مدير مركز أمل الأمة للبحوث والدراسات في حوار مع "إسلام أون لاين":
حريتي: الجزائر طلقت العنف المسلح لتقترن بـالاحتجاجات الشعبية
محمد جمال عرفة
إسلام أون لاين ـ الجزائر
قال إسماعيل حريتي مدير مركز أمل الأمة للبحوث والدراسات الإستراتيجية بالجزائر إن العنف الذي عرفته الجزائر طيلة العشرية الأخيرة من القرن المنصرم انتهي، ولكن حل محله عنف من نوع أخر متمثل في الاحتجاجات الشعبية علي تدهور الأوضاع الداخلية التي تنتشر في المدن و حتى القرى الجزائرية.
وقال أن هذا العنف السابق كانت تقف وراءه ثلاثة أطراف رئيسية هي (الغرب) بقيادة فرنسا بريطانيا والولايات المتحدة و(النظام القائم) آنذاك في الجزائر الذي رفض مبدأ التداول السلمي على السلطة و(الجبهة الإسلامية للإنقاذ) التي أرادت تغيير منكر بمنكر أكبر منه.
وقال "حريتي" إن حصاد مشاركة الإسلاميين من حركة (حمس) الجزائرية في الحكومة خلال تولي الشيخ محفوظ نحناح رئاسة الحركة، كان إيجابيا خاصة فيما يتعلق بتفنيد الأكاذيب الغربية عن "فزاعة الإسلاميين" وإثبات حركة مجتمع السلم أنها تقبل التعايش مع القوي السياسية الأخرى، بيد أن الانشقاق الذي وقع لاحقا في الحركة الإسلامية أثر عليها.
وأستبعد رئيس مركز أمل الأمة - في حوار مع إسلام أون لاين - أن تنتقل عدوي تونس إلى الجزائر لتخوف الجزائريين من عودة العنف إلى البلاد مرة أخري واختلاف الأجواء في الجزائر عن تونس من حيث الحريات الدينية.
· هل يمكن أن نقول إن العنف الذي شهدته الجزائر طوال تسعينيات القرن الماضي قد انتهى؟
نعم يمكنني القول بأن العنف الذي عرفته الجزائر طيلة عشرية التسعينيات قد ولى، غير أنه تولد عنه في السنوات الأخيرة عنف من نوع أخر متمثل في الاحتجاجات الشعبية التي تعرفها جل المدن و حتى القرى الجزائرية وظاهر هذه الاحتجاجات يكمن في عدم توفر السكن، و غلاء المعيشة و البطالة المتفشية في جميع فئات المجتمع و خاصة خريجي الجامعات، أما باطنه فهو غلق مجال الحريات السياسية و الإعلامية والنقابية وانعدام العدالة الاجتماعية واستشراء الفساد المؤسساتي بشكل رهيب.
· ومن المسؤول الفعلي عن هذا العنف؟
هذا العنف السابق كانت تقف وراءه ثلاثة أطراف رئيسية هي : (الغرب) بقيادة فرنسا بريطانيا والولايات المتحدة التي حركت أذنابها في الداخل للحيلولة دون قيام نموذج ديمقراطي نابع من الإرادة الشعبية في الجزائر، لأنه سيضع حدا لهيمنتها في الجزائر ويضع حدا لنهبها خيرات الجزائر، ثم (النظام القائم) آنذاك في الجزائر الذي رفض مبدأ التداول السلمي على السلطة ثم (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) التي أرادت تغيير منكر بمنكر أكبر منه.
· وما هي الخسائر التي عادت على الجزائر من جراء هذا العنف على المستويات المختلفة؟
العنف الذي عاشته الجزائر خلف خسائر كبيرة منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي، ففي الجانب المادي ذهب ضحية هذا العنف ما يزيد عن 100 ألف قتيل، ودمرت آلاف المؤسسات الاقتصادية و التربوية و الإدارية، و تهجير آلاف القرى ذات الطابع الفلاحي، لأن أهلها أصبحوا غير آمنين على أرواحهم و أرزاقهم.
أما من الجانب المعنوي فقد تسبب هذا العنف في تهجير الكفاءات الجزائرية من مفكرين ومثقفين وأطباء و صحفيين، ووقع نزيف رهيب للكوادر الجزائرية ممن صرفت عليهم الجزائر أموالا كبيرة مند استقلالها، ليهاجروا إلى الخارج بسبب هذا العنف و تستفيد منهم الدول الغربية، و من مخلفات هذا العنف أيضا تفشي بعض الظواهر الاجتماعية التي لم نكن نعرفها من قبل في المجتمع الجزائري المحافظ، مثل : المخدرات في كل فئات المجتمع وحتى المدارس، وشرب الخمر علانية وجهراً، وظاهرة الانتحار والعنوسة و البطالة و بصفة خاصة في أوساط الجامعيين، و الهجرة غير الشرعية إلى الدول الغربية عبر البحر أو ما يسمى عندنا بظاهرة "الحراقة"، و ظهور الفساد السياسي و المالي و الأخلاقي بسبب بروز طبقة من الأغنياء الجدد الذين اغتنوا بينما كان الجزائريون يكتوون بلهيب العنف الدموي، ووقع تحالف بين هذه الفئة من الأغنياء ومحترفي السياسة (تزاوج المال والسلطة) على حساب مصالح الشعب، مما أدى إلى تفشي الفساد في دواليب جل المؤسسات.
· كيف تقيمون تجربة اشتراك الإسلاميين في الحكومة؟
مشاركة الإسلاميين في الحكومة الجزائرية مقتصرة على فصيل واحد، وهو حركة مجتمع السلم "حمس" التي تمثل فكر الإخوان المسلمين في الجزائر قبل أن يتم رفع غطاء التمثيل عنها من طرف مكتب الإرشاد بسبب الخلاف الذي وقع بين قيادتها و الذي أدى بالحركة إلى الانقسام، وهي ممثلة بأربع وزراء في الحكومة ( السياحة، التجارة، الصيد البحري، المؤسسات الصغيرة و المتوسطة)، أما فيما يخص تقييمي لهذه المشاركة، فيمكنني أن أقسمها إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل الانشقاق و ما بعده.
فتجربة مشاركة حركة مجتمع السلم "حمس" في الحكومة قبل الانشقاق تمكنت من تبديد المخاوف التي كانت بعض الدوائر الغربية وتلاميذها في الجزائر يخوفون بها الرأي العام الدولي، ومفادها أن الإسلاميين لا يقبلون التعايش مع غيرهم من التيارات الأخرى التي لا تشاركهم الرأي، كما أنهم لا يملكون برامج عملية يقدمونها لحل مشاكل المجتمع، و أنهم وعاظ مساجد و خطباء منابر لا أكثر و لا أقل، و بالرغم من انعدام التجربة و بعض الأخطاء الناتجة عن نقص الإعداد و التحضير لتولي مسؤوليات في هذا المستوى، إلا أنه يمكن القول بأن إيجابيات المشاركة كانت أحسن من سلبياتها.
· هل ما وقع في تونس قابل للتكرار في الجزائر؟
لا أعتقد بان ما وقع في تونس يمكن أن ينتقل إلى الجزائر، لأننا في الجزائر نتمتع بقدر أحسن في مجال الحريات العامة والصحفية من تونس، والأمر كذلك فيما يخص الشعائر الدينية من ارتداء للحجاب و النقاب و إعفاء اللحى الشيء الذي لم يكن مسموحا به تحت نظام الرئيس المخلوع في تونس، إضافة على ذلك الشعب الجزائري يحرص على الاستقرار والسلم الاجتماعي ويخشي أن يعود إلى سنين العنف، و أصبح يؤمن بأن النضال الدستوري السلمي هو المسار الطبيعي لحركة المجتمع نحو الإصلاح المنشود في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية.
· ما هو الهدف الذي من أجله أنشأتم مركز "أمل الأمة للدراسات الإستراتيجية"؟
هدفنا من إنشاء مركز أمل الأمة للبحوث والدراسات، هو الإسهام في توعية الأمة بقضاياها الحضارية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأجل بلورة رؤية مستقبلية حضارية و إنسانية عامة من جهة و من جهة أخرى تنمية جوانب الاتفاق و الوحدة و رص الصفوف، في مواجهة التحديات الداخلية و الخارجية التي تمر بها الأمة بعيداً عن مواطن الخلاف المذهبي و العرقي و ما لا طائل من ورائه.
أما لماذا إنشاء المركز الآن؟ فهذا مرده إلى عدة أسباب يمكن تلخيصها في : (أولا) حداثة القوانين الجزائرية التي تسمح للخواص بإنشاء مراكز دراسات وبحوث ومراكز تدريب في التنمية البشرية، ومراكز تدريب في تنمية مهارات الصحفيين، حيث كانت مقصورة سابقا على القطاع العام فقط، فالجزائر اليوم تعتبر مجالاً خصبا للاستثمار في هذا المجال البحثي.
أما الأمر (الثاني) الذي أخر نشأة مثل هذه المراكز في الجزائر فهو مرحلة العنف التي عصفت بالجزائر ولم تترك مجالا لبروز مثل هذه الفضاءات أو المراكز التي هي بالأساس فضاءات لتلاقح الأفكار، بينما كان جل الجزائريين منكبين على كيفية إيقاف العنف، ولعل هذه نعمة من نعم عودة الاستقرار في الجزائر حاليا.
والأمر (الثالث) هو أن المتأمل اليوم في الإطار المحيط بالعالم من الكيانات الكبيرة، يوجد العرب والمسلمون متنازعون ومنقسمون، فكان من الواجب علينا تحمل مسؤوليتنا و المساهمة و لو بجزء بسيط لتحقيق مشروع النهضة، و الذي من أجل تحقيقه رفعنا في المركز شعار " وحدة، عزة، كرامة"، لأننا في مركز أمل الأمة نعتقد اعتقاداً جازماً بأن الوحدة العربية و الإسلامية سبيل العزة و الكرامة.
· في تقديرك، لماذا تغيبت مراكز الدراسات والأبحاث العربية الجادة في المنطقة العربية عموما؟ والمغرب العربي خصوصا؟
غياب مراكز الدراسات والأبحاث العربية الجادة في الدول العربية مرده في اعتقادي إلى عوامل كثيرة أبرزها أن جل الأنظمة العربية - ولو بنسب متفاوتة - التي تولت زمام الحكم بعد خروج الاستعمار، استعملت نفس السياسة التي كان يقوم بها الاستعمار، والتي مفادها ربط المواطن ببطنه و جعله يلهث ليل نهار وراء كسب قوته و قوة عياله، و عزله عن كل ما له علاقة بالعلم والفكر والثقافة والإبداع الجاد، رغم أن تعاليم ديننا الحنيف تحثنا على اكتساب العلم ولو في الصين.و الدليل على ذلك الميزانيات الضخمة التي تخصصها الأنظمة العربية لاستيراد المواد الأساسية للاستهلاك، بينما لا تخصص لمجال البحث و الفكر إلا ميزانيات زهيدة، وهذه السياسة اللئيمة ولدت عند الباحث و المفكر في الوطن العربي إحباطاً، مما أدى به إلى الزهد وعدم الاجتهاد من أجل إصدار دراسات و بحوث لأنه ليس هنالك ما يحفزه على ذلك سواء كان ذلك من الناحية المادية أو المعنوية، كما ولدت هذه السياسة عزوف رجال المال والأعمال والاستثمار في إنشاء مراكز الدراسات والبحوث وخصوصا عندنا في المغرب العربي، كونها ليست مربحة و لا تقدم الحكومات أي دعم مادي أو معنوي لها عكس ما هو معمول به في الدول الغربية و إسرائيل حيث تخصص ميزانيات كبيرة و تعطى تحفيزات مالية وإعفاءات جبائية لكل من يريد استثمار ماله في هذا الميدان، أما إذا نظرت إلى مكانة المفكر و الباحث والعالم في عالمنا العربي والإسلامي فستجده في أخر السلم الاجتماعي.
حريتي: الجزائر طلقت العنف المسلح لتقترن بـالاحتجاجات الشعبية
محمد جمال عرفة
إسلام أون لاين ـ الجزائر
قال إسماعيل حريتي مدير مركز أمل الأمة للبحوث والدراسات الإستراتيجية بالجزائر إن العنف الذي عرفته الجزائر طيلة العشرية الأخيرة من القرن المنصرم انتهي، ولكن حل محله عنف من نوع أخر متمثل في الاحتجاجات الشعبية علي تدهور الأوضاع الداخلية التي تنتشر في المدن و حتى القرى الجزائرية.
وقال أن هذا العنف السابق كانت تقف وراءه ثلاثة أطراف رئيسية هي (الغرب) بقيادة فرنسا بريطانيا والولايات المتحدة و(النظام القائم) آنذاك في الجزائر الذي رفض مبدأ التداول السلمي على السلطة و(الجبهة الإسلامية للإنقاذ) التي أرادت تغيير منكر بمنكر أكبر منه.
وقال "حريتي" إن حصاد مشاركة الإسلاميين من حركة (حمس) الجزائرية في الحكومة خلال تولي الشيخ محفوظ نحناح رئاسة الحركة، كان إيجابيا خاصة فيما يتعلق بتفنيد الأكاذيب الغربية عن "فزاعة الإسلاميين" وإثبات حركة مجتمع السلم أنها تقبل التعايش مع القوي السياسية الأخرى، بيد أن الانشقاق الذي وقع لاحقا في الحركة الإسلامية أثر عليها.
وأستبعد رئيس مركز أمل الأمة - في حوار مع إسلام أون لاين - أن تنتقل عدوي تونس إلى الجزائر لتخوف الجزائريين من عودة العنف إلى البلاد مرة أخري واختلاف الأجواء في الجزائر عن تونس من حيث الحريات الدينية.
· هل يمكن أن نقول إن العنف الذي شهدته الجزائر طوال تسعينيات القرن الماضي قد انتهى؟
نعم يمكنني القول بأن العنف الذي عرفته الجزائر طيلة عشرية التسعينيات قد ولى، غير أنه تولد عنه في السنوات الأخيرة عنف من نوع أخر متمثل في الاحتجاجات الشعبية التي تعرفها جل المدن و حتى القرى الجزائرية وظاهر هذه الاحتجاجات يكمن في عدم توفر السكن، و غلاء المعيشة و البطالة المتفشية في جميع فئات المجتمع و خاصة خريجي الجامعات، أما باطنه فهو غلق مجال الحريات السياسية و الإعلامية والنقابية وانعدام العدالة الاجتماعية واستشراء الفساد المؤسساتي بشكل رهيب.
· ومن المسؤول الفعلي عن هذا العنف؟
هذا العنف السابق كانت تقف وراءه ثلاثة أطراف رئيسية هي : (الغرب) بقيادة فرنسا بريطانيا والولايات المتحدة التي حركت أذنابها في الداخل للحيلولة دون قيام نموذج ديمقراطي نابع من الإرادة الشعبية في الجزائر، لأنه سيضع حدا لهيمنتها في الجزائر ويضع حدا لنهبها خيرات الجزائر، ثم (النظام القائم) آنذاك في الجزائر الذي رفض مبدأ التداول السلمي على السلطة ثم (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) التي أرادت تغيير منكر بمنكر أكبر منه.
· وما هي الخسائر التي عادت على الجزائر من جراء هذا العنف على المستويات المختلفة؟
العنف الذي عاشته الجزائر خلف خسائر كبيرة منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي، ففي الجانب المادي ذهب ضحية هذا العنف ما يزيد عن 100 ألف قتيل، ودمرت آلاف المؤسسات الاقتصادية و التربوية و الإدارية، و تهجير آلاف القرى ذات الطابع الفلاحي، لأن أهلها أصبحوا غير آمنين على أرواحهم و أرزاقهم.
أما من الجانب المعنوي فقد تسبب هذا العنف في تهجير الكفاءات الجزائرية من مفكرين ومثقفين وأطباء و صحفيين، ووقع نزيف رهيب للكوادر الجزائرية ممن صرفت عليهم الجزائر أموالا كبيرة مند استقلالها، ليهاجروا إلى الخارج بسبب هذا العنف و تستفيد منهم الدول الغربية، و من مخلفات هذا العنف أيضا تفشي بعض الظواهر الاجتماعية التي لم نكن نعرفها من قبل في المجتمع الجزائري المحافظ، مثل : المخدرات في كل فئات المجتمع وحتى المدارس، وشرب الخمر علانية وجهراً، وظاهرة الانتحار والعنوسة و البطالة و بصفة خاصة في أوساط الجامعيين، و الهجرة غير الشرعية إلى الدول الغربية عبر البحر أو ما يسمى عندنا بظاهرة "الحراقة"، و ظهور الفساد السياسي و المالي و الأخلاقي بسبب بروز طبقة من الأغنياء الجدد الذين اغتنوا بينما كان الجزائريون يكتوون بلهيب العنف الدموي، ووقع تحالف بين هذه الفئة من الأغنياء ومحترفي السياسة (تزاوج المال والسلطة) على حساب مصالح الشعب، مما أدى إلى تفشي الفساد في دواليب جل المؤسسات.
· كيف تقيمون تجربة اشتراك الإسلاميين في الحكومة؟
مشاركة الإسلاميين في الحكومة الجزائرية مقتصرة على فصيل واحد، وهو حركة مجتمع السلم "حمس" التي تمثل فكر الإخوان المسلمين في الجزائر قبل أن يتم رفع غطاء التمثيل عنها من طرف مكتب الإرشاد بسبب الخلاف الذي وقع بين قيادتها و الذي أدى بالحركة إلى الانقسام، وهي ممثلة بأربع وزراء في الحكومة ( السياحة، التجارة، الصيد البحري، المؤسسات الصغيرة و المتوسطة)، أما فيما يخص تقييمي لهذه المشاركة، فيمكنني أن أقسمها إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل الانشقاق و ما بعده.
فتجربة مشاركة حركة مجتمع السلم "حمس" في الحكومة قبل الانشقاق تمكنت من تبديد المخاوف التي كانت بعض الدوائر الغربية وتلاميذها في الجزائر يخوفون بها الرأي العام الدولي، ومفادها أن الإسلاميين لا يقبلون التعايش مع غيرهم من التيارات الأخرى التي لا تشاركهم الرأي، كما أنهم لا يملكون برامج عملية يقدمونها لحل مشاكل المجتمع، و أنهم وعاظ مساجد و خطباء منابر لا أكثر و لا أقل، و بالرغم من انعدام التجربة و بعض الأخطاء الناتجة عن نقص الإعداد و التحضير لتولي مسؤوليات في هذا المستوى، إلا أنه يمكن القول بأن إيجابيات المشاركة كانت أحسن من سلبياتها.
· هل ما وقع في تونس قابل للتكرار في الجزائر؟
لا أعتقد بان ما وقع في تونس يمكن أن ينتقل إلى الجزائر، لأننا في الجزائر نتمتع بقدر أحسن في مجال الحريات العامة والصحفية من تونس، والأمر كذلك فيما يخص الشعائر الدينية من ارتداء للحجاب و النقاب و إعفاء اللحى الشيء الذي لم يكن مسموحا به تحت نظام الرئيس المخلوع في تونس، إضافة على ذلك الشعب الجزائري يحرص على الاستقرار والسلم الاجتماعي ويخشي أن يعود إلى سنين العنف، و أصبح يؤمن بأن النضال الدستوري السلمي هو المسار الطبيعي لحركة المجتمع نحو الإصلاح المنشود في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية.
· ما هو الهدف الذي من أجله أنشأتم مركز "أمل الأمة للدراسات الإستراتيجية"؟
هدفنا من إنشاء مركز أمل الأمة للبحوث والدراسات، هو الإسهام في توعية الأمة بقضاياها الحضارية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأجل بلورة رؤية مستقبلية حضارية و إنسانية عامة من جهة و من جهة أخرى تنمية جوانب الاتفاق و الوحدة و رص الصفوف، في مواجهة التحديات الداخلية و الخارجية التي تمر بها الأمة بعيداً عن مواطن الخلاف المذهبي و العرقي و ما لا طائل من ورائه.
أما لماذا إنشاء المركز الآن؟ فهذا مرده إلى عدة أسباب يمكن تلخيصها في : (أولا) حداثة القوانين الجزائرية التي تسمح للخواص بإنشاء مراكز دراسات وبحوث ومراكز تدريب في التنمية البشرية، ومراكز تدريب في تنمية مهارات الصحفيين، حيث كانت مقصورة سابقا على القطاع العام فقط، فالجزائر اليوم تعتبر مجالاً خصبا للاستثمار في هذا المجال البحثي.
أما الأمر (الثاني) الذي أخر نشأة مثل هذه المراكز في الجزائر فهو مرحلة العنف التي عصفت بالجزائر ولم تترك مجالا لبروز مثل هذه الفضاءات أو المراكز التي هي بالأساس فضاءات لتلاقح الأفكار، بينما كان جل الجزائريين منكبين على كيفية إيقاف العنف، ولعل هذه نعمة من نعم عودة الاستقرار في الجزائر حاليا.
والأمر (الثالث) هو أن المتأمل اليوم في الإطار المحيط بالعالم من الكيانات الكبيرة، يوجد العرب والمسلمون متنازعون ومنقسمون، فكان من الواجب علينا تحمل مسؤوليتنا و المساهمة و لو بجزء بسيط لتحقيق مشروع النهضة، و الذي من أجل تحقيقه رفعنا في المركز شعار " وحدة، عزة، كرامة"، لأننا في مركز أمل الأمة نعتقد اعتقاداً جازماً بأن الوحدة العربية و الإسلامية سبيل العزة و الكرامة.
· في تقديرك، لماذا تغيبت مراكز الدراسات والأبحاث العربية الجادة في المنطقة العربية عموما؟ والمغرب العربي خصوصا؟
غياب مراكز الدراسات والأبحاث العربية الجادة في الدول العربية مرده في اعتقادي إلى عوامل كثيرة أبرزها أن جل الأنظمة العربية - ولو بنسب متفاوتة - التي تولت زمام الحكم بعد خروج الاستعمار، استعملت نفس السياسة التي كان يقوم بها الاستعمار، والتي مفادها ربط المواطن ببطنه و جعله يلهث ليل نهار وراء كسب قوته و قوة عياله، و عزله عن كل ما له علاقة بالعلم والفكر والثقافة والإبداع الجاد، رغم أن تعاليم ديننا الحنيف تحثنا على اكتساب العلم ولو في الصين.و الدليل على ذلك الميزانيات الضخمة التي تخصصها الأنظمة العربية لاستيراد المواد الأساسية للاستهلاك، بينما لا تخصص لمجال البحث و الفكر إلا ميزانيات زهيدة، وهذه السياسة اللئيمة ولدت عند الباحث و المفكر في الوطن العربي إحباطاً، مما أدى به إلى الزهد وعدم الاجتهاد من أجل إصدار دراسات و بحوث لأنه ليس هنالك ما يحفزه على ذلك سواء كان ذلك من الناحية المادية أو المعنوية، كما ولدت هذه السياسة عزوف رجال المال والأعمال والاستثمار في إنشاء مراكز الدراسات والبحوث وخصوصا عندنا في المغرب العربي، كونها ليست مربحة و لا تقدم الحكومات أي دعم مادي أو معنوي لها عكس ما هو معمول به في الدول الغربية و إسرائيل حيث تخصص ميزانيات كبيرة و تعطى تحفيزات مالية وإعفاءات جبائية لكل من يريد استثمار ماله في هذا الميدان، أما إذا نظرت إلى مكانة المفكر و الباحث والعالم في عالمنا العربي والإسلامي فستجده في أخر السلم الاجتماعي.