نائب رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية في حواره مع إسلام أون لاين:
مقري: ستحصل "حمس" على أغلبية البرلمان 2017
عبد الرحمن أبو رومي
إسلام أون لاين – الجزائر
قدم الدكتور عبد الرزاق مقري نائب رئيس "حركة مجتمع السلم – حمس" وهي إحدى أقطاب الائتلاف الحاكم في الجزائر، تقويماً لمسيرة الحركة، بعد مضي 20 عاماً على نشاطها السياسي العلني، مرجعاً ذلك إلى تبنيها "إستراتيجية ناجعة"، وقال مقري "لولا هذه الإستراتيجية لما كانت الحركة موجودة الآن"، كما أن إستراتيجية المشاركة في مؤسسات الدولة حققت للحركة "نجاحاً كبيراً"، بدليل أنها – حسب رأيه – "الحزب الإسلامي الوحيد الذي له وجود في مختلف مؤسسات الدولة بالجزائر"، ووصفها بأنها لا تزال الحركة الإسلامية الأبرز في الساحة الجزائرية، جاء ذلك في الحوار الذي أجراه معه "إسلام أون لاين" في مكتبه بالعاصمة الجزائرية.
وحول الانشقاق الذي حدث في الحركة، هَوَّنَ الرجل الثاني في "حركة مجتمع السلم" من تأثير انشقاق ما يعرف بـ "جماعة عبد المجيد مناصرة"، وتأسيسهم حزباً جديداً يحمل اسم "جبهة التغيير الوطني"، مؤكداً أن ذلك "لم يؤثر في الحركة وقد تم تجاوز ما حصل"، كما ذهب إلى حد بعيد في تفاؤله بمستقبل الحركة حين تحدث عن إمكانية حصول الحركة على الأغلبية البرلمانية عام 2017.
وفي حواره مع "إسلام أون لاين" تطرق الدكتور عبدالرزاق مقري إلى عدد من القضايا في الساحة الجزائرية والعربية، وأشار إلى أن "التيار الإسلامي" سواء في الجزائر أو في البلدان العربية الأخرى، هو المستفيد الأول مما يحدث في العالم العربي من تغيرات وتطورات، لأن هذا التيار هو الأكثر تنظيماً وانتشاراً في الأوساط الشعبية، ولكن حتى تستفيد الحركة الإسلامية من هذه التحولات، عليها تطوير أدائها وإبراز قدرتها على خدمة الشعوب في تلبية تطلعاتها وطموحاتها، فإلى نص هذا الحوار:
تقييم الأداء
- بعد مضي 20 عاماً بعد تأسيس "حركة مجتمع السلم" الجزائرية، ما الذي تحقق وما الذي لم يتحقق من الأهداف التي أنشئت لأجلها الحركة؟
* حينما نتحدث عن 20 سنة من تأسيس الحركة، فنحن نتحدث عن المرحلة العلنية والقانونية التي خرجت فيها الحركة من الفترة السرية أو شبة السرية، وصار لها اعتماد قانوني، وإلا فإن الحركة كانت موجودة فعلا منذ أكثر من 20 سنة، وكان لها وجود دعوي واسع جداً، وفي أواخر الثمانينات كانت تمثل قوة كبيرة في الساحة الدعوية بالجزائر، وكانت لها إنجازات كبيرة في تلك المرحلة في المستوى الدعوي والفكري، في مستوى انتشار الصحوة الإسلامية، وفي مستوى نقل الفكر الإسلامي إلى مختلف المؤسسات، سواء كانت الرسمية أو المجتمعية.
ثم جاءت فترة التسعينات التي سبقتها أحداث كبيرة في بدايات أكتوبر من عام 1988 حيث الانتفاضة الشبابية، والغريب في الأمر أنها كانت تحمل المظاهر نفسها التي نراها اليوم في الساحات العربية، وقد كانت تدعو إلى الحقوق والكرامة والإصلاح السياسي ومكافحة ومحاسبة الفساد والمفسدين.
في تلك المرحلة تحقق شيء مذهل، إذ جاء دستور جديد غير مسبوق في الوطن العربي، وسمح بالتعددية الحزبية، مما سمح بتأسيس أحزاب كثيرة منها الأحزاب الإسلامية، وصار هناك أيضاً انفتاح إعلامي منقطع النظير، كان محط اهتمام الجميع في الوطن العربي، وكان يمكن لهذه الفرصة أن تجعل الجزائر أنموذج الحرية والديمقراطية والتداول السلطة السلمي في الوطن العربي، لكن وبكل أسف وقع انحراف كبير جداً لأنه لم تكن هناك طبقة قيادية سواء في مستوى الحكم أو المجتمع، بما في ذلك الحركة الإسلامية، هذه الطبقة التي كان بإمكانها أن تجعل هذا التحول لصالح الجزائر وثوابتها، ولصالح المشروع الإصلاحي في الجزائر عموما.
وكانت الحركة في بداية هذا الانفتاح متوجسة نوعاً ما، من الانتقال مباشرة إلى الساحة السياسية، فأسست "جمعية الإرشاد والإصلاح" من أجل حماية الدعوة ونقلها إلى مستوى آخر في ظل جو الحريات، وبعد فترة وجيزة اتضح أنه لا صوت يسمع سوى صوت التنافس السياسي، واضطرت الحركة إلى تأسيس حركتها "حركة المجتمع الإسلامي" في أواخر شهر مايو من عام 1991، وعقدت مؤتمرها الأول، وكان أمامها عدد من التحديات، التي غطت على المصالح الحزبية، وغطت على ما كنا نطمح إليه من التمكين لمشروعنا، ويمكن أن نجمل هذه التحديات في يلي :
- صار الوطن في خطر كبير جداً فظهرت في قاموس الحركة بعض المصطلحات، وهي: "الخوف من لبننة أو صوملة أو بلقنة الجزائر" بمعنى كان الخوف كبيراً على وحدة الوطن، هذا الكلام كان مستغرباً لدى كثيرين حينها، ولكن الناس لما رأوا ما حدث في العراق فيما بعد وما يحدث في عدد من الدول العربية، أصبحوا يدركون أن الجزائر كانت في خطر حقيقي يهدد وحدتها .
- كما كان هناك خطر كبير أيضاً يكمن في انهيار مؤسسات الدولة، إذ بدأ يظهر في القاموس الفكري للحركة ما يسمى بـ "الفصل بين الدولة والنظام" فيمكن أن نختلف مع النظام ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسمح بانهيار مؤسسات الدولة، التي إذا انهارت عمت الفوضى في المجتمع، ولا يمكن حينئذ أن نتحدث عن المنهاج أو البرنامج والطموحات.
- أما التحدي الثالث فهو الخوف من استغلال التيار العلماني الذي انهزم في الساحة الشعبية، وفي مستوى فضاءات النخب والمجتمع المدني في فترة الثمانينات، هذه الفرصة لضرب الإسلام بذريعة الحرب على الإرهاب، وبرزت كما هو معلوم بعض المصطلحات من بينها ما كان يردده رئيس حكومة سابق "لابد أن ينتقل الرعب إلى المعسكر الآخر"، فصار هناك خوف حقيقي يُخلط بين الإسلام والإرهاب والتطرف.
- وكان هناك تحدٍ آخر وهو كيفية ضمان استمرار "النضال الإسلامي" إذ كيف يمكن أن نحافظ على هؤلاء المناضلين "المتدينين الإسلاميين" الذين صاروا في خطر جد كبير، فلابد أن نذكر أنه في بداية التسعينات كان يحكم على الناس بناءً على زيهم ومظهرهم، وكان بعضهم يختطف في الشوارع أو وهم خارجين من المساجد ويختفي أثرهم تماماً، إذا كان التحدي هو: كيف نسمح لهذه الآلاف من الشباب الإسلامي أن تستمر في العمل والعطاء، وأن تستبقي فرصة الاستمرار إلى آفاق أخرى أفضل.
لذلك صارت كل مخططات واستراتيجيات الحركة في مستوى هذه التحديات وفق قاعدة "دفع المفاسد أولى من جلب المصالح" وكان النهج الذي سرنا عليه يهدف إلى إبعاد هذه الإشكالات الأربعة، لذلك أؤكد أن أكبر ما أنجزته الحركة هو معالجة هذه التحديات الأربعة من خلال الحرص على الحوار وإطلاق عدد كبير من المشاريع: كمشروع "التحالف الإسلامي الوطني" ومشروع "التحالف الإسلامي الجمهوري" ومشروع "مجموعة السبعة" ومشروع "السلم" وغيرها.
وخلال العمل السياسي والاتصال الكثيف بمختلف التيارات، استطعنا أن نحافظ على وحدة هذا الوطن، وكذلك اخترنا المحافظة على مؤسسات الدولة بالمساهمة في إعادة بنائها، لذلك شاركنا في المحاولات الرامية إلى إعادة بناء الدولة كلها ابتداءً من المشاركة في "المجلس الوطني الانتقالي" سنة 1994، بالرغم من علمنا بأنه تنقصه الشرعية الشعبية، وذلك من أجل الحوار والتواصل، ودخلنا في انتخابات 1995، التي نجح فيها الشيخ "محفوظ نحناح" (رحمه الله) بكل المقاييس، ولكن وقع تزوير كبير، ومن زور علينا هو من أخبرنا، وقال نحن قد زورنا عليكم، من أجل المصلحة الوطنية بين قوسين، ثم خضنا انتخابات 1997، وكنا القوة التي نجحت في البرلمان ولكن مع شديد الأسف زورت الانتخابات لصالح "التجمع الوطني الديمقراطي"، وزورت الانتخابات المحلية عام 1997 كذلك، وأسسنا لجنة للتحقيق في التزوير، وأثبتت هذه اللجنة أن التزوير كان حقيقيا.
ولكن بالرغم من ذلك كله استطعنا إعادة بناء الدولة الجزائرية، كما استطعنا أن نحافظ على صورة الإسلام بسلوكنا، وتميزنا وحرصنا عليه، ونحن كنا نقول هذا الكلام وكان أغلب التيارات الإسلامية يستغرب خطابنا، فالحركة الإسلامية في المستوى العالمي لم تفهم ضرورة التمييز بين "التشدد" و"التطرف" إلا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، نحن فهمنا هذا الموضوع منذ التسعينات، واستطعنا في الجزائر أن نفوت الفرصة على العلمانيين، ولم يصبح في الجزائر من يخلط بين "الإسلام" و"الإرهاب"، وبعد تلك الأحداث التحقت بهذا الموضوع الحركات الإسلامية كلها.
لذلك أقول: إن الذي حققناه في الجزائر خلال 20 عاماً، كان في المستوى الإستراتيجي بـ "المحافظة على الإسلام" و"المحافظة على مؤسسات الدولة وعلى وحدة الوطن"، وكذلك "المحافظة على الاستمرار"، فنحن الآن موجودون في الساحة الجزائرية، ولولا تلك الإستراتيجية لما كنا موجودين الآن.
كذلك من الإنجازات الكبرى التي حققناها بعد هذه الأبعاد الإستراتيجية الأربعة هو نجاحنا في نقل رجال الدعوة الإسلامية وأصحاب الاتجاه الإسلامي إلى مختلف مؤسسات الدولة، وهذا الأمر غير مسبوق في العالم العربي، لا يوجد حزب إسلامي في العالم العربي له وجود في مختلف مؤسسات الدولة مثل "حركة مجتمع السلم"، نحن نملك وزارات أساسية في الدولة الجزائرية، ولنا وجود في البرلمان والمجالس الشعبية والمحلية، والإدارة المركزية.
كما ساهمت الحركة في إصلاح ما يمكن إصلاحه، واستطعنا أن نستخدم تجاربنا وخبراتنا في خدمة القضية الفلسطينية، نحن حينما أبرمنا الاتفاق مع "التحالف الرئاسي" اشترطنا منذ البداية محاربة التطبيع.
هل وجد انحراف؟
- هل يفهم من كلامكم أن مشاركة الحركة في السلطة لم تود بها إلى الانحراف عن مبادئها كما يرى بعض خصومكم؟
* بالطبع، هذا الكلام لا أساس له ولا برهان عليه، بالعكس الحركة بعد 20 سنة من الوجود العلني والقانوني، لا تزال هي الحركة الإسلامية الأبرز في الساحة الجزائرية، أنا كنت أحدثك عن فلسطين، من يخدم القضية الفلسطينية أكثر من "حمس"؟ هل يمكن لحركة أصابها انحراف في منهجها أن تضحي وأن تعمل وأن تجتهد من أجل "أسطول الحرية"، ونحن نعد الآن لـ "أسطول الحرية 2" والطرف الأقوى في هذا الموضوع والأكثر حضوراً هو "حمس".
نحن أيضاً لدينا مشاريع شبابية مثل "أكاديمية جيل الترجيح" و"منظمة شمس" والأكاديمية أنهت قبل أسبوع مشروعها الدعوي لتحجيب الفتيات والتبكير إلى صلاة الفجر، واستطاع شبابنا الذين بلغ عددهم في الأكاديمية 1400 شاب، أن يبلغوا رسالتهم أكثر من 50 ألف شاب وشابة هذه الدعوة، سواء الحجاب بالنسبة للفتيات، أو الشباب بالنسبة إلى صلاة الفجر، واستطاعوا أن يحدثوا "ثورة" في عدد من المدن الجامعية، بعدما كان عدد المصلين في المساجد لا يتجاوز أربعة أو خمسة صفوف أصبحت المساجد ممتلئة بالمصلين في صلاة الفجر.
كما استطاعوا الوصول إلى 315 فتاة متحجبة جديدة، فالحركة لاتزال تناضل من أجل الصيرفة الإسلامية، نحن كنا قد نظمنا في البرلمان ندوة تناقش الموضوع وزراءنا في الحكومة يكافحون كفاحاً شديداً، من أجل التمكين للبنوك الإسلامية ودعاتنا ورجالنا موجودون في كل مكان، ولكن قد يكون أصاب الحركة نوع من التراجع ربما في أدائها الانتخابي، وهذا شيء طبيعي لأن كل الخيارات الصعبة تؤدي في مرحلة ما إلى بعض الخسائر التي كنا نقدرها ونستوعبها.
حقيقة الانشقاقات
- تتحدثون عن أن "حمس" لاتزال الحركة الإسلامية الأبرز في الجزائر، هل يعني ذلك أن الانشقاق الحاصل في صفوفها لم يؤثر على حجمها في الساحة السياسية؟
* في الحقيقة هذا الانشقاق بالطبع هو شيء بغيض وغير مرغوب فيه، لكنه حقيقة قدر مقدور على المسلمين، والمولى تبارك وتعالى يقول: "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك" ومن هم أفضل منا اختلفوا، ونحن نرى أن هناك خلافات موجودة في الأقطار كلها، عند الإخوان المسلمين في مصر، والحركة الإسلامية في الأردن، وفي مستوى الحركات الإسلامية في المغرب، وأيضاً في مستوى الجزائر، فنحن لسنا بدعاً في هذا المجال، ولكن أؤكد تأكيد تاما أن هذا الانشقاق لم يؤثر في الحركة، إلا تأثيراً بسيطاً في البداية نتيجة الصدمة وقد تجاوزناه والحركة الآن أكثر نشاطاً وحيوية، و أكثر مكاسب في المستوى السياسي والشعبي وأكثر عددا من حيث المنظمات الجديدة المؤسسة.
- ولكن كانت هناك وساطات داخلية وخارجية للم الشمل وتوحيد الصفوف من جديد، ترى لماذا فشلت هذه المساعي وأعلن المنشقون ميلاد حزبهم الجديد؟
* نحن في الحقيقة قبلنا كل المبادرات الرامية إلى جمع الصف، إذ إن عدداً من الأساتذة في الحركة الإسلامية العالمية طلبوا منا أن نقدم تنازلات كبيرة، وأن نمنح المنشقين نصف القيادة، بالتعيين وليس بالانتخاب، وقبلنا هذا الطرح، وقبل هذا الحوار تأسست لجنة صلح هنا في الجزائر، وطلبت منا أن نقدم تنازلات وبالفعل قدمنا كل هذه التنازلات، ولكن الإخوة أخبرونا بشكل واضح لا لبس فيه أنهم لا يريدون الرجوع إلى الحركة، أنا شخصياً تحدثت معهم وأخبروني بذلك، وما دامت هذه هي إرادتهم فهم من يُسأل: لماذا رفضوا هذه الوساطات؟
ولكن في الحقيقة لا يوجد سبب فكري أو سياسي يبرر هذا الانشقاق ونحن ننتمي إلى مدرسة واحدة وإلى خط سياسي واحد، ربما هم لم يستوعبوا التحول الذي وقع في البنية القيادية، وإرادة القواعد إبراز طبقة قيادية جديدة، فأرادوا أن يؤسسوا حزباً جديداً يمارسوا فيه نشاطهم القيادي، وهذا حقهم والأجيال هي التي تحكم على هذا الموضوع.
البقاء في السلطة
- هل في مخطط حركة "حمس" استعداد لمراجعة خيار بقائها في الائتلاف الحاكم في الجزائر مستقبلاً ؟
* بكل تأكيد وجودنا في التحالف الحاكم ليس "زواجاً كاثوليكياً" كما يقال، وليس استراتيجية أبدية، بل إنه مؤقت بزمن، فالأوضاع التي كان يمر بها الوطن والمشروع الإسلامي، أملت علينا هذه الاستراتيجية ونحن فخورون بها، ونحن حققنا نتائج كبيرة، وسيتحدث التاريخ بأن "حركة مجتمع السلم" كان لها دور أساسي في إنقاذ الجزائر، وفي إنقاذ المشروع الإسلامي كذلك.
ولكن الآن الوضع تغير والآن الذي يهدد الدولة ليس الإرهاب، وإنما هو انتشار الفساد، لذلك أنا أعتقد أن التحالف في فتراته الأخيرة، والمؤكد أن مؤسسات الحركة هي التي ستفصل في هذا الموضوع ما في ذلك شك، وبخاصة مع رياح التغيير والثورات الموجودة في العالم العربي، نحن في "حركة مجتمع السلم" قررنا أن نرفع السقف عالياً من أجل الإصلاح في الجزائر، وأن الجزائر لا يمكن بأية حال من الأحوال أن تكون غائبة عن موجة الإصلاح، ونحن أردنا أن يكون هذا الإصلاح سلمياً ورفعنا السقف عالياً ولا نبالي، هل هذا سيؤثر على التحالف أم لا؟ إذا حقق هذا السقف الإصلاح مع وجودنا في التحالف، فذلك أمر جيد، ولكن إذا خيرنا بين الإصلاح ووجودنا في التحالف سنختار الإصلاح السياسي، ما في ذلك شك.
- قلتم: أن التحالف الرئاسي في فتراته الأخيرة، ففي حال تأكد انسحابكم منه، هل ستلجؤون إلى عقد تحالفات إسلامية – إسلامية بديلا من هذا الائتلاف ؟
* نحن في ساحة سياسية مفتوحة وكل الخيارات واردة، وبطبيعة الحال الأقرب إلينا في الساحة السياسية هو التيار الإسلامي، ولكن إذا كانت متطلبات المرحلة هي الكفاح من أجل الديمقراطية، ومن أجل الإصلاح السياسي، سنتعاون مع كل من يشترك معنا في هذا الموضوع، سواء من الإسلاميين، أو من التيارات الأخرى من غير الإسلاميين، لذلك نحن سنطلب من الإسلاميين أن تكون الجبهة عريضة، وأن لا تكون فقط بين الإسلاميين، بالطبع هذه الأمور سيمليها الواقع المقبل، وستفصل فيها مؤسسات الحركة، نحن نتحدث عن تحليلات وعن تخمينات، والمستقبل يعلمه الله.
- قلتم مؤخراً: إن "حمس" تنازلت بما فيه الكفاية، وقد حان الوقت لتتقلد السلطة التي سرقت منها، معنى ذلك أن الحركة ستكون في الحكم عام 2012؟
* في الحقيقة عام 2012 هي مناسبة قريبة جداً، ويصعب جداً القول بأنه يمكن للحركة أن تحقق أغلبية برلمانية في انتخابات عام 2012، بالرغم من أنه في العمل السياسي كل الاحتمالات واردة، ولكن أنا شخصياً مطمئن تماماً ، إلى أننا يمكن أن نصل إلى الأغلبية البرلمانية في عام 2017، إذا استطعنا أن نسدد ونقارب في خطنا السياسي وفي أدائنا عموما.
حمس والتنظيم العالمي
- لا زالت قضية ارتباط "حمس" بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين تثير كثيرا من الغموض، ما حقيقة العلاقة بينكم وبين الإخوان؟
* في الحقيقة هذا الأمر يأخذ أكثر من حجمه، أنا تحدثت مع كل قيادات وأقطاب الحركة الإسلامية في العالم، فكل الذين في دائرة الإخوان المسلمين يصرحون للجميع ولوسائل الإعلام بأنهم ليس لهم أي ارتباط تنظيمي مع حركة الإخوان المسلمين، لأن تنظيم الإخوان كما يقول الإخوان المسلمين أنفسهم، هو في الحقيقة مدرسة وتيار ومنهج أكثر منه تنظيما، ولا يعقل بأي حال من الأحوال أن أي تنظيم قطري في أي بلد سواء كان في الجزائر أو غيرها من البلدان يرسم سياساته الوطنية من خلال تنظيمات خارجية، أعتقد أن هذا لا يوجد في أي قطر من الأقطار، قد يكون هناك تنسيق بين الإسلاميين، والحركة منفتحة على ذلك، ونحن أقرب في هذا التنسيق إلى مدرسة الوسطية والاعتدال، التي قبلتها جماعة "الإخوان المسلمين"، ونحن كذلك نتواصل وننسق مع بعض التيارات الإسلامية والسياسية الأخرى، حتى من غير الإسلاميين، نحن نعمل معهم ونتواصل معهم فيما هو مشترك بيننا.
- في ظل التطورات الحاصلة في الساحة العربية، كيف ترون مستقبل الحركة الإسلامية في الجزائر؟
* أتصور أن مستقبل التيار الإسلامي سواء في الجزائر أو في غيره من البلدان مرتبط بمدى قدرة التيار الإسلامي على التكيف مع الواقع الجديد، وعلى تطوير أداءه وعلى قدرته على خدمة طموحات الشعوب، أنا أعتقد أن أول مستفيد من هذه التحولات هو التيار الإسلامي، لسبب واحد بسيط ولكنه جوهري، وهو أن الحركة الإسلامية أكثر تنظيماً وأكثر انتشاراً، لذلك لديها الفرصة أكثر من غيرها للاستفادة من هذه التطورات، لكن ليست لها "بطاقة بيضاء" بمعنى هذا الوجود وهذه القوة التنظيمية وهذا الانتشار، لن ينفعها إلا إذا استطاعت أن تطور أداءها، وأن تكون قريبة من طموحات المواطنين، ولها القدرة على تلبية احتياجاتهم، وفهم المعادلات المحلية والدولية.
فإذا استطاعت أن تطور أدائها يمكن أن تكون لها فرصة كبيرة، لذلك أنا أقول أنها تتمتع بالفرصة الأولى قبل غيرها، و لكن بشرط أن تطور أداءها فإن لم تفعل ذلك، بما يتناسب مع التحولات الجديدة ، يمكن لأي تيار آخر أن يحل محلها.
مقري: ستحصل "حمس" على أغلبية البرلمان 2017
عبد الرحمن أبو رومي
إسلام أون لاين – الجزائر
قدم الدكتور عبد الرزاق مقري نائب رئيس "حركة مجتمع السلم – حمس" وهي إحدى أقطاب الائتلاف الحاكم في الجزائر، تقويماً لمسيرة الحركة، بعد مضي 20 عاماً على نشاطها السياسي العلني، مرجعاً ذلك إلى تبنيها "إستراتيجية ناجعة"، وقال مقري "لولا هذه الإستراتيجية لما كانت الحركة موجودة الآن"، كما أن إستراتيجية المشاركة في مؤسسات الدولة حققت للحركة "نجاحاً كبيراً"، بدليل أنها – حسب رأيه – "الحزب الإسلامي الوحيد الذي له وجود في مختلف مؤسسات الدولة بالجزائر"، ووصفها بأنها لا تزال الحركة الإسلامية الأبرز في الساحة الجزائرية، جاء ذلك في الحوار الذي أجراه معه "إسلام أون لاين" في مكتبه بالعاصمة الجزائرية.
وحول الانشقاق الذي حدث في الحركة، هَوَّنَ الرجل الثاني في "حركة مجتمع السلم" من تأثير انشقاق ما يعرف بـ "جماعة عبد المجيد مناصرة"، وتأسيسهم حزباً جديداً يحمل اسم "جبهة التغيير الوطني"، مؤكداً أن ذلك "لم يؤثر في الحركة وقد تم تجاوز ما حصل"، كما ذهب إلى حد بعيد في تفاؤله بمستقبل الحركة حين تحدث عن إمكانية حصول الحركة على الأغلبية البرلمانية عام 2017.
وفي حواره مع "إسلام أون لاين" تطرق الدكتور عبدالرزاق مقري إلى عدد من القضايا في الساحة الجزائرية والعربية، وأشار إلى أن "التيار الإسلامي" سواء في الجزائر أو في البلدان العربية الأخرى، هو المستفيد الأول مما يحدث في العالم العربي من تغيرات وتطورات، لأن هذا التيار هو الأكثر تنظيماً وانتشاراً في الأوساط الشعبية، ولكن حتى تستفيد الحركة الإسلامية من هذه التحولات، عليها تطوير أدائها وإبراز قدرتها على خدمة الشعوب في تلبية تطلعاتها وطموحاتها، فإلى نص هذا الحوار:
تقييم الأداء
- بعد مضي 20 عاماً بعد تأسيس "حركة مجتمع السلم" الجزائرية، ما الذي تحقق وما الذي لم يتحقق من الأهداف التي أنشئت لأجلها الحركة؟
* حينما نتحدث عن 20 سنة من تأسيس الحركة، فنحن نتحدث عن المرحلة العلنية والقانونية التي خرجت فيها الحركة من الفترة السرية أو شبة السرية، وصار لها اعتماد قانوني، وإلا فإن الحركة كانت موجودة فعلا منذ أكثر من 20 سنة، وكان لها وجود دعوي واسع جداً، وفي أواخر الثمانينات كانت تمثل قوة كبيرة في الساحة الدعوية بالجزائر، وكانت لها إنجازات كبيرة في تلك المرحلة في المستوى الدعوي والفكري، في مستوى انتشار الصحوة الإسلامية، وفي مستوى نقل الفكر الإسلامي إلى مختلف المؤسسات، سواء كانت الرسمية أو المجتمعية.
ثم جاءت فترة التسعينات التي سبقتها أحداث كبيرة في بدايات أكتوبر من عام 1988 حيث الانتفاضة الشبابية، والغريب في الأمر أنها كانت تحمل المظاهر نفسها التي نراها اليوم في الساحات العربية، وقد كانت تدعو إلى الحقوق والكرامة والإصلاح السياسي ومكافحة ومحاسبة الفساد والمفسدين.
في تلك المرحلة تحقق شيء مذهل، إذ جاء دستور جديد غير مسبوق في الوطن العربي، وسمح بالتعددية الحزبية، مما سمح بتأسيس أحزاب كثيرة منها الأحزاب الإسلامية، وصار هناك أيضاً انفتاح إعلامي منقطع النظير، كان محط اهتمام الجميع في الوطن العربي، وكان يمكن لهذه الفرصة أن تجعل الجزائر أنموذج الحرية والديمقراطية والتداول السلطة السلمي في الوطن العربي، لكن وبكل أسف وقع انحراف كبير جداً لأنه لم تكن هناك طبقة قيادية سواء في مستوى الحكم أو المجتمع، بما في ذلك الحركة الإسلامية، هذه الطبقة التي كان بإمكانها أن تجعل هذا التحول لصالح الجزائر وثوابتها، ولصالح المشروع الإصلاحي في الجزائر عموما.
وكانت الحركة في بداية هذا الانفتاح متوجسة نوعاً ما، من الانتقال مباشرة إلى الساحة السياسية، فأسست "جمعية الإرشاد والإصلاح" من أجل حماية الدعوة ونقلها إلى مستوى آخر في ظل جو الحريات، وبعد فترة وجيزة اتضح أنه لا صوت يسمع سوى صوت التنافس السياسي، واضطرت الحركة إلى تأسيس حركتها "حركة المجتمع الإسلامي" في أواخر شهر مايو من عام 1991، وعقدت مؤتمرها الأول، وكان أمامها عدد من التحديات، التي غطت على المصالح الحزبية، وغطت على ما كنا نطمح إليه من التمكين لمشروعنا، ويمكن أن نجمل هذه التحديات في يلي :
- صار الوطن في خطر كبير جداً فظهرت في قاموس الحركة بعض المصطلحات، وهي: "الخوف من لبننة أو صوملة أو بلقنة الجزائر" بمعنى كان الخوف كبيراً على وحدة الوطن، هذا الكلام كان مستغرباً لدى كثيرين حينها، ولكن الناس لما رأوا ما حدث في العراق فيما بعد وما يحدث في عدد من الدول العربية، أصبحوا يدركون أن الجزائر كانت في خطر حقيقي يهدد وحدتها .
- كما كان هناك خطر كبير أيضاً يكمن في انهيار مؤسسات الدولة، إذ بدأ يظهر في القاموس الفكري للحركة ما يسمى بـ "الفصل بين الدولة والنظام" فيمكن أن نختلف مع النظام ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسمح بانهيار مؤسسات الدولة، التي إذا انهارت عمت الفوضى في المجتمع، ولا يمكن حينئذ أن نتحدث عن المنهاج أو البرنامج والطموحات.
- أما التحدي الثالث فهو الخوف من استغلال التيار العلماني الذي انهزم في الساحة الشعبية، وفي مستوى فضاءات النخب والمجتمع المدني في فترة الثمانينات، هذه الفرصة لضرب الإسلام بذريعة الحرب على الإرهاب، وبرزت كما هو معلوم بعض المصطلحات من بينها ما كان يردده رئيس حكومة سابق "لابد أن ينتقل الرعب إلى المعسكر الآخر"، فصار هناك خوف حقيقي يُخلط بين الإسلام والإرهاب والتطرف.
- وكان هناك تحدٍ آخر وهو كيفية ضمان استمرار "النضال الإسلامي" إذ كيف يمكن أن نحافظ على هؤلاء المناضلين "المتدينين الإسلاميين" الذين صاروا في خطر جد كبير، فلابد أن نذكر أنه في بداية التسعينات كان يحكم على الناس بناءً على زيهم ومظهرهم، وكان بعضهم يختطف في الشوارع أو وهم خارجين من المساجد ويختفي أثرهم تماماً، إذا كان التحدي هو: كيف نسمح لهذه الآلاف من الشباب الإسلامي أن تستمر في العمل والعطاء، وأن تستبقي فرصة الاستمرار إلى آفاق أخرى أفضل.
لذلك صارت كل مخططات واستراتيجيات الحركة في مستوى هذه التحديات وفق قاعدة "دفع المفاسد أولى من جلب المصالح" وكان النهج الذي سرنا عليه يهدف إلى إبعاد هذه الإشكالات الأربعة، لذلك أؤكد أن أكبر ما أنجزته الحركة هو معالجة هذه التحديات الأربعة من خلال الحرص على الحوار وإطلاق عدد كبير من المشاريع: كمشروع "التحالف الإسلامي الوطني" ومشروع "التحالف الإسلامي الجمهوري" ومشروع "مجموعة السبعة" ومشروع "السلم" وغيرها.
وخلال العمل السياسي والاتصال الكثيف بمختلف التيارات، استطعنا أن نحافظ على وحدة هذا الوطن، وكذلك اخترنا المحافظة على مؤسسات الدولة بالمساهمة في إعادة بنائها، لذلك شاركنا في المحاولات الرامية إلى إعادة بناء الدولة كلها ابتداءً من المشاركة في "المجلس الوطني الانتقالي" سنة 1994، بالرغم من علمنا بأنه تنقصه الشرعية الشعبية، وذلك من أجل الحوار والتواصل، ودخلنا في انتخابات 1995، التي نجح فيها الشيخ "محفوظ نحناح" (رحمه الله) بكل المقاييس، ولكن وقع تزوير كبير، ومن زور علينا هو من أخبرنا، وقال نحن قد زورنا عليكم، من أجل المصلحة الوطنية بين قوسين، ثم خضنا انتخابات 1997، وكنا القوة التي نجحت في البرلمان ولكن مع شديد الأسف زورت الانتخابات لصالح "التجمع الوطني الديمقراطي"، وزورت الانتخابات المحلية عام 1997 كذلك، وأسسنا لجنة للتحقيق في التزوير، وأثبتت هذه اللجنة أن التزوير كان حقيقيا.
ولكن بالرغم من ذلك كله استطعنا إعادة بناء الدولة الجزائرية، كما استطعنا أن نحافظ على صورة الإسلام بسلوكنا، وتميزنا وحرصنا عليه، ونحن كنا نقول هذا الكلام وكان أغلب التيارات الإسلامية يستغرب خطابنا، فالحركة الإسلامية في المستوى العالمي لم تفهم ضرورة التمييز بين "التشدد" و"التطرف" إلا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، نحن فهمنا هذا الموضوع منذ التسعينات، واستطعنا في الجزائر أن نفوت الفرصة على العلمانيين، ولم يصبح في الجزائر من يخلط بين "الإسلام" و"الإرهاب"، وبعد تلك الأحداث التحقت بهذا الموضوع الحركات الإسلامية كلها.
لذلك أقول: إن الذي حققناه في الجزائر خلال 20 عاماً، كان في المستوى الإستراتيجي بـ "المحافظة على الإسلام" و"المحافظة على مؤسسات الدولة وعلى وحدة الوطن"، وكذلك "المحافظة على الاستمرار"، فنحن الآن موجودون في الساحة الجزائرية، ولولا تلك الإستراتيجية لما كنا موجودين الآن.
كذلك من الإنجازات الكبرى التي حققناها بعد هذه الأبعاد الإستراتيجية الأربعة هو نجاحنا في نقل رجال الدعوة الإسلامية وأصحاب الاتجاه الإسلامي إلى مختلف مؤسسات الدولة، وهذا الأمر غير مسبوق في العالم العربي، لا يوجد حزب إسلامي في العالم العربي له وجود في مختلف مؤسسات الدولة مثل "حركة مجتمع السلم"، نحن نملك وزارات أساسية في الدولة الجزائرية، ولنا وجود في البرلمان والمجالس الشعبية والمحلية، والإدارة المركزية.
كما ساهمت الحركة في إصلاح ما يمكن إصلاحه، واستطعنا أن نستخدم تجاربنا وخبراتنا في خدمة القضية الفلسطينية، نحن حينما أبرمنا الاتفاق مع "التحالف الرئاسي" اشترطنا منذ البداية محاربة التطبيع.
هل وجد انحراف؟
- هل يفهم من كلامكم أن مشاركة الحركة في السلطة لم تود بها إلى الانحراف عن مبادئها كما يرى بعض خصومكم؟
* بالطبع، هذا الكلام لا أساس له ولا برهان عليه، بالعكس الحركة بعد 20 سنة من الوجود العلني والقانوني، لا تزال هي الحركة الإسلامية الأبرز في الساحة الجزائرية، أنا كنت أحدثك عن فلسطين، من يخدم القضية الفلسطينية أكثر من "حمس"؟ هل يمكن لحركة أصابها انحراف في منهجها أن تضحي وأن تعمل وأن تجتهد من أجل "أسطول الحرية"، ونحن نعد الآن لـ "أسطول الحرية 2" والطرف الأقوى في هذا الموضوع والأكثر حضوراً هو "حمس".
نحن أيضاً لدينا مشاريع شبابية مثل "أكاديمية جيل الترجيح" و"منظمة شمس" والأكاديمية أنهت قبل أسبوع مشروعها الدعوي لتحجيب الفتيات والتبكير إلى صلاة الفجر، واستطاع شبابنا الذين بلغ عددهم في الأكاديمية 1400 شاب، أن يبلغوا رسالتهم أكثر من 50 ألف شاب وشابة هذه الدعوة، سواء الحجاب بالنسبة للفتيات، أو الشباب بالنسبة إلى صلاة الفجر، واستطاعوا أن يحدثوا "ثورة" في عدد من المدن الجامعية، بعدما كان عدد المصلين في المساجد لا يتجاوز أربعة أو خمسة صفوف أصبحت المساجد ممتلئة بالمصلين في صلاة الفجر.
كما استطاعوا الوصول إلى 315 فتاة متحجبة جديدة، فالحركة لاتزال تناضل من أجل الصيرفة الإسلامية، نحن كنا قد نظمنا في البرلمان ندوة تناقش الموضوع وزراءنا في الحكومة يكافحون كفاحاً شديداً، من أجل التمكين للبنوك الإسلامية ودعاتنا ورجالنا موجودون في كل مكان، ولكن قد يكون أصاب الحركة نوع من التراجع ربما في أدائها الانتخابي، وهذا شيء طبيعي لأن كل الخيارات الصعبة تؤدي في مرحلة ما إلى بعض الخسائر التي كنا نقدرها ونستوعبها.
حقيقة الانشقاقات
- تتحدثون عن أن "حمس" لاتزال الحركة الإسلامية الأبرز في الجزائر، هل يعني ذلك أن الانشقاق الحاصل في صفوفها لم يؤثر على حجمها في الساحة السياسية؟
* في الحقيقة هذا الانشقاق بالطبع هو شيء بغيض وغير مرغوب فيه، لكنه حقيقة قدر مقدور على المسلمين، والمولى تبارك وتعالى يقول: "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك" ومن هم أفضل منا اختلفوا، ونحن نرى أن هناك خلافات موجودة في الأقطار كلها، عند الإخوان المسلمين في مصر، والحركة الإسلامية في الأردن، وفي مستوى الحركات الإسلامية في المغرب، وأيضاً في مستوى الجزائر، فنحن لسنا بدعاً في هذا المجال، ولكن أؤكد تأكيد تاما أن هذا الانشقاق لم يؤثر في الحركة، إلا تأثيراً بسيطاً في البداية نتيجة الصدمة وقد تجاوزناه والحركة الآن أكثر نشاطاً وحيوية، و أكثر مكاسب في المستوى السياسي والشعبي وأكثر عددا من حيث المنظمات الجديدة المؤسسة.
- ولكن كانت هناك وساطات داخلية وخارجية للم الشمل وتوحيد الصفوف من جديد، ترى لماذا فشلت هذه المساعي وأعلن المنشقون ميلاد حزبهم الجديد؟
* نحن في الحقيقة قبلنا كل المبادرات الرامية إلى جمع الصف، إذ إن عدداً من الأساتذة في الحركة الإسلامية العالمية طلبوا منا أن نقدم تنازلات كبيرة، وأن نمنح المنشقين نصف القيادة، بالتعيين وليس بالانتخاب، وقبلنا هذا الطرح، وقبل هذا الحوار تأسست لجنة صلح هنا في الجزائر، وطلبت منا أن نقدم تنازلات وبالفعل قدمنا كل هذه التنازلات، ولكن الإخوة أخبرونا بشكل واضح لا لبس فيه أنهم لا يريدون الرجوع إلى الحركة، أنا شخصياً تحدثت معهم وأخبروني بذلك، وما دامت هذه هي إرادتهم فهم من يُسأل: لماذا رفضوا هذه الوساطات؟
ولكن في الحقيقة لا يوجد سبب فكري أو سياسي يبرر هذا الانشقاق ونحن ننتمي إلى مدرسة واحدة وإلى خط سياسي واحد، ربما هم لم يستوعبوا التحول الذي وقع في البنية القيادية، وإرادة القواعد إبراز طبقة قيادية جديدة، فأرادوا أن يؤسسوا حزباً جديداً يمارسوا فيه نشاطهم القيادي، وهذا حقهم والأجيال هي التي تحكم على هذا الموضوع.
البقاء في السلطة
- هل في مخطط حركة "حمس" استعداد لمراجعة خيار بقائها في الائتلاف الحاكم في الجزائر مستقبلاً ؟
* بكل تأكيد وجودنا في التحالف الحاكم ليس "زواجاً كاثوليكياً" كما يقال، وليس استراتيجية أبدية، بل إنه مؤقت بزمن، فالأوضاع التي كان يمر بها الوطن والمشروع الإسلامي، أملت علينا هذه الاستراتيجية ونحن فخورون بها، ونحن حققنا نتائج كبيرة، وسيتحدث التاريخ بأن "حركة مجتمع السلم" كان لها دور أساسي في إنقاذ الجزائر، وفي إنقاذ المشروع الإسلامي كذلك.
ولكن الآن الوضع تغير والآن الذي يهدد الدولة ليس الإرهاب، وإنما هو انتشار الفساد، لذلك أنا أعتقد أن التحالف في فتراته الأخيرة، والمؤكد أن مؤسسات الحركة هي التي ستفصل في هذا الموضوع ما في ذلك شك، وبخاصة مع رياح التغيير والثورات الموجودة في العالم العربي، نحن في "حركة مجتمع السلم" قررنا أن نرفع السقف عالياً من أجل الإصلاح في الجزائر، وأن الجزائر لا يمكن بأية حال من الأحوال أن تكون غائبة عن موجة الإصلاح، ونحن أردنا أن يكون هذا الإصلاح سلمياً ورفعنا السقف عالياً ولا نبالي، هل هذا سيؤثر على التحالف أم لا؟ إذا حقق هذا السقف الإصلاح مع وجودنا في التحالف، فذلك أمر جيد، ولكن إذا خيرنا بين الإصلاح ووجودنا في التحالف سنختار الإصلاح السياسي، ما في ذلك شك.
- قلتم: أن التحالف الرئاسي في فتراته الأخيرة، ففي حال تأكد انسحابكم منه، هل ستلجؤون إلى عقد تحالفات إسلامية – إسلامية بديلا من هذا الائتلاف ؟
* نحن في ساحة سياسية مفتوحة وكل الخيارات واردة، وبطبيعة الحال الأقرب إلينا في الساحة السياسية هو التيار الإسلامي، ولكن إذا كانت متطلبات المرحلة هي الكفاح من أجل الديمقراطية، ومن أجل الإصلاح السياسي، سنتعاون مع كل من يشترك معنا في هذا الموضوع، سواء من الإسلاميين، أو من التيارات الأخرى من غير الإسلاميين، لذلك نحن سنطلب من الإسلاميين أن تكون الجبهة عريضة، وأن لا تكون فقط بين الإسلاميين، بالطبع هذه الأمور سيمليها الواقع المقبل، وستفصل فيها مؤسسات الحركة، نحن نتحدث عن تحليلات وعن تخمينات، والمستقبل يعلمه الله.
- قلتم مؤخراً: إن "حمس" تنازلت بما فيه الكفاية، وقد حان الوقت لتتقلد السلطة التي سرقت منها، معنى ذلك أن الحركة ستكون في الحكم عام 2012؟
* في الحقيقة عام 2012 هي مناسبة قريبة جداً، ويصعب جداً القول بأنه يمكن للحركة أن تحقق أغلبية برلمانية في انتخابات عام 2012، بالرغم من أنه في العمل السياسي كل الاحتمالات واردة، ولكن أنا شخصياً مطمئن تماماً ، إلى أننا يمكن أن نصل إلى الأغلبية البرلمانية في عام 2017، إذا استطعنا أن نسدد ونقارب في خطنا السياسي وفي أدائنا عموما.
حمس والتنظيم العالمي
- لا زالت قضية ارتباط "حمس" بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين تثير كثيرا من الغموض، ما حقيقة العلاقة بينكم وبين الإخوان؟
* في الحقيقة هذا الأمر يأخذ أكثر من حجمه، أنا تحدثت مع كل قيادات وأقطاب الحركة الإسلامية في العالم، فكل الذين في دائرة الإخوان المسلمين يصرحون للجميع ولوسائل الإعلام بأنهم ليس لهم أي ارتباط تنظيمي مع حركة الإخوان المسلمين، لأن تنظيم الإخوان كما يقول الإخوان المسلمين أنفسهم، هو في الحقيقة مدرسة وتيار ومنهج أكثر منه تنظيما، ولا يعقل بأي حال من الأحوال أن أي تنظيم قطري في أي بلد سواء كان في الجزائر أو غيرها من البلدان يرسم سياساته الوطنية من خلال تنظيمات خارجية، أعتقد أن هذا لا يوجد في أي قطر من الأقطار، قد يكون هناك تنسيق بين الإسلاميين، والحركة منفتحة على ذلك، ونحن أقرب في هذا التنسيق إلى مدرسة الوسطية والاعتدال، التي قبلتها جماعة "الإخوان المسلمين"، ونحن كذلك نتواصل وننسق مع بعض التيارات الإسلامية والسياسية الأخرى، حتى من غير الإسلاميين، نحن نعمل معهم ونتواصل معهم فيما هو مشترك بيننا.
- في ظل التطورات الحاصلة في الساحة العربية، كيف ترون مستقبل الحركة الإسلامية في الجزائر؟
* أتصور أن مستقبل التيار الإسلامي سواء في الجزائر أو في غيره من البلدان مرتبط بمدى قدرة التيار الإسلامي على التكيف مع الواقع الجديد، وعلى تطوير أداءه وعلى قدرته على خدمة طموحات الشعوب، أنا أعتقد أن أول مستفيد من هذه التحولات هو التيار الإسلامي، لسبب واحد بسيط ولكنه جوهري، وهو أن الحركة الإسلامية أكثر تنظيماً وأكثر انتشاراً، لذلك لديها الفرصة أكثر من غيرها للاستفادة من هذه التطورات، لكن ليست لها "بطاقة بيضاء" بمعنى هذا الوجود وهذه القوة التنظيمية وهذا الانتشار، لن ينفعها إلا إذا استطاعت أن تطور أداءها، وأن تكون قريبة من طموحات المواطنين، ولها القدرة على تلبية احتياجاتهم، وفهم المعادلات المحلية والدولية.
فإذا استطاعت أن تطور أدائها يمكن أن تكون لها فرصة كبيرة، لذلك أنا أقول أنها تتمتع بالفرصة الأولى قبل غيرها، و لكن بشرط أن تطور أداءها فإن لم تفعل ذلك، بما يتناسب مع التحولات الجديدة ، يمكن لأي تيار آخر أن يحل محلها.