولية الإسلامية، تحت شعار محاربة الإرهاب الدولي، إلا أنهما ينطلقان من مقولة خاطئة مفادها بأن الدين الإسلامي يشكل خطرا إرهابيا على كل من أوروبا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والحقيقة أن الدين الإسلامي بريء من هذه التهم والأوصاف، لأنه دين يقوم على التسامح والعدل والأخوة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أنتجت ما يسمى بالتطرف الإسلامي، أن أكثر الجماعات الإسلامية تطرفا في العالم قد نشأت وترعرعت في أحضان المخابرات الأمريكية وأحسن مثال على ذلك أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، نظام طالبان الذين استخدمتهما الولايات المتحدة الأمريكية لوقف الزحف السوفييتي باتجاه أفغانستان وبقية دول آسيا، ثم حاربتهما.
و هذا كله من أجل إبقاء العالم تحت الهيمنة الأمريكية والاستفادة من الخيرات الطبيعية وتأمين المصالح الأمريكية والغربية. وهذا ما لم تتفطن إليه الدول العربية وذهبت تسبح في فلك الإمبريالية الجديدة وتحاول كسب ود أي من الطرفين على حساب الوحدة القومية
مما سبق يلاحظ توافقا في مقاصد القطبين، رغم اختلاف الطرق المستخدمة والتي تتأرجح بين القوة والردع من جانب، والجزرة والإغراء من جانب آخر، إلا أنها تصب في الشكل الجديد للإمبريالية والديمقراطية الشمولية والدكتاتورية. وهي أشكال جديدة من الاستعمار، تمارس على الدول النامية ومنها الدول العربية والمغاربية، وذلك في إطار الدفاع عن النظام الدولي الجديد المنبثق عن الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين.
من هذا المنطلق يجب على الدول المغاربية أن تلم شملها وتحدد مصالحها الحيوية المشتركة، وتحاول بأفضل السبل الدفاع عنها، للإستفادة من الطرفين الأمريكي والأوروبي.
رابعا: آليات التصدي المغاربي للتحالف والتنافس الأمريكي-الأوروبي
يمكن استغلال التنافس الأمريكي الأوروبي لصالح دول المغرب العربي على صعيدين إثنين، الصعيد الأول: إما التحالف مع أحد الطرفين سواء مع أمريكا ضد أوروبا أو العكس مع أوروبا ضد أمريكا مقابل الاستفادة المتبادلة، أو على الصعيد الثاني والمتمثل في التكتل مع أطراف أخرى في إطار إتحاد المغرب العربي عن طريق إدخال لاعبين جدد: مثل الدول العربية عبر البديل الإقليمي العربي أو التكتل والتحالف مع الصين أو اليابان، وذلك لتنويع المبادلات التجارية والطاقوية، ولتعزيز المركز التفاوضي المغاربي لدى كل من الأوروبيين والأمريكيين.
إن استمرار التنافس يخدم دول المنطقة المغاربية إذا ما تم استغلاله بطريقة عقلانية عند إدارة اللعبة التنافسية مع أمريكا من جهة وأوروبا من جهة أخرى، وأن غياب المنافسة يخدم الإستراتيجية الأمريكية – الأوروبية معا على حساب دول المنطقة، عبر تقديم التسهيلات لكل منهما، وبالتالي تنتهي المنافسة ويتوصل الطرفان الأمريكي والأوروبي إلى اتفاق بينهما للاستحواذ على ثروة المغرب العربي وتقسيمها.
وعليه فاللعب على التناقضات الأمريكية الأوروبية يخدم مصالح الدول المغاربية، مثل الاستثناء الثقافي، إدخال أطراف دولية أخرى في اللعبة، تدعيم إتحاد المغرب العربي، تعزيز البديل الإقليمي العربي. من هذه المنطلقات يمكن التركيز على آليتين يمكن من خلالهما التصدي لهذا التنافس، يتمثلان في: تدعيم إتحاد المغرب العربي، وتفعيل التعاون المشترك بين الدول العربية في إطار البديل الإقليمي العربي، مع إدخال أطراف دولية أخرى في اللعبة مثل الصين واليابان عن طريق إقامة علاقات مختلفة معهما وفي هذا المجال نكتفي بالمسالة الأولى والمتمثلة في تدعيم المغرب العربي.
إن التصدي للتنافس الأورو-أمريكي على منطقة المغرب العربي، يستدعي بذل مجهودات متناسقة من أجل تحقيق التنمية الشاملة، تتعدى الإمكانيات القطرية وتتطلب توحيد الجهود والاستفادة من الموارد المتاحة على مستوى الاتحاد المغاربي، خاصة ونحن نعيش عصر التكتلات الاقتصادية الكبرى، الذي تفتقد فيها الدول الضعيفة والمتشتتة وزنها وتصبح مجرد تابعة في مجال العلاقات الدولية تتأثر بانعكاساتها السلبية.
فلا سبيل أمام دول المغرب العربي، إلا المزيد من عمليات التكامل والتكاتف ونبذ الخلافات الجانبية، وذلك لأن المصالح مشتركة والخيارات مفتوحة، وإن الأمر لا يتعلق بالارتباط بطرف والتخلي عن الطرف الثاني، بل الاستفادة من الطرفين، عن طريق المزيد من التكامل الاقتصادي، لأنه المحرك الأساسي فضلا عن الجوانب الأخرى السياسية والثقافية.
إذ نجد المقومات الأساسية للتكامل موجودة سواء أكانت ثقافية كوحدة الدين واللغة وتشابه العادات والتقاليد، أو اقتصادية كوجود الموارد الاقتصادية من طاقة بشرية وخامات معدنية وموارد زراعية، هذا بالإضافة إلى التواصل الجغرافي وتنوعه.
و يبقى فقط تفعيل كل هذه العوامل، ووضع المصلحة المشتركة فوق كل اعتبارات سياسية ولنا في الاتحاد الأوروبي مثال، حول طرحه جانبا اختلافاته العددية في جميع الميادين والإلتفاف حول المصلحة المشتركة، وذلك لأن العصر هو عصر التكتل وذلك للاستنهاض بالقدرة التنافسية في التفاوض مع الآخر .
من هذا المنطلق يمكن أن نستعرض أهم المجالات التي يمكن عن طريقها تدعيم اتحاد المغرب العربي، هذه المؤسسة التي توقفت بصفة مؤقتة عن العمل، رغم أن الظروف الدولية والإقليمية ومصالح شعوب المنطقة المغاربية تستدعي إعادة بعثها لكي تلعب دورها المنوط بها، ولكي تستطيع تحقيق آمال شعوب المنطقة التواقة إلى الوحدة والازدهار.
و يمكن حصر المجالات التي يمكن أن تدعم اتجاه دول المغرب العربي نحو الاتحاد في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.
1-المجــالات الاقتصادية:
لا يمكن للدول المغاربية أن تعيش بمعزل عما يجري في العالم الحديث من تكتلات تجاوزت حدود القارات لتحقيق المنافع الاقتصادية، بل أصبحت الضرورة ملحة والحاجة ماسة –من أي وقت مضى- لتجاوز الخلافات المفتعلة والعمل على تدعيم هذا الإطار المؤسسي للقضاء على التبعية والتخلص من مخاطرها السياسية كخطوة أولى لتحقيق الاستقلال الاقتصادي بمفهومه الواسع.
هذا الإطار يتمثل في التكامل الاقتصادي بين الدول المغاربية، بحيث يتحقق بين مجموعة من الدول ذات المصالح الاقتصادية المشتركة، إذ تلغى كافة الصعوبات والعوائق أمام حركة تدفق السلع والخدمات والمواطنين ورؤوس الأموال، وهذا لا يمكن إدراكه إلا عبر التنسيق الاقتصادي في مرحلة أولى كدفع المشروعات المشتركة التي يمكن بعثها بين الدول المغاربية، وفي مرحلة تالية التخفيف من الحواجز الجمركية وصولا إلى قيام اتحاد اقتصادي بين الأقطار المتكاملة، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا توافرت الإرادة السياسية المغاربية، التي تجعل مبدأ التكامل فوق كل اعتبار، وتعمل على تنفيذ القرارات والخطوات التي تصب في هذا الاتجاه.
إن التباين الجغرافي والنباتي والثرواتي والسكاني في المغرب العربي، يعتبر من العناصر الأساسية للتكامل الاقتصادي الجماعي، إذ نجد المنطقة تشمل أراضي متعددة المناخات، يمكن استغلالها في إنتاج أغلب الموارد الزراعية، كما أنها تزخر بموارد مائية سواء عن طريق السدود أو المياه الجوفية، كما تحتوي على ثروات بحرية ونهرية وغابية وموارد معدنية وطاقوية، تتباين من قطر إلى آخر، مما يساعد على اتجاه كل بلد في إطار تحقيق مصلحته إلى التكامل مع البلد الآخر.
إن أي بلد يسعى إلى التكامل مع غيره، إنما يفعل ذلك ابتغاء تلافي ما لديه من حالات الندرة والنقص، لأن التكامل يتيح له إمكانية حصوله على إمدادات ومنافع ينالها من الأطراف التي يتكامل معها.
إن المطلوب هو بناء مجال اقتصادي مغاربي يؤدي في النهاية إلى تقليص التبعية للخارج في المجالات المالية والغذائية، وعدم الإرتباط طاقويا بأحد الطرفين، بل محاولة الاستفادة من الأطراف جميعها، بما يخدم المصلحة المشتركة للبلدان المغاربية، ويمكن إدراك هذا المسعى عن طريق توسيع الاستثمار والإنتاج والمبادلات والتعاون على الصعيد المغاربي، إن فتح الأسواق الوطنية، تمكن البلدان المغاربية من الاستثمار المشترك والتعاون في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي والاجتماعي، عن طريق المشاريع المشتركة.
إن المصلحة الرئيسية تكمن في تجمع اقتصادي مغاربي، يمكن أن يحقق نموا اقتصاديا واجتماعيا لفائدة الشعوب المغاربية، يستطيع أن يخفف من حدة زحف منطقة التبادل الحر في المتوسط سنة 2010 ، والتي تكرس التبعية للخارج ومن ثمة عدم تلبية الحاجيات الجماهيرية ومتطلبات التنمية .
2- المجالات الثقافيـــة:
لا يمكن بلوغ الأهداف الاقتصادية السالفة الذكر، إلا بالتركيز على الإنسان صانع الثروة وموجهها نحو المصلحة المشتركة. ومن هنا كان التركيز على التعليم بمختلف أطواره ومستوياته الهاجس الأكثر اهتماما والخطير في آن واحد، بحيث إما أن يوجه توجيها صحيحا وإما أن يبقى يدور في فلك التبعية بدون الاستفادة منه من أجل الازدهار والرقي.
و في هذا الإطار المطلوب هو التنسيق بين مختلف المستويات (التأطير، المناهج، الإمكانات المادية والمالية) من أجل بعث ثقافة مغاربية، تتلاءم ومقتضيات العصر، بهدف تكوين جيل متمكن وقادر على الإبداع والابتكار في مجالات النشاط المختلفة وذلك بما يخدم التوجهات الكبرى لبناء الاتحاد المغاربي، وذلك عن طريق الاستغلال العقلاني للطاقات البشرية بتوفير الجو المناسب للبحث العلمي وذلك بقصد الحد من هجرة الأدمغة.
و في هذا الصدد فالتفكير ينصب على إعادة النظر في البرامج والمناهج والتأطير وإعادة المدرسة لأهدافها والمتمثلة في التنوير والتثقيف، وأن تكون أداة يمكن عن طريقها المحافظة على الإنسان من نفسه، حيث يمكن لها أن تقدم له أدوات الحوار والتبادل والاختيار.
كما أنه لابد من التفكير في التعليم المهني والتقني حتى يأخذ في عين الاعتبار احتياجات السوق، ومن هنا يتأقلم مع تحولات سوق العمل عبر الشراكة مع المؤسسات الإنتاجية.
أما فيما يخص التعليم العالي والبحث العلمي، ففي هذا الصدد فإنه من الضروري تفعيل مشروع أكاديمية المغرب العربي، والجامعة المغاربية والتي بقيت حبرا على ورق منذ 1993، بسبب انعدام الميزانية، على أن يتم اختيار البرامج بما يخدم المنطقة المغاربية وانشغالاتها، وهذا لا يتم إلا عن طريق المزيد من الإرادة السياسية وحرية البحث في المجالات المختلفة، وربط ذلك بالاحتياجات الاقتصادية من أجل إيجاد ترابط فعال متعدد الأشكال بين الجامعة والمؤسسة المستخدمة عن طريق توجيه البحث العلمي للمساهمة في حل المشاكل الاقتصادية للمنطقة المغاربية، والمساهمة في التغلب على مشكلة الإطارات البطالة عن طريق إدماجها في المجتمع للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة المغاربية.
3- المجالات السياسيـــة:
إن تحقيق الأهداف الاقتصادية والثقافية في أي مجتمع ما، ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى تفتح ذلك المجتمع على الديمقراطية، إذ بدون استقرار سياسي لا يمكن التحدث عن تنمية المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن جهة أخرى فلابد من الأخذ في عين الاعتبار اتساع مساحة الديمقراطية على الصعيد العالمي منذ التسعينات، بحيث ربطت الدول المانحة للمعونات والقروض مساعداتها الاقتصادية والمالية، بضرورة توسيع عملية المشاركة السياسية وقاعدة الحريات العامة.
من هنا كان على النظم المغاربية تيسير الإنقتاح السياسي، الذي يعتبر عاملا محفزا للقوى الاجتماعية المطالبة بالإصلاح السياسي، وذلك بغية استرجاع الثقة بين المواطنين، عن طريق القبول بالحق في الاختلاف والتعددية التنظيمية في المجتمع.
و في هذا الصدد فلابد من إعادة النظر في النظم الانتخابية، وذلك لضمان تمثيل حقيقي للمواطنين والرأي العام عن طريق القوائم المختلفة، وكذلك التأكيد على حقوق الإنسان والاختيار الدقيق للكفاءات التي تشغل المناصب العليا في جميع القطاعات بمعايير الكفاءة والالتزام.
إن الديمقراطية تحتاج إلى وعاء حضاري واستعداد عقلي ومناخ ثقافي واجتماعي يسوده احترام حرية وكرامة الإنسان على صعيد المعايير القيمية وعلى صعيد النشاط الإنساني المتعدد، ومن هنا فلابد من تدعيم الوسائل التي تمكن الشعوب المغاربية من الإنعتاق والتحرر، مثل الإصلاح الدستوري والقانوني الذي يكفل التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومعرفة الآخر وتطلعاته واحترامها في إطار من الحوار والشفافية والإقناع، مما يتيح بتواجد ثقافة سياسية جديدة لدى السلطة والمعارضة تسمح ببناء وعي جديد بالمجال السياسي داخل المجتمع، بحيث تصبح فيه السياسة ممارسة مدنية من أجل تحصيل الحقوق وإدارة التوازن بين المصالح وتفضيل المصلحة العامة للبلاد على المصالح الخاصة، وفي هذا الصدد تفضيل المصالح المشتركة المغاربية على المصالح القطرية الضيقة، وذلك لتعزيز دور الوحدة المغاربية في المحافل الدولية عن طريق تطويق غريزة التفرد والوصاية وتقديم بعض التنازلات عند الاقتضاء وذلك لإعلاء مبادئ التوافق والتراضي .
الخاتمة
مما سبق ,ومن أجل التخلص من الهيمنة الأمريكية والاوروبية على منطقة المغرب العربي, يجب التأكيد على عملية التنويع في ابرام الاتفاقيات مع اطراف اخرى كالصين و اليابان والدول العربية الاخرى , يمكن معها إعطاء هامش معتبر للمناورة والمساومة.
وفي آن واحد التأكيد على نبذ الخلافات الجانبية بين دول المغرب العربي, وإفساح المجال الى النظرة الواقعية بعيدا عن التأثيرات السياسية, والتطلع الى بناء نظام مجتمعي, يكون كقاعدة للانطلاق نحو أهداف مشتركة للإنتاج والمبادلات والاستثمار, ممايدعم العمل الوحدوي, بالنظر للمصير المشترك والتكفل بمصالح شعوب المنطقة.
هذه العملية لايمكن أن تنجح إلا بإعادة النظر في محتوى المعاهدة المنشئة لإتحاد المغرب العربي, ومعالجة مايشوبها من خلل, وخاصة المادة السادسة, التي تسببت في عرقلة بل وتجميد مسار الاتحاد.
هذا بالإضافة الى تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي بما يتلائم والمصالح المشتركة للبلدان المغاربية, عن طريق تسريع المصادقة على الاتفاقيات التجارية والجمركية, ووضعها موضع التنفيذ , بقصد تأسيس السوق الموحدة الداخلية والتي لابد ان تمرعبر طرح مشاريع ثنائية مشتركة عبر الحدود, والتي يمكنها أن تدعم حرية التنقل بين الدول المغاربية للاشخاص والأموال والموارد والخدمات.
هذه الخطوة تمهد لبناء إستراتيجية موحدة, تتيح الدخول في شراكة أوروبية – مغاربية , بصفة تعاقدية بين الإتحاد الأوروبي كطرف والدول المغاربية كطرف ثاني, يمكن معها زيادة القدرة التنافسية والموقف التفاوضي مع التكتلات الأخرى.
المراجع
(1)-عبد المنعم سعيد, أمريكا والعالم والحرب الباردة.... وما بعدها, نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع, القاهرة,2003,ص 83.
(2)- نبيل شبيب,مستقبل العلاقات الأوروبية – الأمريكية , مجلة قضايا دولية, عدد143,1992, ص120-121.
(3), (4) – سعيد اللاوندي , امريكا في مواجهة العالم حرب باردة جديدة, نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع , القاهرة2003,ص 81-84.
(5) – جيفري جيدمن -اوروبا وأمريكا على مفترق الطرق- ترجمةسليمان عوض , المعهد الامريكي للسياسة العامة, واشنطن 1999,ص 31.
(6) –سعيد اللاوندي , مرجع سابق , ص 174.
(7) – سمير صارم , أوروبا والعرب من الحوار.....الى الشراكة, دار الفكر, دمشق2000, ص 333-338.
(- فاروق يوسف احمد , ماهو الشرق الأوسط المعاصر , مجلة أوراق الشرق الأوسط , مؤسسة الأهرام, القاهرة, العدد07 , جويلية 1992, ص 69.
(9),(10) – سعيد اللاوندي , أوروبا وأمريكا وإشكالية الهيمنة , مجلة السياسة الدولية, عدد141, جويلية 2000 ,ص 183-185.
(11)- أسامة المجدوب , العولمة الاقليمية في التجارة الدولية ومستقبل العالم العربي, الدار المصرية اللبنانية للطباعة , القاهرة,2000 , ص 103.
(12)- سمير صارم , مرجع سايق ص 351-353.
(13)- محمد الأطرش , المشروعات الاوسطي والمتوسطي والوطن العربي , مجلة المستقبل العربي, العدد210, أوت 1996, ص6.
(14) –أسامة المجدوب , الجات ومصر والبلدان العربية.....من هافانا الى مراكش’ الدار المصرية اللبنانية للطباعة , القاهرة, 1998, ص 245-247.
(15)- الجميلي حميد, مستقبل الامن الاقتصادي العربي في ضوء تحولات نهاية القرن العشرين , مجلة شؤون عربية, عدد100, ديسمبر 1999, ص 190.
(16)- فهمي هويدي , الديمقراطية من منظور المشروع الحضاري , مجلة المستقبل العربي, عدد269-2001, ص 133-135.
الدكتور: لعجال محمد الأمين - أستاذ محاضر قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية - جامعة محمد خيضر - بسكرة
مقدمة
تتسم العلاقات الأمريكية-الأوروبية بمزيج من التعاون والتحالف، ومن التنافس في آن واحد، بمنطقة البحر الأبيض المتوسط والمغرب العربي.
هذه العلاقات تحكمها المصالح الحيوية لكلا الطرفين في المنطقة، إذ تعتبر أوروبا أن منطقة المغرب العربي هي مجالها الحيوي، بحكم القرب الجغرافي، والروابط التاريخية الاستعمارية، وبالتالي تعمل على احتواء المنطقة عبر الشراكة الأورو-متوسطية، بينما تشكل منطقة المغرب العربي في نظر الولايات المتحدة الأمريكية فراغا استراتيجيا لابد من ملئه، وذلك في إطار تأمين المصالح الأمريكية وفي إطار عملية الهيمنة والزعامة المطلقة على العالم.
من هذه المنطلقات يمكن التطرق إلى هذا الموضوع ، من خلال استعراض أوجه التعاون والتحالف، وأوجه التنافس والآثار المترتبة على ذلك بالنسبة لمنطقة المغرب العربي, وآليات التصدي لذلك.
أولا: التعاون والتحالف الأمريكي-الأوروبي في منطقة المغرب العربي
تميزت العلاقات الأمريكية-الأوروبية بالتعاون والتحالف منذ القرن 19 إلى غاية نهاية الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والأوروبي، حيث كان هناك توافق أمريكي-أوروبي على تقاسم مناطق النفوذ في العالم، إذ انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية بشؤون القارة الأمريكية وما جاورها، بينما سيطرت أوروبا على إفريقيا ومناطق أخرى، وقد تم احترام هذا التقسيم من كلا الطرفين إلى حد ما، وقد كانت مصالح الطرفين محفوظة في إطار سياسة احتواء الشيوعية في العالم وفي إفريقيا على الخصوص.
و يمكن أن نستشف المصالح المشتركة بين الطرفين الأمريكي والأوروبي في ما يلي :
- الحفاظ على تدفقات البترول إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية عبر المتوسط.
- منع أي طرف إقليمي من السيطرة على إنتاج القدر الذي يسمح له بالتحكم في هذه الأسواق.
- العمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
كما نجد أن أوروبا، كانت تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة إيهامها بأنها عاجزة عن تأمين أمنها واستقلالها من المد الشيوعي العالمي.
من هنا كانت المسائل الأمنية والدفاعية تتخذ من قبل أمريكا، باعتبارها القوة القادرة على حماية المنطقة من أي تدخل خارجي،مما سمح بتواجدها بالمنطقة عبر الأسطول السادس والقيادات البحرية الأمريكية المختلفة .
هذه المظلة الأمنية الأمريكية لأوروبا تنبع من بعد تاريخي قديم، إذ نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أنقذت أوروبا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما أنقذتها من المد الشيوعي الذي وصل إلى قلب القارة الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، وصواريخه النووية خلال الحرب الباردة.
لقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تأمين طريق البترول العابر للقارة الأوروبية من منطقة الخليج ومن منطقة المغرب العربي، عبر التواجد البحري العسكري الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط، كما نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد ساهمت في إعمار القارة الأوروبية بعد تحريرها من القوات النازية عبر مخطط مارشال الشهير.
لقد وجدت هذه التضحيات المقدمة من قبل أمريكا، ترجمتها الواقعية، المتمثلة في قبول الزعامة الأمريكية على العالم الغربي بعد الحرب الباردة، وعلى أوروبا أن تدفع الثمن، ذلك لأن الأمريكيين ليس لديهم أصدقاء ولا حلفاء، بل لديهم مصالح لابد من المحافظة عليها، ولو استدعى الأمر إلغاء أو إضعاف الخصوم والمنافسين سواء أكانوا أصدقاء أو أعداء، حتى تتمكن أمريكا من المحافظة ولأطول مدة ممكنة بموقعها كقوة عظمى وحيدة في العالم.
ثانيا: مظاهر التنافس الأمريكي الأوروبي منطقة المغرب العربي
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء عهد القطبية الثنائية، انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بموقع متميز عالميا كقطب مهيمن، ومن ثمة بدأت تتغير العلاقات بين الطرفين الأمريكي والأوروبي من علاقات تحالف وتلاحم داخل المعسكر الرأسمالي الغربي، إلى علاقات تنافس ، تمثلت في السباق نحو النفوذ والهيمنة، وإعادة النظر في خرائط النفوذ الموروثة عن حقبة الحرب العالمية الثانية.
و هكذا زاحمت الولايات المتحدة الأمريكية حلفائها الطبيعيين الأوروبيين، في مناطق نفوذهم التقليدية خاصة منطقة البحر الأبيض المتوسط، والمغرب العربي، فكانت مبادرة إيزنستات الأمريكية الخاصة بالشراكة مع دول المغرب العربي ومشروع الشرق الأوسط كعملية اختراق للحصن الأوروبي، الذي سارع إلى سياسة احتواء بلدان المغرب العربي عبر عملية برشلونة المتوسطية.
فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى للتموقع في منطقة المغرب العربي لضمان أمن المنطقة كممر استراتيجي للخليج العربي، وكذلك كنقطة محورية على أساس الجناح الجنوبي لأوروبا لمراقبة أوروبا من جهة وللمحافظة على مصالحها انطلاقا من المنطقة بدلا من إيطاليا.
تتجلى مظاهر التنافس الأمريكي-الأوروبي في تزعم الولايات المتحدة الأمريكية للعالم الغربي، انطلاقا من إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، المتمثلة في المحافظة لأطول مدة ممكنة بموقع قوة عظمى وحيدة في العالم، وذلك للحفاظ على المجال الأمريكي الذي ليس له حدود، إذ حيثما توجد المصالح الأمريكية، فهناك يمكن تحديد المجال الأمريكي، ونتيجة لتناثر المصالح الأمريكية عبر العالم، فلا يمكن التحدث عن تحديد المجال الأمريكي، واتساقا مع هذه الإستراتيجية تعمل الولايات المتحدة الأمريكية كل شيء من أجل ردع الخصوم بين الدول الصناعية التي قد تفكر يوما في تحدي أو مواجهة الهيمنة، والوقوف في وجه الدور الكبير الذي تلعبه أمريكا على الخريطتين الإقليمية والدولية .
و لتكريس الهيمنة تستخدم السياسة الخارجية الأمريكية، القوة العسكرية المنتشرة عبر العالم، والتي تتدخل في الصراعات المسلحة لإيجاد الحلول المناسبة، كما تستخدم القوة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، بهدف إقناع الخصوم الحاليين (أوروبا) بأنهم ليسوا في حاجة إلى أن يلعبوا دورا كبيرا نسبيا، لأن الهدف هو أن يظل موقع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة، قائدة للعالم وتستطيع ردع أي أمة أو مجموعة من الأمم قد تفكر يوما في تحدي سمو ورفعة أمريكا، أو أن تشكك في النظام الاقتصادي والسياسي الذي ترفع لواءه .
من هذه المنطلقات، كانت هناك الاختلافات في الرؤى، وتحركات على كل المستويات، إذ عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقزيم أوروبا في المحافل الدولية وفي القضايا الساخنة،عن طريق إلغاء دورها كطرف له وزنه على الساحة الإقليمية والدولية، وإيهامها بأنها مازالت بحاجة إلى المظلة الأمريكية وخاصة في المجال الأمني، حيث هناك خطر جديد يتمثل في الأصولية المرتبطة بالإرهاب والتي تشكل خطرا على العالم بأسره، ومن ثمة فلابد على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقود العالم في محاربة هذا الخطر الجديد الذي يهدد العالم بـأسره، وما على الحلفاء إلا الانقياد إلى الأطروحات الأمريكية .
هذه النظرة تقابلها النظرة الأوروبية التي تحاول أن تجسد تواجدها باعتبارها الحليف الطبيعي للولايات المتحدة الأمريكية وقوة لها وزنها الإقليمي والعالمي، وذلك عبر قوات الردع الأوروبية، للتخلص من التبعية الأمريكية في مجال الأمن، من أجل الوصول إلى نقطة التوازن في علاقاتها مع أمريكا .
من مظاهر التنافس أن كل طرف سواء الأمريكي أو الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا، يحاول قطع الطريق أمام تعزيز الطرف الآخر لنفوذه في مناطق يعتبر نفسه ولأسباب جغرافية وتاريخية أنه أولى بها، فيتحول التنافس إلى حرب مواقع اقتصادية وأسواق تجارية في إطار التنافس المصلحي حول مناطق النفوذ.
ومن هنا يتجلى التحرك الأمريكي عبر مبادرة إيزنستات القاضية بإيجاد شراكة أمريكية مغاربية مع الدول الثلاثة (المغرب،تونس، الجزائر)، هذا بالإضافة إلى طرح مشروع الشرق الأوسطي، في هذه المنطقة من المتوسط والذي يضم إليه أيضا دول شمال إفريقيا.
بينما نجد في المقابل التحرك الأوروبي لإقامة شراكة أورو-متوسطية عبر مشروع برشلونة 1995.
المشروعان هما عبارة عن تنافس خفي وغير معلن بين أمريكا والاتحاد الأوروبي للسيطرة على مقاليد الأمور في المنطقة، وتبعا لذلك يمكن مقارنة المشروعان وتأثيرهما على دول المنطقة في إطار عملية التنافس الاقتصادي المصلحي بين الطرفين الأمريكي والأوروبي، بحيث تشكل المنطقة سوقا للسلع الأوروبية والأمريكية، ومصدرا للطاقة والمواد الأولية، وموردا للاستثمار.
إذن فإن الشراكة الأورو-متوسطية تعتبر أداة أوروبية تضمن المصالح الأوروبية كقوة اقتصادية وسياسية منافسة للولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وتضمن استقلالية أوروبية في مواجهة أمريكا، ومزيدا من التحرر من القبضة الأمريكية. إن الشراكة الأورو-متوسطية تعترف بوجود نظام إقليمي عربي، وتشجع العرب على تعزيز التلاحم الاقتصادي فيما بينهم، يقوم على قاعدة الشراكة والاستفادة المتبادلة قدر الإمكان، يعمل على تقريب المصالح بين الجانبين الجنوبي والشرقي للمتوسط، وأخيرا ترك الأمور العالقة للمفاوضات السلمية وحماية أمن أوروبا والدول المتشاطئة على المتوسط والأمن الإقليمي للمتوسط .
بينما نجد الطرف الأمريكي قد بادر بمشروع الشرق أوسطي كعملية مضادة للتحرك الأورو-متوسطي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
فمشروع الشرق الأوسط يعتبر مبادرة أمريكية-إسرائيلية لا تنظر إلى المضمون الحضاري أو الثقافي أو التاريخي، أو اللغوي لدول المنطقة، بحيث تشمل المنطقة الأراضي المحصورة بين باكستان حتى المغرب غربا ومن تركيا شمالا والصومال والجمهورية اليمنية جنوبا، بحيث تشمل كافة الدول العربية وإيران وتركيا وقبرص .
هذا المشروع يخدم بالدرجة الأولى المصالح الأمريكية الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية في منطقة المتوسط بحيث تضمن أمريكا أمن إسرائيل وتفوقها كأداة حارسة للمصالح الأمريكية في المنطقة، وحماية التدفقات النفطية من الخليج العربي، وتشجيع ونشر سياسة اقتصاد السوق.
كما أن هذا المشروع يعمل على حشر إسرائيل في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة ومنحها مجالا جغرافيا وسكانيا واسعا، مما يهدد مصالح الدول الأوروبية والعربية على حد السواء، إذ يتم تحويل التفوق العسكري الإسرائيلي إلى تفوق تكنولوجي واقتصادي، يؤدي في الأمد البعيد إلى إلغاء المقاطعة العربية لإسرائيل قبل تحقيق التسوية السلمية أو أي تقدم ملموس في المفاوضات الثنائية.
إن الاهتمام الأوروبي بمشروع الشرق الأوسط يتمثل في اعتبار المنطقة امتدادا لحدوده الجنوبية والشرقية ومنطقة المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبالتالي تعمل أمريكا على إبعاد أوروبا عن التدخل في شؤون هذه المنطقة، وخاصة في عملية السلام عن طريق تقزيم دورها الإقليمي في المنطقة.
أما من جهة أخرى فيمكن أن نلمس مظهرا آخرا للتنافس بين الطرفين الأمريكي والأوروبي فيما يخص المسائل العسكرية، إذ نجد أن الطرف الأمريكي يعمل كل ما في وسعه من منع تكوين نظام أمني أوروبي، يمكن أن يهدد توازن الحلف الأطلسي، ومن ثمة فقد عارضت أمريكا مسألتين أساسيتين الأولى إمكانية الاستغناء عن القيادة الجنوبية لقوات الحلف الأطلسي لشخصية أوروبية والثانية إنشاء قوات الردع الأوروبية.
فبالنسبة للمسألة الأولى والخاصة بالاستغناء عن القيادة الجنوبية لقوات الحلف الأطلسي لشخصية أوروبية، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تعارض وبصفة قطعية هذا الطلب التي تسنده فرنسا ولم تبد أي لين أو أدنى استجابة لذلك، فكان الرد صريحا على لسان وليام كوهين وزير الدفاع الأمريكي قائلا:
"إن القيادة الجنوبية لحلف الأطلسي ليست من المسائل التي تقبل التفاوض حولها، إن الأسطول المتواجد في القاعدة الجنوبية للحلف هو أسطول أمريكي ولا يمكن أن يتولى قيادته سوى شخص أمريكي" .
و من هنا يصبح الحلف الأطلسي وقياداته أداة عسكرية يمكن أن تستخدمها أمريكا متى تشاء وكيفما تشاء، وهذا ما حدث ويحدث الآن وذلك بغية استتباب الأمن والسلام العالميين، بحيث نجد أن أمريكا هي الضامن الوحيد للاستقرار في العالم.
أما بالنسبة لقوات الردع الأوروبية فنجدها فكرة أوروبية ردا على التحدي الأمريكي الخاص بالمسألة الأولى، إذ في نظر القادة الأوروبيين أنه لا يمكن المحافظة على الحضارة الأوروبية الناشئة بدون وسائل دفاع خاصة بها، ومن ثمة فإن قوات الردع الأوروبية تعتبر الضامن الوحيد لضمان أمن واستقرار أوروبا من الهيمنة الأمريكية. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت هذه المسألة المتعلقة بالقوة الأوروبية بمثابة تهديد لوجود الحلف الأطلسي، فعلمت على الأقل لتفجيرها من الداخل وربطها بالحلف الأطلسي.
فالمخاوف الأمريكية تتمثل في أن تؤدي قوات الردع الأوروبية إلى فقدان أمريكا السيطرة على مستقبل الدفاع الأوروبي والتي طالما احتفظت به ووجهته طبقا لمصالحها الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الثانية .
وللتخفيف من حدة التوتر الأمريكي حول هذه المسألة، فقد نفت أوروبا أن الهدف من وراء ذلك هو منافسة الحلف الأطلسي، مؤكدة أن عمل هذه القوات يتم بالتعاون مع الحلف الأطلسي عن طريق استخدام العتاد والأسلحة الخاصة بالحلف، إلا أنه يعد تفاوضا شاقا قبلت أمريكا الفكرة واشترطت أن يعهد بمهمات التخطيط العسكري إلى لجنة متخصصة للقيادة المركزية للحلف يمكن من خلالها استخدام القوات الأوروبية للعتاد الاستراتيجي للحلف.
كما يمكن أن نلاحظ الخلاف القائم بين المصالح الأمريكية والأوروبية خاصة في المسائل التجارية، إذ اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات فردية في علاقتها بشركائها التجاريين بشكل يخل بالأحكام الدولية ويؤدي إلى تزايد الحمائية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بامتداد بعض التشريعات الأمريكية إلى خارج أراضيها، مما يضر بالمصالح الأوروبية ومصالح الدول الأخرى عبر تعاملها مع الولايات المتحدة الأمريكية في المجال التجاري مثل الإحجام عن التعامل في المجال التجاري بالنسبة للدول التي تصنفها أمريكا في خانة دول محور الشر .
ثالثا: تأثير التحالف والتنافس الأمريكي-الأوروبي على منطقة المغرب العربي.
هناك توافق في المقاصد، واختلاف في الطرق المتبعة من قبل الطرفين الأمريكي والأوروبي، حول تقاسم مناطق النفوذ في منطقة المغرب العربي ويمكن إجمال الموضوعات الرئيسية التي يتم عليها التحالف الأوروبي الأمريكي في الآتي:
أ – الانتماء إلى المنظومة الرأسمالية ومحاولة إرسائها في جميع مناطق العالم ومنها المنطقة المغاربية، باعتبارها المنظومة الوحيدة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية.
ب - محاربة الإرهاب بشتى الطرق والوسائل باعتباره الخطر الجديد الذي يهدد أمن واستقرار العالم.
ج – إرساء الأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمفهوم الغربي.
أما مظاهر التنافس بين الطرفين فتكمن في ما يلي:
أ – المصالح الاقتصادية وخاصة النفطية منها.
ب – محاولة الهيمنة والسيطرة على مناطق النفوذ في المنطقة.
ج – إرساء الثقافة واللغة (الفرنسية/ الإنجليزية)، وأنماط الاستهاك الغربي.
د – كسب الولاء السياسي من الأنظمة الغربية القائمة.
مما سبق يمكن الوقوف على الآثار المترتبة على منطقة المغرب العربي والمتمثلة في الآتي:
أ - من المفروض أن الشراكة تتضمن المساواة والندية، ولكن يلاحظ أن المباحثات قد كانت بين 15 دولة أوروبية ككتلة واحدة ممثلة في الاتحاد الأوروبي كطرف لها استراتيجية مهيمنة في جميع المسائل التي كان التباحث من أجلها، بل أنها وثيقة أوروبية أصلا مقدمة للبلدان المغاربية فرادى كطرف آخر، تحت شعار مباحثات الشراكة الأورو-متوسطية، ومن هنا لم تستطع أن تمتلك أية دولة من دول المغرب العربي أية قوة تفاوضية قادرة على التعامل مع الاتحاد الأوروبي هذا من جهة، ومن جهة ثانية عدم استفادة الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من أية معاملة تفاضلية كالتي تستفيد منها الدول الأوروبية، أما بالنسبة لمبادرة إيزنستات فهي مبادرة أمريكية الهدف منها الاستحواذ على المنطقة اقتصاديا وتأمين طريق النفط، ومراقبة أوروبا وتكريس الهيمنة على مختلف بقاع العالم .
ب - إن المشروعان سواء الأوروبي أو الأمريكي يعتمدان على حرية التجارة ودعم القطاع الخاص والخوصصة كمداخل للتنمية في المنطقة، وهي مسائل أثبتت التجارب عدم صلاحيتها لإحداث التنمية في البلدان النامية، لأنها تقوم على فرضيات لا تتحقق على أرض الواقع، مثل العمالة الكاملة، سهولة تنقل الأيدي العاملة من بلد إلى آخر، ومن قطاع إلى آخر، كما تفرض وجود المنافسة الكاملة، وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية كل تلك الأمور لا يمكن تحقيقها في البلدان المغاربية، نتيجة طبيعة وظروف المجتمعات المغاربية والتي تحتاج إلى مرحلة طويلة للتحول الاقتصادي مدعمة من قبل الدولة، وذلك للوصول إلى عملية التنمية والتكامل بين بلدان المغرب العربي .
ج - يشترك المشروعان من حيث الهدف في محاربة انتشار ما يسمى بالأصولية الإسلامية، تحت شعار محاربة الإرهاب الدولي، إلا أنهما ينطلقان من مقولة خاطئة مفادها بأن الدين الإسلامي يشكل خطرا إرهابيا على كل من أوروبا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والحقيقة أن الدين الإسلامي بريء من هذه التهم والأوصاف، لأنه دين يقوم على التسامح والعدل والأخوة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أنتجت ما يسمى بالتطرف الإسلامي، أن أكثر الجماعات الإسلامية تطرفا في العالم قد نشأت وترعرعت في أحضان المخابرات الأمريكية وأحسن مثال على ذلك أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، نظام طالبان الذين استخدمتهما الولايات المتحدة الأمريكية لوقف الزحف السوفييتي باتجاه أفغانستان وبقية دول آسيا، ثم حاربتهما.
و هذا كله من أجل إبقاء العالم تحت الهيمنة الأمريكية والاستفادة من الخيرات الطبيعية وتأمين المصالح الأمريكية والغربية. وهذا ما لم تتفطن إليه الدول العربية وذهبت تسبح في فلك الإمبريالية الجديدة وتحاول كسب ود أي من الطرفين على حساب الوحدة القومية
مما سبق يلاحظ توافقا في مقاصد القطبين، رغم اختلاف الطرق المستخدمة والتي تتأرجح بين القوة والردع من جانب، والجزرة والإغراء من جانب آخر، إلا أنها تصب في الشكل الجديد للإمبريالية والديمقراطية الشمولية والدكتاتورية. وهي أشكال جديدة من الاستعمار، تمارس على الدول النامية ومنها الدول العربية والمغاربية، وذلك في إطار الدفاع عن النظام الدولي الجديد المنبثق عن الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين.
من هذا المنطلق يجب على الدول المغاربية أن تلم شملها وتحدد مصالحها الحيوية المشتركة، وتحاول بأفضل السبل الدفاع عنها، للإستفادة من الطرفين الأمريكي والأوروبي.
رابعا: آليات التصدي المغاربي للتحالف والتنافس الأمريكي-الأوروبي
يمكن استغلال التنافس الأمريكي الأوروبي لصالح دول المغرب العربي على صعيدين إثنين، الصعيد الأول: إما التحالف مع أحد الطرفين سواء مع أمريكا ضد أوروبا أو العكس مع أوروبا ضد أمريكا مقابل الاستفادة المتبادلة، أو على الصعيد الثاني والمتمثل في التكتل مع أطراف أخرى في إطار إتحاد المغرب العربي عن طريق إدخال لاعبين جدد: مثل الدول العربية عبر البديل الإقليمي العربي أو التكتل والتحالف مع الصين أو اليابان، وذلك لتنويع المبادلات التجارية والطاقوية، ولتعزيز المركز التفاوضي المغاربي لدى كل من الأوروبيين والأمريكيين.
إن استمرار التنافس يخدم دول المنطقة المغاربية إذا ما تم استغلاله بطريقة عقلانية عند إدارة اللعبة التنافسية مع أمريكا من جهة وأوروبا من جهة أخرى، وأن غياب المنافسة يخدم الإستراتيجية الأمريكية – الأوروبية معا على حساب دول المنطقة، عبر تقديم التسهيلات لكل منهما، وبالتالي تنتهي المنافسة ويتوصل الطرفان الأمريكي والأوروبي إلى اتفاق بينهما للاستحواذ على ثروة المغرب العربي وتقسيمها.
وعليه فاللعب على التناقضات الأمريكية الأوروبية يخدم مصالح الدول المغاربية، مثل الاستثناء الثقافي، إدخال أطراف دولية أخرى في اللعبة، تدعيم إتحاد المغرب العربي، تعزيز البديل الإقليمي العربي. من هذه المنطلقات يمكن التركيز على آليتين يمكن من خلالهما التصدي لهذا التنافس، يتمثلان في: تدعيم إتحاد المغرب العربي، وتفعيل التعاون المشترك بين الدول العربية في إطار البديل الإقليمي العربي، مع إدخال أطراف دولية أخرى في اللعبة مثل الصين واليابان عن طريق إقامة علاقات مختلفة معهما وفي هذا المجال نكتفي بالمسالة الأولى والمتمثلة في تدعيم المغرب العربي.
إن التصدي للتنافس الأورو-أمريكي على منطقة المغرب العربي، يستدعي بذل مجهودات متناسقة من أجل تحقيق التنمية الشاملة، تتعدى الإمكانيات القطرية وتتطلب توحيد الجهود والاستفادة من الموارد المتاحة على مستوى الاتحاد المغاربي، خاصة ونحن نعيش عصر التكتلات الاقتصادية الكبرى، الذي تفتقد فيها الدول الضعيفة والمتشتتة وزنها وتصبح مجرد تابعة في مجال العلاقات الدولية تتأثر بانعكاساتها السلبية.
فلا سبيل أمام دول المغرب العربي، إلا المزيد من عمليات التكامل والتكاتف ونبذ الخلافات الجانبية، وذلك لأن المصالح مشتركة والخيارات مفتوحة، وإن الأمر لا يتعلق بالارتباط بطرف والتخلي عن الطرف الثاني، بل الاستفادة من الطرفين، عن طريق المزيد من التكامل الاقتصادي، لأنه المحرك الأساسي فضلا عن الجوانب الأخرى السياسية والثقافية.
إذ نجد المقومات الأساسية للتكامل موجودة سواء أكانت ثقافية كوحدة الدين واللغة وتشابه العادات والتقاليد، أو اقتصادية كوجود الموارد الاقتصادية من طاقة بشرية وخامات معدنية وموارد زراعية، هذا بالإضافة إلى التواصل الجغرافي وتنوعه.
و يبقى فقط تفعيل كل هذه العوامل، ووضع المصلحة المشتركة فوق كل اعتبارات سياسية ولنا في الاتحاد الأوروبي مثال، حول طرحه جانبا اختلافاته العددية في جميع الميادين والإلتفاف حول المصلحة المشتركة، وذلك لأن العصر هو عصر التكتل وذلك للاستنهاض بالقدرة التنافسية في التفاوض مع الآخر .
من هذا المنطلق يمكن أن نستعرض أهم المجالات التي يمكن عن طريقها تدعيم اتحاد المغرب العربي، هذه المؤسسة التي توقفت بصفة مؤقتة عن العمل، رغم أن الظروف الدولية والإقليمية ومصالح شعوب المنطقة المغاربية تستدعي إعادة بعثها لكي تلعب دورها المنوط بها، ولكي تستطيع تحقيق آمال شعوب المنطقة التواقة إلى الوحدة والازدهار.
و يمكن حصر المجالات التي يمكن أن تدعم اتجاه دول المغرب العربي نحو الاتحاد في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.
1-المجــالات الاقتصادية:
لا يمكن للدول المغاربية أن تعيش بمعزل عما يجري في العالم الحديث من تكتلات تجاوزت حدود القارات لتحقيق المنافع الاقتصادية، بل أصبحت الضرورة ملحة والحاجة ماسة –من أي وقت مضى- لتجاوز الخلافات المفتعلة والعمل على تدعيم هذا الإطار المؤسسي للقضاء على التبعية والتخلص من مخاطرها السياسية كخطوة أولى لتحقيق الاستقلال الاقتصادي بمفهومه الواسع.
هذا الإطار يتمثل في التكامل الاقتصادي بين الدول المغاربية، بحيث يتحقق بين مجموعة من الدول ذات المصالح الاقتصادية المشتركة، إذ تلغى كافة الصعوبات والعوائق أمام حركة تدفق السلع والخدمات والمواطنين ورؤوس الأموال، وهذا لا يمكن إدراكه إلا عبر التنسيق الاقتصادي في مرحلة أولى كدفع المشروعات المشتركة التي يمكن بعثها بين الدول المغاربية، وفي مرحلة تالية التخفيف من الحواجز الجمركية وصولا إلى قيام اتحاد اقتصادي بين الأقطار المتكاملة، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا توافرت الإرادة السياسية المغاربية، التي تجعل مبدأ التكامل فوق كل اعتبار، وتعمل على تنفيذ القرارات والخطوات التي تصب في هذا الاتجاه.
إن التباين الجغرافي والنباتي والثرواتي والسكاني في المغرب العربي، يعتبر من العناصر الأساسية للتكامل الاقتصادي الجماعي، إذ نجد المنطقة تشمل أراضي متعددة المناخات، يمكن استغلالها في إنتاج أغلب الموارد الزراعية، كما أنها تزخر بموارد مائية سواء عن طريق السدود أو المياه الجوفية، كما تحتوي على ثروات بحرية ونهرية وغابية وموارد معدنية وطاقوية، تتباين من قطر إلى آخر، مما يساعد على اتجاه كل بلد في إطار تحقيق مصلحته إلى التكامل مع البلد الآخر.
إن أي بلد يسعى إلى التكامل مع غيره، إنما يفعل ذلك ابتغاء تلافي ما لديه من حالات الندرة والنقص، لأن التكامل يتيح له إمكانية حصوله على إمدادات ومنافع ينالها من الأطراف التي يتكامل معها.
إن المطلوب هو بناء مجال اقتصادي مغاربي يؤدي في النهاية إلى تقليص التبعية للخارج في المجالات المالية والغذائية، وعدم الإرتباط طاقويا بأحد الطرفين، بل محاولة الاستفادة من الأطراف جميعها، بما يخدم المصلحة المشتركة للبلدان المغاربية، ويمكن إدراك هذا المسعى عن طريق توسيع الاستثمار والإنتاج والمبادلات والتعاون على الصعيد المغاربي، إن فتح الأسواق الوطنية، تمكن البلدان المغاربية من الاستثمار المشترك والتعاون في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي والاجتماعي، عن طريق المشاريع المشتركة.
إن المصلحة الرئيسية تكمن في تجمع اقتصادي مغاربي، يمكن أن يحقق نموا اقتصاديا واجتماعيا لفائدة الشعوب المغاربية، يستطيع أن يخفف من حدة زحف منطقة التبادل الحر في المتوسط سنة 2010 ، والتي تكرس التبعية للخارج ومن ثمة عدم تلبية الحاجيات الجماهيرية ومتطلبات التنمية .
2- المجالات الثقافيـــة:
لا يمكن بلوغ الأهداف الاقتصادية السالفة الذكر، إلا بالتركيز على الإنسان صانع الثروة وموجهها نحو المصلحة المشتركة. ومن هنا كان التركيز على التعليم بمختلف أطواره ومستوياته الهاجس الأكثر اهتماما والخطير في آن واحد، بحيث إما أن يوجه توجيها صحيحا وإما أن يبقى يدور في فلك التبعية بدون الاستفادة منه من أجل الازدهار والرقي.
و في هذا الإطار المطلوب هو التنسيق بين مختلف المستويات (التأطير، المناهج، الإمكانات المادية والمالية) من أجل بعث ثقافة مغاربية، تتلاءم ومقتضيات العصر، بهدف تكوين جيل متمكن وقادر على الإبداع والابتكار في مجالات النشاط المختلفة وذلك بما يخدم التوجهات الكبرى لبناء الاتحاد المغاربي، وذلك عن طريق الاستغلال العقلاني للطاقات البشرية بتوفير الجو المناسب للبحث العلمي وذلك بقصد الحد من هجرة الأدمغة.
و في هذا الصدد فالتفكير ينصب على إعادة النظر في البرامج والمناهج والتأطير وإعادة المدرسة لأهدافها والمتمثلة في التنوير والتثقيف، وأن تكون أداة يمكن عن طريقها المحافظة على الإنسان من نفسه، حيث يمكن لها أن تقدم له أدوات الحوار والتبادل والاختيار.
كما أنه لابد من التفكير في التعليم المهني والتقني حتى يأخذ في عين الاعتبار احتياجات السوق، ومن هنا يتأقلم مع تحولات سوق العمل عبر الشراكة مع المؤسسات الإنتاجية.
أما فيما يخص التعليم العالي والبحث العلمي، ففي هذا الصدد فإنه من الضروري تفعيل مشروع أكاديمية المغرب العربي، والجامعة المغاربية والتي بقيت حبرا على ورق منذ 1993، بسبب انعدام الميزانية، على أن يتم اختيار البرامج بما يخدم المنطقة المغاربية وانشغالاتها، وهذا لا يتم إلا عن طريق المزيد من الإرادة السياسية وحرية البحث في المجالات المختلفة، وربط ذلك بالاحتياجات الاقتصادية من أجل إيجاد ترابط فعال متعدد الأشكال بين الجامعة والمؤسسة المستخدمة عن طريق توجيه البحث العلمي للمساهمة في حل المشاكل الاقتصادية للمنطقة المغاربية، والمساهمة في التغلب على مشكلة الإطارات البطالة عن طريق إدماجها في المجتمع للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة المغاربية.
3- المجالات السياسيـــة:
إن تحقيق الأهداف الاقتصادية والثقافية في أي مجتمع ما، ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى تفتح ذلك المجتمع على الديمقراطية، إذ بدون استقرار سياسي لا يمكن التحدث عن تنمية المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن جهة أخرى فلابد من الأخذ في عين الاعتبار اتساع مساحة الديمقراطية على الصعيد العالمي منذ التسعينات، بحيث ربطت الدول المانحة للمعونات والقروض مساعداتها الاقتصادية والمالية، بضرورة توسيع عملية المشاركة السياسية وقاعدة الحريات العامة.
من هنا كان على النظم المغاربية تيسير الإنقتاح السياسي، الذي يعتبر عاملا محفزا للقوى الاجتماعية المطالبة بالإصلاح السياسي، وذلك بغية استرجاع الثقة بين المواطنين، عن طريق القبول بالحق في الاختلاف والتعددية التنظيمية في المجتمع.
و في هذا الصدد فلابد من إعادة النظر في النظم الانتخابية، وذلك لضمان تمثيل حقيقي للمواطنين والرأي العام عن طريق القوائم المختلفة، وكذلك التأكيد على حقوق الإنسان والاختيار الدقيق للكفاءات التي تشغل المناصب العليا في جميع القطاعات بمعايير الكفاءة والالتزام.
إن الديمقراطية تحتاج إلى وعاء حضاري واستعداد عقلي ومناخ ثقافي واجتماعي يسوده احترام حرية وكرامة الإنسان على صعيد المعايير القيمية وعلى صعيد النشاط الإنساني المتعدد، ومن هنا فلابد من تدعيم الوسائل التي تمكن الشعوب المغاربية من الإنعتاق والتحرر، مثل الإصلاح الدستوري والقانوني الذي يكفل التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومعرفة الآخر وتطلعاته واحترامها في إطار من الحوار والشفافية والإقناع، مما يتيح بتواجد ثقافة سياسية جديدة لدى السلطة والمعارضة تسمح ببناء وعي جديد بالمجال السياسي داخل المجتمع، بحيث تصبح فيه السياسة ممارسة مدنية من أجل تحصيل الحقوق وإدارة التوازن بين المصالح وتفضيل المصلحة العامة للبلاد على المصالح الخاصة، وفي هذا الصدد تفضيل المصالح المشتركة المغاربية على المصالح القطرية الضيقة، وذلك لتعزيز دور الوحدة المغاربية في المحافل الدولية عن طريق تطويق غريزة التفرد والوصاية وتقديم بعض التنازلات عند الاقتضاء وذلك لإعلاء مبادئ التوافق والتراضي .
الخاتمة
مما سبق ,ومن أجل التخلص من الهيمنة الأمريكية والاوروبية على منطقة المغرب العربي, يجب التأكيد على عملية التنويع في ابرام الاتفاقيات مع اطراف اخرى كالصين و اليابان والدول العربية الاخرى , يمكن معها إعطاء هامش معتبر للمناورة والمساومة.
وفي آن واحد التأكيد على نبذ الخلافات الجانبية بين دول المغرب العربي, وإفساح المجال الى النظرة الواقعية بعيدا عن التأثيرات السياسية, والتطلع الى بناء نظام مجتمعي, يكون كقاعدة للانطلاق نحو أهداف مشتركة للإنتاج والمبادلات والاستثمار, ممايدعم العمل الوحدوي, بالنظر للمصير المشترك والتكفل بمصالح شعوب المنطقة.
هذه العملية لايمكن أن تنجح إلا بإعادة النظر في محتوى المعاهدة المنشئة لإتحاد المغرب العربي, ومعالجة مايشوبها من خلل, وخاصة المادة السادسة, التي تسببت في عرقلة بل وتجميد مسار الاتحاد.
هذا بالإضافة الى تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي بما يتلائم والمصالح المشتركة للبلدان المغاربية, عن طريق تسريع المصادقة على الاتفاقيات التجارية والجمركية, ووضعها موضع التنفيذ , بقصد تأسيس السوق الموحدة الداخلية والتي لابد ان تمرعبر طرح مشاريع ثنائية مشتركة عبر الحدود, والتي يمكنها أن تدعم حرية التنقل بين الدول المغاربية للاشخاص والأموال والموارد والخدمات.
هذه الخطوة تمهد لبناء إستراتيجية موحدة, تتيح الدخول في شراكة أوروبية – مغاربية , بصفة تعاقدية بين الإتحاد الأوروبي كطرف والدول المغاربية كطرف ثاني, يمكن معها زيادة القدرة التنافسية والموقف التفاوضي مع التكتلات الأخرى.
المراجع
(1)-عبد المنعم سعيد, أمريكا والعالم والحرب الباردة.... وما بعدها, نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع, القاهرة,2003,ص 83.
(2)- نبيل شبيب,مستقبل العلاقات الأوروبية – الأمريكية , مجلة قضايا دولية, عدد143,1992, ص120-121.
(3), (4) – سعيد اللاوندي , امريكا في مواجهة العالم حرب باردة جديدة, نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع , القاهرة2003,ص 81-84.
(5) – جيفري جيدمن -اوروبا وأمريكا على مفترق الطرق- ترجمةسليمان عوض , المعهد الامريكي للسياسة العامة, واشنطن 1999,ص 31.
(6) –سعيد اللاوندي , مرجع سابق , ص 174.
(7) – سمير صارم , أوروبا والعرب من الحوار.....الى الشراكة, دار الفكر, دمشق2000, ص 333-338.
(- فاروق يوسف احمد , ماهو الشرق الأوسط المعاصر , مجلة أوراق الشرق الأوسط , مؤسسة الأهرام, القاهرة, العدد07 , جويلية 1992, ص 69.
(9),(10) – سعيد اللاوندي , أوروبا وأمريكا وإشكالية الهيمنة , مجلة السياسة الدولية, عدد141, جويلية 2000 ,ص 183-185.
(11)- أسامة المجدوب , العولمة الاقليمية في التجارة الدولية ومستقبل العالم العربي, الدار المصرية اللبنانية للطباعة , القاهرة,2000 , ص 103.
(12)- سمير صارم , مرجع سايق ص 351-353.
(13)- محمد الأطرش , المشروعات الاوسطي والمتوسطي والوطن العربي , مجلة المستقبل العربي, العدد210, أوت 1996, ص6.
(14) –أسامة المجدوب , الجات ومصر والبلدان العربية.....من هافانا الى مراكش’ الدار المصرية اللبنانية للطباعة , القاهرة, 1998, ص 245-247.
(15)- الجميلي حميد, مستقبل الامن الاقتصادي العربي في ضوء تحولات نهاية القرن العشرين , مجلة شؤون عربية, عدد100, ديسمبر 1999, ص 190.
(16)- فهمي هويدي , الديمقراطية من منظور المشروع الحضاري , مجلة المستقبل العربي, عدد269-2001, ص 133-135.
الدكتور: لعجال محمد الأمين - أستاذ محاضر قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية - جامعة محمد خيضر - بسكرة