hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    السياسة الشرعية في إعفاء أهل الــــــــــــــــــزكــــــــــاة مـــــــــن الضـــــرائــــــب الــــــوضعية «حسم الزكاة من الضرائب»

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    السياسة الشرعية في إعفاء أهل الــــــــــــــــــزكــــــــــاة   مـــــــــن   الضـــــرائــــــب الــــــوضعية  «حسم الزكاة من الضرائب» Empty السياسة الشرعية في إعفاء أهل الــــــــــــــــــزكــــــــــاة مـــــــــن الضـــــرائــــــب الــــــوضعية «حسم الزكاة من الضرائب»

    مُساهمة  Admin الإثنين 6 يونيو 2011 - 20:57



    السياسة الشرعية في إعفاء أهل الــــــــــــــــــزكــــــــــاة
    مـــــــــن
    الضـــــرائــــــب الــــــوضعية
    «حسم الزكاة من الضرائب»

    مقدم من : أ.د. محمد نعيم ياسين
    إلى بيت الزكاة - لجنة مراجعة
    مشروع القانون النموذجي للزكاة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين... وبعد:
    فإن الاتجاه الذي حدث مؤخرًا إلى اقتراح مشروع قانون للزكاة قد أثار جملة من التساؤلات حول بعض القضايا الجانبية التنظيمية في تحديد العلاقة بين الزكاة والضريبة باعتبارهما وظيفتين ماليتين تجتمعان على المكلف الواحد في أكثر الأحيان.
    ومن هذه القضايا المهمة قضية استحقاق التخفيف عن دافعي الزكاة من الأعباء الضريبية، والطريقة التي ينبغي اتباعها في هذا التخفيف، وهذه القضية هي موضوع هذا البحث الذي يستهدف تأصيل هذه المسألة من الناحية الشرعية الشاملة لمبادئ العدالة والمصلحة والحكمة ورعاية الفقراء والضعفاء؛ وذلك من خلال استحضار الأصول الشرعية الملائمة لهذا الموضوع، وتنزيلها على صور الواقع والاحتمالات المختلفة، بعد تحليلها واستخراج المعاني المؤثرة في تقرير الآراء والأحكام، ونبدأ هذا البحث بمقدمات وممهدات ندخل منها إلى التأصيل، ثم التحليل والتكليف بإذن الله تعالى.
    أ.د. محمد نعيم ياسين

    مقدمات وممهدات
    تعريفات - تصوير المسألة - أهميتها - مرجعيات النظر فيها
    الزكاة إذا نُظر إليها من جهة المكلف عُرِّفت بأنها واجب شرعي مالي مقدر فرضه الله عز وجل في أموال الأغنياء من المسلمين للفقراء والمساكين وسائر المستحقين شكرًا لله تعالى، وتزكية للنفس والمال، وإذا نُظر إليها من جانب المستحق عُرِّفت بأنها حق مقدر فرضه الله في أموال أغنياء المسلمين لمن سماهم الله تعالى من المستحقين في كتابه الكريم.
    وأما الضريبة فهي التزام مالي يفرضه القانون لصالح الدولة على الناس تبعًا لمقدرتهم المالية، تصرف حصيلتها في النفقات العامة وتحقيق أهداف للدولة اقتصادية أو اجتماعية.
    فالزكاة والضريبة تتفقان في كونهما التزامًا ماليًّا يؤديه المكلف لينفق في المصالح العامة أو في جهات محددة منها.
    وتختلفان في أمور جوهرية أهمها أن مصدر الإلزام في الزكاة هو الشرع الحنيف؛ حيث جعلها الله عز وجل ركنًا من أركان دينه، وجعلها عبارة يتقرب بها إليه، وفرض على ولاة الأمور تحصيلها وإنفاقها في المصالح والمصارف التي حددها في القرآن العظيم، وجعل إنكارها مخرجًا للمسلم من دينه، وعدم أدائها مدخلاً له في كبار الفساق، ويوجب عليه عقوبة في الدنيا وعذابًا في الآخرة.
    ومصدر الإلزام في الضريبة هو القانون الذي تواضع عليه الناس أو وضع لهم، ولا تحمل في تشريعها أي معنى من المعاني التي تحملها الزكاة، ولا يخطر ببال معطيها أو آخذها سوى الإلزام الذي تحميه السلطة بوسائلها المعروفة.
    ومن الفروق المهمة بينهما أن الزكاة ونظم أحكامها كلها في الوجوب والمقادير والأداء والصرف وغيرها وحي منزَّل، ولم يترك لأحد من الناس الاجتهاد والتصرف في أحكامها الأساسية؛ فهي فريضة محكمة ثابتة مستقرة على المكلفين الذين توافرت فيهم الشروط، وهي حق ثابت للمستحقين لا يخضع للإبطال أو الإلغاء أو الزيادة والنقص والتغيير.
    وأما الضريبة فالقانون يفرضها وينظم أحكامها، وقد يلغي بعضها أو يزيد في مقاديرها، ويغير في أنواعها ومصارفها، ويخضع في ذلك من الناحية النظرية لمقتضيات الحاجة والمصلحة العامة.
    وعلى أية حال فإن الضريبة إذا كانت عادلة واقتضتها حاجات الأمة فهي مشروعة، ويجب على المسلم المكلف بها أن يؤديها طواعية ولا يهرب منها؛ وذلك من منطلق التضامن العام بين أفراد الأمة في تحمل حاجاتها وتحقيق مصالحها، ومن منطلق وجوب الطاعة لمن يمثل الأمة من أهل الحل والعقد فيما يأمرون إذا كان في غير معصية الله عز وجل.
    هذا ولا جدال بين أهل العلم والسياسة أن من أهم الأولويات التي يجب على كل دولة أن تراعيها في سياستها الداخلية هو القيام على أصناف أهل الحاجات والمشرفين على الضياع؛ من فقراء ومساكين وأيتام وغارمين وغيرهم، وأن ذلك من أهم واجبات أولياء الأمور الذين تختارهم الأمة لقيادتها، وللإسلام نظام محكم في مواجهة مشكلة الفقر عماده مؤسسة الزكاة وتشريعات أخرى لا يستلزم المقام بيانها، وتعتبر العناية بالفقراء والمحتاجين من أهم وظائف الإمام في السياسة الشرعية، ولا يعدلها سوى ضرورة الدفاع عن حوزة الإسلام؛ مع ملاحظة أن هذا الهدف الأخير ملحوظ في مصارف الزكاة، وإذا كان الأمر كذلك فإن أي تشريع مالي جديد يجب أن يلاحظ تأثيره على فئات المحتاجين، ومآلاته بالنسبة لأوضاعهم.
    وقضيةُ البحث أن الدولة التي ترغب في استحداث قانون ملزم بالزكاة، أو ترغب في تشجيع المسلمين على أداء الزكاة (من غير إلزام)، بجانب التشريعات الضريبية المطبقة فيها، فيجتمع على المكلفين زكاة وضرائب تجد أنه لا بد من التخفيف عن المكلفين بالنوعين: ومسألة البحث كيف يكون ذلك في ظل هذا الوضع الجديد، وفي ظل حقيقة أن الزكاة لا يجوز التصرف في أحكامها، وأن يد التصرف إنما يمكن أن تمتد إلى الضرائب، فهل يخفف عن دافعي الزكاة بحسم مبالغ زكواتهم من مبالغ الضرائب الواجبة عليهم، أم يكفيهم بأن تحسم زكواتهم من وعاء الضريبة؟
    وتصوير المسألة أن تاجرًا لو استحق عليه من الضرائب مليون دينار واستحق عليه نصف مليون دينار زكاة أمواله من العروض والنقد وغير ذلك، وأداها إلى جهة معتمدة وموثوقة، واستصدر من تلك الجهة وثيقة يُظهر فيها مقدار الزكاة وتفاصيل وعائها. فإذا قدمها إلى الجهة المسؤولة عن تحصيل الضرائب؛ فإن قيل: تُحسم الزكاة من الضريبة نفسها كان على التاجر أن يدفع نصف مليون لجملة الضرائب، وإن قيل: تُحسم الزكاة من وعاء الضريبة، وكانت نسبة الضريبة 5% كان مقدار الحسم 2/1 من مبلغ الزكاة فقط، ويجب عليه أن يدفع 1.475.000 دينار ويلاحظ أن الفرق بين الطريقتين كبير جدًّا ؛ وهو يعدل عند تساوي معدل الضريبة ونسبة الزكاة (2.5 %) أربعين ضعفًا.
    هذه هي صورة المسألة بإطارها البسيط، وإن كان هناك اقتراحات واحتمالات أخرى؛ كأن يُجعل الإعفاء الضريبي شاملاً للأوعية المالية التي تخضع للزكاة، وتؤدي زكاتها إلى الجهات الموثوقة المعتمدة. كما أن تعدد الأوعية المالية وتداخلها وافتراقها من حيث خضوعها للزكاة أو للضريبة يثير طرقًا تفصيلية للإعفاء قد تكون مختلفة عما ذكر، وإن جمعها هدف واحد هو تفصيل فريضة الزكاة في الشعوب المسلمة وتشجيع المسلمين على أدائها، والأخذ بعين الاعتبار ما تؤديه هذه الشعوب من زكاة عند تحديد معالم السياسة المالية، أو عند إرادة تعديلها.
    ومهما يكن من أمر فإن هذه المسألة تعتبر من أهم القضايا التي يثيرها الاتجاه إلى الجمع بين الزكاة والضريبة في النظام المالي؛ لأنه دولة مسلمة؛ سواء أكان ذلك تبني قانون ملزم بالزكاة، أم كان ببعض الإجراءات القانونية التي يراد بها تشجيع المسلمين على أداء الزكاة من غير إلزام؛ لأن ذلك في حقيقته تعديل جوهري في السياسة المالية، بإدخال عنصر جديد في أسلوب التضامن الاجتماعي والمشاركة العامة في تحمل أعباء الدولة، وهذا يقتضي البحث عن الوضع الأصلح لهذه المشاركة، والكيفيات السليمة لتوزيع هذه الأعباء.
    ومعرفة هذا الوضع يتوقف إلى حد كبير على سلامة المرجعيات وملاءمتها للاتجاه السائد في الدولة، وإذا كان الفرض أن الدولة تتجه إلى تبني قانون ملزم بالزكاة، أو التشجيع على أدائها ولو اختيارًا ؛ فإن المرجع المناسب للنظر هو مبادئ السياسة الشرعية والمقاصد العامة لقيام الدولة وتجمعات البشر، ومبادئ الحكمة والعدالة وصدق الانتساب إلى الإسلام.
    كذلك فإن معرفة هذا الوضع يقتضي تجنب التعميم في الأحكام على جميع الصور والحالات والاحتمالات، وضرورة التمييز بينها بحسب الفروق المؤثرة، وهو ما سنحاوله فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

    التأصيل الشرعي
    أولاً:
    من وجهة النظر الإسلامية فإن الأصل الذي ترجع إليه شرعية ما يُوظَّف على الناس من أموال يدفعونها للدولة هو إيجاب الشارع أو إذنه؛ وإلا كانت الوظائف المالية التي تُفرض أكلاً لأموال العباد بالباطل.
    وفي الجملة أوجب الله سبحانه وتعالى على عباده وظيفة مالية جعلها ركنًا من أركان دينه، وحدد مواردها ومصارفها، وهي الزكاة.
    ومن جهة أخرى استقر رأي العلماء المسلمين، وبخاصة علماء السياسة الشرعية فهم على إذن الشرع لأهل الحل والعقد القائمين على تبرير شؤون الأمة وسياستها في توظيف أموال تقوم بأعباء الدولة الراتبة على الغلات والثمرات وضروب الزوائد والفوائد، بحيث تكون يسيرًا من كثير، ويسهل على الناس احتماله، وتقتضيه الضرورة والحاجة، ومصالح الأمة؛ وهذا يشبه إلى حد كبير الضرائب التي تفرضها الدول على شعوبها.
    ثانيًا:
    ويرى أولئك العلماء أن ما يُفرض من الوظائف المالية تحت مرجعية السياسة الشرعية والمصلحة العامة يجب أن يكون على سبيل التكميل والتكامل مع الوظائف المالية التوقيفية التي خصت بنصوص وأدلة خاصة.
    وهذا يقتضي التنسيق بين النوعين عند إرادة فرض الضرائب، بحيث يكون النوع الثاني مكتملاً للنقص الذي يقع في النوع الأول، بالنظر إلى المتطلبات المالية للمقاصد الشرعية في ضوء ما يطرأ من ضرورات وحاجات عامة على أن التنسيق هنا ليس بين أمرين متعادلين، وإنما هو بين ثابت ومتحرك، والثابت هو الوظائف المالية التوقيفية، وعمادها الزكاة؛ حيث لا تتدخل السياسة في أحكامها، إلا أن تلزم بها من يمتنع عن أدائها وفق شروط معينة، وأما المتحرك من هذين النوعين فهو الضرائب التي يجوز لأولي الأمر أن يوظِّفوها، فيتصرفوا فيها إلزامًا وإعفاءً وإلغاءً وزيادة ونقصًا ، في إطارٍ من المقاصد والمبادئ العامة أهمها ما ذكرنا من مبدأ التكامل مع النوع التوقيفي وعدم المساس به، واستهداف تحقيق مقاصده في رعاية الفقراء والمساكين، وحماية بيضة الإسلام والدفاع عن المسلمين.
    ثالثًا:
    وبناءً على ما سبق فإنه يمكن للباحث أن يستنبط من كلام العلماء الذين تعرضوا لهذا الموضوع أن ذلك منضبط بضوابط أهمها قيام الحاجات والضرورات وظهورها بظهور قصور في الموارد الراتبة عن التكاليف والأعباء العامة، بعد التأكد من إمكان الوصول إلى الحصيلة المتوقعة من تلك الموارد (وأهمها الزكاة).
    فيشرع عندئذ توظيف أموال على الأغنياء الذين يملكون نصاب الزكاة، ولا يؤثر ذلك عليهم؛ فلا يزجهم في مدارج الفقر الذي يوجب لهم الزكاة، بعد إذ كانوا يدفعونها إلى الفقراء.
    رابعًا:
    ويعني ما تقدم في الفقرة السابقة أن الزكاة تكون مأخوذة بعين الاعتبار عند تحديد حجم ما يُفرض من الضرائب على الناس؛ لأن هذه الضرائب ينبغي أن تكمل ما قصرت عنه الزكاة وغيرها من الموارد العامة ولا يجوز في السياسة الشرعية أن تفرض على الناس ضرائب مالية من غير نظر ولا اعتبار لما أوجب الله عليهم من فريضة مالية هي ركن من أركان دينهم، فإن فصلت الدولة ذلك فإن هذا الفصل لا يخرج مضمونه عن أحد معنيين: الأول - تثبيط الناس عن إقامة ركن من أركان دينهم هو الزكاة؛ لأن مآل هذه السياسة هو تحميل الناس القيام بالأعباء المالية للدولة، وإلزامهم بالضرائب المفروضة، بغضِّ النظر عن زكاة يدفعونها أو لا يدفعونها؛ فلا يبقى من يقوم بهذا الركن سوى مسلم راسخ الإيمان لا يصده عن دفع الزكاة أي عبء آخر تفرضه عليه الدولة، ولكن أناسًا لم يصل إيمانهم إلى هذه الدرجة ربما تعلَّلوا بما تُحملهم الدولة من الضرائب الكثيرة، وأنهم يتحملون قسطًا كافيًا من الأعباء العامة بهذه الضرائب التي تُجبى منهم. كما أن فريقًا ممن يدفعون هذه الضرائب مع كثرتها وتنوعها وارتفاع نسبها ربما تزجهم في دائرة الفقر، أو تنقص ما عندهم من أموال عن النصاب الذي يُشترط في وجوب الزكاة.
    وأما المعنى الثاني الذي تتضمنه السياسة الضريبية الغافلة أو المتغافلة عن طائفة من المسلمين يدفعون زكاة أموالهم والضرائب مجتمعة فهو ظلم هذه الطائفة من أبناء الأمة؛ لتحملها أكثر من غيرها أو أكثر مما يفترض أن يصيبها من المساهمة المالية في التكاليف العامة.
    خامسًا:
    يتبين مما سبق أن الوضع الشرعي للحالة التي تفرض فيها الضرائب مع الزكاة على القادرين أن الزكاة التي يدفعها المسلم محسوب حسابها عندما تفرض تلك الضرائب، ومأخوذ بعين الاعتبار ما يحمله أهل الزكاة من أعباء تقع على كاهل المجموعة المتضامنة من المسلمين، وهي الأعباء المالية المطلوبة لمجاهدة الفقر والكفر، وإذا كان المفروض في هذا الوضع أن الزكاة تؤخذ من جميع المكلفين بها، فإن الضرائب التي تفرض عليهم كلٌّ بحسب قدرته المالية تكون مكملة لما أسهم من الزكاة؛ بحيث تكون محصلة الأموال التي أخذت من الناس من زكاة وضرائب منطبقة على حاجات الأمة المتمثِّلة في مصارف الزكاة ومصارف المصالح والخدمات الأخرى؛ وهذا الوضع يعني أن دافع الزكاة قد احتسب له مقدار زكاة من جملة ما هو مطلوب منه أن يُسهم به في الأعباء المالية العامة للأمة: وبهذا التصوير تكون الزكاة محسوبة لدافعيها من جملة المال الذي تحتاجه الدولة، فإذا كانت الأمة تحتاج للقيام بأعبائها المالية وتحقيق أهداف سياساتها مبلغًا يساوي (ع)، وكانت حصيلة الزكوات تساوي (ز)؛ ورمزنا لحصيلة الضرائب بـ (ض)، ثم افترضنا أنه لا توجد زكاة؛ إذن لوجب تحصيل (ع) عن طريق فرض الضرائب لتطبيق حصيلة الضرائب على حاجات الأمة كلها؛ بحيث تكون –عندئذ- (ض) = (ع) . ومن البدهي في هذه الحالة أن تكون هذه الضرائب كثيرة، ويصيب المكلف منها قدر كبير. وأما إذا افترضنا أن الزكاة تدفع بجانب ما يفرض من الضرائب، فإن ما يصيب الفرد من الضرائب يكون أقل؛ لأن (ع) تنقسم عندئذ بين (ز) و (ض)، يعني أن (ع) = (ز) + (ض)؛ فتكون (ض) = (ع) - (ز)؛ وهذا يعني أنَّ الضرائب ستكون مساوية لحاصل الفرق بين المتطلبات المالية العامة، وبين مبالغ الزكاة، وسيكون حجمها أقل من الحالة الأولى؛ والفرق هو بين مبالغ الضرائب في حالة غيبة الزكاة، ومبالغها في حالة وجود الزكاة؛ ومعنى هذا أن الحسم يقع بين مبالغ الضريبة في الحالة الأولى، ومبالغ الزكاة في الحالة الأخرى.
    سادسًا:
    يظهر بوضوح أن الدولة إذا التزمت بالوضع الشرعي بحسب ما عرضناه آنفًا، وكان جميع المكلفين بالزكاة يؤدُّونها إلى الجهة المعتمدة المكلفة بجمعها وصرفها، لم يكن عندئذ أي مسوغ شرعي لحسم الزكاة من مبالغ الضريبة ذاتها؛ لأن الضريبة بحسب ذلك الوضع قد روعي في مقدارها أن يكون مكملاً للزكاة بغرض الوصول إلى القدرة على القيام بالحاجات العامة للأمة، وحسم أي منهما من الآخر يؤثر سلبًا على هذه القدرة، ولكن كلاًّ منهما يجب شرعًا أن يحسم من وعاء الآخر، فتحسم الزكاة من وعاء الضريبة، وتحسم الضريبة من وعاء الزكاة؛ لأن كلاًّ منهما مبالغ تخرج من ذمة المكلف، فلا ينبغي أن تكون عليها زكاة أو ضريبة.
    تطبيق التأصيل على الحالات
    أولاً:
    ذلك هو الوضع الشرعي للسياسة المالية العامة عندما تقتضي الظروف الكلية الجمع - على الأمة- بين الزكاة والضريبة.
    لكن واقع السياسات المالية للدول الإسلامية في معظمها مختلف عن ذلك الوضع، وإن كان بدرجات متفاوتة؛ وذلك أن معظم هذه الدول عندما وضعت سياساتها المالية وتشريعاتها الضريبية لم يكن يخطر ببال واضعيها اعتبار الزكاة محددًا من محددات تلك السياسات والتشريعات، بالرغم من كون أكثر السكان في هذه الدول من المسلمين، وبالرغم من إعلان طائفة من هذه الدول في دساتيرها أن الإسلام هو دين الدولة؛ فلم يعتبر في تلك السياسات رغبة الغالبية العظمى من المواطنين، ولا اعتبر فيها ذلك الانتماء إلى دين الإسلام المعلن عنه في الدساتير، ولا المصالح الإنسانية والاقتصادية التي ينطوي عليها ذلك الركن العظيم من أركان الإسلام.
    وقد كان من ثمار تلك السياسات المالية الاستكثار من الضرائب تحت أسماء وعناوين كثيرة، وربما كان بعضها من غير اسم ولا عنوان ؛ فكانت وما زالت وسوف تظل مرهقة لأكثر الناس في دول الإسلام، ثم إنها -وبالرغم من كثرتها- قلت بركاتها في تحقيق الأهداف المعلنة، وظلت أكثر تلك الدول تشكو من العجز والحاجة؛ حتى ألجأها ذلك إلى الاقتراض المذل من الدول الأخرى.
    وهذه الضرائب لم يسلم منها الفقراء الذين لا يجدون حاجاتهم الأصلية، ولا نالهم من حصيلتها سوى القليل الذي لا يُخرجهم من دائرة الفقر إلى دائرة الاستغناء؛ فصاروا إلى ازدياد مستمر ومرعب، وتناقص الانتماء إلى المجتمع؛ وجرَّ ذلك مفاسد كثيرة؛ وذلك أن معظم القنوات الضريبية الممدودة إلى جسم المجتمع تمتص الأموال لتضخها في خزانة واحدة يُجعل عليها وزير مختص، ثم تخرج منها إلى جهات مختلفة؛ والغالب أن جهة الفقراء والمشرفين على الضياع لا يكاد يُلتفت إليهم في زحمة الأهداف الاقتصادية، والتي كثيرًا ما يختلط معها أهداف شخصية وأنواع من الفساد. ولا تُعنى تلك السياسات بتخصيص خزانة لأولئك الفقراء ذات موارد ومصارف خاصة، كما هو الحال في سياسة الشرع المالية؛ وهكذا يكثر الضائعون ويزدادون ضياعًا.
    ثانيًا:
    أمام هذا الواقع: حيث أُغفلت الزكاة وتكاثرت الضرائب في أنواعها ومعدلاتها، واشتدت وطأتها على الناس، وقلت تركتها وفاعليتها في تحسين أوضاعهم. إذا أرادت دولة من دول الإسلام إصلاح نظامها المالي وجعل الزكاة ركنًا من أركانه، فإن ذلك يقتضي إعادة النظر في النظام الضريبي، وحصرَ أهدافه في تحقيق المصالح العامة التي لا يجوز شرعًا أن تصرف أموال الزكاة إليها، وحصر موارده في الضرائب المنطبقة على تلك الأهداف، ويمكن أن يجمع معها موارد مالية عامة أخرى غير الزكاة، كثمرات الأملاك العامة واستثماراتها، ثم حصر ذلك كله في خزانة خاصة يمكن تسميتها بأي اسم معبر، ويديرها جهاز موثوق.
    ذلك هو شق النظام المالي المتعلق بالمصالح والخدمات، ويقابله الشق الآخر المتعلق بمصالح الزكاة؛ حيث يخصص لها موارد الزكاة، وتحصر في خزانة مستقلة عن خزانة الشق الأول، ويمكن أن تسمى خزينة الزكاة أو بيت الزكاة أو نحو ذلك، ويديرها جمعًا وصرفًا جهاز موثوق أيضًا يتميز عناصره باشتهارهم بالأمانة والعلم بأحكام الزكاة، وتوضع آليات اختيارهم بحيث يتحقق استغلال هذا الجهاز وتحصينه وحفظه من التدخلات التي تخرجه عن مساره الشرعي، وبالرجوع إلى علماء الإدارة المالية والإدارة العامة وتزويدهم بالأهداف والشروط العامة في جهاز بيت المال وجهاز بيت الزكاة يمكن الوصول إلى تلك الآليات المنشودة.
    فإذا اختارت دولة هذا المنهج في الجمع بين الزكاة والضرائب كان كل من الزكاة والضريبة وظائف واجبة شرعًا على المكلفين القادرين ، وعندئذ لا وجه للقول بحسم الزكاة من الضريبة ولا العكس. ولكن من البدهي أن يحسم كل منهما من وعاء الآخر؛ لأن كلاًّ منهما يعتبر دينًا على المكلف، فإن دفع بالفعل لم يرد البحث في حسمه، وإن لم يُدفع عند حساب الزكاة أو الضريبة كان دينًا يجب تجنيبه عن الوعاء.
    ثالثًا:
    غير أن المتوقع في الظروف العامة الحالية المتعددة والمتشابكة أن تعرف الدول عن هذا الطريق الذي يقتضي إعادة بناء النظام المالي وفي ضمنه الضريبي على أساس أنه نظام مكتمل للزكاة.
    فإذا كان الأمر كذلك فإن الدول التي تنتمي أكثرية شعوبها إلى الإسلام لا تخرج عن أحد صنفين: صنف يرغب في تفصيل فريضة الزكاة بغض النظر عن دوافعه. وصنف لا يهمه ذلك وقد يرغب عنه بغض النظر عن دوافعه أيضًا. والصنف الأول قد تصل رغبته إلى تبني قانون ينظم فريضة الزكاة بحسب أصولها الشرعية دون التخلي عن نظامه المالي والضريبي. وقد لا تصل أو لا تساعد ظروفه على ذلك، وإن كان يميل إلى الاستفادة من واقع فيه أكثرية من الناس يرغبون أو لا يمانعون على الأقل في أداء الزكاة لتوضع في مصارفها الشرعية، وفي مقدمتها مصرف الفقراء والمساكين.
    فأما الدولة التي ترغب في تبني قانون للزكاة دون التخلي عن نظامها الضريبي، فيجب أن تأخذ بعين الاعتبار حقائق أشرنا إلى طائفة منها آنفًا: الأولى: أن الضرائب إنما تستمد شرعيتها من كونها مكمِّلة للزكاة في تلبية حاجات الأمة وقضاء مصالحها. والحقيقة الثانية: أن الضرائب الحالية قد شرعت في معزل عن اعتبار الزكاة عاملاً مهما في تحقيق مصالح الأمة؛ فاستكثر منها على اعتبار أنها المورد الرئيس الذي يلزم به الناس، ويعتمد عليه في الوفاء بمتطلبات المصالح العامة. والحقيقة الثالثة: أن الزكاة عندما تدخل تحت الإلزام القانوني تكتمل فيها خصائص الضريبة بمصطلحها الدقيق، إضافة إلى صفتها الربانية؛ وهذه الصفة تزيدها إلزامًا عن إلزام الضريبة؛ سواء أوجدت مسوغاتها الشرعية أم لم توجد؛ لأنها في الحالة الأخيرة لا تكون واجبة شرعًا، وفي الحالة الأولى لا تصل في رتبتها إلى أن تكون ركنًا من أركان الدين كالزكاة، والحقيقة الرابعة: أن تصرُّفَ ولي الأمر إيجابًا وإعفاءً وتغييرًا وزيادة ونقصًا هو في الضريبة دون الزكاة؛ فإن كان لا بد من التدخل في إحدى الاثنتين تعينت الضريبة، ولم يجز التدخل في الزكاة إلا لإلزام الممتنعين عنها. والحقيقة الخامسة: وهي أهمها، أن أوْلى الوظائف المالية التي يوظف على الأمة المتضامنة للقيام بمصالحها بالنظر والاعتبار والحرص على زيادة محصولها ودفع الناس إلى الوفاء بها هي تلك الوظيفة التي تخصص لإنقاذ المشرفين على الضياع من فقراء ومساكين، وليست هذه الوظيفة سوى الزكاة.
    فإذا أخذت هذه الحقائق الخمس مجتمعة بعين الاعتبار عند إرادة التطبيق الإلزامي للزكاة في دولة حددت أهدافها الاقتصادية والاجتماعية ووضعت سياستها المالية وتشريعاتها الضريبية في غفلة عن فريضة الزكاة والمصالح المركزية التي تحققها، وأهمها معالجة مشكلة الفقر وآثارها المدمرة، فاستكثرت من تشريع الضرائب على أموال الناس وحركاتهم الاقتصادية التجارية وغير التجارية؛ فبلغت مبلغًا لم تكن لتبلغه لو كانت فريضة الزكاة مفعَّلةً بالصورة المقبولة في الشرع، ولكان حجمها أقل بقدر يعادل الحصيلة الزكوية تقريبًا.
    فإذا أرادت مثل هذه الدولة أن تحييَ ركن الإسلام الثالث بعد الشهادتين والصلاة في صورة قانون يُنظم جمع الزكوات ووضعها في مصارفها، ولا تريد إعادة النظر في نظامها الضريبي وبنائه من جديد على أساس الجمع بين النوعين، فإن أقرب أسلوب لتصحيح الوضع المالي وتقريبه من الوضع الشرعي الذي أشرنا إلى معالمه فيما سبق، هو اعتبار الحصيلة الزكوية مساهمة من دافعي الزكاة في المالية العامة للدولة مرصدةً للقيام بأهداف مهمة من أهدافها، وأن هذه المساهمة لم تكن محتسبة عند فرض الضرائب على أولئك المزكين؛ لأن الزكاة لم تكن مشترعة حينئذ، فيجب احتسابها بعد الإلزام بها قانونًا. والطريقة المنطقية لاحتسابها هو تحويل مبالغها من حصيلة الضرائب إلى صندوق الزكاة الذي ينبغي إنشاؤه على النحو الذي أشرنا إليه، ولكن بصورة لا يجتمع على المكلف زكاة وضريبة مساوية لها في مقدارها؛ والسبيل إلى ذلك هو حسم مقدار الزكاة المدفوعة أو المستحقة عمن يؤديها من مقادير الضريبة التي أخذت منه أو استحقت عليه؛ إذ هو في الحقيقة قد أسهم في حمل جزء من الأعباء المالية المطلوبة لتحقيق أهداف يُفترض أن الضرائب تُستوفى من أجل تحقيقها؛ لتكون نتيجة هذا الإجراء حصيلة مالية عامة تنقسم بين ضرائب وموارد عامة أخرى من جهة، وموارد الزكاة من جهة أخرى، وكلاهما يستوفيان من الأمة، وإن كان كلٌّ منهما يتميز عن الآخر من حيثياتٍ سبق ذكرها.
    وهذه الحصيلة المالية لما تدفعه الأمة بالطريقة المذكورة التي يجمع فيها بين الزكاة والضريبة لن تكون أقل من الحصيلة العامة التي تحصل بالطرق المتبعة؛ لأن ما حُسم من الضريبة، وهو مقدار الزكاة، ذهب من صندوق إلى صندوق، وكلاهما مرصود لتحقيق مقاصد عامة، مطلوب من الدولة تحقيقها؛ والفرق أن ما يساوي مبالغ الزكاة قد جعل في صندوق خاص مرصدٍ لمصالح محددة يعد تحقيقها في الشرع وفي السياسة العادلة من أولويات السياسة المالية. ولا يعني هذا أن المزكي يعفى من جميع ضرائبه، وإنما يعفى منها بقدر زكاته، ويؤدي ما يزيد عليها.
    رابعًا:
    أما الدول التي لا ترغب في تبني قانون للزكاة لظروف تلاحظها، وتترك أمر أدائها لاختيار المسلمين، ولكنها في الوقت ذاته ترغب في تفعيلها وتشجيع الناس على أدائها، وقد تبتغي من ذلك اتباع التدرج في تشريعها، فهذه أجدر من الصنف الأول، الذي يتبنى قانونًا ملزمًا للزكاة، بأن تتبع الطريقة السابقة في حسم الزكوات من مبالغ الضريبة لا من وعائها؛ وذلك للأسباب التالية:
    السبب الأول: أن الزكاة عبادة تختلف عن سائر العبادات من حيث تعلق حق الفقراء بها؛ ولذلك كان الإلزام بها دينيًّا ودنيويًّا ، حتى يجبر من تركها على أدائها ولا ينظر إلى نيته، وإنما ينظر إلى النية في الآخرة، بل كان بعض السلف يلزم من تركها بأدائها وبغرامة مالية عقوبة له، والإلزام بها واجب على ولي الأمر نيابة عن مجموعة المسلمين؛ وهذا هو الأصل الشرعي الذي لا خلاف حوله. فإن لم يكن هذا الأصل مرعيًّا وأرادت الدولة تشجيع المسلمين على أداء زكواتهم على سبيل التدرج للوصول إلى ذلك الأصل في نهاية الأمر، كان عليها أن تتخذ إجراءً يشكل دافعًا دنيويًّا يقترب من الإلزام، وإن كان لا يقوم مقامه، ويكتمل الدافع الديني إن لم يكن كافيًا؛ ولا يكون ذلك إلا أن تحسم الزكاة من الضرائب التي رتبت على الناس في غيبة النظر إلى ما فرضه الله من الزكاة على المسلمين القادرين؛ فهذا إجراءٌ يشجع الكثيرين على دفع زكاة أموالهم بالإضافة إلى ضرائبهم؛ لأنهم يعلمون أن هذه الزكاة سيحول مثلها إلى بيت مال الفقراء ؛ وذلك بحسمها من المستحقات الضريبية عليهم، وأما حسم الزكاة من وعاء الضريبة فإنه لا يشجع أحدًا لتفاهة مقادير الحسم عندئذ كما سبق بيانه.
    السبب الثاني: إن قواعد التشريع الضريبي التي يرددها علماء هذا التشريع تقتضي -عند إمعان النظر- أن يكون حسم الزكاة من الضريبة نفسها، وليس من وعائها؛ ومن أهم تلك القواعد ما يلي:
    1- قاعدة العدالة الضريبية التي تقتضي العدل بين أفراد الأمة في حمل مصالحها وحاجاتها. وفي غيبة الإلزام بالزكاة وحضور الإلزام بالضرائب المتعددة، وفي ظل الإعفاءات الضريبية المعتمدة، فإن الناظر يرى ثلاثة أصناف من الناس: صنف يؤدي الزكاة والضريبة: وهم طائفة من أغنياء المسلمين تحملوا العبئين طلبًا للسلامة في الدنيا والآخرة . وصنف يؤدي الضريبة ولا يؤدي الزكاة استجابة للإلزام الدنيوي دون غيره، وصنف لا يؤدي ضريبة ولا زكاة، ولا شك في أن الذين يؤدون الزكاة والضريبة قد حملوا من متطلبات الأمة أكثر من غيرهم، ومن حقهم أن تعدل أوضاعهم لتحقيق العدالة، ولا يمكن أن يكون الحسم من وعاء الضريبة كافيًا لتحقيق هذه العدالة؛ لأن حقيقة هذا الحسم هو احتساب جزء بسيط لا يكاد يذكر من مساهمة أهل الزكاة في تحمل أعباء مهمة تقع على عاتق الدولة.
    2- قواعد الإعفاء الضريبي تقتضي حسم الزكاة من الضريبة نفسها، وليس من وعائها، وهذه الحقيقة تحتاج إلى تدقيق وتأنٍ في النظر، ولا يراها ناظر متعجل؛ وذلك أن الإعفاءات التي اشتملت عليها التشريعات والنظم والتعليمات الضريبية ترد على أوعية مالية، فتعفي هذه الأوعية من الضرائب كليًّا، ولا يقتصر الإعفاء على مجرد نفقات تخرج من تلك الأوعية، وللتوضيح نذكر بعض أنواع الإعفاءات من ضريبة الدخل؛ كإعفاء دخول الموظفين في السفارات والقنصليات، وإعفاء عوائد السندات التي تصدرها الشركات المساهمة وبنوك القطاع العام، وعوائد الودائع وحسابات التوفير والأرباح التجارية والصناعية وشهادات الاستثمار وفوائدها، والدخول الزراعية (وإن كان المستثمر فيها شركات كبرى)، وإعفاء فوائد البنوك والشركات المالية وإعفاء دخول الملاهي ودور الفرجة (بحسب ما ورد في بعض التشريعات).
    فكل إعفاء من هذه الإعفاءات يرد على أوعية مالية كلية تدخل -في الأصل- في مشمولات النصوص التشريعية الموجبة للضريبة، فجعلت الضريبة عليها صفرًا، طلبًا لتحقيق مقاصد أعلاها (في نظري) أدنى من أي مقصد من المقاصد التي شرعت الزكاة لتحقيقها؛ وقد كان منطق الأمور يقضي بإعفاء الأوعية المالية التي يلتزم أصحابها بصورة دورية بدفع زكواتها للجهة المعتمدة التي توصلها إلى مستحقيها بحسب التوجيه الشرعي؛ وإذا أردت المقارنة التمثيلية فخذ مثلاً صاحب ملهى أو فندق سياحي أو تاجر سندات يدخل على الواحد منهم مليون، فيُعفى من ضريبتها، لما يقولون إنه تشجيع للسياحة أو للإقراض. ثم وضع بجانبه مثلاً آخر تاجرًا يتاجر بسلع غذائية أو غيرها، تقدر قيمتها السوقية بمليون هي قيمة رأسمالها وأرباحها، فهذا الأخير يدفع لجهة الزكاة ربع عشر رأسماله وأرباحه لتسهم في إنقاذ أناس يشرفون على الهلاك: فليقارن العاقل ليدرك أيَّ الأوعية أولى بالتشجيع، وليحكم أيها أحق بالإعفاء؟ ولا يغيب عن نظره أن معظم الإعفاءات الضريبية تقع فائدتها المباشرة للأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال، ثم يُدَّعى أن الفائدة تعود على الناس بصورة غير مباشرة.
    إن هذا النظر يشير بصورة واضحة إلى أن أية دولة تجنح إلى تشجيع الزكاة، ينبغي أن تمد مظلة إعفاءاتها الضريبية ليشمل الأموال الزكوية (أوعية الزكاة)، ويسمى مجرد حسم مقدار الزكاة من وعاء الضريبة؛ لأنه لا يحقق تلك الغاية من جهة، ولأنه تفريق بين متشابهين لا مسوغ له، ولأن مقدار الزكاة ليس وعاء ماليًّا. وإنما الذي يشبه تلك الأوعية المعفاة من الضريبة هو وعاء الزكاة وليس مقدارها. ومحصلة هذا الإجراء إذا طبق هو مسح الضريبة عن أوعية الزكاة، وليس مجرد حسم مقدار الزكاة من مبالغ الضريبة؛ وهو أبلغ في الإعفاء إذا كانت معدلات الضريبة أعلى من معدلات الزكاة، وهو الغالب. فإن لم يكن ذلك فلا أقل من أن يحسم من أوعية الزكاة بنسبة مقدارها إلى مقدار الضريبة الواجبة على تلك الأوعية؛ فإن كانت الضريبة 5% كان الإعفاء على نصف وعاء الزكاة (2.5%)؛ وهي في المحصلة حسم مقدار الزكاة من مقدار الضريبة، أما أن يكون حسم مقدار الزكاة من وعاء الضريبة، فليس له أي وجه من وجوه المنطق، فضلاً عن كونه يشعر باستخفاف غير مقبول بالزكاة وأهلها، وجهلاً أو تجاهلا لحقيقتها ودورها.
    نعم، إن هذا إنما ينطبق في ظاهره على الحالات التي تجتمع فيها الزكاة والضريبة على وعاء واحد، ولا ينطبق على المال إذا كان مما تجب فيه الزكاة، ولا تجب فيه الضريبة أو العكس.
    ومع أن هذا خيار يمكن قبوله لتحقيق درجة متوسطة من التشجيع لأهل الزكاة، لكن التعمق في النظر يرى أن من يؤدي زكاة أموال لا تجب فيها ضرائب تختلف عمن يؤدي ضرائب لا تجب فيها زكاة؛ لأن الأول من المكلفين تجب عليه الضرائب كغيره، فهو مشارك في التوعية؛ لأن الزكاة فريضة شرعية في اعتقاده، والضريبة كذلك فضلاً عن الإلزام الدنيوي المقارن لها، فيستحق النظر أيضًا، على أنه لا يقل في زيادة مشاركته العامة عن صورة الجمع بين الزكاة والضريبة؛ حيث يؤدي وظيفة مالية عن وعاء لا يلزم القانون أحدًا بأداء جزء منها لتحقيق مقاصد الدولة؛ فالأول يزيد عن غيره بزكاة، والثاني مثله يزيد عن غيره بزكاة، وينبغي أن يلاحظ أن كثيرًا من الأوعية الزكوية التي لا تشملها الضريبة عند نشوئها أو تكونها، تنالها إذا تحركت يمنة أو يسرة في عالم التعامل، فأنواع الضرائب لا تكاد تترك وعاء ماليًّا غير المعفيات، ولا بد أن تصيبه، إما عند ولادته، وإما بعدها. كما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار أن كثيرًا من الأوعية الزكوية تدفع زكاتها في كل عام ما دامت شروط الوجود متوفرة.
    وهكذا فإن دولة تريد تشجيع الزكاة يستحسن لها أن تحسم مقدار الزكاة الذي يصل إلى الهيئة المعتمدة في جمعه وصرفه، من مبالغ الضريبة الواجبة، وبخاصة أن هذه المبالغ إذا جمع بعضها إلى بعض بلغت أضعاف الزكاة.
    3- أغلب الظن عندي أن قاعدة المنع من الازدواج الضريبي يؤيد القول بحسم الزكاة من مبلغ الضريبة نفسها.
    فبالرغم من تحكم الدول في تحديد مفهوم الازدواج الضريبي وتضييقه؛ لتتمكن من فرض ضرائب كثيرة على مال واحد؛ فإن من الواضح وقوع هذا الازدواج عندما تكون الزكاة إلزامية بقانون، ويكون الوعاء متحدًا بين الضريبة والزكاة، أو متداخلاً (حيث يكون الازدواج بقدر المشترك من الوعاء)؛ وذلك إذا أخذ بعين الاعتبار ما أشرنا إليه فيما سبق من أن الزكاة -وإن لم تسمَّ ضريبة- تجتمع فيها خصائص الضريبة الدنيوية؛ فهي مال يقتطع من وعاء مالي بنسبة محددة، وتعطى إلى جهة معتمدة رسميًّا، لتنفقها في مصارفها الشرعية التي هي في حقيقتها متطلبات عامة تحمل الدولة مسؤولية تحقيقها؛ فكم من مال يحصل عليه المسلم تفرض عليه ضريبة وتجب عليه زكاته؛ كالدخل يُدفع عليه ضريبة وزكاة ؛ الأولى عند دخوله عليه، والثانية عندما يحول عليه الحول. والعقار تجب عليه ضريبة عند بيعه وشرائه، فإن كان عرضًا تجاريًّا دفع عليه زكاته في كل عام عند الجمهور، ومرة عند بيعه وقبض ثمنه عند المالكية، فلو أن تاجر عقارات وجب عليه أن يؤدي ضريبة كل عقار عند شرائه وعند بيعه، وهي في بعض الدول لا تقل عن 10% من قيمته. فإن كان من أهل الزكاة وجب عليه أن يدفع ربع عشر قيمته كل عام إن لم يبعه، فإن باعه وجب عليه ربع عشر ثمنه إن حال عليه حول ؛ فانظر إلى هذا التاجر الذي لا يكف عن بيع العقار وشرائه كم يدفع من ضرائب العقارات، وقد يبيع ويشترى في الشهر الواحد عدة مرات، ويؤدي زكاتها في كل عام هي وما معه من أموال زكوية أخرى؛ فالازدواج حاصل بين الزكاة والضريبة، ما دامت الزكاة لها خصائص الضريبة، وكانت تعطى إلى جهة رسمية معتمدة، وتنفق في أهم مصالح الأمة، سواء ألزم بها القانون أم لم يلزم، لأن الإلزام الرباني بالنسبة للمسلم أشد من إلزام الدولة؛ وإن الدولة التي تقول للمسلم المزكي: (أنا لا أحتسب لك زكاتك لأني لا أكرمك بها وبإمكانك تركها) ، وهي تعلم أنه لا خيار له في تركها من الناحية النفسية والاعتقادية، إن مثل هذه الدولة لهي دولة متعنتة وغير عادلة، وتضع نفسها في موضع من لا يريد تشجيع المسلمين على القيام بالركن الثالث من أركان دينهم، فضلاً عن أنه وضع يُبنْبي عن عدم جدية في معالجة مشكلة الفقر.
    فإذا صح أن الجمع بين الزكاة والضريبة في وعاء مالي واحد هو من الازدواج الضريبي ، فإن التشريعات المالية تعالج هذا الازدواج بإحدى طريقتين:
    الأولى: طريقة وقائية بأن يُعفى ذلك الوعاء من إحدى الضريبتين؛ والحال أن المزاوج للضريبة هنا هو الزكاة، والزكاة لا سبيل إلى إعفاء الوعاء منها، فتعين الإعفاء أن يقع على الضريبة أو على جزء من الوعاء يعدل نسبة مقدار الزكاة إلى معدل الضريبة.
    الثانية: طريقة علاجية، وهي إجراء التكافل الضريبي الذي يقتضي حسم ما دفعه المكلف من الضرائب أو إعفاءه مما استُحق عليه تاليًا. والزكاة لا يمكن الإعفاء منها، فبقي الإعفاء من الضريبة أو من نسبة فيها تعدل الزكاة.
    صحيح أن المعنى الاصطلاحي الدقيق لا ينطبق على وعاء زكوي لا تجب فيه ضريبة، ولكن الجزء المؤثر من معناه موجود في هذه الصورة أيضًا؛ والمعنى المؤثر في الازدواج هو أخذ مال من المكلف لا يجب عليه من الناحية القانونية؛ والذي يؤدي زكاة زرعه عشرًا أو نصف عشر، والحال أن لا ضريبة عليه، وهو يرى لزوم الزكاة عليه يتحقق فقي صنعه هذا ذلك المعنى المؤثر الذي من أجله مُنع الازدواج.
    خامسًا:
    أما الدول التي ترغب عن الزكاة ولا ترغب في تفصيلها، لا بتشريع إلزامي ولا بتشريع تشجيعي، كالذي ذكرناه آنفًا؛ فقد ظهر مما تقدم بيانه أن هذا الموقف ليس له أي سبب موضعي، لا قانوني ولا مصلحي، وبخاصة إذا كانت الأغلبية في شعوبها من المسلمين؛ وهم مهما تفاوتوا في التزامهم الديني أشدَّ رضى بدفع أموالهم تحت عنوان الزكاة، لتُعطَى للفقراء والمساكين؛ لا شك أن القوانين التي تعبر عن رغبات الناس ودوافعهم الإيجابية لهي خير وأكثر فاعلية من تلك التي لا تراعي ذلك.
    على أن السياسة الحكيمة العادلة، وإن كانت وضعية دنيوية ، حتى وإن كانت لدول غير إسلامية فيها جاليات إسلامية لتقضي باعتبار ما يدفعة المسلمون من الزكاة إسهامًا في تحقيق أهداف الدولة جزءًا من الضرائب التي تستحق عليهم، فلو افترضنا أن بلدًا غير إسلامي يلتزم بحسب سياسته المالية أن يدفع إعانات مالية على شكل رواتب للفقراء والعاطلين عن العمل من مواطنيه، وكان فيه جالية إسلامية منها مائة ألف يستحقون مثل تلك الإعانات الراتبة، وعرضت تلك الجالية على تلك الدولة أن تتحمل تلك الإعانات المخصصة لفقرائها أو نصفها أو ربعها من صندوق يسهم فيه أغنياؤها الذين تجب عليهم الزكاة، كلٌّ بقدر ما يجب عليه منها، وأن يكون ذلك وفق ترتيبات محددة توفر لتلك الدولة الرقابة والثقة، وذلك في مقابل إعفاء أغنياء تلك الجالية من الضرائب المستحقة عليهم بقدر ما يسهمون في ذلك الصندوق، لو حصل مثل ذلك أليس من الحكمة والمصلحة والعدالة أن توافق تلك الدولة على هذا الأمر الذي قد يوفر عليها مؤنة التحصيل والإنفاق، ويحقق لها أهدافها فيما يتعلق بطائفة من فقرائه؟ وهل من الحكمة والعدل أن يُرفض طلبهم، أو يقال لهم: نحسم ما تدفعونه من أوعية ضرائبكم وليس منها، مع أنه لا يساوي عشر معشار ما تحملون من عبء عن الدولة؟! إن الأمر واضح في ميزان العقول، وهو مما يتفق مع السياسة الشرعية في شقها الدنيوي، وهي تحقق المصلحة لكل من يتبناها مسلمًا كان أو غير مسلم، ولا تخلو السياسة الراشدة وبخاصة سياسة عمر رضي الله عنه من تطبيقات مشابهة؛ ومن ذلك إسقاطه الجزية (وهي من جنس الضريبة) عن أهل الثغور من غير المسلمين إذا تعهدوا بالدفاع عن ثغورهم؛ لما يتطابق ذلك من الإعداد والإنفاق، فيسقط في مقابله ما كان يؤخذ منهم من الجزية التي قد تنفق كلها أو بعضها أو أكثر منها في الدفاع عن الثغور.
    سادسًا:
    إن جميع ما ذكرنا من تنظير وتحليل واقتراحات بشأن تفعيل الزكاة؛ سواء أكان بتبني قانون يلزم بها، أم كان بتشريع حسم الزكاة من الضريبة نفسها، أم كان بتشريع حسم وعاء الزكاة من وعاء الضريبة، وإن كان مقبولاً شرعًا وعقلاً وسياسة، ولا يدخله الفساد النظري، لكنه قابل للتشويه والفساد والتوسل به إلى الظلم في التطبيق والممارسة، وهذا هو شأن كثير من البشر مع كل تشريع أو مبدأ، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أن هلاك بعض من سبقهم كان في تطبيقهم الفاسد للحدود، وليس لغياب تشريعها (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد... إلخ) ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
    ولذلك فإن خير النظم ما اشتمل في ذاته على سياج يحفظ موضوعه ومحتوياته، من النفوس الدنية والأيد الشقية.
    وفي موضوع الجمع بين الزكاة والضريبة في نظام مالي واحد بأية صورة من الصور المذكورة لابد من دراسة جادة وبحث عميق لوضع معالم نظام للإدارة المالية وآليات محددة يُضمن بها تطبيقٌ سليم لفريضة الزكاة جمعًا وصرفًا، وحصانة لها من الفساد والتسرب إلى غير مصارفها، والتوجيه إلى غير أهدافها. ومع أن تفصيل هذا الموضوع ليس مقصود هذا البحث، وإنما مقصودنا التنبيه على أن أي تطبيق للزكاة أو تشجيع للمسلمين على دفعها بما سبق اقتراحه، لا يقدم أي حل لمشكلة الفقر، ولا أية إضافة في تحسين السياسة المالية، إذا لم يثق المكلفون في كيفية إدارة أموال الزكاة، وأن ذلك لا يكون إلا بما ذكرنا من ضرورة تخصيص صندوق للزكاة، وعزله عن أي صندوق آخر، ثم وضع آليات فعالة لتشكيل جهاز خاص بإدارة أموال الزكاة تتوفر في عناصره صفات العلم والأمانة، وتوفِّر له حصانة من تدخل السلطات الأخرى، إلا أن يخضع لمراقبة جهة لا يقل شخوصها في العلم والأمانة عن أفراد ذلك الجهاز.
    فإن لم يتحقق هذا الشرط، ولم يثق الناس في مصائر أموال الزكاة، فإن مقتضى النصيحة هو ترك الأمر لضمائر المسلمين، وعدم إجبارهم ولا تشجيعهم على أداء الزكوات إلى جهة رسمية، وإنما يقتصر على تشجيعهم على أداء الزكوات إلى جهة رسمية، وإنما يقتصر على تشجيعهم على أدائها بأنفسهم إلى المصارف الشرعية بحسب اجتهادهم. على أن تحقيق ما ذكرنا من تخصيص لأموال الزكاة وتحصين جهازها ليس أمرًا صعبًا في الواقع، بحسب ما أفادنا بعض علماء الإدارة العامة والإدارة المالية، والحمد لله رب العالمين.
    وكتبه
    أ.د/ محمد نعيم ياسين
    كلية الشريعة - الجامعة الأردنية - عمان - الأردن.
    في 1/ 2/ 2008م

    ***

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 9:57