تفسير ودلائل مقولة: (حمس في الحكومة وليست في الحكم)
بقلم علي حلواجي
قالها الشيخ محفوظ رحمه الله "نحن في الحكم ولسنا في الحكومة" وهي مقولة ذات أبعاد ومآلات ولها دلائل تصدقها على أرض الواقع، ولأن الناس من فهمها وقبولها ووضعها في موضعها أصناف، لابد في هذا الظرف من تسليط الضوء عليها حتى يستوعبها الناس أكثر.
ولعله من واجب الوقت على كل مناضل أن يعمل على توضيحها عسى أن تكون ذخرا في غياب الإصلاحات الجادة وتكون دعما لبعض قرارات الحركة في ظل المراجعات الجارية...
• التفسيــــر: هذا القول يعني أن حركة مجتمع السلم قد انتهجت "المشاركة" كخيار سياسي بدل "المطالبة" أو "المغالبة" ودخلت بذلك في دواليب إدارة البلاد من خلال بعض الوزارات وبعض المواقع الانتخابية وساندت برنامج رئيس الجمهورية من خلال الائتلاف ثم التحالف، ومع ذلك كله فإنها لم تصل بمشاركتها ومواقعها إلى الشراكة الحقيقية في مناصب السيادة وفي اتخاذ القرارات الهامة وتوجيه سياسة البلاد، فدورها لم يتجاوز تنفيذ مالا يتعارض مع مبادئها وأهدافها من برنامج غيرها، وإبداء الرأي غير الملزم في مستويات معينة وتسيير بعض الشؤون الدنيا في مواقع محدودة.
لقد قبلت الحركة في البداية هذا المستوى من المشاركة عن طواعية وقناعة تامة، رغم المعارضة الشديدة بل العنيفة التي تلقتها لاسيما ممن اختاروا خط "المغالبة" من الإسلاميين وغيرهم الذين يرون في المشاركة دعما "للنظام" الذي يجب أن يسقط، وإهانة للمعارضة وخاصة حاملة الفكرة الإسلامية التي يجب أن تظل مرفوعة الرأس بوقوفها الراديكالي في كل شيء في وجه النظام ولا ترفع سوى شعار "لا" على الدوام.
أما الحركة فهي ترى أن خيارها لا يخرجها من صف المعارضة ولكنها معارضة من نوع آخر أسمتها "المعارضة الإيجابية" ورفعت لها شعار "نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت" وتحملت في سبيل ذلك كل شيء وتجشمت كل الصعاب بما فيها تصفيات القادة والمناضلين؛ وهو شرف عظيم لأنه كان من أجل تحقيق أهداف أعظم، وعلى رأسها:
ـ تكريس منهج "الوسطية والاعتدال" الذي أثبتت الأيام أنه الأصلح، وعاد إليه الجميع.
ـ المساهمة في الحفاظ على الدولة والعمل على استقرار البلاد، في الوقت الذي كادت مؤسسات الدولة تنهار وتعجز داخليا و تفقد شرعيتها خارجيا... والجميع يتذكر ما كانت الحركة تردده آنذاك من ضرورة "التفريق بين السلطة (النظام) والدولة" من أجل العمل بالقول المأثور عن ابن تيمية (رحمه الله) :" ستون عاما تحت سلطان جائر خير من ليلة واحدة بلا سلطان" وهذه الليلة هي التي حذر منها المؤسس (رحمه الله) تحت مسمّيات: "الصوملة واللبننة والأفغنة والبلقنة.."
ـ السعي لإعادة إدماج الطرف الإسلامي المبعد من إدارة شؤون البلاد بأحداث تاريخية معروفة منذ أواخر زمن الثورة التحريرية وبعبارة أخرى البحث عن "الحلقة المفقودة" بين الإسلام والوطنية والديمقراطية "التي تكلم عنها الشيخ محفوظ (رحمه الله) في كتابه "الجزائر المنشودة". وهو الإدماج الذي له أهداف فرعية أخرى هي: تأهيل الطرف المبعد وطمأنة الأطراف الأخرى إزاءه وعرض إمكانياته التي يتهم بانعدامها.
لاشك أن الهدفين الأول والثاني قد تحققا بنسبة عالية جداًّ لا ينكرها إلا جاحد ومغرض، وفي تصريحات ومواقف الأطراف والجهات الأخرى ولو من الخصوم شهادات قائمة، والحق ما شهد به هؤلاء... (ولكن المجال لا يتسع لنقلها).
أما الهدف الثالث فإن تحقيقه ليس معدوما تماما خاصة أهدافه الفرعية التي ظهرت في الميدان نتائجها بشكل ملموس لا يمكن إنكاره سواء في التأهل واكتساب الخبرة أم في القدرة وإثبات الجدارة أم في الطمأنة على المستوى الشخصي...
ولكن ذلك كله لم يرق إلى مستوى النتيجة الكاملة التي تحقق الهدف الرئيسي المتمثل في اندماج الحركة في السلطة اندماجا كاملاً، ربما لأن الأمر ما زال يحتاج إلى وقت أطول وصبر أجمل على أساس أن الخيار والنهج في أصله صائب وصحيح ولكن المشكل في الطرف الآخر الذي تنقصه ـ على ما يبدو ـ جرعة (Dose) من حسن النية والاعتراف بالجميل والتجرد من الأنانية من أجل المصلحة العليا للبلاد، وأشياء من هذا القبيل.. وعلى كل فإن معرفة الأسباب لا تدخل في صلب الموضوع إنما الذي يهمنا هو أن النسبة المحققة من هدف "إدماج الطرف الإسلامي والاطمئنان الكامل له" لم تمكّن الحركة من الوصول إلى مراكز صناعة القرار، ومن أجل ذلك قال الشيخ محفوظ (رحمه الله):" نحن في الحكومة ولسنا في الحكم" الأمر الذي ما زال قائما إلى اليوم ومن أجله طالبت الحركة دون جدوى في وقت غير بعيد بأن تُرقَّى"المشاركة" إلى "الشراكة" وقالت على لسان رئيسها الحالي (حفظه الله): ''على التحالف أن يتجدّد أو يتبدّد" وهذه الحالة التي نريد إشهار ما يدل عليها على أرض الواقع منذ سنة 1994 إلى اليوم حتى يقتنع بها الجميع ويقبلوها لأن الكثير من الناس لم يستوعبوا كيف تشارك الحركة في الحكومة وتمثل طرفا في التحالف وتحوز مواقع انتخابية متقدمة ثم لا يكون لها دور في الحكم واتخاذ القرارات الكبرى؟.
• الدلائـــــــل: وهي جملة من المواقف والتصريحات من السلطة ممثلة في مؤسساتها وهيئاتها أو شخصياتها، وأخرى مضادة من الحركة، تدل على الرفض الباطني للحركة أو في أحسن الأحوال التحفظ منها من قبل النظام وبالتالي فهي تدل على صحة القول المذكور أعلاه، نسردها في شكل إشارات لأنها معروفة، بهدف التذكير بها... ويمكن لأي مهتم أن يضيف إليها ، دعما للفكرة، فما هي إلا إثارة فقط.. ولاشك أن الإطارات العليا في الحركة لديهم ما هو أكثر وأعمق ولكن " يسع الفرد ما لا يسع الجماعة"!!
ـ نذكّر أولا بما نسيه البعض ويجهله الشباب وهو الاختلاف المبدئي في الطرح والمنطلقات الفكرية بين الحركة والسلطة برجالها وأحزابها، فمن يعود للتاريخ يعرف أن حركة مجتمع السلم معارضة إسلامية جادة ولها مواقف مشهورة ضد التوجه العام للنظام المتوارث وهي المواقف التي كانت سببا في إدخال مؤسسي الحركة وقياداتها للسجن، وما أحدث الاقتراب من السلطة إلاّ خيار "المشاركة" الذي تبنّته الحركة من أجل المصلحة العليا كما سبق ذكره.
ـ انعدام العلاقة العضوية بين الحركة أو المنتسبين إليها وبين القطاعات الإستراتيجية العليا والمؤسسات الحساسة في البلاد،واعتبار ذلك من الخطوط الحمراء وكأنّ هناك درجات في المواطنة.
ـ التزوير المستمر ضد الحركة في الانتخابات، وأبرزه وأخطره كان التزوير في رئاسيات 95 ضد الشيخ محفوظ (رحمه الله).
ـ دستور 96 وما فيه من تضييق سياسي يمس بالحركة وأخواتها، وما في تطبيقه من تعسف حتى في التسمية (بين حماس وحمس).
ـ إقصاء الشيخ محفوظ (رحمه الله) من الترشّح لرئاسيات 99، بلا حق، رغم التنازلات والتضحيات التي قدمها لاسيما في انتخابات 95 من أجل استقرار البلاد، والله يشهد.
ـ ملابسات وخلفيات تأسيس مجلس الأمة وما يحمله من أبعاد تضييق على المنافس الإسلامي على الخصوص.
ـ دوران الوزارات التي تسند للحركة في مجال تصنيفي معيّن لا يرقى إلى مستوى الحقائب ذات السيادة.(وحتى وزير الدولة كان بلا حقيبة) هذا بالإضافة إلى عدم استشارة الحركة فيما يسند إليها من وزارات أو في من تختاره من وزراء، بعد أن تسلّم مقترحاتها مجملة، فإما قبول أو رفض.
ـ حرمان الحركة من المناصب العليا التي يُعيّن أصحابها بمرسوم رئاسي (كالولاة والسفراء...) في حين لا يتحرّج بعض أصحاب هذه المناصب من إظهار انتماءاتهم لأحزاب أخرى.
ـ عرقلة المنتمين للحركة في الترقيات في بعض المناصب المهنية وأحيانا حتى بعض الامتيازات الأخرى اجتماعية أو اقتصادية بناء على تقارير معينة.
ـ إقصاء بعض المناضلين من الترشح للانتخابات بلا أسباب موضوعية واضحة، قصد إرباك قوائم الحركة، كما حدث في الانتخابات المحلية 2002.
ـ إقصاء مناضلي الحركة من تشكيلات الطواقم المشرفة على صناديق الاقتراع وحصرها في الموالين للنظام وحزبيه.. وكذلك الشأن في رئاسة مداومات مرشح التحالف، وفي اللجان السياسية لمراقبة الانتخابات..
ـ عقلية "أنا خير منه" الظاهرة في تعامل حزب النظام الأول مع الحركة محليا دون مراجعة أو ردع مركزي. ودليل ذلك ما حصل في إحدى الولايات ،عندما فازت الحركة برئاسة المجلس الشعبي الولائي لأول مرة في تاريخ الجزائر،فلم يستوعب هؤلاء الأمر وقاطعوا المجلس قصد تعطيله. (غير مبالين بما ينعكس من عرقلة تنمية البلاد جراء ذلك).
ـ التضييق والتحفظ في تسليم المقرات للحركة على مستوى الولايات في حين أن حزبي النظام لهما مقرات من أملاك الدولة حتى في بعض البلديات.
ـ تصريحات بعض رموز النظام التي لا تفرّق بين هذه الحركة رافعة لواء "الاعتدال" وبقية الإسلاميين المتبنّين "للعنف"، ومنهم من يعتبر الحركة أخطر (حقدا بلا دليل) مثل أحد رؤساء الحكومة الأسبقين المشهور بقولته وهو يتكلم عن العنف " يجب أن ينتقل الرعب إلى المعسكر الآخر".. وكذا تصريحات رئيس الحكومة الحالي(في لقاء متلفز) وبعض إطارات حزبه المشينة لرموز الحركة...
ـ موقف قمة السلطة المخزي من مبادرة "فساد قف" التي أطلقتها الحركة، وطريقة الرد عليها..
ـ غدر أحد أحزاب التحالف ونقضه الاتفاق في تقاسم المقاعد على مستوى الولايات في انتخابات مجلس الأمة الأولي سنة 97. وكذا تحالفه خارج التحالف الرئاسي في التجديد النصفي الأخير.
ـ تغييب تمثيل الحركة في مجلس الأمة في الثلث الرئاسي الأخير.
ـ معارضة الحركة الشديدة للسلطة وتعنّت هذه الأخيرة في مواقف مشهورة في الساحة مثل: معركة "الولي" في قانون الأسرة ـ بعض مسائل إصلاح المنظومة التربوية ـ المطالبة برفع حالة الطوارئ ـ اللحية والحجاب في وثائق الهوية ـ المصليات في المؤسسات (على مستوى قاعدي)...
ـ مشاريع القوانين العديدة التي تقدمت بها الحركة في البرلمان منذ97 إلى الآن ولم تعرض للمناقشة أو عرضت بعد تماطل و إلحاح شديد..
ـ النقاش الحاد والتصادم بين كتلة الحركة في البرلمان ورئاسة البرلمان أو لجانه أو كتل النظام في بعض المسائل الخطيرة المطروحة.
ـ عدم اتفاق أطراف التحالف على اقتراح الحركة القاضي بتطوير التحالف وإنزاله للقواعد أو ما يسمى بالتطوير "الأفقي والعمودي".
ـ رفض ترقية التحالف إلى "شراكة سياسية" وفيه قال رئيس الحركة في خطاب افتتاح احتفاليات العشرينية بالبلدية: «فقد انصرف التفكير إلى ما هو أهم من حديث "الأفقي والعمودي" إلى "الشراكة السياسية" لخدمة أهداف إستراتيجية تصب في خير العباد واستقرار البلاد. ولكن الأنانيات السياسية فوتت على الجزائر فرصة تكتل سياسي ثقيل أمام رياح ثورات شعبية لا يمكن أن يتحملها حزب واحد مهما كانت قوته وانتشاره.» وهذا التصريح هو المشجع على طرق مثل هذا الموضوع الذي يكاد يكون تحليلا له.
هذه بعض الإشارات ـ وغيرها كائن ـ يمكن أن توثّق إذا اقتضت الحاجة، ولكنها في شكلها الحالي تبدو كافية لتعطي صورة واضحة على أن الحركة بقيت كما بدأت جسما غريبا في وسط النظام رغم ما قدمته من تضحيات من أجل اندماجها في خدمة البلاد، وبناء عليه فهي ليست مسؤولة عما يحدث مما يثير غضب الشعب من الرداءة وكذا من الفساد ما دامت إذا قالت له "قف" لا يسمع صوتها لأنها ليست "في الحكم" رغم أنها"في الحكومة".
• خـــاتمة: إذا كان توضيح هذه المقولة واجب الوقت ـ كما ذكرنا ـ حتى نبرئ الحركة من الفساد التي أعلنت الثورات ضده ومن كل رداءة تحتقن بوجودها الشعوب الثائرة أو المتأهبة للثورة؛ فإن معالجة ما تشخصه هذه المقولة واستكمال ما تشير إليه من نقص يخضع للقرارات الرسمية في الحركة بأحد أمرين:
ـ إما بالمواصلة على نفس الخط بنفَسِ أطول وتحمّل أكبر حتى تحقيق الكمال المنشود، وهذا مرهون بتوفر أكبر قدر من مظاهر النوايا الحسنة من الطرف الآخر.
ـ وإما بتغيير الوجهة دون تضييع الرصيد، وهذا يتطلب موازنات دقيقة... والحياة مغانم ومغارم، فما يحقق للمشروع مغانم أكثر هو الخيار المطلوب. والله نسأل السداد والتوفيق.
تذكير: هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة وإنما هو إثراؤ للنقاش والتفكير لا غير
http://www.hmsalgeria.net/ar/modules...ticle&sid=2615
بقلم علي حلواجي
قالها الشيخ محفوظ رحمه الله "نحن في الحكم ولسنا في الحكومة" وهي مقولة ذات أبعاد ومآلات ولها دلائل تصدقها على أرض الواقع، ولأن الناس من فهمها وقبولها ووضعها في موضعها أصناف، لابد في هذا الظرف من تسليط الضوء عليها حتى يستوعبها الناس أكثر.
ولعله من واجب الوقت على كل مناضل أن يعمل على توضيحها عسى أن تكون ذخرا في غياب الإصلاحات الجادة وتكون دعما لبعض قرارات الحركة في ظل المراجعات الجارية...
• التفسيــــر: هذا القول يعني أن حركة مجتمع السلم قد انتهجت "المشاركة" كخيار سياسي بدل "المطالبة" أو "المغالبة" ودخلت بذلك في دواليب إدارة البلاد من خلال بعض الوزارات وبعض المواقع الانتخابية وساندت برنامج رئيس الجمهورية من خلال الائتلاف ثم التحالف، ومع ذلك كله فإنها لم تصل بمشاركتها ومواقعها إلى الشراكة الحقيقية في مناصب السيادة وفي اتخاذ القرارات الهامة وتوجيه سياسة البلاد، فدورها لم يتجاوز تنفيذ مالا يتعارض مع مبادئها وأهدافها من برنامج غيرها، وإبداء الرأي غير الملزم في مستويات معينة وتسيير بعض الشؤون الدنيا في مواقع محدودة.
لقد قبلت الحركة في البداية هذا المستوى من المشاركة عن طواعية وقناعة تامة، رغم المعارضة الشديدة بل العنيفة التي تلقتها لاسيما ممن اختاروا خط "المغالبة" من الإسلاميين وغيرهم الذين يرون في المشاركة دعما "للنظام" الذي يجب أن يسقط، وإهانة للمعارضة وخاصة حاملة الفكرة الإسلامية التي يجب أن تظل مرفوعة الرأس بوقوفها الراديكالي في كل شيء في وجه النظام ولا ترفع سوى شعار "لا" على الدوام.
أما الحركة فهي ترى أن خيارها لا يخرجها من صف المعارضة ولكنها معارضة من نوع آخر أسمتها "المعارضة الإيجابية" ورفعت لها شعار "نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت" وتحملت في سبيل ذلك كل شيء وتجشمت كل الصعاب بما فيها تصفيات القادة والمناضلين؛ وهو شرف عظيم لأنه كان من أجل تحقيق أهداف أعظم، وعلى رأسها:
ـ تكريس منهج "الوسطية والاعتدال" الذي أثبتت الأيام أنه الأصلح، وعاد إليه الجميع.
ـ المساهمة في الحفاظ على الدولة والعمل على استقرار البلاد، في الوقت الذي كادت مؤسسات الدولة تنهار وتعجز داخليا و تفقد شرعيتها خارجيا... والجميع يتذكر ما كانت الحركة تردده آنذاك من ضرورة "التفريق بين السلطة (النظام) والدولة" من أجل العمل بالقول المأثور عن ابن تيمية (رحمه الله) :" ستون عاما تحت سلطان جائر خير من ليلة واحدة بلا سلطان" وهذه الليلة هي التي حذر منها المؤسس (رحمه الله) تحت مسمّيات: "الصوملة واللبننة والأفغنة والبلقنة.."
ـ السعي لإعادة إدماج الطرف الإسلامي المبعد من إدارة شؤون البلاد بأحداث تاريخية معروفة منذ أواخر زمن الثورة التحريرية وبعبارة أخرى البحث عن "الحلقة المفقودة" بين الإسلام والوطنية والديمقراطية "التي تكلم عنها الشيخ محفوظ (رحمه الله) في كتابه "الجزائر المنشودة". وهو الإدماج الذي له أهداف فرعية أخرى هي: تأهيل الطرف المبعد وطمأنة الأطراف الأخرى إزاءه وعرض إمكانياته التي يتهم بانعدامها.
لاشك أن الهدفين الأول والثاني قد تحققا بنسبة عالية جداًّ لا ينكرها إلا جاحد ومغرض، وفي تصريحات ومواقف الأطراف والجهات الأخرى ولو من الخصوم شهادات قائمة، والحق ما شهد به هؤلاء... (ولكن المجال لا يتسع لنقلها).
أما الهدف الثالث فإن تحقيقه ليس معدوما تماما خاصة أهدافه الفرعية التي ظهرت في الميدان نتائجها بشكل ملموس لا يمكن إنكاره سواء في التأهل واكتساب الخبرة أم في القدرة وإثبات الجدارة أم في الطمأنة على المستوى الشخصي...
ولكن ذلك كله لم يرق إلى مستوى النتيجة الكاملة التي تحقق الهدف الرئيسي المتمثل في اندماج الحركة في السلطة اندماجا كاملاً، ربما لأن الأمر ما زال يحتاج إلى وقت أطول وصبر أجمل على أساس أن الخيار والنهج في أصله صائب وصحيح ولكن المشكل في الطرف الآخر الذي تنقصه ـ على ما يبدو ـ جرعة (Dose) من حسن النية والاعتراف بالجميل والتجرد من الأنانية من أجل المصلحة العليا للبلاد، وأشياء من هذا القبيل.. وعلى كل فإن معرفة الأسباب لا تدخل في صلب الموضوع إنما الذي يهمنا هو أن النسبة المحققة من هدف "إدماج الطرف الإسلامي والاطمئنان الكامل له" لم تمكّن الحركة من الوصول إلى مراكز صناعة القرار، ومن أجل ذلك قال الشيخ محفوظ (رحمه الله):" نحن في الحكومة ولسنا في الحكم" الأمر الذي ما زال قائما إلى اليوم ومن أجله طالبت الحركة دون جدوى في وقت غير بعيد بأن تُرقَّى"المشاركة" إلى "الشراكة" وقالت على لسان رئيسها الحالي (حفظه الله): ''على التحالف أن يتجدّد أو يتبدّد" وهذه الحالة التي نريد إشهار ما يدل عليها على أرض الواقع منذ سنة 1994 إلى اليوم حتى يقتنع بها الجميع ويقبلوها لأن الكثير من الناس لم يستوعبوا كيف تشارك الحركة في الحكومة وتمثل طرفا في التحالف وتحوز مواقع انتخابية متقدمة ثم لا يكون لها دور في الحكم واتخاذ القرارات الكبرى؟.
• الدلائـــــــل: وهي جملة من المواقف والتصريحات من السلطة ممثلة في مؤسساتها وهيئاتها أو شخصياتها، وأخرى مضادة من الحركة، تدل على الرفض الباطني للحركة أو في أحسن الأحوال التحفظ منها من قبل النظام وبالتالي فهي تدل على صحة القول المذكور أعلاه، نسردها في شكل إشارات لأنها معروفة، بهدف التذكير بها... ويمكن لأي مهتم أن يضيف إليها ، دعما للفكرة، فما هي إلا إثارة فقط.. ولاشك أن الإطارات العليا في الحركة لديهم ما هو أكثر وأعمق ولكن " يسع الفرد ما لا يسع الجماعة"!!
ـ نذكّر أولا بما نسيه البعض ويجهله الشباب وهو الاختلاف المبدئي في الطرح والمنطلقات الفكرية بين الحركة والسلطة برجالها وأحزابها، فمن يعود للتاريخ يعرف أن حركة مجتمع السلم معارضة إسلامية جادة ولها مواقف مشهورة ضد التوجه العام للنظام المتوارث وهي المواقف التي كانت سببا في إدخال مؤسسي الحركة وقياداتها للسجن، وما أحدث الاقتراب من السلطة إلاّ خيار "المشاركة" الذي تبنّته الحركة من أجل المصلحة العليا كما سبق ذكره.
ـ انعدام العلاقة العضوية بين الحركة أو المنتسبين إليها وبين القطاعات الإستراتيجية العليا والمؤسسات الحساسة في البلاد،واعتبار ذلك من الخطوط الحمراء وكأنّ هناك درجات في المواطنة.
ـ التزوير المستمر ضد الحركة في الانتخابات، وأبرزه وأخطره كان التزوير في رئاسيات 95 ضد الشيخ محفوظ (رحمه الله).
ـ دستور 96 وما فيه من تضييق سياسي يمس بالحركة وأخواتها، وما في تطبيقه من تعسف حتى في التسمية (بين حماس وحمس).
ـ إقصاء الشيخ محفوظ (رحمه الله) من الترشّح لرئاسيات 99، بلا حق، رغم التنازلات والتضحيات التي قدمها لاسيما في انتخابات 95 من أجل استقرار البلاد، والله يشهد.
ـ ملابسات وخلفيات تأسيس مجلس الأمة وما يحمله من أبعاد تضييق على المنافس الإسلامي على الخصوص.
ـ دوران الوزارات التي تسند للحركة في مجال تصنيفي معيّن لا يرقى إلى مستوى الحقائب ذات السيادة.(وحتى وزير الدولة كان بلا حقيبة) هذا بالإضافة إلى عدم استشارة الحركة فيما يسند إليها من وزارات أو في من تختاره من وزراء، بعد أن تسلّم مقترحاتها مجملة، فإما قبول أو رفض.
ـ حرمان الحركة من المناصب العليا التي يُعيّن أصحابها بمرسوم رئاسي (كالولاة والسفراء...) في حين لا يتحرّج بعض أصحاب هذه المناصب من إظهار انتماءاتهم لأحزاب أخرى.
ـ عرقلة المنتمين للحركة في الترقيات في بعض المناصب المهنية وأحيانا حتى بعض الامتيازات الأخرى اجتماعية أو اقتصادية بناء على تقارير معينة.
ـ إقصاء بعض المناضلين من الترشح للانتخابات بلا أسباب موضوعية واضحة، قصد إرباك قوائم الحركة، كما حدث في الانتخابات المحلية 2002.
ـ إقصاء مناضلي الحركة من تشكيلات الطواقم المشرفة على صناديق الاقتراع وحصرها في الموالين للنظام وحزبيه.. وكذلك الشأن في رئاسة مداومات مرشح التحالف، وفي اللجان السياسية لمراقبة الانتخابات..
ـ عقلية "أنا خير منه" الظاهرة في تعامل حزب النظام الأول مع الحركة محليا دون مراجعة أو ردع مركزي. ودليل ذلك ما حصل في إحدى الولايات ،عندما فازت الحركة برئاسة المجلس الشعبي الولائي لأول مرة في تاريخ الجزائر،فلم يستوعب هؤلاء الأمر وقاطعوا المجلس قصد تعطيله. (غير مبالين بما ينعكس من عرقلة تنمية البلاد جراء ذلك).
ـ التضييق والتحفظ في تسليم المقرات للحركة على مستوى الولايات في حين أن حزبي النظام لهما مقرات من أملاك الدولة حتى في بعض البلديات.
ـ تصريحات بعض رموز النظام التي لا تفرّق بين هذه الحركة رافعة لواء "الاعتدال" وبقية الإسلاميين المتبنّين "للعنف"، ومنهم من يعتبر الحركة أخطر (حقدا بلا دليل) مثل أحد رؤساء الحكومة الأسبقين المشهور بقولته وهو يتكلم عن العنف " يجب أن ينتقل الرعب إلى المعسكر الآخر".. وكذا تصريحات رئيس الحكومة الحالي(في لقاء متلفز) وبعض إطارات حزبه المشينة لرموز الحركة...
ـ موقف قمة السلطة المخزي من مبادرة "فساد قف" التي أطلقتها الحركة، وطريقة الرد عليها..
ـ غدر أحد أحزاب التحالف ونقضه الاتفاق في تقاسم المقاعد على مستوى الولايات في انتخابات مجلس الأمة الأولي سنة 97. وكذا تحالفه خارج التحالف الرئاسي في التجديد النصفي الأخير.
ـ تغييب تمثيل الحركة في مجلس الأمة في الثلث الرئاسي الأخير.
ـ معارضة الحركة الشديدة للسلطة وتعنّت هذه الأخيرة في مواقف مشهورة في الساحة مثل: معركة "الولي" في قانون الأسرة ـ بعض مسائل إصلاح المنظومة التربوية ـ المطالبة برفع حالة الطوارئ ـ اللحية والحجاب في وثائق الهوية ـ المصليات في المؤسسات (على مستوى قاعدي)...
ـ مشاريع القوانين العديدة التي تقدمت بها الحركة في البرلمان منذ97 إلى الآن ولم تعرض للمناقشة أو عرضت بعد تماطل و إلحاح شديد..
ـ النقاش الحاد والتصادم بين كتلة الحركة في البرلمان ورئاسة البرلمان أو لجانه أو كتل النظام في بعض المسائل الخطيرة المطروحة.
ـ عدم اتفاق أطراف التحالف على اقتراح الحركة القاضي بتطوير التحالف وإنزاله للقواعد أو ما يسمى بالتطوير "الأفقي والعمودي".
ـ رفض ترقية التحالف إلى "شراكة سياسية" وفيه قال رئيس الحركة في خطاب افتتاح احتفاليات العشرينية بالبلدية: «فقد انصرف التفكير إلى ما هو أهم من حديث "الأفقي والعمودي" إلى "الشراكة السياسية" لخدمة أهداف إستراتيجية تصب في خير العباد واستقرار البلاد. ولكن الأنانيات السياسية فوتت على الجزائر فرصة تكتل سياسي ثقيل أمام رياح ثورات شعبية لا يمكن أن يتحملها حزب واحد مهما كانت قوته وانتشاره.» وهذا التصريح هو المشجع على طرق مثل هذا الموضوع الذي يكاد يكون تحليلا له.
هذه بعض الإشارات ـ وغيرها كائن ـ يمكن أن توثّق إذا اقتضت الحاجة، ولكنها في شكلها الحالي تبدو كافية لتعطي صورة واضحة على أن الحركة بقيت كما بدأت جسما غريبا في وسط النظام رغم ما قدمته من تضحيات من أجل اندماجها في خدمة البلاد، وبناء عليه فهي ليست مسؤولة عما يحدث مما يثير غضب الشعب من الرداءة وكذا من الفساد ما دامت إذا قالت له "قف" لا يسمع صوتها لأنها ليست "في الحكم" رغم أنها"في الحكومة".
• خـــاتمة: إذا كان توضيح هذه المقولة واجب الوقت ـ كما ذكرنا ـ حتى نبرئ الحركة من الفساد التي أعلنت الثورات ضده ومن كل رداءة تحتقن بوجودها الشعوب الثائرة أو المتأهبة للثورة؛ فإن معالجة ما تشخصه هذه المقولة واستكمال ما تشير إليه من نقص يخضع للقرارات الرسمية في الحركة بأحد أمرين:
ـ إما بالمواصلة على نفس الخط بنفَسِ أطول وتحمّل أكبر حتى تحقيق الكمال المنشود، وهذا مرهون بتوفر أكبر قدر من مظاهر النوايا الحسنة من الطرف الآخر.
ـ وإما بتغيير الوجهة دون تضييع الرصيد، وهذا يتطلب موازنات دقيقة... والحياة مغانم ومغارم، فما يحقق للمشروع مغانم أكثر هو الخيار المطلوب. والله نسأل السداد والتوفيق.
تذكير: هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة وإنما هو إثراؤ للنقاش والتفكير لا غير
http://www.hmsalgeria.net/ar/modules...ticle&sid=2615