فاروق أبو سراج الذهب
لقد ظلت النخبة في العالم العربي تلوم الشعوب على أنها غافلة وغير واعية ولا تتحمل المسؤولية، وليست في مستوى تطلعات التغيير والإصلاح، وأنها شعوب طحنتها الأنظمة وأسكنتها في مربعات طلبات السكن والشغل ولقمة العيش، وأنها شعوب تهتم بما يشبع البطن أكثر مما تهتم بما يوقظ العقل.. وهي مواقف تعكسها مقالات وكتب ودوريات وتصريحات، ونتج عنها عزلة كبيرة بين الطرفين، رغم أن عوامل الشراكة بينهما كبيرة ومتعددة. واليوم، وبعد ميلاد حركة الشارع العربي الذي أسقط كل الحجج التي كانت تتذرّع بها النخبة، وأصبح سقف الشارع أكبر من سقف النُّخَب، وصارت النُّخَب تابعة لحركة الشارع؛ سواء تلك التي تريد الالتفاف على حركته، أو تلك التي تابت عن غيِّها وانسجمت مع الحركة الجديدة للشارع العربي. ونقطة إسقاط الشعاع هنا، كما يقول رواد الهندسة، هو أن حركة الشارع اليوم في حاجة ماسة إلى النخبة التي تعرف كيف تتعامل مع مطالبه، وتحاول جاهدة أن تصنع منها مشروع الإصلاح السياسي، وكل اختلاف بينها سيتسبب في انتكاسة كبيرة للشارع لمدة طويلة من الزمن. فإذا كان الشارع قد أدّى الذي عليه في مرحلة يأس النخبة من الإصلاح، فإن الدور اليوم على هذه النخبة من أجل التخلي عن أنانياتها السياسية، والتنافس على الريادة والبطولة، والاجتهاد في البحث عن صِيَغ تحقيق تطلعات المجتمع، حتى لا تتحول ثورة الشارع إلى مجرد لافتة تأريخية يُكتب عليها «شارع الثورة»! نتائج معاكسة وعندما نقلّب صفحات التاريخ، وتحديداً في الفصول الخاصة بالثورات، نجد أنها تبدأ بالانتفاضة على وضع قائم سواء أكان احتلالاً أم استبداداً، وتقودها شخصية أو زعيم ثوري، وتنتهي بالإطاحة بالدكتاتور أو المستعمر، ويتولى الزعيم الثوري السلطة محدثاً تغييرات جذرية في الأفكار والأشياء والأشخاص. لكن ثورة شباب «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» والفضائيات في كل من تونس ومصر أعطت نتائج معاكسة، أو لم تظهر نتائجها بعد.. ومن جهة أخرى، فإن الذي كنا نقرؤه دائماً ونسمعه من المعارضة والمفكرين والنُّخَب في كل البلاد العربية أن النظام العربي هو نظام عسكري؛ سواء جاء بالثورة أو بالانقلاب. لكننا اليوم نسمع أن الجيش التونسي لم يكن في بؤرة السلطة، وأنه كان على الهامش، ثم نسمع أن الجيش المصري اليوم هو جيش عصري لا شأن له بالسياسة كذلك، وذابت كل تلك الأقوال والدراسات والمداخلات والمواقف في ماء الثورات الجديدة، وأصبحنا نتحدث عن نظام عربي تحكمه الشرطة وأعوان الأمن، وإذا ما حدثت ثورة أو انتفاضة أو احتجاج فإن هذا الجهاز هو الذي يتحمل المسؤولية وينبغي أن يتغير.. إننا نعيش في زمن الانقلاب الكلي في المعارف والنظريات. أسئلة محورية وفي سياق فحص مآل الثورات، نبدأ بتونس؛ حيث قام الشعب بدون زعامات معروفة بثورة ذكية خلعت الرئيس الذي غادر البلاد، وتم تسليم السلطة إلى حكومة مؤقتة مشكلة من الوزير الأول السابق الذي عينه «بن علي»، ولم يتم حل البرلمان بغرفتَيْه، وكان موقف الجيش حيادياً وضامناً لمكتسبات الثورة (أو هذا ما تم تسويقه لنا). وفي مصر، قام الشعب بدون قيادات معروفة، وأطاح بالرئيس في مدة 18 يوماً، وتم تسليم الثورة للقوات المسلحة التي يقودها وزير الدفاع.. هذه القيادة أبقت على حكومة «مبارك» بشكل مؤقت، وحلت البرلمان بغرفتَيْه، ومنعت بعض الوزراء من السفر، وجمدت أرصدتهم، وأمرت بإخلاء الساحات. وفي كلتا الثورتين كانت النتيجة تسليم الثورة إلى الجيش، وتأجيل حكم الشعب إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية (ستة أشهر بالنسبة لمصر، وستة أخرى بالنسبة لتونس).. هذا على الأقل ما يمكن الوصول إليه كنتائج لثورتين سال حبر كثير عنهما، ودفعت بشعوب وأنظمة أخرى إلى أخذ النموذج والدرس. والأسئلة المحورية في كل ذلك: هل مطلوب منا كشعوب أن نقوم بالتضحيات والثورات، ثم نسلم المكتسَبات إلى الجيوش التي تُعَدُّ الثابت الأوحد في أنظمتنا، ثم ننتظر التغيير على أيديها؟ أم أن هذا السؤال يُعَدُّ سابقاً لأوانه، لأنه من الظلم أن نتهم الثورة والثوار بعدم الوعي بمعطيات السياسة الحالية؟ وهل أصبح التغيير عن طريق الانتفاضة على الحكومات بواسطة الجيش أم أن زمان الانقلابات العسكرية قد ولى، وأصبح الشعب هو الوسيلة الناجعة لفرض الديمقراطية والحرية والتنمية؟ أهداف منشودة إن النتائج التي أفرزتها الثورة التونسية الحديثة، والثورة المصرية الجديدة هي نتائج ذات قامة عالية وقيمة غالية، واستطاعت أن تفتح الباب أمام التغيير حتى لو لم تصل إلى الحكم والسلطة، وقد تصل إلى جزء منه في الانتخابات القادمة.. لكن التحدي الكبير أمام تحقيق أهداف الثورة هو النخبة والقيادات السياسية التي قد تختلف في تقدير حجم المكتسبات، وترغب في الحصول على المزيد لاسيما في الفترة التي تسبق الانتخابات. الفرق إذاً بين الثورات القديمة والحديثة هو في المآل، فالقديمة كانت لها قيادة واضحة وصلت إلى التغيير والسلطة، ثم ترهلت وتكلست وتفرّقت بين الثوار السبل، والحديثة لم تكن لها قيادة أو زعامة وسلمت مكتسباتها إلى غيرها في انتظار تحقيق الأهداف المنشودة.. والمطلوب من الثوار أن يحافظوا على ثورتهم من الاختطاف، وأن يدققوا في القادم من الأيام، ذلك أن إنجازات الثورة تحققت بفضل الله أولاً، ثم الوحدة والاجتماع على موقف وشعار واحد. مستقبل الثورة إن سقف الثورة ينبغي أن يبقى عالياً كما كانت شعاراتها في السماء، وإذا حدث اختطاف للثورة التونسية أو المصرية بعد الانتخابات القادمة من خلال توليفات سياسية مع ما سُمِّي شباب أو شخصيات إلكترونية، فإن الإثم لا يقع على الشعوب التي رفعت من قيمة النخبة في السوق السياسية ووضعتها على رؤوسها من أجل قيادة حاضر ومستقبل الثورة، ذلك أن الشعوب خرجت عن بكرة أبيها وبلغت السقف وحققت المراد، وبقي الدور على النخبة السياسية الواعية. إن تصريح جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس بعدم الترشح لمنصب الرئاسة سيفرض عليهما في المستقبل اختيار إحدى الشخصيات المطروحة في الساحة التونسية أو المصرية، وستجد كل جماعة نفسها تفاوض من أجل مواقع عادية في المجتمع والسلطة؛ حيث ستُطرح عليها أسئلة الواقع السياسي بإلحاح، ومنها المشاركة في الحكومة. وستجد كل جماعة نفسها تتدحرج في أروقة سياسية لا تحقق الهدف، في حين سيتقدم غيرها إلى مواقع حساسة، وبعد فترة من الزمن ستضعف قوتها التفاوضية (القوية الآن)، وستجد نفسها تفاوض على وجودها وعلى حجم تمثيلها، في الوقت الذي يرى الكثير من المراقبين أنه ما كان مثلاً للثورة المصرية أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا قوة وتنظيم وانتشار وانضباط جماعة الإخوان المسلمين. حرارة التغيير إن سقف اليوم ليس كسقف الغد، وحرارة التغيير اليوم ستنخفض لا محالة، وإذا أردت أن تشكّل الحديد فشكّله وهو ساخن، أما التردد والانتظار فسيؤدّي إلى ضياع الفرصة وإضعاف الموقف، ثم يتدنى السقف وتُعاد تجارب دول عربية كانت سابقة في الثورة على الوضع القائم، كما حدث في الجزائر عام 1988م. ولذلك، تجد شباب الجزائر اليوم غير مكترث ولا منبهر بثورة مصر أو تونس، ويعتبر نفسه شباباً مبدعاً غير مقلِّد لغيره، ويستشهد بأنه كان سبّاقاً إلى رفض الظلم والدكتاتورية والحزب الواحد، وعايش الانحراف الذي حدث ويعرف نتائجه، وتبارى مع شباب مصر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، وحقق السبق.. وهذا ما لم تفهمه بعض الشخصيات التي سكتت طويلاً، وعادت اليوم لتركب موجة شباب تونس ومصر، وغفلت عن موجة شباب الجزائر، الذي يرى أن ما حدث في تونس ومصر متأخر عن ركب التغيير بعشرين عاماً. هكذا هو الشعب الجزائري، شعب بسيط وذكي، ويبقى يترقّب وينظر من ثقب الباب، يسأل عما حدث.. فإذا ما خرج ضحّى بنفسه!
لقد ظلت النخبة في العالم العربي تلوم الشعوب على أنها غافلة وغير واعية ولا تتحمل المسؤولية، وليست في مستوى تطلعات التغيير والإصلاح، وأنها شعوب طحنتها الأنظمة وأسكنتها في مربعات طلبات السكن والشغل ولقمة العيش، وأنها شعوب تهتم بما يشبع البطن أكثر مما تهتم بما يوقظ العقل.. وهي مواقف تعكسها مقالات وكتب ودوريات وتصريحات، ونتج عنها عزلة كبيرة بين الطرفين، رغم أن عوامل الشراكة بينهما كبيرة ومتعددة. واليوم، وبعد ميلاد حركة الشارع العربي الذي أسقط كل الحجج التي كانت تتذرّع بها النخبة، وأصبح سقف الشارع أكبر من سقف النُّخَب، وصارت النُّخَب تابعة لحركة الشارع؛ سواء تلك التي تريد الالتفاف على حركته، أو تلك التي تابت عن غيِّها وانسجمت مع الحركة الجديدة للشارع العربي. ونقطة إسقاط الشعاع هنا، كما يقول رواد الهندسة، هو أن حركة الشارع اليوم في حاجة ماسة إلى النخبة التي تعرف كيف تتعامل مع مطالبه، وتحاول جاهدة أن تصنع منها مشروع الإصلاح السياسي، وكل اختلاف بينها سيتسبب في انتكاسة كبيرة للشارع لمدة طويلة من الزمن. فإذا كان الشارع قد أدّى الذي عليه في مرحلة يأس النخبة من الإصلاح، فإن الدور اليوم على هذه النخبة من أجل التخلي عن أنانياتها السياسية، والتنافس على الريادة والبطولة، والاجتهاد في البحث عن صِيَغ تحقيق تطلعات المجتمع، حتى لا تتحول ثورة الشارع إلى مجرد لافتة تأريخية يُكتب عليها «شارع الثورة»! نتائج معاكسة وعندما نقلّب صفحات التاريخ، وتحديداً في الفصول الخاصة بالثورات، نجد أنها تبدأ بالانتفاضة على وضع قائم سواء أكان احتلالاً أم استبداداً، وتقودها شخصية أو زعيم ثوري، وتنتهي بالإطاحة بالدكتاتور أو المستعمر، ويتولى الزعيم الثوري السلطة محدثاً تغييرات جذرية في الأفكار والأشياء والأشخاص. لكن ثورة شباب «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» والفضائيات في كل من تونس ومصر أعطت نتائج معاكسة، أو لم تظهر نتائجها بعد.. ومن جهة أخرى، فإن الذي كنا نقرؤه دائماً ونسمعه من المعارضة والمفكرين والنُّخَب في كل البلاد العربية أن النظام العربي هو نظام عسكري؛ سواء جاء بالثورة أو بالانقلاب. لكننا اليوم نسمع أن الجيش التونسي لم يكن في بؤرة السلطة، وأنه كان على الهامش، ثم نسمع أن الجيش المصري اليوم هو جيش عصري لا شأن له بالسياسة كذلك، وذابت كل تلك الأقوال والدراسات والمداخلات والمواقف في ماء الثورات الجديدة، وأصبحنا نتحدث عن نظام عربي تحكمه الشرطة وأعوان الأمن، وإذا ما حدثت ثورة أو انتفاضة أو احتجاج فإن هذا الجهاز هو الذي يتحمل المسؤولية وينبغي أن يتغير.. إننا نعيش في زمن الانقلاب الكلي في المعارف والنظريات. أسئلة محورية وفي سياق فحص مآل الثورات، نبدأ بتونس؛ حيث قام الشعب بدون زعامات معروفة بثورة ذكية خلعت الرئيس الذي غادر البلاد، وتم تسليم السلطة إلى حكومة مؤقتة مشكلة من الوزير الأول السابق الذي عينه «بن علي»، ولم يتم حل البرلمان بغرفتَيْه، وكان موقف الجيش حيادياً وضامناً لمكتسبات الثورة (أو هذا ما تم تسويقه لنا). وفي مصر، قام الشعب بدون قيادات معروفة، وأطاح بالرئيس في مدة 18 يوماً، وتم تسليم الثورة للقوات المسلحة التي يقودها وزير الدفاع.. هذه القيادة أبقت على حكومة «مبارك» بشكل مؤقت، وحلت البرلمان بغرفتَيْه، ومنعت بعض الوزراء من السفر، وجمدت أرصدتهم، وأمرت بإخلاء الساحات. وفي كلتا الثورتين كانت النتيجة تسليم الثورة إلى الجيش، وتأجيل حكم الشعب إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية (ستة أشهر بالنسبة لمصر، وستة أخرى بالنسبة لتونس).. هذا على الأقل ما يمكن الوصول إليه كنتائج لثورتين سال حبر كثير عنهما، ودفعت بشعوب وأنظمة أخرى إلى أخذ النموذج والدرس. والأسئلة المحورية في كل ذلك: هل مطلوب منا كشعوب أن نقوم بالتضحيات والثورات، ثم نسلم المكتسَبات إلى الجيوش التي تُعَدُّ الثابت الأوحد في أنظمتنا، ثم ننتظر التغيير على أيديها؟ أم أن هذا السؤال يُعَدُّ سابقاً لأوانه، لأنه من الظلم أن نتهم الثورة والثوار بعدم الوعي بمعطيات السياسة الحالية؟ وهل أصبح التغيير عن طريق الانتفاضة على الحكومات بواسطة الجيش أم أن زمان الانقلابات العسكرية قد ولى، وأصبح الشعب هو الوسيلة الناجعة لفرض الديمقراطية والحرية والتنمية؟ أهداف منشودة إن النتائج التي أفرزتها الثورة التونسية الحديثة، والثورة المصرية الجديدة هي نتائج ذات قامة عالية وقيمة غالية، واستطاعت أن تفتح الباب أمام التغيير حتى لو لم تصل إلى الحكم والسلطة، وقد تصل إلى جزء منه في الانتخابات القادمة.. لكن التحدي الكبير أمام تحقيق أهداف الثورة هو النخبة والقيادات السياسية التي قد تختلف في تقدير حجم المكتسبات، وترغب في الحصول على المزيد لاسيما في الفترة التي تسبق الانتخابات. الفرق إذاً بين الثورات القديمة والحديثة هو في المآل، فالقديمة كانت لها قيادة واضحة وصلت إلى التغيير والسلطة، ثم ترهلت وتكلست وتفرّقت بين الثوار السبل، والحديثة لم تكن لها قيادة أو زعامة وسلمت مكتسباتها إلى غيرها في انتظار تحقيق الأهداف المنشودة.. والمطلوب من الثوار أن يحافظوا على ثورتهم من الاختطاف، وأن يدققوا في القادم من الأيام، ذلك أن إنجازات الثورة تحققت بفضل الله أولاً، ثم الوحدة والاجتماع على موقف وشعار واحد. مستقبل الثورة إن سقف الثورة ينبغي أن يبقى عالياً كما كانت شعاراتها في السماء، وإذا حدث اختطاف للثورة التونسية أو المصرية بعد الانتخابات القادمة من خلال توليفات سياسية مع ما سُمِّي شباب أو شخصيات إلكترونية، فإن الإثم لا يقع على الشعوب التي رفعت من قيمة النخبة في السوق السياسية ووضعتها على رؤوسها من أجل قيادة حاضر ومستقبل الثورة، ذلك أن الشعوب خرجت عن بكرة أبيها وبلغت السقف وحققت المراد، وبقي الدور على النخبة السياسية الواعية. إن تصريح جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس بعدم الترشح لمنصب الرئاسة سيفرض عليهما في المستقبل اختيار إحدى الشخصيات المطروحة في الساحة التونسية أو المصرية، وستجد كل جماعة نفسها تفاوض من أجل مواقع عادية في المجتمع والسلطة؛ حيث ستُطرح عليها أسئلة الواقع السياسي بإلحاح، ومنها المشاركة في الحكومة. وستجد كل جماعة نفسها تتدحرج في أروقة سياسية لا تحقق الهدف، في حين سيتقدم غيرها إلى مواقع حساسة، وبعد فترة من الزمن ستضعف قوتها التفاوضية (القوية الآن)، وستجد نفسها تفاوض على وجودها وعلى حجم تمثيلها، في الوقت الذي يرى الكثير من المراقبين أنه ما كان مثلاً للثورة المصرية أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا قوة وتنظيم وانتشار وانضباط جماعة الإخوان المسلمين. حرارة التغيير إن سقف اليوم ليس كسقف الغد، وحرارة التغيير اليوم ستنخفض لا محالة، وإذا أردت أن تشكّل الحديد فشكّله وهو ساخن، أما التردد والانتظار فسيؤدّي إلى ضياع الفرصة وإضعاف الموقف، ثم يتدنى السقف وتُعاد تجارب دول عربية كانت سابقة في الثورة على الوضع القائم، كما حدث في الجزائر عام 1988م. ولذلك، تجد شباب الجزائر اليوم غير مكترث ولا منبهر بثورة مصر أو تونس، ويعتبر نفسه شباباً مبدعاً غير مقلِّد لغيره، ويستشهد بأنه كان سبّاقاً إلى رفض الظلم والدكتاتورية والحزب الواحد، وعايش الانحراف الذي حدث ويعرف نتائجه، وتبارى مع شباب مصر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، وحقق السبق.. وهذا ما لم تفهمه بعض الشخصيات التي سكتت طويلاً، وعادت اليوم لتركب موجة شباب تونس ومصر، وغفلت عن موجة شباب الجزائر، الذي يرى أن ما حدث في تونس ومصر متأخر عن ركب التغيير بعشرين عاماً. هكذا هو الشعب الجزائري، شعب بسيط وذكي، ويبقى يترقّب وينظر من ثقب الباب، يسأل عما حدث.. فإذا ما خرج ضحّى بنفسه!