محمد أحمد الراشد
عبد المنعم صالح العلي العزي (مواليد بغداد ، 8 يوليو 1938 م ، واسمه الحركي : محمد أحمد الراشد ) وهو داعية إسلامي وأحد أبرز قيادات الإخوان المسلمين في العراق ، تتلمذ على يد الكثير من علماء بغداد ومنهم الشيخ أمجد الزهاوي والشيخ العلامة محمد القزلجي، وهاجر بعد حرب الخليج الثانية إلى أوروبا، ويعتبر الراشد من أهم منظري و مؤلفي الحركة الإسلامية فهو مؤلف العديد من الكتب التي تحاول أن تجمع روح الحركة مع العلم الإسلامي ونوع من الروحانيات والتأكيد على الأخلاق الإسلامية. وترجمت كتبه للكثير من اللغات الأجنبية.
من يقرأ كتب الراشد يرى بوضوح وجلاء تام أن كاتبها ليس مجرد داعية قضى عمره في الدعوة إلى الله ونشر العلم فحسب ، وإنما يرى فيه أديباً يجاري كثيراً من الأدباء في بلاغته ، وهذا الأسلوب إنما جاء مع كثرة الاطلاع الأدبي وقراءة كتـب الادباء والشعراء ؛ يقول الشيخ عن نفسه : ولما كنت في أول شبابي وقع في يدي كتاب وحي القلم للرافعي فقرأته مراراً ؛ الجزء الأول من وحي القلم قرأته عشرين مرة ؛ أما إذا أردت المبالغة أقول أكثر من ذلك لكن عشرين مرة أجزم بها ” .
وقرأ لأدباء كثر من العصر العباسي حتى العصر الحاضر ، كالرافعي ومحمود شاكر وعبد الوهاب عزام ، وهو أكثر من تأثر به الشيخ بعد الرافعي ، وعشرات الدواوين والمجلات الأدبية ناهيك عن كتب الفقهاء المتقدمين الذين تمتاز كتبهم بقوة عباراتها ورصانة جملها .
لذلك جاءت كتبه خليطاً مميزاً من الأدب والفقه والاستشهاد بأقوال السلف والخلف مع إيحاءات ثقافية عامة لا تكاد تنفك عن كل كتاباته
• مؤلفاته المطبوعة:
* المنطلق
* العوائق
* الرقائق
* صناعة الحياة
* المسار
* بعض رسائل العين .
* مواعظ داعية.
* آفاق الجمال.
* موسوعة الدعوة والجهاد.
* عودة الفجر.
* صحوة العراق.
* دفاع عن أبي هريرة
* أقباس من مناقب أبي هريرة ( وهو مختصر الدفاع )
* تهذيب مدارج السالكين
* تهذيب العقيدة الطحاوية .
تهذيب مدارج السالكين
معاً نتطور
معاً نحمى العراق
المسار
المنطلق
الرقائق
العوائق
تقرير ميدانى
صناعة الحياة
فضائح الفتن
نحو المعالي
وله أيضاً:
همس النبضات
أنساق النفضات
الظاهرة القيادية
الموازين الجهادية
منهجية التربيه الدعوية
أصول الافتاء
رؤى تخطيطية
الأرقام المتيممة
آفاق الجمال
الأدنى الأمثل
الاستدراك الواعى
كتلة الإصلاح
عوامل التحريك
ولادة الحركات
منظومات التحريك
الاستنبط الاستراتيجى
دفاعا عن أبي هريرة
شرح العقيدة الطحاوية
تهذيب إحياء علوم الدين
محاضرات صوتية:
رابط المحاضرات الصوتية للمحمد الراشد
جوامع الفقه الجهادي
جذور الوعي الإسلامي
الصراع بين السنة والبدعة
الأمة الإسلامية في مواجهة التحديات
منطلقات التأصيل الجهادي
ما قبل أسوار بغداد
الشباب المسلم في مواجهة الاستعمار الأمريكي
هواية جمع الغبار
بقلم : الشيخ محمد أحمد الراشد
إن أراد الداعية أن يغبط نفسه ، فإنه يغبطها على قانون تجارته الفذ . حقا، إنه قانون مربح، خال من الغموض.
فتجارة الدعاة مع الله ليست كتجارة غيرهم، ليس فيها قلق من تخفيض سعر الدولار، ولا مخاطر مضاربات البورصة، ولا تعقيدات التحويل الخارجي.
سعر أسهم الداعية ثابت، بل يزيد، ولا ينقص، والوضوح في معادلات تجارته هو أعظم ضمانا من التأمين.
تعب أكبر = رضوان من الله أكبر، بفائدة ربانية، أدناها 900% ، تسعمائة بالمائة ، كما في الآية الكريمة : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } [الأنعام: 160] ، وليست مجرد 7% كما عند تجار الدنيا، إلى 69900% ، تسع وستين ألفا وتسعمائة بالمائة ، كما في الحديث الشريف: " يضاعفها الله إلى سبع مائة ضعف " .
ورضوان الله= أفراح الآخرة ..
هذه هي معادلاته، وقوانينه التجارية، ويا لها من إغراءات ما بعدها إغراء !! ومن هنا لا تجد أحدا يفهم قوانين التجارة الإيمانية، إلا وتراه مشمرا مع المشمرين، مسرعا نحو أفراح الآخرة .
ويا لها من أفراح تتنوع لك كما تشتهي، تشتهيها نظرا إلى ربك الجميل - عز وجل - ، أو ملاقاة لأنبياء ربك ورسله، أو رفقة للصديقين والشهداء ، ومن سلف من الأمة من العلماء ، كل ذلك لك .
أو تشتهيها كئوس خمر، على سرير موضون، يطوف بهن عليك ولدان مخلدون، هذا وعشرة أمثاله لك.
أو تشتهيها قاصرة طرف، عذراء ناهدة، تحت أشجار نخل ورمان، خاليا عند شاطئ نهير، على أنغام تغريد طير .. هي وأخواتها لك.
فاختر ما تحب من سرعة سير، فإن يحيى بن معاذ قد نظر إلى القافلة ، فوجد فيها الماشي، والمهرول، والراكض، ثم نظر إلى درجات الجنة ، فوجد أنهم : (( إنما ينشطون إليه على قدر منازلهم لديه )) ، فلكل درجة نشاط في السير إلى الله، درجة من الجنة لدى الله.
درجات طبقات :
فادفع ثمن الواطئ، أو العالي، إن لك الخيار، إنما نذكرك أنه ملك، وما هو- والله- باستئجار ، ولكنا نعلم اختيارك، وما أنت بالذي يرضى الواطئ من الجنة.
أنى لصاحب الاستعلاء في الدنيا أن لا يطمع بعليِّين في الآخرة ؟! لكنها جسيمة مطامعك هذه، مثلما هي جسيمة أهدافك في الدنيا.
فاعلم بأنك لن تنال جسيمة ******* حتى تجشم نفسك الأهوالا
شرط وثمن :
فما هو بقدم هول واحد إذن ، إنما ذاك في تربية فترة الابتداء، وإنما هي أقدام الأهوال.
هول من بعد هول، ولا نَعِدُك في طريق الدعوة أن تطأ الورود ، لكنها طبقة من بعد طبقة ، باب، فربض، ففردوس، فعليِّون يعدك الله إياها .. قد يكون هذا الهول تكذيبا من الناس لك، أو معاداة من الأهل، أو نفيا من ظالم، أو سجنا من طاغية. وقد يكون هذا الهول تعبا يوميا، أو فقرا، أو نسيانا لفرصة ثراء تمر بك، وأنت لاه بعمل الدعوة، أو عزوفا عن جميلة حسناء، غرها زي الجاهلية، وددت أنها لو تعف، فتكون لك زوجا .
لهذه الأهوال، كان طريق الحق ثقيلا، لا يلجه إلا من اشتاق إلى الجنة، وكان ثقيلا في القديم - أيضا - كما هو اليوم ، ولذلك تجد وصفه عند من ربى الدعاة قديما ، كما تجد وصفه عند خلفهم الآن ، فكان الحسن البصري يردد : " إن هذا الحق ثقيل، وقد جهد الناس، وحال بينهم، وبين كثير من شهواتهم، وإنه – والله - ما يسير على هذا الحق إلا من عرف فضله ، ورجا عاقبته ".
فمن عرف جمال العاقبة ولذتها، سار .. ومن سار سافر ، ومن سافر جاب ، ومن جاب تغبر، فمن ثم لا يصدق اصطلاح (الداعية) إلا على من كان أشعث، وتلك هي ملامح صورته التي رسمها الشاعر، فمن نظر إلى داعية مسلم وجده :
أخا سفر جواب أرض تقاذفت ******* به فلوات فهو أشعث أغبر
فهو غير قاعد، فضلا أن يكون راقدا، وإنما يصرف ساعات نهاره وليله في التجول، داعيا، آمرا، ناهيا مربيا، حاشدا ، فإذا رجع إلى بيته عند منتصف الليل، ورأى الغبار يعلوه ، ابتسم فمه، وضحك قلبه، وقال لنفسه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من اغبرت قدماه في سبيل الله ، حرمه الله على النار" ، فينام مسرورا بما جمع من هذا الغبار، وينام غيره مسرورا بما رصد في البنوك من دولار، ودينار.
ولو شاء أن يجمع غباره يوما بعد يوم، ليرش في كفنه إذا مات، لكان ذلك سائغا، لو عصم نفسه من الغرور، والله أعلم، وله سلف فعل ما فعل، وبه يقتدي، هو ملك الأندلس العادل البطل: المنصور ، أبو عامر ، محمد بن أبي عامر.
قالوا : " كان طول أيام مملكته مواصلا لغزو الروم، مفرطا في ذلك، لا يشغله عنه شيء ، وبلغ من إفراط حبه للغزو أنه ربما خرج للمصلى لوم العيد، فحدثت له نية في ذلك ، فلا يرجع إلى قصره، بل يخرج بعد انصرافه من المصلى - كما هو من فوره - إلى الجهاد ، فتتبعه عساكره، وتلحق به أولا فأول، فلا يصل إلى أوائل بلاد الروم ، إلا وقد لحقه كل من أراده من العساكر " .
غزا في أيام مملكته نيفا وخمسين غزوة ، ذكرها أبو مروان بن حيان كلها في كتابه الذي سماه "المآثر العامرية" ، واستقصاها كلها بأوقاتها، وذكر آثاره فيها، وفتح فتوحا كثيرة، ووصل إلى معاقل، كانت قد امتنعت على من كان قبله، وملأ الأندلس غنائم.
وكان في أكثر زمانه لا يبخل بأن يغزو غزوتين في السنة، وكان كلما انصرف من قتال العدو إلى سرادقه يأمر بأن ينفض غبار ثيابه التي حضر فيها معمعة القتال ، وأن يجمع ويحتفظ به .. فلما حضرته المنية، أمر بما اجتمع من ذلك أن ينثر على كفنه إذا وضع في قبره.
وأتت وفاته بأقصى ثغور المسلمين ، بموضع يعرف بـ " مدينة سالم " ، مبطونا ، فصحت له الشهادة، وتاريخ وفاته سنة 393 هـ.
وإنما هو غبار واحد، غبار معارك أبي عامر، وغبار سفر، و تجواب ، وتجول الداعية، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر
منهجية التربية الدعوية
أني مغلوب فانتصر
محمد أحمد الراشد
في إحدى قرى الصعيد بمصر العامرة - عمرها الله بالإيمان والتقوى - ، عاد الصبي "حسن" - والذي لم يبلغ سن الحلم - من الحقل متعبا بعد يوم من العمل؛ فقد اعتاد أن يعمل في حقل خاله منذ ساعات الصباح الأولى إلى مغيب الشمس، حيث يعود بعدها إلى منزل خاله الذي آواه، بعد أن مات والداه وهو صغير لم يبلغ السادسة في حينها.
وقد نشأ اليتيم "حسن" في بيت خاله، في حياة أحاطها الشقاء والبؤس والحرمان المادي والمعنوي والعاطفي، من كل مكان، حيث لا يمر يوم إلا وللخال المؤتمن على طفولته طرائق في تهديده وتوبيخه وضربه؛ بسبب أخطاء طفولته، وطالما حرمه عدة مرات من عشائه، فيصبح طاويا جائعا، وهكذا توثبت قسوة قلب الخال على ابن أخته، فأحال حياته إلى جحيم لا يطاق.
هذا الصبي الصغير اعتاد أن يذهب إلى مسجد القرية وهو قادم من الحقل، حيث يصلي المغرب، ويجلس بعدها يستمع إلى درس شيخ المسجد وهو يفسر سورا من القرآن الكريم، وكانت تلك اللحظات ساعات راحته الحقيقية، تذيب ما به من أحزان، وتفسح في نفسه الأمل بالحياة، وتعينه على الصبر، واحتمال ضنك العيش، وجور الخال، ولم ينس الطفل تلك الهدية التي اعتاد أن يضعها في جيبه، وهي " مقلمة الأظافر " التي أهداها له شيخ المسجد عندما نظر إلى يده فرأى أظافره قد طالت، وكان " حسن " يحب شيخ المسجد كثيرا، خصوصا عندما يفسر السور الخاصة بصراع الأنبياء مع أقوامهم، وصبرهم على أذاهم، كانت نفسه تعيش بخيال واسع مع ذلك الصراع، ويتعلم منها الصبر والمثابرة .
مرة شرح الإمام آيات من سورة القمر تبين صبر نوح على قومه (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر * فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) [القمر: 9-10] واستفاض الإمام في شرح تلك الآيات، مبينا أثر الصبر في نجاح الدعوات، وثبات المبادئ، وقوة الاستنهاض للغاية، ثم عرج على أهمية الدعاء، وأثره في حياة الإنسان، ودوره في تقوية الصلة بين العبد وربه، وهكذا كانت أسعد لحظات الفتى هي اللحظات التي تنقله إلى جنة القرآن، بعيدا عن جحيم الخال.
وهكذا عاش الفتى سنوات طفولته في بيت خاله، ومسجد قريته، وتمر الأيام، وفي كل يوم تتثاءب القرية فيه عند فجر جديد، يطلع الغلام الصغير يحمل أدوات الحراثة، ومعها همومه وآلامه، وقد اعتاد الناس على رؤية هذا الغلام يسير خلف خاله، الذي يسوق حماره متجها للحقل كل صباح، وفي أحد الأيام العادية، والذي لم تختلف شمسه عن باقي الأيام، وعند الظهيرة، استند الغلام مجهدا على جذع شجرة في الحقل، فقد أضناه التعب وأنهكه .. قام الخال بتوبيخه، وأمره بالعمل، طلب الغلام أن يعطيه فرصة للراحة .. اعتبر الخال ذلك الرد بمثابة انتقاص لولايته وسلطته عليه، فما كان منه إلا أن أخرج سكينا من ثوبه، وانقض بها على جسد الغلام كالوحش الضاري دونما رحمة وشفقة لصرخات الغلام اليتيم : " يا خال!! يا خال!! أنا أمانة أمي عندك!! " اختلطت دماء ودموع الفتى، وتناثرت دماء الجسد الغض في المكان، لم ينهض الخال إلا بعد أن تأكد من أن الغلام قد لفظ أنفاسه الأخيرة بـ (46) طعنة متتالية، وقام بعدها منتفشا تعلوه نشوة الانتصار الكاذب كأنما خرج من معركة حربية !
استقل حماره، وتحرك بالرجوع إلى بيته، لكنه سمع أنينا خافتا، التفت وراءه، وإذا بالغلام يحرك أصابع يده، رجع قافلا وهو يسب: "ما زلت حيا يا ابن ..؟ " ترجل عن حماره، مستلا خنجره، كانت لحظات النهاية، عايشها الغلام اليتيم آلاما لا منتهية، منتشرة في أنحاء جسده، والدنيا تدور به، شريط الحياة كله يمر أمامه في لحظات السواد، يلف عينه، لا يرى إلا شيئا يقترب منه لا يتبين معالمه، كلما اقترب ذلك السواد، يراه من بين أجفانه المطبقة، إنه خيال خاله، وقد أشهر خنجره . تلمس الغلام بيده ثيابه، فإذا هي ممزقة، وقعت يده على "مقلمة الأظافر" فتح نصلها بإجهاد بالغ، قلبه الذي كاد أن يتوقف عن الخفقان ازداد خفقانه، وفي لحظات اقتراب خاله ليطعنه الطعنة القاتلة الأخيرة، ركع الخال رافعا يده ليهوي بها على جسد ابن أخته .. في هذه اللحظات السريعة وجه الغلام ببطء نصل سكينة مقلمة الأظافر إلى جسد خاله، وهو لا يقوى على رفع يده، كانت – في لمح البصر – الآيات التي يسمعها من الإمام تطرق مسامعه، لم يعلق في لسانه منها إلا قول الله تعالى: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) [القمر: 10]، رفع بصره للسماء، ودفع يده بنصل مقلمته قائلا: " رب إني مغلوب فانتصر" فكان النصل في قلب خاله، وسقط الخال ميتا بجانبه دون حراك.
بعد ساعات من الهدوء الذي سيطر على مكان الحادث، نقل الفتى إلى المستشفى، وعندما علم أخو الخال بوفاة أخيه بسبب ابن أخته الغلام الصغير، زيَّنَ له الشيطان قتل الفتى في المستشفى !!
حمل خنجره معه، وأسرع إلى المستشفى، ودخل دونما شك من أحد على الفتى، وهو ممدد تحيط به أجهزة العناية المركزة، وحوله بعض الضباط والأقرباء .. فاجأ الخال الثاني الناس، فانقض على الفتى طعنا في جسده بـ (31) طعنة أخرى في هذا الجسد الغض، حاول الهرب إلا أن الشرطة أمسكت به، ومع هذا، فإن الفتى ظلت فيه بقية من روح، ظل في المستشفى ستة أشهر، عولج خلالها، وشفي، مات خاله قاسي القلب، وسجن خاله الثاني، وخرج الفتى "حسن" إلى دنيا الناس من جديد بفضل : (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) [القمر: 10] ..