الإمام البنا وصناعة الرموز
إخوان أون لاين -
بقلم: عصام تليمة
"أنا مشغول بتأليف الرجال عن تأليف الكتب"!! بهذا أجاب الأستاذ البنا عن سؤالٍ من أحد الناس عن: سر قلةِ تصانيفه وتآليفه العلمية.
والواقع أنَّ البنا- رحمه الله- شُغل بتأليف الرجال وتخريج العلماء، وتكوين الرموز، والكتابة أيضًا، إلا أنها كتابة متناثرة عند الجمع تصنع تراثًا هائلاً يملأ عدة مجلدات كبار.
لقد تأملت حال معظم رموز القرن الماضي من العلماء الكبار، الذين امتلكوا ناصية البيان والتنظير والتأصيل، وتفقيه الأمة الإسلامية، فوجدت أن معظمهم خرج من بين أصابع الإمام البنا رحمه الله، فقد كان يتولى صناعة الرموز بعدة طرق، إما بتوجيهاته، أو بتعهده للأشخاص، أو بتلمس عناصر القوة في الشخصية التي أمامه فيدلها على مكامن قوتها العلمية لتفيد فيه، ولأذكر للقارئ بعضًا من هؤلاء، وكيف كانت قصتهم مع توجيه البنا ورعايته لهم ودفعهم إلى التخصص الذي يفيد أمتهم.
مَن هؤلاء الدكتور توفيق الشاوي الذي وجهه الأستاذ البنا لدراسة الدكتوراه في القانون في فرنسا.
ومن هؤلاء الدكتور حامد ربيع- رحمه الله- الذي يحكي أنَّ والده أخذه ليصافح الشيخ حسن البنا في صغره، فقال والد الدكتور حامد ربيع للشيخ البنا: ادع الله لابني يا مولانا، وكان عمر ابنه اثني عشر عامًا، فقال حسن البنا: أسأل الله أن يجعله ممن يخدمون الإسلام في مجالِ السياسة، وظلت الدعوة يتردد صداها في أذنِ الصبي حامد ربيع، إلى أن حصل على أكثر من دكتوراة في السياسة.
الشيخ السيد سابق
ومن هؤلاء العلامة الفقيه الشيخ سيد سابق رحمه الله، فقد رأى الأستاذ البنا السيد سابق الطالب في كلية الشريعة، وقد جلس إلى شيخه حسن البنا، فشجَّعه على الكتابة في مجلة الإخوان المسلمين، ونصحه بأن يملأ الفراغ الموجود في الكتابة الفقهية، فكان كتابه (فقه السنة) الذي قلَّ أن يخلو بيتٍ من بيوت المسلمين المعنيين بالقراءة والتثقف في أمور دينهم منه، وكان من الإمام البنا أن شجَّع الشيخ الشاب سيد سابق، الذي لم يبلغ الثلاثين بعد، فخرجت مجلة الإخوان المسلمين تحتفي بالشاب الشيخ سيد سابق، فقد صدرت مجلة (الإخوان المسلمون) النصف شهرية ثم الأسبوعية الصادرة في تاريخ: 27 من مارس سنة 1948م، وعلى غلافها صورةٍ لشابٍ أزهري، يزين وجهه لحية سمراء، ويعلو أنفه نظارة طبية، وقد ارتدى الزي العسكري، وقد بدا في الصورة رابضًا- كالأسد- على بطنه، ويده على الزناد، يتدرب على سلاحٍ من أسلحة القتال، كان هذا الشيخ الأزهري: الشيخ سيد سابق عليه سحائب الرحمة والرضوان، وكان شابًا آنذاك، وقد علَّقت المجلة بهذه العبارات تحت صورة الشيخ:-
راهب وفارس..
"فضيلة الأستاذ الشيخ سيد سابق فقيه الإخوان، ومن خيرة علماء الأزهر، ومحرر الصفحة الفقهية (أي بالمجلة) ومؤلف فقه السنة، أبَى عليه فهمه الصحيح لدعوة الإخوان إلا أن يكون في طليعة المجاهدين بفلسطين".
الشيخ محمد الغزالي
ومن هؤلاء المرحوم العلامة الداعية الشيخ محمد الغزالي، فقد شجَّعه وهو طالب بالفرقة الثالثة في كلية أصول الدين، ليكتب في مجلة (المنار) التي تولَّى البنا رئاسة تحريرها خلفًا للشيخ رشيد رضا، ومجلة (المنار) معروف مكانتها في العالم الإسلامي أجمع لا في مصر وحدها، وكتب فيها الطالب محمد الغزالي سنة 1939م- وعمره لم يتجاوز الثانية والعشرين- أول مقالٍ له، وهو مقال بعنوان: (في محيط الدعوات) من أروع ما كتب الغزالي.
ويحكي الشيخ الغزالي في مذكراته: أن الأستاذ البنا عندما أنشأ مجلة (الإخوان المسلمون) النصف شهرية ثم الأسبوعية فيما بعد، ولاحظ الشيخ الغزالي أن مقالاً له عن (الإخوان المسلمون والأحزاب) لم يُنشر، اهتزَّت ثقته بنفسه وقرر ألا يكتب مرة أخرى، فذهب الأستاذ البنا وسأل الأستاذ صالح عشماوي- رئيس تحرير المجلة- لماذا لا أرى مقالات قوية للإخوان في المجلة؟ فإذ به يرى ملفًا فيه المقالات المهملة والمقرر عدم نشرها، فقلَّب فيها الأستاذ البنا، فرأى فيها مقال الشيخ الغزالي، فقال له: هذا المقال جيد انشره، وأمر بأن يكون افتتاحية المجلة، ثم فُوجئ الشيخ الغزالي برسالةٍ من الأستاذ البنا يقول له فيها: "أخي العزيز الشيخ محمد الغزالي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قرأتُ مقالك "الإخوان المسلمون والأحزاب" فطربتُ لعبارته الجزلة، ومعانيه الدقيقة، وأدبه العفِّ الرصين، هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون.. اكتب دائمًا وروح القدس يؤيدك والله معك. أخوك حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين".
يقول الشيخ الغزالي معقبًا على ذلك: وأصبحتُ بعد هذه الرسالة من كُتَّابِ الجماعةِ الأوائل، واستبشرتُ بأن اللَّهَ سيلهمني الرشد فيما أكتب! وبالفعل أصبح بعدها هذا الشاب: العلامة والداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي.
ولما ذهبَ الأستاذ البنا إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، كان معه عددٌ من الشباب، وكان من بين هؤلاء: الشاب أنور الجندي، وقد فُوجئ يومًا بطلبٍ من الأستاذ البنا يطلب إليه أن يكتب خاطرة، كتابةً لا قولاً، فكتبها، فشجَّعه الأستاذ البنا على ذلك، وطلب منه أن يستمر في الكتابة، وكان هذا التشجيع سببًا بعد توفيق الله في ظهور بحَّاثة وكاتب من عمالقة الفكر الإسلامي هو الأستاذ أنور الجندي.. وظل الأستاذ أنور الجندي رحمه الله طوال حياته واضعًا صورة الأستاذ البنا فوق رأسه، ولما سُئل عن ذلك قال: لن أنسى أبدًا أستاذي الذي شجَّعني وصنع مني كاتبًا، إنني أشعر بروحه معي وتشجيعه كلما نظرت إلى صورته فوق رأسي وأنا أكتب.
الشيخ يوسف القرضاوي
وهو الذي لقي الطالب يوسف القرضاوي يُلقي بقصيدةٍ أمامه، بعنوان: يا مرشدًا قاد بالإسلام إخوانًا، فيقول تعليقًا على قصيدة الطالب الذي كان عمره آنذاك (16 عامًا): إنه لشاعرٌ فحلٌ، ليصبح بعد ذلك الشاعر الموهوب والفقيه الجليل الدكتور يوسف القرضاوي.
وهو الذي أرسل مصطفى مؤمن الطالب بكلية الهندسة، ليذهب إلى الأمم المتحدة في أمريكا، ليعرض قضية مصر، ويتكلم عنها لبلاغته وتمكُّنه في اللغة الإنجليزية.
وهو الذي أرسل الشيخ عبد المعز عبد الستار وهو شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره نيابةً عنه، ليطوف على بلادِ الشام، وبخاصة فلسطين ليقف على أحوالها ويحضر مؤتمرًا عالميًّا عن القدس بحضور الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، وغيرهم كثير، خرجوا من بين أصابع البنا، وصنع منهم وهم فتيان صغار رموزًا كبيرة، وملأ نفوسهم بالأملِ والتشجيع، وشدَّ على أيديهم، وربت على أكتافهم.
ومن خبر ودرس بتعمق مجلات الإخوان المسلمين، وتتبعها تتبع الراصد، يلحظ أمرًا مهمًّا، وهو: أن الأستاذ البنا كان يُمرِّن كُتَّاب الإخوان الصغار الذين ليس لهم خبرة ولا تمرس بالكتابة، فكان يكتب الأستاذ البنا في بابٍ معينٍ كبابِ الفقه والحديث، ويكثر من الكتابةِ لفترةٍ محدودة، ثم بعدها يعهد بالبابِ إلى كُتَّابٍ آخرين من الشباب، ليتمرنوا على الكتابةِ ويعيشوا المناخَ العلمي الذي يجعل الشاب الذي يمتلك رصيدًا هائلاً من الثقافةِ كيف يُعبِّر عن علمه، ويتقن لغة الكتابة العلمية، وقد لاحظتُ هذا الأمر أكثر من مرة، فترى باب الفقه كتب فيه الأستاذ البنا في مجلة الإخوان الأولى مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) فكتب عدة مقالات، ثم بعد ذلك عهد بالباب إلى الأستاذ الشيخ محمد الهادي عطية، وهو محامٍ شرعي ومأذون بالسويس، كما ورد في تعريفه تحت اسمه في نهاية المقال، ترى في أول كتابةٍ لمَن يعهد له البنا بالباب من بعده اختلافًا، وميلاً إلى الكتابة الرتيبة العلمية القديمة، التي هي بعيدة عن أسلوب العصر، وكتابة المجلات، ثم بعد مُدةٍ وجيزةٍ ترى الكاتب قد ارتقى أسلوبه حتى ليقترب إلى حدٍّ كبيرٍ من أسلوب البنا نفسه المعروف بالجمع بين المادة العلمية الرصينة، والأسلوب المعاصر، واللغة الرشيقة، والبيان المشرق، والحجة الناصعة.
هذه بعض جهود الإمام البنا رحمه الله في صناعةِ الرموز، وتكوينهم، وتشجيعهم والأخذ بأيديهم، رغم كثرةِ أعبائه، وزحمةِ أعماله، وضيقِ وقته، فرحم الله الإمام البنا.
http://www.ikhwanonline.net/Article....01&SectionID=0[/align
إخوان أون لاين -
بقلم: عصام تليمة
"أنا مشغول بتأليف الرجال عن تأليف الكتب"!! بهذا أجاب الأستاذ البنا عن سؤالٍ من أحد الناس عن: سر قلةِ تصانيفه وتآليفه العلمية.
والواقع أنَّ البنا- رحمه الله- شُغل بتأليف الرجال وتخريج العلماء، وتكوين الرموز، والكتابة أيضًا، إلا أنها كتابة متناثرة عند الجمع تصنع تراثًا هائلاً يملأ عدة مجلدات كبار.
لقد تأملت حال معظم رموز القرن الماضي من العلماء الكبار، الذين امتلكوا ناصية البيان والتنظير والتأصيل، وتفقيه الأمة الإسلامية، فوجدت أن معظمهم خرج من بين أصابع الإمام البنا رحمه الله، فقد كان يتولى صناعة الرموز بعدة طرق، إما بتوجيهاته، أو بتعهده للأشخاص، أو بتلمس عناصر القوة في الشخصية التي أمامه فيدلها على مكامن قوتها العلمية لتفيد فيه، ولأذكر للقارئ بعضًا من هؤلاء، وكيف كانت قصتهم مع توجيه البنا ورعايته لهم ودفعهم إلى التخصص الذي يفيد أمتهم.
مَن هؤلاء الدكتور توفيق الشاوي الذي وجهه الأستاذ البنا لدراسة الدكتوراه في القانون في فرنسا.
ومن هؤلاء الدكتور حامد ربيع- رحمه الله- الذي يحكي أنَّ والده أخذه ليصافح الشيخ حسن البنا في صغره، فقال والد الدكتور حامد ربيع للشيخ البنا: ادع الله لابني يا مولانا، وكان عمر ابنه اثني عشر عامًا، فقال حسن البنا: أسأل الله أن يجعله ممن يخدمون الإسلام في مجالِ السياسة، وظلت الدعوة يتردد صداها في أذنِ الصبي حامد ربيع، إلى أن حصل على أكثر من دكتوراة في السياسة.
الشيخ السيد سابق
ومن هؤلاء العلامة الفقيه الشيخ سيد سابق رحمه الله، فقد رأى الأستاذ البنا السيد سابق الطالب في كلية الشريعة، وقد جلس إلى شيخه حسن البنا، فشجَّعه على الكتابة في مجلة الإخوان المسلمين، ونصحه بأن يملأ الفراغ الموجود في الكتابة الفقهية، فكان كتابه (فقه السنة) الذي قلَّ أن يخلو بيتٍ من بيوت المسلمين المعنيين بالقراءة والتثقف في أمور دينهم منه، وكان من الإمام البنا أن شجَّع الشيخ الشاب سيد سابق، الذي لم يبلغ الثلاثين بعد، فخرجت مجلة الإخوان المسلمين تحتفي بالشاب الشيخ سيد سابق، فقد صدرت مجلة (الإخوان المسلمون) النصف شهرية ثم الأسبوعية الصادرة في تاريخ: 27 من مارس سنة 1948م، وعلى غلافها صورةٍ لشابٍ أزهري، يزين وجهه لحية سمراء، ويعلو أنفه نظارة طبية، وقد ارتدى الزي العسكري، وقد بدا في الصورة رابضًا- كالأسد- على بطنه، ويده على الزناد، يتدرب على سلاحٍ من أسلحة القتال، كان هذا الشيخ الأزهري: الشيخ سيد سابق عليه سحائب الرحمة والرضوان، وكان شابًا آنذاك، وقد علَّقت المجلة بهذه العبارات تحت صورة الشيخ:-
راهب وفارس..
"فضيلة الأستاذ الشيخ سيد سابق فقيه الإخوان، ومن خيرة علماء الأزهر، ومحرر الصفحة الفقهية (أي بالمجلة) ومؤلف فقه السنة، أبَى عليه فهمه الصحيح لدعوة الإخوان إلا أن يكون في طليعة المجاهدين بفلسطين".
الشيخ محمد الغزالي
ومن هؤلاء المرحوم العلامة الداعية الشيخ محمد الغزالي، فقد شجَّعه وهو طالب بالفرقة الثالثة في كلية أصول الدين، ليكتب في مجلة (المنار) التي تولَّى البنا رئاسة تحريرها خلفًا للشيخ رشيد رضا، ومجلة (المنار) معروف مكانتها في العالم الإسلامي أجمع لا في مصر وحدها، وكتب فيها الطالب محمد الغزالي سنة 1939م- وعمره لم يتجاوز الثانية والعشرين- أول مقالٍ له، وهو مقال بعنوان: (في محيط الدعوات) من أروع ما كتب الغزالي.
ويحكي الشيخ الغزالي في مذكراته: أن الأستاذ البنا عندما أنشأ مجلة (الإخوان المسلمون) النصف شهرية ثم الأسبوعية فيما بعد، ولاحظ الشيخ الغزالي أن مقالاً له عن (الإخوان المسلمون والأحزاب) لم يُنشر، اهتزَّت ثقته بنفسه وقرر ألا يكتب مرة أخرى، فذهب الأستاذ البنا وسأل الأستاذ صالح عشماوي- رئيس تحرير المجلة- لماذا لا أرى مقالات قوية للإخوان في المجلة؟ فإذ به يرى ملفًا فيه المقالات المهملة والمقرر عدم نشرها، فقلَّب فيها الأستاذ البنا، فرأى فيها مقال الشيخ الغزالي، فقال له: هذا المقال جيد انشره، وأمر بأن يكون افتتاحية المجلة، ثم فُوجئ الشيخ الغزالي برسالةٍ من الأستاذ البنا يقول له فيها: "أخي العزيز الشيخ محمد الغزالي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قرأتُ مقالك "الإخوان المسلمون والأحزاب" فطربتُ لعبارته الجزلة، ومعانيه الدقيقة، وأدبه العفِّ الرصين، هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون.. اكتب دائمًا وروح القدس يؤيدك والله معك. أخوك حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين".
يقول الشيخ الغزالي معقبًا على ذلك: وأصبحتُ بعد هذه الرسالة من كُتَّابِ الجماعةِ الأوائل، واستبشرتُ بأن اللَّهَ سيلهمني الرشد فيما أكتب! وبالفعل أصبح بعدها هذا الشاب: العلامة والداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي.
ولما ذهبَ الأستاذ البنا إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، كان معه عددٌ من الشباب، وكان من بين هؤلاء: الشاب أنور الجندي، وقد فُوجئ يومًا بطلبٍ من الأستاذ البنا يطلب إليه أن يكتب خاطرة، كتابةً لا قولاً، فكتبها، فشجَّعه الأستاذ البنا على ذلك، وطلب منه أن يستمر في الكتابة، وكان هذا التشجيع سببًا بعد توفيق الله في ظهور بحَّاثة وكاتب من عمالقة الفكر الإسلامي هو الأستاذ أنور الجندي.. وظل الأستاذ أنور الجندي رحمه الله طوال حياته واضعًا صورة الأستاذ البنا فوق رأسه، ولما سُئل عن ذلك قال: لن أنسى أبدًا أستاذي الذي شجَّعني وصنع مني كاتبًا، إنني أشعر بروحه معي وتشجيعه كلما نظرت إلى صورته فوق رأسي وأنا أكتب.
الشيخ يوسف القرضاوي
وهو الذي لقي الطالب يوسف القرضاوي يُلقي بقصيدةٍ أمامه، بعنوان: يا مرشدًا قاد بالإسلام إخوانًا، فيقول تعليقًا على قصيدة الطالب الذي كان عمره آنذاك (16 عامًا): إنه لشاعرٌ فحلٌ، ليصبح بعد ذلك الشاعر الموهوب والفقيه الجليل الدكتور يوسف القرضاوي.
وهو الذي أرسل مصطفى مؤمن الطالب بكلية الهندسة، ليذهب إلى الأمم المتحدة في أمريكا، ليعرض قضية مصر، ويتكلم عنها لبلاغته وتمكُّنه في اللغة الإنجليزية.
وهو الذي أرسل الشيخ عبد المعز عبد الستار وهو شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره نيابةً عنه، ليطوف على بلادِ الشام، وبخاصة فلسطين ليقف على أحوالها ويحضر مؤتمرًا عالميًّا عن القدس بحضور الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، وغيرهم كثير، خرجوا من بين أصابع البنا، وصنع منهم وهم فتيان صغار رموزًا كبيرة، وملأ نفوسهم بالأملِ والتشجيع، وشدَّ على أيديهم، وربت على أكتافهم.
ومن خبر ودرس بتعمق مجلات الإخوان المسلمين، وتتبعها تتبع الراصد، يلحظ أمرًا مهمًّا، وهو: أن الأستاذ البنا كان يُمرِّن كُتَّاب الإخوان الصغار الذين ليس لهم خبرة ولا تمرس بالكتابة، فكان يكتب الأستاذ البنا في بابٍ معينٍ كبابِ الفقه والحديث، ويكثر من الكتابةِ لفترةٍ محدودة، ثم بعدها يعهد بالبابِ إلى كُتَّابٍ آخرين من الشباب، ليتمرنوا على الكتابةِ ويعيشوا المناخَ العلمي الذي يجعل الشاب الذي يمتلك رصيدًا هائلاً من الثقافةِ كيف يُعبِّر عن علمه، ويتقن لغة الكتابة العلمية، وقد لاحظتُ هذا الأمر أكثر من مرة، فترى باب الفقه كتب فيه الأستاذ البنا في مجلة الإخوان الأولى مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) فكتب عدة مقالات، ثم بعد ذلك عهد بالباب إلى الأستاذ الشيخ محمد الهادي عطية، وهو محامٍ شرعي ومأذون بالسويس، كما ورد في تعريفه تحت اسمه في نهاية المقال، ترى في أول كتابةٍ لمَن يعهد له البنا بالباب من بعده اختلافًا، وميلاً إلى الكتابة الرتيبة العلمية القديمة، التي هي بعيدة عن أسلوب العصر، وكتابة المجلات، ثم بعد مُدةٍ وجيزةٍ ترى الكاتب قد ارتقى أسلوبه حتى ليقترب إلى حدٍّ كبيرٍ من أسلوب البنا نفسه المعروف بالجمع بين المادة العلمية الرصينة، والأسلوب المعاصر، واللغة الرشيقة، والبيان المشرق، والحجة الناصعة.
هذه بعض جهود الإمام البنا رحمه الله في صناعةِ الرموز، وتكوينهم، وتشجيعهم والأخذ بأيديهم، رغم كثرةِ أعبائه، وزحمةِ أعماله، وضيقِ وقته، فرحم الله الإمام البنا.
http://www.ikhwanonline.net/Article....01&SectionID=0[/align