hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    المحدِّثون والأصوليون وردُّ الحديث من جهة المتن تقديم وتقريظ / الشيخ يوسف القرضاوي

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

     المحدِّثون والأصوليون وردُّ الحديث من جهة المتن تقديم وتقريظ / الشيخ يوسف القرضاوي Empty المحدِّثون والأصوليون وردُّ الحديث من جهة المتن تقديم وتقريظ / الشيخ يوسف القرضاوي

    مُساهمة  Admin الأحد 14 أغسطس 2011 - 17:55

    تقديم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

    (وبعد)

    عرَفتُ الأخ الحبيب، والشاب النابه معتزًّا الخطيب قبل أن أراه، وذلك حين شارك بالكتابة حول انتقاداتي لأفكار الشهيد سيد قطب، في مذكِّراتي (ابن القرية والكتاب)، وبخاصة ما كان حول تكفير المجتمع، وقد أعجبتُ بتعليقه، وأثنيتُ عليه، وعلى ما تضمَّنه من علم ووعي، دون أن أعرف ما هو؟ ومن هو؟

    وجاءني بعدها مع الأستاذ توفيق غانم المدير العام لموقع (إسلام أون لاين. نت) لأتعرَّف عليه، فإذا هو شابٌّ حديث السن، لم أكن أتوقَّعه في مثل سنِّه، فدلَّ على نضجه المبكِّر، وأنه قارئ يُحسن القراءة، ويستفيد مما يقرأ ثم ازددتُ تعرُّفا عليه في مناسبات شتَّى.

    ولقد زاد إعجابي بمعتزِّ الخطيب حين عرَفتُ أن تخصُّصه في الحديث وعلومه. والسمت العام للمشتغلين بالحديث هو (النزعة الظاهرية) والميل إلي الحرفية في فَهم النصوص، وعدم التركيز على المقاصد والكليَّات، على حين يتمتَّع معتزُّ بعقلانية مستنيرة، متنوعة الثقافة، قادرة على النقد، مستعدَّة للتساؤل عن كلِّ شيء، حتى ليكاد يعدّه مَن لا يعرفه في الليبراليين أو العلمانيين. ولكن إذا سبرتَ غوره وجدتَه من الملتزمين بالإسلام.

    والواقع أن معتزًّا - إن كان لا بدَّ من تصنيفه - هو أقرب إلى (مدرسة الرأي) منه إلى (مدرسة الحديث والأثر)، وقد كانت المدرستان متمايزتين، وخصوصًا في أول الأمر، مما جعل كثيرًا من الأثريين يهاجمون فقهاء العراق، وخصوصًا أبا حنيفة الذين شنُّوا عليه غارة شعواء، حتى كادوا يُخرجونه من الإسلام.

    ومَن قرأ كتابًا مثل كتاب (السُّنَّة) لعبد الله ابن الإمام أحمد، وما جمع فيه من طعون وتجريح لأبي حنيفة، ترتعد منها الفرائص. وما نقله بعده الإمام أبو بكر الخطيب البغدادي في موسوعته التاريخية (تاريخ بغداد) وما أورده في ترجمة أبي حنيفة من أقاويل جعلت علاَّمة الأتراك وكيل المشيخة الإسلامية الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله، ينتهض ليردَّ على الخطيب برسالته الشهيرة (تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب)! وهو ما جعل أحد علماء الحديث يردُّ على الكوثري بكتاب كبير، وهو العلاَّمة الشيخ عبد الرحمن المُعَلِّمي اليماني، وقد سمَّى كتابه (التنكيل لما ساقة الكوثري من الأباطيل).

    وأعتقد أن كلاً من الكتابين قد تجاوز أدب الحوار، ودخلت في المعركة عناصر لم تكن ضرورية، ذهبت بكلِّ من الطرفين بعيدًا. وأشدُّ هذه العناصر هو: (العصبية المذهبية)، التي قال عنها العلاَّمة مصطفى الزرقا: إنها سجن ضيق مظلم في جنة الشريعة الفيحاء!

    والحقيقة أن المدرستين (الرأي والحديث) قد تقاربتا إلي حدٍّ كبير، بعد أن لقي الصاحبان[i] الإمامان أبو يوسف ومحمد الإمام مالكًا، وروى محمد الموطأ عنه، وبعد أن اقترب مالك من أصحاب الرأي، بقوله بالمصالح المرسلة، وعمل أهل المدينة، وتخصيصه النصوص بمخصِّصات شتَّى! حتى قيل: لولا مالك لضاقت المسالك، وحتى قال الإمام محمد أبو زهرة في كتابه عن (مالك) إنه من أئمة الرأي[ii]. وهو محقٌّ في ذلك. ولذا أنصف مَن اعتبره من (فقهاء أهل الحديث) بل هو إمامهم.

    وأعتقد أن هذه المدرسة - مدرسة فقهاء الحديث التي يمثِّلها مثل: عز الدين ابن عبد السلام، وابن دقيق العيد، وابن تيمية وابن القيم، وابن كثير، وأمثالهم - هي المدرسة التي تمثِّل (الوسطية الإسلامية)، التي تفهم النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية، ولا تقيم معركة بين السنة والقرآن، ولا بين صحيح النقل وصريح العقل، ولا بين الحديث والفقه وأصوله. بل تقيم منهجًا متكاملًا ومتوازنًا يجمع أفضل ما عند المدرستين. وهذا ما انتهجه شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته، وقد دافع عن الأئمة المتبوعين المقبولين عند جمهور الأمة، وفي مقدِّمتهم أبو حنيفة، وذلك في كتابه الشهير (رفع الملام عن الأئمة الأعلام).

    ولكن كثيرًا ممَّن يدَّعي الانتماء إلي مدرسة ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، لا ينهجون هذا النهج، ولا يحملون هذه الرُّوح. ولا غرو أن أطلقتُ عليهم في بعض الأحيان: مصطلح (الظاهرية الجدد). أعني أنهم يتمسَّكون بجمود الظاهرية، ورفضهم القياس، وعدم تعليلهم للأحكام، وعدم اعتبارهم للمصالح أو المقاصد، واعتقادهم أن الشريعة تفرِّق بين المتساوين، وتسوِّي بين المختلفين. هذا مع ما تتميَّز به الظاهرية من التبحُّر في العلم، والموسوعية في الحديث والآثار.

    وهم الذين ردَّ عليهم شيخنا الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، في كتابه الذي أحدث ضجَّة فكرية كبيرة عند ظهوره، وهو الذي سمَّاه (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث)، والذي ردَّ فيه قليلاً من الأحاديث ثبتت في الصحيحين أو أحدهما، مثل حديث: "لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَِز اللحم، ولولا حواء لم تخُن أنثى زوجها الدهر"[iii]، ومن حقِّه أن يردَّ هذا الحديث بشقَّيه، فاللحم يخنز - أي يتغيَّر وينتن - وَفق السنن الإلهية قبل بني إسرائيل وبعدهم، وحواء لم تخُن زوجها، كما نستبين ذلك من القرآن.

    وقد غضب على الغزالي كثيرون، صوَّبوا إليه سهامهم، واتَّهموه بمعاداة السنة. وهي تهمة باطلة يقينًا. فقد ردَّ الرجل على أعداء السنة بمنطقه القوي، وقلمه البليغ في أكثر من كتاب له.

    ولكن المشكلة تكمن في عملية مشروعية (نقد متون الأحاديث)، وَفق الضوابط والقواعد، ولا سيَّما الأحاديث التي لم تصل إلى درجة القطع. أعني أحاديث الآحاد.

    وقد شاركتُ الشيخ الغزالي في بعض انتقاداته، وانتقدتُ المحدِّث الكبير الشيخ ناصر الدين الألباني في بعض تصحيحاته - أو تضعيفاته - للحديث، ولا سيَّما التصحيح والتحسين.

    فهو يصحِّح حديث: "الوائدة والموؤدة في النار"[iv]، الذي رواه أبو داود. وهو معارض لصريح القرآن الذي قال بكلِّ صراحة: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8، 9].

    وهو يصحِّح عدَّة أحاديث تقول: "ألبان البقر دواء، ولحومها داء"[v]. فكيف تكون داءً، وقد أباحها الله في كتابه باعتبارها من بهيمة الأنعام، وشرع ذبحها في الأضاحي والهَدْي في الحجِّ والعمرة؟ وهي مصدر عالمي للغذاء (البروتيني)؟

    ولقد نبَّهتُ من قديم في عدد من كتبي إلى ضرورة (الوصل بين الفقه والحديث)، إذا أردنا أن نحيي قويما. اجتهادا فقد انقطعت الصلة بين العِلْمَين في عصور التراجع الحضاري والثقافي لأمَّتنا، وأصبح الذين يشتغلون بالحديث وحده شبه أميين في الفقه وأصوله، كما أصبح الذين يشتغلون بالفقه وحده شبه أميين في علوم الحديث ورجاله، وكثيرًا ما يستدلُّون بالحديث الضعيف والمنكر، بل الموضوع، وما لا أصل له. حتى اشتهر قول بعضهم: هذا من حديث الفقهاء!

    وأحيانًا يردُّون الحديث الصحيح. وهذا غاية الخلل والاضطراب: أن نحتجَّ بالضعيف، بل الموضوع، وأن نردَّ الصحيح المتَّفق عليه. والشكوى من انفصال الفقه عن الحديث قديمة، والشعور بالحاجة إلى الجمع بينهما أصيل في تراثنا.

    ومن هنا وجدنا من علماء السلف مَن ينكر انفصال العِلْمَين، ويرونه من (الفُصام النكد) كما عبَّر سيد قطب رحمه الله.

    قال بعضهم: كان سفيان الثوري، وابن عيينة، وعبد الله بن سنان يقولون: لو كان أحدنا قاضيًا لضربنا بالجريد فقيها لا يتعلَّم الحديث، ومحدِّثًا لا يتعلَّم الفقه


    ولهذا رأينا الأزهر في تنظيمه الحديث، الذي قسَّم فيه الدراسة الجامعية إلى كليَّات ثلاث:

    أصول الدين، والشريعة، واللغة العربية. حاول أن يجعل في كلية الشريعة: دراسة الفقه المذهبي والمقارن، وأصول الفقه، وتاريخه، كما يدرِّس آيات الأحكام وأحاديث الأحكام. دلالة على ما قلناه من ضرورة الاتصال بين الثقافة الفقهية، والثقافة الحديثية. وما يدرَّس في الكليات لا يكفي لإعداد مجتهد، ولكن حسبنا هنا وضع الأُسس. وقد قال حكيمٌ: المدرسة أو الجامعة تعطيك مفاتيح العلم، أما العلم نفسه ففي المكتبة!

    وقد بدأتْ الدراسات العليا في كلية الشريعة بالأزهر من قديم في شعبة أصول الفقه تركِّز على (أصل السنة)، وهي شقيقة القرآن وبيانه، فكتب العلاَّمة عبد الغني عبد الخالق من مصر رسالة عن (حُجيَّة السنة)، وكتب العلاَّمة مصطفي السباعي من سورية رسالة عن (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)، ردَّ فيها على المستشرقين، وعلى أحمد أمين، وعلى أبي رَيَّة وأمثاله.

    لهذا كان أخونا الدكتور معتز الخطيب موفَّقًا، حين اختار أطروحته حول هذا الموضوع الشائك (ردُّ متن الحديث بين المحدِّثين والأصوليين)، تحت إشراف علاَّمة الحديث صديقنا الأستاذ الدكتور: نور الدين عتر حفظه الله. فلا ريب أن هذه الدراسة نوع مهمٌّ وضروريٌّ من الربط بين المدرسة الحديثية والمدرسة الأصولية أو الفقهية.

    ولا شكَّ أن للأصوليين سبحًا طويلاً حول السنة باعتبارها الدليل الثاني للتشريع والأحكام بعد القرآن. لا يختلف في هذا مذهب عن مذهب، ولا أهل طريقة عن أهل طريقة أخرى، أي في طريقة التأليف في الأصول بين طريقة الفقهاء، وطريقة المتكلِّمين، طريقة الحنفيَّة، وطريقة الشافعية ومَن وافقهم من المالكية.

    واختار د. معتز أن يكون موضوعه (ردُّ متن الحديث)، لا مجرَّد نقد متن الحديث. والموضوع دسم، والدراسة فيه مركَّزة، وتحتاج من الدارس إلى التعمُّق والتدقيق والصبر والمصابرة، حتى يفهم ويوازن، ثم يرجِّح ويختار.

    ومن الباحثين مَن يعتبر المحدِّثين هم الأصل، وإذا نازعهم الأصوليون رجَّح جانب المحدِّثين، لا لشيء إلا أنهم أعلم بالحديث من غيرهم. وهذا منهج غير مُسَلَّم لهم من الناحية المنطقية.

    فعلم الأصول هو الذي ينشئ الأُسس، ويضع القواعد اللازمة للاستدلال، وهو الذي يضع كلَّ دليل في مرتبته، ويحكم بينها إذا تعارضت، فهو مقدَّم في الترتيب على علم الفقه، وعلى علم الحديث.

    والعمل الذي قام به معتز، عمل علميٌّ له وزنه وقدره في تجلية موقف كلٍّ من الفريقين المحدِّثين والأصوليين، ولا سيما في هذا الموضوع المهم، وهو: (ردُّ متن الحديث بين المدرستين).

    وقد قام بجهد مشكور في ذلك لا يقدره إلا من مارس شيئًا من هذه الدراسات، ولمس الجهد المضني الذي يعانيه الباحث المخلص الذي يجهد جهده، ويغوص في الأعماق، حتى يصل إلى الحقائق، ويصفِّيها ويبرزها ناصعة، ويقارن بينها وبين ما يشبهها، أو يضادها أو يناقضها، ثم يعرض النتيجة على العلماء ليسقيهم مما في بطونها من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين.

    لقد كان إبراز موقف المحدِّثين وموقف الأصوليين من خلال تأصيل الأحكام، وتبيين المواقف، وتحليل الأفكار، وضرب الأمثلة المتعدِّدة للطرفين، ومناقشتها بعقلية ناقدة: جهدًا مقدورًا، لا يقوم به إلا مَن وفَّقه الله لخدمة العلم، ونُصرة الدين، من الرجال الذين أهدى إليهم الباحث كتابه، وهم (الخلف العدول) الذين الذين ينفون عن علم النبوة "تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"[vii].

    والميدان رحب، والأمثلة وفيرة، والمناقشات جادَّة، والانتقادات كثيرًا ما تكون حادَّة، ولكنها علمية ونافعة، سواء كانت من المحدِّثين أم من الأصوليين، ولا يتَّسع المجال لذكر القليل منها.

    ومما يزيد من قيمتها أنه يعتمد على الكتب الأصلية، وعلى كتب المتقدِّمين، ولا يكتفي بالمتأخرين، ولا يكتفي بكتاب واحد، أو مصدر واحد، أو مدرسة واحدة. ومَن قارن بين بحث معتز وبحوث معاصرة قريبة من موضوعه لاح له الفرق الشاسع بجلاء.

    النظر في مقاييس الرِّد عند المحدِّثين والأصوليين:

    وقد تحدَّث الباحث في الفصل الثاني (مقاييس ردِّ الحديث من جهة المتن عند المحدِّثين)، وأورد فيه ستة مباحث هي:

    المبحث الأول: التعليل بالتفرُّد.

    المبحث الثاني: التعليل بالزيادة

    المبحث الثالث: التعليل بالمخالفة.

    المبحث الرابع: التعليل بالاختلاف.

    المبحث الخامس: التعليل بالغلط.

    المبحث السادس: مقاييس أخرى.

    كما أورد في الفصل الثالث (مقاييس رد الحديث عند الأصوليين)، قال:

    وفيه مدخل ضروريٌّ، وثمانية مباحث هي:

    المبحث الأول: مخالفة الحديث للعقل.

    المبحث الثاني: مخالفة الحديث للقرآن.

    المبحث الثالث: مخالفة للسنة المشهورة.

    المبحث الرابع: مخالفة للإجماع.

    المبحث الخامس: الانفراد بما جرت العادة على نقله تواترا.

    المبحث السادس: ورود الخبر في عموم البلوى.

    المبحث السابع: مخالفة الحديث للقياس أو قياس الأصول.

    المبحث : مخالفة الحديث للعمل المتوارَث.

    وفصَّل في هذين الفصلين الكبيرين الحديث عن معنى (المقياس)، وناقش بعض المعاصرين وكتاباتهم عن المقياس، وضرب أمثلة وفيرة، وناقش مفردات هذه المسائل مناقشة طويلة ومعمَّقة، بحيث لا أستطيع أن أنقل للقارئ شيئا منها، إلا أن يكون طويلا لا يليق بمقدِّمة؛ وذلك لترابط الكلام، واتصال بعضه ببعض.

    الحقيقة أن هذه الدراسة مركَّزة ودسمة ومُجهدة، وتستحقُّ أن تُعرض منها على القارئ نماذج ونماذج، ومن هنا أنصح القارئ الكريم الذي يريد حقًّا أن يستفيد من هذه الدراسة: أن يقرأها على مَهَل، وأن ينهل من معينها حتى يرتوي.


    خاتمة البحث:

    وفي نهاية هذا البحث العميق المتميز، يكتب الباحث خاتمة له يقول فيها:

    (في نهاية هذا التطواف العلمي بين مناهج المحدِّثين والأصوليين في ردِّ متون الحديث النبوي، وبعد بحث علل المتون، تتَّضح أهمية الدراسات المقارنة التي تجمع بين علمين، بحسب اختلاف وظيفة كلِّ علمٍ، وما يقع بين العلوم من افتراق وتداخل.

    وقد اتَّضح أيضًا بعد هذه الدراسة المستفيضة، أن ردَّ المتون لعللٍ: أمر مقرَّرٌ في الجملة عند المحدِّثين والأصوليين، وإن اختلفوا في مقاييس ذلك الإعلال وفروعه. وإذا كان البحث قد أثبت أن منهج المحدِّث يشمل نقد الأسانيد ونقد المتون معًا، وأن التوسّع في نقد الأسانيد - عنده - جاء بحكم اختصاصه ووظيفته، فإن البحث أثبت - كذلك - شمولَ منهج الأصوليّ لنقد المتون ومسائل الرواية، وأن توسع الأصولي في نقد المتون جاء بحكمِ طبيعة عمله ووظيفته.

    فمنهج المحدث منبثق عن موضوع علم الحديث نفسه الذي يحدّد مجال نظره، وطبيعة وظيفته. فموضوعه هو توثيق الأحاديث والآثار، وتمييز المقبول منها والمردود، وعلى هذا الاعتبار انبنى منهجه النقدي؛ فمدار تقسيمه للحديث على درجات القوة والضعف بحسب تَوَفُّر شروط القبول حتى تحصل الثقة بالخبر، ولذلك كانت قرائنه واقعةً في حدود ما تتقوى به الثقة مما لا تتقوى، ويكون ذلك بِسَبْر مرويات الراوي، وتَتَبع الطرق والشواهد، وتَوَفّر صفة العدالة الدينية الحاملةِ على العناية الكاملة، الحاجزةِ عن وقوع الكذب أو التساهل أو التصرف في النقل بما يُخِلّ بصيغة الضبط التي تحقق الأداءَ كما سَمع.

    أما الأصوليّ فإن له منهجًا كاملاً في انتقاد الحديث، يُشكل جزءًا من علم أصول الفقه؛ لأنه يتصل بصحة الدليل ومتى ينهض للاحتجاج وبناء الأحكام. ونظرُ الأصولي يدور على مسألة القطع والظن وما يتصل بهما، وبناءً على هذا قسم الأخبارَ إلى متواتر وآحاد، وما يُقطع بصدقه وما يُقطَع بكذبه وما لايقطع بكونه على واحدٍ من الأمرين، كما ميّز بين المحالّ التي يَرِد عليها الخبر، ووازن بين الأدلة والأخبار، وحصولُ القطع والظن مبنيُ على توفر الشروط وتكامل العملية النقدية في المخبِر عنه والإخبار).

    أهم النتائج:

    ثم يضع الباحث نصب أعيننا هذه النتائج، ويجلِّيها لنا بوضوح، فيقول:

    1. (المقبول أعمّ من الصحيح، فهو عند المحدِّث شامل للصحيح والحسن بنوعيهما، أما عند الأصوليِّ فهو ما يَجب العمل به، ولذلك هو ينشغل بالمعاني التشريعية، ويُقَايِس الأخبار بأصول الشريعة.

    2. النقد الحديثي ليس أجنبيًا عن الأصولي، فهو من أهله ولَصيقٌ بفنّه، ولكن اختصاص الأصولي يتضح من خلال قسمته للحديث إلى متواتر وآحاد، ثم من خلال بَحْثه مسائلَ الاحتجاج بخبر الواحد وشروطه. والمنهج النقدي عند الأصوليّ يقوم على ثلاثة أركان، الراوي والمروي والرواية، أو المخبِر والمُخْبَر عنه والإخبار، ولكل ركنٍ شروطه.

    3. صفات القبول عند الأصوليين والفقهاء اختلفت قليلاً عما لدى المحدثين، وإنْ حصل الوفاق بينهما في أصل اشتراط العدالة والضبط، واختلاف المحدثين والأصوليين يَكمن في تفاصيل ذلك لا في أصله، وإن كان يقع التداخل أحيانًا بين مذاهب الطرفين، فلا ينهض الخلاف لدرجة القول: إن لكل فريق رأيًا بموازاة الآخر، خلافًا لمَن أوهمَ ذلك ولم يُدَقِّق من المعاصرين.

    4. جوهرُ الخلاف بين المحدثين والأصوليين يقع في شرطَيْ انتفاء الشذوذ والعلة، والأولىَ أن يقال: إن كثيرًا من الأصوليين والفقهاء لا يشترطون انتفاء الشذوذ والعلة كما هما في اصطلاح المحدثين؛ فإن لكثير من الأصوليين عللاً خاصة بهم وَفق منهجهم.

    5. مرد الخلاف بين الأصوليين والمحدثين في المردود إلي اختلافهم في أسباب الطعن بالحديث، فجهات الضعف متباينة متعددة، فالفقهاء والأصوليون اختصوا بأسبابٍ ترجع في الجملة إلى المخالفة في المتون وتندرج ضمن الإخلال بشروط العمل بالخبر، وذلك لمراعاة نظام الشريعة ونصوصها وقواعدها، والمحدثون اختصوا بأسباب أخرى وقرائن ترجع في جملتها إلى الأسانيد والرواة أكثر من غيرها.

    6. ليس من وظيفة الأصولي الطعن والتكذيب وتعيين المخطئين، بل ملاحقة العمل واستنباط الأحكام، فالردّ يعني عدم العمل، أو عدم توفر شروط العمل والاحتجاج.

    7. مقاييس رَدّ الحديث من جهة المتن عند المحدِّث تَرجع إلى أصل عامّ هو التعليل بمسالكه المختلفة، وهي خمسةٌ تَكْثُرُ، ويضاف إليها ما يقع التعليل به لكنْ على ضِيقٍ.

    8. مقاييس رَدّ الحديث عند الأصوليين تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: قسم تَوافقوا عليه، وهذا افترضوه بناء على التصور العقلي وليس بواقع. والثاني: قسمٌ اشترطه الحنفية وبَنَوْا عليه مسائل فقهية. والثالث: قسم اشترطه المالكية. فالكلام في هذه النتائج وفي غيرها على (الأصوليين) بالعموم يَتَنَزَّل على هذا التحديد.

    9. الاختلاف الواقع في الشروط الزائدة للحديث المقبول، إنما هو اختلافٌ في طريق ثُبُوت الأخبار، وليس بين مَن قَبِل الحديثَ الصحيحَ ومَنْ ردَّه، كما تَوَهَّم بعضُهم).

    والنتائج التي انتهى إليها الباحث وفيرة، ونكتفي بهذا الكمِّ منها.

    أهم التوصيات:

    ثم ضمَّ الباحث الكريم بحثه بهذه التوصيات أو أهم التوصيات، وهي:

    1. (ضرورة القيام بأبحات تاريخية دقيقة في علوم الحديث، تدرس نشأة المصطلحات وجذورها وتطورها والاختلاف في مدلولها، عبر مختلف العصور.

    2. أهمية الدراسات التطبيقية التي من شأنها أن تخفف من غلواء التنظير الذي قد يخالف الواقع التطبيقي في بعض الأحيان.

    3. القيام بالدراسات البينية بين العلوم، أي دراسة الموضوعات التي يشترك فيها علمان أو أكثر من علوم الشريعة، لتوسيع مدارك نظر الباحثين، والوقوف على مساحات التقاطع بين العلوم؛ لأن هذا سينعكس على مزيدٍ من الفهم لحركة العلوم وتطورها، وسيكشف عن طبيعة وظيفة كل علم منها.

    4. ضرورة العودة إلى المصادر التأسيسية لأيّ علم من العلوم للوقوف على حقيقة مذاهب وأنظار مؤسِّسيه، مع عدم إهمال كتب المتأخرين التي لا تخلو من تحريرٍ وفوائد.

    5. تلافي عيوب التأليف النقليّ، ومن أبرزها عدم نَقْل الأقوال بنصّها، أو اقتطاعها من سياقها، أو الوقوف دون انتهاء مقصود المتكلم منها.

    6. ضرورة الدراسات التحليلية النقدية التي تعالج أسباب الاختلاف بين العلماء، على أسسٍ معرفيةٍ، تتجاوز الكتابات التي سميت بآدب الاختلاف، وذلك لأهمية التلازم بين الأخلاق والمعرفة في التعامل مع الخلاف.

    7. تَحِّري الدقة في فَهْمِ مناهج العلماء ومذاهبهم، وفي نَقْلها، وفي مناقشتها، وعدمُ الاسترواح إلى الترجيح بينها باستخفاف ودون تحصيل مؤهلات الترجيح، مع ضرورة الإنصاف في كلِّ ذلك).

    شكر الله لأخينا معتز الخطيب ما قام به من جهد علميٍّ أصيل يقدره أهل العلم، ويعدُّونه من (صُلب) العلم، كما قال الإمام الشاطبي، لا من مُلَحه. وهو يقوم على الاستيعاب والمناقشة والموازنة والنقد والاختيار، بعيدا عن التعصُّب والانحياز، إلا للحقيقة العلمية الموضوعية التي تظهر بالبحث المحايد الحرِّ، بحيث نتحيَّر في نهاية البحث: من أيِّ المدرستين هو؟ أهو من المحدِّثين أم من الأصوليين؟

    سدَّد الله خطاه، ونفع به. كما جاء في الأثر: اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علمًا.

    الفقير إليه تعالى

    يوسف القرضاوي

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 6:20