الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأنار قلوبنا القرآن والصلاة والسلام على أشرف خلق الأنام سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه الكرام , ومن استنَّ بسنته واقتفى أثره إلي يوم الدين ...... وبعد :
فقد وصلت الأمة الإسلامية إلى منحدر خطير – لم يسبق أن وصلت إليه – بعد سقوط الخلافة الراشدة , وإقصاء الشريعة الإسلامية عن الحكم , وعاشت واقعا مريرا مهترئا ً في ظل ليل دامس مظلم , مما دفع بعض الغيورين المخلصين لأمتهم أن يسعوا جاهدين لتكثيف الجهود من أجل إعادة الأستاذية للأمة الإسلامية من جديد , فقامت الجماعات , ونشأت الأحزاب السياسية الإسلامية , لتذود عن حياض هذه الأمة , وتقوم بواجبها الدعوي عملا بقوله تعالى : " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , وأولئك هم المفلحون "
مفهوم الحلف
## مفهوم الحلف :
الحلف في اللغة : هو العهد ويكون بين القوم (............) ..
## الحلف في الجاهلية :
الأحلاف في الجاهلية كانت تعقد بين القبائل على أساسين فمنها ما كان يعقد على القتال بين القبائل والغارات والتوارث ونصر الحليف ولو كان ظالما ومنها ما كان يعقد على مكارم الأخلاق من إقامة للعدل ونصر الملظوم كحلف المطيبين وحلف الفضول ( ..................... ) .
## الحلف في الشرع :
جاء الإسلام والأحلاف ماضية بين القبائل والأقوام , فأقر ما وافقه , و أبطل ما تعارض معه , فقد وردت بعض الأحاديث في النهي عن التحالف في الإسلام منها :
1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام , وأيما كان حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " ( أخرجه مسلم في الصحيح )
2. وقال أيضا : " أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده – يعني الإسلام – إلا شدة , ولا تحدثوا حلفا في الإسلام " ( أخرجه الترمذي في السنن )
وفي مقابل هذا النهي وردت أحاديث تبين جواز التحالف في الإسلام وأنه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم :
فعن عاصم الأحول قال : قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري ( أخرجه البخاري في صحيحه , كتاب السير , باب ما جاء في الحلف 4/146 ح 1585 )
## وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث : بأن النهي عن الحلف في الإسلام هو التحالف على الباطل وما منع منه الشرع , وأن المثبت هو ما دون ذلك من نصر المظلوم وإقامة العدل والقيام بأمور الدين .
## قال ابن الأثير : أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق , فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك ورد النهي عنه في الإسلام بقول الرسول : " لا حلف في الإسلام " , وما كان في الجاهلية على نصر الملظوم وصلة الأرحام – كحلف المطيبين وما جرى مجراه – فذلك الذي قال فيه الرسول : " وأيما حلف في الإسلام لم يزده الإسلام إلا شدة " , وبذلك يجتمع الحديثان , وهذا الحلف الذي يقتضيه الإسلام , والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام ."
الحلف السياسي
إن صور الأحلاف التي يمكن أن تعقد بين الدول والجماعات تتفاوت ما بين حلف عسكري , وحلف على إقرار مكارم الأخلاق , وكذا حلف سياسي , وهذا ما سأتناوله بالحديث هنا , مؤصلاً مدى جواز تحالف الجماعات الإسلامية مع غيرها من المخالفين , لتشكيل كتلة إنتخابية , أو معارضة سياسية , أو تحديد موقف , أو التحالف على الإطاحة بنظام ظالم مستبد .
ومن خلال التفصيل الذي مر في كلام العلماء يمكن إنزال فقه التحالف على الواقع المعاصر , وذلك عبر النظر المصلحي فيما كان فيه جلب مصالح , أو دفع مفاسد , فهو مشروع , وما كان قائما على أمر منع منه الشرع أو يتناقض ومصلحة المسلمين فهو ممنوع .
فالتحالف الذي تقيمه الجماعات المسلمة مع غيرها من الأحزاب العلمانية أو نحوها يخضع لهذا الفقه في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد .
حكم التحالف السياسي
لا تثريب أن الإستعانة بالمسلم تعد من القواعد التي قررها الإسلام في علاقة المسلمين ببعضهم " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " .
فعلاقة المؤمنين قائمة على الرحمة والتناصح , وترسيخ أواصر المحبة ومبادئ الإخوة النابعة من قوله تعالى : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض , يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله " .
ومن هنا فإن املسلم مستمر مع أخيه المسلم , حلف خير على البر والتقوي والنصح للإسلام والمسلمين وبالتالي ينبغي في زماننا أن يكون التحالف السياسي بين الجماعات الإسلامية دوما قائما , حتى تمثل كتلة لها وزنها وثقلها في الساحة السياسية العامة ..
## ولكن تبقى القضية في العلاقة مع الأحزاب غير الإسلامية , فهل يجوز التحالف السياسي معها ؟!
هذا ما أسعى إلى تأصيله تأصيلا فقهيا , لاسيما وأن القضية المطروحة على بساط الفقه في واقعنا المعاصر , ومازالت الصحوة الإسلامية تعيشها واقعا في كثير من البلدان .
فقد اختلف العلماء والفقهاء والمفكرون المعاصرون في حكم التحالف السياسي مع المخالفين للإسلام , وذلك على قولين :
القول الأول : إن التحالف السياسي حرام , وإليه ذهب الشيخ محمد قطب , وأبو نصر محمد بن عبد الله الإمام . ( الإمام : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الإنتخابات , قطب : واقعنا المعاصر ) .
والقول الثاني : إن التحالف جائز , و إليه ذهب الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور مصطفى الطحان والشيخ محمد أحمد الراشد والدكتور منير الغضبان والدكتور صلاح الصاوي . ( الراشد : أصول الإفتاء والإجتهاد التطبيقي , الصاوي : التعددية السياسية في الدولة الإسلامية , الطحان : الفكر الحركي بين الأصالة والإنحراف , الغضبان : التحالف السياسي في الإسلام , القرضاوي : أين الخلل )
أدلة القول الأول :
إستدل المخالفون بحرمة التحالف السياسي بالقرآن الكريم والمعقول :
## أولا : القرآن الكريم :
1. قال الله تعالى : " يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض , ومن يتولهم منكم فإنه منهم , إن الله لا يهدي القوم الظالمين ,, فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " .
وجه الدلالة : إن تحالف الإسلاميين مع غيرهم لأجل الانتخابات جعل الناس ينفرون منهم فضلا عن أن هذا الفعل ضياع للركن الأكبر , والقاعدة العظمى الأسياسية لإقامة الإسلام , ألا وهي " الولاء والبراء " ; فالقرآن الكريم في هذه الآيات وغيرها يحذر المؤمنين من موالاة أعداء الله .
2. قال تعالى : " فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من نفعهما " .
وجه الدلالة : أن ما يحققه الإسلاميون من تحالفهم مع غيرهم من إصلاحات جزئية عارضة في بعض نواحي الحياة لا تطيقه الأنظمه الحاكمة ولا تصبر عليه , وسرعان ما تمحوه محوا ً , وتبطل أثاره السيئة التي ينشئها وشره أكبر بكثير من النفع الجزئي الذي يتحقق بهذه المشاركة , ولم يحدث مرة واحدة في لعبة الدبلوماسية ان استطاع الدعاة أن يديروا دفة الأمور من داخل التنظيمات السياسية التي يديرها أعدائهم . ( قطب : واقعنا المعاصر )
## ثانيا : المعقول :
إن الجماعات المسلمة المتحالفة مع غيرها هي الخاسرة , والأعداء هم الكاسبون , سواء بتنظيف سمعتهم أمام الجماهير بتحالف الجماعات المسلمة معهم , أو بتمييع قضية الإسلاميين في نظر الجماهير , وزوال تفردهم وتميزهم بحملهم قضية أعلى وأشرف وأعظم من كل التشكيلات السياسية الأخرى التي تريد الحياة و الدنيا وحدها وتتكالب على متاعها وتعرض عن تحكيم شرع الله تعالى .
أدلة القول الثاني
إستدل القائلون بجواز المشاركة في التحالفات السياسية مع المخالفين بما يلي :
1. حلف الفضول :قام هذا الحلف بين قبائل العرب في الجاهلية على نصرة المظلوم , وردع الظالم , وقد شهده النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا الحلف هو المقصوه في قوله : " وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " , فأي تعاقد كان في الجاهلية على أمر خير فيه معنى التواصل والتعاطف والتآلف فالإسلام يزيده تأكيدا ً .
حتى إن النبي أضفى الصبغة الشرعية على حلف الفضول بعد بعثته وخصه بأنه لو دعي إليه لأجاب فقال : " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا , وما أحب أن لي به حمر النعم , ولو أُدعي به في الإسلام لأجبت " .
وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد شهد هذا الحلف قبل بعثته , إلا أنه أثنى عليه بعدها , وفي هذا التعامل النبوي مع المخالفين له في العقيدة دلالة على سعة الشريعة الإسلامية لتحالف الجماعة المسلمة مع المخالفين لها في الاتجاهات السياسية لإسقاط حكم ظالم مستبد , أو مقاومته بالسبل السياسية , أو تجديد موقف سياسي , على أن ينسجم التحالف ومقاصد الإسلام .
2. حلف الرسول مع عمه أبي طالب : الذي آواه ودافع عنه وتحمل لأجله معاداة قريش وكان حصنا احتمت به الدعوة الإسلامية , وقد مر هذا التحالف بعدة مراحل :
أولها : تجلى بالموقف الصلب لأبي طالب , وقد اشتدت التحديان بينه وبين قريش عندما رأى إصرار النبي على المضي قدما في أمره حتى يظهره الله أو يهلك دونه , فقال أبو طالب : " اذهب يابن اخي , فوالله لا أسلمك لشيئ أبدا " , وقد وصل التحالف إلى أوجه حين انضم بنو هاشم وبنو المطلب في خندق واحد للذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمايته , فقد ورد : " أنهم أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله علانية , فلما رأى أبو طالب عمل القوم , جمع بني عبد المطلب , وأمرهم أن يمنعوه ممن أراد قتله فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم , فمنهم من فعله حمية , ومنهم من فعله إيمانا ويقينا " .
والمرحلة الأخيرة : تجسدت في حصار الشعب , عندما حاصر مشركو مكة بني هاشم وبني المطلب , مسلهم ومشركهم , جزاء لهم على ما قاموا به من حماية للرسول , فلما رأت قريش ذلك , اجتمعوا وائتمروا على أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب , على ألا ينكحوا إليهم ولا يناكحوهم , ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم شيئا , فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة , ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك , ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة " .
وجه الدلالة : إن هذا الحلف وإن لم يكن فيه ضمان لحرية الدعوة الإٍسلامية , بل أعظم ما فيه تأمين شخص النبي صلى الله عليه وسلم , وفي سؤال أبي جهل لمطعم دليل على عدم قدرته في تأمين الحماية الكاملة , إلا أنه فيه دلالة على شرعية التحالف السياسي بين الجماعة المسلمة وغيرها , لتأمين نفسها وحماية أبنائها , أو حتى إضفاء الشرعية السياسية عليها , وتغطية مشاركتها الإنتخابية , بخاصة في البلدان التي يحظر فيها نشاطها كما تحالف الإخوان والوفد في الانتخابات البرلمانية في مصر .
4. أما عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة , وأقام الدولة الإسلامية فيها , فأول عمل قام به أن عقد معاهدة بين فيها الحقوق والواجبات بين المسلمين واليهود , وهذه المعاهدة من أوضح وأجمع وأعظم المعاهدات التي عقدت على مثل هذا التاريخ المبكر , والتي دلت بما لا يدع مجال للشك على رغبة المسلمين أن يتعايشوا مع غيرهم من أهل الكتاب ضمن بنود واضحة تحقق مصلحة الطرفين .
ومما جاء في هذه الصحيفة : " وإن على اليهود نفقتهم , وعلى المسلمين نفقتهم , وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة , وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم , وإنه لم يؤثم إمرؤ بحليفه , وإن النصر للمظلوم , وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث او استئجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله " .
وجه الدلالة :إن بنود الصحيفة تدلل على مشروعية التحالف السياسي وفق ضوابط محددة , فهي تقضي أن يشارك الحلفاء السياسيون للمسلمين بنصيبهم من المال , وتحدد البنود حدود التحالف السياسي بأن يكون التناصر قائم بين الفريقين على من حارب أهل هذه الصحيفة , وكذلك المشاورات السياسية الدائمة , والتخطيط الدائم , والإستفادة من الطاقات والثقة المتبادلة مع التأكيد عل أن كل فريق مسئول عن جماعته وتجمعه " وإنه لم يأثم إمرؤ بحليفه " , وأن النصر للمظلوم مهما كان جنسه أو دينه , كل ذلك دون مساومة على أي جزء من الدين , فالإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع ...... " فإن مرده إلى الله عز وجل , وإلى محمد رسول الله " .
5. حلف النبي مع خزاعة :لما أعلن النبي أنه متوجه إلى مكة معتمرا , وقد تبعه الكثير من أصحابه , وعندما صده المشركون وأصحابه من دخولها بعد أن أرسل له عينا من خزاعة , فأتاه بتحركات قريش وأخبارها , الأمر الذي انتهى إلى أن أبرم النبي صله الله عليه وسلم معها صلحا , سمي صلح الحديبية , وكان مما ترتب على هذا الصلح حلفه مع خزاعة .
فقد جاء في ميثاق الحديبية : " وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه , وأنه من أحب أن يدخل في عقد قريش وحلفها دخل فيه , فتواثبت خزاعة فقالوا ": نحن في عقد رسول الله وعهده , وتواثبت بنو بكر فقالوا في عقد قريش وعهدهم " , وإنك ترجع عنا عاما فلا تدخل علينا مكة , وإنه إذا كان العام المقبل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك , ,أقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف " .
وكانت لخزاعة علاقات تاريخية مع بني هاشم استمرت حتى بعد ظهور الإسلام , يقول الحافظ بن حجر : " وكان الأصل في موالاة خزاعة للنبي أن بني هاشم في الجاهلية كانوا على تحالف مع خزاعة فاستمروا على ذلك في الإسلام "
وقد ذكرت خزاعة – وهي مازالت على الكفر ولم يسلم إلا بعضها – ذلك الحلف للنبي وجاءته بكتاب جده فأقره النبي غير أنه اشترط أن لا يعين ظالما , وإنما ينصر المظلوم حيث قال صلى الله عليه وسلم : " ما أعرفني بحلفكم , وإنتم على ما أسلمتم عليه من الحلف , وكل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة , ولا حلف في الإسلام ........ " وتم التحالف بين الفريقين وتجديد عهدها إلا أن الرسول اشترط على ألا يعين ظالما , وإنما ينصر مظلوما .
وتظهر شرعية التحالف السياسي في هذا الصلح من خلال بنود ميثاقه , وهي من أقوى الأدلة على مشروعيته , " وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه " حيث دخلت خزاعة حليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكانت تحمل كل مودة وتعاون له , وفي المقابل كل عداء لقريش , وكانت خزاعة عيبة رسول الله , مسلما ومشركها لا يخفون شيئا عليه كان بمكة . ( عيبة الرجل : موضع سره )
وهذا دليل على جواز الإستعانة بالمشركين فيما دون القتال , من استنصاح او تحديد موقف سياسي أو نحوهما .
قال ابن حجر : " وفيه جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم , وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم , ولو كانوا من أهل دينهم , ويستفاد من جواز استنصاح بعض ملوك العدو إستظهارا على غيرهم , ولا يعد ذلك موالاة للكفار , ولا موالاة لأعداء الله , بل من قبيل إستخدامهم وتقليل شوكة جمعهم , وإنكاء بعضهم لبعض , ولا يلزم من ذلك جواز الإستعانة بالمشركين على الإطلاق "
فهذه مسألة هي دون الإستعانة بهم في القتال , وذلك هو الذي جعل ابن حجر – رحمه الله – ينبه إلى عدم لزوم الإستعانة في آخر القول .
واستبط ابن حجر – رحمه الله – في جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهاراً على غيره في غاية الأهمية , لأننا يمكن أن نستأنس به في تصحيح ما يكون من الدولة الإسلامية من التعاون السياسي في دولة كافرة ضد دولة كافرة أخرى , مما هو دون القتال معا , ويمكن أن يشمل حتى التسليح بمثل ما يقع الآن الباكستان والصين ضد الهند مثلا , فإن صدق الصين في تعاونها راجع إلى عداوتها مع الهند .
وجه الدلالة : يدل تحالف النبي مع خزاعة والإستعانة بهم فيما هو دون القتال دلالة قوية على شرعية التحالف السياسي مع المخالفين , إذا اقتضت المصلحة ذلك دون التخلي عن جزء من هذا الدين , فالنبي يقبل حلف خزاعة دون شرط واحد , حيث أظهر الموقف الثابت وفق خط الإسلام الذي لا يعين ظالما , وإنما ينصر المظلوم .
فقد وصلت الأمة الإسلامية إلى منحدر خطير – لم يسبق أن وصلت إليه – بعد سقوط الخلافة الراشدة , وإقصاء الشريعة الإسلامية عن الحكم , وعاشت واقعا مريرا مهترئا ً في ظل ليل دامس مظلم , مما دفع بعض الغيورين المخلصين لأمتهم أن يسعوا جاهدين لتكثيف الجهود من أجل إعادة الأستاذية للأمة الإسلامية من جديد , فقامت الجماعات , ونشأت الأحزاب السياسية الإسلامية , لتذود عن حياض هذه الأمة , وتقوم بواجبها الدعوي عملا بقوله تعالى : " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , وأولئك هم المفلحون "
مفهوم الحلف
## مفهوم الحلف :
الحلف في اللغة : هو العهد ويكون بين القوم (............) ..
## الحلف في الجاهلية :
الأحلاف في الجاهلية كانت تعقد بين القبائل على أساسين فمنها ما كان يعقد على القتال بين القبائل والغارات والتوارث ونصر الحليف ولو كان ظالما ومنها ما كان يعقد على مكارم الأخلاق من إقامة للعدل ونصر الملظوم كحلف المطيبين وحلف الفضول ( ..................... ) .
## الحلف في الشرع :
جاء الإسلام والأحلاف ماضية بين القبائل والأقوام , فأقر ما وافقه , و أبطل ما تعارض معه , فقد وردت بعض الأحاديث في النهي عن التحالف في الإسلام منها :
1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام , وأيما كان حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " ( أخرجه مسلم في الصحيح )
2. وقال أيضا : " أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده – يعني الإسلام – إلا شدة , ولا تحدثوا حلفا في الإسلام " ( أخرجه الترمذي في السنن )
وفي مقابل هذا النهي وردت أحاديث تبين جواز التحالف في الإسلام وأنه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم :
فعن عاصم الأحول قال : قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري ( أخرجه البخاري في صحيحه , كتاب السير , باب ما جاء في الحلف 4/146 ح 1585 )
## وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث : بأن النهي عن الحلف في الإسلام هو التحالف على الباطل وما منع منه الشرع , وأن المثبت هو ما دون ذلك من نصر المظلوم وإقامة العدل والقيام بأمور الدين .
## قال ابن الأثير : أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق , فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك ورد النهي عنه في الإسلام بقول الرسول : " لا حلف في الإسلام " , وما كان في الجاهلية على نصر الملظوم وصلة الأرحام – كحلف المطيبين وما جرى مجراه – فذلك الذي قال فيه الرسول : " وأيما حلف في الإسلام لم يزده الإسلام إلا شدة " , وبذلك يجتمع الحديثان , وهذا الحلف الذي يقتضيه الإسلام , والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام ."
الحلف السياسي
إن صور الأحلاف التي يمكن أن تعقد بين الدول والجماعات تتفاوت ما بين حلف عسكري , وحلف على إقرار مكارم الأخلاق , وكذا حلف سياسي , وهذا ما سأتناوله بالحديث هنا , مؤصلاً مدى جواز تحالف الجماعات الإسلامية مع غيرها من المخالفين , لتشكيل كتلة إنتخابية , أو معارضة سياسية , أو تحديد موقف , أو التحالف على الإطاحة بنظام ظالم مستبد .
ومن خلال التفصيل الذي مر في كلام العلماء يمكن إنزال فقه التحالف على الواقع المعاصر , وذلك عبر النظر المصلحي فيما كان فيه جلب مصالح , أو دفع مفاسد , فهو مشروع , وما كان قائما على أمر منع منه الشرع أو يتناقض ومصلحة المسلمين فهو ممنوع .
فالتحالف الذي تقيمه الجماعات المسلمة مع غيرها من الأحزاب العلمانية أو نحوها يخضع لهذا الفقه في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد .
حكم التحالف السياسي
لا تثريب أن الإستعانة بالمسلم تعد من القواعد التي قررها الإسلام في علاقة المسلمين ببعضهم " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " .
فعلاقة المؤمنين قائمة على الرحمة والتناصح , وترسيخ أواصر المحبة ومبادئ الإخوة النابعة من قوله تعالى : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض , يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله " .
ومن هنا فإن املسلم مستمر مع أخيه المسلم , حلف خير على البر والتقوي والنصح للإسلام والمسلمين وبالتالي ينبغي في زماننا أن يكون التحالف السياسي بين الجماعات الإسلامية دوما قائما , حتى تمثل كتلة لها وزنها وثقلها في الساحة السياسية العامة ..
## ولكن تبقى القضية في العلاقة مع الأحزاب غير الإسلامية , فهل يجوز التحالف السياسي معها ؟!
هذا ما أسعى إلى تأصيله تأصيلا فقهيا , لاسيما وأن القضية المطروحة على بساط الفقه في واقعنا المعاصر , ومازالت الصحوة الإسلامية تعيشها واقعا في كثير من البلدان .
فقد اختلف العلماء والفقهاء والمفكرون المعاصرون في حكم التحالف السياسي مع المخالفين للإسلام , وذلك على قولين :
القول الأول : إن التحالف السياسي حرام , وإليه ذهب الشيخ محمد قطب , وأبو نصر محمد بن عبد الله الإمام . ( الإمام : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الإنتخابات , قطب : واقعنا المعاصر ) .
والقول الثاني : إن التحالف جائز , و إليه ذهب الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور مصطفى الطحان والشيخ محمد أحمد الراشد والدكتور منير الغضبان والدكتور صلاح الصاوي . ( الراشد : أصول الإفتاء والإجتهاد التطبيقي , الصاوي : التعددية السياسية في الدولة الإسلامية , الطحان : الفكر الحركي بين الأصالة والإنحراف , الغضبان : التحالف السياسي في الإسلام , القرضاوي : أين الخلل )
أدلة القول الأول :
إستدل المخالفون بحرمة التحالف السياسي بالقرآن الكريم والمعقول :
## أولا : القرآن الكريم :
1. قال الله تعالى : " يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض , ومن يتولهم منكم فإنه منهم , إن الله لا يهدي القوم الظالمين ,, فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " .
وجه الدلالة : إن تحالف الإسلاميين مع غيرهم لأجل الانتخابات جعل الناس ينفرون منهم فضلا عن أن هذا الفعل ضياع للركن الأكبر , والقاعدة العظمى الأسياسية لإقامة الإسلام , ألا وهي " الولاء والبراء " ; فالقرآن الكريم في هذه الآيات وغيرها يحذر المؤمنين من موالاة أعداء الله .
2. قال تعالى : " فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من نفعهما " .
وجه الدلالة : أن ما يحققه الإسلاميون من تحالفهم مع غيرهم من إصلاحات جزئية عارضة في بعض نواحي الحياة لا تطيقه الأنظمه الحاكمة ولا تصبر عليه , وسرعان ما تمحوه محوا ً , وتبطل أثاره السيئة التي ينشئها وشره أكبر بكثير من النفع الجزئي الذي يتحقق بهذه المشاركة , ولم يحدث مرة واحدة في لعبة الدبلوماسية ان استطاع الدعاة أن يديروا دفة الأمور من داخل التنظيمات السياسية التي يديرها أعدائهم . ( قطب : واقعنا المعاصر )
## ثانيا : المعقول :
إن الجماعات المسلمة المتحالفة مع غيرها هي الخاسرة , والأعداء هم الكاسبون , سواء بتنظيف سمعتهم أمام الجماهير بتحالف الجماعات المسلمة معهم , أو بتمييع قضية الإسلاميين في نظر الجماهير , وزوال تفردهم وتميزهم بحملهم قضية أعلى وأشرف وأعظم من كل التشكيلات السياسية الأخرى التي تريد الحياة و الدنيا وحدها وتتكالب على متاعها وتعرض عن تحكيم شرع الله تعالى .
أدلة القول الثاني
إستدل القائلون بجواز المشاركة في التحالفات السياسية مع المخالفين بما يلي :
1. حلف الفضول :قام هذا الحلف بين قبائل العرب في الجاهلية على نصرة المظلوم , وردع الظالم , وقد شهده النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا الحلف هو المقصوه في قوله : " وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " , فأي تعاقد كان في الجاهلية على أمر خير فيه معنى التواصل والتعاطف والتآلف فالإسلام يزيده تأكيدا ً .
حتى إن النبي أضفى الصبغة الشرعية على حلف الفضول بعد بعثته وخصه بأنه لو دعي إليه لأجاب فقال : " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا , وما أحب أن لي به حمر النعم , ولو أُدعي به في الإسلام لأجبت " .
وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد شهد هذا الحلف قبل بعثته , إلا أنه أثنى عليه بعدها , وفي هذا التعامل النبوي مع المخالفين له في العقيدة دلالة على سعة الشريعة الإسلامية لتحالف الجماعة المسلمة مع المخالفين لها في الاتجاهات السياسية لإسقاط حكم ظالم مستبد , أو مقاومته بالسبل السياسية , أو تجديد موقف سياسي , على أن ينسجم التحالف ومقاصد الإسلام .
2. حلف الرسول مع عمه أبي طالب : الذي آواه ودافع عنه وتحمل لأجله معاداة قريش وكان حصنا احتمت به الدعوة الإسلامية , وقد مر هذا التحالف بعدة مراحل :
أولها : تجلى بالموقف الصلب لأبي طالب , وقد اشتدت التحديان بينه وبين قريش عندما رأى إصرار النبي على المضي قدما في أمره حتى يظهره الله أو يهلك دونه , فقال أبو طالب : " اذهب يابن اخي , فوالله لا أسلمك لشيئ أبدا " , وقد وصل التحالف إلى أوجه حين انضم بنو هاشم وبنو المطلب في خندق واحد للذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمايته , فقد ورد : " أنهم أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله علانية , فلما رأى أبو طالب عمل القوم , جمع بني عبد المطلب , وأمرهم أن يمنعوه ممن أراد قتله فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم , فمنهم من فعله حمية , ومنهم من فعله إيمانا ويقينا " .
والمرحلة الأخيرة : تجسدت في حصار الشعب , عندما حاصر مشركو مكة بني هاشم وبني المطلب , مسلهم ومشركهم , جزاء لهم على ما قاموا به من حماية للرسول , فلما رأت قريش ذلك , اجتمعوا وائتمروا على أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب , على ألا ينكحوا إليهم ولا يناكحوهم , ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم شيئا , فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة , ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك , ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة " .
وجه الدلالة : إن هذا الحلف وإن لم يكن فيه ضمان لحرية الدعوة الإٍسلامية , بل أعظم ما فيه تأمين شخص النبي صلى الله عليه وسلم , وفي سؤال أبي جهل لمطعم دليل على عدم قدرته في تأمين الحماية الكاملة , إلا أنه فيه دلالة على شرعية التحالف السياسي بين الجماعة المسلمة وغيرها , لتأمين نفسها وحماية أبنائها , أو حتى إضفاء الشرعية السياسية عليها , وتغطية مشاركتها الإنتخابية , بخاصة في البلدان التي يحظر فيها نشاطها كما تحالف الإخوان والوفد في الانتخابات البرلمانية في مصر .
4. أما عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة , وأقام الدولة الإسلامية فيها , فأول عمل قام به أن عقد معاهدة بين فيها الحقوق والواجبات بين المسلمين واليهود , وهذه المعاهدة من أوضح وأجمع وأعظم المعاهدات التي عقدت على مثل هذا التاريخ المبكر , والتي دلت بما لا يدع مجال للشك على رغبة المسلمين أن يتعايشوا مع غيرهم من أهل الكتاب ضمن بنود واضحة تحقق مصلحة الطرفين .
ومما جاء في هذه الصحيفة : " وإن على اليهود نفقتهم , وعلى المسلمين نفقتهم , وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة , وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم , وإنه لم يؤثم إمرؤ بحليفه , وإن النصر للمظلوم , وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث او استئجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله " .
وجه الدلالة :إن بنود الصحيفة تدلل على مشروعية التحالف السياسي وفق ضوابط محددة , فهي تقضي أن يشارك الحلفاء السياسيون للمسلمين بنصيبهم من المال , وتحدد البنود حدود التحالف السياسي بأن يكون التناصر قائم بين الفريقين على من حارب أهل هذه الصحيفة , وكذلك المشاورات السياسية الدائمة , والتخطيط الدائم , والإستفادة من الطاقات والثقة المتبادلة مع التأكيد عل أن كل فريق مسئول عن جماعته وتجمعه " وإنه لم يأثم إمرؤ بحليفه " , وأن النصر للمظلوم مهما كان جنسه أو دينه , كل ذلك دون مساومة على أي جزء من الدين , فالإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع ...... " فإن مرده إلى الله عز وجل , وإلى محمد رسول الله " .
5. حلف النبي مع خزاعة :لما أعلن النبي أنه متوجه إلى مكة معتمرا , وقد تبعه الكثير من أصحابه , وعندما صده المشركون وأصحابه من دخولها بعد أن أرسل له عينا من خزاعة , فأتاه بتحركات قريش وأخبارها , الأمر الذي انتهى إلى أن أبرم النبي صله الله عليه وسلم معها صلحا , سمي صلح الحديبية , وكان مما ترتب على هذا الصلح حلفه مع خزاعة .
فقد جاء في ميثاق الحديبية : " وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه , وأنه من أحب أن يدخل في عقد قريش وحلفها دخل فيه , فتواثبت خزاعة فقالوا ": نحن في عقد رسول الله وعهده , وتواثبت بنو بكر فقالوا في عقد قريش وعهدهم " , وإنك ترجع عنا عاما فلا تدخل علينا مكة , وإنه إذا كان العام المقبل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك , ,أقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف " .
وكانت لخزاعة علاقات تاريخية مع بني هاشم استمرت حتى بعد ظهور الإسلام , يقول الحافظ بن حجر : " وكان الأصل في موالاة خزاعة للنبي أن بني هاشم في الجاهلية كانوا على تحالف مع خزاعة فاستمروا على ذلك في الإسلام "
وقد ذكرت خزاعة – وهي مازالت على الكفر ولم يسلم إلا بعضها – ذلك الحلف للنبي وجاءته بكتاب جده فأقره النبي غير أنه اشترط أن لا يعين ظالما , وإنما ينصر المظلوم حيث قال صلى الله عليه وسلم : " ما أعرفني بحلفكم , وإنتم على ما أسلمتم عليه من الحلف , وكل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة , ولا حلف في الإسلام ........ " وتم التحالف بين الفريقين وتجديد عهدها إلا أن الرسول اشترط على ألا يعين ظالما , وإنما ينصر مظلوما .
وتظهر شرعية التحالف السياسي في هذا الصلح من خلال بنود ميثاقه , وهي من أقوى الأدلة على مشروعيته , " وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه " حيث دخلت خزاعة حليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكانت تحمل كل مودة وتعاون له , وفي المقابل كل عداء لقريش , وكانت خزاعة عيبة رسول الله , مسلما ومشركها لا يخفون شيئا عليه كان بمكة . ( عيبة الرجل : موضع سره )
وهذا دليل على جواز الإستعانة بالمشركين فيما دون القتال , من استنصاح او تحديد موقف سياسي أو نحوهما .
قال ابن حجر : " وفيه جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم , وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم , ولو كانوا من أهل دينهم , ويستفاد من جواز استنصاح بعض ملوك العدو إستظهارا على غيرهم , ولا يعد ذلك موالاة للكفار , ولا موالاة لأعداء الله , بل من قبيل إستخدامهم وتقليل شوكة جمعهم , وإنكاء بعضهم لبعض , ولا يلزم من ذلك جواز الإستعانة بالمشركين على الإطلاق "
فهذه مسألة هي دون الإستعانة بهم في القتال , وذلك هو الذي جعل ابن حجر – رحمه الله – ينبه إلى عدم لزوم الإستعانة في آخر القول .
واستبط ابن حجر – رحمه الله – في جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهاراً على غيره في غاية الأهمية , لأننا يمكن أن نستأنس به في تصحيح ما يكون من الدولة الإسلامية من التعاون السياسي في دولة كافرة ضد دولة كافرة أخرى , مما هو دون القتال معا , ويمكن أن يشمل حتى التسليح بمثل ما يقع الآن الباكستان والصين ضد الهند مثلا , فإن صدق الصين في تعاونها راجع إلى عداوتها مع الهند .
وجه الدلالة : يدل تحالف النبي مع خزاعة والإستعانة بهم فيما هو دون القتال دلالة قوية على شرعية التحالف السياسي مع المخالفين , إذا اقتضت المصلحة ذلك دون التخلي عن جزء من هذا الدين , فالنبي يقبل حلف خزاعة دون شرط واحد , حيث أظهر الموقف الثابت وفق خط الإسلام الذي لا يعين ظالما , وإنما ينصر المظلوم .