المستشار طارق البشري*
أظن أننا إذا تكلمنا عن بناة الجماعة السياسية في مصر على مدى القرن العشرين، فسنجد أن ثلاثة يقفون في قمة هذا المجال، وهم بترتيب الظهور: سعد زغلول، وحسن البنا، وجمال عبد الناصر، وكلهم كانوا حركيين، كانت حركاتهم السياسية معبّرة عن دعواتهم وأفكارهم، ولم يطرحوا فكرا نظريا مجردا، وإنما طرحوه حركات سياسية ، أو تشكيلات تنظيمية أو تكوينات مؤسسية، وأن كلا منهم صار علامة على تشكل جماعي سياسي، الجماعة المصرية عند سعد زغلول، والجماعة الإسلامية عند حسن البنا، والجماعة العربية عند جمال عبد الناصر.
وإذا كانت صراعات سياسية حادة قد جرت بين أصحاب كل من هذه الاتجاهات عبر عقود القرن العشرين، فنحن الآن ننظر في حصيلة قرن كامل، ومتى يمكن أن نتجاوز الطارئ والمؤقت والمتغير من هذه الصراعات لننظر في إمكان النظر إلى جهود السابقين بحسبانها أسس بناء الجماعة السياسية في بلادنا، وبما يقوم به التيار السياسي الإسلامي المستوعب لدينا، أى لننظر في وجوه التناسق والتكامل بين ما يجمع بينها من أهداف مشتركة.
والحق أن الحركة السياسية ذات القدرة الأوسع على الانتشار الشعبي، والتي لم تصل أبدا إلى حكومة البلاد، بل عانت الكثير من ممارسات الحكومات المتعاقبة ضدها، كانت هي هذه الحركة الإسلامية السياسية التي أنشأها في عشرينيات القرن العشرين الأستاذ الشيخ حسن البنا، كما أنها الحركة التي توالدت أجيالها بغير انقطاع عضوي.
على أننا نظل نحتاج إلى استخراج الصياغات السياسية التي تمكن من توسيع رقعة المساحة المشتركة من الأهداف العامة للتيارات السياسية الوطنية في بلادنا، وليس المقصد من ذلك الإشارة إلى أهداف السياسات العملية المتخذة فقط، وإنما المقصود أيضا أن يكون هناك قدر من التقبل الفكري، أو على الأقل، التفاهم الفكري والمعرفة بحقائق ما يقصده كل تيار تجاه التيارات الأخرى، إن لغة التعبير الفكرية عن السياسات والأهداف تتنوع بتنوع المرجعيات الفكرية وبأثر التراث الثقافي لدى كل تيار في صياغته لما يعنيه، فالجهاد مثلا يعني لدى آخرين مقاومة الاحتلال والاستبداد ... وهكذا.
ومن عدد من السنين ، بعد قراءتي لأعمال الأستاذ حسن البنا قراءة متصلة، وبعض كتابات من أتى بعده ممن يسير على خطاه، وكانت مع كتابات الأستاذ البنا مما بنى به فكر الحركة الإسلامية التي أنشأها، بعد ذلك حاولت أن أعّبر عن قراءتي الذاتية لهذه الأعمال بما أتصوره يقيم جسر تفاهم فكري، وما أتصوره يصلح امتدادا طبيعيا لا فرع في الشجرة ذاتها، مما لا أظنه ينفصل عن جذعها.
حاولت بهذه الصياغة أن ألخص ما أظنه أطر النظر السياسي الاجتماعي الذي يصدر أو يمكن أن يصدر عن هذا الفكر، أو بعبارة أدق، حاولت أن أبسط خطوطا عامة للرؤى السياسية الاجتماعية التي يمكن أن تقوم على هذه الأسس السابق وضعها، بحسبانها تفريعات محتملة لها وفق قراءة قارئ بذاته، هو أنا، بمعنى أن هذا الذي أبسطه في البنود التالية، ليس كتابات الأستاذ البنا ذاته (رحمه الله)، إنما هو قراءتي لهذه الكتابات، أي: هو ما ورد في هذه الكتابات منقولا إلى عقل ناظر آخر، وهو يمثل تفاعلا بين مقروء وقارئ. ويظهر أثر القارئ في المقروء عن طريق اختيار المقتطفات ووضعها في سياق آخر، وتفريع التفاريع مع عدد من الإضافات التفصيلية.
وكانت نيتي الظاهرة لدى في ذلك تتعلق بأن أجتهد في أن أترجم المكاتبات لقارئ جديد عليها وعلى مفاهيمها، أى أن أصل بين المكتوب وبين قارئ يرد من ثقافة أخرى، وأن أحاول أن أسد فجوة في فجوات الثقافة السياسية في بلادنا بين تيارات ذات أصول ثقافية متباينة.
لا أعرف مدى ما بلغته المحاولة من صواب، ولكنها اجتهاد رجوت منه أن يكون سعيا لبلوغ هدف التفاهم والتقبل، مما أراه ضروريا لنا فى سعينا المشترك لإنقاذ هذه الأمة من عثرات الماضي والحاضر.
والحمد لله.
قراءة في الفكر السياسي للحركة الإسلامية
أولا
1- إن الدعوة الإسلامية تصدر عن أن أحكام الإسلام شاملة تنتظم شئون الناس في الدنيا والآخرة، والله - سبحانه وتعالى - رب السماوات والأرض، والإسلام دين ودنيا، وروحانية وعمل، والمسلم يؤمن بالله ويعمل الصالحات، وإن أصل شرعية النظام الإسلامي وأساس التعاليم الإسلامية هو كتاب الله - تبارك وتعالى - وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدا، وأن نظم الإسلام التي ينبغي أن تسير عليها الأمة، إنما تستقي من هذا المعين الصافي.
وهذا أساس الدعوة الإسلامية وسبب قيامها، وستبقى بإذن الله تعالى على مدى الزمان، حتى تقوم شريعة الله حاكمة للعباد، ينهض بها المسلمون ويعملونها رسالة حضارة للبشرية جمعاء.
2- إن غاية الدعوة أيضا تكوين جيل من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ حياة المسلمين بالصبغة الإسلامية، في كل مجالات سلوكهم ومعاملاتهم.
ووسيلتهم في ذلك تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم، حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول على حكمها.
وإذا ابتغى المسلمون القوة لأمتهم امتثالا لنداء القرآن الكريم: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) (الأنفال: 10) فإنهم يدركون أن أولى درجات القوة هي قوة العقيدة والإيمان، وتليها قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد لبناء المجتمع الناهض، وقوة السلاح في يد الدولة للدفاع عن الأمة، والذود عن الديار والأوطان، وتحصين إرادة الأمة من طواغيت العالم وشروره، وأطماع الدول الكبرى وضغوطها وتهديداتها، وأن الترقي بين درجات القوة أمر يختلف باختلاف الظروف وأحوال الأمة والمجتمع في كل مرحلة خاصة.
3- إنها دعوة تدعو إلى العودة للإسلام في معينه الصافي من الكتاب والسنة، وهي تدرك أن كثيرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها، لذلك يجب لكي نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح (رضوان الله عليهم) أن نقف عند الحدود الربانية والنبوية، حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما قيدنا به الله سبحانه، وحتى لا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جمعاء.
إن الإسلام دين عام انتظم كل شئون الحياة في كل الشعوب والأمم، لكل الأزمان والعصور، وجاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة، خاصة في الأمور الدنيوية الأكثر تأثرا بالبيئات وظروف الزمان والمكان، وإنما وضع الإسلام القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشئون، وأرشد الناس إلى الطريقة العملية للبناء عليها، والتفريع منها، والسير في حدودها.
4- إنها دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، وهي تتوجه للأمة عامة بصحيح الدين ولبه، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم، حتى يكون العمل أجدى، والإنتاج أعظم وأكبر، وهي مع الحق أينما كان، تحب الاجتماع، وتكره الشذوذ، وهي ترى أن أفدح ما مني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأن أساس ما انتصروا به الوحدة والوئام، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
إان الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه، لأن أصول الإسلام آيات وأحاديث وأعمال تختلف في فهمها وتصورها العقول والأفهام، والخلاف كان واقعا بين الصحابة أنفسهم، وهم أقرب الناس عهدا بالنبوة، وأعرفهم بقرائن الأحكام، ولا يزال الخلاف واقعا وسيظل إلى يوم القيامة، والناس تختلف في سعة العلم وضيقه، ومنذ تفرق صحابة رسول الله في الأمصار صار عند كل قوم علم لم يلم به آخرون، كما أن اختلاف البيئات يخالف بين التطبيق في كل بيئة منها.
والإجماع في الأمور الفرعية أمر متعذر، بل هو يتتافى مع طبيعة الدين، والله سبحانه يريد لهذا الدين أن يبقى ويخلد، وأن يساير العصور ويماشي الأزمان، لذلك فهو سهل مرن هين لين، لا جمود فيه ولا تشديد.
وليس العيب في الخلاف، ولكن العيب في التعصب للرأي والحجر على عقول الناس وآرائهم، وهذه النظرة السمحة إلى الأمور الخلافية، تجمع الناس على الفكرة الواحدة.
وحسب الناس أن يجتمعوا على ما يصير به المسلم مسلما.
5- إن الدعوة الإسلامية منذ ظهرت حركتها الحديثة، التزمت أصلا لا محل للخروج عليه، وهو ألا تعرض للأشخاص بحكم ما، وأنها تعلن الأحكام الشرعية تالية الآيات والأحاديث، مستشهدة إذا لزم الأمر بأقوال الفقه، تاركة لكل شخص أن يضع نفسه فى الوضع الذى هو أعلم بأنه ينطبق عليه، فهي داعية، وليست قاضية.
وأي امرئ هو على الإسلام بنطقه بالشهادتين، وبهما يثبت له عقد الإسلام يقينا وفور النطق، وفي ذات لحظة التلفظ بهما دون أدنى تأخير أو تأويل، ودون استلزام أي شرط آخر، وبعد ثبوت عقد الإسلام وبموجبه يتحمل المسلم ما يفرضه الإسلام عليه من موجبات، وما ينهاه عنه من النواهي، والإخلال بذلك لا يخرجه من الملة، إنما تقدر مخالفته في حدود ما أمر الله ورسوله في شأن المخالفة الواقعة.
والجاهلية في نظر الإسلام هي كالضلال والعصيان والفسوق والظلم، من الألفاظ التي استعملت في القرآن الكريم والسنة الشريفة لتعني الخروج على أحكام الدين خروجا لا يبلغ بالضرورة حد الخروج عن الملة، ولا يصل باللزوم إلى حد الردة عن الإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، أورد البخاري هذا الحديث، وقال: (المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك).
والفرق بين المعصية وبين ما يصل إلى حد الردة من الخروج يرجع إلى الأحكام الشرعية، والقول بأن المجتمع جاهلي يوازي القول بأن المجتمع ضال، وأن تلك الصفة غالبة على حال أفراده ونظمه.
ونحن منهيون عن أن نكفر مسلما برأي أو بمعصية، متى أقر بالشهادتين وعمل بمقتضإهما، إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أى يكون عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر.
6- إن التكليف الإلهي مرتبط بعالم الأسباب وبسنن الله الكونية، ونحن مكلفون ضمن عالم الأسباب والسنن مع ملاحظة أن الله - تبارك وتعالى - يسهل للمؤمن ما لا يسهله لغيره، فالبحث عن السنن الكونية في كل أمر والسير في ضوئها لا يجوز إهماله بحال (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد: 11).
وهناك وسائل كثيرة للقيام بالدعوة وصياغة الرأي العام، وكسب القوة المرجوة للأمة في مختلف الميادين، وهي كلها جزء من عالم الأسباب، وفي إغفال هذه الوسائل المشروعة تفريط، وأن التصدي لشئون السياسة والاقتصاد مرتبط بالسنن وله وسائله، وغير أنصار الحركة الإسلامية يتبعون الوسائل في هذه الشئون ويعطونها مداها، وفي إغفال هذه الوسائل المشروعة المباحة تفريط.
وإن صياغة النفس البشرية وتربية الناس وصياغة علاقاتهم وأنظمة معاملاتهم، لكل ذلك سنن، وعلينا أن نبحث عن هذه السنن في كل من هذه المجالات للوصول إلى النفس المسلمة وصياغة علائق المجتمع الإسلامي ونظمه، وإغفال ذلك تفريط، وأن للصراع البشري قوانينه وللقتال قوانينه، وللسيطرة قوانينها، وكل ذلك علينا أن نبحث عنه وأن نستوعبه، وأن نصوغه في ضوء الإسلام ولخدمته.
إن في إغفال الأسباب الموصلة إلى نصرة الأمة وسيادة النظام الإسلامي تفريط كبير، إن لم يكن إثما كبيرا ، إن من فروض الكفاية في الإسلام أن يوجد المتخصصون في كل علم تحتاجه الأمة الإسلامية، ومن جملة ذلك علوم الاقتصاد والسياسة وغيرها.
ثانيا
7- قامت الدعوة الإسلامية، وتقوم على ركيزتين أساسيتين، الركيزة الأولى: هي الوحدة الإسلامية، والارتباط السياسي الوثيق بين أمم الإسلام وشعوبه، بحسبان أن هذه الوحدة وهذا الارتباط شعيرة إسلامية يتعين أن يحفظها المسلمون، ولا يفرطوا فيها، والركيزة الثانية: إقرار الشريعة الإسلامية ومبادئها كأساس للنظام الاجتماعي السياسي للجماعة، وللتتظيم القانوني في كل مجالاته، والإقرار بها كمصدر مهيمن على الشرعية في المجتمع.
هاتان الركيزتان اللتان تقوم عليهما الدعوة الإسلامية في العصر الراهن، تمثلان الاستجابة الأساسية لمجالي التحدي الرئيسيين اللذين تواجههما شعوبنا في هذا العصر، عصر الغزو الاستعماري ومقاومته.
إن شعوبنا في عصرها الراهن تعاني من مشكلتين أساسيتين جاءتا بفعل السيطرة الاستعمارية، وهما: أولا "التفتيت"، والتجزئة السياسية التي أحالت بلادنا وشعوبنا مزقا من الدول الصغيرة، والدويلات التي لا تملك لنفسها نفعا، وذلك كسعي مقصود من جانب الغزاة لإدامة السيطرة علينا، والمشكلة الثانية: تتراءى في "التبعية" العقيدية والحضارية والسياسية والاقتصادية، تبعية دولنا وشعوبنا لصالح دول الغرب والشمال الكبرى، التي تتبوأ مكان السيطرة في عالم اليوم.
هذه التبعية بدأت محاولاتها مع بدايات القرن التاسع عشر، ولم ينته ذلك القرن، ويبدأ القرن العشرين حتى كانت قد استكملت حلقات التحكم الغربي الاستعماري في بلادنا وشعوبنا، مما وجهنا غير وجهتتا، وبدل أوضاع حياتتا، ومما ركز في صفوفنا هذا الضعف المتناهي، وأقام نظما حاكمة جعلت نفسها أدوات طيعة في يد الصالح الأجنبي يتحكم بها في رقاب الناس، وينفذ بها مطالبه وخططه، ويحقق مشيئته سافرة كانت أو مستترة.
نحن مأمورون دينا بأن ندعم شعور المسلم بانتمائه لجماعته، وأن نجاهد للحفاظ على هذه الجماعة كرابطة متماسكة وعروة وثقى، ونحن مأمورن بديننا بأن نقيم روابطنا ونظمنا على أساس من شريعة الإسلام المنزلة الخالدة، ولا غرو أن يكون ما نلتزم به دينا وعقيدة، هو الأصل الأصيل لما ينفعنا، ولما يقيمنا كجماعة مستقلة وناهضة.
8- إن الدعوة الإسلامية دعوة إنسانية تتوجه إلى الناس كافة، وهي ليست لجنس دون جنس، ولا لأمة دون أخرى، ومن هذا العموم في بعثة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن شمول رسالته، يستمد العموم والشمول في هدفها ومرماها، فهي دعوة للناس جميعا، وهي تؤاخي بينهم جميعا وتسعى لخيرهم، ولا تعترف بفوارق الأجناس والألوان، ولا تتغير بتغير الشعوب والأوطان.
والمسلمون أمة واحدة من أمم عدة، والوطن الإسلامي وطن واحد من أوطان عدة، مهما تباعدت الأقطار، وتناءت الحدود، والدعوة الإسلامية تؤمن بهذه الوحدة، وتعمل لجمع كلمة المسلمين وإعزاز أخوة الإسلام.
ومتى كان الوطن الإسلامي واحدا لا يتجزأ، فإن العدوان على أي جزء من أجزائه يعتبر عدوانا عليه جميعه، وقد فرض الإسلام على المسلمين أن يكونوا أئمة في ديارهم سادة في أوطانهم، ولهذا فكل دولة اعتدت أو تعتدي على أي من أوطان المسلمين وديارهم دولة ظالمة، لا بد أن تكف عدوانها، ولا بد أن يعد المسلمون أنفسهم لرفع العدوان، وأن يعملوا متساندين للتخلص من نيره، أيما كان هذا العدوان وأيا كانت وسائله العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية أو غيرها، ومن يقصر عن ذلك فهو من الآثمين.
9- على أن الإسلام الذي قام للناس كافة وأقام عروته الوثقى من المسلمين جميعا، قد فرض فريضة لازمة لا مناص منها، وهي أن يعمل كل إنسان لخير بلده، وأن يتفانى في خدمته، وأن يقدم كل ما يستطيع من الخير للأمة التي يعيش فيها، وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب رحما وجوارا، ومن هنا وجب عليه أن يكون أعمق الناس وطنية، وأعظمهم نفعا لمواطنيه، لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين، وأن يكون الأحرص على خير وطنه، متمنيا لبلده العزة كل العزة، والمجد والرقي والنجاح والفلاح، وأن يحرص كل الحرص على وحدة وطنه.
ولمصر منزلتها في الكفاح والجهاد، وقد نشأ أهلها على أرضها الكريمة وتلقوا الإسلام أكرم تلق، وذادت عن الإسلام وردت عنه العدوان في الكثير من فترات التاريخ، وأخلصت مصر في اعتناقه، وقامت بدور أساس في الحفاظ على معالمه وشريعته ودعوة الناس إليه، مما صار به الأزهر الشريف منارا عليه وعلما. كما قامت مصر بدورها البارز في دعم الحضارة الإسلامية في شتى نواحيها العلمية والعملية، وفي العلوم والفنون والآداب، وتصدت لكل الغزوات الأجنبية على العالم الإسلامي، سواء ضد الصليبيين، أو ضد التتار، كما تصدت لكل الغزوات الفكرية التي قصد المستعمرون بها الطعن على الإسلام ، وحرف الناس عن أسسه المتينة.
فالجهاد لخير مصر هو جهاد لتلك الحلقة الأولى من سلسلة النهضة المنشودة، لأنها جزء من الوطن العربي العام، ومن أمة الإسلام.
ولا ضير من الاعتناء بتاريخ مصر القديم، وبما سبق إليه قدماء المصريين في العلوم والمعارف، فلمصر القديمة تاريخ فيه مجد وعلم ومعرفة، ولكن يتعين محاربة النزعة التي تحاول أن تصبغ مصر الآن بالصبغة الفرعونية، وأن تعزلها عن المسلمين والعرب كافة.
إن مصر هداها الله إلى الإسلام، وبه صارت إلى العروبة، ولا مكان فيها لأوضار الوثنية وأدران الشرك، وعادات الجاهلية.
10- والعروبة لها في الدعوة الإسلامية مكانها البارز وحظها الوافر، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى، وهم شعبه المتميز، وأنه لحق ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ذل العرب ذل المسلمون)، ولن ينهض الإسلام بيسر دون اجتماع كلمة العرب، وأن كل شبر أرض في وطن عربي يعتبره الإخوان من صميم أرضهم، ومن لباب وطنهم.
إن الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية القائمة لا تمزق أبدا معنى الوحدة العربية الإسلامية التي جمعت القلوب على أمل واحد، وهدف واحد، وجعلت من هذه الأقطار جميعا أمة واحدة، مهما حاول المحاولون فصم وحدتها، ومهما افترى الشعوبيون.
وقد روى عن مالك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن الرب واحد، والأب واحد، وإن الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي).
ولذلك فإن هذه الشعوب الممتدة من خليج العرب إلى المحيط الأطلسي كلها عربية تجمعها العقيدة، ويوحد بينها اللسان، وتؤلفها بعد ذلك هذه الوضعية المتناسقة في رقعة من الأرض واحدة متصلة متشابهة، لا يحول بين أجزائها حائل، ولا يفرق بين حدودها فارق.
وأن العمل للعروبة هو عمل للإسلام، ووحدة العرب لا بد منها لإعادة مجد الإسلام، وإقامة دولته، وإعزاز سلطانه، ويجب على كل مصري ومسلم أن يعمل على إحياء الوحدة العربية، وتأييدها ومناصرتها، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الموقف الإسلامي من الوحدة العربية.
ولكن يتعين ألا تقوم دعوة العروبة على أساس جنسي يثير الاعتزاز بالجنس، أو يؤدي إلى انتقاص الأجناس الأخرى والعدوان عليها، ويتعين بطبيعة الحال ضد أن تتحلل العروبة من عقدة الإسلام، ورباطه بدعوى القومية، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
11- كل ذلك يتعين أن ينظر إليه المسلمون في إطار تخليص الأوطان من أي نفوذ استعماري عليها، سواء في السياسة والاقتصاد، أو في الفكر والعقيدة.
والسياسة الخارجية هي السياسة التي ترمي إلى استقلال الأمة وضمان حريتها، وإشعارها بكرامتها وعزتها، والسير بها إلى الأهداف المجيدة التي تحتل بها مكانتها بين الأمم ومنزلتها الكريمة في الشعوب والدول، وتخليصها من استبداد غيرها بها وتدخله في شئونها، وأن تحدد الصلة بينها وبين سواها تحديدا يفصل حقوقها جميعا، ويوجه الدول كلها إلى السلام العالمي العام القائم على العدل.
إن سيادة الأمة الإسلامية وأستاذيتها إنما تأتيها بالإسلام، وما يصبغها به من معان إنسانية رفيعة، ومن أسس حضارية متينة، وقد أمر الإسلام المسلمين بالمحافظة على هذه السيادة، وأمرهم بإعداد العدة، واستكمال القوة حتى يسير الحق محفوفا بجلال القوة، كما هو مشرق بأنوار الهداية.
12- إن خبرة تاريخ المسلمين تعرض الآن، وتظهر أن تحقيق أهدافهم المرجوة لا يتأتى إلا بعلاج عوامل التحلل التي قامت عبر مراحل من التاريخ تفت في عضد قوة الإسلام والمسلمين، ومن هذه العوامل: الخلافات السياسية والعصبية، وتنازع الرئاسة والجاه، رغم ما أوصى الإسلام به من تزهيد في الإمارة، وابتعاد عن التنازع، ومنها الخلافات الدينية والمذهبية والانصراف عن الدين كعقائد وأعمال إلى الألفاظ والمصطلحات الميتة، والجمود والتعصب للأقوال، والولع بالجدل والمناظرات والمراء، وهو ما حذر منه الله ورسوله، ومنها كذلك الانغماس في ألوان الترف والنعيم والإقبال على المتع والشهوات، رغم ما حذرنا منه القرآن الكريم من إهلاك القرى بترف مترفيها وفسقهم، ومنها أيضا إهمال العلوم العملية والمعارف الكونية، وصرف الأوقات وتضييع الجهود في فلسفات عقيمة، مع أن الإسلام يحث على النظر في الكون، واكتناه أسرارالخلق والسير في الأرض، ومن ذلك أيضا غرور الحكام، وإهمال النظر في التطور الاجتماعي للأمم الأخرى حتى سبقت في الإعداد رغم أن الإسلام أمرنا باليقظة والحذر، واعتبر الغافلين أضل من الأنعام، ومنها الانخداع بدسائس الخصوم والانبهار بأعمالهم ومظاهر حياتهم، والاندفاع في تقليدهم فيما يضر ولا ينفع، رغم النهي الشديد عن التشبه بهم.
كل ذلك يتعين مقاومته، ولن نستطيع أن نقاوم غازيا إلا بعد أن نقاوم الانهزام فينا، ولا أن نتحرر من الاستعمار إلا إذا تحررنا من قابليتنا للاستعمار.
13- إن فلسطين على مدار التاريخ كانت تمثل شاغلا أساسيا لمصر، فهي الحد الشرقي الذي ينبغي أن تؤمنه وتصونه، ولا حل للمسألة الفلسطينية إلا الحل الذي يحقق للفلسطينيين استرداد حقوقهم المشروعة في العودة لديارهم، وإنشاء دولتهم.
إن مصر والعالم العربي والإسلامي كله يفتدي فلسطين، فأما مصر فلأنها حدها الشرقي المتاخم، وأما بلاد العرب فلأن فلسطين قلبها الخافق، وواسطة عقدها، ومركز وحدتها، وهي ضنينة بهذه الوحدة أن تتمزق مهما كانت الظروف، ومهما كلفها ذلك من تضحيات، وأما العالم الإسلامي فلأن فلسطين أولى القبلتين، وثاني الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولن يكف جهاد العرب والمسلمين ما بقي العدوان الصهيوني على أرض العرب والمسلمين، ومهما امتدت السنون، وتتالت الأجيال، وهذه الحقيقة إن لم نؤكد عليها بألسنتتا، فإن كر السنين يؤكدها للعالمين، إذ لا أمن ولا استقرار في ديار العرب والمسلمين ما بقي العدوان الصهيوني قائما، وأن مصر والعرب والمسلمين مجروحون جرحا لا برء منه إلا أن يرد للفلسطينيين حقهم، وينتهي العدوان الصهيوني.
أظن أننا إذا تكلمنا عن بناة الجماعة السياسية في مصر على مدى القرن العشرين، فسنجد أن ثلاثة يقفون في قمة هذا المجال، وهم بترتيب الظهور: سعد زغلول، وحسن البنا، وجمال عبد الناصر، وكلهم كانوا حركيين، كانت حركاتهم السياسية معبّرة عن دعواتهم وأفكارهم، ولم يطرحوا فكرا نظريا مجردا، وإنما طرحوه حركات سياسية ، أو تشكيلات تنظيمية أو تكوينات مؤسسية، وأن كلا منهم صار علامة على تشكل جماعي سياسي، الجماعة المصرية عند سعد زغلول، والجماعة الإسلامية عند حسن البنا، والجماعة العربية عند جمال عبد الناصر.
وإذا كانت صراعات سياسية حادة قد جرت بين أصحاب كل من هذه الاتجاهات عبر عقود القرن العشرين، فنحن الآن ننظر في حصيلة قرن كامل، ومتى يمكن أن نتجاوز الطارئ والمؤقت والمتغير من هذه الصراعات لننظر في إمكان النظر إلى جهود السابقين بحسبانها أسس بناء الجماعة السياسية في بلادنا، وبما يقوم به التيار السياسي الإسلامي المستوعب لدينا، أى لننظر في وجوه التناسق والتكامل بين ما يجمع بينها من أهداف مشتركة.
والحق أن الحركة السياسية ذات القدرة الأوسع على الانتشار الشعبي، والتي لم تصل أبدا إلى حكومة البلاد، بل عانت الكثير من ممارسات الحكومات المتعاقبة ضدها، كانت هي هذه الحركة الإسلامية السياسية التي أنشأها في عشرينيات القرن العشرين الأستاذ الشيخ حسن البنا، كما أنها الحركة التي توالدت أجيالها بغير انقطاع عضوي.
على أننا نظل نحتاج إلى استخراج الصياغات السياسية التي تمكن من توسيع رقعة المساحة المشتركة من الأهداف العامة للتيارات السياسية الوطنية في بلادنا، وليس المقصد من ذلك الإشارة إلى أهداف السياسات العملية المتخذة فقط، وإنما المقصود أيضا أن يكون هناك قدر من التقبل الفكري، أو على الأقل، التفاهم الفكري والمعرفة بحقائق ما يقصده كل تيار تجاه التيارات الأخرى، إن لغة التعبير الفكرية عن السياسات والأهداف تتنوع بتنوع المرجعيات الفكرية وبأثر التراث الثقافي لدى كل تيار في صياغته لما يعنيه، فالجهاد مثلا يعني لدى آخرين مقاومة الاحتلال والاستبداد ... وهكذا.
ومن عدد من السنين ، بعد قراءتي لأعمال الأستاذ حسن البنا قراءة متصلة، وبعض كتابات من أتى بعده ممن يسير على خطاه، وكانت مع كتابات الأستاذ البنا مما بنى به فكر الحركة الإسلامية التي أنشأها، بعد ذلك حاولت أن أعّبر عن قراءتي الذاتية لهذه الأعمال بما أتصوره يقيم جسر تفاهم فكري، وما أتصوره يصلح امتدادا طبيعيا لا فرع في الشجرة ذاتها، مما لا أظنه ينفصل عن جذعها.
حاولت بهذه الصياغة أن ألخص ما أظنه أطر النظر السياسي الاجتماعي الذي يصدر أو يمكن أن يصدر عن هذا الفكر، أو بعبارة أدق، حاولت أن أبسط خطوطا عامة للرؤى السياسية الاجتماعية التي يمكن أن تقوم على هذه الأسس السابق وضعها، بحسبانها تفريعات محتملة لها وفق قراءة قارئ بذاته، هو أنا، بمعنى أن هذا الذي أبسطه في البنود التالية، ليس كتابات الأستاذ البنا ذاته (رحمه الله)، إنما هو قراءتي لهذه الكتابات، أي: هو ما ورد في هذه الكتابات منقولا إلى عقل ناظر آخر، وهو يمثل تفاعلا بين مقروء وقارئ. ويظهر أثر القارئ في المقروء عن طريق اختيار المقتطفات ووضعها في سياق آخر، وتفريع التفاريع مع عدد من الإضافات التفصيلية.
وكانت نيتي الظاهرة لدى في ذلك تتعلق بأن أجتهد في أن أترجم المكاتبات لقارئ جديد عليها وعلى مفاهيمها، أى أن أصل بين المكتوب وبين قارئ يرد من ثقافة أخرى، وأن أحاول أن أسد فجوة في فجوات الثقافة السياسية في بلادنا بين تيارات ذات أصول ثقافية متباينة.
لا أعرف مدى ما بلغته المحاولة من صواب، ولكنها اجتهاد رجوت منه أن يكون سعيا لبلوغ هدف التفاهم والتقبل، مما أراه ضروريا لنا فى سعينا المشترك لإنقاذ هذه الأمة من عثرات الماضي والحاضر.
والحمد لله.
قراءة في الفكر السياسي للحركة الإسلامية
أولا
1- إن الدعوة الإسلامية تصدر عن أن أحكام الإسلام شاملة تنتظم شئون الناس في الدنيا والآخرة، والله - سبحانه وتعالى - رب السماوات والأرض، والإسلام دين ودنيا، وروحانية وعمل، والمسلم يؤمن بالله ويعمل الصالحات، وإن أصل شرعية النظام الإسلامي وأساس التعاليم الإسلامية هو كتاب الله - تبارك وتعالى - وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدا، وأن نظم الإسلام التي ينبغي أن تسير عليها الأمة، إنما تستقي من هذا المعين الصافي.
وهذا أساس الدعوة الإسلامية وسبب قيامها، وستبقى بإذن الله تعالى على مدى الزمان، حتى تقوم شريعة الله حاكمة للعباد، ينهض بها المسلمون ويعملونها رسالة حضارة للبشرية جمعاء.
2- إن غاية الدعوة أيضا تكوين جيل من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ حياة المسلمين بالصبغة الإسلامية، في كل مجالات سلوكهم ومعاملاتهم.
ووسيلتهم في ذلك تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم، حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول على حكمها.
وإذا ابتغى المسلمون القوة لأمتهم امتثالا لنداء القرآن الكريم: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) (الأنفال: 10) فإنهم يدركون أن أولى درجات القوة هي قوة العقيدة والإيمان، وتليها قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد لبناء المجتمع الناهض، وقوة السلاح في يد الدولة للدفاع عن الأمة، والذود عن الديار والأوطان، وتحصين إرادة الأمة من طواغيت العالم وشروره، وأطماع الدول الكبرى وضغوطها وتهديداتها، وأن الترقي بين درجات القوة أمر يختلف باختلاف الظروف وأحوال الأمة والمجتمع في كل مرحلة خاصة.
3- إنها دعوة تدعو إلى العودة للإسلام في معينه الصافي من الكتاب والسنة، وهي تدرك أن كثيرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها، لذلك يجب لكي نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح (رضوان الله عليهم) أن نقف عند الحدود الربانية والنبوية، حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما قيدنا به الله سبحانه، وحتى لا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جمعاء.
إن الإسلام دين عام انتظم كل شئون الحياة في كل الشعوب والأمم، لكل الأزمان والعصور، وجاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة، خاصة في الأمور الدنيوية الأكثر تأثرا بالبيئات وظروف الزمان والمكان، وإنما وضع الإسلام القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشئون، وأرشد الناس إلى الطريقة العملية للبناء عليها، والتفريع منها، والسير في حدودها.
4- إنها دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، وهي تتوجه للأمة عامة بصحيح الدين ولبه، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم، حتى يكون العمل أجدى، والإنتاج أعظم وأكبر، وهي مع الحق أينما كان، تحب الاجتماع، وتكره الشذوذ، وهي ترى أن أفدح ما مني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأن أساس ما انتصروا به الوحدة والوئام، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
إان الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه، لأن أصول الإسلام آيات وأحاديث وأعمال تختلف في فهمها وتصورها العقول والأفهام، والخلاف كان واقعا بين الصحابة أنفسهم، وهم أقرب الناس عهدا بالنبوة، وأعرفهم بقرائن الأحكام، ولا يزال الخلاف واقعا وسيظل إلى يوم القيامة، والناس تختلف في سعة العلم وضيقه، ومنذ تفرق صحابة رسول الله في الأمصار صار عند كل قوم علم لم يلم به آخرون، كما أن اختلاف البيئات يخالف بين التطبيق في كل بيئة منها.
والإجماع في الأمور الفرعية أمر متعذر، بل هو يتتافى مع طبيعة الدين، والله سبحانه يريد لهذا الدين أن يبقى ويخلد، وأن يساير العصور ويماشي الأزمان، لذلك فهو سهل مرن هين لين، لا جمود فيه ولا تشديد.
وليس العيب في الخلاف، ولكن العيب في التعصب للرأي والحجر على عقول الناس وآرائهم، وهذه النظرة السمحة إلى الأمور الخلافية، تجمع الناس على الفكرة الواحدة.
وحسب الناس أن يجتمعوا على ما يصير به المسلم مسلما.
5- إن الدعوة الإسلامية منذ ظهرت حركتها الحديثة، التزمت أصلا لا محل للخروج عليه، وهو ألا تعرض للأشخاص بحكم ما، وأنها تعلن الأحكام الشرعية تالية الآيات والأحاديث، مستشهدة إذا لزم الأمر بأقوال الفقه، تاركة لكل شخص أن يضع نفسه فى الوضع الذى هو أعلم بأنه ينطبق عليه، فهي داعية، وليست قاضية.
وأي امرئ هو على الإسلام بنطقه بالشهادتين، وبهما يثبت له عقد الإسلام يقينا وفور النطق، وفي ذات لحظة التلفظ بهما دون أدنى تأخير أو تأويل، ودون استلزام أي شرط آخر، وبعد ثبوت عقد الإسلام وبموجبه يتحمل المسلم ما يفرضه الإسلام عليه من موجبات، وما ينهاه عنه من النواهي، والإخلال بذلك لا يخرجه من الملة، إنما تقدر مخالفته في حدود ما أمر الله ورسوله في شأن المخالفة الواقعة.
والجاهلية في نظر الإسلام هي كالضلال والعصيان والفسوق والظلم، من الألفاظ التي استعملت في القرآن الكريم والسنة الشريفة لتعني الخروج على أحكام الدين خروجا لا يبلغ بالضرورة حد الخروج عن الملة، ولا يصل باللزوم إلى حد الردة عن الإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، أورد البخاري هذا الحديث، وقال: (المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك).
والفرق بين المعصية وبين ما يصل إلى حد الردة من الخروج يرجع إلى الأحكام الشرعية، والقول بأن المجتمع جاهلي يوازي القول بأن المجتمع ضال، وأن تلك الصفة غالبة على حال أفراده ونظمه.
ونحن منهيون عن أن نكفر مسلما برأي أو بمعصية، متى أقر بالشهادتين وعمل بمقتضإهما، إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أى يكون عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر.
6- إن التكليف الإلهي مرتبط بعالم الأسباب وبسنن الله الكونية، ونحن مكلفون ضمن عالم الأسباب والسنن مع ملاحظة أن الله - تبارك وتعالى - يسهل للمؤمن ما لا يسهله لغيره، فالبحث عن السنن الكونية في كل أمر والسير في ضوئها لا يجوز إهماله بحال (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد: 11).
وهناك وسائل كثيرة للقيام بالدعوة وصياغة الرأي العام، وكسب القوة المرجوة للأمة في مختلف الميادين، وهي كلها جزء من عالم الأسباب، وفي إغفال هذه الوسائل المشروعة تفريط، وأن التصدي لشئون السياسة والاقتصاد مرتبط بالسنن وله وسائله، وغير أنصار الحركة الإسلامية يتبعون الوسائل في هذه الشئون ويعطونها مداها، وفي إغفال هذه الوسائل المشروعة المباحة تفريط.
وإن صياغة النفس البشرية وتربية الناس وصياغة علاقاتهم وأنظمة معاملاتهم، لكل ذلك سنن، وعلينا أن نبحث عن هذه السنن في كل من هذه المجالات للوصول إلى النفس المسلمة وصياغة علائق المجتمع الإسلامي ونظمه، وإغفال ذلك تفريط، وأن للصراع البشري قوانينه وللقتال قوانينه، وللسيطرة قوانينها، وكل ذلك علينا أن نبحث عنه وأن نستوعبه، وأن نصوغه في ضوء الإسلام ولخدمته.
إن في إغفال الأسباب الموصلة إلى نصرة الأمة وسيادة النظام الإسلامي تفريط كبير، إن لم يكن إثما كبيرا ، إن من فروض الكفاية في الإسلام أن يوجد المتخصصون في كل علم تحتاجه الأمة الإسلامية، ومن جملة ذلك علوم الاقتصاد والسياسة وغيرها.
ثانيا
7- قامت الدعوة الإسلامية، وتقوم على ركيزتين أساسيتين، الركيزة الأولى: هي الوحدة الإسلامية، والارتباط السياسي الوثيق بين أمم الإسلام وشعوبه، بحسبان أن هذه الوحدة وهذا الارتباط شعيرة إسلامية يتعين أن يحفظها المسلمون، ولا يفرطوا فيها، والركيزة الثانية: إقرار الشريعة الإسلامية ومبادئها كأساس للنظام الاجتماعي السياسي للجماعة، وللتتظيم القانوني في كل مجالاته، والإقرار بها كمصدر مهيمن على الشرعية في المجتمع.
هاتان الركيزتان اللتان تقوم عليهما الدعوة الإسلامية في العصر الراهن، تمثلان الاستجابة الأساسية لمجالي التحدي الرئيسيين اللذين تواجههما شعوبنا في هذا العصر، عصر الغزو الاستعماري ومقاومته.
إن شعوبنا في عصرها الراهن تعاني من مشكلتين أساسيتين جاءتا بفعل السيطرة الاستعمارية، وهما: أولا "التفتيت"، والتجزئة السياسية التي أحالت بلادنا وشعوبنا مزقا من الدول الصغيرة، والدويلات التي لا تملك لنفسها نفعا، وذلك كسعي مقصود من جانب الغزاة لإدامة السيطرة علينا، والمشكلة الثانية: تتراءى في "التبعية" العقيدية والحضارية والسياسية والاقتصادية، تبعية دولنا وشعوبنا لصالح دول الغرب والشمال الكبرى، التي تتبوأ مكان السيطرة في عالم اليوم.
هذه التبعية بدأت محاولاتها مع بدايات القرن التاسع عشر، ولم ينته ذلك القرن، ويبدأ القرن العشرين حتى كانت قد استكملت حلقات التحكم الغربي الاستعماري في بلادنا وشعوبنا، مما وجهنا غير وجهتتا، وبدل أوضاع حياتتا، ومما ركز في صفوفنا هذا الضعف المتناهي، وأقام نظما حاكمة جعلت نفسها أدوات طيعة في يد الصالح الأجنبي يتحكم بها في رقاب الناس، وينفذ بها مطالبه وخططه، ويحقق مشيئته سافرة كانت أو مستترة.
نحن مأمورون دينا بأن ندعم شعور المسلم بانتمائه لجماعته، وأن نجاهد للحفاظ على هذه الجماعة كرابطة متماسكة وعروة وثقى، ونحن مأمورن بديننا بأن نقيم روابطنا ونظمنا على أساس من شريعة الإسلام المنزلة الخالدة، ولا غرو أن يكون ما نلتزم به دينا وعقيدة، هو الأصل الأصيل لما ينفعنا، ولما يقيمنا كجماعة مستقلة وناهضة.
8- إن الدعوة الإسلامية دعوة إنسانية تتوجه إلى الناس كافة، وهي ليست لجنس دون جنس، ولا لأمة دون أخرى، ومن هذا العموم في بعثة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن شمول رسالته، يستمد العموم والشمول في هدفها ومرماها، فهي دعوة للناس جميعا، وهي تؤاخي بينهم جميعا وتسعى لخيرهم، ولا تعترف بفوارق الأجناس والألوان، ولا تتغير بتغير الشعوب والأوطان.
والمسلمون أمة واحدة من أمم عدة، والوطن الإسلامي وطن واحد من أوطان عدة، مهما تباعدت الأقطار، وتناءت الحدود، والدعوة الإسلامية تؤمن بهذه الوحدة، وتعمل لجمع كلمة المسلمين وإعزاز أخوة الإسلام.
ومتى كان الوطن الإسلامي واحدا لا يتجزأ، فإن العدوان على أي جزء من أجزائه يعتبر عدوانا عليه جميعه، وقد فرض الإسلام على المسلمين أن يكونوا أئمة في ديارهم سادة في أوطانهم، ولهذا فكل دولة اعتدت أو تعتدي على أي من أوطان المسلمين وديارهم دولة ظالمة، لا بد أن تكف عدوانها، ولا بد أن يعد المسلمون أنفسهم لرفع العدوان، وأن يعملوا متساندين للتخلص من نيره، أيما كان هذا العدوان وأيا كانت وسائله العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية أو غيرها، ومن يقصر عن ذلك فهو من الآثمين.
9- على أن الإسلام الذي قام للناس كافة وأقام عروته الوثقى من المسلمين جميعا، قد فرض فريضة لازمة لا مناص منها، وهي أن يعمل كل إنسان لخير بلده، وأن يتفانى في خدمته، وأن يقدم كل ما يستطيع من الخير للأمة التي يعيش فيها، وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب رحما وجوارا، ومن هنا وجب عليه أن يكون أعمق الناس وطنية، وأعظمهم نفعا لمواطنيه، لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين، وأن يكون الأحرص على خير وطنه، متمنيا لبلده العزة كل العزة، والمجد والرقي والنجاح والفلاح، وأن يحرص كل الحرص على وحدة وطنه.
ولمصر منزلتها في الكفاح والجهاد، وقد نشأ أهلها على أرضها الكريمة وتلقوا الإسلام أكرم تلق، وذادت عن الإسلام وردت عنه العدوان في الكثير من فترات التاريخ، وأخلصت مصر في اعتناقه، وقامت بدور أساس في الحفاظ على معالمه وشريعته ودعوة الناس إليه، مما صار به الأزهر الشريف منارا عليه وعلما. كما قامت مصر بدورها البارز في دعم الحضارة الإسلامية في شتى نواحيها العلمية والعملية، وفي العلوم والفنون والآداب، وتصدت لكل الغزوات الأجنبية على العالم الإسلامي، سواء ضد الصليبيين، أو ضد التتار، كما تصدت لكل الغزوات الفكرية التي قصد المستعمرون بها الطعن على الإسلام ، وحرف الناس عن أسسه المتينة.
فالجهاد لخير مصر هو جهاد لتلك الحلقة الأولى من سلسلة النهضة المنشودة، لأنها جزء من الوطن العربي العام، ومن أمة الإسلام.
ولا ضير من الاعتناء بتاريخ مصر القديم، وبما سبق إليه قدماء المصريين في العلوم والمعارف، فلمصر القديمة تاريخ فيه مجد وعلم ومعرفة، ولكن يتعين محاربة النزعة التي تحاول أن تصبغ مصر الآن بالصبغة الفرعونية، وأن تعزلها عن المسلمين والعرب كافة.
إن مصر هداها الله إلى الإسلام، وبه صارت إلى العروبة، ولا مكان فيها لأوضار الوثنية وأدران الشرك، وعادات الجاهلية.
10- والعروبة لها في الدعوة الإسلامية مكانها البارز وحظها الوافر، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى، وهم شعبه المتميز، وأنه لحق ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ذل العرب ذل المسلمون)، ولن ينهض الإسلام بيسر دون اجتماع كلمة العرب، وأن كل شبر أرض في وطن عربي يعتبره الإخوان من صميم أرضهم، ومن لباب وطنهم.
إن الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية القائمة لا تمزق أبدا معنى الوحدة العربية الإسلامية التي جمعت القلوب على أمل واحد، وهدف واحد، وجعلت من هذه الأقطار جميعا أمة واحدة، مهما حاول المحاولون فصم وحدتها، ومهما افترى الشعوبيون.
وقد روى عن مالك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن الرب واحد، والأب واحد، وإن الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي).
ولذلك فإن هذه الشعوب الممتدة من خليج العرب إلى المحيط الأطلسي كلها عربية تجمعها العقيدة، ويوحد بينها اللسان، وتؤلفها بعد ذلك هذه الوضعية المتناسقة في رقعة من الأرض واحدة متصلة متشابهة، لا يحول بين أجزائها حائل، ولا يفرق بين حدودها فارق.
وأن العمل للعروبة هو عمل للإسلام، ووحدة العرب لا بد منها لإعادة مجد الإسلام، وإقامة دولته، وإعزاز سلطانه، ويجب على كل مصري ومسلم أن يعمل على إحياء الوحدة العربية، وتأييدها ومناصرتها، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الموقف الإسلامي من الوحدة العربية.
ولكن يتعين ألا تقوم دعوة العروبة على أساس جنسي يثير الاعتزاز بالجنس، أو يؤدي إلى انتقاص الأجناس الأخرى والعدوان عليها، ويتعين بطبيعة الحال ضد أن تتحلل العروبة من عقدة الإسلام، ورباطه بدعوى القومية، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
11- كل ذلك يتعين أن ينظر إليه المسلمون في إطار تخليص الأوطان من أي نفوذ استعماري عليها، سواء في السياسة والاقتصاد، أو في الفكر والعقيدة.
والسياسة الخارجية هي السياسة التي ترمي إلى استقلال الأمة وضمان حريتها، وإشعارها بكرامتها وعزتها، والسير بها إلى الأهداف المجيدة التي تحتل بها مكانتها بين الأمم ومنزلتها الكريمة في الشعوب والدول، وتخليصها من استبداد غيرها بها وتدخله في شئونها، وأن تحدد الصلة بينها وبين سواها تحديدا يفصل حقوقها جميعا، ويوجه الدول كلها إلى السلام العالمي العام القائم على العدل.
إن سيادة الأمة الإسلامية وأستاذيتها إنما تأتيها بالإسلام، وما يصبغها به من معان إنسانية رفيعة، ومن أسس حضارية متينة، وقد أمر الإسلام المسلمين بالمحافظة على هذه السيادة، وأمرهم بإعداد العدة، واستكمال القوة حتى يسير الحق محفوفا بجلال القوة، كما هو مشرق بأنوار الهداية.
12- إن خبرة تاريخ المسلمين تعرض الآن، وتظهر أن تحقيق أهدافهم المرجوة لا يتأتى إلا بعلاج عوامل التحلل التي قامت عبر مراحل من التاريخ تفت في عضد قوة الإسلام والمسلمين، ومن هذه العوامل: الخلافات السياسية والعصبية، وتنازع الرئاسة والجاه، رغم ما أوصى الإسلام به من تزهيد في الإمارة، وابتعاد عن التنازع، ومنها الخلافات الدينية والمذهبية والانصراف عن الدين كعقائد وأعمال إلى الألفاظ والمصطلحات الميتة، والجمود والتعصب للأقوال، والولع بالجدل والمناظرات والمراء، وهو ما حذر منه الله ورسوله، ومنها كذلك الانغماس في ألوان الترف والنعيم والإقبال على المتع والشهوات، رغم ما حذرنا منه القرآن الكريم من إهلاك القرى بترف مترفيها وفسقهم، ومنها أيضا إهمال العلوم العملية والمعارف الكونية، وصرف الأوقات وتضييع الجهود في فلسفات عقيمة، مع أن الإسلام يحث على النظر في الكون، واكتناه أسرارالخلق والسير في الأرض، ومن ذلك أيضا غرور الحكام، وإهمال النظر في التطور الاجتماعي للأمم الأخرى حتى سبقت في الإعداد رغم أن الإسلام أمرنا باليقظة والحذر، واعتبر الغافلين أضل من الأنعام، ومنها الانخداع بدسائس الخصوم والانبهار بأعمالهم ومظاهر حياتهم، والاندفاع في تقليدهم فيما يضر ولا ينفع، رغم النهي الشديد عن التشبه بهم.
كل ذلك يتعين مقاومته، ولن نستطيع أن نقاوم غازيا إلا بعد أن نقاوم الانهزام فينا، ولا أن نتحرر من الاستعمار إلا إذا تحررنا من قابليتنا للاستعمار.
13- إن فلسطين على مدار التاريخ كانت تمثل شاغلا أساسيا لمصر، فهي الحد الشرقي الذي ينبغي أن تؤمنه وتصونه، ولا حل للمسألة الفلسطينية إلا الحل الذي يحقق للفلسطينيين استرداد حقوقهم المشروعة في العودة لديارهم، وإنشاء دولتهم.
إن مصر والعالم العربي والإسلامي كله يفتدي فلسطين، فأما مصر فلأنها حدها الشرقي المتاخم، وأما بلاد العرب فلأن فلسطين قلبها الخافق، وواسطة عقدها، ومركز وحدتها، وهي ضنينة بهذه الوحدة أن تتمزق مهما كانت الظروف، ومهما كلفها ذلك من تضحيات، وأما العالم الإسلامي فلأن فلسطين أولى القبلتين، وثاني الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولن يكف جهاد العرب والمسلمين ما بقي العدوان الصهيوني على أرض العرب والمسلمين، ومهما امتدت السنون، وتتالت الأجيال، وهذه الحقيقة إن لم نؤكد عليها بألسنتتا، فإن كر السنين يؤكدها للعالمين، إذ لا أمن ولا استقرار في ديار العرب والمسلمين ما بقي العدوان الصهيوني قائما، وأن مصر والعرب والمسلمين مجروحون جرحا لا برء منه إلا أن يرد للفلسطينيين حقهم، وينتهي العدوان الصهيوني.