hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    شرح معنى الأستواء المطابق للبلاغة والتوحيد للأستاذ الباحث المهندس حامد عبد الرحمن

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    شرح معنى الأستواء  المطابق للبلاغة والتوحيد    للأستاذ الباحث المهندس حامد عبد الرحمن Empty شرح معنى الأستواء المطابق للبلاغة والتوحيد للأستاذ الباحث المهندس حامد عبد الرحمن

    مُساهمة  Admin الأحد 19 يونيو 2011 - 19:15

    شرح معنى الاستواء
    المطابق للبلاغة والتوحيد ( )
    لحضرة الباحث المفضال حامد بك عبد الرحمن

    قال تعالى : ﴿ إن ربكم الله الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين﴾ (54) (سورة الأعراف) .
    قبل الشروع فى بيان المفهوم من الآية الشريفة نضرب مثلاً فى المخلوقات ، ولله المثل الأعلى بصفة تمهيد لتقريب المعنى للعقول فنقول وبالله تعالى التوفيق والإعانة :
    إننا إذا كلفنا مهندسا ميكانيكيا بعمل مكينة فإنه يقوم بعملها وتركيبها خير قيام ، ولكن إذا كلفناه بتشغيلها فقد يعجز إذا لم يكن كفواً لذلك العمل .
    وإذا كلفنا غيره بتشغيلها ممن لهم خبرة بإنشاء مثلها عجز إذا لم يكن كفواً لذلك العمل أيضاً .
    كما أنه قد لا يمكنه إصلاح عيوبها إذا تعطلت لأنه لم يكن مباشراً لتركيبها ، فلأجل الحصول على إنشاء مكينة تشتغل بانتظام مع ضمان عدم تعطيلها يجب تكليف مهندس آخر أكفأ منهما ليقوم بالإنشاء والتركيب والتشغيل جميعاً .
    فالأول والثانى كلاهما ناقص الخبرة والكفاءة والثالث أكمل منهما وهو الذى يصح أن يطلب منه هذا العمل مع الأطمئنان لأنه لا يقوم به غيره .
    إذا علمت هذا فالمفهوم من الآية لأول وهلة أنه تعالى خلق السموات والأرض – ثم دبرها وأمرها بما أراده منها فصارت مسخرة بأمره – فله الخلق والأمر ، وهذا دليل على تمام القدرة وإذن يجب أن يفهم من الأستواء المعنى المطابق لذلك مع ملاحظة البلاغة وقواعد اللغة .

    فنقول وبالله التوفيق :
    أولا : حيث أن كلمة (خلق ) فعل حادث فما عطف عليه (بثم ) حادث أيضا ، والحادث لا يكون صفة لذات القديم جل وعلا .
    ثانيا : يجب أن يفهم من (استوى ) المعنى الذى يصح أن يكون متأخرا عن خلق السموات والأرض وليس ذلك إلا الكناية عن تدبير الملك فحسب اصطلاح اللغة يقال : استوى فلان على سرير الملك كناية عن قيامه بتدبير المملكة وإن لم يكن هناك سرير ، وبذلك يكون المفهوم من ( استوى ) بمعنى (قام بتدبير المخلوقات ) مناسباً لخلق لاسموات والأرض ومرتبا عليه ، لأن التدبير لا يكون إلا بعد الخلق ، ويؤيد لك ما يفهم من قوله تعالى ﴿ يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله ﴾ ولذلك يذكر الاستواء بعد الخلق دائما .
    ويؤكده أيضا قوله تعالى : ﴿ ألا له الخلق والأمر﴾ فهو لف ونشر مرتب فالخلق يشير إلى خلق السموات والأرض ، والأمر يشير إلى الاستواء على العرش .
    ويؤيد هذا المعنى آية سورة يونس لأن نصها : ﴿ إن ربكم الله الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم أستوى على العرش يدبر الأمر﴾ فذكر التدبير بعد الاستواء هو كالتفسير له .

    ثالثا : أما إذا فهم من ( استوى ) معنى جلس فينبني عليه جملة استحالات وهى :
    أ- أن المعنى يكون هكذا : أن الله تعالى خلق السموات والأرض ثم جلس تعالى على العرش ) وهذا يستلزم أنه قبل خلق السموات والأرض لم يكن جالسا على العرش ؟ .
    ب- فأين كان جالسا ؟ وإن لم يكن جالسا على العرش قبل خلقها ، فما الداعى لجلوسة تعالى على العرش بعد خلقها ، وما العلاقة بين خلقه تعالى لها وبين جلوسه تعالى على العرش فهل لم يكن فى إمكانه خلقها إلا وهو تعالى غير جالس على العرش ؟
    جـ- وهل كان العرش خاليا من الجلوس وقت خلق السموات والأرض أم كان مشغولا بغيره تعالى ؟
    د- وإن كان خاليا فلماذا – فهل كان تعالى مستغنيا عن الجلوس عليه ؟
    هـ- وإن كان تعالى مستغنيا عن العرش قبل خلق السموات والأرض فما الذى أوجب احتياجه تعالى إليه ؟
    و- وما الموجب لترتيب الجلوس على العرش على خلق السموات والأرض ؟ ولماذا لم يكن الجلوس قبل خلقها ؟ فالعقل يقضى بأن الجلوس بمعنى التدبير حاصل من بعد خلقها أما مجرد الجلوس فلا معنى له ولا فائدة .
    ز- وإن عدم الجلوس أولا ثم حصوله ثانيا بعد خلقها يستلزم الحركة بعد السكون وهما حادثان فكيف يتصف بهما القديم جل ولعا .
    ح- إنه لا تعظيم ولا بلاغة فى ذكر مجرد الجلوس على العرش بعد خلق السموات والأرض لأنه يدل على حصول تعب استوجب الجلوس على العرش للاستراحة كما أنه ليس مختصا بالإله ولا مدح فيه .
    ط- إن جلوس الملوك على العرش ليس جلوسا عاديا ولكنه له معنى خاص بإصدار الأوامر اللازمة لدتبيرهم المملكة ، ولذلك يكون جلوسهم مصحوبا بإلقاء خطبة العرش لبيان تدبيرهم .
    أما جلوسهم المعتاد فلا يكون على العرش أصلا حتى ولو جلس على العرش فى غير الميعاد المحدد لبيان برنامج تدبيره فلا يعبر عنه بأنه جالس على العرش كما أن الملك يعتبر جالسا على العرش وإن كان متغيبا فى جهات أخرى فهذا الجلوس كناية عن قيامه بالحكم والتدبير .
    ى- لو كان الجلوس صفة للذات الإلهية لكات قديما ، وهذا يستلزم إما قدم العرش وهذا محال ، وإما حدوث الجلوس وحدوث الذات الإلهية وهذا محال أيضا .
    ك- إن قيل : إنه تعالى فوق العرش ، ولكنه يبعد عنه بمسافة فهذا أيضا محال لأنه ينافى الجلوس ، ولأنه تعالى يكون محمولا فى الفضاء ومحدودا من أسفله ، وهذا يستلزم تحديده تعالى من جميع الجهات لضرورة تماثلها حكما وهذا كله مستحيل على القديم جل وعلا .
    أما من جهة البلاغة فنضع أمام عينك المعنى المفهوم على كلا التفسيرين لكلمة ( استوى ) لتحكم أيهما اللائق بعظمة الألوهية وبلاغة القرآن العظيم وأيهما المناسب لبيان كمال كمال الألوهية وصفاتها .
    أ- أما المفهوم من الآية الشريفة على المعنى الأول ( لاستوى ) يكون كالأتى :

    ( إن ربكم الله العظيم الذى ليس مثله شئ ، والذى لا يعجزه شئ ، والذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام دون أن يمسه لغوب ولا تعب بل قال لهما كونا فكانتا كما أراد ، ثم استوى برحمانيته على عرش المملكة وقام بتدبير مخلوقاته وتسخيرها بقدرته وعلمه فصارت مسخرة بامره ومشيئته ، ومن تسخيره تعالى إياها أنه يغشى اليل النهار بقدرته وحكمته فجعله يطلبه حثيثا وخلق الشمس والقمر والنجوم مشخرات بأمره ، فله كل ذلك فتعالى وتبارك ووسعت رحمته وقدرته وإرادته وعلمه كل ذلك لأنه رب العالمين فكيف يتعب وكيف يحتاج لمعين ، وكيف يكون له شريك ، ويفهم من الآية التى تليها فى السورة ، لذلك أدعوا ربكم الرحمن الذى رباكم برحمته ونعمه هذه التى سخرها لكم العظيم المقدس عن صفات الحوادث تضرعا وخفية ، لأنه لا يستحق دعاء العبودية من العبيد سواه كما لا رب سواه ، ولا قادر سواه ، ولا غنى على الإطلاق سواه ولا قديم سواه .
    ب- والمفهوم منها على المعنى الثانى ( لا ستوى ) يكون كالأتى :

    إن ربكم الله العظيم الذى ليس كمثله شئ والذى لا يعجزه شئ والذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام دون أن يمسه لغوب ولا تعب بل قال لهما كونا فكانتا كما أراد ثم جلس على العرش كما يجلس خلقه بعد أن لم يكن جالسا عليه ، وعدم جلوسه عليه يوهم أنه كان تحته مع السموات والأرض التى هى تحت العرش ثم أرتفع بكيفية توهم التشبيه بالعامل من الخلق ، فإذا تعب من الوقوف فى العمل جلس ليستريح .

    يغشى اليل والنهار بقدرته وحكمته فجعله يطلبه حثيثا وخلق الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره فله تعالى خلقها جميعا ، وله أمرها جميعا ليس لأحد سواه شأن فى كل ذلك فتعالى وتبارك ووسعت بركته ورحمته وقدته وإرادته وعلمه كل ذلك لأنه رب العالمين فكيف يتعب وكيف يحتاج لمعين وكيف يكون له شريك .




    ويفهم من الآية التى تليها :

    لذلك ادعوا ربكم الرحمن الذى رباكم برحمته ونعمه هذه التى سخرها لكم العظيم المقدس عن صفات الحوادث تضرعا وخفية لأنه لا يستحق دعاء العبودية من العبيد سواه كما لا رب سواه ، ولا قادر سواه ، ولا غنى على الإطلاق سواه ، ولا قديم سواه . فمعنى جلس مناقض لما قبلها وما بعدها من صفات .

    جـ- فإذا تأملت فى التفسيرين وجدت أن معنى كلمة ( استوى ) فى الأول متفقة مع سياق التعظيم والتقديس دالة على كبرياء الألوهية وسيطرتها على المملك ، فالاستواء على العرش رمز للسيطرة التامة .

    بخلاف معنى ( استوى ) فى التفسير الثانى فإنها اختلفت عما قبلها وما بعدها لفظا ومعنى لدرجة توجب الحكم بأنها – أى جلس – ليست من القرآن ، وأن معناها يشبه الهذيان والعبث فى جميع معانيه مما لا يليق بصفات المخلوق المعدى للعظمة والقدرة فكيف بمن هو رب العظمة والكبرياء والعزة والقدرة التى لا نهاية لها والغنى المطلق وهذا وجه استحالة صحتها من جهة البلاغة أيضا .

    فكل هذه الاستحالات نتجت من فرض معنى ( استوى ) بمعنى ( جلس ) فإذا يجب أن يكون المفهوم منها مناسبا لمعنى تدبير الملك أو معنى آخر يتفق مع ما قبلها وما بعدها ، والله تعالى أعلم بمراده .

    أما الجلوس الذى يتخيله من لهم فهم دقائق اللغة والتقديس والبلاغة فهو خطأ خارج كل الخورج عن قواعد اللغة ، وبذلك أرجو أن تزول الشبة من أذهان الجامدين على الظواهر بدون ملاحظة قواعد اللغة وأصول البلاغة الائقة بالقرآن العظيم والله الهادى .

    المقالة الثانية
    فى شرح المفهوم من آيات الاستواء على العرش بما يطابق أصول اللغة والتوحيد وبلاغة القرآن العظيم

    قد أوضحنا فى المقالة الأولى ما يجب فهمه من الاستواء على العرش المذكور فى جملة آيات مع خلق السموات والأرض بأن المقصود هو لازم معناه ، وهو تدبير المملكة الإلهية وتسخير ما فيها وهو وصف فعلى تأثيره حاصل فى السموات والأرض وما فيها لا وصف ذاتى كالعلم والحياة ، وأثبتنا أن هذا هو الذى يصح أن ينسب لرب العالمين دون الجلوس والاستقرار على العرش الذى ينبنى عليه جملة استحالات عقلية ولغوية فضلا عن استلزام التناقض بين آيات الاستواء وغيرها . وبينها وبين صفات الجلا والكمال الإلهية وأخصها الفناء المطلق عن كل ما سواه فمهما فرض فى الاستقرار من نفى الكيفية فهو استقرار حاصل بعد أن لم يكن ، وهذا وحده كاف لاستحالة اتصاف رب العزة والكبرياء والغنى المطلق به – فضلا عن الأدلة العقلية السابق ذكرها فى تلك المقالة .

    ولزيادة تأكيد استحالته على الله تعالى نورد الآيات المناقضة لمعنى الاستقرار على العرش والأدلة الكونية فنقول الآيات المناقضة لمعنى الاستقرار ثلاث وهى :

    أولا : قال الله تعالى فى سورة الحديد : ﴿ هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ﴾ .

    فإذا فهم من الاستواء والمعية ظاهرهما الذى هو الظرفية المكانية لزم التناقض لأن الاستقرار على العرش يمنع المعية المكانية مع أهل الأرض ، والتناقض فى كلامه تعالى محال ، ولزم اتصاف القديم جل وعلا بصفات الحوادث وهى المعية المكانية وما يتبعها وهو محال .

    فإن قيل : المقصود من المعية لازمها وهو ( العلم ) بقصد التخلص من مماثلة الحواث .

    فالجواب : كذلك المقصود من الاستواء لازمه وهو تدبير المملكة الإلهية لأن الموجب فى الاستواء والمعية لازمها وهو ( العلم ) بقصد التخلص من ممثلة الحوادث .

    وفضلا عن ذلك فإن الموجبات لهم الاستواء بالتدبير أكثر من موجبات فهم المعية بلازمها كما سيأتى بيانه مناسب لمعنى التدبير للملكة ومرتبط به فى المعنى بخلاف الاستقرار الذى لا يتوقف عليه التدبير .
    ب- كونه تعالى معنا بعلمه وصفاته كما يليق بتقديسه ، وكونه بصيرا بأعمالنا . كل هذا يدل على المراقبة والمراقية تقتضى الاجراءات والتصرفات التى أرادها تعالى بكل مخلوق وهذا كله يدخل ضمن التدبير بخلاف الاستقرار .

    ثانيا : قال الله تعالى فى سورة ( ق ) ﴿ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾ ، وفى سورة الواقعة : ﴿ ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون﴾ .
    فلو فهم الاستواء على العرش بمعنى الاستقرار المكانى لزم التناقض مه هذه الايات ، والتناقض فى كلام الله تعالى محال .
    فإن قيل : إن الاستقرار هو بالأمر والحكم والتصرف رجع الأمر إلى معنى تدبير المملكة الذى أشرنا إليه .

    رابعا : قال الله تعالى فى سورة الأنعام : ﴿ وهو الله فى السموات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ﴾ فلو فهم الاستواء بمعنى الاستقرار للزم التناقض مه هذه الآية الشريفة والتناقض فى كلام الله تعالى محال .

    خامسا : قال الله تعالى : ﴿ ويحمل رعش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ﴾ .

    فلو كان تعالى مستقرا على العرش لكان محمولا بالملائكة المحمولين بقدرته ، ولكانوا أقوى وأولى بتدبير الملك ، ولكان مفتقرا لمن يحمله ، وكل هذا من صفات الحوادث الفقراء العجزة ، ولكنه تعالى قديم غنى عما سواه ، قادر لا نهاية لقدرته .
    اما الأدلة الكونية فهى :
    أولا : بما أن الأرض كروية والسموات محيطة بها والعرش فوق السموات ، فلو كان الاستواء على العرش بمعنى الاستقرار المكانى لزم اتصافه تعالى بما لا يليق بعلوه ورفعة شأنه على خلقه ولزم التغير فى صفاته تعالى وكل هذا محال للأدلة الآتية :
    أ- أن أهل الأرض يفهمون أن الله تعالى فوقهم على فرض أنه تعالى مستقر على العرش ، ولكن إذا درات الأرض نصف يوم وجاء اليل انعكس الأمر ، فيفهمون أن رب العزة تعالى تحتهم وهو محال من وجهين : ارتفاع المخلوق على الخالق جل وعلا ، وتغير صفات الخالق سبحانه وما أدى إلى المحال فهو محال .
    ب- إن أهل الأرض فى القسم المقابل يفهمون أن رب العزة تعالى ليس فوقهم بل تحتهم وهذا محال لأنه لا يصح أن الخالق تعالى فوق قوم وتحت آخرين .

    فإذا درات الأرض نصف يوم انقلب حال هؤلاء فصاروا يفهمون أن رب العزة تعالى فوقهم بعد أن كان فى نظرهم تحتهم والتغير فى صفات القديم تعالى محال .

    ثانيا : أن الاستقرار المكانى على العرش ضرورى لملوك الأرض لأنه يتوقف عليه الأعتراف بتقلدهم الملك والخضوع لأوامرهم وأحكامهم .

    أما ملكل الملوك والممالك فلا يتوقف ملكه على هذا فإنمه تعالى ملك قبل أن يخلق العرش وما حواه من السموات والأرض ، كما انه تعالى قهر عباده على تنفيذ ما أراد ، فكلهم مسخرون بقدرته طوعا وكرها عرفوا أنه تعالى ملكهم أو لم يعرفوا ، فنسبة الجلوس والاستقرار على العرش إليه تعالى محال لأن فيه تشبيه بملوك الأرض وإبهام أن الخضوع إرادته يتوقف على هذا الاستقرار وكل هذا محال .

    ثالثا : لو كان الله تعالى مستقرا على العرش لتخيل الفكر مكانا أعلى من العرش بآلاف الأميال ، لجاز عقلا أن يرتفع الإله تعالى إلى ذلك المكان الأعلى ، فعدم ارتفاعه إليه يحتاج إلى مرجح لأنه لا ترجيح بلا مرجح ، والاحتياج إلى المرجح من صفات الحوادث ولكنه تعالى قديم .

    رابعا : لو كان تعالى مستقرا على العرش لاقتضى الحال أحد ثلاثة أمور : إما أن يكون تعالى مساويا للعرش أو زائدا عليه ، أو ناقصا عنه ، وكل هذا تحديد وتقييد وهما من صفات الحوادث ولكنه تعالى قديم ، وحيث أن فهم الاستواء على العرش بمعنى الاستقرار قد أدى إلى هذه المحالات فهو محال .

    فإن قيل : فما حكمة وجود العرش وما حكمة الإخبار بأنه تعالى استوى عليه ، وما سبب توجه الضمائر إلى العرش ؟

    فالجواب : أن حكمة وجوده يعلمها الله تعالى ولسنا مكلفين بالحبث عنها ، ولكن يمكن فهم بعض الحكم وهى :

    1- إنه تصدر منه الأوامر والأحكام إلى الملائكة لتنفذها فى العوالم .
    2- أنه تعالى أخبر بأنه خلق السموات والأرض ثم استوى على العرش يدبر المر . وهذا هو سبب اتجاه السائلين بضمائرهم وأفكارهم للعرش انتظارا لتحقيق مسألتهم وإجابة ملتمسهم من ربهم سبحانه وتعالى لأنه تعالى فوق العرش – كما أن المصلى يتجه بوجهه للقبلة فى الصلاة ، وليس الله تعالى فى القبلة ونؤيد ذلك بمثال من أنفسنا .

    فإذا ذكر الملك فإن الفكر يتجه لقصره الذى هو محل حكمه مه أن الملك قد يكون فى أوروبا ، ولكن هذه عادة الخيال لا العقل ، ولا يتير للعبد ترك هذه العادة حتى يترقى عقله فى المعرفة بالله تعالى وتتمكن العقائد من قلبه فتصير كأنها مشهودة له على الدوام ، فعند ذلك يتجه لربه تعالى بقلبه مع كمال التقديس والتعظيم وهذا هو التوجه الحقيقى لله تعالى بالقلب .

    أما التوجه بالخيال فليس حقيقيا لأن الخيال لا يدرك الحقائق لأن إدراكه معلول بالقياس على ما تدركه الحواس ، والحواس لا قدم لها فى غدراك الصفات الآلهيه ، فالخيال أعجز منها فى ذلك والمخطئ فى فهم الاستواء بمعنى الاستقرار جعل نفسه محكوما بحواسه وخياله كمن راىالسراب فظنه ماء طبقا لحال عينه وليس كذلك ، أو من ركب القطار فظن أن الأرض تجرى من تحته وليس كذلك .

    فالعاقل لا يقبل أن يكون عقله تحت حكم حواسه بل يجب عليه أن ينتفع بعقله ويتصرف بذوقه فى معانى القرآن العظيم ويفهمها بما يتفق مع بلاغته ، ومع التقديس الإلهى ولا يكون كمن جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خيط أبيض وخيط أسود ويسأله عن الوقت الذى يمكن فيه الامتناع عن الأكل ليلا مع أنهما يمكن تمييزهما من بعضهما طول مدة اليل فأجابه صلى الله عليه وسلم بما معناه : ( ليس هذا يا عريض القفا إنما المقصود هو تبين النور من الظلام فى مطلع الفجر ) .

    فنسأل الله تعالى أن يلهم عقولنا وقلوبنا وبصائرنا معرفة الحق والتمسك به على الدوام بحق فضله وإحسانه ورحمته وإكرامه لرسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل بيته ومشايخنا أجمعين .

    مغالطات القصيمى ( ) . !

    إن هذه الثرثرة الفارغة ، والجدل العقيم من القصيمى وإمامه الداعى إلى نحلتهم فى مصر (الفقى) لا يمكن أن تنتهى عند حد ، أو تقف عند غاية ، ونحن نجزم بأنهم – وقد نصبوا أنفسهم للدعاية إلى هذه العقيدة المارقة عقيدة "التجسيم" – يستحيل عليهم أن يرجعوا إلى الحق ما دام رائدهم أن ينشروا على الناس باطلهم ، ويسمموا جو مصر الصافى بسموم هذه الاضاليل والأباطيل ، مصر كنانة الله فى أرضه التى طهرها الله تعالى من رجس العقائد الزائغة ، والنحل البائدة ، والتى لا يمكن أن تعثر فيها بعد طول الفحص والتفتيش على نحلة من النحل التى تئن من وجودها الأمم الأخرى بين ظهرانيها كالإماميه والإسماعيليه والقاديانية والوهابية ، مصر التى صفت عقيدة أهلها كصفاء سمائها ، والتى قنعت فى أصول الدين بعقيدة أهل الحق من الماتريدية والأشاعرة ، وفى فروع الدين بمذاهب الأئمة المتبوعين وأصحابهم رضى الله عنهم أجمعين ، يريد اليوم الفقى والقصيمى وزعانف من الأدعياء أن ينقلوها من تبعيتها لهؤلاء الأئمة ، وانضوائها تحت راية جمهور العلماء ، إلى الائتمام به وبشيعته والانضمام لحزبه ، والانضواء تحت رايته لتكثير سواد أتباعه من الباعه والخدم .
    يريد أن نترك ما أجمع عليه أهل الحق من تنزيه الله تعالى إلى نحلته الجديدة التى يثبت فيها لله سبحانه الجهة والمكان والحلول والاستقرار ، ويثبت له الجوارح من الوجه واليد والأصابع واللهوات والأضراس إلخ .
    يريد أن ينقلنا من عقيدة التقديس ، وتنزيه الله تعالى عن صفات الحوادث إلى مثل ما جاء فى كتاب عثمان بن سعيد الدارمى الذى طبع أخيراً " بتحقيق وعلى نفقه الفقى رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية " من قوله مثلا ( ص4 ) : " وكيف يهتدى ( بشر ) إلى التوحيد ؟ وهو لا يعرف مكان واحده ، فلا هو – بزعمه – فى الدنيا والآخرة بواجده " .
    وكتب رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بذيل الصحيفة تعليقاً على قوله " مكان واحده " هه العبارة بنصها : " كان خيراً لو قال : أين ، ولم يقل : مكان " .
    كأن رئيس جماعة أنصار السنة ومرءوسيه وأتباعه أيضاً يعتقدون بصرائح عقائدهم أن لله مكانا ً يحل فيه ويستقر عليه ، وأن له أينية وجهة يشار إليها بالإشارة الحسيه إلا أنه يرى أن إثبات الجهة والأينية خير وأولى من إثبات المكان لله سبحانه كأن إثبات المكان جائز فى نظره .
    وتراه يقرر فى الدرس على مستمعيه من العامة طبعاً ، أن الله تعالى فى جهة فوق ، وأنه ينزل بذاته إلى سماء الدنيا ،وإذا لم يستطع العامى أن يهضم بعقله هذا الكلام ، كان فى استطاعة الفقى وهو عالم ؛ أن يقنع تلميذه وهو عامى جاهل بصحة هذه العقيدة وأمثالها .
    وهذا الأستاذ الشيخ عبد العزيز المسلاوى من جماعة الفقى زادوا فى مقاله المنشور فى صحيفتهم كلمة ( مستقر ) فجاءت العبارة فى المقال المذكور هكذا " وأنه ( مستقر ) على عرشه " وقد طلب إليهم مراراً وتكراراً أن ينبهوا فى مجلتهم التى يرأس تحريرها رئيس الجماعة المذكور علىأن زيادة ( مستقر ) من عندياتهم ، وأنه لا يقرها ولا يعتقدها فأبوا ، ولم يصححوا هذه الزيادة التى ألصقوها بالأستاذ المسلاوى إلى الآن رغم أنفه .

    والعجب أن القصيمى لا يسأل أصحابه الجواب عن هذه البلايا والطوام ، ويسأل العلماء الذين تعرضوا للكتابة فى هذا الموضوع على صفحات مجله الاسلام أسئله حشوها السفسطه والمغالطات ، وكان عليه أن يترواى هو وأصحابه خجلاً بعد ما ظهر من فضائحهم ومخازيهم ما ظهر ، وعلمه الخاص والعام وانا مع وثوقى بأنه لا ينخدع بأقوال القصيمى وأسئلته هذه إلا غر جاهل ، أو مكابر مخدوع ، فأنا كاشف لك عما يستره تحتها من سفسفاط ومغالطات .
    فهو يقول : ( ص 22 ع 26 ) من مجلتهم ما نصه :
    " لأى دليل أنكرتم علو الله علىخلقه واستوائه على عرشه ، أن قلتم بدليل من الكتاب والسنه قلنا : - لكم هل تستطيعون أن ترون أيه واحده أو حديثا واحدا قيل فيه : لا تعتقدوا أن الله مستو علىعرشه ، أو قيل فيه يجب عليكم أن تؤولوا هذه النصوص ، أن تصرفوها عما يبدوا منها ، لان اعتقاده كفر وضلال ! "
    أقول أن هذا القول مواربات ومغالطات هى :
    أ‌- اننا لا نكر علو الله المعنوى ، أما العلو المكانى الخاص بالاجسام ، والمسافات فهذا هو الذى ننكره تنزيها لله عنه لانه من صفات المخلوقات ولم يرد فى القرآن ولا فى الحديث ما يثبت العلو المكانى ، والاستواء الحقيقى ، وهذا هو محل النزاع بيننا وبينكم ، فأن كان القصيمى يعلم نصا صريحا أو دليلا صحيحا يثبت مدعاه فليخبرنا به وانا نتحداه بذلك .
    ب‌- أن العلو المعنوى الذى نؤمن به هو المفهوم من قوله تعالى ﴿ وهو العلى العظيم ﴾ أى علو العظمة فهو معنوى ، والمفهوم من قوله تعالى ﴿ أنه على حكيم ﴾ أى علو حكمه وهو معنوى ، ومن قوله تعالى : ﴿ وهو القاهر فوق عباده﴾ أى فوقيه قهر ، قهر معنوى .
    جـ- اننا نؤمن بالمعنى الحقيقى المتمشى مع التنزيه لجمله : ﴿ ثم استوى على العرش ﴾ المذكورة ضمن الايات العظيمة السبعه التى منها : قوله تعالى : ﴿ أن ربكم الله الذى خلق السموات والارض فى سته ايام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إلا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (54) ﴾ وذلك المعنى هو المطابق لسياق الايه ، ولقوله تعالى : ﴿ ليس كمثله شئ ﴾ وهو الذى يفهم منها وهو مندرجه ضمن الايه العظيمة ، مع ملاحظة القيود الملازمة لها وهى :
    1- ان ( استوى ) فعل ماضى معطوف عل ىالفعل الماضى ( خلق ) بحرف ( ثم ) الدال على الترتيب وحيث ان خلق فعل حادث فاستوى كذلك فعل حادث فإذن لا يكون ( استوى ) صفه ذاتيه قائمة بالله تعالى ، لان القديم لا يوصف بالحوادث
    2- ان ( استوى ) ملازما دائما للفعل ( خلق ) فى جميع الايات التى ذكر فيها فلابد ان يكون هناك ارتباط بين معنييهما ومناسبه تامه بينهما .
    3- وحيث إن خلق السموات والأرض تمجيد للقدرة الإلهيه ، وإغشاء اليل والنهار ، وتسخير الشمس والقمر والنجوم تمجيد للإرادة الإلهية والعلم ، فما توسط بينهما وهو ﴿ ثم استوى على العرش ﴾ لابد أن يكون مناسباً للتمجيدين المذكورين .
    4- إن الجملة ( استوى على العرش ) يعبر بمثلها فى اللغة كناية عن الملك ، والتصرف ، فيقال : ( استوى فلان على سرير الملك ) كمناية عن التملك وإن لم يكن هناك سرير – انظر المصباح المنير وغيره – وإذن يوجد فى اللغة ما يسوغ فهمها بمعنى الكناية عن تصرفه تعالى فى السموات وتسخيرها بعد أن خلقها ، وهو دلالة على أختصاصه تعالى بالخلق والتسخير .
    5- أما فعل ( استوى ) فلا يعبر به صراحة عن استقرار إلا فى الجمادات ، والإنسان فاستقرار الجمادات مفهوم من قوله تعالى : ﴿ واستوت على الجودى ﴾ الذى لا يفهم منه إلا استقرار جسم السفينة على جسم الجبل ، وسكونها عليه بعد أن كانت تجرى فى موج كالجبال ، ويستحيل أن يفهم منه التصرف والتسخير .

    واستقرار الإنسان مفهوم من قوله تعالى : ﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك﴾ وهو لا يمكن أن يفهم منه إلا استقرار جسم نوح عليه السلام والمؤمنين الذين معه على جسم السفينة ، بعد أن لم يكونوا مستقرين عليها ، وأن هذا الاستقرار سيزول بنزولهم منها بعد استقرارها على جبل الجودى .

    وهناك أيضاً يستحيل أن يفهم من ( استوى ) ما يصح أن يفهم من آيات الاستواء على العرش وكذلك يفهم استقرار الإنسان من قوله تعالى : ﴿ لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه﴾ فإنه لا يفهم منها إلا استقرار أجسام الناس على ظهور الدواب التى تتحرك بهم ، وتنقلهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ، فليس هذا المعنى هو ما يفهم فى حق الله تعالى من التصرف فى اسموات والأرض التى خلقها جل شأنه .
    وإن فمعنى ( استوى ) فى الآية الأولى غير معناها فى الآية الثانية والثالثة والرابعة ، ومعناها فى الثالثة مخالف لمعناها فى الأولى ، والثانية ، والرابعة :
    وبناء على هذا فمن انتزع جملة ﴿ ثم استوى على العرش ﴾ من الآيات التى اشتملت عليها وفهمها وحدها ضل سواء السبيل ، وبعد عن الحقيقة ، لأنه أهمل القيود والقرائن المبينة لمعناها الحقيقى ، فيكون كمن قال : ﴿ فويل للمصلين﴾ وقطع هذه الجملة عما بعدها أو قال : ﴿ لا تقربوا الصلاة ﴾ وقطعها عما بعدها أيضاً ، فأنه لا شك يخطئ كثيراً ، ويبعد عن الصواب بعد المشرقين .
    وفى القرآن الكريم كثير من الأساليب التى لا يصح أن تفسر جملها تفسيراً لفظياً ، بل لابد من ملاحظة السياق والقرائن والذوق العربى فيها كقوله تعالى فى سورة الإسراء : ﴿ وكل إنسان ألزمنه طئره فى عنقه ﴾ فلو فسر الطائر بما ينصرف إليه ظاهر اللفظ لساء الفهم وانطمست الحقائق .
    وإذا كان لا يصح فهم هذه الكلمات منفصلة عما قارنها واتصل بها ، فكذلك لا يجوز أن تفهم جملة : ﴿ ثم استوى على العرش ﴾ وحدها ، دون أن تنظر فيما يحف بها من القرائن ومن أراد أن يكون سلفياً فعليه أن يلزم نفسه :

    اولاً : ألا يغير فى كلمات الآية العظيمة باشتقاق اسم الفاعل ( مستو ) أو المصدر (استواء) فكلاهما صفة ذاتية لا علاقة لها بالزمان ، فضلاً عن أن معناها مخالف للفعل الماضى ( استوى ) الدال على أنه فعل حادث مثل ( خلق ) .

    ثانياً : أن يلاخط الملازمة بين ( خلق ) و ( ثم استوى ) فى جميع آيات الاستواء.

    ثالثاً : أن يلاخط ترتيب ( ثم استوى ) على ( العرش ) .

    رابعاً : ان يلاحظ تقديسه تعالى عن الاستواء المكانى على جسم العرش فإنه يستلزم التحديد ، ويوهم الاستراحة من التعب بعد خلق السموات والأرض .

    خامساً أن يلاحظ أوفق معنى من معانى ( استوى ) التى تليق بالله تعالى فى الايات التى ذكرت فيها جملة ﴿ ثم استوى على العرش ﴾ فلا يفهم منها ما يفهم من استواء السفينة على الجودى ، أو استواء نوح عليه السلام على السفينة إلخ ، ولو كانت الآية مسوقة لإثبات مجرد ظاهر الاستواء لقال تعالى : ( إن ربكم الله الذى استوى على العرش ) وبما أن هذا لم يرد فى أى آية من آيات لاذكر الحكيم ، فقد دل هذا على أنه ليس المقصود من آيات الاستواء ما يفهم من ظاهر اللفظ كالاستقرار والجلوس ، ومن لم يراع ما يتصل بهذا اللفظ لم يكن سلفياً .
    من ذلك نعلم أن ما ورد فى الكتاب العزيز عن العلو ، والاستواء مخالف لما ادعاه القصيمى ، وأن دعواه بأن الكتاب والسنة قد نطقا بها هى دعوى باطلة ومغلطة ظاهرة .

    د- لا يلزم من عدم ورود النهى بهذا اللفظ وهو : ( لا تعتقدوا أن الله مستو على عرشه ) أنه يجوز اعتقاده ، كما لا يلزم من عدم ورود نهى صريح عن اعتقاده أن الله تعالى جسم ، أو متحيز ، أو محدود أنه يجوز اعتقاده كذلك ، فهذا ممنوع بدلالة الآية المحكمة وهو قوله تعالى : ﴿ ليس كمثله شئ﴾ وبدلالة العقل أيضاً ، فضلاً عن ذلك فإننا لا يصح أن نعتقد إلا ما ورد الإذن به فى القرآن الكريم ، وكل عقيده لم ترد فى القرآن ، أو يوجبها العقل بالدليل المنطقى تكون اختراعاً وابتداعاً .

    هـ- كما أنه لا يوجد آية فيها : ( يجب عليكم أن تؤولوا هذه النصوص وأن تصرفوها عما يبدو منها ) ، فكذلك لا توجد آية ذكر فيها : ولا تؤولوا هذه النصوص المتشابهة ولا تصروفوها عن ظاهرها إذا كان ظاهرها مخالفاً للآية المحكمة وهى قوله تعالى ﴿ ليس كمثله شئ﴾ أو أدى ظاهرها إلى إبهام وجود التناقض فى كلام الله تعالى بين الآيات المتشابهات ، والمحكمات .

    و- إذا كان التأويل لهذه الحكمة الضرورية خطأ فلماذا جرى ( القصيمى والمسلاوى ) مع تأويل ابن القيم والذهبى ، وغيرهم المعية بالعلم فى قوله تعالى : ﴿ هو الذى خلق السموات والارض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير﴾
    فإن كان تأويلها بسبب أن ظاهر المعية يوهم التحديد ، فكذلك ظاهر الاستواء على العرش يوهم التحديد ، فكما أولوا المعية كان يجب عليهم تأويل الاستواء لأن كلا منهما يقتضى التحيز والتحديد ، وإذا كان ظاهر الاستواء لا يستلزم التحديد فى رأيهم فظاهر المعية أيضاً لا يستلزم التحديد على رأيهم .

    وهنا نسأل القصيمى : ( لماذا قبلت تأويل المعية ) ؟ ألكونها ظرفية وكون ظاهرها يوهم التحديد ، والمكان أم لأجل التخلص من التناقض الذى توهمته فى الآية الشريفة ، لأنك تعتقد كجماعتك أن الاستواء الظاهر لا يكون إلا مكانياً ، والمعية لا تكون إلا مكانية ، وأن وجود ذاته تعالى معنا فى الأرض مناقض لوجود ذاته تعالى فوق العرش ، لذلك أولت المعية بالعلم ، وتركت الاستواء بغير تأويل ، فوقعت فى التشبيه ولو أولتهما معاً لما وقعت فى ذلك ، فكما أن ظاهر المعية لا يعقل بغير التحديد والتحيز فى الأمكنة ، فنسة ظاهر الاستواء على العرش لا يعقل بغير التحديد والتحيز فى الأمكنة فهو تشبية أيضاً ومحال على الله تعالى ، فكما خالفت مبدأك ، وأولت المعية بأنها معنوية كناية عن العلم فراراً من التشبية يجب أن تؤوول الاستواء بأنه كناية عن الملك والتصريف فراراً من التشبيه ، وإلا كنت كمن يكيل بكيلين إذا يحل لنفسه ما يحرمه على غيره ، ولا شك أنه لا يقول بهذا عاقل .

    2- مغالطات القصيمي

    يقول القصيمى فى ( ص 45 ) من العدد 27 ما نصه ك
    "هذا إلحاد صريح ، بعد هذا نقول لكم : اعلموا أن ما تدعون إليه من إنكار الاستواء والعلو ، هو إلحاد صريح ، وإنكار لوجود الله لا ريب فيه ، ولكن عباراتكم منافقة جاهلة مخادعة ، وإلا فلا فرق بين قولكم ، إن للعالم رباً ، وخالقاً ، موصوفاً بالوجود ، والحياة ، والقدرة ، والخلق ، ومع هذا ليس بقريب من العالم ، ولا بعيد ، ولا بمنصل به ، ولا منفصل عنه ، ولا حال فيه ، ولا بائن عنه ،و لا فوق ، و لا تحت ، ولا يميناً ، ولا شمالاً ، ولا قداماً ، ولا خلفاً ، ولا ..... ولا ..... نعم ولا فرق بين هذه المقالة وبين قول الملحدين الصرحاء إنه لا رب لهذا العالم ، ولا خالق له ، فهذا ، كهذا ، والاختلاف راجع إلى اللفظ لا إلى المعنى بلا شك فإن كنتم تجدون فرقاً فاذكروه " .

    لى على هذا القول ملاحظتان :
    الأولى : أن هذه مغالطة منمقه ، مزخرفة ، يظهر للقارئ أن عليها طلاوة الحجة والبرهان القاطع ، ولكن من يتأمل فيها يجدها جوفاء خرقاء وأنها إن دلت على شئ فلا تدل إلا على الجهل بالمحسوس والمشاهد فى العالم وفى نفس الواقع ، فضلا عما فيها من فحش القول وهجر الكلام المتجليين فى قوله : " عباراتكم منافقة إلخ " .

    الثانية : أن القصيمى يكذب نفسه بنفسه فى قوله ( ص 27 ) من العدد 26 وإليك البيان :
    إثبات الملاحظة الأولى : إنه يوجد فى العالم أمثلة كثيرة من رفع المتضادات عن الشئ إذا انعدم السبب المسوغ لاتصافه بشئ من هذه المتضادات .
    فالحيوان : لا هو عالم ، ولا هو جاهل ؛ لأنه فاقد للعقل المسوغ لاتصافه بأحدهما ، ولا هو ذكى ولا هو بليد ؛ لأنه فاقد للعقل المسوغ لاتصافه بأحدهما ، ولا هو غنى ولا هو فقير لأنه فاقد للملك المسوغ لاتصافه بأحدهما .
    والجماد : لا هو جبور ولا هو مختار لأنه فاقد للحياة المسوغة للاتصاف بأحدهما ، ولا هو راض ولا غضبان لأنه فاقد للحياة المسوغة للاتصاف بأحدهما .
    والهواء : لا هو أبيض ولا هو أسود ، لأنه فاقد للجسم الكثيف القابل للتلون بالألوان والمسوغ لاتصافه بأحدهما .
    والجماد أيضاً : لا هو متلذذ ، ولا هو متألم ، لأنه فاقد للحياة المسوغة لاتصافه بأحدهما ، ولا هو متكلم ولا هو قوى ولا هو ضعيف ، لأنه فاقد للحياة المسوغة لاتصافه بأحدهما .
    والصدق : لا هو كبير الحجم ، ولا هو صغيره ، لأنه فاقد للحيز المسوغ لاتصافه بأحدهما .
    والحلم : لا هو حار ، ولا هو بارد ، لأنه فاقد للجسمية المسوغة لاتصافه بأحدهما .
    والإرادة : لا هى ثقيلة وزناً ، ولا هى خفيفة ، لأنها فاقدة للجسمية المسوغة لاتصافها بأحدهما ، ولا لاتصافها بأحدهما .
    والرضا : لا هو سريع الحركة ولا هو بطئ الحركة ، لأنه فاقد للحيز الذى تتعلق به الحركة والسكون .
    والفقير : لا هو كريم ، ولا هو بخيل ، لأنه فاقد للمال المسوغ لاتصافه بأحدهما .

    ولو أردنا حصر هذه الأمثلة لعجزنا عن الإحاطة بها لكثرتها ، فكيف غابت هذه المعلومات البديهية عن عقل القصيمى وهذه الجماعة حتى تجاسر على القول باستحالة وجود المتضادات فى شئ واحد ، وبنى عليه استحالة اتصاف الله تعالى بالقرب من العالم والبعد عنه ، وبالاتصال بالعالم ، والانفصال عنه إلى أخر دعواه ؟
    ولو كان يؤمن بأقواله المنشورة بالعدد 27 وأقوال " المسلاوى " بالعدد الخامس والعدد الحادى عشر ، وهى استحالة التحديد على الله تعالى ، لعلم أن التحيز مستحيل على الله تعالى ، وإذا استحال الحيز استحال القرب من العالم والبعد عنه ، واستحال الاتصال بالعالم والانفصال عنه ، واستحال الحلول فيه ، أى الاتصال به ، والبينونة عنه أى الانفصال منه .
    ولإيضاح ذلك نقول وبالله تعالى التوفيق والإعانة :
    إن القرب بين الشيئين هو القرب بين حيزيهما ، والبعد بينهما هو البعد بين حيزيهما ، فإذا انعدم الحيز انعدم القرب والبعد تبعاً لذلك .
    وبما أن الله تعالى يستحيل عليها الحيز ، والتحيز ، فيستحيل أن يكون قريباً من العالم قرب مسافة ، كما يستحيل أن يكون بعيداً عنه بعد مسافة وهو المطلوب .
    وكذلك الاتصال بين الشيئين هو مجاورة حيزيهما ، والانفصال هو انفصال حيزيهما ، وبعدهما عن بعضهما ، فإذا انعدم حيزهما ، أو حيز أحدهما ، انعدم الاتصال والانفصال تبعاً لذلك .
    وبما أن الله تعالى يستحيل عليه الحيز والتحيز ، فيستحيل اتصاله تعالى بالعالم ، وانفصاله عنه ، وهو المطلوب .
    وبالقياس على استحالة الاتصال والانفصال يستدل على استحالة الحلول داخل العالم ، والبينونة عنه لأنهما فى معنى الاتصال والانفصال .
    وإذن فلا يلزم أن يكون الله تعالى كما يقول القصيمى معدوماً كما لا يلزم من من تنزيهه تعالى عن هذه الأضداد ألا يكون موجوداً ، ولو علم القصيمى هذا لاستحيا من أن يتهم من يعلمون هذه البراهين بالإلحاد .
    إثبات الملاحظة الثانية : أما أن القصيمى يكذب نفسه بنفسه ، فلأنه يقول ( ص27 ) من العدد 26 ما نصه :
    ثم نسألكم رابعاً ونقول : ألستم تؤمنون بأن الله سوف يرى فى الآخرة ؟ إن جوابكم لابد نعم ، وعلى هذا نقول لكم : إذا عقلتم ان الله تعالى يرى بالابصار ولا يلزمه أن يكون فى جهة من الجهات ، ولا أن يكون مقابلاً للرائى ، ولا فى نحو من أنحائه ولا جهة من جهاته ، أى إذا آمنتم بالرؤية ، وجمعتم بين القول بها والقول بالتنزيه ، واعتقدتم أنفسكم منزهين مع قولكم بالرؤية البصرية فكيف لا تستطيعون أت تفهموا أيضاً أن يكون مستوياً على البصرية فكيف لا تستطيعون أن تفهموا أيضاً أن يكون مستويا على عرشه ، عالياً على خلقه ، ثم لا يلزم ذلك تشبيه ، ولا تجسيم ، بل ولا أن يكون فى جهة من الجهات ، ولا نحسب أن إنساناً يعطى الإنصاف عقله وعقيدته ثم يشك فى أن الأمرين سواء .
    فقد أعترف القصيمى نفسه بأن الله تعالى ليس فى جهة من جهات الرائى ، فلا فوق ، ولا تحت ، ولا يمين ، ولا شمال ، ولا أمام ، ولا خلف ، ولا قريب ولا بعيد ، لأن القرب والبعد مرتبطان بالجهات أيضاً ، وإذن لا معنى للقول بالاستواء المكانى على العرش أو العلو المكانى ، وليس أصرح من هذا تكذيباً للقصيمى فى أعتراضه المذكور بصفحه 45 بالعدد 27 .

    أما الإجابة عل ىهذا السؤال فهى ما نقرره فيما يلى :
    إننا لا نستطيع أن نجمع بين الاستواء المكانى على العرش ، وبين استحالة الجهات على الله تعالى إلا إذا تركنا عقولنا ، وتكلمنا بغير عقل ، فإن العرش فوقنا ، والمستوى عليه هو فى جهة فوق بالضرورة ، وهذا إثبات للجهة ولا يمكن الجمع بين هذين الضدين مستحيل .
    أما الرؤية البصرية فباعتراف القصيمى أنها لا تتوقف على الجهة ، ولا المقابلة فهى ممكنة ونحن نؤمن بها ، لأن الله سبحانه وتعالى سيخلق فى أباصرنا قوة خارقة للعادة يمكننا بها أن نرى من ليس له مكان ولا جهة ولا حيز فإن الرؤية نوع انكشاف يحصل عن الرائى المخلوق بقوة الله تعالى .
    أما الاستواء المكانى فهو عين الجهة ، والتحديد ، والتحيز ، وكل هذه الصفات مستحيلة على الله تعالى باعتراف القصيمى والمسلاوى ما توضح فهو إذن مستحيل .
    فشتان بين الرؤية التى لا تستلزم الجهة ، والتحيز ، وبين الاستواء المكانى على العرش الذى لا يعقل إلا فى جهة فوق .
    أفهل يعقل مساواة الجهة بضدها وهو عدم الجهة ؟ ﴿ فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً﴾ ؟
    فإن قيل : إذا كان الله تعالى ليس فى مكان فوق العرش أو فى السماء فلماذاتتجه ضمائرنا إلى جهة فوق عند التضرع إلى الله تعالى ؟
    فالجواب هو : أن هذا حكم الخيال ، فأنه يجسم ما لا يقبل التجسيم ، ويمثل المعنويات بالحسيات عند التعبير . لذلك يريك التقوى فى المنام ثوباً فضفاضاً كما رآه سيدنا عمر رضى الله عنه وأولها له صلى الله عليه وسلم بالتقوى ، وهذا يدل على أن الخيال يجسم المعانى ويجسم ما لا يقبل التجسيم وهو البارى جل وعلا .
    فيقال مثلاً : الرحمة فوق العدل ، مع أنهما ليسا فى مكانين ، فقد استعيرت الفوقية المكانية للرحمة للتعبير عن الفوقية المعنوية ولولا هذا لما أمكن توصل هذا المعنى إلى ذهن السامع .
    ويقال : تحرك الركاب العالى ، مع أنه لا يزال سائراً على الأرض ، ولكن أستعير العلو المكانى للتعبير عن العلو المعنوى ويقال إن فلاناً منزلته فى السماء السابعة إشارة إلى ترقية المعنوى الظاهر مع أنه لا يزال موجوداً بجسمه فى الأرض وهكذا .
    فكذلك الخيال يشير إلى عظمة ربه جل وعلا ، وكبريائه ، وعلوه المعنوى بالعلو المكانى ، لأنه ليس فى استطاعته التعبير عن المعنويات إلا بالحسيات ، وذلك لأن إدراكه عالة على الحواس ، فما تعلقت به الحواس ، تعلق به الخيال ، وما لا تدركه الحواس لا يتعلق به الخيال .
    فاعين مثلا تدرك الصور ، والألوان ، فبعد زوال المرئيات من العين يتخيل صورتها الخيال .
    والأذن تسمع الأصوات الجميلة ، فبعد زوالها يتخيل نغماتها الخيال .
    واللسان يدرك حلاوة العسل مثلاً ، فبعد زوالها من اللسان يتخيل لذاتها الخيال .
    واليد تدرك لذة نعومة الأجسام ، فبعد زوالها عن اليد يتخيل نعومتها الخيال ، وهكذا . وحيث إن الحواس قد تخطئ فى إدراكها ، فكذلك الخيال يخطئ تبعاً لها ، والعقل يصحح لهما الخطأ .
    فالعين ترى السراب بالقيعة و الصحراء ماء ، والخيال يوافقها ولكن العقل يصحح لها الخطأ ، فيحكم بأنه ليس هناك ماء .
    والعين أيضاً ترى الشخص الواحد طويلا فى القرب ، قصيرا فى البعد ، والخيال يوافقها ولكن العقل يصحح لها الخطأ . فيحكم بأن الشخص على طول واحد لم يتغير فى حالتى القرب والبعد .
    والأذن تسمع صدى الصوت فتظنه صوت شخص أخر ، والخيال يوافقها ولكن العقل يصحح لها الخطأ ، ويحكم بأنه صوت المتكلم الأول لا صوت شخص أخر .
    ولسان المريض يذوق السكر مراً ، مع أنه حلو ، والخيال يوافق ولكن العقل يصحح هذا الخطأ ، بأن المرارة أثر من آثار إحساس المريض لا ذوق السكر . وراكب القطار أو السفينة ، يراهما ثابتين والأرض جارية بما عليها من أشجار وحيوان ، وبيوت وجبال إلخ ، والخيال يوافقه على ما رأى ، ولكن العقل يصحح له الخطأ ويحكم بأنه هو وحده السائر بسير القطار أو السفينة ، والأرض ثابتة بما عليها .
    فكما أن إدراك الحواس لا يدل على أنه مطابق للواقع ، فكذلك إدراك الخيال لا يدل على المطابقة للواقع ، واتجاه الخيال إلى جهة فوق عند التضرع لا يدل على أن الله تعالى فى جهة فوق ، وإنما يتسعير الخيال جهة فوق التى هى أشرف الجهات لما يراه فيها من مظاهر العظمة والقهر ، للإشارة إلى عظمة خالقه جل ولعا ، لأن هذا هو كل ما يستطيعه للتعبير عن عظمته تعالى .
    أما العقل فهو الذى يدرك الأمور على حقيقتها فحكمه هو الصحيح لأنه مبنى على الديل والبرهان ، وهو الذى يصحح للخيال ، والحواس خطأهما . فكما يصحح خطأ العين ، والأذن ، واللسان ، واليد ، فأنه يصحح أيضاً للخيال خطأه عند التضرع . فمع أن الخيال يمثل العظمة المعنوية لربه جل وعلا بالفوقية المكانية ، فإنه لا يزال العقل يحكم بأنه تعالى منزه عن المكان ، والجهة ، ويرشد الخيال إلى هذه الحقيقة . فاتجاه الخيال والعقل يعظمان ربهما جل وعلا كل بحسب استطاعته . ولكن تعظيم الخيال بالفوقيهة المكانية مجازى ورمز إلى الفوقية المعنوية ، وتعظيم العقل بالفوقية المعنوية حقيقى وهو الذى عليه المعول ، فإن العقل هو المصحح دائماً لأخطاء غيره كما قدمنا ، وقد كلفنا الله بمقتضى العقل فقال : ﴿ إن فى ذلك لأيت لقوم يعقلون﴾ وقال : ﴿ لعلكم تعقلون﴾ وقال : ﴿ أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها﴾ .
    ولو اتبع الإنسان حواسه لوقع فى كثير من الأخطاء ، كمن يرى السراب ماء ، وكذلك يكون حاله إذا اتبع خياله ، وإذان لا منجى من الأخطاء إلا باتباع العقل ، وهو الذى عليه مدار التكليف ، والمسؤولية ، فكما لا تصدق حكم العين على السراب أنه ماء وحكمها على الشخص الواحد بالطول والقصر لبعده أو قربه ، وحكمها بتحرك الأرض وما عليه بالنسبة لراكب القطار أو السفينة مع ثبوت العكس ، وحكم الأذن على صدى الصوت ، وحكم اللسان حال المرض ، فكذلك يجب عليك عدم تصديق اتجاه الخيال للفوقية عند الدعاء والتضرع لأن اعتقاد أن الله تعالى منزه عن المكان والجهة هو المطابق للعقل والكتاب والسنة ، وهو مقتضى الإيمان الصحيح رغماً عن مخالفته للخيال والحواس ، فإنه حكم العقل المبنى على الدليل ،و البراهان ، والمطابق للقرآن العظيم . قال تعالى : ﴿ ليس كمثله شئ ﴾.
    ولا يزال العبد متأثراً بحكم خياله فى مبادئ الأمور ، والعقل يصحح له الخطأ حتى يتغلب حكم العقل على حكم الخيال ، فإذا صار ملازماً لحكم العقل اضمحل وجدانه الخيالى ، فلا يخيل ربه جل وعلا فى الأمكنة والجهات ولا مشبهاً بصفات الحوادث ، بل يراه بعقله وقلبه متصفاً بصفات التقديس ، والكمال المطلق ، وعند ذلك يكون إيمانه قلبياً وجدانياً نذوقه بقلوبنا كإيمان الأنبياء ، والملائكة ، والكمل كم أوليائه .

    نسأل الله أن يمن علينا بفيض من بحار علومهم حتى ترتوى به أرواحنا ، وحتى بصير إيماننا ذوقياً ، قوياً كاملاً مقروناً بمحض العبودية لله تعالى ، ومن الله التوفيق وبه نتأيد ، وعليه وحده المعول .

    3- مغالطات القصيمى
    فى دفاعه عن المجسمة
    يقول القصيمى ( ص 23 ) من العدد 26 من مجلتهم ما نصه : ( وأما إن قلتم : إن دليلنا على نفى العلو والاستواء دليل عقلى ، قلنا لكم : وما هو هذا الدليل العقلى ؟ إن قلتم / إننا لا نعرف استواء ، ولا علواً إلا بجلوس ، ولا يجلس إلا الأجسام ولا تكون الأجسام إلا مخلوقة حادثة . قلنا لكم : هذا مثل أن يقال : لا يصح وصف الله بصفة العلم مثلاً ، لأن العلم لا يكون إلا عرضاً ، والعرض لا يكون إلا مفتقراً إلى غيره ، أى إلى جوهر يقوم به ، ولا يفتقر إلا الحادث المخلوق ، والجوهر لا يكون إلا جسماً أو إلى ما يؤول إلى الجسم ، والأجسام ، والجواهر ، والأعراض لا تكون إلا حادثة مخلوقة ) .

    وهذا القول فيه عدة مغالطات هى :

    1- أنه يفرض أن صفات الله تعالى أعراض كأعراض الأجسام فالاستواء المكانى ، والعلم والقدرة ونحو ذلك ، فى نظره سواء من حيث إنها كلها أعراض حادثة .
    2- أنه يجعل هذا الفرض أساساً لاستشكاله على القائلين بالتنزيه عن الاستواء المكانى أن تنفوا أيضاً العلم وباقى الصفات .
    3- أن فرضه هذا باطل ، فالاستشكال المبنى عليه باطل ، ودليل البطلان أن صفات العلم والقدرة والإرادة من الصفات القديمة الواجبة لله تعالى وهى فى المخلوق حادثة ، وفرق بين القديم والحادث ، أما الاستواء المكانى فهو مستحيل على الله تعالى كما يعلم ذلك من الفرق بين حقيقة العرض وبين الصفات الإلهية القديمة .
    4- فالعرض هو ما يعرض بعد العدم ، ولا يقوم إلا بالأجسام وجواهرها ، وهو إما حسى : كالحركة العارضة بعد السكون ، ولاسكون العارض بعد الحركة ، وكبر الحجم وصغره والحيز العارض له فى حالى الكبر والصغر ، والسواد العارض بعد البياض ، والبياض العارض بعد السواد ، والحرارة العارضة بعد البرودة ، والبرودة العارضة بعد الحرارة ، والمرض العارض بعد الصحة ، و الصحة العارضة بعد المرض ، وثق

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 5:29