hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    الغلو في فهم الدين *- سببه وعلاجه

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

     الغلو في فهم الدين *- سببه وعلاجه Empty الغلو في فهم الدين *- سببه وعلاجه

    مُساهمة  Admin الخميس 14 يوليو 2011 - 21:41

    الغلو في فهم الدين *- سببه وعلاجه- (1- 2)
    الدكتور الصادق الغرياني
    الغلو في الدين أمر مذموم يسيء إلى الدين نفسه, كما أن صاحبه خاسر, لأنه مصر على باطله من حيث يرى أنه يحسن صنعا, والإسلام دين الاعتدال, وقد جعل الله تعالى هذه ألأمة أمة وسطا وأمر بالاعتدال في كل شيء حتى في العبادة, وقال صلى الله عليه وسلم: (( هلك المتنطعون )) 1 , وقال صلى الله عليه وسلم: ((.... يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين, فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))2 .



    سبب الغلو الكتب المشوشة والعقول الفارغة:

    ليس كل ما انتحل الطب طبيبا, ولا من ادعى العلم عالما, ولا كل من كتب كتابا إسلاميا يؤخذ عنه, فإن المطابع تخرج كل يوم للناس أعدادا من الكتب الإسلامية , فيها الغث والسمين , من الكتب مالا يحمل علما ولا رسالة, وإنما ليدر ربحا ويقبض صاحبه ثمنا, وفي سبيل ذلك يأتي مؤلفه ببعض الطامات والغرائب غير المألوفة للناس , فيلفت الانتباه, ويروج في السوق, ومن الكتب المحسوبة على الإسلام من ينتحل مؤلفا أفكارا إلحادية هدامة, أو مفاهيم متطرفة تنقض على أركان الدين وقواعده كلها فتنسفها نسفا, ومع ذلك لا تزال هي كتبا إسلامية, وتقدم للناس على أنها المفاهيم الصحيحة للدين التي جاء بها القرآن , ويجب في زعمهم العض عليها بالنواجذ, ومن خالفها في زعمهم ابتدع, وترك القرآن , وخلع ربقة الإسلام, وكفر بالله من بعد إيمان.

    ومن الكتاب من يسلك في ترويج باطله هذا مسلكا غريبا, يغلفه بالقرآن, ويقول: لا نريد سواه, فيأتي بالآية ويقطعها عن سابقها ولاحقها ويفسرها على هواه, كما فعلت الخوارج والرافضة من قبل, رافضين كل مصدر للتشريع غير القرآن, مكذبين بكل الموروث العظيم من تراث المسلمين, بحجة أن في القرآن تبيانا لكل شيء, وأن الله تعالى لم يفرط في كتابه من شيء, والقرآن من هذه الدعوى براء, فالقرآن هو القائل: (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))3 , وهو القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)) 4 , وهو القائل: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا))5 , وهو الذي يدعو إلى الاعتبار والاستنباط وقياس الأحكام ويقول : (( فاعتبروا يا أولي الأبصار))6 .

    وحاشا أن يكون في تطبيق القرآن عيب, أو يكون في كتاب الله تعالى نقص, ولكن العيب في الفهم السقيم.

    هذا نوع من الغلو, يتمثل في التحرر من أوامر الدين, والضرب بكثير من تكاليفه المسلم بها عرض الحائط, وهناك نوع من الغلو على الطرف المقابل, يتمثل في فهم التكاليف والأحكام الشرعية فهما غريبا, يعطي للسنن والندوبات منزلة الواجبات, وللمكروهات مرتبة المحرمات, ويدخل أنواعا من المحرمات في باب المكفرات, فيسرف في تضليل الناس وتكفيرهم ويستخف بسلف الأمة, ويتعالى على الأئمة الذين أسسوا المدارس الفقهية ويعد اتباع هذه المدارس والانتساب إليها سبة, كل ذلك تحت اسم العمل بالكتاب والسنة, وتؤلف الكتب في هذا وذاك, وتقع مثل هذه الكتب في يد الصغار من الشباب, والعامة من الناس, الذين لم يسعدهم الحال بثقافة إسلامية أصلية, ولم ينالوا حظهم من العلم الشرعي الصحيح, فيغترون بما فيها من آراء أصحابها, وتستقر في عقولهم لعدم وجود البديل الصالح, ويعتنقونها بحماس شديد, وعصبية عمياء, ويرون أن الموت من أجلها استشهاد في سبيل الله , مع أنه قد يكون من تلك الأفكار المحسوبة على الدين أن الواحد منهم يكفر المجتمع بأسره, فلا يصلي مع الناس جمعة ولا جماعة, , ولا يأكل ذبائحهم , و يرى أنه لا يجوز له المقام معهم, لما هم عليه من المنكر والمعاصي, أو أنه لا يصلي على الإطلاق, ولا يحج ولا يصوم, إن كان ممن يدعي التحرر ونشأ في الاستغراب, لأنه يرى أن تلك (طقوس) ليست في الدين ذات بال.



    علاج ولكن لا يفيد:

    منع انتشار هذه الأفكار لا يعالج بالرقابة على الكتب والحيلولة بينها وبين الناس, فإن ذلك لا يفيد, بل قد يزيد الرغبة فيها والحرص على شرائها بأغلى الأثمان, فتروج في السوق ويثري أصحابها ويكون لهم شأن بين الناس, ويشجعهم ذلك على المزيد من نشر آثامهم, فإن كل ممنوع مرغوب, وما أمر الكتاب المسمى ( الآيات الشيطانية) عنا ببعيد, كتاب لا يعد شيئا ذا بال في موضوعه الرواية, تصدر قائمة أكثر الكتب بيعا في العالم, بفضل المنع والحظر والإعلام وحديث الناس ومظاهرات الاستنكار.... الخ, وأثرى مؤلفه من ورائه فصار ( مليونير ) بين عشية وضحاها, ولو سكت المسلمون عن الكتاب, وتركوه يعرض دون ضجيج, لحرموه الفرصة الذهبية, التي ما كان مؤلفه يحلم بها, ولبقي الكتاب كمًا مهملا لا يأبه له أحد, وفي ذلك ما يكفي للقضاء عليه دون أن يكلف المسلمون أنفسهم شيئا.

    ولا يعالج منع انتشار هذه الأفكار أيضا بالقوة والقهر, فإن الإنسان يستطيع أن يأخذ محفظة نقود أحد الناس بالقوة, ولكن الحيلولة بينه وبين أفكاره مما لا سبيل إليه, بل ربما أدى ذلك إلى مزيد الاستمساك بها وإن كانت خاطئة , والأفكار لا تموت حتى بعد موت أصحابها.



    العلاج الناجع علاج السبب:

    والعلاج الناجع لأي مرض يكون بعلاج أسبابة, وإعطاء الناس المصل الواقي من عدواه, وتحصينهم من آفاته.

    والوقاية دائما خير من العلاج, فإذا أراد مجتمع ما, منع التيارات المتطرفة والأفكار الخاطئة من الانتشار, فعليه أن يتيح الفرصة الكافية للمفاهيم الصحيحة للثقافة الدينية, بتقديم البديل السوي المقنع, الذي يملأ الفراغ الموجود في عقول الشباب, وذلك عن طريق المناهج العلمية الرصينة, وتوسيع قاعدة التعليم الديني الصحيح المتدرج, ليأخذ الدروس الأكاديمية المقننة المسئولة في الثقافة الإسلامية والعلوم الدينية مكانها, في المدارس والمعاهد و الجامعات والمساجد, فإن الناس في حاجتهم إلى معرفة دينهم ومعتقداتهم كحاجتهم إلى الماء والهواء, إذا وجدوا هواء نقيا وماء صافيا, أنفوا ورود المستنقعات, وهربوا بأنفسهم من الوخم والتلوث, وإذا لم يجدوا الشراب الزلال كرعوا في المستنقعات, وانتقلت العدوى منهم إلى الأصحاب, فتنعكس اللآثار السيئة من ذلك على المجتمع بأسره.



    العوامل المساعدة على تكوين ثقافة دينية سوية:

    وفي إطار تقديم البديل الصحيح يجب الاعتناء بالشمول والعمق في المواد المقررة, دون الاكتفاء بإعطاء المعلومات الضحلة, ويعتني بصفة خاصة بالجانب التربوي لتلقي العلم الشرعي, ونوعية القارئ, ليعرف كيف يكوِن ثقافته الدينية على نحو سوي, دون شطط أو غلو, آخذ بالآداب الشرعية التي وضعها علماء المسلمين الأوائل للعالم والمتعلم.

    وفيما يلي التنبيه إلى أهم هذه الأمور التي تساعد القارئ على تكوين الثقافة المطلوبة التي لا غلو فيها ولا تفريط:

    1- التمييز بين الكتب الثقافية وكتب الحلال والحرام:

    يجب التمييز بين الكتب الإسلامية التي وضعت أساسا لبيان الحلال والحرام, وهي ما تعرف بكتب الفقه والأحكام, وبين الكتب العامة, التي تعتني بالتوجيه والتثقيف وإيقاف الناس على محاسن الإسلام, وحضهم على التمسك بتلك المحاسن, ليعيشها المسلم سلوكا حيا وأسلوب حياة.

    والفرد المسلم محتاج إلى هذين النوعين من الكتب لا يستغني عنهما, لكنه ينبغي أن يحسن التفريق بينهما, فلا يأخذ الفتوى وأحكام الحلال والحرام من الكتب التثقيفية الموضوعة للتوجيه العام, لأن هذه الكتب مصممة أساس لتقديم فكرة ما, يقصد أن يكون لها تأثير ايجابي على سلوك القارئ, وقد يستشهد المؤلف على صحة فكرته هذه وإقناع الناس بها بعدد من الجزئيات والمواقف في السيرة النبوية, والأحاديث, وأعمال الصحابة, وأقوال السلف, وهذه الجزئيات والشواهد قد تقيم في مجموعها حجة على صحة تلك الفكرة قطعا, ولكن ليس بالضرورة أن تكون كل جزئية منها على حدة صالحة للاستدلال, طبقا لعلم الجرح والتعديل, وقانون قبول العلم واستنباط الأحكام.

    والمؤلف ما قصد من هذه الشواهد التي ساقها أن تكون كل جزئية منها دليلا بنفسها على فكرته, وإنما أتى بعدد منها لتتضافر في مجموعها على إثبات ما يريده فلو أخذ القارئ فتوى شرعية من مثل هذه الجزئيات, سواء كانت أحاديث أو آثارا لكان مخطئا, لأنه استعمل النص في غير ما أراده مؤلفه, وهذا ينطبق أيضا على الأشرطة التثقيفية, المقصود منها في الغالب التذكير والوعظ والتثقيف, وليس بيان أحكام الحلال والحرام, فليست هي الأخرى مصدرا تؤخذ منه الفتوى.


    2- التدرج في القراءة :

    وإذا كان القارئ لا يستغني عن هذين النوعين من الكتب الإسلامية , فإنه ينبغي أن يتدرج في قرأتها حسب أولوياتها , فيتعلم أولا ما هو من فرض العين, الذي لا يعذر المسلم بجهله به عند الله يوم القيامة, وذلك الإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر وما فيه, ومعرفة أحكام الطهارة بأنواعها, وكذلك الصيام والزكاة والحج وما يحتاج إليه كذلك من المعاملات, فلا يقدم على شيء من ذلك حتى يعرف فيه حكم الله تعالى 7, ثم يأخذ بعد ذلك في قراءة كتب السيرة آثار السلف الصالح لتتربي نفسه على القدوة الحسنة, والتأدب بآداب العلماء والصالحين, ويتدرج بعد ذلك في أنواع الثقافة والمعارف الإسلامية بما يناسب قدراته واستعداده, ولا يتخطى هذه الأولويات الضرورية ويقفز, ليشغل نفسه ابتداء من القضايا الشائكة في علم الكلام ومسائل الفلسفة والجدل, مثل؛ هل أصحاب المعاصي كفرة أو مسلمون, وهل الإنسان مسير أو مخير, وهل الله عز وجل يريد الشر أو لا يريده, وما إلى ذلك من القضايا التي تمثل الترف الفكري, الذي لا يحتاجه كل أحد.

    وبدلا من ذلك يشغل القارئ وقته بعد أن يتعلم ما تقدم من فروض العين بكتب الثقافة الإسلامية النافعة وتفاسير القرآن التي تتفق مع مداركه, وتجعله يفهم أن ما تعلمه من العقيدة وأركان الإسلام يحتم عليه أن يكون الإسلام في نفسه عملا وسلوكا ومنهج حياة, في ليله ونهاره, في أخذه وعطائه, في بيته مع أهله وأولاده, في تعامله مع الناس, وفي وظيفته, حتى يؤدي عمله بما يرضي الله تعالى, فقد أصبح الإيمان ضعيفا في النفوس, لا يحركها إلى العمل, ولا يحملها على الأنصاف والوقوف عند الحدود والحقوق, وتحول نوره من شعلة تنير قلب مسلم, وتجعله يهب لكل مكرمة وفضيلة, وتحجزه عن كل نقيصة, ورذيلة, تحول إلى مجرد كلمات يرددها على لسانه, ويناقضها بسلوكه وتصرفاته, وكأن الإيمان مجرد وظائف تلقائية شكلية, تصدر عن الإنسان كما تؤدي الآلة وظيفتها, دون اتصال بالله تعالى, ومراقبة وخوف منه.


    زهد الناس في علم الفقه :

    وقد زهد الناس اليوم في علم الفقه, خصوصا في تعليم فرائض الإسلام المتعلقة بأركانه, وهي معرفة ما يصحح الإيمان, ومعرفة الطهارة بأنواعها وأحكام الصلاة وباقي أركان الإسلام- زهدوا فيها زهدا عن جهل في كثير من الأحيان, حتى إنك لتجد كثيرا من ذوي المؤهلات العالية في التخصصات المختلفة في الجامعات والمؤسسات العلمية وفي غيرها تجد منهم من لا يحسن الوضوء, ولا غسل الجنابة ولا التيمم, ولا يعرف معنى السنة الراتبة ولا زكاة ماله, ويمنعه كبرياء المؤهل أن يتعلم ذلك, زاعما أن هذه أمور أولية معلومة لكل الناس, يعرفها الصغار, ويتعلمونها في أعمارهم الأولى, وليست هي من علوم الكبار.

    وسرت عدوى التزهيد في تعلم هذه الفرائض وفي علم الفقه إجمالا إلى بعض الكتاب الإسلاميين, فتأثروا بأقوال القاعدة العريضة من المثقفين ثقافة عصرية – وزادهم من الثقافة الإسلامية قليل – فصاروا هم أيضا يقللون من أهمية الدراسات الفقهية, وتعلم الحلال والحرام, بحجة أن المجتمع الإسلامي بحاجة إلى من يقوم سلوكه, ويقدم له الإسلام على أنه منهج حياة, ليأخذ بيده إلى آفاق العلم وميادين الاختراعات, وكأن الفقه عدوُ التقدم.

    ولا يتحرج الواحد من هؤلاء أن يلقى كلاما على عواهنه غير مسؤول, كأن يقول مثلا: الغرب يخترع أدق الأجهزة ويرسل المركبات إلى الفضاء ونحن نختلف هل اللمس ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء, ويحتج على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان داعيا , ولم يكن غير ذلك.

    وهذه مغالطة شنيعة, فما كانت الدعوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فقها بما تحمله هذه الكلمة في أوسع معانيها, فقها بتقويم النفوس وتربيتها لتأخذ بأسباب القوة ونشر العلم والعدل والحق, ليتبوأ المسلمون المكان اللائق بهم على الأرض, وفقها و فقها بتعليم الناس وما يجب عليهم وما لا يجب, وما يصح به عملهم, ليكون مقبولا عند الله تعالى, وما يفسد به إذا اختلت أركانه وشروطه.

    ولم يكن الفصل بين المعنيين لكلمة الفقه قائما بين الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان يعلمهم أول ما يعلمهم أركان الإسلام ومسائل الطهارة والغسل والصلاة, بل كان صلى الله عليه وسلم يعتني بتعليمهم آداب الاستنجاء والدخول إلى الخلاء, ففي الصحيح أن أحد المشركين قال لسليمان: (( إني أرى صاحبكم يعلمكم, حتى يعلمك الخراءة, فقال: أجل, إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة, ونهى عن الروث العظيم))8 , وكان صلى الله عليه وسلم يقول للذي يترك لمعة على قدمه لم يصلها الماء بعد أن توضأ: (( ويل للأعقاب من النار))9 , ويأمره بأن يرجع ويحسن وضوءه, ويقول للذي صلى صلاة اختلف فيها الشروط والأركان: (( ارجع فصل , فإنك لم تصل)), ويبن له بعد ذلك أركان الصلاة وشروطها.

    وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على علمهم وفضلهم وفهمهم الصحيح لدين الله تعالى يعتنون بتعلم الوضوء وتعليمه, وهم كبار, وكانوا يجلسون إلى واحد منهم ليشاهدوه يتوضأ وضوءا متقنا, يشبه وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم, ففي الصحيح: (( أن عثمان بن عفان توضأ بالمقاعد, وعنده رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم توضأ ثلاثا)) 10, وفي الصحيح : (( قيل لعبد الله ابن زيد: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم)) 11.

    وقد اشتهر جماعة من الصحابة بالفقه ومعرفة الحلال والحرام , كانوا مرجعا للناس في الفتوى ومعرفة الأحكام.

    والقول بأن الغرب استولى على الفضاء ونحن لازلنا نختلف على نواقض الوضوء قول ليس فيه شيء من الفقه في الدعوة إلى الله تعالى, ولا هو في ميزان العقل مقبول, فها معنى هذا أن المسلمين كانت لهم المقومات التي تمكنهم من إرسال المركبات إلى الفضاء وعاقهم عن ذلك انشغالهم بنواقض الوضوء؟؟؟ وهل تقدمت الأمم الأخرى في الغرب, ووصلت إلى ما وصلت إليه بعد أن قفلت جميع أقسام التخصصات في جامعاتها, ولم تترك إلا قسم الاختراعات والفضاء, وإذا لم تقم بقفلها, فلماذا لم يعقها مثلا التخصص في آدابها القديمة وفي تراثها, أو في شعر (شكسبير) وغيره, عن الاختراعات والعلوم, كما عاقنا نحن المسلمين الانشغال بنواقض الوضوء عن الصعود إلى الفضاء!؟.

    فما هكذا تورد الإبل, ولا تصلح الأمم, فالأمة محتاجة إلى كل فرع من فروع المعرفة الدينية والدنيوية, ولا يترك علم لأجل آخر, فما تركت الأمة من علم فاتها, وما تعلمته عاد عليها نفعه, فلا تترك التجارة من أجل التفوق في الحدادة, ولا الهندسة من أجل النبوغ في الطب, ولم يكن علماء المسلمين في ازدهار الدولة الإسلامية يعرفون هذا التفريق البغيض, ولا يغمزون بالطعن في تعليم الفرائض الأولية في الدين, استرضاء أو مجاراة لأهل الشرق أو الغرب , أو للمتأثرين بهم من أبناء الإسلام, بل هم الذين فرعوا هذه المسائل الفقهية التي ننكرها, وشققوها, وكان العالم منهم في أي فرع من فروع المعرفة نبغ؛ كالهندسة أو الرياضيات أو الكيمياء أو البصريات أو الجغرافيا أو الطب – غالبا ما يكون فقيها أو مفسرا أو نحويا أو أدبيا في الوقت نفسه.

    وقد قل في الناس اليوم على مستوى العالم الإسلامي الفقيه المؤهل للفتوى واستنباط الأحكام بجدارة, وتطبيقها على واقع الناس, على كثرة العلماء الذين يكتبون في الموضوعات العامة التثقيفية, أو يتحدثون فيها, وكأن التزهيد في الدراسات الفقهية المتخصصة بدأ يؤتي ( ثماره) فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, وقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك, جاء في الحديث الصحيح: (( إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا, ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم, فيبقى ناس جهال يستفتون, فيفتون برأيهم, فيضلون ويضلون))12


    3- أخذ العلم عن أهله:

    ينبغي لطالب الثقافة الدينية, وهو يتلمس طريقه لأخذ العلم الشرعي سواء كان عن طريق الفتوى والمشافهة في الدروس, أو عن طريق الكتب قراءة واطلاعا- ينبغي أن يعرف أن هذا العلم دين فلينظر عمن يأخذ دينه, فإذا كان مؤلف الكتاب , أو العالم الذي يعطي الفتوى ويدرس ضعيف الدين, من علماء السوء, لا يتقي الله, ولا يتورع عن الحرام, ولا يقف عند حدود الله, يعطي الفتوى وضدها, ليأخذ المال أو ليحافظ على منصب أو جاه, فلا يقلده دينه, ولا يأخذ بفتواه, كذالك إذا كان المفتي قليل العلم, يخلط في المسائل , ويتسرع في الفتوى, ولا يتأنى بالرجوع إلى المصادر, فلا يأخذ عنه, يقول الإمام مالك: (( لقد أدركت سبعين ممن يقول, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين – وأشار إلى المسجد – فما أخذت عنهم شيئا وإن أحدهم لو اؤتمن على بيت مال لكان أمينا, إلا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن))13 . وفي مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين: ((إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)).


    وكان ابن أبي جمرة يسمي العالم الذي لا يخشى الله ولا يعمل بعلمه – يسميه صانعا من الصناع, كالحداد والخياط, ولا يسميه عالما, خوفا منه – رحمه الله تعالى – على منصب العلم أن ينتسب إلى غير أهله14 .


    4- معرفة الإنسان قدر نفسه :

    على الإنسان أن يعرف قدر نفسه, فلا يغتر, ولا يدعي العلم لما لم يعرف وإذا جلس مع أهل التخصص في فرع من فروع المعرفة وهو ليس منهم, فليعط القوس باريها, وليجلس مجلس المتعلم المستفيد, لا مجلس الجاهل الغبي, الذي يستولي على المجلس بكلامه, فيحرم الفائدة , ولا يجد لكلامه أذنا صاغية, والذي لا يعرف قدره, ويفتي في غير علمه, لمجرد أنه قرأ كتابا أو كتابين في علم ما, وألم ببعض مسائله يسئ إلى نفسه, وليس هو بقادر على إقناع الناس برأيه, فإذا كان الإنسان في مجلس, وجرى ذكر مسألة من المسائل, فلا يسبق أصحابها بالكلام , فإن كانت المسألة في التجارة والحساب تركها لأهل التجارة والحساب, وإن كانت في القانون تركها لأهل القانون, وإن كانت في الحلال والحرام تركها لأهل الشرع.

    وقد كثر في الناس اليوم من يتجرأ على الفتوى, فيتصدر المجالس, ويصدر الأحكام, وهو لا يحسن قصار السور, ولم يعرف من الحديث أسماء كتبه المشهورة, ناهيك بقراءتها, ولم يقرأ من الفقه كتابا, وكل زاده أنه اطلع على بعض كتب الحديث المختصرة من غير شروح مثل (( الترغيب والترهيب)) أو ((رياض الصالحين)).

    ورحم الله تعالى الإمام مالكا حين قال : (( ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس, حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل وأهل الجهة (التخصص) في المسجد, فإن رأوه أهلا لذلك جلس, وما جلست حتى شهد سبعين شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك)) 15, وكان يقول: (( لا خير فيمن يرى نفسه بحالة لا يراه الناس لها أهلا))16 , وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : (( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)) 17.


    5- التعصب مذموم والخطأ لا يسلم منه أحد:

    من الأشياء البغيظة في العلم, التعصب للرأي لمجرد كونه رأي فلان أو علان, وتخطئه الرأي الآخر, ورميه بالضلال والبطلان, وأحيانا تكفير صاحبه كما يفعل المتعصبين في أيامنا ممن ينتمون إلى العلم, وتبعهم في ذلك صغار من الشباب على قلة في العلم, فصارو يكيلون التكفير للمسلمين جزافا, ويخطئون الأئمة وهم لا يزالون غمانا سنا وعلما, ولم يسمعوا بأمهات الكتب في علوم الحديث وعلوم الفقه وأصوله, ولا يحسنون النطق بأسمائها, بله قراءتها وفهمها, ومع ذلك تجد الواحد منهم يضعف الحديث ويقويه, ويقول (( مذهب مالك ضعيف, وأخطأ الشافعي في كذا, وفلان مدلس, وفلان ضعيف , وهذا الحديث مرسل, وهذه رواية شاذة, ولو سألته ما هو الشاذ لتوقف حمار الشيخ في العقبة, فهو كالحادي وليس له بعير, حتى صارت كلمة (مالكي) أو شافعي) عندهم سبة, ولقبا من ألقاب الذم, إذا أطلقوها فيما بينهم على شخص فإنهم ينعتونه بها لينتقصوه, وليصموه بالخروج عن منهج السلف والجماعة في زعمهم.

    والإنسان عليه أن يعرف – وهو يأخذ العلم - أن الخطأ لا سلم منه لأحد إلا المعصوم بالوحي, فلو قال لك شخص : إن العالم الفلاني, أو المحدث الفلاني لا يخطئ , فهو يكذب عليك, فلا تشغل نفسك به.

    وللإنسان أن ينتصر لقول من أقوال أهل العلم, ويدافع عنه إذا رآه صوابا, كانت له قدرة على التصويب والنظر في الأدلة, فيعتنق ذلك الرأي ويدين الله تعالى عليه, ذلك أمر محمود, لأن كل إنسان مأمور بأن يأخذ في دينه بما يراه صوابا, إن كان قادرا على الإختيار بمعيار القوانين التي وضعها العلماء, ولكن لا ينبغي له أن يسيء إلى من يخالف رأيه من العلماء في مسائل الاجتهاد, ويسفه أقوالهم, فليس اجتهاد أولى من اجتهاد, وخصوصا إذا كانوا من الأئمة الذين هم أهل الاجتهاد والاستنباط, الملتزمين بشروط العلم وقوانينه في استنباطهم واجتهادهم, فهؤلاء جميعا يستحقون التقدير والترحم, ويجدر النظر إلى أعمالهم بالثناء الجميل والإكبار, لفضلهم على الناس بما بذلوا من جهد مثمر, ووقت نفيس في نقل العلم واستنباط الأحكام وإثراء المعارف الإسلامية برصيد ضخم من النصوص ذات القيمة التشريعية الفذة, ولأولاهم لما وصل إلينا شيء من العلم الذي نتعالى اليوم عليهم به.


    وقد كان دأب السلف من العلماء, وسنتهم, أنهم يتناظرون في العلم ويختلفون في الاجتهاد , ويختط الواحد منهم لنفسه المنهج الذي يعتقده صوابا, ويرى أنه مطالب بأن يدين الله تعالى عليه, لكنه ثناء الأئمة على بعضهم يضيق عليها هذا المقام, يقول الإمام الشافعي عن كتاب الموطأ للإمام مالك: (( ما رأيت كتابا ألف في العلم أكثر صوابا من موطأ مالك)) 18

    واشتهر على لسان كثير من الأئمة في المسائل الاجتهادية: (( رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب))19 , وكان الإمام الشافعي يقول: (( وددت أن الناس تعلموا هذا العلم, ولا ينتسب إلي شيء منه , وأوجر عليه ولا يحمدوني))20 , وطلب هارون الرشيد , وهو خليفة من الإمام مالك أن يلزم الناس في جميع البلاد الإسلامية بما في كتابه الموطأ وترك ما سواه من الأقوال المخالفة, فمنعه من ذلك, وكان يقول: (( إنما أنا بشر أخطأ وأصيب))21 .

    وكانوا يرون أن من بركة العلم التواضع وإنكار الذات, وأن من استفاد شيئا يضيفه إلى قائله, ولا يسطو عليه, يقول أبوعبيد القاسم بن سلام: (( من شكر العلم أن تستفيد الشيء, فإذا ذكر لك قلت: خفي علي كذا وكذا, ولم يكن لي به علم حتى أفادني فلان فيه كذا وكذا, فهذا شكر العلم))22 .

    وهذه الروح روح التواضع والإنصاف ضرورية لكل عالم ومتعلم يريد الخير لنفسه ونفع الناس بعلمه , ومناشدة الحق والعمل به, والعلم الذي يلمح للقارئ بين سطوره الغرور والتعالي والانتصار للنفس والثناء عليها علم لا خير فيه, لأن ذلك دليل عدم الإخلاص وأن مؤلفه يريد ببضاعته الدنيا.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    * عن كتاب ( أساسيات الثقافة الإسلامية)

    1- مسلم 4/2055, والتنطع: الغلو والتكلف والتعمق فيما لا ينبغي.

    2- ابن ماجه 2/1008.

    3- الحشر آية 7

    4- النساء آية 65

    5- النساء آية 115

    6- الحشر آية 2

    7- انظر الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص 21

    8 - مسلم 1/224

    9 - البخاري مع فتح الباري 1/276, ومسلم 1/215

    10 - - مسلم 1/207, والمقاعد: موضع أعده رضي الله عنه للقعود فيه لقضاء حوائج الناس, والوضوء وغيره

    11 - مسلم 1/210

    12 - البخاري مع فتح الباري 17/44.

    13 - الديباج المذهب 1/100

    14 - انظر المدخل 1/17, و ( صفحات في أدب الرأي) ص 53 وما بعدها.

    15 - الديباج المذهب 1/102

    16 - المصدر السابق

    17 - البخاري مع فتح الباري 11/131

    18 - الاستذكار 1/23

    19 - انظر التعريفات للجرجاني ص 59

    20 - الشافعي حياته وعصره ص 24

    21 - انظر جامع بيان العلم وفضله 1/132

    22 - المزهر 2/69 .

    لمصدر: صحيفة ليبيا اليوم الالكتروني
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

     الغلو في فهم الدين *- سببه وعلاجه Empty الغلو في فهم الدين *- سببه وعلاجه- (2- 2)

    مُساهمة  Admin الخميس 14 يوليو 2011 - 21:42

    ومن أهم الأمور أيضا التي تساعد القارئ على تكوين الثقافة المطلوبة التي لا غلو فيها ولا تفريط:


    6- لا ينكر المختلف فيه :

    هذه القاعدة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالفقرة السابقة, ومعناها: أن مسائل الخلاف بين العلماء, الني استنبطت طبقا لقواعد الاجتهاد عند أهل العلم, لا يعد الخلاف فيها من باب المنكر الذي تجب مقاومته والتشنيع على القائل به , وفي ذلك يقول سفيان الثوري رحمه الله تعال: ( إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه, وأنت ترى غيره , فلا تنهه))23 , وقال القاضي عياض : (( لا ينبغي للآمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يحمل الناس على اجتهاده ومذهبه وإنما يغير منه ما اجتمع على إنكاره)), وقال القرافي: (( من أتى شيئا مختلفا فيه يعتقد تحريمه أنكر عليه لانتهاكه الحرمة وإن اعتقد تحليله لم ينكر عليه إلا أن يكون مدرك المحلل ضعيفا ينقض الحكم بمثله لبطلانه في الشرع))24 , فمثلا إذا كان الشخص ممن يأخذ بالرأي الذي يقول : إن قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة, فله أن يعمل بذلك في خاصة نفسه , ولكن لا يحق له أن يندد بمن لا يفعل ذلك ويعد فعله منكرا, وأنه لا صلاة لأن للقول الآخر أيضا مستندا ودليلا, وكذلك لو كان أحد يأخذ بقول من يرى المنع من صلاة النافلة وقت خطبة الجمعة, فليس له أن ينكر عمن يرى أن تحية المسجد مستثناة من ذلك, لأن له أيضا دليلا في السنة25 .

    وبعض مسائل الخلاف التي يتعصب لها من يتعصب من الناس, ويرى أن خلافها منكر, قد تكون في الواقع من باب الخلاف في المباح, الذي يجوز فعله وتركه على حد سواء, فعله النبي صلى الله عليه وسلم وتركه, أو فعله وفعل غيره تارة أخرى, ليرخص للناس في فعل الأمرين على حد سواء, وذلك كما في الاختلاف في ألفاظ الأذان والإقامة, والجهر بلفظ (آمين) وراء الإمام وعدمه, وتحريك السبابة في التشهد أو عدم تحريكها 26, وصلاة ركعتي السنة بعد الجمعة وبعد المغرب في المسجد أو بعد الرجوع إلى البيت.

    قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: (( إن الاختلاف في التشهد وفي الأذان, والإقامة وعدد التكبير على الجنائز, وما يقرأ ويدعى به فيها, وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين, وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة, وسدل اليدين, وفي القنوت وتركه, وما كان مثل هذا كله اختلاف في مباح كالوضوء واحدة و اثنتين وثلاثا.... وكل ما وصفت لك قد نقله الكافة من الخلف عن السلف ونقله التابعون بإحسان عن السابقين, نقلا لا يدخله غلط ولا نسيان, لأنها أشياء ظاهرة , معمول بها في بلدان الإسلام , زمنا بعد زمن, لا يختلف في ذلك علماؤهم وعوامهم, من عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وهلم جرا, فدل على أنه مباح كله إباحة توسعة ورحمة)) 27.

    وفي مجموع الفتاوى: (( إن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال, إذا كان مأثورة أثر يصح التمسك به لم يكره شيء من ذلك, بل يشرع ذلك كله كما قلنا في أنواع صلاة الخوف وفي نوعي الأذان؛ الترجيع وتركه, ونوعي الإقامة ؛ شفعها وإفرادها , وكما قلنا في أنواع التشهدات, وأنواع الاستفتاحات, وأنواع الاستعاذات وأنواع القرءات , وأنواع تكبيرات العيد الزوائد, وأنواع صلاة الجنازة, وسجود السهو, والقنوت قبل الركوع وبعده, والتحميد بإثبات الواو وحذفها, وغير ذلك...))28 , إلى أن قال المؤلف: (( قالوا: إن هذه الأنواع لا يفضل بعضها على بعض إلا بدليل شرعي.... ثم إذا فرض أن الدليل الشرعي يوجب الرجحان لم يعب على من فعل الجائز, ولا ينفر عنه لأجل ذلك))29 .

    ومن ذلك أيضا غسل القدمين في الوضوء, هل يؤخذ فيه بالتثليث مثل باقي الأعضاء, أو المطلوب في القدمين الإنقاء والتنظيف دون التقيد بالعدد, ومنه الصيغ التي يصلى بها على النبي صلى الله عليه وسلم, الأخذ فيها بصيغة أو بأخرى هو من فعل المباح, للتوسيع على الناس, إلى غير ذلك.

    وكان حسن البصري يقول: إن من رفع يديه من الصحابة – يعني عند الركوع وعند الرفع منه – لم يكن يعيب على من لم يرفع.

    وهناك مسائل كثيرة هي من هذا الباب, الاختلاف فيها من باب المباح, ومع ذلك تجد من الناس من يجعلها من المنكر الذي لا يجوز السكوت عنه.

    وكلما اتسعت معارف الإنسان من العلم بحظ أوفر, قلت تخطئته للآخرين وإنكاره عليهم, وكلما ضحلت معارفه وضاقت, كثرت تخطئته لغيره وتشنيعه عليهم.

    ولو أخذ المسلمون على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم بهذه القاعدة ( لا ينكر المختلف فيه) وطبقوها منهجا عمليا في حياتهم وتعاونوا لتوحدت كلمتهم, ولما دب الوهن بينهم.



    7- الأخذ بالأحوط عند اختلاف العلماء

    إذا اختلفت الأقوال في المسألة, وكان لكل قول دليله فالأولى للإنسان في خاصة نفسه أن يأخذ بالقول الأحوط إذا لم تكن له القدرة على الترجيح بين الآلة , قال الليث ابن سعد : (( إذا جاء الاختلاف أخذنا فيه بالأحوط))30 , وفي المسودة: (( كل من هذه المذاهب إذا أخذ به آخذ ساغ له ذلك ,فإن خرج من الخلاف فأخذ بالأحوط كتحريه مسح جميع الرأس.... كان هو الأولى))31 , ومراعاة الأحوط تكون على وجه من الوجهين الآتيين:



    أ- مراعاة الخلاف, ومعناه :

    الأخذ بالقول الذي يكون معه العمل صحيحا عند جميع العلماء, لا صحيحا عند بعضهم, باطلا عند البعض الآخر , فمثلا: قراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) في الصلاة قبل الفاتحة, من العلماء من يقول : إنها واجبة, لا تصح الصلاة بدونها, ومنهم من يقول : إن قراءتها مكروهة, ولكل قول دليله, ولكن الذي يقول : إن الصلاة تبطل بتركها, وعليه ينبغي قراءتها خروجا من الخلاف, لتكون الصلاة صحيحة بالاتفاق, ومثل ذلك يقال في قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة, فإن قراءتها أولى خرجا من الخلاف 32.

    ومن هذا القبيل مسح جميع الرأس في الوضوء دون الاكتفاء بمسح البعض والتقصير من جميع شعر الرأس في التحليل من الحرام دون الاكتفاء بتقصير بعض الشعر حتى تكون صحة الوضوء والتحلل محل اتفاق بين العلماء, وكذلك الشك في خروج الحدث قبل الدخول في الصلاة, ينقض الوضوء عند بعض العلماء, ولا يعد ناقضا عند البعض الآخر, والاحتياط بعده ناقضا يجعل صحة الصلاة محل اتفاق ولعلماء المالكية كثير من المسائل في باب العبادات وفي مسائل الطلاق مبنية على مبدأ الأخذ بالأحوط, لأن من قواعدهم: ( الذمة إذا عمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين), قالوا: ويشبه هذا أن يكون مسلك ابن عمر رضي الله عنه 33 .

    ومراعاة الخلاف تكون أحيانا بتقديم الحظر عن الإباحة, فيأخذ الإنسان في خاصة نفسه بالأحوط ويعد الأمر من باب الممنوع مادام مختلفا في منعه وجوازه النظر إليه, أو ليس عورة, وعليه فلا بأس من كسفه, وقد جاء في الصحيح – تعليقا – حديث جرهد الأسلمي الذي يدل على أن الفخذ عورة, وجاء فيه أيضا حديث أنس الذي يدل على أنه ليس بعورة, وقال أبو عبد الله صاحب الصحيح بعد أن خرج الحديثين, قال : وحديث أنس أسند – أي أصح إسنادا – وحديث جرهد أحوط, حتى يخرج من اختلاف العلماء 34.

    قال عز الدين بن عبد السلام: الأولى التزام الأشد والأحوط للدين, فإن من عز عليه دينه تورع 35. .

    ومن هذا أيضا الطلاق الثلاث في كلمة واحدة, أكثر العلماء يرون أنه يقع ثلاثا, ولا يحل للمرأة أن ترجع إلى مطلقها حتى تنكح زوجا غيره, ومنهم من يرى أنه لا يقع به ثلاث, ويجوز للمرأة أن ترجع لمطلقها دون أن تنكح زوجا آخر, فمن أخذ بالقول الذي يوجب ثلاث, فقد أخذ بالأحوط لنفسه, قال في المجموع: (( ومن الورع المحبوب ترك ما اختلف العلماء في إباحته اختلافا محتملا, ويكون الإنسان معتقد مذهب إمام يبيحه, ومن أمثلته الصيد والذبيحة إذا لم يسم عليه, فهو حلال عند الشافعي, حرام عند الأكثرين والروع لمعتقد مذهب الشافعي تركه))36 .



    ب – الأخذ بقول أكثر العلماء:

    يكون الأخذ بالأحوط أحيانا , باتباع ما عليه جماعة العلماء من المسلمين وجمهورهم, دون الأخذ برأي فرد منهم, أو جماعة قليلة مادام الآخذ غير أهل للترجيح والأخذ بالدليل, لأن احتمال الخطأ في رأي الواحد من العلماء أو العدد القليل منهم أكبر منه في رأي الجماعة الكثيرة والجمهور العريض منهم, وذلك جاءت الأحاديث بلزوم الجماعة, وأن الشيطان على الواحد أقدر منه على الاثنين.

    ولو أخذ الإنسان بزلة كل عالم أو قوله كل عالم – كما قيل – لاجتمع فيه البشر كله. قال في المسودة ((.... وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف توخي ما عليه الأكثر منهم والعمل بما قاله الجمهور, دون الواحد منهم, فإنه قد أخذ بالحزم و الأحوط والأولى))37 .

    فمثلا من العلماء من يرى أن المعازف وآلات اللهو والغناء أمر مباح – وهم قليل وجمهور علماء المسلمين يحرمون ذلك للأحاديث الصحيحة التي تدل على التحريم فمن أراد السلامة لنفسه يسعه ما يسع الجم الغفير من العلماء ويتبع سبيلهم الواسع وقاعدتهم العريضة, فلا يحل لنفسه ذلك باتباع المسارب الضيقة, والآراء الشاذة, التي لا يدرى ما إذا كان أصحابها أنفسهم قد هجروها أو بقوا عليها حتى ماتوا, لأن العالم قد يغير اجتهاده في آخر عمره, ولا يكتب برأيه المتأخر الانتشار.



    8-البعد عن غرائب العلم وشواذ المسائل

    يحذر العلماء من التعلق بغرائب المسائل وشواذها في العلم, ويحذرون من روايتهم للناس قصد الإغراب ولفت الانتباه , فإن ذلك أمر مذموم, نفعه قليل , وضرره كبير, لأن شواذ المسائل قد يكون نسبتها إلى قائلها منقطعة, وقد يكون سبب شذوذها بين أهل العلم وهو ضعف دليلها وترك العلماء لها, فالعامل بها والمتتبع لها على شفا جرف, وعلى خطر عظيم.

    ومن هنا كان العلماء يوصون بالعلم المعروف المألوف, ويكرهون أن يتكلم الإنسان في العلم بكل ما يعرف, فإن من العلم ما يتعلم ولا يروى لكل أحد, فلكل مقام مقال, ولكل حادثة حديث, والمسائل تلقى للناس على قدر استعدادهم وقدراتهم, حتى لا يسيئوا فهم ما يسمعون , قال على رضي الله عنه: (( حدقوا الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب الله ورسوله)38 , وقال مالك : (( عندي أحاديث لو ضرب رأسي بالسوط ما أخرجتها)) وقيل له : (( عند ابن عيينة أحاديث ليست عندك , فقال إذا أحدث الناس بكل ما سمعت إني إذا أحمق)) 39.

    روى البيهقي عن القاضي إسماعيل بن إسحاق قال: (( دخلت على المعتضد, فدفع إلي كتابا نظرت فيه, وكان قد جمع له الرخص من زلل العلماء, وما احتج به كل منهم لنفسه, فقلت له : يا أمير المؤمنين, مصنف هذا الكتاب زنديق, فقال لم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت: الأحاديث على ما رويت, ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة. ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر, وما من عالم إلا وله زلة, ومن جمع زلل العلماء, ثم أخذ بها, ذهب دينه, فأمر المعتضد, فأحرق ذلك الكتاب))40 .

    وقال الأوزاعي: (( من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام)) وعدد بعض هذه النوادر فقال : (( يترك من قول أهل الحجاز استماع الملاهي, والجمع بين الصلاتين من غير عذر, والمتعة بالنساء, والدرهم بالدرهمين – أي في الصرف – يدا بيد, وإتيان النساء في أدبارهن, ويترك من قول أهل الكوفة النبيذ والسحور – أي الأكل في الفجر في رمضان ))41 . وقال سليمان التميمي: (( لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله))42 .



    9- التلمذة وتلقي العلم:

    لا تتم الاستفادة من العلوم الشرعية على الوجه الصحيح إلا بالتلمذة وتلقي العلم عن أهله, لأن القراءة علة المعلم تصحح أخطاء الكتب وتحريفها, وتجعل الطالب يأخذ من العلم خلاصته, فإن الكتب قد تختلط فيها المسائل, وقد يذكر فيها الرأي المرجوح والمتروك, والمعلم هو الذي يقف الطالب على كل ذلك, ويميز له الغث من السمين, فالعلم المتلقى عن الأستاذ علم مصفى منقى من كل آفات العلم وعيوبه , ومنبه فيه على ضعيف الأقوال وشواذ المسائل, والتلقي سنة العلوم الشرعية, علمه الله تعالى لنا وأرشدنا إليه حين أنزل كتابه كذلك, فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل, ولم ينزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مدونا في الصحف , ولازم الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتلمذوا عليه, وتلقوا عنه القرآن والسنة, سمعوا منه وشاهدوا ودونوا, وسألوه عما أشكل , واستوضحوا منه ما أجمل, وفهموا معاني كلامه مراده, وصار ذلك منهاجا لمن بعدهم , فالتزم التابعون مع الصحابة ما التزمه الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من التلقي عن الأستاذ والمعلم , وبقيت هذه السنة بعد ذلك في الناس موروثة جيلا بعد جيل.

    وقد حذر العلماء من أخذ العلم عن الصحف دون التلقي عن أستاذ, فقد اشتهر عنهم: (( لا تحملوا العلم عن صحفي, ولا تأخذوا القرآن من مصحفي))43 , أي لا تأخذوا العلم من الكتب دون شيخ, ولا القرآن من المصحف دون قارئ,فإن ذلك مزلة, ومظنة للخطأ.

    قد كان العلم في الصدر الأول في صدور الرجال, ثم انتقل إلى الكتب, وصارت مفاتيحه في صدور الرجال.

    وللتلقي فائدة أخرى غير فائدة تصحيح العلم , وهي التربية والإقتداء بالعالم, وأخذ سمته ومنهجه, والتأسي بأقواله وأفعاله, وسلوكه والتأدب بآدابه, ومن حرم أخذ العلم وتلقيه فاته التأسي والتأدب, وحرم القدرة, وبدت منه الجفوة والقسوة, وقد عزا بعض أهل العلم ما ظهر في أسلوب ابن حزم وعلى لسانه من تجريح العلماء وتنقصهم – إلى أنه لم يلازم الأخذ عن العلماء ولم يتتلمذ عليهم ويتأدب بآدابهم, بل كان جل علمه من الكتب44 , وقد كان أصحاب عبد الله بن مسعود يرحلون إليه, فينظرون إلى سمته وهديه ودله, فيتشبهون به45 , في (( جامع بيان العلم))46 , عن أبي الدرداء رضي الله عنه: (( من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه مع أهل العلم)). قال ما لم عن بداية طلبه للعلم: (( عممتني أمي, ثم قالت: اذهب إلى ربيعة, فتعلم من أدبه قبل علمه))47 .

    وقد كانت ملازمته لقراءة الكتب عليه, قال يحي التميمي: (( أقمت عند مالك بن أنس بعد كمال سماعي منه سنة, أتعلم هيئته وشمائله)) 48


    ـــــــــــــــــــــــ

    * عن كتاب ( أساسيات الثقافة الإسلامية)

    23 - الفقيه والتفقه 2/69

    24- انظر المواق 4/381

    25- انظر الفروق 4/257

    26- انظر التمهيد 14/175 , والاستذكار 2/82. 201

    27- الاستذكار 2/208

    28- 24/242

    29 - مجموع الفتاوى 24/247

    30- جامع بيان العلم 2/81.

    31- المسودة ص 540 , وانظر أيضاح المسالك بتحقيق المؤلف ص 64.

    32- انظر المعيار 6/379.

    33- انظر التمهيد 14/350

    34 - البخاري 2/62

    35- انظر المعيار 6/382.

    36- المجموع شرح المهذب 19/379.

    37- المسودة ص 539

    38- البخاري مع فتح الباري 1/235

    39- ترتيب المدارك 1/188 , 189

    40- السنن الكبرى 10/211

    41 - السنن الكبرى 10/211

    42- جامع بيان العلم 2/91, وروى مثل ذلك عن الإمام مالك كما في المدارك

    43- تصحيفات المحدثين 1/7

    44- انظر الموافقات 1/90

    45 - غريب الحديث 3/383

    46 - 1/127

    47- الديباج المذهب ص 20

    48 - ترتيب المدارك 1/171

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 5:09