وما الدهر إلا من رُواةِ قصـائدي...إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا..!
التاريخ: الجمعة 01 يناير 2010
الموضوع: خواطر في الحب
بقلم الأستاذ حديبي المدني
الرواحل..زاد وصفات(1):
(إن كل تشدد في انتقاء جيل الرواد مستحسن، بل يجب أن يبلغ أبعد مداه، فإنه هو الجيل الذي سيقود الأجيال التي بعده، وعليه يقع ثقل البناء، ومنه يطلب الصبر على طول الرحلة، وإليه تشرئب الأعناق، تنتظر مبادرته إلى ضرب الأمثال، وهو الذي سيقص القصص للذين يقتدون، ويبتدع السنن للذين يقتفون.إن أمر هذا الجيل كأمر المهاجرين وقدماء الأنصار في الثبات يوم كثر النفاق بعد بدر، وفي الشجاعة يوم انهزم الطلقاء في حنين، وفي الوفاء يوم ارتدت العرب بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-..!)
وما الدهر إلا من رُواةِ قصـائدي … إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
وسـار به من لا يسـير مشمراً … وغنَّـى به من لا يغنى مغَرِّدا …!!!
الرواحل هم فرسان الدعوة الذين لا يترجلون..والأوفياء الصادقون الثابتون الذين لا يتلونون ولا يغدرون..والأبطال والشجعان الذين لا يترددون..والربانيون :التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله..!
بهم يحفظ الله الدعوة والعمل الإسلامي:هممهم عند الثريا بل أعلى،بواطنهم كظواهرهم بل أحلى،تحبهم بقاع الأرض وتفرح بهم ملائكة السماء..!
قال صلى الله عليه وسلم:الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة..!
والراحلة هي الناقة القوية السريعة السير، لا تجدها إلا قليلة في الإبل، كأن نسبتها، لقلتها، لا تتعدى الواحدة في القطيع.
الرواحل: هم الرجال والأبطال والعلماء والدعاة وصناع الحياة ، بل هم لب وروح وجوهر الحركة..والراحلة المفقودة التي تحمل أثقال السائرين إلى الله.. إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها..كم من قتيل لإبليس قد أحييوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه!!..شعارهم العملي الدائم:
سأظل للإخوان جسرا يعبر...حتى أوسد في التراب وأقبر..!!
وهم الذين يحولون النصوص إلى واقع عملي حي شاخص متحرك..ويصوغون من المصحف إنسانا نموذجيا يدب على الأرض..ويجسدون كلمات الشهيد:سيد قطب التي كتبها مرتين-بمداد قلمه ثم بدمائه-:
إن النصوص وحدها لا تصنع شيئا، وإن المصحف وحده لا يعمل حتى يكون رجلا ، وإن المبادئ وحدها لا تعيش إلا أن تكون سلوكا ،لقد كان هدفه-صلى الله عليه وسلم-أن يصنع رجالا ، لا أن يلقي مواعظ..وأن يصوغ ضمائر لا أن يدبج خطبا ، وأن يبني أمة لا أن يقيم فلسفة ، لقد انتصر يوم صاغ من الإسلام شخوصا ، وحول إيمانهم بالإسلام عملا ، وطبع من المصحف عشرات من النسخ ثم مئات وألوفا ، ولكنه لم يطبعها بالمداد على صحائف الورق ، إنما طبعها بالنور على صحائف القلوب ، و صنع منهم قرآنا حيا يدب على الأرض..!!
يقول عنهم الإمام المجدد:إن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ ما ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة . وإني أعتقد – والتاريخ يؤيدني – أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته.
الرواحل هم الذين عشقوا الدعوة وشغفتهم حبا فهي عندهم: أجمل من بثينى،وأحلى من ليلى،وأروع من مي..ويترنمون مع المجنون:
مررت على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار و ذا الجدار
و ما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديار
والمثال الأقرب للرواحل: ليس هو الطبيب ، ولا المهندس ، ولا المدرس ،فكلهم ينتظر الراتب آخر الشهر ، ونهاية الدوام ،وكلهم مشروعه مرتبط بأمر يتحقق ، ولكنه العاشق والمتيم ! ... والذي ينتظر المعشوقة بفارغ الصبر ، ولا يشعر أو يحصي كم بذل من أجلها من وقته واهتمامه ، والذي إذا سدت في وجهه الأبواب ، دخل من النوافذ ! وإذا استعصت عليه الحيل ، أتى بأخرى !
ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها..... تريد أم الدنيا وما في طوياها
لقال غبار من تراب نعالها....... ألذ لنفسي وأشفى لبلواها
فهم يجسدون الحكمة العطائية:حبا وصفاءا وفناءا وتضحية فداءا وإخلاصا و وفاءا: ( ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا، فإن المحب من يبذل لك ، ليس المحب من تبذل له.)
وهم الذين لبوا نداء الدعوة حين استغاثت وهتفت قائلة:
يا ابن الدعوة .. يا صاحب الرسالة .. يا وريث أولي العزم من الرسل ..
إنها الأمانة الثقيلة التي ناءت بحملها السماوات والأرض والجبال وحملتها أنت، فعلمت بذلك أنك لابد أن تكون أقوى من السماوات والأرض والجبال!! فهذه الأمانة لن يحملها ضعيف متخاذل ، ولا كسول متراخ ولن يصلح لها إلا الجد والقوة، وهذه هي لغة القرآن .. ألم تسمع : ﴿ يا يحيى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً* وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا* وَبَرًّا بِوَلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً* وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾
اعرف قدر نفسك .. وموضع قدمك ..
يا مقتفي الأثر الرائع .. أثر محمد وصحبه:
أنت لابس لأمته في معركته مع الباطل
أنت خليفته في دعوته
أنت راقي منبره لتعظ الأمة من ورائه
أنت وارث رسالته
قم فما يُعهد من صاحب رسالة نوم .. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك .. قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة..
وكان هذا النداء الذي تتردَّد أصداؤه بيننا إلى اليوم إيذانا بشحذ العزائم، وتوديعا لأوقات النوم والراحة، والتلفف بأثواب الهجوع ، وكان إشعارا بالجد الذي يصنع الحدث ويرميه في حجر أعدائه ليتفاعلوا معه، لا أن ينتظر كيد العدو ليتفاعل هو معه.
صاحب الرسالة يا دعاة يسبق الحدث لا ينتظره حتى يقع، ويسابق الزمن خوف الفوت، متوثباً إلى غايته النبيلة وهدفه السامي، وصوته الهادر يبايع نبيه موقِّعا معه عقد البذل والاستشهاد صائحا:
نبي الهدى قد جفونا الكرى ... وعِفنا الشهي من المطعم
نهضنا إلى الله نجلو السرى ... بروعة قرآنه المنزل
أعداء دينك لا ينامون ، بل يصبرون ويحتملون في سبيل الباطل ما لا تحتمله أنت في سبيل الحق..
-كم مضى من عمرك، وماذا قدَّمت فيه لدينك؟!
راجع النعم التي اختصَّك الله بها وانظر فيم سخَّرتها؟
هل استحوذَت عليها دنياك أم ادَّخرت منها شيئا لدينك الجريح وقومك المغلوبين؟!
اطرح عنك تلبيس إبليس وأعذار المفاليس .. واسأل نفسك الآن والله مطلع عليك:
هل تعمل لدينك وتبذل لدعوتك ما دمت فارغا، فإذا عرفتك الأسواق وصفقات التجارات توارت الدعوة عندك إلى الأولوية العاشرة؟!
هل تقدِّم لدعوتك هوامش أوقاتك وفضلة حياتك؟!
هل تسعى لمد الدعوة بروافد جديدة كما تسعى لمد راتبك بموارد جديدة؟!
هل يؤرِّقك نشر الهداية وتوسيع رقعة الصالحين كما يؤرِّقك السعي على الرزق وتأمين حياة أبنائك المقرَّبين؟!
يقول أنموذج الرواحل الملهم الموهوب:حسن البنا: (ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة، وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل، والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء... ولهذا وأمثاله نعمل، ولإصلاح هذا الفساد وقفنا أنفسنا فنتعزى، ونحمد الله على أن جعلنا من الداعين إليه العاملين لدينه..).
صفات الرواحل:
الصفة الأولى: إخواننا نمرضُ فنعودكمُ وتخطئون فنأتيكم فنعتذرُ..!
والله ما فاز من فاز إلا بحسن الأدب ولا سقط من سقط إلا بسوء الأدب..
قال صاحب المدارج:
-فانظر إلى الأدب مع الوالدين :كيف نجا صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة؟..والإخلال به مع الأم –تأويلا وإقبالا على الصلاة-كيف امتحن به جريج الراهب بهدم صومعته وضرب الناس له ،ورميه بالفاحشة؟!..
-وتأمل كل شقي ومغتر ومدبر :كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ؟
-وانظر أدب الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة :أن يتقدم بين يديه ،
فقال :ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .)،
كيف أورثه مقامه، من الإمامة والقيادة والريادة؟ فكان ذلك التأخر إلى خلفه ...وقد أومأ إليه أن :اثبت مكانك..سعيا إلى الأمام ....!!..
-وتمعن في حال الصوام القوام الذي جبينه مقرحة من السجود ذو الخويصرة التميمي كيف أساء الأدب مع سيد الخلق:
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل.
فقال عمر يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟
فقال: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...أخرجه البخاري.
فالرواحل يتميزون بالتواضع والذلة على المؤمنين وهضم النفس والتغافر والعفو والتسامح:
جرى بين الحسين بن علي وأخيه محمد بن الحنفية رضي الله عنهم أجمعين كلامٌ فانصرفا متغاضبيْن، فلما وصل محمد إلى منزله أخذ رُقعة وكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمد بن علي بن أبي طالب إلى أخيه الحسين بن علي بن أبي طالب، أما بعد: فإنَّ لك شرفًا لا أبلغه، وفضلاً لا أدركه، فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك، وسِرْ إليَّ فترضَّاني، وإياكَ أن أكونَ سابقَك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني والسلام..
فلما قرأ الحسين رضي الله عنه الرقعة لبس رداءه ونعليه، ثم جاء إلى أخيه فترضَّاه، رضي الله تعالى عنهما وجمعنا بهم في عليِّين.
- من لي بإنســــان إذا أغضبته وجهلت كان الحـلم رد جـــــــوابه
وإذا صبوت إلى المـدام شربت من أخلاقــــه وســكرت مــن آدابـــه
وتراه يصغي للحـــديث بطرفــــه وبســـمعـــه ولعـــله أدرى بــــه.
وكن رجلا إن أتوا بعــده ... يقولون: مر، وهــذا الأثر
التاريخ: الأحد 10 يناير 2010
الموضوع: خواطر في الحب
بقلم الأستاذ حديبي المدني
الرواحل زاد وصفات(2):أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟!:إن لحظة الالتزام بالدعوة هي نقطة الانعطاف الكبرى، وبداية العمر الحقيقي:إنها ميلاد من رحم الفوضوية والعفوية والصيحات البدوية إلى رحاب العمل التراكمي الهادي الهادئ الموزون..ومن ضيق الفردية والانكماش والتقوقع إلى سعة الجماعة وفقه المخالطة وفن المشاركة..ومن هم الزوجة والولد والدينار إلى هم الدعوة وتعميق المسار.. ومن ظلمات التيه والشقاء والنكد إلى أنوار السعادة والراحة والسكينة..ومن أهداف قريبة صغيرة محدودة هزيلة حقيرة إلى صناعة الحياة وتحريك العالم..!
قـلت: الحيـاة هي التـحرك لا السكـون ولا الهمـود
وهي التـفاعل والتـطـور لا التـحجـر والجـمـود
وهي الجـهـاد، وهل يجـاهـد من تـعلق بـالقـعود
وهي الشعور بالانـتـصار ولا انـتـصار بلا جـهود
وهي التـلـذذ بالمتـاعـب لا التـلـذذ بـالـرقـود..!
ولن تذوق حلاوة الحياة وطعم السعادة في السكون و الخمول والخمود:
قالوا: السعادة في السكون وفي الخمـول وفي الخمود
في العيـش بيـن الأهـل لا عيـش المهاجر والطريـد
في لقمـة تأتـي إليـك بغيـر ما جـهـد جـهـيـد
في المشي خلف الركب في دعـة وفي خطـو وئـيـد
في أن تـقـول كمـا يقـال فـلا اعتـراض ولا ردود
في أن تـسيـر مع القطيـع وأن تـقـاد ولا تـقـود
في أن تـصيـح لكل وال عاش عـهـدكـم المـجـيـد
في أن تـعيـش كما يراد ولا تـعيـش كمـا تـريـد..
يقول الشهيد سيد قطب:الذي فهم ظلما وزورا بأنه يدعو إلى العنف و تكفير المجتمع واعتزاله والاستعلاء عليه في رسالته الرائعة أفراح الروح: عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ..أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض !…
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية !.
حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا ، أو أطيب منهم قلبا ، أو أرحب منهم نفسا أو أذكى منهم عقلا لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا … لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة !.
إن العظمة الحقيقية : أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع !. إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقا .. إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد : هو العظمة الحقيقية !.
همة منحطة:
يروي الرواة أن الحطيئة هجا الزبرقان بقصيدة قال فيها:
دعِ المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي ..!
فجاء الزبرقان يشكو ويتهمه بأنه هجاه ، قال عمر: ما أسمع هجاءً ولكنها معاتبةٌ؛ فقال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! فقال عمر: عليَّ بحسان، فجيء به فسأله؛ فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه. ويقال: إنه سأل لبيداً عن ذلك فقال: ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم، فأمر به عمر فحُبِس.
فانظر كيف كانت همَّة الطعام والشراب معيبة، وعارا لا يفارق صاحبه، وسُبة في جبينه تلزمه أبد الدهر حتى الموت!!
غاية وهمة عرفجية:
رجل سُمع يدعو قائلا ً : اللهم أمتني ميتة ( عرفجة ) فظن أن الرجل مات شهيدا ً ، أو عاش سديدا ً ، أو لقي الله صائما ً أو قائما ً فقابله بفعل حميد ، فسأله سائل : ومن عرفجة هذا ؟ وكيف مات ؟ فأجابه : هذا رجل أكل لحما ً مشويا ً ، وشرب ماء نميرا ً طيبا ً ، ونام في الشمس ، فمات شبعان ريان دفآن ، فما أحسنها من ميتة ..!
وانظر بعدها إلى همم الناس حولك، هل تجدها اليوم إلا في زوجة حسناء وحلم بقصر مشيد ونزهة ومتعة وأكلة وشربة؟! هل ترى أكثرهم إلا حافظي أموال ومضيعي دين!! في دائرة الهجاء يدورون وداخل حلقة الذمِّ مُحاصرون؟!
أما أنت .. فالحمد لله الذي عافاك، حملت أشرف هم وأجل غاية، فهَمُّك دعوتك، وشغلك رسالتك، ويحق لك أن تفرح بذلك وتفخر بذلك وتصدح في العالمين بذلك..!:
نبي الهدى قد جفونا الكرى ... وعِفنا الشهي من المطعم
نهضنا إلى الله نجلو السرى ... بروعة قرآنه المنزل.
قالوا: السعادة فـي الغنـى فأخو الثـراء هو السعيـد
الأصـفـر الـرنـان في كفـيـه يلـوي كل جـيـد
قلت: الغنـى في النـفس وهو لعمرك العيـش الرغيـد
قـالوا: السعادة فـي النـفوذ وسلطـة الجـاه العتيـد
مـن كالأميـر وكالوزيـر وكالمـديـر وكـالعميــد؟
يرنـو إلـى مـن دونـه فيـسابـقون لمـا يـريـد
وإذا رأى رأيـاً فـذلك وحـده الـرأي الـرشـيــد
قالوا: السعادة في الـغرام الحلو… في خصـر وجيـد
في نرجس العيـن الضحوك وفي الورود على الخـدود
في ليـلة قـمراء ليس بها سـوى الشـهب الشـهود
فيـها التـناجي يـستـطاب كـأنـه وتــر وعـود
قـلـت: الغـرام خـرافـة كبـرى وأحـلام شـرود
هـو فـكـرة بـلهاء أو نزعات شيـطان مـريـد
قل: للـذي يبـغي السعـادة هل علمـت من السعيـد؟
إن السعـادة: أن تـعـيـش لفـكرة الحـق التـليـد
لعقـيـدة كـبـرى تـحـل قضيـة الكـون العتـيـد
وتـجيـب عما يسأل الحيران فـي وعــي رشـيـد
من أيـن جئت؟ وأيـن أذهب؟ لم خلقت؟ وهل أعـود؟
فتشيـع في النفس اليـقيـن وتـطرد الشك العنـيـد
وتـعلم الفـكـر السـوي وتـصنـع الخـلق الحميـد
وتـرد للنـهـج المـسدد كل ذي عــقــل شـرود
تـعطـي حيـاتـك قيـمة رب الحيـاة بـها يـشيـد
ليـظل طـرفـك رانـيـا في الأفـق للهدف البـعيـد
فتـعيـش في الدنيا لأخـرى لا تـزول ولا تـبـيـد
وتـمد أرضـك بـالسمـاء وبالمـلائـكة الـشهـود
وتـريـك وجـه الله فـي مـرآة نـفـسك والوجـود
أثر.. مع قافلة الهجرة: ونكتب ما قدموا وآثارهم..!
كل مسلم مطالب بإبداء أثر في هذا الاستدراك، والمشاركة فيه بنوع من الخير، حسب استطاعته، ولا معنى لحياة امرئ سلبي، يرتع في هذه الدنيا: أكلا وشربا وتلذذا بالنساء، والمفكرون من حوله لا يحاول أن يبدي موقفه منهم، والسياسيون عن يمينه وشماله بين صالح وطالح يصطرعون وهو يتفرج.
قال الرافعي: إن لم تزد شيئا على الدنيا: كنت أنت زائدًا على الدنيا..!
وكن رجلا إن أتوا بعــده ... يقولون: مر، وهــذا الأثر
وما نحسب أن الهمم تتعاقد على أقل من هذا: أن يكون لك أثر يطبعه قدمك مع الركب السائر، يمنحك حقا في العجب معنا من: مصلين، أكتافهم في المساجد بأكتافنا، مازالوا يتأخرون عن المسير مع قافلتنا، ويسألون عن وجهتنا، وربما يتشككون، وما دروا أن قد سبقهم من سبق، وأن قد جد الرعيل في الرحيل، وإن المتأخر في الالتحاق: متأخر في الفضل.
أنشــأت أسألـه عن حـال رفقته...فقال حـي، فإن الركب قد نصبا
يقول الشيخ الراشد:..وقد كنت في الأيام الخوالي ألاطف إخواني فأفتش على أحذيتهم..! ليس على نظافتها وصبغها ورونقها كالتفتيش العسكري، بل على استهلاكها وتقطعها والغبار الذي عليها،وأقلبها فأرى النعل،فمن كان أسفل حذائه مهترئا تالفا فهو الناجح،وأقول له:شاهدك معك:حذاؤك يشهد لك أنك تعمل وتغدو في مصالح الدعوة وتروح وتطبق قاعدةوجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين،اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون)..وبكثرة حركتك تلف حذاؤك،فأنت المجتاز المرضي عندي..!
أرى التفكير أدركه خمول...ولم تعد العزائم في اشتعال
وأصبح وعظنا من غير سحر...ولا نور يطل من المقال
وعند الناس فلسفة وفكر...ولكن أين تلقين الغزالي
وجلجلة الآذان بكل صوت...ولكن أين صوت من بلال
منابركم علت في كل حي...ومسجدكم من العباد خال..!
الهدهد ...ذو الهمة العالية:
هذا هدهد سليمان لما غاب في جولة من جولاته فاجأه منظر:أناس يسجدون للشمس من دون الله،فيرجع إلى سليمان..فيعرض الفساد الاجتماعي:وجدت امرأة تملكهم..!وحلل سبب ذلك:وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم..وعرض الفساد العقائدي:وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله..وحلل وعلل:وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون..ثم أردف متعجبا:ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون..!
سبحان الله ..هدهد يسبقنا.. ويقود أمة إلى طريق الحق والقوة والحرية...!
امرأة تحيي أمة:
المرأة:اسمها ميسون..والمكان:دمشق..والزمان:يوم من أيام سنة:607 ..والمحنة:هجوم الصليبيين كالطوفان المدمر.. ومحنتها:استشهاد إخوتها الأربعة في جهادهم المقدس..
ماذا يمكن أن تفعل امرأة عزلاء في مواجهة هذه الجحافل..؟
نعم...امرأة وحدها..لكنها امرأة صاغها الإيمان خلقا آخر..فقلبت الموازين،وأدارت دفة الأمور..وغيرت مجرى الأحداث..وحركت الحياة،وصنعت التاريخ..!
جمعت النساء اللاتي حضرن يواسينها ويعزينها وقالت لهم:إننا لم نخلق رجالا نحمل السيوف..ولكن إذا جبن الرجال وأخلدوا إلى الأرض..وتمرغوا في الوحل والطين..هذا والله شعري،أثمن ما أملك،أنزل عنه أجعله قيدا لفرس تقاتل في سبيل الله،لعلي أحرك به هؤلاء الأموات..!
وأخذت المقص فجزت شعرها..وصنع النساء صنيعها..ثم جلسن يضفرنه لجما وقيودا لخيل المعركة الفاصلة،لا يضفرنه ليوم زفاف أو ليلة عرس..!..وأرسلن هذه القيود واللجم إلى خطيب الجامع الأموي سبط ابن الجوزي،فحمله إلى الجامع يوم الجمعة..وقعد في المقصورة..وحبس هذه اللجم والقيود بين يديه،والدمع يترقرق من عينيه..ووجهه ممتقع شاحب،..ثم قام وخطب خطبة حروفها من نار..تلذع أكباد من يسمعها..وكلماتها سجر..فكانت إحدى المعجزات البلاغية الساحرة الباهرة التي يهدر بها كل عصر مرة لسان محدث،أو يمشي بها قلم ملهم..كرامة من الكرامات وواحدة من خوارق العادات،وإنما حفظ الرواة جملا منها نقلوها إلى لسان الأرض..وكان مما حفظوا:
يا ويحكم..أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم..يخطو على أرضكم التي سقيت بالدماء الزكية الطاهرة..يذلكم ويتعبدكم..وأنتم كنتم السادة والقادة..؟!
أما يهز قلوبكم وينمي حماستكم،أن إخوانا لكم قد أحاط بهم العدو،وسامهم ألوان الخسف..؟
أفتأكلون وتشربون وتنعمون وإخوانكم هناك يتسربلون باللهب ويخوضون النار..وينامون على الجمر..؟!
يا أيها الناس:إنها قد دارت رحى الحرب،ونادى منادي الجهاد..وتفتحت أبواب السماء،فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فأفسحوا الطريق للنساء يدرن رحاها،واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل.. أولا... فإلى الخيول،وهاكم لجمها وقيودها..أتدرون مم صنعت..؟
لقد صنعنها النساء من شعورهن..لأنهن لا يملكن غيرها يساعدن به فلسطين..
هذه والله ضفائر المخدرات التي لم تكن تبصرها عين الشمس صيانة وحياء وحفظا..قطعنها..لأن تاريخ الحب قد انتهى...وابتدأ تاريخ الجهاد المقدس..فإذا لم تقدروا على الخيول تقيدونها بها،فخذوها فاجعلوها لكم ذوائب وضفائر..إنها من شعور النساء..ألم يبق في نفوسكم شعور..؟!
وألقاها من فوق المنبر على رؤوس الناس وصرخ:
تصدعي يا قبة النسر..وميدي يا عمد المسجد..وانقضي يا رجوم..لقد أضاع الرجال رجولتهم..!
فصاح الناس صيحة ما سمعوا مثلها..ووثبوا يطلبون الموت ويصنعون الشهادة..
فجاء النصر والفتح على يد امرأة واحدة أيقضت أمة نائمة..بل خامدة هامدة جامدة..ونفخت فيها الروح والحياة..!
ونحن نقول اليوم:
إن التمكين للدعوة ..وتحرير المسجد الأقصى..ونصرة قضايا الأمة..لا يتم إلا بإيجاد نساء شبيهات بميسون..ورجال من أمثال سبط ابن الجوزي..وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب..
فإن قعدنا عن تربية هذه النماذج..أثمنا..وأخرنا ساعة النصر..ووجهنا رصاصة غادرة لصدور إخواننا العارية..وإن إيثارنا القعود مع العيال وجمع الأموال على الدعوة و البذل والعطاء والوفاء..لهو أعظم يد عون نقدمها للأعداء..وإن اعتزالنا في خلوات التعبد وإيثار السلامة عن غشيان الخلق والأخذ بنواصيهم إلى طريق الحق..لهو بذور محنة جديدة هي أشد وأعظم وأنكى..نزرعها لتجني لظاها أجيال الدعوة القادمة..
فلتسرج خيول الدعوة...وللنفض غبار النوم عنا..!
همة أبطال قافلة شريان الحياة:
درس في علو الهمة والتضحية وعشق الحرية نأخذه من البطل:جورج جالاوي الذي قاد قافلة شريان الحياة ..ودخلوا غزة العزة وعليهم آثار الدماء وغبار المعركة..ومكثوا أياما صابرين مصابرين مرابطين..بل متحدين العوائق والمثبطات..هؤلاء على كفرهم يناصرون غزة ويفكون الحصار ويحطمون جدار العار:
تبلد في الناس حس الكفاح
ومالوا لكسب وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي
سدور الأمين وعزم المريب..!
يقول الإمام المجدد الشهيد: أما.. الذي ينام ملء جفنيه ويأكل ملء ماضغيه، ويضحك ملء شدقيه، ويقضي وقته لاهيًا لاعبًا عابثًَا ماجنًا، فهيهات أن يكون من الفائزين أو يُكتب في عداد المجاهدين.
..في حديثنا القادم :مع الصفة الثانية للرواحل:يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع..!
.....
المراجع:
المسار:للشيخ الراشد.
قصيدة السعادة:للشيخ القرضاوي.
قصص من التاريخ:للشيخ علي الطنطاوي
فيا محنة الحسناء تهدى إلى امرئ ... ضرير وعنين من الوجد خاليا..!
التاريخ: الأثنين 18 يناير 2010
الموضوع: خواطر في الحب
بقلم الأستاذ حديبي المدني
الرواحل..زاد وصفات(3):
يحكي أن فأرة أحبت جملا فاقتادته إلى جحرها فوقف الجمل على بابها والفأرة تناديه بالدخول ... وإذ بالجمل يقول لها:
إما أن تتخذي بيتا يليق بمحبوبك ... وإما أن تتخذي محبوبا يليق ببيتك..!
تالله ما هزلت حبيبتنا فيستامها المفلسون،ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون،
-لما كثر المدعون لمحبتها طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى،فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي!
وكل يدعي وصلا بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاك
إذا تشابكت دموع في عيون
تبين من بكى ممن تباكى
من هذه الحسناء الجميلة التي تغنى بها الشعراء في قصائدهم؟وبحث عنها الملوك في قصورهم؟والفلاسفة في تجريدهم؟!
- إنها الدعوة!!!..التي سقيت بمداد آلاف العلماء والمفكرين والدعاة من أمثال: ..الغزالي والقرضاوي و عبد الفتاح أبوغدة و أبو الحسن الندوي والمودودي وعبد القادر عودة وسعيد حوى والراشد ومحفوظ نحناح..ورويت بدماء آلاف الشهداء:حسن البنا وسيد قطب وأحمد ياسين و إياد العزي ومحمد بوسليماني.... تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة...!!..(ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)..فليس هناك مقام أعلى وأرقى وأسمى وأحلى وأغلى من مقام الدعوة....
-هذه الدعوة الحسناء الجميلة لا يعرف قيمتها ولا يتذوق حلاوتها ولا يدرك شرفها إلا الفارس المحب الذي لا يترجل....
هذه الدعوة العظيمة تحتاج إلى همة عالية:
فإما أن تتخذ دعوة تليق بمحبوبك...أو أن تتخذ محبوبا يليق بدعوتك..!
فالدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من جميع جوانبها،وحملها حق الحمل من غير احتراس ولا احتراز...!
تكاليف البيعة مع الله وصفات المبايعين:يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع..
(إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة , يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون , وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن , ومن أوفى بعهده من اللّه ? فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به , وذلك هو الفوز العظيم . التائبون العابدون الحامدون السائحون , الراكعون الساجدون , الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر , والحافظون لحدود اللّه , وبشر المؤمنين.)
يقول شهيد الظلال: هذا النص الذي تلوته من قبل وسمعته ما لا أستطيع عده من المرات , في أثناء حفظي للقرآن , وفي أثناء تلاوته , وفي أثناء دراسته بعد ذلك في أكثر من ربع قرن من الزمان . . هذا النص - حين واجهته في "الظلال" أحسست أنني أدرك منه ما لم أدركه من قبل في المرات التي لا أملك عدها على مدى ذلك الزمان !
إنه نص رهيب ! إنه يكشف عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين باللّه , وعن حقيقة البيعة التي أعطوها - بإسلامهم - طوال الحياة . فمن بايع هذه البيعة ووفى بها فهو المؤمن الحق الذي ينطبق عليه وصف : المؤمن.. وتتمثل فيه حقيقة الإيمان . وإلا فهي دعوى تحتاج إلى التصديق والتحقيق !
حقيقة هذه البيعة - أو هذه المبايعة كما سماها اللّه كرماً منه وفضلاً وسماحة - أن اللّه - سبحانه - قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم ; فلم يعد لهم منها شيء . . لم يعد لهم أن يستبقوا منها بقية لا ينفقونها في سبيله . لم يعد لهم خيار في أن يبذلوا أو يمسكوا . . كلا . . إنها صفقة مشتراة لشاريها أن يتصرف بها كما يشاء , وفق ما يفرض ووفق ما يحدد , وليس للبائع فيها من شيء سوى أن يمضي في الطريق المرسوم , لا يتلفت ولا يتخير , ولا يناقش ولا يجادل , ولا يقول إلا الطاعة والعمل والاستسلام . . والثمن:هو الجنة . . والطريق:هو الجهاد والقتل والقتال . . والنهاية:هي النصر أو الاستشهاد:
ولقد كانت هذه الكلمات تطرق قلوب مستمعيها الأولين - على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فتتحول من فورها في القلوب المؤمنة إلى واقع من واقع حياتهم ; ولم تكن مجرد معان يتأملونها بأذهانهم , أو يحسونها مجردة في مشاعرهم . كانوا يتلقونها للعمل المباشر بها . لتحويلها إلى حركة منظورة , لا إلى صورة متأملة . . هكذا أدركها عبد اللّه بن رواحة - رضي اللّه عنه - في بيعة العقبة الثانية . قال محمد بن كعب القرظي وغيره:قال عبد الله بن رواحة رضي اللّه عنه , لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعني ليلة العقبة:اشترط لربك ولنفسك ما شئت . فقال:" أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ; وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قال:فما لنا إذا نحن فعلنا ذلك ? قال:
"الجنة " " . قالوا:ربح البيع , ولا نقيل ولا نستقيل . .
هكذا . . " ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل " . . لقد أخذوها صفقة ماضية نافذة بين متبايعين ; انتهى أمرها , وأمضي عقدها , ولم يعد إلى مرد من سبيل:" لا نقيل ولا نستقيل " فالصفقة ماضية لا رجعة فيها ولا خيار ; والجنة:ثمن مقبوض لا موعود ! أليس الوعد من اللّه ? أليس اللّه هو المشتري ? أليس هو الذي وعد الثمن..!
يقول سيد الربانيين ابن عطاء الله السكندري:
ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا، فإن المحب من يبذل لك ، ليس المحب من تبذل له.
ففارس الدعوة المحب المخلص الصادق::يريد بقوله وعمله وجهاده وجه الله:من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر...فلا تهمه المناصب والمكاسب:
أخرج ابن ماجـة في صحيحه _ عن أبي هريرة _ رضي الله عنه ,, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ..!
تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم ،تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، الدينار :هو النقد من الذهب والدرهم: هو النقد من الفضة والخميصة :هي الثياب الجميلة والخميلة :هي الفرش الجميلة ،كيف يكون الإنسان عبداً للدينار والدرهم والخميصة والخميلة؟.. فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط.. ثم دعا عليه وقال: تعس وأنتكس وإذا شيك فلا انتقش فدعا عليه بالانتكاسة وعدم تيسر الأمور له حتى في إخراج الشوكة من جسمه إذا شيك فلا انتقش نعم هو جدير بذلك، جدير بمن عبد الدرهم والدينار والخميصة والخميلة أن لا تيسر له الأمور ...
علامة لا تخطئ...وميزان فاضح واضح للمخلطين: إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط..فالأخ الذي يحضر وينشط ويتحرك..إن أعطي...ويفتر ويختفي..إن منع..! ..هذا لا شك أنه:من الذين يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع..!
1-ففي المواعيد الانتخابية نرى البعض يحرصون على الحضور في الوقت المحدد :بحماس وحرارة وحيوية..أما في المحاضن التربوية والندوات العلمية والمنهجية..واللقاءات الإستراتيجية الهادفة:لا نرى لهم رسما ولا أثرا..وإن حضروا: فبخطوات متثاقلة ..وقلوب لاهية..وأفواه تجيد فن التثاؤب..!
2-إن خالفت الأغلبية رأيه-(رأي الأغلبية ملزم)- سخط وتبرم وتقاعس وفتر ..بل يناقض رأيها ويسير عكسه..!..ويحتد وينتقد:سلقوكم بألسنة حداد..!
-ومن حقائق الحياة الكبرى التي لا يعسر فهمها على أحد:تمايز الناس،واختلاف طبائعهم وأخلاقهم،وأهل السوق لا يساوون بينهم عند البيع،..والعوائل لا تقبلهم جميعا عند المصاهرة ،فلماذا تفتح أبواب الدعوة للجميع؟..
بل نشترط...وندقق...
...والناس كالنبت....والنبت ألوان...
فاربأ بنفسك أن تستأنس بمن لا عقل له،ولا يسير إلى غاية....
فبعض الرجال نخلة لا جنى لها.......ولا ظل إلا أن تعد من النخل
وحاشاك أن يكون هؤلاء لك أصحابا ،فإن القلب يستوحش عند مخالطة أمثالهم،ممن ليس لهم قضية ولا هدف...ولا يحركهم شعور بمسؤولية أو يهزهم خبر المسلمين ونبأ الصراع...ولا تكويهم حرارة التحديات....من أصحاب المغانم:الذين يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع..!
إخوان ليلى: لكن هناك،عند إخوان ليلى:تعطي صفقة قلبك وتبايع..
وهناك،عند إخوان ليلى:تفهم معنى الزعامة حقا.....
عندما قالت ليلى الأخيلية ترثي أخاها:
ومخرق عنه القميص تخاله...يوم اللقاء من الحياء سقيما
حتى إذا رفع اللواء رأيته...تحت اللواء على الخميس زعيما
- وكم أرتنا الدعوة وأحداثها إخوان ليلى هؤلاء،الذين امتزجت أرواحهم بروح الدعوة ، وذابت رغباتهم وطموحاتهم وآمالهم في تيار الدعوة،وصابروا في ثغور النشاط على سنة التواضع والفقر،بغير مال،ولا شهادة دراسة عليا،ولا لقب ولا سيارة ،ولا مركز مرموق،بل بالقميص المخرق المرفأ!!
....حتى إذا جد يوم البذل والتنافس الخيري رأيتهم الزعماء حقا!!...يقودون جمهرة المؤمنين...ويضربون الأمثال لمن يروم التحدي...ولو صنفهم الناظر لهم بعين الموازين الدنيوية والأعراف الوظيفية لوضعهم في المؤخرة ....
...لكن العارف بلغات القلوب ولهجات الأرواح يميز المنازل السامية التي احتلوها...
فيؤسر إعجابا...وينشد احتراما...فينطق لسانه بأزكى الدعاء لهم ...لما رأى من نبض ووميض..؟؟؟!!!..
قال الجنيد: دفع السري إليه رقعة، وقال: هذه خير لك من سبعمائة قصة ؟!.. فإذا فيها:
ولما ادعيت الحب قالت كذبتني فما لي أَرى الأعضاء منك كواسيا
فما الحب حتى يلصق القلب بالحشا وتذبل حتى لا تجيـــب المناديا
وتنحل حتى لا يبقي لك الهوى سوى مقلة تبكى بها وتناجيـــا
-ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها..... تريد أم الدنيا وما في طوياها
لقال غبار من تراب نعالها....... ألذ لنفسي وأشفى لبلواها..!
ما محنة الداعية إلا لهوه وغفلته و جلوسه فارغاً ، وربما زاد فينفتح له باب من اللغو بعد اللهو .
تـلك هي المحنة الحقيقية التي تـفتعـلها الجاهلية للدعاة بما تعرض للناس من مغريات و أسباب لهـو تـلـفـت أنظارهم إليها !!
- وما انتصار الداعية إلا في أن تعاف نفسه ما لا يؤثر في تـقدم دعوته ، إن غفلة الداعية محنة لأنها صرفته عن نصر ممكن يحققه له الجد والعمل الدائب ، وعن أجر وثواب أخروي ليس له من مقدمة إلا هذا الجد وسيظل اسمنا مكتوباً في سجل الغافلين الفارغين ما دمنا لا نعطي للدعوة إلا فضول أوقاتـنا ، وما دمنا لا نشغفها حباً ولا نتخذها حرفة .
المراجع:
الظلال:للشهيد سيد قطب
أصول الإفتاء:للشيخ:الراشد.
التاريخ: الجمعة 01 يناير 2010
الموضوع: خواطر في الحب
بقلم الأستاذ حديبي المدني
الرواحل..زاد وصفات(1):
(إن كل تشدد في انتقاء جيل الرواد مستحسن، بل يجب أن يبلغ أبعد مداه، فإنه هو الجيل الذي سيقود الأجيال التي بعده، وعليه يقع ثقل البناء، ومنه يطلب الصبر على طول الرحلة، وإليه تشرئب الأعناق، تنتظر مبادرته إلى ضرب الأمثال، وهو الذي سيقص القصص للذين يقتدون، ويبتدع السنن للذين يقتفون.إن أمر هذا الجيل كأمر المهاجرين وقدماء الأنصار في الثبات يوم كثر النفاق بعد بدر، وفي الشجاعة يوم انهزم الطلقاء في حنين، وفي الوفاء يوم ارتدت العرب بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-..!)
وما الدهر إلا من رُواةِ قصـائدي … إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
وسـار به من لا يسـير مشمراً … وغنَّـى به من لا يغنى مغَرِّدا …!!!
الرواحل هم فرسان الدعوة الذين لا يترجلون..والأوفياء الصادقون الثابتون الذين لا يتلونون ولا يغدرون..والأبطال والشجعان الذين لا يترددون..والربانيون :التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله..!
بهم يحفظ الله الدعوة والعمل الإسلامي:هممهم عند الثريا بل أعلى،بواطنهم كظواهرهم بل أحلى،تحبهم بقاع الأرض وتفرح بهم ملائكة السماء..!
قال صلى الله عليه وسلم:الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة..!
والراحلة هي الناقة القوية السريعة السير، لا تجدها إلا قليلة في الإبل، كأن نسبتها، لقلتها، لا تتعدى الواحدة في القطيع.
الرواحل: هم الرجال والأبطال والعلماء والدعاة وصناع الحياة ، بل هم لب وروح وجوهر الحركة..والراحلة المفقودة التي تحمل أثقال السائرين إلى الله.. إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها..كم من قتيل لإبليس قد أحييوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه!!..شعارهم العملي الدائم:
سأظل للإخوان جسرا يعبر...حتى أوسد في التراب وأقبر..!!
وهم الذين يحولون النصوص إلى واقع عملي حي شاخص متحرك..ويصوغون من المصحف إنسانا نموذجيا يدب على الأرض..ويجسدون كلمات الشهيد:سيد قطب التي كتبها مرتين-بمداد قلمه ثم بدمائه-:
إن النصوص وحدها لا تصنع شيئا، وإن المصحف وحده لا يعمل حتى يكون رجلا ، وإن المبادئ وحدها لا تعيش إلا أن تكون سلوكا ،لقد كان هدفه-صلى الله عليه وسلم-أن يصنع رجالا ، لا أن يلقي مواعظ..وأن يصوغ ضمائر لا أن يدبج خطبا ، وأن يبني أمة لا أن يقيم فلسفة ، لقد انتصر يوم صاغ من الإسلام شخوصا ، وحول إيمانهم بالإسلام عملا ، وطبع من المصحف عشرات من النسخ ثم مئات وألوفا ، ولكنه لم يطبعها بالمداد على صحائف الورق ، إنما طبعها بالنور على صحائف القلوب ، و صنع منهم قرآنا حيا يدب على الأرض..!!
يقول عنهم الإمام المجدد:إن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ ما ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة . وإني أعتقد – والتاريخ يؤيدني – أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته.
الرواحل هم الذين عشقوا الدعوة وشغفتهم حبا فهي عندهم: أجمل من بثينى،وأحلى من ليلى،وأروع من مي..ويترنمون مع المجنون:
مررت على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار و ذا الجدار
و ما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديار
والمثال الأقرب للرواحل: ليس هو الطبيب ، ولا المهندس ، ولا المدرس ،فكلهم ينتظر الراتب آخر الشهر ، ونهاية الدوام ،وكلهم مشروعه مرتبط بأمر يتحقق ، ولكنه العاشق والمتيم ! ... والذي ينتظر المعشوقة بفارغ الصبر ، ولا يشعر أو يحصي كم بذل من أجلها من وقته واهتمامه ، والذي إذا سدت في وجهه الأبواب ، دخل من النوافذ ! وإذا استعصت عليه الحيل ، أتى بأخرى !
ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها..... تريد أم الدنيا وما في طوياها
لقال غبار من تراب نعالها....... ألذ لنفسي وأشفى لبلواها
فهم يجسدون الحكمة العطائية:حبا وصفاءا وفناءا وتضحية فداءا وإخلاصا و وفاءا: ( ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا، فإن المحب من يبذل لك ، ليس المحب من تبذل له.)
وهم الذين لبوا نداء الدعوة حين استغاثت وهتفت قائلة:
يا ابن الدعوة .. يا صاحب الرسالة .. يا وريث أولي العزم من الرسل ..
إنها الأمانة الثقيلة التي ناءت بحملها السماوات والأرض والجبال وحملتها أنت، فعلمت بذلك أنك لابد أن تكون أقوى من السماوات والأرض والجبال!! فهذه الأمانة لن يحملها ضعيف متخاذل ، ولا كسول متراخ ولن يصلح لها إلا الجد والقوة، وهذه هي لغة القرآن .. ألم تسمع : ﴿ يا يحيى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً* وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا* وَبَرًّا بِوَلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً* وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾
اعرف قدر نفسك .. وموضع قدمك ..
يا مقتفي الأثر الرائع .. أثر محمد وصحبه:
أنت لابس لأمته في معركته مع الباطل
أنت خليفته في دعوته
أنت راقي منبره لتعظ الأمة من ورائه
أنت وارث رسالته
قم فما يُعهد من صاحب رسالة نوم .. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك .. قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة..
وكان هذا النداء الذي تتردَّد أصداؤه بيننا إلى اليوم إيذانا بشحذ العزائم، وتوديعا لأوقات النوم والراحة، والتلفف بأثواب الهجوع ، وكان إشعارا بالجد الذي يصنع الحدث ويرميه في حجر أعدائه ليتفاعلوا معه، لا أن ينتظر كيد العدو ليتفاعل هو معه.
صاحب الرسالة يا دعاة يسبق الحدث لا ينتظره حتى يقع، ويسابق الزمن خوف الفوت، متوثباً إلى غايته النبيلة وهدفه السامي، وصوته الهادر يبايع نبيه موقِّعا معه عقد البذل والاستشهاد صائحا:
نبي الهدى قد جفونا الكرى ... وعِفنا الشهي من المطعم
نهضنا إلى الله نجلو السرى ... بروعة قرآنه المنزل
أعداء دينك لا ينامون ، بل يصبرون ويحتملون في سبيل الباطل ما لا تحتمله أنت في سبيل الحق..
-كم مضى من عمرك، وماذا قدَّمت فيه لدينك؟!
راجع النعم التي اختصَّك الله بها وانظر فيم سخَّرتها؟
هل استحوذَت عليها دنياك أم ادَّخرت منها شيئا لدينك الجريح وقومك المغلوبين؟!
اطرح عنك تلبيس إبليس وأعذار المفاليس .. واسأل نفسك الآن والله مطلع عليك:
هل تعمل لدينك وتبذل لدعوتك ما دمت فارغا، فإذا عرفتك الأسواق وصفقات التجارات توارت الدعوة عندك إلى الأولوية العاشرة؟!
هل تقدِّم لدعوتك هوامش أوقاتك وفضلة حياتك؟!
هل تسعى لمد الدعوة بروافد جديدة كما تسعى لمد راتبك بموارد جديدة؟!
هل يؤرِّقك نشر الهداية وتوسيع رقعة الصالحين كما يؤرِّقك السعي على الرزق وتأمين حياة أبنائك المقرَّبين؟!
يقول أنموذج الرواحل الملهم الموهوب:حسن البنا: (ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة، وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل، والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء... ولهذا وأمثاله نعمل، ولإصلاح هذا الفساد وقفنا أنفسنا فنتعزى، ونحمد الله على أن جعلنا من الداعين إليه العاملين لدينه..).
صفات الرواحل:
الصفة الأولى: إخواننا نمرضُ فنعودكمُ وتخطئون فنأتيكم فنعتذرُ..!
والله ما فاز من فاز إلا بحسن الأدب ولا سقط من سقط إلا بسوء الأدب..
قال صاحب المدارج:
-فانظر إلى الأدب مع الوالدين :كيف نجا صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة؟..والإخلال به مع الأم –تأويلا وإقبالا على الصلاة-كيف امتحن به جريج الراهب بهدم صومعته وضرب الناس له ،ورميه بالفاحشة؟!..
-وتأمل كل شقي ومغتر ومدبر :كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ؟
-وانظر أدب الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة :أن يتقدم بين يديه ،
فقال :ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .)،
كيف أورثه مقامه، من الإمامة والقيادة والريادة؟ فكان ذلك التأخر إلى خلفه ...وقد أومأ إليه أن :اثبت مكانك..سعيا إلى الأمام ....!!..
-وتمعن في حال الصوام القوام الذي جبينه مقرحة من السجود ذو الخويصرة التميمي كيف أساء الأدب مع سيد الخلق:
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل.
فقال عمر يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟
فقال: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...أخرجه البخاري.
فالرواحل يتميزون بالتواضع والذلة على المؤمنين وهضم النفس والتغافر والعفو والتسامح:
جرى بين الحسين بن علي وأخيه محمد بن الحنفية رضي الله عنهم أجمعين كلامٌ فانصرفا متغاضبيْن، فلما وصل محمد إلى منزله أخذ رُقعة وكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمد بن علي بن أبي طالب إلى أخيه الحسين بن علي بن أبي طالب، أما بعد: فإنَّ لك شرفًا لا أبلغه، وفضلاً لا أدركه، فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك، وسِرْ إليَّ فترضَّاني، وإياكَ أن أكونَ سابقَك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني والسلام..
فلما قرأ الحسين رضي الله عنه الرقعة لبس رداءه ونعليه، ثم جاء إلى أخيه فترضَّاه، رضي الله تعالى عنهما وجمعنا بهم في عليِّين.
- من لي بإنســــان إذا أغضبته وجهلت كان الحـلم رد جـــــــوابه
وإذا صبوت إلى المـدام شربت من أخلاقــــه وســكرت مــن آدابـــه
وتراه يصغي للحـــديث بطرفــــه وبســـمعـــه ولعـــله أدرى بــــه.
وكن رجلا إن أتوا بعــده ... يقولون: مر، وهــذا الأثر
التاريخ: الأحد 10 يناير 2010
الموضوع: خواطر في الحب
بقلم الأستاذ حديبي المدني
الرواحل زاد وصفات(2):أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟!:إن لحظة الالتزام بالدعوة هي نقطة الانعطاف الكبرى، وبداية العمر الحقيقي:إنها ميلاد من رحم الفوضوية والعفوية والصيحات البدوية إلى رحاب العمل التراكمي الهادي الهادئ الموزون..ومن ضيق الفردية والانكماش والتقوقع إلى سعة الجماعة وفقه المخالطة وفن المشاركة..ومن هم الزوجة والولد والدينار إلى هم الدعوة وتعميق المسار.. ومن ظلمات التيه والشقاء والنكد إلى أنوار السعادة والراحة والسكينة..ومن أهداف قريبة صغيرة محدودة هزيلة حقيرة إلى صناعة الحياة وتحريك العالم..!
قـلت: الحيـاة هي التـحرك لا السكـون ولا الهمـود
وهي التـفاعل والتـطـور لا التـحجـر والجـمـود
وهي الجـهـاد، وهل يجـاهـد من تـعلق بـالقـعود
وهي الشعور بالانـتـصار ولا انـتـصار بلا جـهود
وهي التـلـذذ بالمتـاعـب لا التـلـذذ بـالـرقـود..!
ولن تذوق حلاوة الحياة وطعم السعادة في السكون و الخمول والخمود:
قالوا: السعادة في السكون وفي الخمـول وفي الخمود
في العيـش بيـن الأهـل لا عيـش المهاجر والطريـد
في لقمـة تأتـي إليـك بغيـر ما جـهـد جـهـيـد
في المشي خلف الركب في دعـة وفي خطـو وئـيـد
في أن تـقـول كمـا يقـال فـلا اعتـراض ولا ردود
في أن تـسيـر مع القطيـع وأن تـقـاد ولا تـقـود
في أن تـصيـح لكل وال عاش عـهـدكـم المـجـيـد
في أن تـعيـش كما يراد ولا تـعيـش كمـا تـريـد..
يقول الشهيد سيد قطب:الذي فهم ظلما وزورا بأنه يدعو إلى العنف و تكفير المجتمع واعتزاله والاستعلاء عليه في رسالته الرائعة أفراح الروح: عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ..أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض !…
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية !.
حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا ، أو أطيب منهم قلبا ، أو أرحب منهم نفسا أو أذكى منهم عقلا لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا … لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة !.
إن العظمة الحقيقية : أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع !. إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقا .. إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد : هو العظمة الحقيقية !.
همة منحطة:
يروي الرواة أن الحطيئة هجا الزبرقان بقصيدة قال فيها:
دعِ المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي ..!
فجاء الزبرقان يشكو ويتهمه بأنه هجاه ، قال عمر: ما أسمع هجاءً ولكنها معاتبةٌ؛ فقال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! فقال عمر: عليَّ بحسان، فجيء به فسأله؛ فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه. ويقال: إنه سأل لبيداً عن ذلك فقال: ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم، فأمر به عمر فحُبِس.
فانظر كيف كانت همَّة الطعام والشراب معيبة، وعارا لا يفارق صاحبه، وسُبة في جبينه تلزمه أبد الدهر حتى الموت!!
غاية وهمة عرفجية:
رجل سُمع يدعو قائلا ً : اللهم أمتني ميتة ( عرفجة ) فظن أن الرجل مات شهيدا ً ، أو عاش سديدا ً ، أو لقي الله صائما ً أو قائما ً فقابله بفعل حميد ، فسأله سائل : ومن عرفجة هذا ؟ وكيف مات ؟ فأجابه : هذا رجل أكل لحما ً مشويا ً ، وشرب ماء نميرا ً طيبا ً ، ونام في الشمس ، فمات شبعان ريان دفآن ، فما أحسنها من ميتة ..!
وانظر بعدها إلى همم الناس حولك، هل تجدها اليوم إلا في زوجة حسناء وحلم بقصر مشيد ونزهة ومتعة وأكلة وشربة؟! هل ترى أكثرهم إلا حافظي أموال ومضيعي دين!! في دائرة الهجاء يدورون وداخل حلقة الذمِّ مُحاصرون؟!
أما أنت .. فالحمد لله الذي عافاك، حملت أشرف هم وأجل غاية، فهَمُّك دعوتك، وشغلك رسالتك، ويحق لك أن تفرح بذلك وتفخر بذلك وتصدح في العالمين بذلك..!:
نبي الهدى قد جفونا الكرى ... وعِفنا الشهي من المطعم
نهضنا إلى الله نجلو السرى ... بروعة قرآنه المنزل.
قالوا: السعادة فـي الغنـى فأخو الثـراء هو السعيـد
الأصـفـر الـرنـان في كفـيـه يلـوي كل جـيـد
قلت: الغنـى في النـفس وهو لعمرك العيـش الرغيـد
قـالوا: السعادة فـي النـفوذ وسلطـة الجـاه العتيـد
مـن كالأميـر وكالوزيـر وكالمـديـر وكـالعميــد؟
يرنـو إلـى مـن دونـه فيـسابـقون لمـا يـريـد
وإذا رأى رأيـاً فـذلك وحـده الـرأي الـرشـيــد
قالوا: السعادة في الـغرام الحلو… في خصـر وجيـد
في نرجس العيـن الضحوك وفي الورود على الخـدود
في ليـلة قـمراء ليس بها سـوى الشـهب الشـهود
فيـها التـناجي يـستـطاب كـأنـه وتــر وعـود
قـلـت: الغـرام خـرافـة كبـرى وأحـلام شـرود
هـو فـكـرة بـلهاء أو نزعات شيـطان مـريـد
قل: للـذي يبـغي السعـادة هل علمـت من السعيـد؟
إن السعـادة: أن تـعـيـش لفـكرة الحـق التـليـد
لعقـيـدة كـبـرى تـحـل قضيـة الكـون العتـيـد
وتـجيـب عما يسأل الحيران فـي وعــي رشـيـد
من أيـن جئت؟ وأيـن أذهب؟ لم خلقت؟ وهل أعـود؟
فتشيـع في النفس اليـقيـن وتـطرد الشك العنـيـد
وتـعلم الفـكـر السـوي وتـصنـع الخـلق الحميـد
وتـرد للنـهـج المـسدد كل ذي عــقــل شـرود
تـعطـي حيـاتـك قيـمة رب الحيـاة بـها يـشيـد
ليـظل طـرفـك رانـيـا في الأفـق للهدف البـعيـد
فتـعيـش في الدنيا لأخـرى لا تـزول ولا تـبـيـد
وتـمد أرضـك بـالسمـاء وبالمـلائـكة الـشهـود
وتـريـك وجـه الله فـي مـرآة نـفـسك والوجـود
أثر.. مع قافلة الهجرة: ونكتب ما قدموا وآثارهم..!
كل مسلم مطالب بإبداء أثر في هذا الاستدراك، والمشاركة فيه بنوع من الخير، حسب استطاعته، ولا معنى لحياة امرئ سلبي، يرتع في هذه الدنيا: أكلا وشربا وتلذذا بالنساء، والمفكرون من حوله لا يحاول أن يبدي موقفه منهم، والسياسيون عن يمينه وشماله بين صالح وطالح يصطرعون وهو يتفرج.
قال الرافعي: إن لم تزد شيئا على الدنيا: كنت أنت زائدًا على الدنيا..!
وكن رجلا إن أتوا بعــده ... يقولون: مر، وهــذا الأثر
وما نحسب أن الهمم تتعاقد على أقل من هذا: أن يكون لك أثر يطبعه قدمك مع الركب السائر، يمنحك حقا في العجب معنا من: مصلين، أكتافهم في المساجد بأكتافنا، مازالوا يتأخرون عن المسير مع قافلتنا، ويسألون عن وجهتنا، وربما يتشككون، وما دروا أن قد سبقهم من سبق، وأن قد جد الرعيل في الرحيل، وإن المتأخر في الالتحاق: متأخر في الفضل.
أنشــأت أسألـه عن حـال رفقته...فقال حـي، فإن الركب قد نصبا
يقول الشيخ الراشد:..وقد كنت في الأيام الخوالي ألاطف إخواني فأفتش على أحذيتهم..! ليس على نظافتها وصبغها ورونقها كالتفتيش العسكري، بل على استهلاكها وتقطعها والغبار الذي عليها،وأقلبها فأرى النعل،فمن كان أسفل حذائه مهترئا تالفا فهو الناجح،وأقول له:شاهدك معك:حذاؤك يشهد لك أنك تعمل وتغدو في مصالح الدعوة وتروح وتطبق قاعدةوجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين،اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون)..وبكثرة حركتك تلف حذاؤك،فأنت المجتاز المرضي عندي..!
أرى التفكير أدركه خمول...ولم تعد العزائم في اشتعال
وأصبح وعظنا من غير سحر...ولا نور يطل من المقال
وعند الناس فلسفة وفكر...ولكن أين تلقين الغزالي
وجلجلة الآذان بكل صوت...ولكن أين صوت من بلال
منابركم علت في كل حي...ومسجدكم من العباد خال..!
الهدهد ...ذو الهمة العالية:
هذا هدهد سليمان لما غاب في جولة من جولاته فاجأه منظر:أناس يسجدون للشمس من دون الله،فيرجع إلى سليمان..فيعرض الفساد الاجتماعي:وجدت امرأة تملكهم..!وحلل سبب ذلك:وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم..وعرض الفساد العقائدي:وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله..وحلل وعلل:وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون..ثم أردف متعجبا:ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون..!
سبحان الله ..هدهد يسبقنا.. ويقود أمة إلى طريق الحق والقوة والحرية...!
امرأة تحيي أمة:
المرأة:اسمها ميسون..والمكان:دمشق..والزمان:يوم من أيام سنة:607 ..والمحنة:هجوم الصليبيين كالطوفان المدمر.. ومحنتها:استشهاد إخوتها الأربعة في جهادهم المقدس..
ماذا يمكن أن تفعل امرأة عزلاء في مواجهة هذه الجحافل..؟
نعم...امرأة وحدها..لكنها امرأة صاغها الإيمان خلقا آخر..فقلبت الموازين،وأدارت دفة الأمور..وغيرت مجرى الأحداث..وحركت الحياة،وصنعت التاريخ..!
جمعت النساء اللاتي حضرن يواسينها ويعزينها وقالت لهم:إننا لم نخلق رجالا نحمل السيوف..ولكن إذا جبن الرجال وأخلدوا إلى الأرض..وتمرغوا في الوحل والطين..هذا والله شعري،أثمن ما أملك،أنزل عنه أجعله قيدا لفرس تقاتل في سبيل الله،لعلي أحرك به هؤلاء الأموات..!
وأخذت المقص فجزت شعرها..وصنع النساء صنيعها..ثم جلسن يضفرنه لجما وقيودا لخيل المعركة الفاصلة،لا يضفرنه ليوم زفاف أو ليلة عرس..!..وأرسلن هذه القيود واللجم إلى خطيب الجامع الأموي سبط ابن الجوزي،فحمله إلى الجامع يوم الجمعة..وقعد في المقصورة..وحبس هذه اللجم والقيود بين يديه،والدمع يترقرق من عينيه..ووجهه ممتقع شاحب،..ثم قام وخطب خطبة حروفها من نار..تلذع أكباد من يسمعها..وكلماتها سجر..فكانت إحدى المعجزات البلاغية الساحرة الباهرة التي يهدر بها كل عصر مرة لسان محدث،أو يمشي بها قلم ملهم..كرامة من الكرامات وواحدة من خوارق العادات،وإنما حفظ الرواة جملا منها نقلوها إلى لسان الأرض..وكان مما حفظوا:
يا ويحكم..أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم..يخطو على أرضكم التي سقيت بالدماء الزكية الطاهرة..يذلكم ويتعبدكم..وأنتم كنتم السادة والقادة..؟!
أما يهز قلوبكم وينمي حماستكم،أن إخوانا لكم قد أحاط بهم العدو،وسامهم ألوان الخسف..؟
أفتأكلون وتشربون وتنعمون وإخوانكم هناك يتسربلون باللهب ويخوضون النار..وينامون على الجمر..؟!
يا أيها الناس:إنها قد دارت رحى الحرب،ونادى منادي الجهاد..وتفتحت أبواب السماء،فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فأفسحوا الطريق للنساء يدرن رحاها،واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل.. أولا... فإلى الخيول،وهاكم لجمها وقيودها..أتدرون مم صنعت..؟
لقد صنعنها النساء من شعورهن..لأنهن لا يملكن غيرها يساعدن به فلسطين..
هذه والله ضفائر المخدرات التي لم تكن تبصرها عين الشمس صيانة وحياء وحفظا..قطعنها..لأن تاريخ الحب قد انتهى...وابتدأ تاريخ الجهاد المقدس..فإذا لم تقدروا على الخيول تقيدونها بها،فخذوها فاجعلوها لكم ذوائب وضفائر..إنها من شعور النساء..ألم يبق في نفوسكم شعور..؟!
وألقاها من فوق المنبر على رؤوس الناس وصرخ:
تصدعي يا قبة النسر..وميدي يا عمد المسجد..وانقضي يا رجوم..لقد أضاع الرجال رجولتهم..!
فصاح الناس صيحة ما سمعوا مثلها..ووثبوا يطلبون الموت ويصنعون الشهادة..
فجاء النصر والفتح على يد امرأة واحدة أيقضت أمة نائمة..بل خامدة هامدة جامدة..ونفخت فيها الروح والحياة..!
ونحن نقول اليوم:
إن التمكين للدعوة ..وتحرير المسجد الأقصى..ونصرة قضايا الأمة..لا يتم إلا بإيجاد نساء شبيهات بميسون..ورجال من أمثال سبط ابن الجوزي..وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب..
فإن قعدنا عن تربية هذه النماذج..أثمنا..وأخرنا ساعة النصر..ووجهنا رصاصة غادرة لصدور إخواننا العارية..وإن إيثارنا القعود مع العيال وجمع الأموال على الدعوة و البذل والعطاء والوفاء..لهو أعظم يد عون نقدمها للأعداء..وإن اعتزالنا في خلوات التعبد وإيثار السلامة عن غشيان الخلق والأخذ بنواصيهم إلى طريق الحق..لهو بذور محنة جديدة هي أشد وأعظم وأنكى..نزرعها لتجني لظاها أجيال الدعوة القادمة..
فلتسرج خيول الدعوة...وللنفض غبار النوم عنا..!
همة أبطال قافلة شريان الحياة:
درس في علو الهمة والتضحية وعشق الحرية نأخذه من البطل:جورج جالاوي الذي قاد قافلة شريان الحياة ..ودخلوا غزة العزة وعليهم آثار الدماء وغبار المعركة..ومكثوا أياما صابرين مصابرين مرابطين..بل متحدين العوائق والمثبطات..هؤلاء على كفرهم يناصرون غزة ويفكون الحصار ويحطمون جدار العار:
تبلد في الناس حس الكفاح
ومالوا لكسب وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي
سدور الأمين وعزم المريب..!
يقول الإمام المجدد الشهيد: أما.. الذي ينام ملء جفنيه ويأكل ملء ماضغيه، ويضحك ملء شدقيه، ويقضي وقته لاهيًا لاعبًا عابثًَا ماجنًا، فهيهات أن يكون من الفائزين أو يُكتب في عداد المجاهدين.
..في حديثنا القادم :مع الصفة الثانية للرواحل:يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع..!
.....
المراجع:
المسار:للشيخ الراشد.
قصيدة السعادة:للشيخ القرضاوي.
قصص من التاريخ:للشيخ علي الطنطاوي
فيا محنة الحسناء تهدى إلى امرئ ... ضرير وعنين من الوجد خاليا..!
التاريخ: الأثنين 18 يناير 2010
الموضوع: خواطر في الحب
بقلم الأستاذ حديبي المدني
الرواحل..زاد وصفات(3):
يحكي أن فأرة أحبت جملا فاقتادته إلى جحرها فوقف الجمل على بابها والفأرة تناديه بالدخول ... وإذ بالجمل يقول لها:
إما أن تتخذي بيتا يليق بمحبوبك ... وإما أن تتخذي محبوبا يليق ببيتك..!
تالله ما هزلت حبيبتنا فيستامها المفلسون،ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون،
-لما كثر المدعون لمحبتها طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى،فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي!
وكل يدعي وصلا بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاك
إذا تشابكت دموع في عيون
تبين من بكى ممن تباكى
من هذه الحسناء الجميلة التي تغنى بها الشعراء في قصائدهم؟وبحث عنها الملوك في قصورهم؟والفلاسفة في تجريدهم؟!
- إنها الدعوة!!!..التي سقيت بمداد آلاف العلماء والمفكرين والدعاة من أمثال: ..الغزالي والقرضاوي و عبد الفتاح أبوغدة و أبو الحسن الندوي والمودودي وعبد القادر عودة وسعيد حوى والراشد ومحفوظ نحناح..ورويت بدماء آلاف الشهداء:حسن البنا وسيد قطب وأحمد ياسين و إياد العزي ومحمد بوسليماني.... تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة...!!..(ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)..فليس هناك مقام أعلى وأرقى وأسمى وأحلى وأغلى من مقام الدعوة....
-هذه الدعوة الحسناء الجميلة لا يعرف قيمتها ولا يتذوق حلاوتها ولا يدرك شرفها إلا الفارس المحب الذي لا يترجل....
هذه الدعوة العظيمة تحتاج إلى همة عالية:
فإما أن تتخذ دعوة تليق بمحبوبك...أو أن تتخذ محبوبا يليق بدعوتك..!
فالدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من جميع جوانبها،وحملها حق الحمل من غير احتراس ولا احتراز...!
تكاليف البيعة مع الله وصفات المبايعين:يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع..
(إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة , يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون , وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن , ومن أوفى بعهده من اللّه ? فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به , وذلك هو الفوز العظيم . التائبون العابدون الحامدون السائحون , الراكعون الساجدون , الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر , والحافظون لحدود اللّه , وبشر المؤمنين.)
يقول شهيد الظلال: هذا النص الذي تلوته من قبل وسمعته ما لا أستطيع عده من المرات , في أثناء حفظي للقرآن , وفي أثناء تلاوته , وفي أثناء دراسته بعد ذلك في أكثر من ربع قرن من الزمان . . هذا النص - حين واجهته في "الظلال" أحسست أنني أدرك منه ما لم أدركه من قبل في المرات التي لا أملك عدها على مدى ذلك الزمان !
إنه نص رهيب ! إنه يكشف عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين باللّه , وعن حقيقة البيعة التي أعطوها - بإسلامهم - طوال الحياة . فمن بايع هذه البيعة ووفى بها فهو المؤمن الحق الذي ينطبق عليه وصف : المؤمن.. وتتمثل فيه حقيقة الإيمان . وإلا فهي دعوى تحتاج إلى التصديق والتحقيق !
حقيقة هذه البيعة - أو هذه المبايعة كما سماها اللّه كرماً منه وفضلاً وسماحة - أن اللّه - سبحانه - قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم ; فلم يعد لهم منها شيء . . لم يعد لهم أن يستبقوا منها بقية لا ينفقونها في سبيله . لم يعد لهم خيار في أن يبذلوا أو يمسكوا . . كلا . . إنها صفقة مشتراة لشاريها أن يتصرف بها كما يشاء , وفق ما يفرض ووفق ما يحدد , وليس للبائع فيها من شيء سوى أن يمضي في الطريق المرسوم , لا يتلفت ولا يتخير , ولا يناقش ولا يجادل , ولا يقول إلا الطاعة والعمل والاستسلام . . والثمن:هو الجنة . . والطريق:هو الجهاد والقتل والقتال . . والنهاية:هي النصر أو الاستشهاد:
ولقد كانت هذه الكلمات تطرق قلوب مستمعيها الأولين - على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فتتحول من فورها في القلوب المؤمنة إلى واقع من واقع حياتهم ; ولم تكن مجرد معان يتأملونها بأذهانهم , أو يحسونها مجردة في مشاعرهم . كانوا يتلقونها للعمل المباشر بها . لتحويلها إلى حركة منظورة , لا إلى صورة متأملة . . هكذا أدركها عبد اللّه بن رواحة - رضي اللّه عنه - في بيعة العقبة الثانية . قال محمد بن كعب القرظي وغيره:قال عبد الله بن رواحة رضي اللّه عنه , لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعني ليلة العقبة:اشترط لربك ولنفسك ما شئت . فقال:" أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ; وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قال:فما لنا إذا نحن فعلنا ذلك ? قال:
"الجنة " " . قالوا:ربح البيع , ولا نقيل ولا نستقيل . .
هكذا . . " ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل " . . لقد أخذوها صفقة ماضية نافذة بين متبايعين ; انتهى أمرها , وأمضي عقدها , ولم يعد إلى مرد من سبيل:" لا نقيل ولا نستقيل " فالصفقة ماضية لا رجعة فيها ولا خيار ; والجنة:ثمن مقبوض لا موعود ! أليس الوعد من اللّه ? أليس اللّه هو المشتري ? أليس هو الذي وعد الثمن..!
يقول سيد الربانيين ابن عطاء الله السكندري:
ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا، فإن المحب من يبذل لك ، ليس المحب من تبذل له.
ففارس الدعوة المحب المخلص الصادق::يريد بقوله وعمله وجهاده وجه الله:من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر...فلا تهمه المناصب والمكاسب:
أخرج ابن ماجـة في صحيحه _ عن أبي هريرة _ رضي الله عنه ,, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ..!
تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم ،تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، الدينار :هو النقد من الذهب والدرهم: هو النقد من الفضة والخميصة :هي الثياب الجميلة والخميلة :هي الفرش الجميلة ،كيف يكون الإنسان عبداً للدينار والدرهم والخميصة والخميلة؟.. فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط.. ثم دعا عليه وقال: تعس وأنتكس وإذا شيك فلا انتقش فدعا عليه بالانتكاسة وعدم تيسر الأمور له حتى في إخراج الشوكة من جسمه إذا شيك فلا انتقش نعم هو جدير بذلك، جدير بمن عبد الدرهم والدينار والخميصة والخميلة أن لا تيسر له الأمور ...
علامة لا تخطئ...وميزان فاضح واضح للمخلطين: إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط..فالأخ الذي يحضر وينشط ويتحرك..إن أعطي...ويفتر ويختفي..إن منع..! ..هذا لا شك أنه:من الذين يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع..!
1-ففي المواعيد الانتخابية نرى البعض يحرصون على الحضور في الوقت المحدد :بحماس وحرارة وحيوية..أما في المحاضن التربوية والندوات العلمية والمنهجية..واللقاءات الإستراتيجية الهادفة:لا نرى لهم رسما ولا أثرا..وإن حضروا: فبخطوات متثاقلة ..وقلوب لاهية..وأفواه تجيد فن التثاؤب..!
2-إن خالفت الأغلبية رأيه-(رأي الأغلبية ملزم)- سخط وتبرم وتقاعس وفتر ..بل يناقض رأيها ويسير عكسه..!..ويحتد وينتقد:سلقوكم بألسنة حداد..!
-ومن حقائق الحياة الكبرى التي لا يعسر فهمها على أحد:تمايز الناس،واختلاف طبائعهم وأخلاقهم،وأهل السوق لا يساوون بينهم عند البيع،..والعوائل لا تقبلهم جميعا عند المصاهرة ،فلماذا تفتح أبواب الدعوة للجميع؟..
بل نشترط...وندقق...
...والناس كالنبت....والنبت ألوان...
فاربأ بنفسك أن تستأنس بمن لا عقل له،ولا يسير إلى غاية....
فبعض الرجال نخلة لا جنى لها.......ولا ظل إلا أن تعد من النخل
وحاشاك أن يكون هؤلاء لك أصحابا ،فإن القلب يستوحش عند مخالطة أمثالهم،ممن ليس لهم قضية ولا هدف...ولا يحركهم شعور بمسؤولية أو يهزهم خبر المسلمين ونبأ الصراع...ولا تكويهم حرارة التحديات....من أصحاب المغانم:الذين يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع..!
إخوان ليلى: لكن هناك،عند إخوان ليلى:تعطي صفقة قلبك وتبايع..
وهناك،عند إخوان ليلى:تفهم معنى الزعامة حقا.....
عندما قالت ليلى الأخيلية ترثي أخاها:
ومخرق عنه القميص تخاله...يوم اللقاء من الحياء سقيما
حتى إذا رفع اللواء رأيته...تحت اللواء على الخميس زعيما
- وكم أرتنا الدعوة وأحداثها إخوان ليلى هؤلاء،الذين امتزجت أرواحهم بروح الدعوة ، وذابت رغباتهم وطموحاتهم وآمالهم في تيار الدعوة،وصابروا في ثغور النشاط على سنة التواضع والفقر،بغير مال،ولا شهادة دراسة عليا،ولا لقب ولا سيارة ،ولا مركز مرموق،بل بالقميص المخرق المرفأ!!
....حتى إذا جد يوم البذل والتنافس الخيري رأيتهم الزعماء حقا!!...يقودون جمهرة المؤمنين...ويضربون الأمثال لمن يروم التحدي...ولو صنفهم الناظر لهم بعين الموازين الدنيوية والأعراف الوظيفية لوضعهم في المؤخرة ....
...لكن العارف بلغات القلوب ولهجات الأرواح يميز المنازل السامية التي احتلوها...
فيؤسر إعجابا...وينشد احتراما...فينطق لسانه بأزكى الدعاء لهم ...لما رأى من نبض ووميض..؟؟؟!!!..
قال الجنيد: دفع السري إليه رقعة، وقال: هذه خير لك من سبعمائة قصة ؟!.. فإذا فيها:
ولما ادعيت الحب قالت كذبتني فما لي أَرى الأعضاء منك كواسيا
فما الحب حتى يلصق القلب بالحشا وتذبل حتى لا تجيـــب المناديا
وتنحل حتى لا يبقي لك الهوى سوى مقلة تبكى بها وتناجيـــا
-ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها..... تريد أم الدنيا وما في طوياها
لقال غبار من تراب نعالها....... ألذ لنفسي وأشفى لبلواها..!
ما محنة الداعية إلا لهوه وغفلته و جلوسه فارغاً ، وربما زاد فينفتح له باب من اللغو بعد اللهو .
تـلك هي المحنة الحقيقية التي تـفتعـلها الجاهلية للدعاة بما تعرض للناس من مغريات و أسباب لهـو تـلـفـت أنظارهم إليها !!
- وما انتصار الداعية إلا في أن تعاف نفسه ما لا يؤثر في تـقدم دعوته ، إن غفلة الداعية محنة لأنها صرفته عن نصر ممكن يحققه له الجد والعمل الدائب ، وعن أجر وثواب أخروي ليس له من مقدمة إلا هذا الجد وسيظل اسمنا مكتوباً في سجل الغافلين الفارغين ما دمنا لا نعطي للدعوة إلا فضول أوقاتـنا ، وما دمنا لا نشغفها حباً ولا نتخذها حرفة .
المراجع:
الظلال:للشهيد سيد قطب
أصول الإفتاء:للشيخ:الراشد.