دبلوماسية أمريكا والصراعات في افريقيا
فرضت القارة الإفريقية نفسها بقوة على الأجندة الأمريكية ، لاسيما مع تزايد القوى الدولية التي تحاول اختراقها ، مثل : الصين والبرازيل وعديدٍ من الدول الآسيوية الأخرى .
وقد تجلى ذلك من خلال الدور الذي تسعى الصين للقيام به في القارة ، بخاصة في السودان التي أصبحت إحد جبهات الصراع الجديدة بين القوى العظمى المختلفة.
وفى إطار محاولة تقييم الدور الأمريكي ومدى نجاح النهج الحالي في إنهاء الصراعات في إفريقيا وتحقيق المصالح الأمريكية ، أصدر مركز الدراسات الاستراتجية والدوليةCenter For Strategic &International studies دراسة في كانون الثاني / يناير بعنوان "الصراعات الإفريقية والدبلوماسية الأمريكية"African conflicts & U.S Diplomacy ، للكاتبان "جنفير كوكى"Jennifer Cooke و"ريتشارد داونى"Richard Downie، تتحدث عن الدور الأمريكي في إنهاء الصراعات الإفريقية –الإفريقية، ومدى نجاح الدبلوماسية الأمريكية في هذا الدور.
إفريقيا والتغيرات الإيجابية في العقد الأخير لا شك أن إفريقيا قد حققت تقدمًا ملحوظًا في شتى المجالات – السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية – في العقد الأخير في محاولة للعودة بقوة إلى الساحة العالمية كقارة فاعله ذات ثقل ، ذلك على الرغم من استمرار وجود بعض العقبات والعراقيل على طريق التقدم والرقي .
فعلى المستوى الاقتصادي حققت القارة زيادة تقدر 6% في معدل النمو سنويًّا منذ عام 2003 وحتى الأزمة المالية في الربع الأخير من عام 2008، وذلك بفضل إنشاء مؤسسات إدارية ومالية قوية تتسم بالقدرة على التخطيط، ومكافحة الفساد، وزيادة الاستثمارات الأجنبية في إفريقيا لاسيما الاستثمارات الآسيوية مما أعطى فرصه أفضل للمنافسة الاقتصادية في القارة.
أما على صعيد الإصلاحات السياسية وتطبيق النهج الديمقراطي، فقد حققت القارة معدلات إيجابية نسبيًّا فبحلول عام 2006 تحول ما يقرب من ثلاثين دولة عن نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية حتى لو كان ذلك على المستوى النظري فقط.
بمعنى آخر إن تلك التعددية لا تزال هشة في عديدٍ من البلدان إن لم يكن أغلب الدول، ويرجع ذلك لعدم توافر مؤسسات قوية وحرية إعلام ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة وقادرة على التأثير في المجتمعات الإفريقية.
كما تحسنت الأوضاع الأمنية بشكل ملحوظ في العقد الأخير، ويرجع الفضل في ذلك إلى جهود كل من الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإفريقية دون الإقليمية حيث قامت بدورها بنزع وعدم إضفاء الشرعية على عديد من الانقلابات العسكرية والاستيلاء غير القانوني على السلطة كالتي حدثت في كل من غنيا، مدغشقر، وموريتانيا، إلا أنه لا تزال هناك عديد من المجالات التي تنذر بتدهور أمني منها على سبيل المثال، وليس الحصر، التهديدات البيئية كتدهور المناخ ذلك فضلاً عن الزيادة السكانية، نقص الغذاء، التصحر، زيادة معدلات البطالة وغيرها من التهديدات.
هذا وتشير الدراسة إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى دائمًا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في إفريقيا وفقاً لـ"جونى كارسون"Johnnie Carson مساعد وزيرة الخارجية للشئون الإفريقية، وهي كالتالي؛ تدعيم الديمقراطية والحكم الصالح، منع النزاعات العرقية والإثنية، وتعزيز التنمية الاقتصادية، المساعدة في بناء وتدريب جيوش إفريقية قوية تساهم بشكل أو بآخر في جهود حفظ السلام داخل القارة وخارجها.
نيجيريا من منظور أمريكي تُمثل نيجيريا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أهمية استراتيجية بالغة تنبع من كونها : أولاً : رابع أكبر دولة مصدرة للنفط للولايات المتحدة على الرغم من العقبات الأمنية التي تواجها عملية استخراج النفط وإنتاجه في منطقة الدلتا النيجيرية، وارتفاع معدلات الجريمة، والقرصنة، وتهريب الأسلحة، وغسيل الأموال في منطقة خليج غنيا.
ثانيًا : تُعتبر نيجريا شريكًا وعنصرًا في حفظ الأمن الإقليمي من خلال مشاركتها بقوات في عمليات حفظ السلام، والقيام بمبادرات تهدف لإنهاء النزاعات في كل من ليبيريا وسيراليون، ذلك فضلاً عن قيادتها لمجلس السلم والأمن الإفريقي.
ذلك على الرغم من تضاؤل ذلك الدور في الآونة الأخيرة مع ضعف الحكومة الفيدرالية النيجيرية وإثقال كاهلها بالمشكلات والاضطرابات الداخلية.
لكن على الرغم من تلك الأهمية إلا أن العلاقات الأمريكية – النيجيرية قد جنحت عن الطريق السليم لعدة أسباب لعل أبرزها: خضوع نيجيريا ضحية لما يطلق عليها " سياسة الفرز"policy Triage، ويقصد بها ندرة التمثيل الدبلوماسي وإعادة توجيه إلى مناطق أخرى كالقرن الإفريقي أو السودان وذلك لاعتبارات أمنية بحتة، حيث إن الولايات المتحدة لا تملك تمثيلاً دبلوماسيًّا في الدلتا النيجيرية ولا حتى شمال البلاد.
كما أن التركيز على القطاع النفطي قد أفرز نظامًا اقتصاديًّا وسياسيًّا فاسدًا ونخبة غير مكترثة بفهم أو مجرد الاهتمام بوضع حلول نهائية للمشكلات التي تواجه الدولة على المدى البعيد.
وبالتالي فإن انخراط الولايات المتحدة في نيجيريا ليس بالأمر الهين، ولكن ليس مستحيلاً وفقًا لما أكدت عليه الدراسة، فعليها التركيز على العمل الدبلوماسي لاسيما السفير الأمريكي الذي يعد أحد أبرز الأدوات القادرة على ممارسة ضغوطه على كل من الحكومة الفيدرالية والجماعات المسلحة من أجل الالتزام بتعهداتهما، كما من خلال اختيار التوقيات المناسبة لإلقاء الخطابات وإجراء المقابلات التي من شأنها تحفيز الرأي العام المجتمعي نحو ضرورة الإصلاح.
المصالح الأمريكية في القرن الإفريقي تُعتبر منطقة القرن الإفريقي من أكثر المناطق التي تعج بالصراعات والنزاعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، لعل أبرزها؛ السودان التي تعاني من حرب أهلية طويلة المدى بين الشمال والجنوب، ذلك فضلاً عن الصراع الدائر في إقليم دارفور غرب البلاد، وصراعاتها على فترات متباعدة مع دول الجوار لاسيما تشاد.
أما إثيوبيا فلا تزال في صراع دائم مع جارتها إريتريا، كما تزداد الانشقاقات والصراعات في الصومال بين الحكومة والمتمردين الإسلاميين وبين الصومال وإثيوبيا.
كما تعاني جيبوتي من صراعات دورية بين الحكومة والحركات المعارضة لاسيما جبهة استعادة الوحدة والديمقراطيةRestoration of Unity & Democracy ونزاعها الحدودي مع إريتريا.
وعلى الرغم من هذا الزخم من الصراعات إلا أن الولايات المتحدة قد ركزت بشكل كبير جهودها على السودان في السنوات الأخيرة ظهرت بصورة جلية إبان عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذي كرس كل جهود بلاده لإنهاء الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان انتهت بتوقيع اتفاق السلام في عام 2005.
وهو الأمر الذي يعتبر أعظم انتصار للدبلوماسية الأمريكية في إفريقيا في السنوات الأخيرة.
أما على صعيد النزاع في دارفور فقد كان الرأي العام الأمريكي هو المحرك الرئيسي الذي دفع الرئيس وإدارته للتدخل.
وعلى النهج ذاته دفع الرأي العام الأمريكي الإدارة الأمريكية للتدخل في الصومال لاسيما فيما يتعلق بقضية القرصنة في خليج عدن والمحيط الهندي، ولكن لم يحظ التدخل في الصومال بما تضمنه من دعم لأمراء الحرب في مواجهة المحاكم الإسلامية وتقديم الدعم الكامل للقوات الإثيوبية للتدخل في الصومال في عام 2006 بالنجاح كما حظي في السودان، بل على العكس كان له عديد من السلبيات يأتي في مقدمتها غياب الثقة في الولايات المتحدة وعدم قدرتها في المستقبل على تقديم حلول إيجابية للأزمات التي تعاني منها الصومال.
الولايات المتحدة ومنطقة البحيرات العظمى يرجع اهتمام الولايات المتحدة بالانخراط والقيام بدور فعال في منطقة البحيرات العظمى إلى عام 1960عندما تدخلت في الكونغو الديمقراطية مع بزوغ الإرهاصات الأولى للفوضى، وعلى الرغم من القناعة الأمريكية الراسخة بضرورة دعم الكونغو الديمقراطية لتتجاوز أزماتها إلا أن التدخل كان غير مكتمل الأركان وفشل بصورة أو بأخرى في وضع حلول جذرية لمشكلات الدولة، حتى تقوية وتدعيم الجيش الوطني ليكون عنصرًا لتحقيق الاستقرار وحفظ الأوضاع الأمنية وحماية السكان وحل الانقسامات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيقها.
كما أعطت الولايات المتحدة القيادة والريادة لدول ومنظمات أخرى في الكونغو لاسيما الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبالتالي تؤكد الدراسة على إمكانية قيام الولايات المتحدة بجهود حثيثة في المنطقة تتمثل في القيام بدور فعال لتخفيف حده التوترات بين كل من الكونغو الديمقراطية وجارتها رواندا حيث إن الولايات المتحدة تحظى بمصداقية وعلاقات جيدة بكافة دول المنطقة، ذلك فضلاً عن تكوين علاقات اقتصادية قوية في منطقة البحيرات العظمى عن طريق تشجيع وإقامة تجمعات اقتصادية بين كل من الكونغو الديمقراطية ورواندا بروندي، بالإضافة إلى المساهمة في وضع إطار لتنظيم المسائل التجارية بين البلدان الثلاثة والتأكد من استفادة سكان المنطقة من الجهود التنموية مما يضمن تحقيق قدر أكبر من الأمن والاستقرار.
المساعدات الأمريكية كأداة لإنهاء الصراعات الإفريقية في مستهل الحديث عن أن الوسائل والأدوات التي من الممكن أن تستعين بها الولايات المتحدة في وضع حد نهائي للصراعات الإفريقية – الإفريقية وبالتالي تحقيق المصالح الوطنية العليا والأهداف الاستراتيجية الأمريكية تؤكد الدراسة على ضرورة إجراء عدة تعديلات على النهج الأمريكي المتبع في الوقت الراهن يأتي في مقدمتها : أولاً : تطبيق سياسيات اللامركزيةDecentralization في تقديم المساعدات الإنسانية مما يعطي فرصة أكبر في الوصول إلى أهم الجماعات والأشخاص وأكثرها تأثيرًا داخل المجتمعات الإفريقية.
ثانيًا : البعد عن النظام البيروقراطي الذي يركز على الأبعاد الكمية للمساعدات الإنسانية الأمريكية وليس الكيفية، الأمر الذي يقيد لجنة المعاونة الأمريكية في القيام بمهامها، مما يؤثر على قدرتها الإبداعية والابتكارية مما يحول دون تحقيق المصالح الأمريكية في القارة الإفريقية.
ثالثًا : التحرر من هيمنة جماعات المصالح على الخطاب التنموي وتداعياته المتمثلة في انحراف واختلاط الأولويات والمصالح الأمريكية.
ماذا يجب أن تفعل الإدارة الأمريكية في إفريقيا؟ فرض تزايد الأهمية للاستراتيجة للقارة الإفريقية على الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة القيام بدور دبلوماسي ٍ أكبر فيها ، نظرًا لما تمثله من ثقل سياسي وزيادة مواردها الاقتصادية ، لاسيما مع تزايد وتيرة وحدة الأزمات الاقتصادية والمالية بداية من الربع الأخير من عام 2008.
ولهذا تنصح الدراسة الإدارة الأمريكية بعدة نصائح حتى تحقق الهدف المنشودة يأتي في مقدمتها : أولاً : على الإدارة الأمريكية الاستمرار في إقناع مجلس الشيوخ والرأي العام الأمريكي بتزايد المصالح الأمريكية في إفريقيا ، وزيادة المخصصات المالية والدبلوماسية لإفريقيا ، حتى تحقق الولايات المتحدة مصالحها الوطنية في القارة السوداء.
ثانيًا : على الرغم من نقص الموارد الأمريكية الموجهة لإفريقيا ، إلا أنه يقع على عاتقها القيام بدور أكبر من شأنه مسؤولية إعادة تنظيم المسائل المختلفة لاسيما الأمنية، والتنموية ، وإدارة الصراعات.
ثالثًا : تشجيع وتدعيم الدور القيادي لسفراء الولايات المتحدة في مختلف البلدان الإفريقية ، للقيام بإدارة وتوجيه كيفية دمج بلادهم في شراكات مع الدول الإفريقية على كافة الأصعدة والمستويات ، بخاصة العسكرية والمدنية.
رابعًا : على المكاتب الأمريكية في إفريقيا تكثيف استثماراتها في الدبلوماسية العامة Public Diplomacy وأدواتها كتطويع وسائل الإعلام لخدمة هذا الغرض ، والاستعانة بسفاراتها في تشكيل استراتيجية أمريكية جديدة قائمة على توسيع شبكة اتصالاتها مع المؤسسات العسكرية ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء.
خامسًا : عدم استبعاد خيار التدخل في حالات معينة مثل تهديد المصالح الاستراتيجية الأمريكية في القارة، أوعند حدوث كارثة لا تقف عند حدود دولتها وإنما تمتد إلى الأقاليم والبلدان المجاورة، أو عندما يكون هناك توقعات بقيادة أمريكية لإحدى الأزمات في إفريقيا، أو عندما يكون التدخل لهدف تحقيق مصلحة أمريكية معينة.
عن صحيفة العالمية الاميركية
خطة "إسرائيل" الجديدة للتمدد في إفريقيا
بعد مرور نصف قرن على زيارة وزيرة خارجية إسرائيل، في ذلك الوقت، غولدا مائير، إلى إفريقيا منتصف الخمسينات من أجل تسجيل اعتراف دول إفريقية بدولة "إسرائيل"، وكسبها إلى جانبها في المعركة الدائرة على أرض فلسطين، وبعد أكثر من ثمانية عشر عاماً على زيارة آخر وزير للخارجية إلى القارة الإفريقية (ديفيد ليفي) عام 1991، بدأ وزير الخارجية الإسرائيلي (أفيغدور ليبرمان) جولة دبلوماسية إفريقية سيزور خلالها خمس دول، ويضم الوفد المرافق لليبرمان مسؤولين حكوميين وأمنيين، وعدداً من كبار رجال الأعمال المتخصصين في مجالات صناعة السلاح والطاقة والزراعة والمياه والاتصالات.
وسيزور ليبرمان والوفد المرافق له خمس دول إفريقية خلال تسعة أيام هي: إثيوبيا، والتي ظلت تاريخياً تمثل الحليف الاستراتيجي لإسرائيل وأمريكا في القرن الإفريقي، ما عدا فترة حكم الرئيس الماركسي (مانغستو هايلي مريام).
وكينيا والتي تعد الدولة الإفريقية التي تستضيف قاعدة الموساد الإسرائيلي الرئيسية في إفريقيا، وتقول المعلومات أن العلاقات الإسرائيلية – الكينية تعود إلى مراحل مبكرة بسبب توجهات مجلس الكنائس الكيني الداعم للمسيحية الصهيونية إضافة إلى الروابط التجارية بين كينيا والشركات اليهودية العالمية الناشطة في تجارة التبغ والبن والشاي.
وأوغندا التي تعتبر الدولة الإفريقية التي تمثل مركز عمليات الحروب السرية الإسرائيلية في إفريقيا، وتشير المعلومات إلى أن إمدادات الأسلحة الإسرائيلية ظلت تمر عبر أوغندا باتجاه حركات التمرد الناشطة في جنوب السودان وشرق زائير إضافة إلى حلفاء إسرائيل في رواندا وبوروندي.
ونيجيريا التي تتميز بأهميتها الكبيرة لإسرائيل لأنها تمثل الدولة النفطية الأكبر في إفريقيا، إضافة إلى وجود شبكات غسيل الأموال التي تشرف عليها المؤسسات المالية العالمية اليهودية الطابع، ووجود الشركات النفطية الأمريكية مثل (شيفرون) والبريطانية (بريتيش بتروليوم) الداعمة لإسرائيل.
وغانا الدولة الإفريقية المرشحة للقيام بدور رئيسي في استضافة القيادة الأمريكية الإفريقية، وقد زارها الرئيس أوباما وأجرى تفاهماته مع القيادة الغانية وتسعى "إسرائيل" للتنسيق مع غانا بما يتيح لإسرائيل القيام بدور المكمل والمساند للدور الأمريكي في غانا.
وسوف تركز جولة ليبرمان الإفريقية على هذه الدول التي تتميز بروابطها التاريخية مع "إسرائيل" ولن تركز على الدول الإفريقية الأخرى، وهو أمر يطرح بعض التساؤلات من طبيعة نوايا ومقاصد الدبلوماسية الإسرائيلية خلال المرحلة القادمة إزاء إفريقيا.
وقد حدد (ليبرمان) أهدافه من هذه الزيارات عن طريق اختياره للوفد الذي رافقه إلى تلك الدول؛ لأنه حرص على ضم خبراء أمن، وبعض أعضاء في مجلس الأمن القومي، وممثلين عن وزارة المالية الإسرائيلية، وعدداً من رجال الأعمال، ومن خلال ذلك يتبين أن المناقشات ربما تكون أمنية واقتصادية بشكل رئيس، ويترافق موعد الزيارة مع إعلان شركة إسرائيلية تحمل اسم «إفريقيا إسرائيل» يملكها رجل أعمال إسرائيلي من اليهود الروس (ليفاييف) كانت بالأمس قد أعلنت عن خسارتها (2) مليار دولار وعن إفلاسها، وهي من أكبر شركات مقاولات البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة وإسرائيل والخارج.
ويريد (ليبرمان) إعداد اتفاقات أمنية واستشارات دائمة من هذه الناحية بين أثيوبيا وأوغندا وكينيا؛ لأن حدودها تمتد حتى أراضي السودان، وهي تؤثر على مدى استقرار الوضع السوداني وخصوصاً في مسألة جنوب السودان والخلاف على النفط السوداني، بل إن المنابع المركزية لنهر النيل في أثيوبيا تشكل هي أيضاً مصادر أهمية إستراتيجية للسودان ولمصر، ولطالما كانت هذه المسألة من بين المخاوف التي يبديها هذا البلدان مع دول إفريقيا المجاورة.
وتندرج زيارة ليبرمان لإفريقيا ضمن إطار توسيع الدور الوظيفي للكيان الصهيوني، وخدمة المصالح الغربية، فمن الملاحظ أن جدول عمل السياسة الأميركية في عهد (أوباما) أكد ضرورة الاهتمام بأميركا اللاتينية ودول إفريقيا، وجاءت زيارة (ليبرمان) لدول في أميركا اللاتينية خدمة لهذا الجدول قبل أسبوعين، وزيارته إلى دول إفريقية تأتي بعد زيارة هيلاري كلينتون، وتفضل "إسرائيل" أن يكون أول حضور لها في مثل هذه الدول «أمنياً» واقتصادياً بمستوى ما لا تدفع "إسرائيل" نفقاته، فإفريقيا لم تعد سوقاً مغرية للمواد الاستهلاكية المنتجة في "إسرائيل"، إلا إذا ما وجدت "إسرائيل" أن هذه الدول أو «نيجيريا» النفطية يمكنها استيراد البضائع التي تنتجها المستوطنات في الضفة الغربية.
فالمعروف أن دول الاتحاد الأوروبي ضيقت الخناق على استيراد هذا النوع من البضائع؛ لأن استيرادها يخالف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر الضفة الغربية والجولان أراضي محتلة ويحظر استيراد ما ينتجه المستوطنون فيها من بضائع؛ لأن وجودهم وإنتاجهم غير شرعي.
ومع ذلك، يعترف سفير "إسرائيل" في (أنغولا) بأن معظم ما تهتم "إسرائيل" به من إفريقيا هو تصدير الأسلحة وتجارة الماس والقليل جداً من المشروعات المدنية، فالوجه الإسرائيلي البشع كان قد ظهر في الحروب التي كانت تجري في أنغولا وليبيريا وسيراليون وساحل العاج عن طريق بيع الأسلحة في تلك الدول التي شهدت حروباً أهلية، ناهيك عن تقديم الأسلحة للنظام الدكتاتوري في غينيا الاستوائية ودولتي الكونغو المتنازعتين، ويحاول "إسرائيل" في أنغولا التقليل من إمكانية نجاح ليبرمان في زيارته، فيقول: «إن إسرائيل لا تلعب الآن سوى دور الوسيط وليبرمان من الصعب أن يرتفع إلى ما هو أكبر».
فهل ينجح ليبرمان في ربط نتائج زيارته بالدور الموكول لكيانه الغاضب من قبل الغرب، ويكون همزة الوصل بين المصالح الغربية وإفريقيا التي أصبحت ساحة التنافس الاقتصادي والسياسي الجديدة بين القوى الدولية الكبرى؟.
· كاتب وباحث فلسطيني.
فرضت القارة الإفريقية نفسها بقوة على الأجندة الأمريكية ، لاسيما مع تزايد القوى الدولية التي تحاول اختراقها ، مثل : الصين والبرازيل وعديدٍ من الدول الآسيوية الأخرى .
وقد تجلى ذلك من خلال الدور الذي تسعى الصين للقيام به في القارة ، بخاصة في السودان التي أصبحت إحد جبهات الصراع الجديدة بين القوى العظمى المختلفة.
وفى إطار محاولة تقييم الدور الأمريكي ومدى نجاح النهج الحالي في إنهاء الصراعات في إفريقيا وتحقيق المصالح الأمريكية ، أصدر مركز الدراسات الاستراتجية والدوليةCenter For Strategic &International studies دراسة في كانون الثاني / يناير بعنوان "الصراعات الإفريقية والدبلوماسية الأمريكية"African conflicts & U.S Diplomacy ، للكاتبان "جنفير كوكى"Jennifer Cooke و"ريتشارد داونى"Richard Downie، تتحدث عن الدور الأمريكي في إنهاء الصراعات الإفريقية –الإفريقية، ومدى نجاح الدبلوماسية الأمريكية في هذا الدور.
إفريقيا والتغيرات الإيجابية في العقد الأخير لا شك أن إفريقيا قد حققت تقدمًا ملحوظًا في شتى المجالات – السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية – في العقد الأخير في محاولة للعودة بقوة إلى الساحة العالمية كقارة فاعله ذات ثقل ، ذلك على الرغم من استمرار وجود بعض العقبات والعراقيل على طريق التقدم والرقي .
فعلى المستوى الاقتصادي حققت القارة زيادة تقدر 6% في معدل النمو سنويًّا منذ عام 2003 وحتى الأزمة المالية في الربع الأخير من عام 2008، وذلك بفضل إنشاء مؤسسات إدارية ومالية قوية تتسم بالقدرة على التخطيط، ومكافحة الفساد، وزيادة الاستثمارات الأجنبية في إفريقيا لاسيما الاستثمارات الآسيوية مما أعطى فرصه أفضل للمنافسة الاقتصادية في القارة.
أما على صعيد الإصلاحات السياسية وتطبيق النهج الديمقراطي، فقد حققت القارة معدلات إيجابية نسبيًّا فبحلول عام 2006 تحول ما يقرب من ثلاثين دولة عن نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية حتى لو كان ذلك على المستوى النظري فقط.
بمعنى آخر إن تلك التعددية لا تزال هشة في عديدٍ من البلدان إن لم يكن أغلب الدول، ويرجع ذلك لعدم توافر مؤسسات قوية وحرية إعلام ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة وقادرة على التأثير في المجتمعات الإفريقية.
كما تحسنت الأوضاع الأمنية بشكل ملحوظ في العقد الأخير، ويرجع الفضل في ذلك إلى جهود كل من الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإفريقية دون الإقليمية حيث قامت بدورها بنزع وعدم إضفاء الشرعية على عديد من الانقلابات العسكرية والاستيلاء غير القانوني على السلطة كالتي حدثت في كل من غنيا، مدغشقر، وموريتانيا، إلا أنه لا تزال هناك عديد من المجالات التي تنذر بتدهور أمني منها على سبيل المثال، وليس الحصر، التهديدات البيئية كتدهور المناخ ذلك فضلاً عن الزيادة السكانية، نقص الغذاء، التصحر، زيادة معدلات البطالة وغيرها من التهديدات.
هذا وتشير الدراسة إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى دائمًا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في إفريقيا وفقاً لـ"جونى كارسون"Johnnie Carson مساعد وزيرة الخارجية للشئون الإفريقية، وهي كالتالي؛ تدعيم الديمقراطية والحكم الصالح، منع النزاعات العرقية والإثنية، وتعزيز التنمية الاقتصادية، المساعدة في بناء وتدريب جيوش إفريقية قوية تساهم بشكل أو بآخر في جهود حفظ السلام داخل القارة وخارجها.
نيجيريا من منظور أمريكي تُمثل نيجيريا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أهمية استراتيجية بالغة تنبع من كونها : أولاً : رابع أكبر دولة مصدرة للنفط للولايات المتحدة على الرغم من العقبات الأمنية التي تواجها عملية استخراج النفط وإنتاجه في منطقة الدلتا النيجيرية، وارتفاع معدلات الجريمة، والقرصنة، وتهريب الأسلحة، وغسيل الأموال في منطقة خليج غنيا.
ثانيًا : تُعتبر نيجريا شريكًا وعنصرًا في حفظ الأمن الإقليمي من خلال مشاركتها بقوات في عمليات حفظ السلام، والقيام بمبادرات تهدف لإنهاء النزاعات في كل من ليبيريا وسيراليون، ذلك فضلاً عن قيادتها لمجلس السلم والأمن الإفريقي.
ذلك على الرغم من تضاؤل ذلك الدور في الآونة الأخيرة مع ضعف الحكومة الفيدرالية النيجيرية وإثقال كاهلها بالمشكلات والاضطرابات الداخلية.
لكن على الرغم من تلك الأهمية إلا أن العلاقات الأمريكية – النيجيرية قد جنحت عن الطريق السليم لعدة أسباب لعل أبرزها: خضوع نيجيريا ضحية لما يطلق عليها " سياسة الفرز"policy Triage، ويقصد بها ندرة التمثيل الدبلوماسي وإعادة توجيه إلى مناطق أخرى كالقرن الإفريقي أو السودان وذلك لاعتبارات أمنية بحتة، حيث إن الولايات المتحدة لا تملك تمثيلاً دبلوماسيًّا في الدلتا النيجيرية ولا حتى شمال البلاد.
كما أن التركيز على القطاع النفطي قد أفرز نظامًا اقتصاديًّا وسياسيًّا فاسدًا ونخبة غير مكترثة بفهم أو مجرد الاهتمام بوضع حلول نهائية للمشكلات التي تواجه الدولة على المدى البعيد.
وبالتالي فإن انخراط الولايات المتحدة في نيجيريا ليس بالأمر الهين، ولكن ليس مستحيلاً وفقًا لما أكدت عليه الدراسة، فعليها التركيز على العمل الدبلوماسي لاسيما السفير الأمريكي الذي يعد أحد أبرز الأدوات القادرة على ممارسة ضغوطه على كل من الحكومة الفيدرالية والجماعات المسلحة من أجل الالتزام بتعهداتهما، كما من خلال اختيار التوقيات المناسبة لإلقاء الخطابات وإجراء المقابلات التي من شأنها تحفيز الرأي العام المجتمعي نحو ضرورة الإصلاح.
المصالح الأمريكية في القرن الإفريقي تُعتبر منطقة القرن الإفريقي من أكثر المناطق التي تعج بالصراعات والنزاعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، لعل أبرزها؛ السودان التي تعاني من حرب أهلية طويلة المدى بين الشمال والجنوب، ذلك فضلاً عن الصراع الدائر في إقليم دارفور غرب البلاد، وصراعاتها على فترات متباعدة مع دول الجوار لاسيما تشاد.
أما إثيوبيا فلا تزال في صراع دائم مع جارتها إريتريا، كما تزداد الانشقاقات والصراعات في الصومال بين الحكومة والمتمردين الإسلاميين وبين الصومال وإثيوبيا.
كما تعاني جيبوتي من صراعات دورية بين الحكومة والحركات المعارضة لاسيما جبهة استعادة الوحدة والديمقراطيةRestoration of Unity & Democracy ونزاعها الحدودي مع إريتريا.
وعلى الرغم من هذا الزخم من الصراعات إلا أن الولايات المتحدة قد ركزت بشكل كبير جهودها على السودان في السنوات الأخيرة ظهرت بصورة جلية إبان عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذي كرس كل جهود بلاده لإنهاء الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان انتهت بتوقيع اتفاق السلام في عام 2005.
وهو الأمر الذي يعتبر أعظم انتصار للدبلوماسية الأمريكية في إفريقيا في السنوات الأخيرة.
أما على صعيد النزاع في دارفور فقد كان الرأي العام الأمريكي هو المحرك الرئيسي الذي دفع الرئيس وإدارته للتدخل.
وعلى النهج ذاته دفع الرأي العام الأمريكي الإدارة الأمريكية للتدخل في الصومال لاسيما فيما يتعلق بقضية القرصنة في خليج عدن والمحيط الهندي، ولكن لم يحظ التدخل في الصومال بما تضمنه من دعم لأمراء الحرب في مواجهة المحاكم الإسلامية وتقديم الدعم الكامل للقوات الإثيوبية للتدخل في الصومال في عام 2006 بالنجاح كما حظي في السودان، بل على العكس كان له عديد من السلبيات يأتي في مقدمتها غياب الثقة في الولايات المتحدة وعدم قدرتها في المستقبل على تقديم حلول إيجابية للأزمات التي تعاني منها الصومال.
الولايات المتحدة ومنطقة البحيرات العظمى يرجع اهتمام الولايات المتحدة بالانخراط والقيام بدور فعال في منطقة البحيرات العظمى إلى عام 1960عندما تدخلت في الكونغو الديمقراطية مع بزوغ الإرهاصات الأولى للفوضى، وعلى الرغم من القناعة الأمريكية الراسخة بضرورة دعم الكونغو الديمقراطية لتتجاوز أزماتها إلا أن التدخل كان غير مكتمل الأركان وفشل بصورة أو بأخرى في وضع حلول جذرية لمشكلات الدولة، حتى تقوية وتدعيم الجيش الوطني ليكون عنصرًا لتحقيق الاستقرار وحفظ الأوضاع الأمنية وحماية السكان وحل الانقسامات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيقها.
كما أعطت الولايات المتحدة القيادة والريادة لدول ومنظمات أخرى في الكونغو لاسيما الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبالتالي تؤكد الدراسة على إمكانية قيام الولايات المتحدة بجهود حثيثة في المنطقة تتمثل في القيام بدور فعال لتخفيف حده التوترات بين كل من الكونغو الديمقراطية وجارتها رواندا حيث إن الولايات المتحدة تحظى بمصداقية وعلاقات جيدة بكافة دول المنطقة، ذلك فضلاً عن تكوين علاقات اقتصادية قوية في منطقة البحيرات العظمى عن طريق تشجيع وإقامة تجمعات اقتصادية بين كل من الكونغو الديمقراطية ورواندا بروندي، بالإضافة إلى المساهمة في وضع إطار لتنظيم المسائل التجارية بين البلدان الثلاثة والتأكد من استفادة سكان المنطقة من الجهود التنموية مما يضمن تحقيق قدر أكبر من الأمن والاستقرار.
المساعدات الأمريكية كأداة لإنهاء الصراعات الإفريقية في مستهل الحديث عن أن الوسائل والأدوات التي من الممكن أن تستعين بها الولايات المتحدة في وضع حد نهائي للصراعات الإفريقية – الإفريقية وبالتالي تحقيق المصالح الوطنية العليا والأهداف الاستراتيجية الأمريكية تؤكد الدراسة على ضرورة إجراء عدة تعديلات على النهج الأمريكي المتبع في الوقت الراهن يأتي في مقدمتها : أولاً : تطبيق سياسيات اللامركزيةDecentralization في تقديم المساعدات الإنسانية مما يعطي فرصة أكبر في الوصول إلى أهم الجماعات والأشخاص وأكثرها تأثيرًا داخل المجتمعات الإفريقية.
ثانيًا : البعد عن النظام البيروقراطي الذي يركز على الأبعاد الكمية للمساعدات الإنسانية الأمريكية وليس الكيفية، الأمر الذي يقيد لجنة المعاونة الأمريكية في القيام بمهامها، مما يؤثر على قدرتها الإبداعية والابتكارية مما يحول دون تحقيق المصالح الأمريكية في القارة الإفريقية.
ثالثًا : التحرر من هيمنة جماعات المصالح على الخطاب التنموي وتداعياته المتمثلة في انحراف واختلاط الأولويات والمصالح الأمريكية.
ماذا يجب أن تفعل الإدارة الأمريكية في إفريقيا؟ فرض تزايد الأهمية للاستراتيجة للقارة الإفريقية على الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة القيام بدور دبلوماسي ٍ أكبر فيها ، نظرًا لما تمثله من ثقل سياسي وزيادة مواردها الاقتصادية ، لاسيما مع تزايد وتيرة وحدة الأزمات الاقتصادية والمالية بداية من الربع الأخير من عام 2008.
ولهذا تنصح الدراسة الإدارة الأمريكية بعدة نصائح حتى تحقق الهدف المنشودة يأتي في مقدمتها : أولاً : على الإدارة الأمريكية الاستمرار في إقناع مجلس الشيوخ والرأي العام الأمريكي بتزايد المصالح الأمريكية في إفريقيا ، وزيادة المخصصات المالية والدبلوماسية لإفريقيا ، حتى تحقق الولايات المتحدة مصالحها الوطنية في القارة السوداء.
ثانيًا : على الرغم من نقص الموارد الأمريكية الموجهة لإفريقيا ، إلا أنه يقع على عاتقها القيام بدور أكبر من شأنه مسؤولية إعادة تنظيم المسائل المختلفة لاسيما الأمنية، والتنموية ، وإدارة الصراعات.
ثالثًا : تشجيع وتدعيم الدور القيادي لسفراء الولايات المتحدة في مختلف البلدان الإفريقية ، للقيام بإدارة وتوجيه كيفية دمج بلادهم في شراكات مع الدول الإفريقية على كافة الأصعدة والمستويات ، بخاصة العسكرية والمدنية.
رابعًا : على المكاتب الأمريكية في إفريقيا تكثيف استثماراتها في الدبلوماسية العامة Public Diplomacy وأدواتها كتطويع وسائل الإعلام لخدمة هذا الغرض ، والاستعانة بسفاراتها في تشكيل استراتيجية أمريكية جديدة قائمة على توسيع شبكة اتصالاتها مع المؤسسات العسكرية ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء.
خامسًا : عدم استبعاد خيار التدخل في حالات معينة مثل تهديد المصالح الاستراتيجية الأمريكية في القارة، أوعند حدوث كارثة لا تقف عند حدود دولتها وإنما تمتد إلى الأقاليم والبلدان المجاورة، أو عندما يكون هناك توقعات بقيادة أمريكية لإحدى الأزمات في إفريقيا، أو عندما يكون التدخل لهدف تحقيق مصلحة أمريكية معينة.
عن صحيفة العالمية الاميركية
خطة "إسرائيل" الجديدة للتمدد في إفريقيا
بعد مرور نصف قرن على زيارة وزيرة خارجية إسرائيل، في ذلك الوقت، غولدا مائير، إلى إفريقيا منتصف الخمسينات من أجل تسجيل اعتراف دول إفريقية بدولة "إسرائيل"، وكسبها إلى جانبها في المعركة الدائرة على أرض فلسطين، وبعد أكثر من ثمانية عشر عاماً على زيارة آخر وزير للخارجية إلى القارة الإفريقية (ديفيد ليفي) عام 1991، بدأ وزير الخارجية الإسرائيلي (أفيغدور ليبرمان) جولة دبلوماسية إفريقية سيزور خلالها خمس دول، ويضم الوفد المرافق لليبرمان مسؤولين حكوميين وأمنيين، وعدداً من كبار رجال الأعمال المتخصصين في مجالات صناعة السلاح والطاقة والزراعة والمياه والاتصالات.
وسيزور ليبرمان والوفد المرافق له خمس دول إفريقية خلال تسعة أيام هي: إثيوبيا، والتي ظلت تاريخياً تمثل الحليف الاستراتيجي لإسرائيل وأمريكا في القرن الإفريقي، ما عدا فترة حكم الرئيس الماركسي (مانغستو هايلي مريام).
وكينيا والتي تعد الدولة الإفريقية التي تستضيف قاعدة الموساد الإسرائيلي الرئيسية في إفريقيا، وتقول المعلومات أن العلاقات الإسرائيلية – الكينية تعود إلى مراحل مبكرة بسبب توجهات مجلس الكنائس الكيني الداعم للمسيحية الصهيونية إضافة إلى الروابط التجارية بين كينيا والشركات اليهودية العالمية الناشطة في تجارة التبغ والبن والشاي.
وأوغندا التي تعتبر الدولة الإفريقية التي تمثل مركز عمليات الحروب السرية الإسرائيلية في إفريقيا، وتشير المعلومات إلى أن إمدادات الأسلحة الإسرائيلية ظلت تمر عبر أوغندا باتجاه حركات التمرد الناشطة في جنوب السودان وشرق زائير إضافة إلى حلفاء إسرائيل في رواندا وبوروندي.
ونيجيريا التي تتميز بأهميتها الكبيرة لإسرائيل لأنها تمثل الدولة النفطية الأكبر في إفريقيا، إضافة إلى وجود شبكات غسيل الأموال التي تشرف عليها المؤسسات المالية العالمية اليهودية الطابع، ووجود الشركات النفطية الأمريكية مثل (شيفرون) والبريطانية (بريتيش بتروليوم) الداعمة لإسرائيل.
وغانا الدولة الإفريقية المرشحة للقيام بدور رئيسي في استضافة القيادة الأمريكية الإفريقية، وقد زارها الرئيس أوباما وأجرى تفاهماته مع القيادة الغانية وتسعى "إسرائيل" للتنسيق مع غانا بما يتيح لإسرائيل القيام بدور المكمل والمساند للدور الأمريكي في غانا.
وسوف تركز جولة ليبرمان الإفريقية على هذه الدول التي تتميز بروابطها التاريخية مع "إسرائيل" ولن تركز على الدول الإفريقية الأخرى، وهو أمر يطرح بعض التساؤلات من طبيعة نوايا ومقاصد الدبلوماسية الإسرائيلية خلال المرحلة القادمة إزاء إفريقيا.
وقد حدد (ليبرمان) أهدافه من هذه الزيارات عن طريق اختياره للوفد الذي رافقه إلى تلك الدول؛ لأنه حرص على ضم خبراء أمن، وبعض أعضاء في مجلس الأمن القومي، وممثلين عن وزارة المالية الإسرائيلية، وعدداً من رجال الأعمال، ومن خلال ذلك يتبين أن المناقشات ربما تكون أمنية واقتصادية بشكل رئيس، ويترافق موعد الزيارة مع إعلان شركة إسرائيلية تحمل اسم «إفريقيا إسرائيل» يملكها رجل أعمال إسرائيلي من اليهود الروس (ليفاييف) كانت بالأمس قد أعلنت عن خسارتها (2) مليار دولار وعن إفلاسها، وهي من أكبر شركات مقاولات البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة وإسرائيل والخارج.
ويريد (ليبرمان) إعداد اتفاقات أمنية واستشارات دائمة من هذه الناحية بين أثيوبيا وأوغندا وكينيا؛ لأن حدودها تمتد حتى أراضي السودان، وهي تؤثر على مدى استقرار الوضع السوداني وخصوصاً في مسألة جنوب السودان والخلاف على النفط السوداني، بل إن المنابع المركزية لنهر النيل في أثيوبيا تشكل هي أيضاً مصادر أهمية إستراتيجية للسودان ولمصر، ولطالما كانت هذه المسألة من بين المخاوف التي يبديها هذا البلدان مع دول إفريقيا المجاورة.
وتندرج زيارة ليبرمان لإفريقيا ضمن إطار توسيع الدور الوظيفي للكيان الصهيوني، وخدمة المصالح الغربية، فمن الملاحظ أن جدول عمل السياسة الأميركية في عهد (أوباما) أكد ضرورة الاهتمام بأميركا اللاتينية ودول إفريقيا، وجاءت زيارة (ليبرمان) لدول في أميركا اللاتينية خدمة لهذا الجدول قبل أسبوعين، وزيارته إلى دول إفريقية تأتي بعد زيارة هيلاري كلينتون، وتفضل "إسرائيل" أن يكون أول حضور لها في مثل هذه الدول «أمنياً» واقتصادياً بمستوى ما لا تدفع "إسرائيل" نفقاته، فإفريقيا لم تعد سوقاً مغرية للمواد الاستهلاكية المنتجة في "إسرائيل"، إلا إذا ما وجدت "إسرائيل" أن هذه الدول أو «نيجيريا» النفطية يمكنها استيراد البضائع التي تنتجها المستوطنات في الضفة الغربية.
فالمعروف أن دول الاتحاد الأوروبي ضيقت الخناق على استيراد هذا النوع من البضائع؛ لأن استيرادها يخالف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر الضفة الغربية والجولان أراضي محتلة ويحظر استيراد ما ينتجه المستوطنون فيها من بضائع؛ لأن وجودهم وإنتاجهم غير شرعي.
ومع ذلك، يعترف سفير "إسرائيل" في (أنغولا) بأن معظم ما تهتم "إسرائيل" به من إفريقيا هو تصدير الأسلحة وتجارة الماس والقليل جداً من المشروعات المدنية، فالوجه الإسرائيلي البشع كان قد ظهر في الحروب التي كانت تجري في أنغولا وليبيريا وسيراليون وساحل العاج عن طريق بيع الأسلحة في تلك الدول التي شهدت حروباً أهلية، ناهيك عن تقديم الأسلحة للنظام الدكتاتوري في غينيا الاستوائية ودولتي الكونغو المتنازعتين، ويحاول "إسرائيل" في أنغولا التقليل من إمكانية نجاح ليبرمان في زيارته، فيقول: «إن إسرائيل لا تلعب الآن سوى دور الوسيط وليبرمان من الصعب أن يرتفع إلى ما هو أكبر».
فهل ينجح ليبرمان في ربط نتائج زيارته بالدور الموكول لكيانه الغاضب من قبل الغرب، ويكون همزة الوصل بين المصالح الغربية وإفريقيا التي أصبحت ساحة التنافس الاقتصادي والسياسي الجديدة بين القوى الدولية الكبرى؟.
· كاتب وباحث فلسطيني.