أ.د.أحمد محمد زايد
إن من نِعَم الله تعالى وآلائه أن منَّ علينا وعلى الأمة الإسلامية بنعمة الوقوف في وجوه الطغاة، حتى بدأت هذه الأصنام في التساقط واحداً تلو الآخر، وكان منهم طاغية مصر البائد المخلوع، وإن النجاة من الطغاة نعمة يُحمد الله تعالى عليها، قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ) (إبراهيم:6). وبعد، فهذه رسالة عاجلة إلى إخواني الدعاة الذين يملكون زمام توجيه الجماهير المسلمة، ويحملون إليها خطاب الله تعالى، كتبتها على عجل؛ إسهاماً في معالجة قضية الخطاب الدعوي في المرحلة الحالية، مرحلة ما بعد الثورة، وإن كنت أعتبر الثورة لم تزل قائمة بعد، فأقول: قامت الثورة المباركة انتفاضة عمت أرجاء مصر؛ فحققت مقاصد مهمة ومطالب عظيمة، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. أجواء الحرية قد قرأت لكثير ممن حللوا هذه الثورات في كل من تونس ومصر وليبيا، وبخاصة من أولئك الغربيين، فرأيت أكثرهم بل قد يكون جميعهم يكادون يجمعون على أمر مهم: وهو أن المستفيد الأكبر من هذه الثورات وما نشأ عنها «هو الإسلام والإسلاميون»، سواء على المستوى الشعبي أو المستوى الحركي التنظيمي، وهذا أمر صحيح، وإن كان الجميع سيستفيد من أجواء الحرية وما يصحبها من نتائج. وهذا يفسر لنا ويؤكد؛ لماذا كان الغرب حريصاً على استبقاء هذه الأنظمة المستبدة وحمايتها والإنفاق عليها؟ ولذا فإن هناك دراسات تقدمها بعض المراكز الغربية في الغرب لأصحاب القرار هناك أن ينهجوا نهجاً مع هذه الثورات هو ما أسميه «النهج الناعم»، وهو يتلخص في كلمتين، هما: «استبدال الأشخاص، واستبقاء الأفكار» كمحاولة لسرقة الثورة ووأد نتائجها، يعني محاولة الإبقاء على الفكر والنهج القديم؛ نهج التخلف والاستبداد لكن مع شخص جديد، هذه الفكرة وغيرها من الخيارات بل والمؤامرات تدرس الآن في بعض أروقة المراكز البحثية الغربية؛ ليبقى المسلمون على ما هم عليه، فتدور العجلة إلى الخلف مرة أخرى، وهذه الفكرة ربما تنجح والراجح خسرانها - إن شاء الله تعالى - إذا ما انتبهت الأمة وقدرت قدر مرحلتها الجديدة. كما حاولت هذه القوى الداخلية والخارجية في بعض نظراتها إلى هذه الثورات أن تنسبها بوضوح إلى الحركات الإسلامية؛ كحركة «النهضة» في تونس، و«جماعة الإخوان المسلمين» في مصر، وذلك لأمور، منها: محاولة العودة بالشعوب إلى مرحلة بائدة من الاستمرار في التخويف بالإسلام والإسلاميين، ولكن شيئاً من ذلك لن يحدث إن شاء الله، ولكنها عقبات في طريق الثورة بعد مرحلتها الأولى. مرحلة جديدة كل هذا وغيره يؤكد لنا أننا على المستوى العملي دخلنا بالفعل مرحلة جديدة لا يصح بحال أبداً أن نكون - نحن الدعاة - بنفس الهمة والفكر والأسلوب والوضع القديم، فالمرحلة الجديدة تفرض علينا جملة من التحديات، كما تفرض علينا جملة من الواجبات والمسؤوليات بعد أن بانت هشاشة العلمانية التي ظلت محتمية بالدكتاتوريات المستبدة، فلما سقطت هذه الدكتاتوريات ترنحت معها الأفكار العلمانية، وانحاز الناس إلى الإسلام بحكم هويتهم، وهنا تأتي المسؤولية وتظهر التحديات التي هي طبيعة المرحلة الجديدة. أستطيع القول: إن ما قامت به الثورة بمصر في مرحلتها الأولى كان «هدماً»، نعم هو هدم لرؤوس الدكتاتورية تم في ثمانية عشر يوماً، وهذه مدة وجيزة، وهكذا الهدم لا يحتاج إلى كثير وقت. مرحلتان مهمتان وبقيت مرحلتان مهمتان: هما مرحلة التطهير، ومرحلة البناء، وهما الثمار الحقيقية للثورة، والتواني فيهما ربما يسبب انتكاسة مرة أخرى والعياذ بالله. ومن هنا، صار الحديث عن مرحلة العمل لما بعد الثورة حديثاً إستراتيجياً تمليه الضرورة العملية الواقعية، وقد ورد «وعلى العاقل أن يكون عالماً بزمانه، ممسكاً للسانه، مقبلاً على شأنه» (شعب الإيمان للبيهقي ومصنف عبدالرزاق). والعمل المنشود لابد أن يكون من الجميع (دعاة وأهل علم، سياسيون، تربويون، آباء وأمهات، إعلاميون..)؛ لأنها ثورة، والثورة تكون شاملة، تُحدث تغييراً ظاهراً شاملاً لا جزئياً. وأولى الناس بمراجعة خطواتهم وخططهم هم الدعاة ورموز المجتمع وقيادته الفكرية والدينية، ولذا كانت هذه السطور التي أدعو الله تعالى أن تؤتي أكلها وينتفع بها كاتبها وقارئها. ومضات ومفاتيح وهو موضوع وجيز في حجمه، لكننا نأمل ونرجو أن يعطي إشارات ويضيء ومضات ويعطي مفاتيح في توجيه العقل الدعوي إلى بعض معاني وملامح وركائز خطابنا الدعوي في المرحلة القادمة بإذن الله تعالى. < لماذا الحديث في هذا الموضوع؟ قد يسأل سائل: لمَ الحديث في هذا الموضوع؟ وهل يستحق أن تكتب فيه سطور، وتعقد من أجله محاضرات وندوات؟ أبادر فأقول: نعم، ليس درساً واحداً ولا محاضرة واحدة، إنما يحتاج إلى دراسات وبحوث وورش عمل لنخرج بخطة واضحة المعالم؛ لأننا نرسم ملامح مرحلة جديدة لها ما بعدها. وهذا يدفعنا إلى ذكر بعض ملامح خطابنا قبل الثورة: أولاً: كان خطاباً يشوبه بعض اليأس بل كثير من اليأس؛ نظراً لطبيعة المرحلة السابقة التي أغلقت كل أبواب الأمل، وحجبت كثيرا ًمن وسائل الإصلاح، ولا شك أن النفس البشرية يعتريها اليأس والإحباط من مثل هذه الممارسات. ثانياً: كان يشبه خطاب الضحية الذي لا يتحكم في أي شيء، وإنما يتحكم فيه غيره؛ وكان ذلك نتيجة منطقية لحالة الشعور بالتخلف والضعف، وهذا الشعور جعل فكرة المؤامرة شبه سائدة، وأننا نقول بعض ما نريد، والنظام يفعل كل ما يريد، فنحن ضحاياه على كل حال. ثالثاً: كان خطاباً متحفظاً لا يفصح عما يريد بالطريقة التي يريد، وذلك نتيجة الخوف من الرصد المستمر لأنفاس الناس وكلماتهم، والمحاسبة على الفكر والحركة، وذلك أفقد الخطاب الدعوي بعض شفافيته وانطلاقته، وقزم أبعاده وحجم آفاقه. رابعاً: كان خطاباً متحيراً أحياناً لا يدري ما المخرج، وهذا نتيجة اليأس الذي نوهنا إليه سابقاً، كما كان نتيجة عدم وجود إستراتيجية واضحة المعالم للنظام؛ مما يربك الجميع ويوقعهم في الحيرة والتخبط. خامساً: كان خطاباً محدوداً في قضاياه، قاصراً على بعض الجوانب؛ الأمر الذي أدى إلى تضخم بعض القضايا وضمور البعض الآخر، فغلب على الخطاب الديني جانب المواعظ، وعلى الناحية الفقهية العملية جانب العبادات، وعلى الجانب الاجتماعي بعض قضايا الأحوال الشخصية، أما جوانب الجهاد والسياسة والحقوق والحريات.. وغيرها مما يمثل قضايا يومية ومصيرية؛ فقلَّ من تطرق إليها في خطابه الديني، اللهم إلا القليل الذي لا يُسمع. لذلك، لابد لنا أن نتعامل مع الجو الجديد بروح وفكر جديد، ولا نسحب طبيعتنا القديمة وخططنا القديمة على هذه المرحلة الجديدة، وإذا كان العلماء قد قالوا: «إن البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال»، فإن البلاغة الحقيقية أن نكون في خطابنا على قدر الحدث الذي نمر به ونحياه. خصائص خطابنا الدعوي في المستقبل نؤكد في هذه العجالة على بعض الملامح القديمة التي لابد من اصطحابها، ونطرح بعض الملامح الجديدة التي تحتل أولوية في ملامح الخطاب الدعوي، ومن هذين الجانبين يتبلور خطاب دعوي راشد إن شاء الله تعالى. وسوف نتناول في الأعداد القادمة ملامح من خصائص خطابنا الدعوي في المرحلة القادمة، ومنها: أولاً: خطاب تأصيلي قائم على العلم والبصيرة. ثانياً: خطاب يتسم بالمراجعة والتقييم ليستفيد من الماضي ويبني الحاضر وينطلق إلى المستقبل. ثالثاً: يمتاز بالوعي ويربي الوعي. رابعاً: منفتح على الآخرين، توافقي لا يعتمد منهج الإقصاء. خامساً: خطاب تفاؤلي يبعث الأمل. سادساً: خطاب مربٍّ، ويعيد بناء الشخصية المسلمة. سابعاً: خطاب يركز على الأولويات. ثامناً: خطاب يتبنى هموم الأمة. تاسعاً: خطاب يفجّر طاقات الناس ويستثمرها. عاشراً: خطاب يركز على الإيجابية والمسؤولية الفردية. حادي عشر: خطاب مؤسسي.
إن من نِعَم الله تعالى وآلائه أن منَّ علينا وعلى الأمة الإسلامية بنعمة الوقوف في وجوه الطغاة، حتى بدأت هذه الأصنام في التساقط واحداً تلو الآخر، وكان منهم طاغية مصر البائد المخلوع، وإن النجاة من الطغاة نعمة يُحمد الله تعالى عليها، قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ) (إبراهيم:6). وبعد، فهذه رسالة عاجلة إلى إخواني الدعاة الذين يملكون زمام توجيه الجماهير المسلمة، ويحملون إليها خطاب الله تعالى، كتبتها على عجل؛ إسهاماً في معالجة قضية الخطاب الدعوي في المرحلة الحالية، مرحلة ما بعد الثورة، وإن كنت أعتبر الثورة لم تزل قائمة بعد، فأقول: قامت الثورة المباركة انتفاضة عمت أرجاء مصر؛ فحققت مقاصد مهمة ومطالب عظيمة، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. أجواء الحرية قد قرأت لكثير ممن حللوا هذه الثورات في كل من تونس ومصر وليبيا، وبخاصة من أولئك الغربيين، فرأيت أكثرهم بل قد يكون جميعهم يكادون يجمعون على أمر مهم: وهو أن المستفيد الأكبر من هذه الثورات وما نشأ عنها «هو الإسلام والإسلاميون»، سواء على المستوى الشعبي أو المستوى الحركي التنظيمي، وهذا أمر صحيح، وإن كان الجميع سيستفيد من أجواء الحرية وما يصحبها من نتائج. وهذا يفسر لنا ويؤكد؛ لماذا كان الغرب حريصاً على استبقاء هذه الأنظمة المستبدة وحمايتها والإنفاق عليها؟ ولذا فإن هناك دراسات تقدمها بعض المراكز الغربية في الغرب لأصحاب القرار هناك أن ينهجوا نهجاً مع هذه الثورات هو ما أسميه «النهج الناعم»، وهو يتلخص في كلمتين، هما: «استبدال الأشخاص، واستبقاء الأفكار» كمحاولة لسرقة الثورة ووأد نتائجها، يعني محاولة الإبقاء على الفكر والنهج القديم؛ نهج التخلف والاستبداد لكن مع شخص جديد، هذه الفكرة وغيرها من الخيارات بل والمؤامرات تدرس الآن في بعض أروقة المراكز البحثية الغربية؛ ليبقى المسلمون على ما هم عليه، فتدور العجلة إلى الخلف مرة أخرى، وهذه الفكرة ربما تنجح والراجح خسرانها - إن شاء الله تعالى - إذا ما انتبهت الأمة وقدرت قدر مرحلتها الجديدة. كما حاولت هذه القوى الداخلية والخارجية في بعض نظراتها إلى هذه الثورات أن تنسبها بوضوح إلى الحركات الإسلامية؛ كحركة «النهضة» في تونس، و«جماعة الإخوان المسلمين» في مصر، وذلك لأمور، منها: محاولة العودة بالشعوب إلى مرحلة بائدة من الاستمرار في التخويف بالإسلام والإسلاميين، ولكن شيئاً من ذلك لن يحدث إن شاء الله، ولكنها عقبات في طريق الثورة بعد مرحلتها الأولى. مرحلة جديدة كل هذا وغيره يؤكد لنا أننا على المستوى العملي دخلنا بالفعل مرحلة جديدة لا يصح بحال أبداً أن نكون - نحن الدعاة - بنفس الهمة والفكر والأسلوب والوضع القديم، فالمرحلة الجديدة تفرض علينا جملة من التحديات، كما تفرض علينا جملة من الواجبات والمسؤوليات بعد أن بانت هشاشة العلمانية التي ظلت محتمية بالدكتاتوريات المستبدة، فلما سقطت هذه الدكتاتوريات ترنحت معها الأفكار العلمانية، وانحاز الناس إلى الإسلام بحكم هويتهم، وهنا تأتي المسؤولية وتظهر التحديات التي هي طبيعة المرحلة الجديدة. أستطيع القول: إن ما قامت به الثورة بمصر في مرحلتها الأولى كان «هدماً»، نعم هو هدم لرؤوس الدكتاتورية تم في ثمانية عشر يوماً، وهذه مدة وجيزة، وهكذا الهدم لا يحتاج إلى كثير وقت. مرحلتان مهمتان وبقيت مرحلتان مهمتان: هما مرحلة التطهير، ومرحلة البناء، وهما الثمار الحقيقية للثورة، والتواني فيهما ربما يسبب انتكاسة مرة أخرى والعياذ بالله. ومن هنا، صار الحديث عن مرحلة العمل لما بعد الثورة حديثاً إستراتيجياً تمليه الضرورة العملية الواقعية، وقد ورد «وعلى العاقل أن يكون عالماً بزمانه، ممسكاً للسانه، مقبلاً على شأنه» (شعب الإيمان للبيهقي ومصنف عبدالرزاق). والعمل المنشود لابد أن يكون من الجميع (دعاة وأهل علم، سياسيون، تربويون، آباء وأمهات، إعلاميون..)؛ لأنها ثورة، والثورة تكون شاملة، تُحدث تغييراً ظاهراً شاملاً لا جزئياً. وأولى الناس بمراجعة خطواتهم وخططهم هم الدعاة ورموز المجتمع وقيادته الفكرية والدينية، ولذا كانت هذه السطور التي أدعو الله تعالى أن تؤتي أكلها وينتفع بها كاتبها وقارئها. ومضات ومفاتيح وهو موضوع وجيز في حجمه، لكننا نأمل ونرجو أن يعطي إشارات ويضيء ومضات ويعطي مفاتيح في توجيه العقل الدعوي إلى بعض معاني وملامح وركائز خطابنا الدعوي في المرحلة القادمة بإذن الله تعالى. < لماذا الحديث في هذا الموضوع؟ قد يسأل سائل: لمَ الحديث في هذا الموضوع؟ وهل يستحق أن تكتب فيه سطور، وتعقد من أجله محاضرات وندوات؟ أبادر فأقول: نعم، ليس درساً واحداً ولا محاضرة واحدة، إنما يحتاج إلى دراسات وبحوث وورش عمل لنخرج بخطة واضحة المعالم؛ لأننا نرسم ملامح مرحلة جديدة لها ما بعدها. وهذا يدفعنا إلى ذكر بعض ملامح خطابنا قبل الثورة: أولاً: كان خطاباً يشوبه بعض اليأس بل كثير من اليأس؛ نظراً لطبيعة المرحلة السابقة التي أغلقت كل أبواب الأمل، وحجبت كثيرا ًمن وسائل الإصلاح، ولا شك أن النفس البشرية يعتريها اليأس والإحباط من مثل هذه الممارسات. ثانياً: كان يشبه خطاب الضحية الذي لا يتحكم في أي شيء، وإنما يتحكم فيه غيره؛ وكان ذلك نتيجة منطقية لحالة الشعور بالتخلف والضعف، وهذا الشعور جعل فكرة المؤامرة شبه سائدة، وأننا نقول بعض ما نريد، والنظام يفعل كل ما يريد، فنحن ضحاياه على كل حال. ثالثاً: كان خطاباً متحفظاً لا يفصح عما يريد بالطريقة التي يريد، وذلك نتيجة الخوف من الرصد المستمر لأنفاس الناس وكلماتهم، والمحاسبة على الفكر والحركة، وذلك أفقد الخطاب الدعوي بعض شفافيته وانطلاقته، وقزم أبعاده وحجم آفاقه. رابعاً: كان خطاباً متحيراً أحياناً لا يدري ما المخرج، وهذا نتيجة اليأس الذي نوهنا إليه سابقاً، كما كان نتيجة عدم وجود إستراتيجية واضحة المعالم للنظام؛ مما يربك الجميع ويوقعهم في الحيرة والتخبط. خامساً: كان خطاباً محدوداً في قضاياه، قاصراً على بعض الجوانب؛ الأمر الذي أدى إلى تضخم بعض القضايا وضمور البعض الآخر، فغلب على الخطاب الديني جانب المواعظ، وعلى الناحية الفقهية العملية جانب العبادات، وعلى الجانب الاجتماعي بعض قضايا الأحوال الشخصية، أما جوانب الجهاد والسياسة والحقوق والحريات.. وغيرها مما يمثل قضايا يومية ومصيرية؛ فقلَّ من تطرق إليها في خطابه الديني، اللهم إلا القليل الذي لا يُسمع. لذلك، لابد لنا أن نتعامل مع الجو الجديد بروح وفكر جديد، ولا نسحب طبيعتنا القديمة وخططنا القديمة على هذه المرحلة الجديدة، وإذا كان العلماء قد قالوا: «إن البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال»، فإن البلاغة الحقيقية أن نكون في خطابنا على قدر الحدث الذي نمر به ونحياه. خصائص خطابنا الدعوي في المستقبل نؤكد في هذه العجالة على بعض الملامح القديمة التي لابد من اصطحابها، ونطرح بعض الملامح الجديدة التي تحتل أولوية في ملامح الخطاب الدعوي، ومن هذين الجانبين يتبلور خطاب دعوي راشد إن شاء الله تعالى. وسوف نتناول في الأعداد القادمة ملامح من خصائص خطابنا الدعوي في المرحلة القادمة، ومنها: أولاً: خطاب تأصيلي قائم على العلم والبصيرة. ثانياً: خطاب يتسم بالمراجعة والتقييم ليستفيد من الماضي ويبني الحاضر وينطلق إلى المستقبل. ثالثاً: يمتاز بالوعي ويربي الوعي. رابعاً: منفتح على الآخرين، توافقي لا يعتمد منهج الإقصاء. خامساً: خطاب تفاؤلي يبعث الأمل. سادساً: خطاب مربٍّ، ويعيد بناء الشخصية المسلمة. سابعاً: خطاب يركز على الأولويات. ثامناً: خطاب يتبنى هموم الأمة. تاسعاً: خطاب يفجّر طاقات الناس ويستثمرها. عاشراً: خطاب يركز على الإيجابية والمسؤولية الفردية. حادي عشر: خطاب مؤسسي.