بروفسور سلمان محمد سلمان Saturday 26-02 -2011
مقدمة
سرعة التغيرات في المنطقة العربية تحمل في طياتها مشتركات ومختلفات ويحتاج تفصيل الأمر إلى تحليل دقيق لتمييز المختلف والمشترك بينها. وهذا يتطلب قراءة للتركيبة الداخلية لكل دولة وبنفس الأهمية دراسة مجموعة العوامل المحيطة والمؤثرة.
في هذا الجزء سوف نقدم عرضا موجزا لتوقعات كل حالة دون الدخول في تحليل لتفسير النتائج المتوقعة وسوف نقوم بذلك ضمن الجزء الثاني مع الأخذ بالاعتبار أن هناك مواقف اميركية ربما تختلف في دوافعها عن المواقف الإسرائيلية والتي ربما تنعكس على مجمل سياسة الولايات المتحدة في المنطقة لسنوات طويلة قادمة. لكنها أيضا لا تلغي إمكانية السقوط الأميركي مرة أخرى ضمن فلك المصلحة الإسرائيلية ورؤية المحافظين الجدد إذا لم تتطور الثورات بشكل يمنع ذلك أو يجعله صعبا.
وهذا يعني ضرورة اليقظة والحذر الكبير في فهم ما يجري والتعامل معه. والأخذ بالاعتبار خطورة انكفاء الأمر لخدمة مشروع الشرق الأوسط القديم الذي ربما تخلت عنه أميركا الرسمية لكنه مدعوم من دوائر كثيرة ضمن أوروبا والولايات المتحدة والصهيونية.
إن اختلاط الأوراق وسرعة التغيير والتقاء المواقف المتناقضة استراتيجيا ( قوى المقاومة والغرب وأحيانا إسرائيل) يتطلب وعيا غير عادي. لكنه لا يعني أيضا الخوف والشلل أو الاعتقاد بحتمية هيمنة الموقف الغربي أو الصهيوني. إنه فقط يعني أن على الشعوب التي تقود الثورات (بالأساس مصر) معرفة أنها تتحمل مسئولية فوق عادية تؤثر عليها وعلى مجمل الإقليم. بل ربما على مستقبل الثورة العالمية الحديثة والتي أخذت طابعا جديدا يحمل التغيير دون العنف بالاعتماد على وسائل ثورة المعلومات ويقبل الاقتصاد الموزع والحر والذي يرفض الاحتكار وهيمنة متعددة الجنسيات ويحتوي في الأعماق متطلبات نشوء نظام عالمي جديد لما بعد الرأسمالية.
تونس
سقط بن على وتم تشكيل حكومة من بنية النظام القائم والمؤشرات ليست واضحة بعد إن كان المسار نحو تغيير جذري أم مجرد انقلاب بوجه جماهيري. والسبب وجود بقايا مفصلية من النظام السابق في معظم المواقع. ومع أن العوامل الخارجية ( الولايات المتحدة وفرنسا) لا تبدو ظاهرة إلا أنها ربما وضعت حدودا للتغيير بما يضمن مصالحها. وهذا يعني أن ثورة تونس تحتاج إلى عمل مستمر شعبيا وصمود بالحد الأدنى لتحقيق مصالح تونس الوطنية والقومية.
مصر
انسحب مبارك واستلم العسكر الأمر مؤقتا كما يؤكدون احتراما "لإرادة شعب مصر العظيم" وبسبب ضغط مستمر منذ شهر بتنظيم مميز وبتجانس ووحدة وطنية نادرة وبحضارية عالية. لكن الأمر لم يحسم بعد بشكل كاف أيضا. والأسباب كثيرة فمبارك موجود ونصف الحكومة التي شكلها مع رأسها مستمرون بالحكم. ولعل بقاء وزير الخارجية يمثل حالة واضحة لبقاء الرموز السابقة وخاصة بما يتعلق بالسياسة الخارجية. ومع أن ثورة مصر قامت لتغيير جوهري داخلي وتحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية إلا أن العامل الخارجي هام ويتضمن إعادة كرامة مصر وتحييد هيمنة إسرائيل وتحرير السياسة المصرية العربية والإفريقية. وكلها عوامل حيوية لمستقبل ومصير مصر نفسها وليست عوامل تجميلية لتحسين العلاقة بالمحيط.
المسألة الأخرى تتعلق بالقوى التي صنعت الثورة. فهناك عدم وضوح حتى الآن في نسبة وتأثير التيارات المختلفة. وقد حاول الإخوان من خلال تحركات القرضاوي الظهور بمظهر القوة الرئيس. ولكن تحرك القرضاوي ربما خلق ردة فعل سلبية أكثر من خدمة للإخوان أو الوحدة الوطنية. من الأفضل للقوى الداخلية حسم وزنها من خلال الانتخابات فقط ومبروك لمن يقود.
البحرين
قبل ان تلتقط مصر أنفاسها بدأت حركة احتجاج في البحرين يبدو أنها ستظل ضمن إطار الحكم الملكي. ويبدو أن التعبير الطائفي موجود وقائم مهما حاولت القوى التمسك بشعار الوحدة الوطنية في المطالبة بالتغيير. ربما يكون ذلك وارد جزئيا لكن من الصعب تصور تطوره إلى درجة تهديد النظام القائم أساسا على الملكية وهيمنة السنة على مؤسسات الحكم مع بقاء الكثير من الثروة مع الشيعة. وهناك عوامل خارجية مؤثرة استراتيجيا تؤثر على إرادة العمل الداخلي. وتشمل هذه العوامل الولايات المتحدة ودول الخليج وإيران. وفي أفضل الأحوال يمكن تطور النظام ليشبه الحال في الأردن.
اليمن
ويستمر مسلسل اليمن السعيد البطئ نسبيا بالمقارنة مع الحركات الأخرى. ولعل من المستبعد تطور الأمر إلى درجة إسقاط النظام فعلا لأسباب هامة ليس أقلها الخوف من تقسيم اليمن وصعوبة توفر وحدة وطنية شاملة تشبه الحالة المصرية أو التونسية تتفق ضد النظام.
فالحوثيون والحراك الجنوبي لا يملكون أغلبية أصلا وبسبب نزعتهم الانفصالية أو الانعزالية من الصعب توقع تجنيد قوى رئيسة أو دعم جماهيري شامل من أبناء اليمن الشمالي السنة مع الأخذ بالاعتبار حجم قبيلة الرئيس علي عبد الله صالح ونفوذها.
ورغم أن هناك الكثير من التحفظات الشعبية من أبناء اليمن الشمالي على تحول النظام إلى شبه عائلي وتأثيرات الحرب ضد تنظيم القاعدة السني الحضن على موقف الرئيس صالح سلبيا في بعض الأحيان بسبب تداخل ذلك مع العلاقة الاميركية باليمن وسيادته فإن الإصلاح بمواصفات المجتمع اليمني ممكن دون ضرورة الدخول بمعركة إسقاط النظام لأن تلك المعركة لن تنجح أولا ولأن هناك مخاطر تحقيق انقسام البلاد فقط.
لكن هذا يعني أيضا أن على الرئيس صالح العمل كثيرا من أجل إرضاء أبناء الشمال أولا وامتصاص نقمة الجنوب ثانيا وإيجاد صيغة تفاهم مع الحوثيين بالإضافة إلى إيجاد مخرج ديموقراطي. سيكون من الخطيئة التمسك بطريقة الحكم القديمة باعتبار أن البلاد لا تقبل التوحد ضده.
ليبيا
انفجر الوضع في ليبيا بشكل سريع جدا وغير متوقع. وعند الأخذ بالاعتبار تركيبة ليبيا القبلية وضعف وجود بنية مجتمع مدني بالمعنى التقليدي ولأن معظم عوامل القوة والمال يتحكم بها القذافي من المفاجأة ظهور حركة مستمرة. والحقيقة أن الأمر في ليبيا غير واضح حتى الآن رغم سيطرة المعارضة على معظم الشرق والتنافس بشكل قوي في الغرب.
لا شك أن هناك معارضة قوية للنظام ومن الأفضل الاعتراف أن قدرة القذافي على تجييش الجماهير محدودة وقد تبين أن كثيرا من أركان النظام والمؤسسات الحكومية لا توالي القذافي بما يكفي.
بالمقابل لا يبدو أن كل ما يذاع في وسائل الإعلام من سيطرة الثوار على معظم المدن دقيق أو محسوم. وليس من الواضح أيضا أن العنف يحصل من قبل قوات النظام فقط. فهناك أكثر من تقرير يشير إلى استخدام العنف من قبل الطرفين. ويبدو أن هناك مؤثرات جغرافية رئيسة وتأثير للنظام الملكي السابق والمعارضة المتمركزة في أوروبا.
ومع أن القذافي يحاول تفسير مجمل الأمر بتحريض القاعدة وثورة المهلوسين إلا أن ذلك غير مقنع لأن القاعدة ليست بارزة في الأحداث رغم أنها أيدت. ولكن الإخوان المسلمين وإيران وحزب الله أيدوا أيضا بل إن معظم القوى الإقليمية أيدت الثورة عليه. من الواضح أنه لا يمتلك الكثير من الأصدقاء في المنطقة.
في نفس الوقت علينا الاعتراف أنه لا يجد الكثير من الأصدقاء في الغرب بل إن إسرائيل لا تخفي سعادتها باحتمال سقوطه. وهذا يعني أن بقاءه ليس مرتبطا بالغرب أو إسرائيل وهذا يختلف عن الحالة المصرية. الحقيقة أنه يمثل حالة فريدة تليق به فهو الوحيد الذي تتفق ضده كل من إيران وحزب الله والإخوان المسلمون والقاعدة وفرنسا واسرئيل بشكل غير قابل للشك. طبعا لكل أسبابه لكن هذا يعني أيضا أن المسألة ملغومة وخطرة.
ومع أن القذافي قد حصر نفسه كثيرا في السنوات العشر الماضية وسمح لهيمنة ابنائه على مقاليد الحكم بحيث تحول الحكم إلى عائلي أيضا. ورغم أن وسائل القذافي في التعبير ونظرياته في الحكم والإدارة تبدو غريبة عن العرف العام في العمل السياسي أو حتى الثوري إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة انتشار النظام بشكل عمودي وأفقي ضمن مساحات جغرافية هامة بغرب ليبيا والصحراء. وهذا يجعل إمكانية الحسم على الطريقة المصرية غير محتمل. والخوف أن ينتهي الأمر بانقسام البلاد لفترة قد تطول.
ومع الأخذ بالاعتبار تعدد مواقف القذافي التاريخية من قضايا كثيرة في العالم فليس من السهل توقع توفر دعم حاسم للمعارضة بنفس مقدار صعوبة توفير دعم للقذافي أيضا بما يضمن الوحدة الوطنية والجغرافية. طبعا الحكم في كل هذا يبقى للشعب الليبي فإن توفرت لدية إرادة الوحدة الوطنية سوف يخرج من الأزمة لكن المؤشرات غير مطمئنة حتى الآن.
ومع الاعتبار أن القذافي وليبيا قد قطعا في السنوات الأخيرة شوطا من العلاقات الاستراتيجية مع أوروبا وتحديدا ايطاليا فربما يفسر هذا التردد الأوروبي وربما الأميركي في حسم الموقف باستثناء ايطاليا التي يبدو أنها اقرب لدعم النظام. هناك عوامل أخرى لا تصب باتجاه حتمية سقوط النظام.
المغرب
وتبدو كبادرات مترددة لتصعيد الوضع. والمغرب من الناحية المدنية والشعبية يمكن أن يتحد في موقف شبيه بتونس أو مصر لأن الفقر في المغرب كبير جدا والمجتمع المدني موجود بشكل يسمح للتنظيمات المدنية القيام بدور توحيدي. لكن غير الواضح هو مدى توفر دعم من أي جهة دولية لهذا التغيير وعليه لا يبدو أن الشعب وصل إلى نقطة اللاعودة.
الأردن
يبدو أن تحرك المعارضة سوف يستمر بالمطالبة بتعميق الملكية الدستورية لكن لن يكون هناك تحولات دراماتيكية رغم أن الحركة الأردنية ربما تكون أكثر الحركات جذرية وتقدمية في مطالبها. والسبب أن ظروف الأردن الجيوسياسية والديموغرافية لن تسمح بأكثر من درجة معينة من التغيير تبقيه ضمن المعادلات القائمة. لكن هذا سوف يعتمد إلى درجة كبيرة على محصلة ونتيجة التغيير في مصر.
العراق
العراق محتلة ومقسمة طائفيا وعرقيا وهذا يعني أن دور الجماهير محدود. ورغم أن هناك الكثير من المبررات لمحاولة التغيير الشعبي إلا أن ذلك يبقى متأثرا بمواقف إيران والولايات المتحدة. ورغم أن الولايات المتحدة ربما ترغب بتغيير يبعد العراق عن نفوذ إيران إلا أن النفوذ الإيراني مستمر. وقد كان مفاجأة أن يفتي الخامنئي بعدم جواز المظاهرات في العراق كما ورد في بعض الأخبار.
الجزائر
لن تنجر الجزائر إلى صراع رئيس لأنها ببساطة جربت ذلك على مدى 20 عاما ولأن نظام الرئيس بوتفليقة يقوم على حد أدنى من الشرعية الانتخابية والتجاوب مع المطالب الشعبية بشكل متسارع ومن ذلك رفع حالة الطوارئ.
دول الخليج:
من الصعب ظهور حركات احتجاج في السعودية وقطر والإمارات وربما يحصل بعض الحراك في عمان أو الكويت لكن ضمن حدود كبيرة. ومن الصعب توقع تحرك في هذه الدول دون دعم صريح لذلك من قبل الولايات المتحدة أو بريطانيا تحديدا. وليس هناك مؤشرات لتحرك شعبي رغم أن الولايات المتحدة ربما تضغط على الأنظمة لتحسين وضعها بخصوص الحكم وتناوب السلطات.
السودان
تصويت انفصال الجنوب كان صدمة كبيرة للسودانيين لكن ذلك كان متوقعا. ويبدو أن السودانيين قد وصلوا لحالة قبول عامة للأمر الجديد. لكن هذا يحمل في طياته أيضا حرصا غير عادي من الشمال لعدم التورط في صراع داخلي يمكن أن يسرع انفصال دارفور. وعليه لا أتوقع ثورات احتجاجية في السودان بالمعنى الشعبي وأي تحرك ربما يحمل مظاهر تهديد للأمن وحركات تمرد إثنية أو مناطقية.
سيكون هناك تأثير استراتيجي لنتائج الثورة المصرية على السودان. فإن حسمت باتجاه المبادئ الناصرية (القومية والعدالة الاجتماعية) بمظهر وإخراج ديموقراطي وحر (وهذا أقصى المتوقع من الثورة المصرية لكنه ممكن) فسوف تكسب السودان كثيرا وسيتم الوصول إلى صيغة تحقق أمن مصر المائي وأمن ووحدة السودان رغم الانفصال. فمصر واثقة من نفسها في أفريقيا سوف تهزم معظم مشاريع إسرائيل للحصار ضمن دول حوض النيل. وعند ذلك لن تجد دولة جنوب السودان الناشئة دافعا لتكون معادية للسودان أو مصر وستكون خسائر الانفصال بالحد الأدنى.
سوريا ولبنان:
من الصعب توقع قيام حركة تغيير رئيسة في سوريا رغم بعض التحفظ السني على النظام ورغم أن الولايات المتحدة لا تحفظ ودا للنظام السوري وربما تتمنى تغييره. من الأسباب أن بقاء النظام السوري لا يعتمد كثيرا على دعم الولايات المتحدة ولم يصل الأمر بالنظام إلى درجة الانفصام مع الشعب كحالة مصر. وليست السياسة السورية متعثرة ومتخبطة كما حالة ليبيا. لكن ذلك غير مضمون ومن الأفضل عدم الركون إليه فقد كانت الحركة في ليبيا مفاجئة لكثير من المراقبين.
أهم عوامل قوة النظام السوري (مع أنها سبب العداء الغربي الرئيس له) تبقى تبنيه لخط المقاومة ودعم إيران وتركيا وقوى لبنانية رئيسة. لكن أهم ضمانة للموقف السوري واستقراره تتطلب مزيدا من الانفتاح على الشعب والعمل على محو الانطباع بارتباط النظام بأي بعد طائفي.
أما لبنان فمن الواضح أنها استطاعت الصمود ضد المشروع الأميركي والإسرائيلي أيام قمة الهيمنة الأميركية في المنطقة. ولا شك أن قوى المقاومة تسود في لبنان بشكل عام. وعليه لا أرى انقساما ممكن أكثر مما حصل سابقا بل ربما تكون هناك تفاهمات أفضل من أي وقت مضى. من المتوقع خفوت نجم الحريري وحلفه بسرعة وعلى السنة في لبنان العمل على التأقلم مع ذلك مع الاعتبار أن ضعف الحريري لا يعني ضعف السنة. فتاريخيا كان السنة من قاد المعركة القومية والمقاومة وعليهم العودة لذلك الخندق. وهذا ممكن لهم الآن بتكاليف أقل من أي وقت مضى.
فلسطين
وهذا يحتاج لتحليل دقيق وعميق لأن كل العوامل تتشابك في الحالة الفلسطينية وإرادة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وخياراته محدودة ولأن الشعب متردد كثيرا في حسم أموره بعد سنوات عجاف من الانقسام والتشرذم. سوف نتطرق لهذا ضمن مقالة منفصلة.
سيعتمد مستقبل العلاقات الفلسطينية الداخلية كثيرا على نتائج الثورة المصرية وهذا يشمل إنهاء الانقسام وتغيير توجهات فتح وإعادة رسم خارطة القوى السياسية الفلسطينية في الداخل والخارج. من الخطأ طبعا انتظار الفلسطينيين حتى تظهر معالم الموقف المصري لأن بإمكان القوى الشريفة والوطنية بدء العمل لتحقيق أقل حد من الاتفاق دون الدخول في تفاصيل طويلة أو الخوف من متطلبات كبيرة.
وأقل هذه المتطلبات إعلان قبول الإعداد لانتخابات مجلس وطني لكل الشعب في الداخل والخارج يكون مصدر الشرعية للجميع ويتم أينما أمكن من كل مناطق تواجد الشعب الفلسطيني. والاتفاق على صيغة حكم انتقالي مشترك دون الدخول بالقضايا الخلافية لتسيير أمور الضفة وغزة. وعدم استثمار الكثير من الجهد في مسيرة المفاوضات فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تستحق منها إغضاب إسرائيل ولو بقرصة أذن.
وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة فقدت اهتمامها بالعملية السياسية وإنما فقط أنها لا تعتقد بصلاحية النمط السابق أن يؤدي إلى شيء. وربما تراهن على التغييرات الإقليمية لوضع شروط جديدة. وهذا يعني أن تركيبة الشعب الفلسطيني السياسية الحالية لا تستطيع تحمل الواقع الجديد. وعليها التغير حسب أعلاه.
الأسباب والتوقعات
لكل حالة من حالات المنطقة عوامل وضعها الداخلي والمحيط الخارجي وبناء على هذه العوامل يمكن توقع تطور الأمور وتحديد المواقف. سيعتمد كل ذلك على تطور الثورة العربية بشكل أكثر حكمة وحسم مفاصل جوهرية. وهذا ما سنقوم بدراسته في الجزء الثاني الذي يشمل تصورا لعوامل التأثير الخارجية والداخلية لكل دولة وظاهرة الدومينو التي تحرك المسار بنسبة أو أخرى.
وتبقى أسئلة: ما هي أسباب التحولات الكبيرة ولماذا الآن. وهل هي خير خالص أم تحمل في طياتها مخاطر وتحديات تصل في حالة عدم الحذر إلى إمكانية الانقلاب وربما تسهيل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدأه بوش. ورغم تشكك إدارة أوباما الكبير بجدوى أو قيمة ذلك المشروع إلا أن نفوذ الدوائر الصهيونية والمحافظين في أميركا لا يلغي ذلك الاحتمال. هناك مخاطر حقيقية على مجمل حركة التغيير مع أن كفة التغيير الإيجابي هي الأرجح.
قدمنا عرضا لتوقعات كل حالة عربية دون الدخول في تحليل لتفسير النتائج المتوقعة. وقد تطابقت التوقعات مع تطور الوضع بشكل كبير نسبيا مما يشجعنا على طرح لتفسير التوقعات وتعميق الفهم لكل حالة من حالات التغيير القائمة وعدم الوقوع بخطأ التعميم المتسرع.
اختلاط الأوراق وسرعة التغيير والتقاء المواقف المتناقضة استراتيجيا ( قوى المقاومة والغرب وأحيانا إسرائيل) يتطلب وعيا غير عادي. لكنه لا يعني أيضا الخوف والشلل أو الاعتقاد بحتمية هيمنة الموقف الغربي أو الصهيوني. إنه يعني أن على الشعوب التي تقود الثورات (بالأساس مصر) معرفة أنها تتحمل مسئولية فوق عادية تؤثر عليها وعلى مجمل الإقليم بل ربما على مستقبل الثورة العالمية الحديثة. وهو يعني أيضا أن لسوريا والجزائر وتركيا أدوارا مميزة لأسباب نتطرق لها تميزها عن غيرها لا بد من العمل بها لحماية مستقبل المنطقة.هناك استخلاصات من كل ما نرى نضعه في نهاية الدراسة.
لكل حالة عوامل وضعها الداخلي والمحيط الخارجي التي تؤثر على تطور الأمور وتحديد المواقف. سندرس هذه العوامل لكل دولة فوق ظاهرة الدومينو التي تحرك المسار بنسبة أو أخرى.
أولا: مواقف القوى الخارجية
قوى فعالة ومؤثرة ولها مصالح وبعد استعماري ( الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل)
الولايات المتحدة
ضمن استراتيجية كونية للتحكم وعلاقة خاصة بإسرائيل هناك موقفان:
الموقف الأول: يميل لترسيخ المصالح الكونية لأميركا فوق مصالح إسرائيل وضرورة خضوع العلاقة معها للتقييم الاستراتيجي. القوى الفعالة: البيت الأبيض (أوباما) والجيش ومنظمات مدنية وحقوقية وبعض المؤسسات الاقتصادية والصناعية والعسكرية.
الموقف الثاني: يميل لترسيخ مصلحة إسرائيل فوق أي مصالح تحت شعار استحالة تناقض المصلحة الاميركية مع إسرائيل وأنها ذخر دائم لأميركا. القوى الفعالة: اللوبي الصهيوني والكونغرس وقيادة الحزب الجمهوري والإعلام وبعض المراكز الفكرية والمؤسسات المالية.
وبشكل عام يتراوح الموقف الأميركي النهائي بين الموقفين بنسبة تأثير متقاربة. وبسبب ذلك يعتمد حسم أي خطوة على عوامل التأثير الدولية اللحظية أحيانا. مما يجعل الموقف الأميركي عرضة للتذبذب أكثر من أي وقت مضى وهذا مؤشر ايجابي وسلبي في نفس الوقت.
وحسب هذا التحليل فقد سادت وجهة نظر الموقف الأول بما يتعلق بمصر وتونس وتتأثر كثيرا بدوافع الموقف الثاني بما يتعلق بليبيا واليمن. وليس هناك فرق كبير بما يتعلق بدول الخليج والمغرب. وهناك تفاوت كبير بما يتعلق بسوريا ولبنان وفلسطين وتركيا. فالموقف الأول يعتقد بإمكانية كسب هذه القوى بينما الثاني يدعو للمواجهة.
بريطانيا
الميل لتبني سياسة موالية للموقف الأميركي الثاني والموالي لإسرائيل مع الاعتقاد أن ذلك يمثل أفضل الطرق لتحقيق مصالح بريطانيا التاريخية والاستراتيجية. ومن غير المحتمل خروج قوى مناوئة للنفوذ الصهيوني. وهذا موقف يعبر عن ضالة لا تليق بدور بريطانيا العظمي. والحقيقة أن السياسية البريطانية متهالكة وكاذبة بشكل كبير ولا يبدو هناك أمل بصلاحها إلا بتغيير الموقف الأميركي لأنها منقادة له وليس هناك سياسة مستقلة في الواقع.
وبذلك يمكن فهم الترابط مع السياسات الإسرائيلية رغم أن تحليلها الاستراتيجي يختلف. وهي تساعد في العادة على حسم الموقف الأميركي بالاتجاه الموالي لإسرائيل رغم أن ذلك لم يكن ضروريا معظم الوقت.
وبما يتعلق بقضايا المنطقة العربية فهي تؤيد بتحفظ التغيير في مصر ولا دور لها بتونس وربما هي المحرك الأول في دعم التحرك في ليبيا. بل ربما هي من جند فعليا دول الخليج والجامعة العربية لاحقا بنفس الاتجاه لدعم تدخل دولي. طبعا استفادت بريطانيا من دعم غير محدود لموقفها من قبل الموقف الثاني في الولايات المتحدة والموقف الفرنسي. والدور البريطاني والفرنسي خطير في دفع أوباما للتورط في ليبيا وتهديد توجهات الثورة في مصر في هذه المرحلة المبكرة.
فرنسا
بعد الحرب العالمية وانتهاء حقبة الاستعمار المباشر وخاصة في الفترة الديغولية مالت فرنسا لسياسة مستقلة عن الولايات المتحدة وبشكل يخدم مصالحها المباشرة وأبدت انفتاحا على حركات الاستقلال لكن بشكل انتهازي. وهي ذات تأثير محدود على السياسة العالمية.
بعد ساركوزي اقتربت السياسة الفرنسية كثيرا من التصور الصهيوني العالمي لكنها لم تصل إلى درجة التماهي بسبب وجود تيارات قوية في فرنسا تقاوم مثل هذا الاتجاه. بخصوص ليبيا فالموقف المبالغ في دعمه دون مبرر حقيقي لخدمة مصالح فرنسا يعكس ولاء ساركوزي للصهيونية أكثر منه موقفا فرنسيا خالصا.
إسرائيل
ومع أنها دولة صغيرة الحجم ولا تملك الكثير من الوزن الاستراتيجي الذاتي ووجودها وعدمه لا يؤثر على تركيبية القوى العالمية واقعيا إلا أن وزنها الرئيس ينبع من نفوذ الحركة الصهيونية الكبير على الموقف الأميركي والأوروبي بشكل عام وعلى الروسي بشكل متقلب.
إسرائيل دولة طفيلية لا يمكنها الاستمرار بخلفيتها الفكرية وطبيعتها الطفيلية وتركيبتها العنصرية إلا من خلال توفر حاضنة تضخم دورها الإقليمي من خلال علاقات عضوية وابتزازية مع مراكز القرار الدولي. وهي نجحت كثيرا في ذلك.
وتميل إسرائيل إلى العدوانية والرغبة في التقسيم المستمر والتجزئة للمنطقة العربية ولا تقبل وجود نظام عربي حقيقي ووطني. وهي تعادي كل الحركات المخلصة وتتحالف وتدعم الحركات الموالية لها فقط. وتمارس نفوذها بخيوط خفية عن الجمهور من خلال دراسة المسائل الاستراتيجية وفهمها بشكل عميق والعمل على التأثير عليها من خلال فهم واستغلال توازن القوى ووزنها المحلي والدولي للتأثير بطريقة مركزة.
وبما يتعلق بالموقف الراهن فهي تتحفظ كثيرا على الثورة في مصر. ومع أنها راهنت في البداية على إمكانية احتواء الموقف من خلال بدائل من صلب النظام إلا أن ذلك انتهي فيما يبدو بعد سقوط حكومة شفيق وزوال معالم النظام السابق وهذا يعني لإسرائيل معركة مفصلية. وهي تميل لانتقاد أوباما وتتهمه بإيصال الأمر في مصر لهذه الدرجة الخطيرة.
وعليه هناك فرضية أنها ربما ساعدت وحرضت بريطانيا وفرنسا على تفجير الموقف في ليبيا بهذه المرحلة المبكرة قبل تشكل وتصلب الموقف المصري مراهنة على أن النظام الليبي سيقاوم بما يكفي لانقسام البلاد وتكون حرب أهلية تجعل ليبيا دولة فاشلة وما يحمل ذلك من إرباك وتهديد لمستقبل مصر فوق انه مدخل يحقق استراتيجية الموقف الأميركي الثاني المتعلق بالنفط وتشكيل الشرق الأوسط الجديد كما عمل بوش له على مدى فترة حكمه.
وعلى هذا فالموقف من ليبيا مثل نقطة تحول خطرة في مسار الثورات التي نجحت بطرق سلمية وبأغلبية شعبية كاسحة ضد الأنظمة وموقف معتدل من الجيش. عكس كل هذا تماما ما حصل في ليبيا فعلا.
وتعمل إسرائيل بنفس الوقت على فتح قنوات مع نظام الحكم في ليبيا في فترة "زنقته" بما يسمح لها بالكسب في كلا الاحتمالين. وكما يبدو حتى الآن فاستراتيجية بريطانيا والموقف الأميركي الثاني ما يحرك معادلات ليبيا رغم أن ذلك غير مؤكد الاستمرار لأسباب أهما موقف الجيش الأميركي المتحفظ ونتائج الميدان في ليبيا.
تتمنى إسرائيل ثورة مشابهة في سوريا وإيران ولا تمانع من أخرى في السعودية لكنها لا تراهن كثيرا على حصول ذلك إلا إذا انكفأت الثورة المصرية بسبب قوى الثورة المضادة داخلها والوضع في ليبيا.
قوى ذات وزن واهتمامات استثمارية ونفوذ أقل (روسيا والصين والهند وبعض أوروبا)
هذه الدول لا تميل حاليا لممارسة دور سياسي فعال بحكم عدم الرغبة في مواجهة الهيمنة الاميركية أو بسبب اختراق نسبي لمؤسسات القرار لديها من قبل قوى أخرى.
روسيا:
تنقسم إلى موقفين بشكل عام أحدهما ميال لسياسة روسية مستقلة عن الغرب وواثقة من نفسها وأهم عنوان بوتين والخارجية الروسية والدوما. وتيارات أخرى تميل إلى التماهي مع الموقف الصهيوني بشكل عام وعناوينها غير واضحة مع أن موقف مديفايف يتقاطع مع هذه السياسة في كثير من الأحيان. من الصعب التنبؤ بالموقف الروسي مع الميل لتحفظه على توسيع التدخل الدولي في المنطقة.
بالنسبة لمصر أبدت بعض الدوائر درجة من التحفظ على التغيير ولم يكن واضحا هل هو صدى لقلق إسرائيل أم غير ذلك. بالنسبة إلى ليبيا يبدو أن الموقف الروسي الأول ما يسود حتى الآن رغم انه غير مضمون بسبب احتمالات إغراءات غربية ذات وزن.
الصين والهند
الموقف الصيني ليس مركزيا مع أن لدى الصين الكثير من المصالح وهي بالتأكيد لا ترغب في رؤية ليبيا تقع في براثن الغرب لكن كالعادة لن تبادر الصين لأكثر من اعتراضات وسيكون مفاجأة إن استخدمت الفيتو. نفس الأمر يتعلق بالهند.
أسبانيا
أسبانيا لا تملك تأثيرا كبيرا على السياسية الدولية وهي بمعظم القضايا اقرب للموقف العالمي المتوسط بما عدا بعض القضايا المتعلقة بالمغرب وموريتانيا والصحراء.
ألمانيا وايطاليا
تحاول التأقلم مع واقع العالم ولديها اهتمامات كبيرة بالاستثمار. ومع أن ميركيل أميل للسياسات الموالية للصهيونية إلا أن موقف ألمانيا العام لا يميل لأي دور عسكري بسبب اعتمادها المباشر على النفط الليبي ونفس الأمر يتعلق بايطاليا لكنهما في النهاية تابعان للموقف الذي تتخذه أميركا وبريطانيا وفرنسا.
قوى ذات قيمة أخلاقية ولديها اهتمامات مشابهة للتحرر من الاستعمار
أميركا اللاتينية
وهي دول ذات طبيعة قريبة للعرب من ناحية الإرث الاستعماري وطبيعة الشعب المختلطة من العنصر الأوروبي والأصلي والأسود. وهي حركات تتعامل بشكل كبير من الشك تجاه الشمال ولديها الاستعداد للتعامل مع العرب من منظور المساواة الإتسانية وتعتبر الجماهير العربية حليفا طبيعيا لها. وهذه القوى تميل لدعم أي تغيير جماهيري يعارض الهيمنة الأوروبية وليس لديه ود أو نفوذ إسرائيلي كبير. وعلى هذا الأساس ليس مفاجئا تحفظ كاسترو وتشافيز وبدرجة أقل البرازيل على التصعيد ضد ليبيا.
قوى مؤثرة بحكم الجغرافيا أو التاريخ المشترك (الدول العربية وتركيا وإيران وأفريقيا)
الدول العربية:
ليس هناك موقف واحد يجمع الدول العربية بل هناك انقسام حاد فعلا ربما لا نرى شدته الحقيقية بسبب تقاطعات ومخاوف عربية كبيرة. وقد تميز الموقف العربي بالتحفظ من الثورتين المصرية والتونسية وبانقسام ملكي ضد ليبيا واليمن وجمهوري بعكس ذلك. طبعا من الصعب توقع موقف مصري قوي في هذه المرحلة الحرجة لكن من الواضح أن دول الخليج تميل للتخلص من القذافي وتدعم اليمن بدرجة قليلة وتقاتل مع البحرين. أما سوريا والجزائر فتميل للتحفظ على الموقف ضد ليبيا وللحياد في اليمن والبحرين.
ورغم أن الموقف العربي مائع إلا أن قيمته تنبع من خدمته لتمرير مواقف دولية أخرى وهذا ما حصل مع حالة قرار الجامعة العربية الذي طالب مجلس الأمن الدولي بفرض حظر الطيران فوق ليبيا. وهو موقف هزيل وضعيف وغير قانوني في الحقيقة وقيمته الوحيدة ربما التجاوب مع فرنسا وبريطانيا وجزئيا أميركا أكثر منه موقفا ذاتيا.
تركيا وإيران
ومع أن هذه القوى تحمل إرثا سلبيا نسبيا تجاه العرب كل لأسبابه ( تركيا بحكم العلاقة زمن الدولة العثمانية والسلبية الاتاتوركية تجاه العرب والمسلمين بشكل عام- وإيران بسبب البعد القومي والطائفي) إلا أن هناك تيارات حقيقية في كلا الدولتين تؤمن بضرورة تنسيق الجهد ضمن دائرة الإسلام الموسع وإقليم الشرق المتوسط لحماية المنطقة وتحريرها من الهيمنة الغربية ولحصار دور إسرائيل التخريبي.
وبحكم قرب تركيا الاستراتيجي من مؤسسات الغرب الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي وإسلامها السني المعتدل فهي أكثر واقعية ودقة في دعمها للتغيير وفي التمييز وفهم الفروق بين الثورات العربية. وبشكل عام يعبر موفقها بشكل جيد عن المصلحة الإقليمية والإسلامية للمنطقة. وهذا يفسر حماسها للثورة المصرية ودعمها للتونسية وتحفظها على الليبية واليمنية. مما يعكس فهما عميقا للدوافع لكل حالة أفضل بكثير من الفهم العربي الجمعي العقيم.
أما إيران فلديها مقاييس تختلف نسبيا وهي تعتبر إسرائيل والولايات المتحدة خصمان متطابقان لا يمكن التفريق بينهما وتميل لدعم أنظمة أقرب لها عقائديا أو طائفيا ولا تقرأ التفاوت بين الحالات كما تركيا. وهي تميل بالمحصلة إلى دعم تغيير إقليمي غير موالي للغرب. لكن تقييمها التفصيلي للأمور يتأثر بمواقفها القومية أو الطائفية ( دعم الثورات في البحرين وليبيا والحوثيين).
أفريقيا
أفريقيا فقيرة وللعرب نفوذ كبير فيها على مدى التاريخ. والأنظمة العربية غير الموالية للغرب تجد عادة حلفاء في أفريقيا ومع أن كثيرا من الأنظمة الأفريقية أسوأ من الأنظمة العربية إلا أن هناك رأيا عاما أفريقيا يميل للتناغم مع سياسية عربية مستقلة عن الغرب. ثورة مصر وتوجهاتها تميل إلى ترسيخ هذا الدور مع أن التغيير في ليبيا يصنع العكس. وعليه نرى قبولا للتغيير في مصر وتونس وتحفظا كبيرا من التدخل الدولي في ليبيا. من المستبعد رغم ذلك تطور موقف صلب للاتحاد الأفريقي يصنع فرقا جوهريا.
ثانيا: المؤثرات والعوامل الداخلية
ندرس هنا حالات الشعوب والأنظمة العربية المختلفة من ناحية التناغم الشعبي والوحدة الوطنية والموقف من النظام في كل حالة. وقد تطرقنا لذلك ضمن الجزء الأول وسنحاول هنا ذكر العوامل دون تفصيل إلا في حالة ليبيا لما لها من أهمية.
1- جماهير متجانسة وأنظمة بشريحة فوقية رقيقة
وهي دول تتميز بالتناغم الشعبي الطبيعي وبأنظمة حكم منعزلة نسبيا عن الشعب لأسباب أهمها سياسية واقتصادية ولديها فقر منتشر وليس هناك انتشار عمودي عميق للنظام يقوم على بنى طائفية أو عرقية قوية تسمح له بالركون إليها. وعليه فهي أسهل النماذج لنجاح الثورات شريطة توفر حد أدنى من الحياد الخارجي أو الدعم المعنوي.
مصر
تمثل حالة شبه مثالية من تجانس شعبي وانقسام طبقي حاد ووحدة ثقافية وعزلة للنظام القائم لأسباب داخلية أو خارجية بحكم مهادنة النظام لأميركا وخدمته للدور الإسرائيلي. وتطورت الثورة بشكل شبه مثالي وقد درسنا ذلك سابقا.
وعليه أتوقع أن تستمر الثورة بشكل ايجابي وتصل إلى مرحلة من الاعتداد والانفصال عن الموقف الإسرائيلي خلال فترة عامين. لكن ذلك سيعتمد على نوعية التغيير في المناطق الأخرى. وأهم تهديد لمستقبل الثورة المصرية يكمن خطر انقسام ليبيا أو تحولها لدولة فاشلة.
تونس
تشبه مصر إلى حد كبير وتختلف في الوزن الإقليمي فقط. وتميل تونس للقيام بدور ايجابي لكنه سيكون أقل بروزا من الموقف المصري مع بقاء تأثير كبير لفرنسا.
المغرب
المغرب دولة مؤهلة لحالة شبيه بمصر من الناحية الداخلية. فهناك طبقة حاكمة غير سميكة وهناك نفوذ استعماري كبير على النظام. الفرق الرئيس عن مصر وتونس هو عدم توفر حاضنة غربية تقبل التغيير.
2- جماهير غير متجانسة اثنيا أو طائفيا وأنظمة منتشرة عموديا وأفقيا:
وبحكم عدم تجانس الجماهير من السهل الوقوع بخطأ التقدير بأن المعارضة واسعة والنظام معزول. درجة التجانس تتفاوت بين هذه الدول فاليمن هي الأقرب للتجانس لكن هناك فروقا جغرافية وطائفية تمنع اعتباره من المجموعة الثالثة. أنظمة هذه المجموعة أقدر على البقاء ومن الصعب نجاح ثوراتها الشعبية إلا بتدخل خارجي أو انقلابات عسكرية.
ليبيا:
حالة ليبيا خطيرة وتهدد مستقبل مجمل الحركات العربية وخاصة مصر وتونس. وعند الأخذ بالاعتبار تركيبتها القبلية وضعف المجتمع المدني بالمعنى التقليدي ولأن معظم عوامل القوة بيد النظام من المفاجئ ظهور حركة مستمرة. لا شك أن هناك معارضة قوية للنظام ومن الأفضل الاعتراف بذلك. وقد تبين أن كثيرا من أركان النظام لا توالي القذافي بما يكفي.
بالمقابل لا يبدو أن ما يذاع من سيطرة الثوار على البلاد وشعبيتهم دقيق أو محسوم. وليس من الواضح أيضا أن العنف الذي يحصل من قبل قوات النظام يختلف عن العنف الذي تقوم به قوات الثوار. ربما ما ينتجه النظام أكثر بحكم تفوق أسلحته لكن كلاهما يمارس العنف أينما يعتقد ذلك مناسبا. لقد فقدت حركة التغيير في ليبيا مبكرا طابعها السلمي والشعبي وتورطت بحرب عصابات تعطي النظام مهما تم وصفه بالقسوة أو الدكتاتورية الحق حسب القانون الدولي الدفاع عن نفسه وعن وحدة البلاد الجغرافية.
يبدو أن هناك مؤثرات جغرافية رئيسة وتأثير للنظام الملكي السابق والمعارضة المتمركزة في أوروبا على مجمل مقومات الثورة. ومع أن القذافي حاول اختصار مجمل الأمر بتحريض القاعدة وثورة المهلوسين إلا أن ذلك غير كاف لأن القاعدة غير بارزة رغم تأييدها. فالإخوان المسلمون وإيران وحزب الله أيدوا أيضا بل إن معظم القوى الإقليمية أيدت الثورة عليه.
في نفس الوقت فهو لا يجد الكثير من الأصدقاء في الغرب بل إن إسرائيل لا تخفي شماتتها باحتمال سقوطه. وهذا يعني أن بقاءه ليس مرتبا بدعم الغرب وإسرائيل بل بالرغم عنه. الحقيقة أنه يمثل حالة فريدة تليق به فهو الوحيد الذي تتفق ضده كل من إيران وحزب الله والإخوان المسلمون والقاعدة وبريطانيا وفرنسا واسرئيل بشكل غير قابل للشك. طبعا لكل أسبابه لكن هذا يعني أيضا أن المسألة ملغومة وخطرة.
ومع أن القذافي قد حصر نفسه كثيرا في السنوات العشر الماضية وسمح لهيمنة أبنائه على مقاليد الحكم بحيث تحول الحكم إلى عائلي أيضا. ورغم أن وسائل القذافي في التعبير ونظرياته في الحكم والإدارة تبدو غريبة عن العرف العام في العمل السياسي أو حتى الثوري إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة انتشار النظام بشكل عمودي وأفقي ضمن مساحات جغرافية هامة بغرب ليبيا والصحراء.
الخوف طبعا أن ينتهي الأمر بانقسام البلاد لفترة قد تطول. فعند الأخذ بالاعتبار تعدد مواقف القذافي التاريخية من قضايا كثيرة في العالم ليس من السهل توقع توفر دعم للمعارضة يحقق حسما شعبيا أو عسكريا بما يضمن الوحدة الوطنية والجغرافية. بل هناك أصدقاء له من أميركا اللاتينية وأفريقيا وبعض الدول العربية. وهناك تحفظات كبيرة من قبل روسيا والصين على تصعيد وتدخل خارجي. وحيث أن ليبيا قطعت في السنوات الأخيرة شوطا من العلاقات الاستراتيجية مع أوروبا وتحديدا ايطاليا ربما يفسر هذا التردد الأميركي في حسم الموقف.
من الواضح أن القذافي يمتلك دعما ضمن الجيش والقبائل والتمويل والعتاد يسمح له حسم المعركة لصالحه. ويبدو أن مصير ثورة ليبيا أصبح مرهونا بدعم غربي يتجاوز حتى الحظر الجوي الذي تطالب به قوى المعارضة. من الصعب قبول استعانة الثوار بالدعم الغربي لإسقاط نظام تتهمه بالارتباط بالغرب والدكتاتورية معا.
نجحت مصر في المعركة لأن أقصى ما طلبته من العالم كان عدم التدخل. أما في ليبيا فمنذ أول يوم طالبت قوى المعارضة بالدعم الدولي وتريدها حربا وليس ثورة شعبية سلمية ترسخ مدى الدعم الجماهيري لها مما يؤهل شرعيتها. من الصعب قبول التبرير أن القذافي دموي ولا يسمح للمظاهرات وللشعب التعبير عن نفسه رغم إمكانية صحة ذلك. لأن قدرته تعكس حقيقة أن النظام مدعوم من قطاعات كافية من الجيش والشعب للوقوف ضد قوى الثورة المسلحة والمدعومة دوليا بشكل غير مسبوق. المعارضة في ليبيا تعتبر مدللة مقارنة بالثورات الشعبية.
يبدو أن فرص نجاح ثورة ليبيا قليلة لأسباب كثيرة أهمها عدم وضوح أهدافها وجهات دعمها واختيارها المبكر لوسائل استخدام القوة. وبروزها من موقع جغرافي بدلا من مواقع متعددة يرسخ فكرة الانقسام. وبسبب سهولة اتهامها بالارتباط بالغرب لأنها فعلا كذلك. ولن يكفي دعم الجزيرة أو إيران أو حزب الله أو الأخوان المسلمون أو حتى جامعة الدول العربية لأنها مؤثرات محدودة بما يخص الميزان العسكري.
حسم الأمر بعكس المتوقع أعلاه يتطلب تنفيذ سيناريو شبيه بإسقاط النظام العراقي بالتدخل المباشر من قوى استعمارية وهذا أسوأ ما يمكن حدوثه وليس فيه ما يعتز به. فوق هذا فهو مسار مستبعد بسبب التحفظ الأميركي العسكري.
التصعيد في ليبيا لا يحمل مواصفات ثورة شعبية بمقدار ما يحمل صيغة التدخل الدولي بغرض إحباط الثورة المصرية بمرحلة مبكرة فوق أهداف أخرى. فلو سقط النظام فرضا بعد معارك دموية وتدخل أجنبي فسوف ينعكس ذك بشكل قاتل على آمال وطموحات قوى الثورة الفتية في مصر ويدفعها نحو مسار محافظ ومنغلق عن الأمة العربية والإقليم. وإذا صمد النظام بعد تعميق الجرح ضده وعرض الكراهية المخيف من قبل الأنظمة والقوى الثورية وغير الثورية في المنطقة ستكون ردة الفعل سلبية تجاه كثير من المفاهيم. هناك خطر أن تستطيع القوى الغربية ابتزازه بمحنة من هذا النوع في صراع البقاء إذا لم تبادر القوى الإقليمية والحكيمة بتدارك ذلك.
فشل الثورة دون تدارك المخاطر سيلقي ظلالا سوداء على مستقبل التغيير رغم انه كان من الممكن تجنيد ليبيا ضمن هذا المعركة لو تم التعامل معها بشكل أكثر حكمة.
السودان:
يبدو أن السودانيين قد وصلوا لحالة قبول عامة لانفصال الجنوب رغم الصدمة. لكن هذا يحمل في طياته أيضا حرصا غير عادي من الشمال لعدم التورط في صراع داخلي يمكن أن يسرع انفصال دارفور. وعليه لا أتوقع قيام ثورات شعبية لأن تركيبة السودان لا تحتمل ولا تسمح بإجماع شعبي ضد النظام وستبقى له قوى تدافع عنه.
سيكون هناك تأثير استراتيجي لنتائج الثورة المصرية على السودان. فإن حسمت باتجاه المبادئ الناصرية (القومية والعدالة الاجتماعية) بمظهر وإخراج ديموقراطي وحر (وهذا أقصى المتوقع من الثورة المصرية لكنه ممكن) فسوف تكسب السودان كثيرا وسيتم الوصول إلى صيغة تحقق أمن مصر المائي وأمن ووحدة السودان رغم الانفصال. فمصر واثقة من نفسها في أفريقيا سوف تهزم معظم مشاريع إسرائيل للحصار ضمن دول حوض النيل. وعند ذلك لن تجد دولة جنوب السودان الناشئة دافعا لتكون معادية للسودان أو مصر وستكون خسائر الانفصال بالحد الأدنى.
لبنان:
من الواضح أنها استطاعت الصمود ضد المشروع الأميركي والإسرائيلي أيام قمة الهيمنة الأميركية في المنطقة. ولا شك أن قوى المقاومة تسود في لبنان بشكل عام. وعليه لا أرى انقساما ممكنا أكثر مما حصل سابقا بل ربما تكون هناك تفاهمات أفضل من أي وقت مضى. من المتوقع خفوت نجم الحريري وحلفه بسرعة وعلى السنة في لبنان العمل على التأقلم مع ذلك مع الاعتبار أن ضعف الحريري لا يعني ضعف السنة. فتاريخيا كان السنة من قاد المعركة القومية والمقاومة وعليهم العودة لذلك الخندق. وهذا ممكن لهم الآن بتكاليف أقل من أي وقت مضى.
البحرين:
التعبير الطائفي موجود وقائم مهما حاولت القوى التمسك بشعار الوحدة الوطنية في المطالبة بالتغيير. من الصعب تصور تطور الأمر إلى درجة تهديد النظام القائم أساسا على الملكية وهيمنة السنة على مؤسسات الحكم مع بقاء الكثير من الثروة مع الشيعة. وهناك عوامل خارجية مؤثرة استراتيجيا تؤثر على إرادة العمل الداخلي. وتشمل هذه العوامل الولايات المتحدة ودول الخليج وإيران. من السهل الاستعانة بدول مجلس التعاون لتصفية أي تهديد حقيقي للنظام لذلك لا أرى إمكانية نجاح ثورة شعبية وفي أفضل الأحوال يمكن تطور النظام ليشبه الحال في الأردن.
اليمن:
اليمن تاريخيا يمثل مجتمعا متجانسا. فليس هناك فرق كبير بين الجنوب والشمال وقد حصل ذلك صناعيا بسبب تطور التاريخ الحديث لهما بمسارين مختلفين. أما الحوثيون فيمثلون أقلية صغيرة لا تكفي لوصف البلد بعدم التجانس. رغم هذا علينا اعتبار اليمن غير متجانسة ضمن التركيبة القائمة وخاصة عند الأخذ بالتركيبة القبلية.
مبدأيا من المستبعد تطور الأمر إلى درجة إسقاط النظام لأسباب هامة ليس أقلها الخوف من تقسيم اليمن وصعوبة توفر وحدة وطنية شاملة تشبه الحالة المصرية أو التونسية تتفق ضد النظام.
فالحوثيون والحراك الجنوبي لا يملكون أغلبية وبسبب نزعتهم الانفصالية أو الانعزالية من الصعب توقع تجنيد قوى رئيسة أو دعم جماهيري شامل من أبناء اليمن الشمالي السنة مع الأخذ بالاعتبار حجم قبيلة الرئيس علي عبد الله صالح ونفوذها.
ورغم الكثير من التحفظات الشعبية من أبناء اليمن الشمالي على تحول النظام إلى شبه عائلي وتأثيرات الحرب ضد تنظيم القاعدة السني الحضن على موقف الرئيس صالح سلبيا في بعض الأحيان بسبب تداخل ذلك مع العلاقة الاميركية باليمن وسيادته فإن الإصلاح بمواصفات المجتمع اليمني ممكن دون ضرورة الدخول بمعركة إسقاط النظام لأن تلك المعركة لن تنجح أولا ولأن هناك مخاطر تحقيق انقسام البلاد فقط.
لكن هذا يعني أيضا أن على الرئيس صالح العمل كثيرا من أجل إرضاء أبناء الشمال أولا وامتصاص نقمة الجنوب ثانيا وإيجاد صيغة تفاهم مع الحوثيين بالإضافة إلى إيجاد مخرج ديموقراطي. سيكون من الخطيئة التمسك بطريقة الحكم القديمة باعتبار أن البلاد لا تقبل التوحد ضده.
هناك تزايد مستمر في عدد قبائل الشمال الناقمة. وهذه ليست أخبار طيبة للرئيس صالح أو لليمن لأن مشاركة قطاع كبير من الشمال ضد النظام دون تخلى الجيش أو قبيلته عنه يعني الوقوع بحرب أهلية. الوضع في اليمن خطير ومن المفضل للجميع تقبل مبادرة الرئيس صالح بدلا من الإصرار على إسقاط النظام الآن. فاليمن ليست مصر والجيش اليمني ليس الجيش المصري. لكن تزايد المنشقين من الشمال يعني أيضا أن معالجة الرئيس صالح ليست كما يجب.
الأردن
يعتبر الأردن متجانسا من الناحية الشعبية أو المذهبية إلا أن التقسيم القسري بسبب إسرائيل ونفوذها واستغلال وصنع فرق بين الشرق أردني والفلسطيني خلق حالة ليست أصيلة لوضع غير منسجم شعبيا مهما حاولنا إنكار ذلك رغم وجود قوى كثيرة وطنية لا تفرق.
تحرك المعارضة سوف يستمر بالمطالبة بتعميق الملكية الدستورية لكن دون تحولات دراماتيكية رغم أن الحركة الأردنية ربما تكون أكثر الحركات جذرية وتقدمية في مطالبها. والسبب أن ظروف الأردن الجيوسياسية والديموغرافية لن تسمح بأكثر من درجة معينة من التغيير تبقيه ضمن المعادلات القائمة. سوف يعتمد هذا إلى درجة كبيرة على محصلة ونتيجة التغيير في مصر.
جماهير متجانسة وأنظمة منتشرة عموديا وأفقيا
سوريا
سوريا متجانسة بشكل عام رغم الطرح بأن النظام طائفي. وحتى لو صدق ذلك فهو لن يغير الأمر كثيرا لأن الطائفة العلوية صغيرة جدا بحيث لا تكفي لإبقاء النظام وعليه يبقى وصف المجتمع بالمتجانس صحيحا لأنه لا يمكن استمرار النظام دون الانتشار العمودي والأفقي بما يغطي جزءا هاما من شرائح المجتمع. الأكراد لا يمثلون وصفة تصلح للتقسيم أيضا.
من الصعب توقع قيام حركة تغيير رئيسة في سوريا رغم بعض التحفظ السني على النظام ورغم أن الولايات المتحدة لا تحفظ ودا للنظام السوري وربما تتمنى تغييره. من الأسباب أن بقاء النظام السوري لا يعتمد كثيرا على دعم الولايات المتحدة ولم يصل الأمر بالنظام إلى درجة الانفصام مع الشعب كحالة مصر. وليست السياسة السورية متعثرة ومتخبطة كما حالة ليبيا. لكن ذلك غير مضمون ومن الأفضل عدم الركون إليه فقد كانت الحركة في ليبيا مفاجئة.
أهم عوامل قوة النظام السوري (مع أنها سبب العداء الغربي الرئيس له) تبقى تبنيه لخط المقاومة ودعم إيران وتركيا وقوى لبنانية رئيسة. لكن أهم ضمانة للموقف السوري واستقراره تتطلب مزيدا من الانفتاح على الشعب والعمل على محو الانطباع بارتباط النظام بأي بعد طائفي.
الجزائر
تركيبة الجزائر متجانسة بشكل عام رغم وجود الأمازيغ والانقسام الرئيس تاريخيا كان سياسيا بين قوى الإسلام السياسي والحكومة ومثلت صراع قوى بين الولايات المتحدة وفرنسا. وعليه يبقى تقييم الجزائر بكيان متجانس قائما. لن تنجر الجزائر إلى صراع رئيس لأنها ببساطة جربت ذلك على مدى 20 عاما ولأن نظام الرئيس بوتفليقة يقوم على حد أدنى من الشرعية الانتخابية والتجاوب مع المطالب الشعبية بشكل متسارع ومن ذلك رفع حالة الطوارئ.
جماهير تحت الاحتلال وأنظمة مقسمة
العراق
العراق محتلة ومقسمة طائفيا وعرقيا وهذا يعني أن دور الجماهير محدود. ورغم أن هناك الكثير من المبررات لمحاولة التغيير الشعبي إلا أن ذلك يبقى متأثرا بمواقف إيران والولايات المتحدة. ورغم أن الولايات المتحدة ربما ترغب بتغيير يبعد العراق عن نفوذ إيران إلا أن النفوذ الإيراني مستمر. وقد كان مفاجأة أن يفتي الخامنئي بعدم جواز المظاهرات في العراق كما ورد في بعض الأخبار.
فلسطين
فلسطين متجانسة شعبيا رغم الاحتلال ورغم كل التقسيم التاريخي والفصل القسري للشعب على مدة 60 عاما بقيت الهوية الفلسطينية ظاهرة وقوية. وهناك أسباب كثيرة لذلك فالشعب متجانس فعلا والاحتلال وتهديد البقاء جعله أكثر التصاقا. واللعب على وتر الشرق أردني وفلسطيني رغم هدفه الأصل المشبوه لإبقاء الطرفين ضمن حالة انعدام وزن إلا انه أيضا خلق دون قصد تمسكا فلسطينيا أكثر بهويتهم رغم أن كل الأمر لم يكن ضروريا أصلا. فوحدة الأردن وفلسطين تاريخ
مقدمة
سرعة التغيرات في المنطقة العربية تحمل في طياتها مشتركات ومختلفات ويحتاج تفصيل الأمر إلى تحليل دقيق لتمييز المختلف والمشترك بينها. وهذا يتطلب قراءة للتركيبة الداخلية لكل دولة وبنفس الأهمية دراسة مجموعة العوامل المحيطة والمؤثرة.
في هذا الجزء سوف نقدم عرضا موجزا لتوقعات كل حالة دون الدخول في تحليل لتفسير النتائج المتوقعة وسوف نقوم بذلك ضمن الجزء الثاني مع الأخذ بالاعتبار أن هناك مواقف اميركية ربما تختلف في دوافعها عن المواقف الإسرائيلية والتي ربما تنعكس على مجمل سياسة الولايات المتحدة في المنطقة لسنوات طويلة قادمة. لكنها أيضا لا تلغي إمكانية السقوط الأميركي مرة أخرى ضمن فلك المصلحة الإسرائيلية ورؤية المحافظين الجدد إذا لم تتطور الثورات بشكل يمنع ذلك أو يجعله صعبا.
وهذا يعني ضرورة اليقظة والحذر الكبير في فهم ما يجري والتعامل معه. والأخذ بالاعتبار خطورة انكفاء الأمر لخدمة مشروع الشرق الأوسط القديم الذي ربما تخلت عنه أميركا الرسمية لكنه مدعوم من دوائر كثيرة ضمن أوروبا والولايات المتحدة والصهيونية.
إن اختلاط الأوراق وسرعة التغيير والتقاء المواقف المتناقضة استراتيجيا ( قوى المقاومة والغرب وأحيانا إسرائيل) يتطلب وعيا غير عادي. لكنه لا يعني أيضا الخوف والشلل أو الاعتقاد بحتمية هيمنة الموقف الغربي أو الصهيوني. إنه فقط يعني أن على الشعوب التي تقود الثورات (بالأساس مصر) معرفة أنها تتحمل مسئولية فوق عادية تؤثر عليها وعلى مجمل الإقليم. بل ربما على مستقبل الثورة العالمية الحديثة والتي أخذت طابعا جديدا يحمل التغيير دون العنف بالاعتماد على وسائل ثورة المعلومات ويقبل الاقتصاد الموزع والحر والذي يرفض الاحتكار وهيمنة متعددة الجنسيات ويحتوي في الأعماق متطلبات نشوء نظام عالمي جديد لما بعد الرأسمالية.
تونس
سقط بن على وتم تشكيل حكومة من بنية النظام القائم والمؤشرات ليست واضحة بعد إن كان المسار نحو تغيير جذري أم مجرد انقلاب بوجه جماهيري. والسبب وجود بقايا مفصلية من النظام السابق في معظم المواقع. ومع أن العوامل الخارجية ( الولايات المتحدة وفرنسا) لا تبدو ظاهرة إلا أنها ربما وضعت حدودا للتغيير بما يضمن مصالحها. وهذا يعني أن ثورة تونس تحتاج إلى عمل مستمر شعبيا وصمود بالحد الأدنى لتحقيق مصالح تونس الوطنية والقومية.
مصر
انسحب مبارك واستلم العسكر الأمر مؤقتا كما يؤكدون احتراما "لإرادة شعب مصر العظيم" وبسبب ضغط مستمر منذ شهر بتنظيم مميز وبتجانس ووحدة وطنية نادرة وبحضارية عالية. لكن الأمر لم يحسم بعد بشكل كاف أيضا. والأسباب كثيرة فمبارك موجود ونصف الحكومة التي شكلها مع رأسها مستمرون بالحكم. ولعل بقاء وزير الخارجية يمثل حالة واضحة لبقاء الرموز السابقة وخاصة بما يتعلق بالسياسة الخارجية. ومع أن ثورة مصر قامت لتغيير جوهري داخلي وتحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية إلا أن العامل الخارجي هام ويتضمن إعادة كرامة مصر وتحييد هيمنة إسرائيل وتحرير السياسة المصرية العربية والإفريقية. وكلها عوامل حيوية لمستقبل ومصير مصر نفسها وليست عوامل تجميلية لتحسين العلاقة بالمحيط.
المسألة الأخرى تتعلق بالقوى التي صنعت الثورة. فهناك عدم وضوح حتى الآن في نسبة وتأثير التيارات المختلفة. وقد حاول الإخوان من خلال تحركات القرضاوي الظهور بمظهر القوة الرئيس. ولكن تحرك القرضاوي ربما خلق ردة فعل سلبية أكثر من خدمة للإخوان أو الوحدة الوطنية. من الأفضل للقوى الداخلية حسم وزنها من خلال الانتخابات فقط ومبروك لمن يقود.
البحرين
قبل ان تلتقط مصر أنفاسها بدأت حركة احتجاج في البحرين يبدو أنها ستظل ضمن إطار الحكم الملكي. ويبدو أن التعبير الطائفي موجود وقائم مهما حاولت القوى التمسك بشعار الوحدة الوطنية في المطالبة بالتغيير. ربما يكون ذلك وارد جزئيا لكن من الصعب تصور تطوره إلى درجة تهديد النظام القائم أساسا على الملكية وهيمنة السنة على مؤسسات الحكم مع بقاء الكثير من الثروة مع الشيعة. وهناك عوامل خارجية مؤثرة استراتيجيا تؤثر على إرادة العمل الداخلي. وتشمل هذه العوامل الولايات المتحدة ودول الخليج وإيران. وفي أفضل الأحوال يمكن تطور النظام ليشبه الحال في الأردن.
اليمن
ويستمر مسلسل اليمن السعيد البطئ نسبيا بالمقارنة مع الحركات الأخرى. ولعل من المستبعد تطور الأمر إلى درجة إسقاط النظام فعلا لأسباب هامة ليس أقلها الخوف من تقسيم اليمن وصعوبة توفر وحدة وطنية شاملة تشبه الحالة المصرية أو التونسية تتفق ضد النظام.
فالحوثيون والحراك الجنوبي لا يملكون أغلبية أصلا وبسبب نزعتهم الانفصالية أو الانعزالية من الصعب توقع تجنيد قوى رئيسة أو دعم جماهيري شامل من أبناء اليمن الشمالي السنة مع الأخذ بالاعتبار حجم قبيلة الرئيس علي عبد الله صالح ونفوذها.
ورغم أن هناك الكثير من التحفظات الشعبية من أبناء اليمن الشمالي على تحول النظام إلى شبه عائلي وتأثيرات الحرب ضد تنظيم القاعدة السني الحضن على موقف الرئيس صالح سلبيا في بعض الأحيان بسبب تداخل ذلك مع العلاقة الاميركية باليمن وسيادته فإن الإصلاح بمواصفات المجتمع اليمني ممكن دون ضرورة الدخول بمعركة إسقاط النظام لأن تلك المعركة لن تنجح أولا ولأن هناك مخاطر تحقيق انقسام البلاد فقط.
لكن هذا يعني أيضا أن على الرئيس صالح العمل كثيرا من أجل إرضاء أبناء الشمال أولا وامتصاص نقمة الجنوب ثانيا وإيجاد صيغة تفاهم مع الحوثيين بالإضافة إلى إيجاد مخرج ديموقراطي. سيكون من الخطيئة التمسك بطريقة الحكم القديمة باعتبار أن البلاد لا تقبل التوحد ضده.
ليبيا
انفجر الوضع في ليبيا بشكل سريع جدا وغير متوقع. وعند الأخذ بالاعتبار تركيبة ليبيا القبلية وضعف وجود بنية مجتمع مدني بالمعنى التقليدي ولأن معظم عوامل القوة والمال يتحكم بها القذافي من المفاجأة ظهور حركة مستمرة. والحقيقة أن الأمر في ليبيا غير واضح حتى الآن رغم سيطرة المعارضة على معظم الشرق والتنافس بشكل قوي في الغرب.
لا شك أن هناك معارضة قوية للنظام ومن الأفضل الاعتراف أن قدرة القذافي على تجييش الجماهير محدودة وقد تبين أن كثيرا من أركان النظام والمؤسسات الحكومية لا توالي القذافي بما يكفي.
بالمقابل لا يبدو أن كل ما يذاع في وسائل الإعلام من سيطرة الثوار على معظم المدن دقيق أو محسوم. وليس من الواضح أيضا أن العنف يحصل من قبل قوات النظام فقط. فهناك أكثر من تقرير يشير إلى استخدام العنف من قبل الطرفين. ويبدو أن هناك مؤثرات جغرافية رئيسة وتأثير للنظام الملكي السابق والمعارضة المتمركزة في أوروبا.
ومع أن القذافي يحاول تفسير مجمل الأمر بتحريض القاعدة وثورة المهلوسين إلا أن ذلك غير مقنع لأن القاعدة ليست بارزة في الأحداث رغم أنها أيدت. ولكن الإخوان المسلمين وإيران وحزب الله أيدوا أيضا بل إن معظم القوى الإقليمية أيدت الثورة عليه. من الواضح أنه لا يمتلك الكثير من الأصدقاء في المنطقة.
في نفس الوقت علينا الاعتراف أنه لا يجد الكثير من الأصدقاء في الغرب بل إن إسرائيل لا تخفي سعادتها باحتمال سقوطه. وهذا يعني أن بقاءه ليس مرتبطا بالغرب أو إسرائيل وهذا يختلف عن الحالة المصرية. الحقيقة أنه يمثل حالة فريدة تليق به فهو الوحيد الذي تتفق ضده كل من إيران وحزب الله والإخوان المسلمون والقاعدة وفرنسا واسرئيل بشكل غير قابل للشك. طبعا لكل أسبابه لكن هذا يعني أيضا أن المسألة ملغومة وخطرة.
ومع أن القذافي قد حصر نفسه كثيرا في السنوات العشر الماضية وسمح لهيمنة ابنائه على مقاليد الحكم بحيث تحول الحكم إلى عائلي أيضا. ورغم أن وسائل القذافي في التعبير ونظرياته في الحكم والإدارة تبدو غريبة عن العرف العام في العمل السياسي أو حتى الثوري إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة انتشار النظام بشكل عمودي وأفقي ضمن مساحات جغرافية هامة بغرب ليبيا والصحراء. وهذا يجعل إمكانية الحسم على الطريقة المصرية غير محتمل. والخوف أن ينتهي الأمر بانقسام البلاد لفترة قد تطول.
ومع الأخذ بالاعتبار تعدد مواقف القذافي التاريخية من قضايا كثيرة في العالم فليس من السهل توقع توفر دعم حاسم للمعارضة بنفس مقدار صعوبة توفير دعم للقذافي أيضا بما يضمن الوحدة الوطنية والجغرافية. طبعا الحكم في كل هذا يبقى للشعب الليبي فإن توفرت لدية إرادة الوحدة الوطنية سوف يخرج من الأزمة لكن المؤشرات غير مطمئنة حتى الآن.
ومع الاعتبار أن القذافي وليبيا قد قطعا في السنوات الأخيرة شوطا من العلاقات الاستراتيجية مع أوروبا وتحديدا ايطاليا فربما يفسر هذا التردد الأوروبي وربما الأميركي في حسم الموقف باستثناء ايطاليا التي يبدو أنها اقرب لدعم النظام. هناك عوامل أخرى لا تصب باتجاه حتمية سقوط النظام.
المغرب
وتبدو كبادرات مترددة لتصعيد الوضع. والمغرب من الناحية المدنية والشعبية يمكن أن يتحد في موقف شبيه بتونس أو مصر لأن الفقر في المغرب كبير جدا والمجتمع المدني موجود بشكل يسمح للتنظيمات المدنية القيام بدور توحيدي. لكن غير الواضح هو مدى توفر دعم من أي جهة دولية لهذا التغيير وعليه لا يبدو أن الشعب وصل إلى نقطة اللاعودة.
الأردن
يبدو أن تحرك المعارضة سوف يستمر بالمطالبة بتعميق الملكية الدستورية لكن لن يكون هناك تحولات دراماتيكية رغم أن الحركة الأردنية ربما تكون أكثر الحركات جذرية وتقدمية في مطالبها. والسبب أن ظروف الأردن الجيوسياسية والديموغرافية لن تسمح بأكثر من درجة معينة من التغيير تبقيه ضمن المعادلات القائمة. لكن هذا سوف يعتمد إلى درجة كبيرة على محصلة ونتيجة التغيير في مصر.
العراق
العراق محتلة ومقسمة طائفيا وعرقيا وهذا يعني أن دور الجماهير محدود. ورغم أن هناك الكثير من المبررات لمحاولة التغيير الشعبي إلا أن ذلك يبقى متأثرا بمواقف إيران والولايات المتحدة. ورغم أن الولايات المتحدة ربما ترغب بتغيير يبعد العراق عن نفوذ إيران إلا أن النفوذ الإيراني مستمر. وقد كان مفاجأة أن يفتي الخامنئي بعدم جواز المظاهرات في العراق كما ورد في بعض الأخبار.
الجزائر
لن تنجر الجزائر إلى صراع رئيس لأنها ببساطة جربت ذلك على مدى 20 عاما ولأن نظام الرئيس بوتفليقة يقوم على حد أدنى من الشرعية الانتخابية والتجاوب مع المطالب الشعبية بشكل متسارع ومن ذلك رفع حالة الطوارئ.
دول الخليج:
من الصعب ظهور حركات احتجاج في السعودية وقطر والإمارات وربما يحصل بعض الحراك في عمان أو الكويت لكن ضمن حدود كبيرة. ومن الصعب توقع تحرك في هذه الدول دون دعم صريح لذلك من قبل الولايات المتحدة أو بريطانيا تحديدا. وليس هناك مؤشرات لتحرك شعبي رغم أن الولايات المتحدة ربما تضغط على الأنظمة لتحسين وضعها بخصوص الحكم وتناوب السلطات.
السودان
تصويت انفصال الجنوب كان صدمة كبيرة للسودانيين لكن ذلك كان متوقعا. ويبدو أن السودانيين قد وصلوا لحالة قبول عامة للأمر الجديد. لكن هذا يحمل في طياته أيضا حرصا غير عادي من الشمال لعدم التورط في صراع داخلي يمكن أن يسرع انفصال دارفور. وعليه لا أتوقع ثورات احتجاجية في السودان بالمعنى الشعبي وأي تحرك ربما يحمل مظاهر تهديد للأمن وحركات تمرد إثنية أو مناطقية.
سيكون هناك تأثير استراتيجي لنتائج الثورة المصرية على السودان. فإن حسمت باتجاه المبادئ الناصرية (القومية والعدالة الاجتماعية) بمظهر وإخراج ديموقراطي وحر (وهذا أقصى المتوقع من الثورة المصرية لكنه ممكن) فسوف تكسب السودان كثيرا وسيتم الوصول إلى صيغة تحقق أمن مصر المائي وأمن ووحدة السودان رغم الانفصال. فمصر واثقة من نفسها في أفريقيا سوف تهزم معظم مشاريع إسرائيل للحصار ضمن دول حوض النيل. وعند ذلك لن تجد دولة جنوب السودان الناشئة دافعا لتكون معادية للسودان أو مصر وستكون خسائر الانفصال بالحد الأدنى.
سوريا ولبنان:
من الصعب توقع قيام حركة تغيير رئيسة في سوريا رغم بعض التحفظ السني على النظام ورغم أن الولايات المتحدة لا تحفظ ودا للنظام السوري وربما تتمنى تغييره. من الأسباب أن بقاء النظام السوري لا يعتمد كثيرا على دعم الولايات المتحدة ولم يصل الأمر بالنظام إلى درجة الانفصام مع الشعب كحالة مصر. وليست السياسة السورية متعثرة ومتخبطة كما حالة ليبيا. لكن ذلك غير مضمون ومن الأفضل عدم الركون إليه فقد كانت الحركة في ليبيا مفاجئة لكثير من المراقبين.
أهم عوامل قوة النظام السوري (مع أنها سبب العداء الغربي الرئيس له) تبقى تبنيه لخط المقاومة ودعم إيران وتركيا وقوى لبنانية رئيسة. لكن أهم ضمانة للموقف السوري واستقراره تتطلب مزيدا من الانفتاح على الشعب والعمل على محو الانطباع بارتباط النظام بأي بعد طائفي.
أما لبنان فمن الواضح أنها استطاعت الصمود ضد المشروع الأميركي والإسرائيلي أيام قمة الهيمنة الأميركية في المنطقة. ولا شك أن قوى المقاومة تسود في لبنان بشكل عام. وعليه لا أرى انقساما ممكن أكثر مما حصل سابقا بل ربما تكون هناك تفاهمات أفضل من أي وقت مضى. من المتوقع خفوت نجم الحريري وحلفه بسرعة وعلى السنة في لبنان العمل على التأقلم مع ذلك مع الاعتبار أن ضعف الحريري لا يعني ضعف السنة. فتاريخيا كان السنة من قاد المعركة القومية والمقاومة وعليهم العودة لذلك الخندق. وهذا ممكن لهم الآن بتكاليف أقل من أي وقت مضى.
فلسطين
وهذا يحتاج لتحليل دقيق وعميق لأن كل العوامل تتشابك في الحالة الفلسطينية وإرادة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وخياراته محدودة ولأن الشعب متردد كثيرا في حسم أموره بعد سنوات عجاف من الانقسام والتشرذم. سوف نتطرق لهذا ضمن مقالة منفصلة.
سيعتمد مستقبل العلاقات الفلسطينية الداخلية كثيرا على نتائج الثورة المصرية وهذا يشمل إنهاء الانقسام وتغيير توجهات فتح وإعادة رسم خارطة القوى السياسية الفلسطينية في الداخل والخارج. من الخطأ طبعا انتظار الفلسطينيين حتى تظهر معالم الموقف المصري لأن بإمكان القوى الشريفة والوطنية بدء العمل لتحقيق أقل حد من الاتفاق دون الدخول في تفاصيل طويلة أو الخوف من متطلبات كبيرة.
وأقل هذه المتطلبات إعلان قبول الإعداد لانتخابات مجلس وطني لكل الشعب في الداخل والخارج يكون مصدر الشرعية للجميع ويتم أينما أمكن من كل مناطق تواجد الشعب الفلسطيني. والاتفاق على صيغة حكم انتقالي مشترك دون الدخول بالقضايا الخلافية لتسيير أمور الضفة وغزة. وعدم استثمار الكثير من الجهد في مسيرة المفاوضات فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تستحق منها إغضاب إسرائيل ولو بقرصة أذن.
وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة فقدت اهتمامها بالعملية السياسية وإنما فقط أنها لا تعتقد بصلاحية النمط السابق أن يؤدي إلى شيء. وربما تراهن على التغييرات الإقليمية لوضع شروط جديدة. وهذا يعني أن تركيبة الشعب الفلسطيني السياسية الحالية لا تستطيع تحمل الواقع الجديد. وعليها التغير حسب أعلاه.
الأسباب والتوقعات
لكل حالة من حالات المنطقة عوامل وضعها الداخلي والمحيط الخارجي وبناء على هذه العوامل يمكن توقع تطور الأمور وتحديد المواقف. سيعتمد كل ذلك على تطور الثورة العربية بشكل أكثر حكمة وحسم مفاصل جوهرية. وهذا ما سنقوم بدراسته في الجزء الثاني الذي يشمل تصورا لعوامل التأثير الخارجية والداخلية لكل دولة وظاهرة الدومينو التي تحرك المسار بنسبة أو أخرى.
وتبقى أسئلة: ما هي أسباب التحولات الكبيرة ولماذا الآن. وهل هي خير خالص أم تحمل في طياتها مخاطر وتحديات تصل في حالة عدم الحذر إلى إمكانية الانقلاب وربما تسهيل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدأه بوش. ورغم تشكك إدارة أوباما الكبير بجدوى أو قيمة ذلك المشروع إلا أن نفوذ الدوائر الصهيونية والمحافظين في أميركا لا يلغي ذلك الاحتمال. هناك مخاطر حقيقية على مجمل حركة التغيير مع أن كفة التغيير الإيجابي هي الأرجح.
قدمنا عرضا لتوقعات كل حالة عربية دون الدخول في تحليل لتفسير النتائج المتوقعة. وقد تطابقت التوقعات مع تطور الوضع بشكل كبير نسبيا مما يشجعنا على طرح لتفسير التوقعات وتعميق الفهم لكل حالة من حالات التغيير القائمة وعدم الوقوع بخطأ التعميم المتسرع.
اختلاط الأوراق وسرعة التغيير والتقاء المواقف المتناقضة استراتيجيا ( قوى المقاومة والغرب وأحيانا إسرائيل) يتطلب وعيا غير عادي. لكنه لا يعني أيضا الخوف والشلل أو الاعتقاد بحتمية هيمنة الموقف الغربي أو الصهيوني. إنه يعني أن على الشعوب التي تقود الثورات (بالأساس مصر) معرفة أنها تتحمل مسئولية فوق عادية تؤثر عليها وعلى مجمل الإقليم بل ربما على مستقبل الثورة العالمية الحديثة. وهو يعني أيضا أن لسوريا والجزائر وتركيا أدوارا مميزة لأسباب نتطرق لها تميزها عن غيرها لا بد من العمل بها لحماية مستقبل المنطقة.هناك استخلاصات من كل ما نرى نضعه في نهاية الدراسة.
لكل حالة عوامل وضعها الداخلي والمحيط الخارجي التي تؤثر على تطور الأمور وتحديد المواقف. سندرس هذه العوامل لكل دولة فوق ظاهرة الدومينو التي تحرك المسار بنسبة أو أخرى.
أولا: مواقف القوى الخارجية
قوى فعالة ومؤثرة ولها مصالح وبعد استعماري ( الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل)
الولايات المتحدة
ضمن استراتيجية كونية للتحكم وعلاقة خاصة بإسرائيل هناك موقفان:
الموقف الأول: يميل لترسيخ المصالح الكونية لأميركا فوق مصالح إسرائيل وضرورة خضوع العلاقة معها للتقييم الاستراتيجي. القوى الفعالة: البيت الأبيض (أوباما) والجيش ومنظمات مدنية وحقوقية وبعض المؤسسات الاقتصادية والصناعية والعسكرية.
الموقف الثاني: يميل لترسيخ مصلحة إسرائيل فوق أي مصالح تحت شعار استحالة تناقض المصلحة الاميركية مع إسرائيل وأنها ذخر دائم لأميركا. القوى الفعالة: اللوبي الصهيوني والكونغرس وقيادة الحزب الجمهوري والإعلام وبعض المراكز الفكرية والمؤسسات المالية.
وبشكل عام يتراوح الموقف الأميركي النهائي بين الموقفين بنسبة تأثير متقاربة. وبسبب ذلك يعتمد حسم أي خطوة على عوامل التأثير الدولية اللحظية أحيانا. مما يجعل الموقف الأميركي عرضة للتذبذب أكثر من أي وقت مضى وهذا مؤشر ايجابي وسلبي في نفس الوقت.
وحسب هذا التحليل فقد سادت وجهة نظر الموقف الأول بما يتعلق بمصر وتونس وتتأثر كثيرا بدوافع الموقف الثاني بما يتعلق بليبيا واليمن. وليس هناك فرق كبير بما يتعلق بدول الخليج والمغرب. وهناك تفاوت كبير بما يتعلق بسوريا ولبنان وفلسطين وتركيا. فالموقف الأول يعتقد بإمكانية كسب هذه القوى بينما الثاني يدعو للمواجهة.
بريطانيا
الميل لتبني سياسة موالية للموقف الأميركي الثاني والموالي لإسرائيل مع الاعتقاد أن ذلك يمثل أفضل الطرق لتحقيق مصالح بريطانيا التاريخية والاستراتيجية. ومن غير المحتمل خروج قوى مناوئة للنفوذ الصهيوني. وهذا موقف يعبر عن ضالة لا تليق بدور بريطانيا العظمي. والحقيقة أن السياسية البريطانية متهالكة وكاذبة بشكل كبير ولا يبدو هناك أمل بصلاحها إلا بتغيير الموقف الأميركي لأنها منقادة له وليس هناك سياسة مستقلة في الواقع.
وبذلك يمكن فهم الترابط مع السياسات الإسرائيلية رغم أن تحليلها الاستراتيجي يختلف. وهي تساعد في العادة على حسم الموقف الأميركي بالاتجاه الموالي لإسرائيل رغم أن ذلك لم يكن ضروريا معظم الوقت.
وبما يتعلق بقضايا المنطقة العربية فهي تؤيد بتحفظ التغيير في مصر ولا دور لها بتونس وربما هي المحرك الأول في دعم التحرك في ليبيا. بل ربما هي من جند فعليا دول الخليج والجامعة العربية لاحقا بنفس الاتجاه لدعم تدخل دولي. طبعا استفادت بريطانيا من دعم غير محدود لموقفها من قبل الموقف الثاني في الولايات المتحدة والموقف الفرنسي. والدور البريطاني والفرنسي خطير في دفع أوباما للتورط في ليبيا وتهديد توجهات الثورة في مصر في هذه المرحلة المبكرة.
فرنسا
بعد الحرب العالمية وانتهاء حقبة الاستعمار المباشر وخاصة في الفترة الديغولية مالت فرنسا لسياسة مستقلة عن الولايات المتحدة وبشكل يخدم مصالحها المباشرة وأبدت انفتاحا على حركات الاستقلال لكن بشكل انتهازي. وهي ذات تأثير محدود على السياسة العالمية.
بعد ساركوزي اقتربت السياسة الفرنسية كثيرا من التصور الصهيوني العالمي لكنها لم تصل إلى درجة التماهي بسبب وجود تيارات قوية في فرنسا تقاوم مثل هذا الاتجاه. بخصوص ليبيا فالموقف المبالغ في دعمه دون مبرر حقيقي لخدمة مصالح فرنسا يعكس ولاء ساركوزي للصهيونية أكثر منه موقفا فرنسيا خالصا.
إسرائيل
ومع أنها دولة صغيرة الحجم ولا تملك الكثير من الوزن الاستراتيجي الذاتي ووجودها وعدمه لا يؤثر على تركيبية القوى العالمية واقعيا إلا أن وزنها الرئيس ينبع من نفوذ الحركة الصهيونية الكبير على الموقف الأميركي والأوروبي بشكل عام وعلى الروسي بشكل متقلب.
إسرائيل دولة طفيلية لا يمكنها الاستمرار بخلفيتها الفكرية وطبيعتها الطفيلية وتركيبتها العنصرية إلا من خلال توفر حاضنة تضخم دورها الإقليمي من خلال علاقات عضوية وابتزازية مع مراكز القرار الدولي. وهي نجحت كثيرا في ذلك.
وتميل إسرائيل إلى العدوانية والرغبة في التقسيم المستمر والتجزئة للمنطقة العربية ولا تقبل وجود نظام عربي حقيقي ووطني. وهي تعادي كل الحركات المخلصة وتتحالف وتدعم الحركات الموالية لها فقط. وتمارس نفوذها بخيوط خفية عن الجمهور من خلال دراسة المسائل الاستراتيجية وفهمها بشكل عميق والعمل على التأثير عليها من خلال فهم واستغلال توازن القوى ووزنها المحلي والدولي للتأثير بطريقة مركزة.
وبما يتعلق بالموقف الراهن فهي تتحفظ كثيرا على الثورة في مصر. ومع أنها راهنت في البداية على إمكانية احتواء الموقف من خلال بدائل من صلب النظام إلا أن ذلك انتهي فيما يبدو بعد سقوط حكومة شفيق وزوال معالم النظام السابق وهذا يعني لإسرائيل معركة مفصلية. وهي تميل لانتقاد أوباما وتتهمه بإيصال الأمر في مصر لهذه الدرجة الخطيرة.
وعليه هناك فرضية أنها ربما ساعدت وحرضت بريطانيا وفرنسا على تفجير الموقف في ليبيا بهذه المرحلة المبكرة قبل تشكل وتصلب الموقف المصري مراهنة على أن النظام الليبي سيقاوم بما يكفي لانقسام البلاد وتكون حرب أهلية تجعل ليبيا دولة فاشلة وما يحمل ذلك من إرباك وتهديد لمستقبل مصر فوق انه مدخل يحقق استراتيجية الموقف الأميركي الثاني المتعلق بالنفط وتشكيل الشرق الأوسط الجديد كما عمل بوش له على مدى فترة حكمه.
وعلى هذا فالموقف من ليبيا مثل نقطة تحول خطرة في مسار الثورات التي نجحت بطرق سلمية وبأغلبية شعبية كاسحة ضد الأنظمة وموقف معتدل من الجيش. عكس كل هذا تماما ما حصل في ليبيا فعلا.
وتعمل إسرائيل بنفس الوقت على فتح قنوات مع نظام الحكم في ليبيا في فترة "زنقته" بما يسمح لها بالكسب في كلا الاحتمالين. وكما يبدو حتى الآن فاستراتيجية بريطانيا والموقف الأميركي الثاني ما يحرك معادلات ليبيا رغم أن ذلك غير مؤكد الاستمرار لأسباب أهما موقف الجيش الأميركي المتحفظ ونتائج الميدان في ليبيا.
تتمنى إسرائيل ثورة مشابهة في سوريا وإيران ولا تمانع من أخرى في السعودية لكنها لا تراهن كثيرا على حصول ذلك إلا إذا انكفأت الثورة المصرية بسبب قوى الثورة المضادة داخلها والوضع في ليبيا.
قوى ذات وزن واهتمامات استثمارية ونفوذ أقل (روسيا والصين والهند وبعض أوروبا)
هذه الدول لا تميل حاليا لممارسة دور سياسي فعال بحكم عدم الرغبة في مواجهة الهيمنة الاميركية أو بسبب اختراق نسبي لمؤسسات القرار لديها من قبل قوى أخرى.
روسيا:
تنقسم إلى موقفين بشكل عام أحدهما ميال لسياسة روسية مستقلة عن الغرب وواثقة من نفسها وأهم عنوان بوتين والخارجية الروسية والدوما. وتيارات أخرى تميل إلى التماهي مع الموقف الصهيوني بشكل عام وعناوينها غير واضحة مع أن موقف مديفايف يتقاطع مع هذه السياسة في كثير من الأحيان. من الصعب التنبؤ بالموقف الروسي مع الميل لتحفظه على توسيع التدخل الدولي في المنطقة.
بالنسبة لمصر أبدت بعض الدوائر درجة من التحفظ على التغيير ولم يكن واضحا هل هو صدى لقلق إسرائيل أم غير ذلك. بالنسبة إلى ليبيا يبدو أن الموقف الروسي الأول ما يسود حتى الآن رغم انه غير مضمون بسبب احتمالات إغراءات غربية ذات وزن.
الصين والهند
الموقف الصيني ليس مركزيا مع أن لدى الصين الكثير من المصالح وهي بالتأكيد لا ترغب في رؤية ليبيا تقع في براثن الغرب لكن كالعادة لن تبادر الصين لأكثر من اعتراضات وسيكون مفاجأة إن استخدمت الفيتو. نفس الأمر يتعلق بالهند.
أسبانيا
أسبانيا لا تملك تأثيرا كبيرا على السياسية الدولية وهي بمعظم القضايا اقرب للموقف العالمي المتوسط بما عدا بعض القضايا المتعلقة بالمغرب وموريتانيا والصحراء.
ألمانيا وايطاليا
تحاول التأقلم مع واقع العالم ولديها اهتمامات كبيرة بالاستثمار. ومع أن ميركيل أميل للسياسات الموالية للصهيونية إلا أن موقف ألمانيا العام لا يميل لأي دور عسكري بسبب اعتمادها المباشر على النفط الليبي ونفس الأمر يتعلق بايطاليا لكنهما في النهاية تابعان للموقف الذي تتخذه أميركا وبريطانيا وفرنسا.
قوى ذات قيمة أخلاقية ولديها اهتمامات مشابهة للتحرر من الاستعمار
أميركا اللاتينية
وهي دول ذات طبيعة قريبة للعرب من ناحية الإرث الاستعماري وطبيعة الشعب المختلطة من العنصر الأوروبي والأصلي والأسود. وهي حركات تتعامل بشكل كبير من الشك تجاه الشمال ولديها الاستعداد للتعامل مع العرب من منظور المساواة الإتسانية وتعتبر الجماهير العربية حليفا طبيعيا لها. وهذه القوى تميل لدعم أي تغيير جماهيري يعارض الهيمنة الأوروبية وليس لديه ود أو نفوذ إسرائيلي كبير. وعلى هذا الأساس ليس مفاجئا تحفظ كاسترو وتشافيز وبدرجة أقل البرازيل على التصعيد ضد ليبيا.
قوى مؤثرة بحكم الجغرافيا أو التاريخ المشترك (الدول العربية وتركيا وإيران وأفريقيا)
الدول العربية:
ليس هناك موقف واحد يجمع الدول العربية بل هناك انقسام حاد فعلا ربما لا نرى شدته الحقيقية بسبب تقاطعات ومخاوف عربية كبيرة. وقد تميز الموقف العربي بالتحفظ من الثورتين المصرية والتونسية وبانقسام ملكي ضد ليبيا واليمن وجمهوري بعكس ذلك. طبعا من الصعب توقع موقف مصري قوي في هذه المرحلة الحرجة لكن من الواضح أن دول الخليج تميل للتخلص من القذافي وتدعم اليمن بدرجة قليلة وتقاتل مع البحرين. أما سوريا والجزائر فتميل للتحفظ على الموقف ضد ليبيا وللحياد في اليمن والبحرين.
ورغم أن الموقف العربي مائع إلا أن قيمته تنبع من خدمته لتمرير مواقف دولية أخرى وهذا ما حصل مع حالة قرار الجامعة العربية الذي طالب مجلس الأمن الدولي بفرض حظر الطيران فوق ليبيا. وهو موقف هزيل وضعيف وغير قانوني في الحقيقة وقيمته الوحيدة ربما التجاوب مع فرنسا وبريطانيا وجزئيا أميركا أكثر منه موقفا ذاتيا.
تركيا وإيران
ومع أن هذه القوى تحمل إرثا سلبيا نسبيا تجاه العرب كل لأسبابه ( تركيا بحكم العلاقة زمن الدولة العثمانية والسلبية الاتاتوركية تجاه العرب والمسلمين بشكل عام- وإيران بسبب البعد القومي والطائفي) إلا أن هناك تيارات حقيقية في كلا الدولتين تؤمن بضرورة تنسيق الجهد ضمن دائرة الإسلام الموسع وإقليم الشرق المتوسط لحماية المنطقة وتحريرها من الهيمنة الغربية ولحصار دور إسرائيل التخريبي.
وبحكم قرب تركيا الاستراتيجي من مؤسسات الغرب الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي وإسلامها السني المعتدل فهي أكثر واقعية ودقة في دعمها للتغيير وفي التمييز وفهم الفروق بين الثورات العربية. وبشكل عام يعبر موفقها بشكل جيد عن المصلحة الإقليمية والإسلامية للمنطقة. وهذا يفسر حماسها للثورة المصرية ودعمها للتونسية وتحفظها على الليبية واليمنية. مما يعكس فهما عميقا للدوافع لكل حالة أفضل بكثير من الفهم العربي الجمعي العقيم.
أما إيران فلديها مقاييس تختلف نسبيا وهي تعتبر إسرائيل والولايات المتحدة خصمان متطابقان لا يمكن التفريق بينهما وتميل لدعم أنظمة أقرب لها عقائديا أو طائفيا ولا تقرأ التفاوت بين الحالات كما تركيا. وهي تميل بالمحصلة إلى دعم تغيير إقليمي غير موالي للغرب. لكن تقييمها التفصيلي للأمور يتأثر بمواقفها القومية أو الطائفية ( دعم الثورات في البحرين وليبيا والحوثيين).
أفريقيا
أفريقيا فقيرة وللعرب نفوذ كبير فيها على مدى التاريخ. والأنظمة العربية غير الموالية للغرب تجد عادة حلفاء في أفريقيا ومع أن كثيرا من الأنظمة الأفريقية أسوأ من الأنظمة العربية إلا أن هناك رأيا عاما أفريقيا يميل للتناغم مع سياسية عربية مستقلة عن الغرب. ثورة مصر وتوجهاتها تميل إلى ترسيخ هذا الدور مع أن التغيير في ليبيا يصنع العكس. وعليه نرى قبولا للتغيير في مصر وتونس وتحفظا كبيرا من التدخل الدولي في ليبيا. من المستبعد رغم ذلك تطور موقف صلب للاتحاد الأفريقي يصنع فرقا جوهريا.
ثانيا: المؤثرات والعوامل الداخلية
ندرس هنا حالات الشعوب والأنظمة العربية المختلفة من ناحية التناغم الشعبي والوحدة الوطنية والموقف من النظام في كل حالة. وقد تطرقنا لذلك ضمن الجزء الأول وسنحاول هنا ذكر العوامل دون تفصيل إلا في حالة ليبيا لما لها من أهمية.
1- جماهير متجانسة وأنظمة بشريحة فوقية رقيقة
وهي دول تتميز بالتناغم الشعبي الطبيعي وبأنظمة حكم منعزلة نسبيا عن الشعب لأسباب أهمها سياسية واقتصادية ولديها فقر منتشر وليس هناك انتشار عمودي عميق للنظام يقوم على بنى طائفية أو عرقية قوية تسمح له بالركون إليها. وعليه فهي أسهل النماذج لنجاح الثورات شريطة توفر حد أدنى من الحياد الخارجي أو الدعم المعنوي.
مصر
تمثل حالة شبه مثالية من تجانس شعبي وانقسام طبقي حاد ووحدة ثقافية وعزلة للنظام القائم لأسباب داخلية أو خارجية بحكم مهادنة النظام لأميركا وخدمته للدور الإسرائيلي. وتطورت الثورة بشكل شبه مثالي وقد درسنا ذلك سابقا.
وعليه أتوقع أن تستمر الثورة بشكل ايجابي وتصل إلى مرحلة من الاعتداد والانفصال عن الموقف الإسرائيلي خلال فترة عامين. لكن ذلك سيعتمد على نوعية التغيير في المناطق الأخرى. وأهم تهديد لمستقبل الثورة المصرية يكمن خطر انقسام ليبيا أو تحولها لدولة فاشلة.
تونس
تشبه مصر إلى حد كبير وتختلف في الوزن الإقليمي فقط. وتميل تونس للقيام بدور ايجابي لكنه سيكون أقل بروزا من الموقف المصري مع بقاء تأثير كبير لفرنسا.
المغرب
المغرب دولة مؤهلة لحالة شبيه بمصر من الناحية الداخلية. فهناك طبقة حاكمة غير سميكة وهناك نفوذ استعماري كبير على النظام. الفرق الرئيس عن مصر وتونس هو عدم توفر حاضنة غربية تقبل التغيير.
2- جماهير غير متجانسة اثنيا أو طائفيا وأنظمة منتشرة عموديا وأفقيا:
وبحكم عدم تجانس الجماهير من السهل الوقوع بخطأ التقدير بأن المعارضة واسعة والنظام معزول. درجة التجانس تتفاوت بين هذه الدول فاليمن هي الأقرب للتجانس لكن هناك فروقا جغرافية وطائفية تمنع اعتباره من المجموعة الثالثة. أنظمة هذه المجموعة أقدر على البقاء ومن الصعب نجاح ثوراتها الشعبية إلا بتدخل خارجي أو انقلابات عسكرية.
ليبيا:
حالة ليبيا خطيرة وتهدد مستقبل مجمل الحركات العربية وخاصة مصر وتونس. وعند الأخذ بالاعتبار تركيبتها القبلية وضعف المجتمع المدني بالمعنى التقليدي ولأن معظم عوامل القوة بيد النظام من المفاجئ ظهور حركة مستمرة. لا شك أن هناك معارضة قوية للنظام ومن الأفضل الاعتراف بذلك. وقد تبين أن كثيرا من أركان النظام لا توالي القذافي بما يكفي.
بالمقابل لا يبدو أن ما يذاع من سيطرة الثوار على البلاد وشعبيتهم دقيق أو محسوم. وليس من الواضح أيضا أن العنف الذي يحصل من قبل قوات النظام يختلف عن العنف الذي تقوم به قوات الثوار. ربما ما ينتجه النظام أكثر بحكم تفوق أسلحته لكن كلاهما يمارس العنف أينما يعتقد ذلك مناسبا. لقد فقدت حركة التغيير في ليبيا مبكرا طابعها السلمي والشعبي وتورطت بحرب عصابات تعطي النظام مهما تم وصفه بالقسوة أو الدكتاتورية الحق حسب القانون الدولي الدفاع عن نفسه وعن وحدة البلاد الجغرافية.
يبدو أن هناك مؤثرات جغرافية رئيسة وتأثير للنظام الملكي السابق والمعارضة المتمركزة في أوروبا على مجمل مقومات الثورة. ومع أن القذافي حاول اختصار مجمل الأمر بتحريض القاعدة وثورة المهلوسين إلا أن ذلك غير كاف لأن القاعدة غير بارزة رغم تأييدها. فالإخوان المسلمون وإيران وحزب الله أيدوا أيضا بل إن معظم القوى الإقليمية أيدت الثورة عليه.
في نفس الوقت فهو لا يجد الكثير من الأصدقاء في الغرب بل إن إسرائيل لا تخفي شماتتها باحتمال سقوطه. وهذا يعني أن بقاءه ليس مرتبا بدعم الغرب وإسرائيل بل بالرغم عنه. الحقيقة أنه يمثل حالة فريدة تليق به فهو الوحيد الذي تتفق ضده كل من إيران وحزب الله والإخوان المسلمون والقاعدة وبريطانيا وفرنسا واسرئيل بشكل غير قابل للشك. طبعا لكل أسبابه لكن هذا يعني أيضا أن المسألة ملغومة وخطرة.
ومع أن القذافي قد حصر نفسه كثيرا في السنوات العشر الماضية وسمح لهيمنة أبنائه على مقاليد الحكم بحيث تحول الحكم إلى عائلي أيضا. ورغم أن وسائل القذافي في التعبير ونظرياته في الحكم والإدارة تبدو غريبة عن العرف العام في العمل السياسي أو حتى الثوري إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة انتشار النظام بشكل عمودي وأفقي ضمن مساحات جغرافية هامة بغرب ليبيا والصحراء.
الخوف طبعا أن ينتهي الأمر بانقسام البلاد لفترة قد تطول. فعند الأخذ بالاعتبار تعدد مواقف القذافي التاريخية من قضايا كثيرة في العالم ليس من السهل توقع توفر دعم للمعارضة يحقق حسما شعبيا أو عسكريا بما يضمن الوحدة الوطنية والجغرافية. بل هناك أصدقاء له من أميركا اللاتينية وأفريقيا وبعض الدول العربية. وهناك تحفظات كبيرة من قبل روسيا والصين على تصعيد وتدخل خارجي. وحيث أن ليبيا قطعت في السنوات الأخيرة شوطا من العلاقات الاستراتيجية مع أوروبا وتحديدا ايطاليا ربما يفسر هذا التردد الأميركي في حسم الموقف.
من الواضح أن القذافي يمتلك دعما ضمن الجيش والقبائل والتمويل والعتاد يسمح له حسم المعركة لصالحه. ويبدو أن مصير ثورة ليبيا أصبح مرهونا بدعم غربي يتجاوز حتى الحظر الجوي الذي تطالب به قوى المعارضة. من الصعب قبول استعانة الثوار بالدعم الغربي لإسقاط نظام تتهمه بالارتباط بالغرب والدكتاتورية معا.
نجحت مصر في المعركة لأن أقصى ما طلبته من العالم كان عدم التدخل. أما في ليبيا فمنذ أول يوم طالبت قوى المعارضة بالدعم الدولي وتريدها حربا وليس ثورة شعبية سلمية ترسخ مدى الدعم الجماهيري لها مما يؤهل شرعيتها. من الصعب قبول التبرير أن القذافي دموي ولا يسمح للمظاهرات وللشعب التعبير عن نفسه رغم إمكانية صحة ذلك. لأن قدرته تعكس حقيقة أن النظام مدعوم من قطاعات كافية من الجيش والشعب للوقوف ضد قوى الثورة المسلحة والمدعومة دوليا بشكل غير مسبوق. المعارضة في ليبيا تعتبر مدللة مقارنة بالثورات الشعبية.
يبدو أن فرص نجاح ثورة ليبيا قليلة لأسباب كثيرة أهمها عدم وضوح أهدافها وجهات دعمها واختيارها المبكر لوسائل استخدام القوة. وبروزها من موقع جغرافي بدلا من مواقع متعددة يرسخ فكرة الانقسام. وبسبب سهولة اتهامها بالارتباط بالغرب لأنها فعلا كذلك. ولن يكفي دعم الجزيرة أو إيران أو حزب الله أو الأخوان المسلمون أو حتى جامعة الدول العربية لأنها مؤثرات محدودة بما يخص الميزان العسكري.
حسم الأمر بعكس المتوقع أعلاه يتطلب تنفيذ سيناريو شبيه بإسقاط النظام العراقي بالتدخل المباشر من قوى استعمارية وهذا أسوأ ما يمكن حدوثه وليس فيه ما يعتز به. فوق هذا فهو مسار مستبعد بسبب التحفظ الأميركي العسكري.
التصعيد في ليبيا لا يحمل مواصفات ثورة شعبية بمقدار ما يحمل صيغة التدخل الدولي بغرض إحباط الثورة المصرية بمرحلة مبكرة فوق أهداف أخرى. فلو سقط النظام فرضا بعد معارك دموية وتدخل أجنبي فسوف ينعكس ذك بشكل قاتل على آمال وطموحات قوى الثورة الفتية في مصر ويدفعها نحو مسار محافظ ومنغلق عن الأمة العربية والإقليم. وإذا صمد النظام بعد تعميق الجرح ضده وعرض الكراهية المخيف من قبل الأنظمة والقوى الثورية وغير الثورية في المنطقة ستكون ردة الفعل سلبية تجاه كثير من المفاهيم. هناك خطر أن تستطيع القوى الغربية ابتزازه بمحنة من هذا النوع في صراع البقاء إذا لم تبادر القوى الإقليمية والحكيمة بتدارك ذلك.
فشل الثورة دون تدارك المخاطر سيلقي ظلالا سوداء على مستقبل التغيير رغم انه كان من الممكن تجنيد ليبيا ضمن هذا المعركة لو تم التعامل معها بشكل أكثر حكمة.
السودان:
يبدو أن السودانيين قد وصلوا لحالة قبول عامة لانفصال الجنوب رغم الصدمة. لكن هذا يحمل في طياته أيضا حرصا غير عادي من الشمال لعدم التورط في صراع داخلي يمكن أن يسرع انفصال دارفور. وعليه لا أتوقع قيام ثورات شعبية لأن تركيبة السودان لا تحتمل ولا تسمح بإجماع شعبي ضد النظام وستبقى له قوى تدافع عنه.
سيكون هناك تأثير استراتيجي لنتائج الثورة المصرية على السودان. فإن حسمت باتجاه المبادئ الناصرية (القومية والعدالة الاجتماعية) بمظهر وإخراج ديموقراطي وحر (وهذا أقصى المتوقع من الثورة المصرية لكنه ممكن) فسوف تكسب السودان كثيرا وسيتم الوصول إلى صيغة تحقق أمن مصر المائي وأمن ووحدة السودان رغم الانفصال. فمصر واثقة من نفسها في أفريقيا سوف تهزم معظم مشاريع إسرائيل للحصار ضمن دول حوض النيل. وعند ذلك لن تجد دولة جنوب السودان الناشئة دافعا لتكون معادية للسودان أو مصر وستكون خسائر الانفصال بالحد الأدنى.
لبنان:
من الواضح أنها استطاعت الصمود ضد المشروع الأميركي والإسرائيلي أيام قمة الهيمنة الأميركية في المنطقة. ولا شك أن قوى المقاومة تسود في لبنان بشكل عام. وعليه لا أرى انقساما ممكنا أكثر مما حصل سابقا بل ربما تكون هناك تفاهمات أفضل من أي وقت مضى. من المتوقع خفوت نجم الحريري وحلفه بسرعة وعلى السنة في لبنان العمل على التأقلم مع ذلك مع الاعتبار أن ضعف الحريري لا يعني ضعف السنة. فتاريخيا كان السنة من قاد المعركة القومية والمقاومة وعليهم العودة لذلك الخندق. وهذا ممكن لهم الآن بتكاليف أقل من أي وقت مضى.
البحرين:
التعبير الطائفي موجود وقائم مهما حاولت القوى التمسك بشعار الوحدة الوطنية في المطالبة بالتغيير. من الصعب تصور تطور الأمر إلى درجة تهديد النظام القائم أساسا على الملكية وهيمنة السنة على مؤسسات الحكم مع بقاء الكثير من الثروة مع الشيعة. وهناك عوامل خارجية مؤثرة استراتيجيا تؤثر على إرادة العمل الداخلي. وتشمل هذه العوامل الولايات المتحدة ودول الخليج وإيران. من السهل الاستعانة بدول مجلس التعاون لتصفية أي تهديد حقيقي للنظام لذلك لا أرى إمكانية نجاح ثورة شعبية وفي أفضل الأحوال يمكن تطور النظام ليشبه الحال في الأردن.
اليمن:
اليمن تاريخيا يمثل مجتمعا متجانسا. فليس هناك فرق كبير بين الجنوب والشمال وقد حصل ذلك صناعيا بسبب تطور التاريخ الحديث لهما بمسارين مختلفين. أما الحوثيون فيمثلون أقلية صغيرة لا تكفي لوصف البلد بعدم التجانس. رغم هذا علينا اعتبار اليمن غير متجانسة ضمن التركيبة القائمة وخاصة عند الأخذ بالتركيبة القبلية.
مبدأيا من المستبعد تطور الأمر إلى درجة إسقاط النظام لأسباب هامة ليس أقلها الخوف من تقسيم اليمن وصعوبة توفر وحدة وطنية شاملة تشبه الحالة المصرية أو التونسية تتفق ضد النظام.
فالحوثيون والحراك الجنوبي لا يملكون أغلبية وبسبب نزعتهم الانفصالية أو الانعزالية من الصعب توقع تجنيد قوى رئيسة أو دعم جماهيري شامل من أبناء اليمن الشمالي السنة مع الأخذ بالاعتبار حجم قبيلة الرئيس علي عبد الله صالح ونفوذها.
ورغم الكثير من التحفظات الشعبية من أبناء اليمن الشمالي على تحول النظام إلى شبه عائلي وتأثيرات الحرب ضد تنظيم القاعدة السني الحضن على موقف الرئيس صالح سلبيا في بعض الأحيان بسبب تداخل ذلك مع العلاقة الاميركية باليمن وسيادته فإن الإصلاح بمواصفات المجتمع اليمني ممكن دون ضرورة الدخول بمعركة إسقاط النظام لأن تلك المعركة لن تنجح أولا ولأن هناك مخاطر تحقيق انقسام البلاد فقط.
لكن هذا يعني أيضا أن على الرئيس صالح العمل كثيرا من أجل إرضاء أبناء الشمال أولا وامتصاص نقمة الجنوب ثانيا وإيجاد صيغة تفاهم مع الحوثيين بالإضافة إلى إيجاد مخرج ديموقراطي. سيكون من الخطيئة التمسك بطريقة الحكم القديمة باعتبار أن البلاد لا تقبل التوحد ضده.
هناك تزايد مستمر في عدد قبائل الشمال الناقمة. وهذه ليست أخبار طيبة للرئيس صالح أو لليمن لأن مشاركة قطاع كبير من الشمال ضد النظام دون تخلى الجيش أو قبيلته عنه يعني الوقوع بحرب أهلية. الوضع في اليمن خطير ومن المفضل للجميع تقبل مبادرة الرئيس صالح بدلا من الإصرار على إسقاط النظام الآن. فاليمن ليست مصر والجيش اليمني ليس الجيش المصري. لكن تزايد المنشقين من الشمال يعني أيضا أن معالجة الرئيس صالح ليست كما يجب.
الأردن
يعتبر الأردن متجانسا من الناحية الشعبية أو المذهبية إلا أن التقسيم القسري بسبب إسرائيل ونفوذها واستغلال وصنع فرق بين الشرق أردني والفلسطيني خلق حالة ليست أصيلة لوضع غير منسجم شعبيا مهما حاولنا إنكار ذلك رغم وجود قوى كثيرة وطنية لا تفرق.
تحرك المعارضة سوف يستمر بالمطالبة بتعميق الملكية الدستورية لكن دون تحولات دراماتيكية رغم أن الحركة الأردنية ربما تكون أكثر الحركات جذرية وتقدمية في مطالبها. والسبب أن ظروف الأردن الجيوسياسية والديموغرافية لن تسمح بأكثر من درجة معينة من التغيير تبقيه ضمن المعادلات القائمة. سوف يعتمد هذا إلى درجة كبيرة على محصلة ونتيجة التغيير في مصر.
جماهير متجانسة وأنظمة منتشرة عموديا وأفقيا
سوريا
سوريا متجانسة بشكل عام رغم الطرح بأن النظام طائفي. وحتى لو صدق ذلك فهو لن يغير الأمر كثيرا لأن الطائفة العلوية صغيرة جدا بحيث لا تكفي لإبقاء النظام وعليه يبقى وصف المجتمع بالمتجانس صحيحا لأنه لا يمكن استمرار النظام دون الانتشار العمودي والأفقي بما يغطي جزءا هاما من شرائح المجتمع. الأكراد لا يمثلون وصفة تصلح للتقسيم أيضا.
من الصعب توقع قيام حركة تغيير رئيسة في سوريا رغم بعض التحفظ السني على النظام ورغم أن الولايات المتحدة لا تحفظ ودا للنظام السوري وربما تتمنى تغييره. من الأسباب أن بقاء النظام السوري لا يعتمد كثيرا على دعم الولايات المتحدة ولم يصل الأمر بالنظام إلى درجة الانفصام مع الشعب كحالة مصر. وليست السياسة السورية متعثرة ومتخبطة كما حالة ليبيا. لكن ذلك غير مضمون ومن الأفضل عدم الركون إليه فقد كانت الحركة في ليبيا مفاجئة.
أهم عوامل قوة النظام السوري (مع أنها سبب العداء الغربي الرئيس له) تبقى تبنيه لخط المقاومة ودعم إيران وتركيا وقوى لبنانية رئيسة. لكن أهم ضمانة للموقف السوري واستقراره تتطلب مزيدا من الانفتاح على الشعب والعمل على محو الانطباع بارتباط النظام بأي بعد طائفي.
الجزائر
تركيبة الجزائر متجانسة بشكل عام رغم وجود الأمازيغ والانقسام الرئيس تاريخيا كان سياسيا بين قوى الإسلام السياسي والحكومة ومثلت صراع قوى بين الولايات المتحدة وفرنسا. وعليه يبقى تقييم الجزائر بكيان متجانس قائما. لن تنجر الجزائر إلى صراع رئيس لأنها ببساطة جربت ذلك على مدى 20 عاما ولأن نظام الرئيس بوتفليقة يقوم على حد أدنى من الشرعية الانتخابية والتجاوب مع المطالب الشعبية بشكل متسارع ومن ذلك رفع حالة الطوارئ.
جماهير تحت الاحتلال وأنظمة مقسمة
العراق
العراق محتلة ومقسمة طائفيا وعرقيا وهذا يعني أن دور الجماهير محدود. ورغم أن هناك الكثير من المبررات لمحاولة التغيير الشعبي إلا أن ذلك يبقى متأثرا بمواقف إيران والولايات المتحدة. ورغم أن الولايات المتحدة ربما ترغب بتغيير يبعد العراق عن نفوذ إيران إلا أن النفوذ الإيراني مستمر. وقد كان مفاجأة أن يفتي الخامنئي بعدم جواز المظاهرات في العراق كما ورد في بعض الأخبار.
فلسطين
فلسطين متجانسة شعبيا رغم الاحتلال ورغم كل التقسيم التاريخي والفصل القسري للشعب على مدة 60 عاما بقيت الهوية الفلسطينية ظاهرة وقوية. وهناك أسباب كثيرة لذلك فالشعب متجانس فعلا والاحتلال وتهديد البقاء جعله أكثر التصاقا. واللعب على وتر الشرق أردني وفلسطيني رغم هدفه الأصل المشبوه لإبقاء الطرفين ضمن حالة انعدام وزن إلا انه أيضا خلق دون قصد تمسكا فلسطينيا أكثر بهويتهم رغم أن كل الأمر لم يكن ضروريا أصلا. فوحدة الأردن وفلسطين تاريخ