الإخوان هذه المرة لم يبدءوا حواراتهم مع حلفائهم القدامى، وإنما اتجهوا مباشرة لخطب ود الأحزاب التي على خصومة مع الحركة، إما "خصومات تاريخية" مثل الحزب العربي الناصري أو "خصومات عقائدية" مثل حزب التجمع اليساري. الناصريون تلقوا الطلب الإخواني بردود فعل معتدلة، ولم يتشدد منهم مع الإخوان إلا رموزا لا زالت تعيش أسيرة "تاريخ" تجاوزته التطورات الدولية والإقليمية الراهنة، وهي في الغالب رموز تعمل خارج التنظيم
بقلم محمود سلطان
عادت حركة الإخوان المسلمين من جديد لتكون الشغل الشاغل لاهتمامات النخب السياسية بالقاهرة، وذلك عندما فاجأت الأحزاب السياسية المصرية، بطلبها الدخول في حوارات معها حول "مستقبل مصر السياسي". الإخوان هذه المرة لم يبدءوا حواراتهم مع حلفائهم القدامى من الأحزاب التي سبق للإخوان أن شاركوا في الانتخابات البرلمانية عبر قوائمها الانتخابية، مثل حزبي الوفد والعمل، وإنما اتجهوا مباشرة لخطب ود الأحزاب التي على خصومة مع الحركة، إما "خصومات تاريخية" مثل الحزب العربي الناصري أو "خصومات عقائدية" مثل حزب التجمع اليساري. الناصريون تلقوا الطلب الإخواني بردود فعل معتدلة، ولم يتشدد منهم مع الإخوان إلا رموزا لا زالت تعيش أسيرة "تاريخ" تجاوزته التطورات الدولية والإقليمية الراهنة، وهي في الغالب رموز تعمل خارج التنظيم الرسمي للحزب، أو أنها خرجت منه بسبب خلافات لم يفصح عنها حتى الآن مثل سامي شرف ومدير مكتب جريدة القدس العربي بالقاهرة الصحافي حسنين كروم. فيما لا تمثل تلك الرموز اتجاهات ذات ثقل في صوغ الرأي العام داخل الجماعة الناصرية في مصر. وفي المقابل فإن قيادات الحزب الناصري، الذي يتصدر القوى السياسية المصرية المناهضة لفكرة ما اعتبرته رغبة في "توريث الحكم" والتصدي لما تراه دورا سياسيا متصاعدا لـ "عائلة الرئيس" في الحياة السياسية العامة، يبدو أنها أكثر وعيا بحاجتها إلى "شركاء" يشاطرونها الهم الوطني العام، للتنسيق معها طالما هناك "قواسم مشتركة" يمكن التأسيس عليها لمشروع سياسي، يقوم على "الإجماع الوطني" وليس على "الاستئثار الحزبي" أو التنظيمي. و يبدو أن ثمة تفهما متبادلا بين الإخوان والناصريين لهذه الحاجة يمكن رصده من خلال تصريحات مهندسي الحوار بين الطرفين: فمن جهته فإن المسئول عن ملف التنسيق بين الأحزاب والتيارات السياسية بحركة الإخوان المسلمين الدكتور محمد السيد حبيب والنائب الأول للمرشد العام للجماعة، حذر من "الدخول في متاهات التاريخ" لافتا إلى أن ذلك قد يشغل الجميع "عن الأهداف الأهم" والتي يلخصها في قوله "الخروج بالحياة السياسية في مصر من نفق الغرف المغلقة إلى سعة الحرية وفضائها الرحب"، مشيرا إلى أن "التحديات التي تواجها مصر اليوم لا تستطيع الحكومة ولا أي فصيل مهما كان حجمه مواجهتها منفردا"، مضيفا أن "الجماعة اختارت طريق التنسيق لأن السلطة تلعب على وتر تفرق الأحزاب والقوى السياسية.. وإذا توحدت الأحزاب والقوى السياسية فستشعر السلطة بأنها أمام عمل جاد و ستبدأ بتنفيذ ما ترى تلك القوى أنها قواسم مشتركة مثل تعديل الدستور و إلغاء القوانين سيئة السمعة وقبول إلغاء قانون الأحزاب الحالي"، وفي المقابل فإن الناصرين - وعلى لسان نائب رئيس الحزب الناصري حامد محمود- يرون أن حجب الشرعية عن الإخوان لا يعني أنهم جماعة غير موجودة، وكشف عن أن ثمة اتفاقا على "تجاوز الاختلافات والوقوف عند عتبات القواسم المشتركة مثل الإصلاح السياسي والانتخابي وتعديل قانون الأحزاب وإلغاء قانون الطوارئ"، مؤكدا على أن "الظروف الراهنة تقتضي توحيد كل القوى السياسية، أما الخلافات الثأرية وأحاديث الصراعات التاريخية، فيجب تجاوزها في المرحلة الحالية التي تتطلب تكاتف الجميع دون العودة أو النظر إلى الوراء".ورغم أن حزب التجمع لم يخف سعادته بـ"اهتمام" الإخوان به فور تلقيه ما يفيد رغبة الجماعة في مد جسور التواصل مع اليسار المصري، والذي بلغ حد قيام رئيس الحزب د. رفعت السعيد بقطع إجازته التي كان يقضيها بإحدى المصايف الفارهة، وعاد قبل ساعات قليلة من عقد الاجتماع، والذي حضره عتاة اليسار المصري بحزب التجمع، على رأسهم -بجانب السعيد- أعضاء من المكتب السياسي وهم: فريدة وأمينة النقاش وأنيس البياع ومحمد خليل وأحمد الحصري أمين الإعلام بالحزب. غير أن السعيد الذي يرتبط بعلاقات قوية بأجنحة متنفذة في مؤسسات صناعة القرار في مصر، أهلته ليكون من بين المجموعة التي حظيت بثقة الرئيس، وتم تعيينها في مجلس الشورى، فيما فسر بأنه مكافأة له على مواقفه المتطابقة مع السلطات المصرية، بشأن استبعاد أي دور للإسلاميين في صوغ مستقبل مصر السياسي، فيما سبق له تسخير صحيفة الأهالي الناطقة بلسان حال التجمع، للقيام بدور التشهير والإساءة للقيادات الدينية والسياسية التي لا تروق مواقفها للحكومة المصرية، فضلا عن كتاباته وكتبه التي عزت نشأة جماعات العنف الديني في مصر إلى حركة الإخوان المسلمين، وهو الموقف الذي كاد ينسف الاجتماع الأخير الذي جمع السعيد ورموز التجمع من جهة بقيادات صحفية وبرلمانية وحقوقية تنتمي للجماعة من جهة أخرى، وذلك عندما انتقد النائب الإخواني بالبرلمان د. محمد مرسي، كتاب السعيد "حسن البنا .. الشيخ المسلح" الذي اعتبره الإخوان مسيئا لتاريخ مؤسس الجماعة، في الاجتماع انتقد أعضاء التجمع مواقف الإخوان مما اعتبروه نقيضا لما يؤمن به اليساريون، مثل موقف الجماعة من قضايا التمييز ضد المرأة والموقف من الأقباط وسعي الإخوان للسيطرة على النقابات، مما أدى إلى تجميد العديد منها مثل نقابة المهندسين وإشعال الحرائق داخل نقابات أخرى مثل المحامين والصحفيين.ويرى مراقبون أن الانتقادات اليسارية للإخوان، تأتي في سياق مغاير للتطورات التي طرأت على الأداء السياسي للإخوان خلال العقدين الماضيين، فمن المعروف أن الإخوان أدرجوا قبطيا على قائمة التحالف الإسلامي التي دخلوا بها انتخابات عام 1987، والتي جمعت الإخوان وحزبي العمل والأحرار تحت لافتة "الإسلام هو الحل"، فيما عرف بأن جمال أسعد أول قبطي يدخل البرلمان المصري عبر أصوات الإسلاميين من الإخوان. وفي انتخابات عام 2000 كشفت تقارير صحفية صدرت في حينها النقاب عن اجتماعات عقدت بين أقطاب في الجماعة ومرشح قبطي في الوجه البحري كان الهدف منها إعلان اتفاق على تأييد الإخوان له في الانتخابات. وأن الاجتماع انتهي إلى الفشل بعدما تبين أن المرشح لا ينتمي إلي طائفة الأقباط الأرثوذكس التي تمثل غالبية الأقباط المصريين وإنما إلي طائفة الكاثوليك، ووعد المشاركون في الاجتماع من الإخوان المرشح الكاثوليكي بعدم ترشيح أي من رموزهم في الدائرة المرشح فيها، لكنهم أوضحوا أن أسباباً تمنعهم من إعلان تأييد الجماعة علناً، تجنباً لعدم إغضاب الكنيسة الأرثوذكسية في الإيحاء بأن الإخوان يلعبون علي التناقضات بين الطوائف. وبالنسبة للمرأة فإن الجماعة دفعت بإحدى السيدات في انتخابات عام 2000 وهي جيهان الحلفاوي على مقعد لإحدى دوائر الإسكندرية، غير أن الجماعة اعتبرت أن ضغوطا ومضايقات أمنية حالت دون إدلاء مؤيديها بأصواتهم. لقاء الإخوان بالتجمع لم يسفر تقريبا عن اتفاق نهائي، ففي حين عرض الإخوان تشكيل ما أطلق عليه "لجنة الخمسين للإصلاح الوطني"، تضم ممثلين عن الوفد والتجمع والناصري والعمل والإخوان والشيوعيين، تكون مهمتها مناقشة القرارات كي ترى ما يمكن تنفيذه من عدمه، غير أن رئيس حزب التجمع رفعت السعيد رفض الاتفاق عليه، وانتهى الطرفان إلى التوصل بصورة مبدئية لتشكيل لجنة تحضيرية تضم ثمانية أعضاء بواقع عضوين من كل من الوفد والناصري والتجمع، بجانب عضوين للإخوان، وذلك للبحث في نقاط الخلاف ومحاولة إذابتها، غير أن أمر هذه اللجنة ذاتها لم يحسم بصورة تامة. واستبعد أي شكل من أشكال تمثيل العمل والأحرار، فيما اعتبر نزولا للإخوان عند رغبة التجمع باستبعاد الأحزاب التي علقتها الحكومة بقرارات إدارية. عقب اللقاء تعمد رفعت السعيد توزيع البيان الذي أعده الحزب بشأن الاجتماع بنفسه على الصحفيين الذين تابعوا اللقاء من خلف الجدران و الأبواب المغلقة. وبدا على السعيد "السعادة" وهو يوزع البيان، وهو ما فسره المراقبون بأن ممثلي التجمع الذين حضروا الاجتماع كانت موقفهم متطابقة مع مواقفه الشخصية تجاه الإخوان فيما يعد انتصارا له سواء على المستوى الشخصي أم على مستوى قيادته للحزب، خاصة بعد أن نجح السعيد في استبعاد القيادي اليساري القوي عبد الغفار شكر، عن حضور لقاء الإخوان، والذي يعد أحد أشد أعضاء حزب التجمع رغبة في فتح حوار مع كافة التيارات السياسية بما فيها الإخوان، ولعل شكر هو الوحيد من بين قيادات التجمع الذي يتفهم التحولات الكبيرة التي طرأت على طريقة تفكير الإخوان بشأن القضايا الخلافية بينهم وبين القوى السياسية العلمانية في مصر، إذ صرح لجريدة الأسبوع المستقلة في 9/8/ 2004 بأن لديه قناعة قوية بأن الإخوان طوروا مواقفهن من قضايا المرأة والأقباط، وأصدروا البيانات التي تعتبر الأقباط مواطنين مصريين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات كما أصدروا بيانات تؤكد حق المرأة في تولي المناصب العامة ما عدا الولاية الكبرى، كما أكدوا قبولهم بالدولة المدنية والديمقراطية وتداول السلطة من خلال الانتخابات والتخلي عن السلطة إذا خسروا الأغلبية ".ويبدو أن عبد الغفار شكر قد تم تهميشه خلال الحوارات التي جرت بين التجمع من جهة ة الإخوان من جهة أخرى بسبب وعيه المخالف لمواقف رفعت السعيد تجاه التيار الديني عموما، والذي تختلط فيه مواقفه الشخصية بحسابات المصالح مع السلطة والتي ما زال بيدها كل أوراق اللعب فيما يتعلق بشؤون الأحزاب في مصر.
بقلم محمود سلطان
عادت حركة الإخوان المسلمين من جديد لتكون الشغل الشاغل لاهتمامات النخب السياسية بالقاهرة، وذلك عندما فاجأت الأحزاب السياسية المصرية، بطلبها الدخول في حوارات معها حول "مستقبل مصر السياسي". الإخوان هذه المرة لم يبدءوا حواراتهم مع حلفائهم القدامى من الأحزاب التي سبق للإخوان أن شاركوا في الانتخابات البرلمانية عبر قوائمها الانتخابية، مثل حزبي الوفد والعمل، وإنما اتجهوا مباشرة لخطب ود الأحزاب التي على خصومة مع الحركة، إما "خصومات تاريخية" مثل الحزب العربي الناصري أو "خصومات عقائدية" مثل حزب التجمع اليساري. الناصريون تلقوا الطلب الإخواني بردود فعل معتدلة، ولم يتشدد منهم مع الإخوان إلا رموزا لا زالت تعيش أسيرة "تاريخ" تجاوزته التطورات الدولية والإقليمية الراهنة، وهي في الغالب رموز تعمل خارج التنظيم الرسمي للحزب، أو أنها خرجت منه بسبب خلافات لم يفصح عنها حتى الآن مثل سامي شرف ومدير مكتب جريدة القدس العربي بالقاهرة الصحافي حسنين كروم. فيما لا تمثل تلك الرموز اتجاهات ذات ثقل في صوغ الرأي العام داخل الجماعة الناصرية في مصر. وفي المقابل فإن قيادات الحزب الناصري، الذي يتصدر القوى السياسية المصرية المناهضة لفكرة ما اعتبرته رغبة في "توريث الحكم" والتصدي لما تراه دورا سياسيا متصاعدا لـ "عائلة الرئيس" في الحياة السياسية العامة، يبدو أنها أكثر وعيا بحاجتها إلى "شركاء" يشاطرونها الهم الوطني العام، للتنسيق معها طالما هناك "قواسم مشتركة" يمكن التأسيس عليها لمشروع سياسي، يقوم على "الإجماع الوطني" وليس على "الاستئثار الحزبي" أو التنظيمي. و يبدو أن ثمة تفهما متبادلا بين الإخوان والناصريين لهذه الحاجة يمكن رصده من خلال تصريحات مهندسي الحوار بين الطرفين: فمن جهته فإن المسئول عن ملف التنسيق بين الأحزاب والتيارات السياسية بحركة الإخوان المسلمين الدكتور محمد السيد حبيب والنائب الأول للمرشد العام للجماعة، حذر من "الدخول في متاهات التاريخ" لافتا إلى أن ذلك قد يشغل الجميع "عن الأهداف الأهم" والتي يلخصها في قوله "الخروج بالحياة السياسية في مصر من نفق الغرف المغلقة إلى سعة الحرية وفضائها الرحب"، مشيرا إلى أن "التحديات التي تواجها مصر اليوم لا تستطيع الحكومة ولا أي فصيل مهما كان حجمه مواجهتها منفردا"، مضيفا أن "الجماعة اختارت طريق التنسيق لأن السلطة تلعب على وتر تفرق الأحزاب والقوى السياسية.. وإذا توحدت الأحزاب والقوى السياسية فستشعر السلطة بأنها أمام عمل جاد و ستبدأ بتنفيذ ما ترى تلك القوى أنها قواسم مشتركة مثل تعديل الدستور و إلغاء القوانين سيئة السمعة وقبول إلغاء قانون الأحزاب الحالي"، وفي المقابل فإن الناصرين - وعلى لسان نائب رئيس الحزب الناصري حامد محمود- يرون أن حجب الشرعية عن الإخوان لا يعني أنهم جماعة غير موجودة، وكشف عن أن ثمة اتفاقا على "تجاوز الاختلافات والوقوف عند عتبات القواسم المشتركة مثل الإصلاح السياسي والانتخابي وتعديل قانون الأحزاب وإلغاء قانون الطوارئ"، مؤكدا على أن "الظروف الراهنة تقتضي توحيد كل القوى السياسية، أما الخلافات الثأرية وأحاديث الصراعات التاريخية، فيجب تجاوزها في المرحلة الحالية التي تتطلب تكاتف الجميع دون العودة أو النظر إلى الوراء".ورغم أن حزب التجمع لم يخف سعادته بـ"اهتمام" الإخوان به فور تلقيه ما يفيد رغبة الجماعة في مد جسور التواصل مع اليسار المصري، والذي بلغ حد قيام رئيس الحزب د. رفعت السعيد بقطع إجازته التي كان يقضيها بإحدى المصايف الفارهة، وعاد قبل ساعات قليلة من عقد الاجتماع، والذي حضره عتاة اليسار المصري بحزب التجمع، على رأسهم -بجانب السعيد- أعضاء من المكتب السياسي وهم: فريدة وأمينة النقاش وأنيس البياع ومحمد خليل وأحمد الحصري أمين الإعلام بالحزب. غير أن السعيد الذي يرتبط بعلاقات قوية بأجنحة متنفذة في مؤسسات صناعة القرار في مصر، أهلته ليكون من بين المجموعة التي حظيت بثقة الرئيس، وتم تعيينها في مجلس الشورى، فيما فسر بأنه مكافأة له على مواقفه المتطابقة مع السلطات المصرية، بشأن استبعاد أي دور للإسلاميين في صوغ مستقبل مصر السياسي، فيما سبق له تسخير صحيفة الأهالي الناطقة بلسان حال التجمع، للقيام بدور التشهير والإساءة للقيادات الدينية والسياسية التي لا تروق مواقفها للحكومة المصرية، فضلا عن كتاباته وكتبه التي عزت نشأة جماعات العنف الديني في مصر إلى حركة الإخوان المسلمين، وهو الموقف الذي كاد ينسف الاجتماع الأخير الذي جمع السعيد ورموز التجمع من جهة بقيادات صحفية وبرلمانية وحقوقية تنتمي للجماعة من جهة أخرى، وذلك عندما انتقد النائب الإخواني بالبرلمان د. محمد مرسي، كتاب السعيد "حسن البنا .. الشيخ المسلح" الذي اعتبره الإخوان مسيئا لتاريخ مؤسس الجماعة، في الاجتماع انتقد أعضاء التجمع مواقف الإخوان مما اعتبروه نقيضا لما يؤمن به اليساريون، مثل موقف الجماعة من قضايا التمييز ضد المرأة والموقف من الأقباط وسعي الإخوان للسيطرة على النقابات، مما أدى إلى تجميد العديد منها مثل نقابة المهندسين وإشعال الحرائق داخل نقابات أخرى مثل المحامين والصحفيين.ويرى مراقبون أن الانتقادات اليسارية للإخوان، تأتي في سياق مغاير للتطورات التي طرأت على الأداء السياسي للإخوان خلال العقدين الماضيين، فمن المعروف أن الإخوان أدرجوا قبطيا على قائمة التحالف الإسلامي التي دخلوا بها انتخابات عام 1987، والتي جمعت الإخوان وحزبي العمل والأحرار تحت لافتة "الإسلام هو الحل"، فيما عرف بأن جمال أسعد أول قبطي يدخل البرلمان المصري عبر أصوات الإسلاميين من الإخوان. وفي انتخابات عام 2000 كشفت تقارير صحفية صدرت في حينها النقاب عن اجتماعات عقدت بين أقطاب في الجماعة ومرشح قبطي في الوجه البحري كان الهدف منها إعلان اتفاق على تأييد الإخوان له في الانتخابات. وأن الاجتماع انتهي إلى الفشل بعدما تبين أن المرشح لا ينتمي إلي طائفة الأقباط الأرثوذكس التي تمثل غالبية الأقباط المصريين وإنما إلي طائفة الكاثوليك، ووعد المشاركون في الاجتماع من الإخوان المرشح الكاثوليكي بعدم ترشيح أي من رموزهم في الدائرة المرشح فيها، لكنهم أوضحوا أن أسباباً تمنعهم من إعلان تأييد الجماعة علناً، تجنباً لعدم إغضاب الكنيسة الأرثوذكسية في الإيحاء بأن الإخوان يلعبون علي التناقضات بين الطوائف. وبالنسبة للمرأة فإن الجماعة دفعت بإحدى السيدات في انتخابات عام 2000 وهي جيهان الحلفاوي على مقعد لإحدى دوائر الإسكندرية، غير أن الجماعة اعتبرت أن ضغوطا ومضايقات أمنية حالت دون إدلاء مؤيديها بأصواتهم. لقاء الإخوان بالتجمع لم يسفر تقريبا عن اتفاق نهائي، ففي حين عرض الإخوان تشكيل ما أطلق عليه "لجنة الخمسين للإصلاح الوطني"، تضم ممثلين عن الوفد والتجمع والناصري والعمل والإخوان والشيوعيين، تكون مهمتها مناقشة القرارات كي ترى ما يمكن تنفيذه من عدمه، غير أن رئيس حزب التجمع رفعت السعيد رفض الاتفاق عليه، وانتهى الطرفان إلى التوصل بصورة مبدئية لتشكيل لجنة تحضيرية تضم ثمانية أعضاء بواقع عضوين من كل من الوفد والناصري والتجمع، بجانب عضوين للإخوان، وذلك للبحث في نقاط الخلاف ومحاولة إذابتها، غير أن أمر هذه اللجنة ذاتها لم يحسم بصورة تامة. واستبعد أي شكل من أشكال تمثيل العمل والأحرار، فيما اعتبر نزولا للإخوان عند رغبة التجمع باستبعاد الأحزاب التي علقتها الحكومة بقرارات إدارية. عقب اللقاء تعمد رفعت السعيد توزيع البيان الذي أعده الحزب بشأن الاجتماع بنفسه على الصحفيين الذين تابعوا اللقاء من خلف الجدران و الأبواب المغلقة. وبدا على السعيد "السعادة" وهو يوزع البيان، وهو ما فسره المراقبون بأن ممثلي التجمع الذين حضروا الاجتماع كانت موقفهم متطابقة مع مواقفه الشخصية تجاه الإخوان فيما يعد انتصارا له سواء على المستوى الشخصي أم على مستوى قيادته للحزب، خاصة بعد أن نجح السعيد في استبعاد القيادي اليساري القوي عبد الغفار شكر، عن حضور لقاء الإخوان، والذي يعد أحد أشد أعضاء حزب التجمع رغبة في فتح حوار مع كافة التيارات السياسية بما فيها الإخوان، ولعل شكر هو الوحيد من بين قيادات التجمع الذي يتفهم التحولات الكبيرة التي طرأت على طريقة تفكير الإخوان بشأن القضايا الخلافية بينهم وبين القوى السياسية العلمانية في مصر، إذ صرح لجريدة الأسبوع المستقلة في 9/8/ 2004 بأن لديه قناعة قوية بأن الإخوان طوروا مواقفهن من قضايا المرأة والأقباط، وأصدروا البيانات التي تعتبر الأقباط مواطنين مصريين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات كما أصدروا بيانات تؤكد حق المرأة في تولي المناصب العامة ما عدا الولاية الكبرى، كما أكدوا قبولهم بالدولة المدنية والديمقراطية وتداول السلطة من خلال الانتخابات والتخلي عن السلطة إذا خسروا الأغلبية ".ويبدو أن عبد الغفار شكر قد تم تهميشه خلال الحوارات التي جرت بين التجمع من جهة ة الإخوان من جهة أخرى بسبب وعيه المخالف لمواقف رفعت السعيد تجاه التيار الديني عموما، والذي تختلط فيه مواقفه الشخصية بحسابات المصالح مع السلطة والتي ما زال بيدها كل أوراق اللعب فيما يتعلق بشؤون الأحزاب في مصر.