الإمام حسن البنا وشركاء الوطن 1-2
إن رؤية الإخوان المسلمين لشركاء الوطن – وهم المواطنون من غير المسلمين – تنبع أساساً من عقيدتهم الإسلامية وتمثل ثابتاً من الثوابت عندهم، وتتخذ المظهر الواضح والتطبيق العملى عبر تاريخها الطويل وحاضرها الحالى.
وليس هذا الموقف جديداً فى تاريخ الدعوة، وإنما هو كذلك منذ أن بدأت، وليس به مساحات غامضة كما يدعى البعض بل وضّح مؤسسها الإمام الشهيد كل جوانب هذه العلاقة، كما أن ذلك ليس تكتيكاً أو مناورة تتغير مع الأحداث والمكاسب وإنما تقوم على رؤية شرعية وفهم ثابت لمنهج الإسلام .
ومع هذا الوضوح المنهجى والعملى، إلا أننا نجد بعض اللغط المثار فى هذا المجال نتيجة للحملات الإعلامية الغير محايدة ضد الجماعة وتستهدف تشويه دعوتها أو اجتزاء أقوال ومواقف دعاتها، أو تنسب لأفرادها أفعالاً متطرفة من الآخرين وهم ليسوا ممن تربوا والتزموا بالجماعة، كما أن بعض الجهات تشارك وتتاجر بهذا التشويه نظير مكاسب سياسية على المستوى المحلى أو الدولى.
رؤية الإمام البنا، وهى من ثوابت الإخوان:
يحدد الإمام الشهيد هذه العلاقات بوضوح مرتكزاً على شريعة الإسلام ومنهج رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فهؤلاء المواطنون من غير المسلمين هم شركاء لنا فى الوطن لهم مالنا وعليهم ما علينا.
وهذه الوحدة الوطنية يرفعها الإسلام إلى مرتبة القداسة الدينية، فهى عبادة يحاسب الله u عليها.
يقول الإمام البنا فى ذلك:"..وأن الإسلام الذى قدّس الوحدة الإنسانية العامة فى قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات:13] .
ثم قدّس الوحدة الدينية العامة كذلك، فقضى على التعصب وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعاً، ثم قدّس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة فى غير صلف ولا عدوان فقال تبارك وتعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] .
هذا الإسلام الذى بُنى على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سبباً فى تمزيق وحدة متصلة، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدنى فقط "([1]) .
ويقول - فى نفس الرسالة – " .. يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافى وجود أقليات غير مسلمة فى الأمة المسلمة وينافى الوحدة بين عناصر الأمة، ولكن الحق غير ذلك تماماً " .
"..إن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير،لم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذى لا يحتمل لبساً ولا غموضاً فى حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة:8] ، فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط بل أوصى بالبر والإحسان إليهم "([2]) .
ويقول أيضاً: " فإن الإسلام، وهو دين الوحدة والمساواة كفل هذه الروابط بين الجميع ماداموا متعاونين على الخير"([3]).
ويقول : " ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصرى بين طبقات الأمة، فنحن نعلم أن الإسلام عنى أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بنى الإنسان .. كما أنه جاء لخير الناس جميعاً ورحمة من الله للعالمين، ودين هذه مهمته أبعد الأديان عن تفريق القلوب وإيغار الصدور.. وقد حرم الإسلام الاعتداء حتى فى حالات الغضب والخصومة فقال تعالى: {.. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [ المائدة:8]، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم ... " .
" كما أوصى بإنصاف الذميين وحسن معاملتهم ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا) "([4]) .
ويقول فى رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى:
" والأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة فى كل تعاليمه وأحكامه، وهذا التاريخ الطويل العريض للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعاً – مسلمين وغير مسلمين – يكفينا مؤونة الإفاضة والإسراف، فإن من الجميل حقاً أنهم يقدرون هذه المعانى فى كل المناسبات ويعتبرون الإسلام معنى من معانى قوميتهم وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم " .
ما نقلناه هنا جزء من أقوال وتوجيهات الإمام عبر أكثر من رسالة وفى سنوات مختلفة وذلك يؤكد أن هذه رؤية ثابتة مستمرة منذ قيام الجماعة .. وهو نفس ما سار عليه جميع قادتها، فيشير الأستاذ مصطفى مشهور مرشد الجماعة الأسبق فى رسالة الرؤية الواضحة الموجهة للإخوان المسلمين، إلى أن هذه الوحدة الوطنية تشملها وتؤصلها الهوية الإسلامية، فيقول: " .. اندمجت مصر بكليتها فى الإسلام : عقيدته ولغته وحضارته، ودافعت عنه وذادت عن حياضه، وردت عنه عادية المعتدين، وجاهدت فى سبيله ما وسعها الجهاد بمالها ودم أبنائها .. هذه الهوية الإسلامية لا تقف عند حدود المتدينين بالإسلام فى العالم الإسلامى، وإنما تشمل كذلك الأقليات غير المسلمة التى انصهرت قومياً وحضارياً ووطنياً مع الأغلبيات المسلمة، فإذا كانت الهوية الإسلامية تمثل بالنسبة للمسلم : عقيدة وشريعة وقيماً وحضارة وقومية ووطنية وثقافة وتاريخاً وتراثاً فى الفكر وفى القانون بنفس القدر الذى تمثله بالنسبة للمواطنين غير المسلمين فى هذه الجوانب سواء بسواء " .
ويؤكد الإمام الشهيد على وضوح هذا الموقف:
"..ذلك موقف الإسلام من الأقليات غير المسلمة واضح، ولا غموض فيه ولا ظلم معه"([5]) .
وعن الموقف من الأجانب والشعوب الغربية :
يوضح الإمام البنا ذلك فيقول: وأحب أن أؤكد لحضراتكم تأكيداً قاطعاً أن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين سواء كانت حقوقاً دولية أو كانت حقوقاً وطنية للأقليات غير المسلمة وذلك لأن شرف الإسلام الدولى أقدس شرف عرفه التاريخ "([6]) .
ويقول:"وموقفه من الأجانب موقف سلم ورفق ما استقاموا وأخلصوا فإن فسدت ضمائرهم وكثرت جرائمهم فقد حدد القرآن موقفنا منهم بقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [آل عمران:118] .
وقد حدد الإسلام تحديداً دقيقاً من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم .. { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الممتحنة:9] ، وليس فى الدنيا منصف واحد يكره أمة من الأمم على أن ترضى بهذا الصنف دخيلاً فيها وفساداً كبيراً بين أبنائها ونقضاً لنظام شؤونها " أ. هـ([7]) .
نحن الإخوان لسنا فى عداء مع الإنسان الغربى فى أى قطر كان، فالإنسان من حيث هو إنسان تجمعنا به آصرة الإنسانية، أما موقفنا وحسابنا فإنه مع الإدارة والحكومة الغربية التى تستعبد بلاد المسلمين وتغتصب حقوقهم أو تساند الظالمين المعتدين على ذلك.
الموقف من السلام العالمى والتعاون الدولى :
بل يرفع الإمام ويوجه دعوته للتعاون والسلام العالمى لخير الإنسانية كلها،فيقول:"الإنسانية لها دعامتان قويمتان، لو بنيت عليهما الإنسانية لارتفعت بالبشر إلى علياء السموات :
1- الناس لآدم، فهم إخوان، فعليهم أن يتعاونوا وأن يسالم بعضهم بعضاً ويدل بعضهم بعضاً على الخير.
2- والتفاضل بالأعمال، فعليهم أن يجتهدوا كلٌ من ناحيته حتى ترتقى الإنسانية." رسالة دعوتنا، " فمن دعوتكم أيها الإخوان الأحبة أن تساهموا فى السلام العالمى وفى بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم وتجلية مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها إليهم "([8]) .
إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله فهم ينادون بالوحدة العالمية، لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه، ومعنى قول الله تبارك وتعالى : { قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } [الأنبياء:108]، ثم يسموا وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعاً "([9]) .
ويقول مؤكداً لهذه المعانى من الحرص على السلام والتعاون الدولى ".. ولسنا من الغفلة وضعف الإدراك بحيث نعتقد أن فى وسعنا أن نعيش بمعزل عن الناس، وبمنأى عن الوحدة العالمية التى انطلق من حناجرنا – نحن المسلمين- أول صوت يهتف بها ويدعو إليها ويتلو آيات الرحمة والسلام..ولكننا ندرك أن الدنيا فى حاجة إلى التعاون وتبادل المصالح والمنافع، ونحن على استعداد لمناصرة هذا التعاون وتحقيقه فى ظل مثل عليا فاضلة تضمن الحقوق وتصون الحريات ويأخذ معها القوى بيد الضعيف حتى ينهض " ([10]).
ويتحقق ذلك " .. حين يعود الغرب إلى الإنصاف ويدع سبيل الاعتداء والإجحاف فتزول هذه العصبية وتحل محلها الفكرة الناشئة فكرة التعاون بين الشعوب على ما فيه خيرها وارتقاؤها"([11]) .
ويقول فى رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى تحت عنوان أصول الإسلام كنظام اجتماعى " .. إن الإسلام كان أول وأكمل تشريع خطا فى سبيل إقرار السلام العالمى أوسع الخطوات ورسم لاستقراره أوفى الضمانات التى لو أخذت الأمم بها وسلك الحكام والزعماء والساسة نهج سبيلها لأراحوا واستراحوا ومن ذلك :
1- تقديس معنى الإخاء بين الناس والقضاء على روح التعصب .
2- الإشادة بفضل السلام، وطبع النفوس بروح التسامح الكريم .
3- حصر فكرة الحروب فى أضيق الحدود، وتحريم العداون بكل صوره وإشاعة العدل والرحمة واحترام النظام والقانون حتى فى الحرب نفسها" أ.هـ(باختصار).
ويقول فى نفس الرسالة : " .. ولقد دعم الإسلام هذه المعانى النظرية والمراسم العملية ببث أفضل المشاعر الإنسانية فى النفوس من حب الخير للناس جميعاً والترغيب فى ا لإيثار ولو مع الحاجة .. وتقرير عواطف الرحمة حتى مع الحيوان، فأبواب الجنة تفتح لرجل سقى كلباً وتبتلع الجحيم إمرأة لأنها حبست هرة بغير طعام كما جاء ذلك وغيره كثير من مثله فى أحاديث النبى محمد صلي الله عليه وسلم .
" والتعامل بين المسلمين وبين غيرهم من أهل العقائد والأديان إنما يقوم على أساس المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني..وبذلك قضى الإسلام على كل مواد الفرقة والخلاف والحقد والبغضاء الخصومة بين المؤمنين من أى دين كانوا" .
وفى رسالة اجتماع رؤساء المناطق،عن أسس التعاون مع الدول الأجنبية:
" .. فنحن نطلب أولاً لوادى النيل أن تجلوا عنه الجنود الأجنبية،فلا يكون هناك جيش احتلال فى أية بقعة من بقاعه.. إن كسب القلوب وارضاء النفوس والاعتراف بالحقوق هو أضمن وسيلة لتبادل المنافع والمحافظة على المصالح" .
ويقول أيضا : " .. إننا لا نكره الأجانب ولا نريد أن نقطع صلات التعاون بيننا وبينهم، ونحن نعلم تماماً أننا لا نستغنى عن رؤوس أموالهم وعن خبرتهم الفنية، ولكن لا نريد كذلك أن يكون هذا التعاون على قاعدة أن لهم الغنم وعلينا الغرم، والواجب أن تقدّر كل هذه العوامل الأجتماعية والاقتصادية" .
ويقول: " ونحن نريد بعد ذلك كله ونتمنى للعالم كله أمناً وطمأنينة وسلاماً طويلاً وراحة بال ولا نظن ذلك يتأتى إلا بالعدل والإنصاف ونحن على هذه الفطرة جُبلنا" { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الزخرف:89] أ.هـ .
التحذير من إساءة استخدام ذلك ضد الإسلام والوطن:
يوضح الإمام الشهيد ويحذر أن تتخذ تلك الدعوة للوحدة الوطنية ذريعة لغير حقيقتها، ويرد على التخوفات والشبهات التى يثيرها البعض، فيقول رحمه الله: " .. ولكننا – إلى جانب هذا – لا نشترى هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم فى سبيلها على عقيدتنا، ولا نهدر من أجلها مصالح المسلمين، وإنما نشتريها بالحق والإنصاف وكفى، فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده، وأبنّا له خطأ ما ذهب إليه ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.. "([12]) .
ويقول أيضا: ".. يقول الناس: وما تفعلون بالأجانب وبغير المسلمين من المواطنين؟ فنقول: يا سبحان الله، لقد حلّ الإسلام هذا الإشكال وصان وحدة الأمة عن التشقق والانقسام، وقرر حرية العقيدة والتعبد وما يلحق بهما فقال القرآن الكريم:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [ البقرة 256] ، كما كان شعار التعامل بين المواطنين فى أرض الإسلام دائماً ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ..
على أننا نعود فنقول : أى نظام فى الدنيا – دينى أو مدنى – استطاع أن يفسح فى قلوب المؤمنين به والمتعصبين له والفانين فيه لغيرهم من المخالفين ما أفسح من ذلك الإسلام الحنيف الذى يفرض على المسلم أن يؤمن بكل نبى سبق،وبكل كتاب نزل، وأن يثنى على كل أمة مضت، وأن يحب الخيروأن يكون رحيماً بكل ذى كبد رطبة حتى إن الجنة لتفتح أبوابها الثمانية لرجل أطفأ ظمأ كلب، وتسعر النار بأعمق دركاتها لامرأة حبست هرة [ كما جاء بالحدث النبوى الشريف] هذا الدين الرحيم لا يمكن إلا أن يكون مصدر حب ووحدة وسلام ووئام " من رسالة مؤتمر رؤساء المناطق.
ويرد الإمام البنا فى هذا الشأن فى رسالة نحو النور:
".. الزعم بأن نظم الإسلام فى حياتنا الجديدة، تباعد بيننا وبين الدول الغربية وتعكر صفو العلائق السياسية بيننا وبينها بعد أن كادت تستقر، هو أيضاً ظن عريق فى الوهم، فإن هذه الدول إن كانت تسئ بنا الظنون، فهى لا ترضى عنا سواء تبعنا الإسلام أو غيره، وإن كانت قد صادقتنا بإخلاص وتبودلت الثقة بينها وبيننا فقد صرح خطباؤها وساساتها بان كل دولة حرة فى النظام الذى تسلكه فى داخل أرضها ما دام لا يمس حقوق الآخرين.
فعلى ساسة هذه الدول جميعاً ان يفهموا أن شرف الإسلام الدولى هو أقدس شرف عرفه التاريخ، وأن القواعد التى وضعها الإسلام الدولى لصيانة هذا الشرف وحفظه أرسخ القواعد وأثبتها " .
ويقول الإمام عن هذه الدول الغربية أنها " لا تتأثر إلا بشئ واحد هو ظروفها ومصالحها فقط ولا يعنيها بعد ذلك نصرانية، فقد رأيناها فى الحرب الماضية يحطم بعضها بعضاً .. وكلها مسيحية .. وها هم أولاء جميعاً يناصرون الصهيونية اليهودية – وهى أبغض ما تكون إليهم – لارتباط مصالحهم المادية وأغراضهم الاستعمارية بهذه المناصرة.
وإذن فلن يجدينا شيئاً عندهم أن نتنصل عن الإسلام، ولن يزيدهم فينا بغضاً أن نعلن التمسك به والاهتداء بهديه.
ولكن خطر التنصل من الإسلام والتنكر له عظيم على كياننا نحن، فما دمنا بعيدين عن تشرب روحه وتحقيق تعاليمه فسنظل حائرين فتتحطم معنويتنا متفرقين فتضعف قوتنا .. إننا إن لم نتمسك بالإسلام فلن نكسب رضاهم وسنخسر أنفسنا، فى حين أننا إذا تمسكنا به وتجمعنا من حوله واهتدينا بهديه كسبنا أنفسنا ولا شك، وكان هناك احتمال قوى أن نكسبهم أيضاً بتأثير قوة الوحدة، فأى الرأيين أولى بالاتباع يا أولى الألباب"([13]) .
-------------------
عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
-------------------------
([1]) رسالة نحو النور .
([2]) نفس المرجع .
([3]) رسالة دعوتنا .
([4]) رسالة إلى الشباب .
([5]) رسالة نحو النور .
([6]) من رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين .
([7]) رسالة نحو النور .
([8]) من رسالة اجتماع رؤساء المناطق .
([9]) رسالة نحو النور .
([10]) رسالة اجتماع رؤساء المناطق .
([11]) رسالة دعوتنا في طور جديد .
([12]) رسالة إلى الشباب .
([13]) من رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى – بعنوان ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد باختصار بسيط .
إن رؤية الإخوان المسلمين لشركاء الوطن – وهم المواطنون من غير المسلمين – تنبع أساساً من عقيدتهم الإسلامية وتمثل ثابتاً من الثوابت عندهم، وتتخذ المظهر الواضح والتطبيق العملى عبر تاريخها الطويل وحاضرها الحالى.
وليس هذا الموقف جديداً فى تاريخ الدعوة، وإنما هو كذلك منذ أن بدأت، وليس به مساحات غامضة كما يدعى البعض بل وضّح مؤسسها الإمام الشهيد كل جوانب هذه العلاقة، كما أن ذلك ليس تكتيكاً أو مناورة تتغير مع الأحداث والمكاسب وإنما تقوم على رؤية شرعية وفهم ثابت لمنهج الإسلام .
ومع هذا الوضوح المنهجى والعملى، إلا أننا نجد بعض اللغط المثار فى هذا المجال نتيجة للحملات الإعلامية الغير محايدة ضد الجماعة وتستهدف تشويه دعوتها أو اجتزاء أقوال ومواقف دعاتها، أو تنسب لأفرادها أفعالاً متطرفة من الآخرين وهم ليسوا ممن تربوا والتزموا بالجماعة، كما أن بعض الجهات تشارك وتتاجر بهذا التشويه نظير مكاسب سياسية على المستوى المحلى أو الدولى.
رؤية الإمام البنا، وهى من ثوابت الإخوان:
يحدد الإمام الشهيد هذه العلاقات بوضوح مرتكزاً على شريعة الإسلام ومنهج رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فهؤلاء المواطنون من غير المسلمين هم شركاء لنا فى الوطن لهم مالنا وعليهم ما علينا.
وهذه الوحدة الوطنية يرفعها الإسلام إلى مرتبة القداسة الدينية، فهى عبادة يحاسب الله u عليها.
يقول الإمام البنا فى ذلك:"..وأن الإسلام الذى قدّس الوحدة الإنسانية العامة فى قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات:13] .
ثم قدّس الوحدة الدينية العامة كذلك، فقضى على التعصب وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعاً، ثم قدّس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة فى غير صلف ولا عدوان فقال تبارك وتعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] .
هذا الإسلام الذى بُنى على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سبباً فى تمزيق وحدة متصلة، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدنى فقط "([1]) .
ويقول - فى نفس الرسالة – " .. يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافى وجود أقليات غير مسلمة فى الأمة المسلمة وينافى الوحدة بين عناصر الأمة، ولكن الحق غير ذلك تماماً " .
"..إن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير،لم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح الذى لا يحتمل لبساً ولا غموضاً فى حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة:8] ، فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط بل أوصى بالبر والإحسان إليهم "([2]) .
ويقول أيضاً: " فإن الإسلام، وهو دين الوحدة والمساواة كفل هذه الروابط بين الجميع ماداموا متعاونين على الخير"([3]).
ويقول : " ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصرى بين طبقات الأمة، فنحن نعلم أن الإسلام عنى أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بنى الإنسان .. كما أنه جاء لخير الناس جميعاً ورحمة من الله للعالمين، ودين هذه مهمته أبعد الأديان عن تفريق القلوب وإيغار الصدور.. وقد حرم الإسلام الاعتداء حتى فى حالات الغضب والخصومة فقال تعالى: {.. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [ المائدة:8]، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم ... " .
" كما أوصى بإنصاف الذميين وحسن معاملتهم ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا) "([4]) .
ويقول فى رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى:
" والأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة فى كل تعاليمه وأحكامه، وهذا التاريخ الطويل العريض للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعاً – مسلمين وغير مسلمين – يكفينا مؤونة الإفاضة والإسراف، فإن من الجميل حقاً أنهم يقدرون هذه المعانى فى كل المناسبات ويعتبرون الإسلام معنى من معانى قوميتهم وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم " .
ما نقلناه هنا جزء من أقوال وتوجيهات الإمام عبر أكثر من رسالة وفى سنوات مختلفة وذلك يؤكد أن هذه رؤية ثابتة مستمرة منذ قيام الجماعة .. وهو نفس ما سار عليه جميع قادتها، فيشير الأستاذ مصطفى مشهور مرشد الجماعة الأسبق فى رسالة الرؤية الواضحة الموجهة للإخوان المسلمين، إلى أن هذه الوحدة الوطنية تشملها وتؤصلها الهوية الإسلامية، فيقول: " .. اندمجت مصر بكليتها فى الإسلام : عقيدته ولغته وحضارته، ودافعت عنه وذادت عن حياضه، وردت عنه عادية المعتدين، وجاهدت فى سبيله ما وسعها الجهاد بمالها ودم أبنائها .. هذه الهوية الإسلامية لا تقف عند حدود المتدينين بالإسلام فى العالم الإسلامى، وإنما تشمل كذلك الأقليات غير المسلمة التى انصهرت قومياً وحضارياً ووطنياً مع الأغلبيات المسلمة، فإذا كانت الهوية الإسلامية تمثل بالنسبة للمسلم : عقيدة وشريعة وقيماً وحضارة وقومية ووطنية وثقافة وتاريخاً وتراثاً فى الفكر وفى القانون بنفس القدر الذى تمثله بالنسبة للمواطنين غير المسلمين فى هذه الجوانب سواء بسواء " .
ويؤكد الإمام الشهيد على وضوح هذا الموقف:
"..ذلك موقف الإسلام من الأقليات غير المسلمة واضح، ولا غموض فيه ولا ظلم معه"([5]) .
وعن الموقف من الأجانب والشعوب الغربية :
يوضح الإمام البنا ذلك فيقول: وأحب أن أؤكد لحضراتكم تأكيداً قاطعاً أن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين سواء كانت حقوقاً دولية أو كانت حقوقاً وطنية للأقليات غير المسلمة وذلك لأن شرف الإسلام الدولى أقدس شرف عرفه التاريخ "([6]) .
ويقول:"وموقفه من الأجانب موقف سلم ورفق ما استقاموا وأخلصوا فإن فسدت ضمائرهم وكثرت جرائمهم فقد حدد القرآن موقفنا منهم بقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [آل عمران:118] .
وقد حدد الإسلام تحديداً دقيقاً من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم .. { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الممتحنة:9] ، وليس فى الدنيا منصف واحد يكره أمة من الأمم على أن ترضى بهذا الصنف دخيلاً فيها وفساداً كبيراً بين أبنائها ونقضاً لنظام شؤونها " أ. هـ([7]) .
نحن الإخوان لسنا فى عداء مع الإنسان الغربى فى أى قطر كان، فالإنسان من حيث هو إنسان تجمعنا به آصرة الإنسانية، أما موقفنا وحسابنا فإنه مع الإدارة والحكومة الغربية التى تستعبد بلاد المسلمين وتغتصب حقوقهم أو تساند الظالمين المعتدين على ذلك.
الموقف من السلام العالمى والتعاون الدولى :
بل يرفع الإمام ويوجه دعوته للتعاون والسلام العالمى لخير الإنسانية كلها،فيقول:"الإنسانية لها دعامتان قويمتان، لو بنيت عليهما الإنسانية لارتفعت بالبشر إلى علياء السموات :
1- الناس لآدم، فهم إخوان، فعليهم أن يتعاونوا وأن يسالم بعضهم بعضاً ويدل بعضهم بعضاً على الخير.
2- والتفاضل بالأعمال، فعليهم أن يجتهدوا كلٌ من ناحيته حتى ترتقى الإنسانية." رسالة دعوتنا، " فمن دعوتكم أيها الإخوان الأحبة أن تساهموا فى السلام العالمى وفى بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم وتجلية مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها إليهم "([8]) .
إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله فهم ينادون بالوحدة العالمية، لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه، ومعنى قول الله تبارك وتعالى : { قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } [الأنبياء:108]، ثم يسموا وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعاً "([9]) .
ويقول مؤكداً لهذه المعانى من الحرص على السلام والتعاون الدولى ".. ولسنا من الغفلة وضعف الإدراك بحيث نعتقد أن فى وسعنا أن نعيش بمعزل عن الناس، وبمنأى عن الوحدة العالمية التى انطلق من حناجرنا – نحن المسلمين- أول صوت يهتف بها ويدعو إليها ويتلو آيات الرحمة والسلام..ولكننا ندرك أن الدنيا فى حاجة إلى التعاون وتبادل المصالح والمنافع، ونحن على استعداد لمناصرة هذا التعاون وتحقيقه فى ظل مثل عليا فاضلة تضمن الحقوق وتصون الحريات ويأخذ معها القوى بيد الضعيف حتى ينهض " ([10]).
ويتحقق ذلك " .. حين يعود الغرب إلى الإنصاف ويدع سبيل الاعتداء والإجحاف فتزول هذه العصبية وتحل محلها الفكرة الناشئة فكرة التعاون بين الشعوب على ما فيه خيرها وارتقاؤها"([11]) .
ويقول فى رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى تحت عنوان أصول الإسلام كنظام اجتماعى " .. إن الإسلام كان أول وأكمل تشريع خطا فى سبيل إقرار السلام العالمى أوسع الخطوات ورسم لاستقراره أوفى الضمانات التى لو أخذت الأمم بها وسلك الحكام والزعماء والساسة نهج سبيلها لأراحوا واستراحوا ومن ذلك :
1- تقديس معنى الإخاء بين الناس والقضاء على روح التعصب .
2- الإشادة بفضل السلام، وطبع النفوس بروح التسامح الكريم .
3- حصر فكرة الحروب فى أضيق الحدود، وتحريم العداون بكل صوره وإشاعة العدل والرحمة واحترام النظام والقانون حتى فى الحرب نفسها" أ.هـ(باختصار).
ويقول فى نفس الرسالة : " .. ولقد دعم الإسلام هذه المعانى النظرية والمراسم العملية ببث أفضل المشاعر الإنسانية فى النفوس من حب الخير للناس جميعاً والترغيب فى ا لإيثار ولو مع الحاجة .. وتقرير عواطف الرحمة حتى مع الحيوان، فأبواب الجنة تفتح لرجل سقى كلباً وتبتلع الجحيم إمرأة لأنها حبست هرة بغير طعام كما جاء ذلك وغيره كثير من مثله فى أحاديث النبى محمد صلي الله عليه وسلم .
" والتعامل بين المسلمين وبين غيرهم من أهل العقائد والأديان إنما يقوم على أساس المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني..وبذلك قضى الإسلام على كل مواد الفرقة والخلاف والحقد والبغضاء الخصومة بين المؤمنين من أى دين كانوا" .
وفى رسالة اجتماع رؤساء المناطق،عن أسس التعاون مع الدول الأجنبية:
" .. فنحن نطلب أولاً لوادى النيل أن تجلوا عنه الجنود الأجنبية،فلا يكون هناك جيش احتلال فى أية بقعة من بقاعه.. إن كسب القلوب وارضاء النفوس والاعتراف بالحقوق هو أضمن وسيلة لتبادل المنافع والمحافظة على المصالح" .
ويقول أيضا : " .. إننا لا نكره الأجانب ولا نريد أن نقطع صلات التعاون بيننا وبينهم، ونحن نعلم تماماً أننا لا نستغنى عن رؤوس أموالهم وعن خبرتهم الفنية، ولكن لا نريد كذلك أن يكون هذا التعاون على قاعدة أن لهم الغنم وعلينا الغرم، والواجب أن تقدّر كل هذه العوامل الأجتماعية والاقتصادية" .
ويقول: " ونحن نريد بعد ذلك كله ونتمنى للعالم كله أمناً وطمأنينة وسلاماً طويلاً وراحة بال ولا نظن ذلك يتأتى إلا بالعدل والإنصاف ونحن على هذه الفطرة جُبلنا" { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الزخرف:89] أ.هـ .
التحذير من إساءة استخدام ذلك ضد الإسلام والوطن:
يوضح الإمام الشهيد ويحذر أن تتخذ تلك الدعوة للوحدة الوطنية ذريعة لغير حقيقتها، ويرد على التخوفات والشبهات التى يثيرها البعض، فيقول رحمه الله: " .. ولكننا – إلى جانب هذا – لا نشترى هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم فى سبيلها على عقيدتنا، ولا نهدر من أجلها مصالح المسلمين، وإنما نشتريها بالحق والإنصاف وكفى، فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده، وأبنّا له خطأ ما ذهب إليه ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.. "([12]) .
ويقول أيضا: ".. يقول الناس: وما تفعلون بالأجانب وبغير المسلمين من المواطنين؟ فنقول: يا سبحان الله، لقد حلّ الإسلام هذا الإشكال وصان وحدة الأمة عن التشقق والانقسام، وقرر حرية العقيدة والتعبد وما يلحق بهما فقال القرآن الكريم:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [ البقرة 256] ، كما كان شعار التعامل بين المواطنين فى أرض الإسلام دائماً ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ..
على أننا نعود فنقول : أى نظام فى الدنيا – دينى أو مدنى – استطاع أن يفسح فى قلوب المؤمنين به والمتعصبين له والفانين فيه لغيرهم من المخالفين ما أفسح من ذلك الإسلام الحنيف الذى يفرض على المسلم أن يؤمن بكل نبى سبق،وبكل كتاب نزل، وأن يثنى على كل أمة مضت، وأن يحب الخيروأن يكون رحيماً بكل ذى كبد رطبة حتى إن الجنة لتفتح أبوابها الثمانية لرجل أطفأ ظمأ كلب، وتسعر النار بأعمق دركاتها لامرأة حبست هرة [ كما جاء بالحدث النبوى الشريف] هذا الدين الرحيم لا يمكن إلا أن يكون مصدر حب ووحدة وسلام ووئام " من رسالة مؤتمر رؤساء المناطق.
ويرد الإمام البنا فى هذا الشأن فى رسالة نحو النور:
".. الزعم بأن نظم الإسلام فى حياتنا الجديدة، تباعد بيننا وبين الدول الغربية وتعكر صفو العلائق السياسية بيننا وبينها بعد أن كادت تستقر، هو أيضاً ظن عريق فى الوهم، فإن هذه الدول إن كانت تسئ بنا الظنون، فهى لا ترضى عنا سواء تبعنا الإسلام أو غيره، وإن كانت قد صادقتنا بإخلاص وتبودلت الثقة بينها وبيننا فقد صرح خطباؤها وساساتها بان كل دولة حرة فى النظام الذى تسلكه فى داخل أرضها ما دام لا يمس حقوق الآخرين.
فعلى ساسة هذه الدول جميعاً ان يفهموا أن شرف الإسلام الدولى هو أقدس شرف عرفه التاريخ، وأن القواعد التى وضعها الإسلام الدولى لصيانة هذا الشرف وحفظه أرسخ القواعد وأثبتها " .
ويقول الإمام عن هذه الدول الغربية أنها " لا تتأثر إلا بشئ واحد هو ظروفها ومصالحها فقط ولا يعنيها بعد ذلك نصرانية، فقد رأيناها فى الحرب الماضية يحطم بعضها بعضاً .. وكلها مسيحية .. وها هم أولاء جميعاً يناصرون الصهيونية اليهودية – وهى أبغض ما تكون إليهم – لارتباط مصالحهم المادية وأغراضهم الاستعمارية بهذه المناصرة.
وإذن فلن يجدينا شيئاً عندهم أن نتنصل عن الإسلام، ولن يزيدهم فينا بغضاً أن نعلن التمسك به والاهتداء بهديه.
ولكن خطر التنصل من الإسلام والتنكر له عظيم على كياننا نحن، فما دمنا بعيدين عن تشرب روحه وتحقيق تعاليمه فسنظل حائرين فتتحطم معنويتنا متفرقين فتضعف قوتنا .. إننا إن لم نتمسك بالإسلام فلن نكسب رضاهم وسنخسر أنفسنا، فى حين أننا إذا تمسكنا به وتجمعنا من حوله واهتدينا بهديه كسبنا أنفسنا ولا شك، وكان هناك احتمال قوى أن نكسبهم أيضاً بتأثير قوة الوحدة، فأى الرأيين أولى بالاتباع يا أولى الألباب"([13]) .
-------------------
عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
-------------------------
([1]) رسالة نحو النور .
([2]) نفس المرجع .
([3]) رسالة دعوتنا .
([4]) رسالة إلى الشباب .
([5]) رسالة نحو النور .
([6]) من رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين .
([7]) رسالة نحو النور .
([8]) من رسالة اجتماع رؤساء المناطق .
([9]) رسالة نحو النور .
([10]) رسالة اجتماع رؤساء المناطق .
([11]) رسالة دعوتنا في طور جديد .
([12]) رسالة إلى الشباب .
([13]) من رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى – بعنوان ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد باختصار بسيط .