المرأة في المنظور الإخواني
بقلم: د. أماني فرج
جمعنا لقاء مع وفود من ناشطات المجتمع الدولي، جئن إلى القاهرة لمؤازرة القضية الفلسطينية، فتحدث الجميع عن كل ما هو معروف بالضرورة؛ مثل أبعاد المخطط الصهيوني وازدواجية المعايير لدى القوى الكبرى، والتواطؤ العربي الرسمي، وتحذير الشعوب العربية الأخرى من إمكانية- بل حتمية- تجرعهم من نفس الكأس... إلخ.
الإنسان قبل المادة
وجاء دورنا، فكان الحديث عن أزمة الأسرة في العالم العربي والتحولات الخطيرة الحادثة على صعيدها، واللعب المتصاعد على أوتار قضايا المرأة؛ مما يؤدي إلى انهيار منظم وممنهج للنظام الأسري؛ يسهل رصده بالعين المجردة دون الحاجة لأدوات البحث الاجتماعي المعقدة.
أثارت الكلمة استغراب إن لم يكن استياء الحاضرات ممن أتين لغرض سياسي لا اجتماعي أو عقدي (كما تخيلنه)، فكان استنتاجهن هو أن الإسلاميات يضيعن الوقت والجهد بتركيزهن على البعد الأخلاقي والقيمي دون السياسي الذي هو مناط القضية الفلسطينية وسائر قضايا التحرير بوجه عام، وأن إصرار التيارات الإسلامية على إثارة قضية المرأة هو من قبيل الإفلاس الفكري غير القادر على المنافسة في الميادين الهامة لأنه نتاج عقلية فرويدية لا تنشغل بغير هاجس الجسد وما حوله في خضم الملمات المحيطة بالأمة!.
والحقيقة في إلحاحنا على هذه القضية وجعلها في سلم الأولويات هي لأننا نعتبرها قلب القضية الفلسطينية، وكل قضايا التحرر، فالنصر والهزيمة في عقيدتنا لهما مصدران: القوة المادية (اقتصاد وتنظيم سياسي وعتاد عسكري وتكنولوجيا) والقوة الإنسانية وهي الأهم, والمتمثلة في الفرد القوي القادر على استحداث وتفعيل القوة المادية.. إذن فلا اختلافَ على مبدأ أن الإنسان يسبق المادة في مسوغات النصر والتحرر باعتباره أصلها وصانعها.
إن هذا الإنسان الذي هو أصل الإرادات والأفعال مخلوق من جسد وروح، وإن كان الجسد هو مصدر الحركة والقيام بأفعال التحرر، فالروح هي مصدر شحن العزم وإلهاب الكرامة والتمييز بين الصواب والخطأ وبدونها يتخبط الجسد في توجهه ويفقد الرؤية أو قد يتكاسل عن الحركة رغم استطاعته إياها وهو ما يُسمَّى بالتثبيط وفتور الهمم (داء الأمة اليوم)، أو قد يتمادى في بطشه مفتقدًا صوابية الحس فلا يصل لهدفه وتظل الهزائم له قرين رغم قوة الجسد.
إذن فالروح تسبق الجسد لدى الإنسان في منظومة النصر والتحرر والإنسان بدوره يسبق المادة، وبهذا الاستنباط الأرسطي المنطقي البسيط تصبح الروح هي أداة النصر الأولى ومناط الحرية الأهم.
فإذا كان التخريب في الأسباب المادية كالعبث بالنظام السياسي أو الاقتصادي أو التراخي في الاستعداد العسكري هو جرم قد يؤدي للهزيمة والوقوع في براثن الاستبداد يصبح من باب التخريب الروحي الذي هو علة السقوط الحتمي لدى الأمم.
وأول أسباب القوة عند الروح هو الإيمان والعبادة ثم تحصيل المعارف والفنون والثقافات, والتواصل مع الناس وفق أصول الأعراف والأخلاقيات, والتمسك بالجذور والاعتداد بالهوية، وكل هذه المفردات غير قابلة في العموم على التحصيل الفردي للإنسان بل إن تحصيلها يتم بالتناقل المنظم المتوارث من جيل إلى جيل فيما يسمى "بالتربية" التي هي عملية قديمة من قدم البشرية.
والخراب الروحي يكون بتخريب "التربية" لدى الفرد المستهدف فيجعلونه ينقطع طواعيةً (والمصيبة في الطواعية!) عن جذوره وينسلخ عن ثوابت عقيدته من إيمان وعبادة ويتبرأ من هويته وينزوي عن مجتمعه وما يحكمه من أعراف وأخلاق ويحتقر ثقافته وفنونه، ولملء هذا الفراغ الروحي يبدأ هذا الفرد في أن يستعير من "الآخرين" كل مفرداتهم الروحية والتي لا تناسبه فيسود التناقض وعدم التكيف ويحدث السقوط والهزيمة.
وسائل التخريب التربوي
إن التربية لا تتم أو تنتقل في فراغ ولكن بوسيط هو الأسرة من أب وأم وأخوة وعمومة وخؤولة، فسقوط النظام الأسري إذن هو العامل الرئيس لانهيار التربية وخراب الروح ومن ثم الهزيمة.
فمن أين يستقي الإنسان مفاهيم الحرية والجهاد ومعاني الكرامة والعزة والتضحية وهو سليل أسرة شكلية لا دور لها وتمتلئ بالصراعات والأحقاد بين رجال ونساء بدلوا أدوارهم وفقدوا فضيلة القناعة وتغولت لديهم الذات الفرد والمصلحة على حساب كل ما يحيط بهم من زوجية وأبوة وبيتوتة! فبدلاً من "التربية" على التضحية التي بغيرها لا يكون هناك حرية أو نصر يرضع الفرد من ثدي أمه كل معني الأثرة وتقديم صالح الفرد على المجتمع والانكفاءة على الذات وعبادة المادة، فيتربى على القيم الأنانية من إرضاء للشهوات ورفاهية واستهلاك ولم يعد يصلح للجندية لأن الجنود لا تعمل فرادى ولم تترب على الأنا المتضخمة التي تورث الميوعة في الرجال بسبب غياب التربية التي تنتزع النصر انتزاعًا..
إن نساء ما بعد الحداثة العرب لم يعد لديهن الوقت ولا التركيز لتوريث قضية فلسطين للأبناء لأنهن مشغولات بإدارة الصراع حول التمكين والاستقلال المادي والحرب مع الذكور! فكانت هذه المكاسب الزائفة هي العظمة الشهية التي ألقاها لص محترف ليبعد بها كلب الحراسة العنيد الشرس عن الموقع المستهدف حتى تتم السرقة.. وهكذا تسرق قضية فلسطين.
مواجهة قيمية
لقد فقد شباب هذا الجيل، الفاقد للتربية، كل مظاهر الاستنكاف أو الاشمئزاز من فكرة الهزيمة وأصبح لا يتبعر وجهه إذا ما وطأته نعال الآخرين! بل لديه كافة الاستعداد أن يدخل رأسه في طوق حديدي ويسلمه بيديه لمستعمره إن ضمن أن هذا المستعمر سيعطيه جرعات الرفاهية واللذة اللتين أدمنهما في الوقت المناسب وقبل أن يداهمه ألم الحرمان.
إذن فالمشكلة قيمية ولا يكون حلها إلا قيميًّا.
لهذا عندما يصر الإسلاميون وغيرهم من حكماء الأمة من أقباطها ووطنييها على اختلاف مشاربهم على نقد القيم الغربية التي يستميت المستعمر في إدخالها لمجتمعاتنا والدفاع عن قيم المرأة والأسرة كما توارثناها فإنهم بذلك لم يخرجوا عن السياق الفلسطيني والجهادي كما يبدو للمسطحين من أهل الفكر الظانين أن مفاهيم المرأة والطفل والأسرة هي مفاهيم جسدية تتعلق بهاجس الشرف وعنترية جنسية تتراقص في مخيلاتنا الإسلامية الفرويدية! بل إن هذه المفاهيم هي مفاهيم أمن قومي خالص تتعلق بإعداد جيل التحرير الذي يستميت العدو في تدميره عن طريق تدمير محضنه الطبيعي وهو الأم والأب والأسرة لينشأ متميعًا أنانيًّا جبانًا.
اللهم أعز رجالنا ونساءنا وشبابنا، واستخلصهم لك جنودًا مخلصينَ.
بقلم: د. أماني فرج
جمعنا لقاء مع وفود من ناشطات المجتمع الدولي، جئن إلى القاهرة لمؤازرة القضية الفلسطينية، فتحدث الجميع عن كل ما هو معروف بالضرورة؛ مثل أبعاد المخطط الصهيوني وازدواجية المعايير لدى القوى الكبرى، والتواطؤ العربي الرسمي، وتحذير الشعوب العربية الأخرى من إمكانية- بل حتمية- تجرعهم من نفس الكأس... إلخ.
الإنسان قبل المادة
وجاء دورنا، فكان الحديث عن أزمة الأسرة في العالم العربي والتحولات الخطيرة الحادثة على صعيدها، واللعب المتصاعد على أوتار قضايا المرأة؛ مما يؤدي إلى انهيار منظم وممنهج للنظام الأسري؛ يسهل رصده بالعين المجردة دون الحاجة لأدوات البحث الاجتماعي المعقدة.
أثارت الكلمة استغراب إن لم يكن استياء الحاضرات ممن أتين لغرض سياسي لا اجتماعي أو عقدي (كما تخيلنه)، فكان استنتاجهن هو أن الإسلاميات يضيعن الوقت والجهد بتركيزهن على البعد الأخلاقي والقيمي دون السياسي الذي هو مناط القضية الفلسطينية وسائر قضايا التحرير بوجه عام، وأن إصرار التيارات الإسلامية على إثارة قضية المرأة هو من قبيل الإفلاس الفكري غير القادر على المنافسة في الميادين الهامة لأنه نتاج عقلية فرويدية لا تنشغل بغير هاجس الجسد وما حوله في خضم الملمات المحيطة بالأمة!.
والحقيقة في إلحاحنا على هذه القضية وجعلها في سلم الأولويات هي لأننا نعتبرها قلب القضية الفلسطينية، وكل قضايا التحرر، فالنصر والهزيمة في عقيدتنا لهما مصدران: القوة المادية (اقتصاد وتنظيم سياسي وعتاد عسكري وتكنولوجيا) والقوة الإنسانية وهي الأهم, والمتمثلة في الفرد القوي القادر على استحداث وتفعيل القوة المادية.. إذن فلا اختلافَ على مبدأ أن الإنسان يسبق المادة في مسوغات النصر والتحرر باعتباره أصلها وصانعها.
إن هذا الإنسان الذي هو أصل الإرادات والأفعال مخلوق من جسد وروح، وإن كان الجسد هو مصدر الحركة والقيام بأفعال التحرر، فالروح هي مصدر شحن العزم وإلهاب الكرامة والتمييز بين الصواب والخطأ وبدونها يتخبط الجسد في توجهه ويفقد الرؤية أو قد يتكاسل عن الحركة رغم استطاعته إياها وهو ما يُسمَّى بالتثبيط وفتور الهمم (داء الأمة اليوم)، أو قد يتمادى في بطشه مفتقدًا صوابية الحس فلا يصل لهدفه وتظل الهزائم له قرين رغم قوة الجسد.
إذن فالروح تسبق الجسد لدى الإنسان في منظومة النصر والتحرر والإنسان بدوره يسبق المادة، وبهذا الاستنباط الأرسطي المنطقي البسيط تصبح الروح هي أداة النصر الأولى ومناط الحرية الأهم.
فإذا كان التخريب في الأسباب المادية كالعبث بالنظام السياسي أو الاقتصادي أو التراخي في الاستعداد العسكري هو جرم قد يؤدي للهزيمة والوقوع في براثن الاستبداد يصبح من باب التخريب الروحي الذي هو علة السقوط الحتمي لدى الأمم.
وأول أسباب القوة عند الروح هو الإيمان والعبادة ثم تحصيل المعارف والفنون والثقافات, والتواصل مع الناس وفق أصول الأعراف والأخلاقيات, والتمسك بالجذور والاعتداد بالهوية، وكل هذه المفردات غير قابلة في العموم على التحصيل الفردي للإنسان بل إن تحصيلها يتم بالتناقل المنظم المتوارث من جيل إلى جيل فيما يسمى "بالتربية" التي هي عملية قديمة من قدم البشرية.
والخراب الروحي يكون بتخريب "التربية" لدى الفرد المستهدف فيجعلونه ينقطع طواعيةً (والمصيبة في الطواعية!) عن جذوره وينسلخ عن ثوابت عقيدته من إيمان وعبادة ويتبرأ من هويته وينزوي عن مجتمعه وما يحكمه من أعراف وأخلاق ويحتقر ثقافته وفنونه، ولملء هذا الفراغ الروحي يبدأ هذا الفرد في أن يستعير من "الآخرين" كل مفرداتهم الروحية والتي لا تناسبه فيسود التناقض وعدم التكيف ويحدث السقوط والهزيمة.
وسائل التخريب التربوي
إن التربية لا تتم أو تنتقل في فراغ ولكن بوسيط هو الأسرة من أب وأم وأخوة وعمومة وخؤولة، فسقوط النظام الأسري إذن هو العامل الرئيس لانهيار التربية وخراب الروح ومن ثم الهزيمة.
فمن أين يستقي الإنسان مفاهيم الحرية والجهاد ومعاني الكرامة والعزة والتضحية وهو سليل أسرة شكلية لا دور لها وتمتلئ بالصراعات والأحقاد بين رجال ونساء بدلوا أدوارهم وفقدوا فضيلة القناعة وتغولت لديهم الذات الفرد والمصلحة على حساب كل ما يحيط بهم من زوجية وأبوة وبيتوتة! فبدلاً من "التربية" على التضحية التي بغيرها لا يكون هناك حرية أو نصر يرضع الفرد من ثدي أمه كل معني الأثرة وتقديم صالح الفرد على المجتمع والانكفاءة على الذات وعبادة المادة، فيتربى على القيم الأنانية من إرضاء للشهوات ورفاهية واستهلاك ولم يعد يصلح للجندية لأن الجنود لا تعمل فرادى ولم تترب على الأنا المتضخمة التي تورث الميوعة في الرجال بسبب غياب التربية التي تنتزع النصر انتزاعًا..
إن نساء ما بعد الحداثة العرب لم يعد لديهن الوقت ولا التركيز لتوريث قضية فلسطين للأبناء لأنهن مشغولات بإدارة الصراع حول التمكين والاستقلال المادي والحرب مع الذكور! فكانت هذه المكاسب الزائفة هي العظمة الشهية التي ألقاها لص محترف ليبعد بها كلب الحراسة العنيد الشرس عن الموقع المستهدف حتى تتم السرقة.. وهكذا تسرق قضية فلسطين.
مواجهة قيمية
لقد فقد شباب هذا الجيل، الفاقد للتربية، كل مظاهر الاستنكاف أو الاشمئزاز من فكرة الهزيمة وأصبح لا يتبعر وجهه إذا ما وطأته نعال الآخرين! بل لديه كافة الاستعداد أن يدخل رأسه في طوق حديدي ويسلمه بيديه لمستعمره إن ضمن أن هذا المستعمر سيعطيه جرعات الرفاهية واللذة اللتين أدمنهما في الوقت المناسب وقبل أن يداهمه ألم الحرمان.
إذن فالمشكلة قيمية ولا يكون حلها إلا قيميًّا.
لهذا عندما يصر الإسلاميون وغيرهم من حكماء الأمة من أقباطها ووطنييها على اختلاف مشاربهم على نقد القيم الغربية التي يستميت المستعمر في إدخالها لمجتمعاتنا والدفاع عن قيم المرأة والأسرة كما توارثناها فإنهم بذلك لم يخرجوا عن السياق الفلسطيني والجهادي كما يبدو للمسطحين من أهل الفكر الظانين أن مفاهيم المرأة والطفل والأسرة هي مفاهيم جسدية تتعلق بهاجس الشرف وعنترية جنسية تتراقص في مخيلاتنا الإسلامية الفرويدية! بل إن هذه المفاهيم هي مفاهيم أمن قومي خالص تتعلق بإعداد جيل التحرير الذي يستميت العدو في تدميره عن طريق تدمير محضنه الطبيعي وهو الأم والأب والأسرة لينشأ متميعًا أنانيًّا جبانًا.
اللهم أعز رجالنا ونساءنا وشبابنا، واستخلصهم لك جنودًا مخلصينَ.