المرأة المسلمة والمرأة الغربية
محمود مختار الشنقيطي
لا يخفى أن المرأة المسلمة في العصر الحديث تحاول اللحاق بالمرأة الغربية (المتقدمة)،وذلك يثير – بالنسبة لي على الأقل – الكثير من التعجب!! ومن أراد أن يتعجب – مثلي – فليرافقني في هذه الرحلة التي أرجو ألا تكون طويلة ،حد الإملال.
(1)
إذا كان تتبع المرأة المسلمة لخطى المرأة الغربية لا يخفى،فهل تخفى المكانة المتدنية للمرأة في الثقافة المسيحية؟!
(وفي المسيحية غلا رجال الكنيسة في إهدار شأن المرأة،وهم دعاة شريعة الحب والرحمة،فكانوا يقولون للنساء قولا له وزن الشرع المقدس :
"إنه أولى لهن أن يخجلن من أنهن نساء،وأن يعشن في ندم متصل جراء ما جلبن على الأرض من لعنات"،(..) وقد ذهب البعض إلى أبعد من هذا، فزعموا أن أجسامهن من عمل الشيطان .. وأنه يجب أن يُلعن النساء لأنهن سبب الغواية،وكان يقال : إن الشيطان مولع في الظهور في شكل أنثى .. غلا رجال الكنيسة إلى هذا الحد حتى كان من موضوعاتهم التي يتدارسونها :
هل للمرأة أن تعبد الله كما يفعل الرجل؟ هل تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟ هل هي إنسان له روح يسري عليه الخلود ؟ أو هي نسمة فانية لا خلود لها؟.)(1)
وفي عام 586م عُقد مؤتمر لبحث إنسانية المرأة،ثم قرر المؤتمر بأغلبية صوت واحد بأن المرأة إنسان خلق لخدمة الرجل!!
ليس غريبا أن تنتفض المرأة الغربية على دين ينظر إليها – رجاله على الأقل – تلك النظرة المتدنية،وخصوصا أن الرجل أيضا تملص من ربقة الدين لأسباب أخرى. من هنا نجد الأستاذ خالد القشطيني،يقول :
(.. ولكن أول طلقة نحو تحرير المرأة دوت ليس في فرنسا وإنما من إنجلترا بصدور كتاب ( أحقية حقوق المرأة) لماري ولستنكرافت عام 1792 . من هذا الكتاب تفرعت سلسلة من الكتب والرسائل والكراريس في الدعوة لتحرير المرأة،وتبنى الموضوع كثير من رجال الفكر وعلى رأسهم جون ستيوارت ميل (..) انصب النضال على هدفين،الأول إعطاء المرأة حقها في فلوسها والثاني إعطاؤها حقها في صوتها الانتخابي،تحقق الهدف الأول في سلسلة من التشريعات جعلت المرأة الأوربية مماثلة للمرأة المسلمة لحق التملك ..)(2)
الحقيقة أن معلومات الأستاذ القشطيني – فيما يبدو – غير دقيقة إذ أن أول طلقة نحو تحرير المرأة دوت في فرنسا،وذلك حين قامت أولمب دو غونج ( 1748 – 1793 ) سنة 1791م،بنشر إعلان حقوق المرأة والمواطنة،وهي التي أطلقت على الزيجات الدينية اسم "مقبرة الحب" واقترحت استبدالها بعقد مدني عادل يأخذ بعين الاعتبار الميول الطبيعية للشركاء بالقيام بعلاقات خارج الزواج،وليس ذلك مستغربا من امرأة ولدت لصانع جوخ،ووالدها الحقيقي – البيولوجي،كما يقولون – هو الماركيز جان جاك دو بومبينيان.
ثم تفجرت ثورة علم النفس. فكيف نظر أساطين ذلك العلم إلى المرأة؟ أما ألفرد إدلر ( 1870 – 1937 ) فقد رأى أنها :
(منذ الطفولة – وباسم أفكار التمييز والتدني التي كانت من بين أكثر الأفكار أهمية – تُمنع الفتاة من القفز عاليا وتسلق الأشجار،وتتعلم أن السماء فوق الأرض،وأن الجحيم تحت،وأن الفشل يؤدي إلى السقوط إلى أسفل،وأن النجاح يعني الصعود إلى أعلى،وفي الصراع فإن دفعك كتفي خصمك إلى أن يلامسا الأرض هو الفوز،وهكذا فإن (تحت) تعني دائما الفشل والهزيمة والخضوع والاستسلام والضعة والهوان،والمرأة هي دائما تحت الرجل،تنام في وضع المنهزم )(3)
أما كبيرهم سيجموند فرويد ( 1856 – 1939 ) فرأيه في المرأة أسوء بكثير،وهو أقرب إلى الشتائم منه إلى الرأي العلمي.
يقول الأستاذ عباس عبد الهادي:
( وجاء ((فرويد)) و بنا نظريته الجنسية على تحليلات استنتجها من شعور المرأة في ذلك الزمن بما تلاقيه من احتقار ذاتي كونها امرأة،فافترض أن كل امرأة من ولادتها حتى موتها ترغب بصورة لاشعورية في أن تكون رجلا،وعليه فإن الحاجة إلى أن تكون لها ((علامة القوة)) لدى الرجل (..) تعذبها)(4)
العجيب أننا نجد امرأة مثقفة – توصف أيضا بالفيلسوفة – هي سيمون دي بوفوار (1908 – 1986 )،تقول عن المرأة – أي عن نفسها – شيئا قد يقترب من رأي فرويد!! فبعد أن قارنت بين الجزء الحساس من المرأة والرجل،تقول :
(وأن له حياته الخاصة به،السرية والمحفوفة بالمخاطر)(5)
وقد وصلت الجمعيات النسوية من القوة درجة تعديل بعض الكتابة،مثل تلك المعضلة التي واجهها البروفسور جون فنسنت الذي يشغل كرسي مادة التاريخ في جامعة بريستول.فقد كلفته دار نشر (أوكسفورد ديونفر ستي برس) بتأليف مقدمة قصيرة جدا لدراسة التاريخ،موجهة إلى الطلبة والقراء غير المتخصصين.
غير أن المخطوطة التي أنجزها فنسنت لم تلبث أن عرضت على عدد من المؤرخين الذين استعانت بهم دار النشر،فرفضوها بدعوى أن المؤلف أهمل البحث في العوامل الاجتماعية من جهة،والتعرض لدور المرأة في صنع الأحداث من جهة أخرى.
كما وجهت إلى المؤلف تهمة أخرى هي الإشارة إلى أحداث قام بها (رجال) بدلا من أن يقوم بها (أناس) أو بالأحرى بشر غير محددي الجنس الذي ينتمون إليه.
وأضاف (فنسنت) محتجا بأنه تلقى طعنة محكمة في الصدر دون أن تتاح له فرصة إعادة كتابة الفصول. ذلك أنه :
"مستعد استعدادا كاملا للامتثال لما تقضي به الاستعمالات اللغوية الشائعة لدى الحركة النسوية." ويوضح المؤلف قائلا :
"لقد قمت بأعمال تعديل كثيرة من هذا القبيل،لحساب ناشرين أمريكيين."
وقد جاء في تقرير أعده أحد قراء الكتاب أنه من غير المقبول تجاهل الإسهامات الكبرى التي قدمتها المرأة في مجال إعادة كتابة التاريخ ..)(6)
كان يُفترض بي أن أترك لفطنتكم ملاحظة سعي النسويات،إلى إبدال كلمة (رجال) بــ(أناس) في الوقت الذي يطالبن بذكر دورهن في صنع الأحداث،فتكون تلك الأحداث من صنع (المرأة) أما الأحداث الأخرى فهي من صنع (أناس) بما فيهم المرأة أيضا!!! لم أترك تلك الملاحظة لفطنتكم لأنني سوف أضيف هذه المعلومة،العجيبة،عن عشرين ألف سنة ماضية :
(يصدر خلال شهر فبراير (شباط) الجاري كتاب بعنوان : "عمل النساء : السنوات 20000 الأولى" بقلم إليزابيث ويلاند باربر)(7)
رغم كل السنوات التي مرت على (ثورة المرأة)،أي من بداية الدعوة سنة 1791م،والأجيال المتعاقبة من النسويات،ودخول جيل (المثليات) إلى الساحة ..إلخ رغم كل ذلك إلا أننا نجد مسؤولة في الاتحاد الأوربي تصرح في هذه السنة – 2009 – بأن المرأة لا تزال في حاجة إلى الرجل ليقف إلى جوارها لتأخذ حقوقها،كما أن المرأة الغربية لا تزال في بعض الدور الغربية تحصل،أحيانا، على راتب أقل من ذلك الذي يتقاضاه الرجل،وإن تساويا في المؤهلات!!! وذلك أمر يدعو إلى الحيرة، وخصوصا في تلك الثقافة التي لا تلزم الرجل بالنفقة!!!
(2)
المرأة المسلمة لم تكن في حاجة إلى (ثورة) تمنحها حق التملك أو (ذمة مالية خاصة)،فقد جاء دين الله ليساوي بين الجميع،مساواة أصيلة في أصل الخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 ،هذه مساواة ليست مع الرجل فقط،بل مع الجن أيضا. ثم المساواة في التكليف والعقوبة،والأصل وجوب موافقتها على من تتزوج.
نؤكد على أننا نتحدث عن الأصل لا عن ما حدث من انحراف عن منهج الإسلام،من حرمان المرأة من ميراثها،طمعا في مالها،أو تحقيرها،والتقليل من شأنها،لهذا السبب أو ذاك،جهلا،أو جريرة من جرائر (السياسة)،كما حصل إبان صراع العباسيين مع العلويين، وذلك ما ذهب إليه الأستاذ عبد الله عفيفي حين قال في فصل المرأة العربية في العراق، كيف كان العباسيون ينظرون إلى المرأة) :
( كان الإمامان محمد بن الحسن و أبو جعفر المنصور يتساجلان الرسائل ويتناظران بالكتب ليكسب كل منهما عطف جمهور المسلمين وانحيازهم إليه، وفي هذه الكتب يطاول كلاهما صاحبه بما له من فضل السبق وكرم العرق وقوة القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مما فخر به محمد أمومة سيدتي نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله وخديجة أم المؤمنين، فكان مما أجاب به أبو جعفر:
" أما بعد فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جُلُّ فخرك بالنساء لتضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء" ومن ثم أخذ العباسيون يتناولون أمر المرأة بالتهوين وقرابتها بالوهن وعقدتها بالانحلال كلما سنحت سانحة أو جدّ داع وأخذ شعراؤهم وعلماؤهم وذووا آرائهم يبعدون مدى ما بين الرجل
والمرأة كأن الله تعالى لم يجمع بينهما في كل موطن من كتابه العزيز)(
فهل هذه الحملة ضد المرأة هي التي جعلت الجاحظ ( توفي 255هـ) يقول :
( ولسنا نقول ولا يقول أحد ممن يعقل أن النساء فوق الرجال ولا دونهن بطبقة أو طبقتين أو أكثر،ولكنا رأينا ناسا يزرون عليهن أشد الزراية ويحتقرونهن أشد الاحتقار، ويبخسونهن أكثر حقوقهن، وإن من العجز أن يكون الرجل لا يستطيع توفير حقوق الآباء والأعمام إلا بأن ينكر حقوق الأمهات والأخوال)(9)
ليتصارع السياسيون كما يشاءون،فقد ظلت المرأة المسلمة تتعلم،بل وتعلم الرجال،ويشدون إليها الرحال لينهلوا من علمها،مثل الشيخة بيبي بنت عبد الصمد. قبل أن نشير إلى الشيخة،ننبه إلى أنه من اللافت للنظر أن الدور الأبرز للمرأة في ثقافتنا الإسلامية هو خدمة الحديث الشريف،وهو علم يعتمد على الحفظ،وقوة الذاكرة!! وتلك (ظاهرة) تحتاج إلى دراسة جادة،وهي مسألة تكشف،أيضا،عن البساطة التي كانت متوفرة عند التعامل بين الرجل المسلم والمرأة المسملة. كان الرجال يرحلون لتلقي العلم عن المرأة،مثل ...( " جزء بيبي بنت عبد الصمد" وهو جزء حديثي عالي السند ترويه الشيخة المعمرة المسندة بيبي بنت عبد الصمد (ت 477هـ) وعمرها ( 97 سنة) عن ابن شريح (ت 392هـ) عن شيوخه،وقد نال هذا الجزء شهرة واسعة ورحل من أجله أهل الحديث من كل حدب وصوب إلى قرية بخشة بالقرب من هراة في بلاد الأفغان حيث كانت تسكن الشيخة بيبي رحمها الله)(10)
وهذه الشيخة قريش الطبرية .. قرأ عليها الشيخ شمس الدين البديري :
(طرفا من الكتب الستة وطرفا من الموطأ ومسند الشافعي)(11). وقد ألف أبو عبيد آل سلمان كتابا عن عناية النساء بالحديث الشريف،ومن اللائي ترجم لهن :
( كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية.فقد كانت ركنا ركينا للحديث،ويحضر دروسها العلماء الكبار الفطاحل،كالمحدث الفقيه المعروف الخطيب البغدادي،والمحدث الشهير أبو عبد الله محمد بن نصر المعروف بالحميدي الأزدي،وكالمؤرخ الشهير أبو المحاسن المصري،وكالنسابة المحدث المعروف السمعاني،كلهم كانوا من جناة ثمار العلمية،وقد اعترف العلماء بفضلها وسبقها في تدريس (الجامع الصحيح) للبخاري حتى أن محدث هراة أبا ذر رحمه الله تعالى قد أوصى الطلبة ألا يأخذوا (الجامع الصحيح) إلا عنها)(12)
ويقول أيضا : (والحق أن النساء كان لهن حظ وافر وسهم كبير في تاريخ التدريس لــ(الجامع الصحيح) للإمام البخاري،وممن اشتهرن بذلك غير كريمة فاطمة بنت محمد ( المتوفاة سنة 539هـ) و شُهدة بنت أحمد ( المتوفاة سنة 574هـ) وزينب بنت عبد الرحمن ( المتوفاة سنة 615هـ) وشريفة بنت أحمد النسوي،وست الوزراء بنت عمر ( المتوفاة سنة 716هـ)(13)
تتعاقب السنون،وتنطوي الحقب،حتى نصل إلى عصرنا الحديث،حيث تم إزعاجنا بأول فوج من الفتيات يدخلن الجامعة المصرية،الدكتورة سهير القلماوي،ورفيقاتها،ولا باس بذلك التذكير لو لم يأت على حساب نوع آخر من التعليم كانت تتلقاه المرأة.
كتب الدكتور محمد رجب البيومي،مقالة تحت عنوان : ( هل تعلمت المرأة في الأزهر القديم). ونقتطف لكم بعض ما جاء في المقالة :
( وقع في يدي العدد ( 395 ) من مجلة الرسالة الصادر بتاريخ 27/1/1941 وفيه نبذة تحت عنوان (فتيات في الأزهر) يقول كاتبها الفاضل ما نصه : "ذكر المستشرق الإنجليزي (مستر دون) في كتابه " الحياة الفكرية والعليمة في مصر،في القرن التاسع عشر" ما خلاصته : أن الحملة الفرنسية أثناء قدومها إلى مصر،وجدت في صحن الأزهر بضع نساء يتعلمن إلى جانب الشبان ويتفقهن في الدين،وكانت هناك عالمة ضريرة،يلتف الشبان حولها،ويتلقون الدروس عنها،كما أنه كان في معهد طنطا الديني جماعة من الفتيات يحضرن الدروس الدينية ويستمعن إلى التفسير والحديث" (..) يقول الأستاذ محمود أبوالعنين - رحمه الله- بمجلة الهلال الصادرة في نوفمبر 1934 من مقال مستفيض :
" كانت لجنة الامتحان العالمية تطوف على المعاهد الملحقة بالأزهر لامتحان طلبة الشهادة فيها،فسافرت لجنة من علماء الأزهر إلى معهد طنطا سنة 1911 لامتحان طلبته،وتقدمت الشيخة فاطمة العوضية للامتحان،وكان موضوع درسها في علم الأصول (لا تكليف إلا بعقل) من كتاب (جمع الجوامع) وهو باب عويص ثقيل وفيه إشكالات وتعاقيد، و قليل من النابهين من يحذقه أو يجوزه بسلام" كما ذكر أبو العنين أن الشاعرة عائشة التيمورية كانت تحضر العلوم الشهيرة اللغوية والشرعية على أيدي عالمات حضرن في الأزهر منهن السيدة فاطمة الأزهرية والسيدة ستية الطبلاوية وقد درست عليهما جانبا من النحو والعروض)(14)
أرجو ألا يفوت على نباهتكم،الطريقة التي نسبت بها الأستاذات الفاضلات!!! لم تكن تاء التأنيث (بلهاء)،في تلك الأيام!!! الذين يكرسون صورة المرأة المظلومة،المقموعة،قافزين فوق الأشياء الإيجابية في تاريخ المرأة المسلمة،هل يفعلون ذلك (حبا) لها؟!! لا أستطيع،وأنا أتحدث عن وجود (شيخات) لبعض العلماء،دون أن أشير إلى مسألتين :
المسألة الأولى : أن الإمام السيوطي ذكر،في كتابه (بغية الوعاة)،أنه تتلمذ على عشر شيخات،كما خصص السخاوي للنساء جزء من كتابه (الضوء اللامع).
المسألة الثانية : من نتائج مسيرة المرأة العلمية،قيام بعض النساء بإصدار مجلات نسائية،قبل أن تفتح الجامعية المصرية أبوابها أمام المرأة،وقبل دعوة قاسم أمين لــ(تحرير المرأة)،فهل من دلالة لتلك الإصدارات؟ أطرح هذا السؤال قبل أن أثبت أسماء السيدات اللائي أصدرن بعض المجلات:
- هند نوفل : أصدرت في الإسكندرية مجلة (الفتاة) سنة 1882م.
- مريم مزهر : أصدرت بالقاهرة مجلة (مرآة الحسناء) سنة 1896م.
- روز حداد ( 1882 – 1955م) أصدرت بالإسكندرية مجلة (السيدات والبنات) سنة 1903م.
- لبيبة هاشم (1882 – 1952م) أصدرت بالقاهرة مجلة (فتاة الشرق) سنة 1906م.
- سلوى سلامة ( 1883- 1949م) أصدرت بالبرازيل مجلة (الكرامة) سنة 1914م وهي أول مجلة نسائية تصدر بالمهجر.
- عفيفة كرم (1883- 1924م) أصدرت بالولايات المتحدة الأمريكية مجلة (المرأة السورية) سنة 1911م،كما أصدرت سنة 1913 مجلة ( العالم الجديد).
- تفيدة علام : أصدرت مجلة (أمهات المستقبل) ما بين عامي 1920- 1923م.
- نبوية موسى ( 1890- 1951م) أصدرت بالإسكندرية مجلة ( ترقية الفتاة) سنة 1923م، مجلة (الفتاة) سنة 1938م.
- لوريس الريحاني ( ولدت سنة 1912) أنشأت أول مجلة للأولاد في لبنان سنة 1954،هي مجلة (دنيا الأحداث)،ثم غيرت اسم المجلة إلى (الفرسان).
- هدى صالح : أصدرت بفلسطين مجلة (الأسرة) عام 1961م.
أعلم أنني أطلت.لذلك سوف أعود للحديث عن أول كتاب – حسب علمنا – يتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام،وسوف يكون ذلك في الغرب،حيث عُقد المؤتمر العلمي الشرقي في ستوكهولم،سنة 1889م، فشارك الشيخ حمزة فتح الله (1266 – 1336هـ ) ببحث : ( باكورة الكلام على حقوق النساء في الإسلام)،وطُبع في كتاب سنة 1308هـ.
لم يحظ كتاب الشيخ (فتح الله)،بشهرة وفيرة،ولسنا نعرف سببا لذلك،إلا إن كان الكتاب يخلو من (التوابل)،أو الدعوة إلى السير على خطى الغرب!! وذلك ما حظيت به كتابات قاسم أمين (1863 – 1908م ) صاحب كتاب (تحرير المرأة)،والذي أصدره سنة 1316هـ / 1899م.وسوف نكتفي ببعض ما كتبت الأستاذة صافي ناز كاظم،والتي كتبت :
( فصلا عن قاسم أمين يحتوي رأيي في كتابته وأسلوبه واكتشافي أنه لم يكن مشغولا أبدا بتحرير المرأة،ولكن قضيته الأساسية كانت الدعوة إلى (محاكاة أوربا) { كما ترى أنه } ( ممن أسهموا بجدارة في التواء النهضة المصرية – منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين – عن انبعاثها الإسلامي (الإبداعي) لتصبح نهضة ثقافية اجتماعية (محاكية) مستهلكة لإنتاج مصانع الفكر الغربي ونافذة عرض دعائي له : يدعو بحماس – مترقرقا بالدموع – لتقليد رجال الغرب ونسائه ونظام معيشته،فيقول في كتابه (المرأة الجديدة) الذي ألفه في أغسطس 1900 : " نحن لا نستغرب أن المدنية الإسلامية أخطأت في فهم المرأة وتقدير شأنها،فليس خطؤها في ذلك أكبر من خطئها في كثير من الأمور الأخرى .." حتى يصل بقوله إلى : ".. والذي أراه أن تمسكنا بالماضي – إلى هذا الحد- من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعا لمحاربتها،لأنه ميل إلى التدني والتقهقر .. وهذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه،وليس من دواء إلا أننا نربي أولادنا على أن يعرفوا شؤون المدنية الغربية،ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها .. ".." إذا أتى هذا الحين،ونرجو أن لا يكون بعيدا،انجلت الحقيقة أمام أعيننا ساطعة سطوع الشمس،وعرفنا قيمة التمدن الغربي" ص 114 { وفي مكان آخر تقول : } ( كتب قاسم أمين كتابيه الشهيرين (..) وبهما من اللغة الركيكة والحشو الممل ما يضيق به الصدر عن عظمة الأوربيين والأمريكان وعن أسباب تقدم الأنجلوسكسون،وكيف أن نشاطهم وجرأتهم وإقدامهم وتبصرهم وفطنتهم،وجميع الصفات التي تعترف كل الأمم بامتيازهم فيها عن سواهم،هي نتيجة لعب الكرة والسباحة وركوب الخيل. وحين يعدد أخطاء المرأة المصرية،التي لا يجيد حصرها يتناقض،فيأخذ عليها تارة كونها لا تجيد سوى التزين لزوجها ومسامرته،فيقول : "ولما لم يبق للعقل ولا للأعمال النافعة قيمة لديها وإنما بضاعتها أن تسلي الرجل وتمتعه .. وجهت جميع قواها إلى التفنن في طرق استمالته إليها والاستيلاء على أهوائه وخواطر نفسه .." .. ثم يناقض قوله هذا بعد ست صفحات ويتهم المرأة المصرية بأنها جاهلة حتى بأمر زينتها ومسامرة زوجها،فنراه متفلسفا : "ذلك أن المرأة الجاهلة تجهل حركات النفس الباطنة،وتغيب عنها معرفة أسباب الميل والنفور،فإذا أرادت أن تستميل الرجل جاءت في الغالب بعكس ذلك" ..ص 120- 121 )(15)
وهاهي السيدة هدى محمد سلطان ( 1296 - 1367 هـ) والشهيرة بهدى شعراوي – نسبة لزوجها علي باشا شعراوي – تهرع إلى مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي بروما سنة 1932م،فتخاطب النساء المجتمعات،وتُخبرهن أن المرأة العربية :
(في أشد الحاجة إلى الاشتراك مع المرأة الغربية لتقتبس من أخلاقها وعاداتها ومدنيتها وكل ما يتفق مع النهضة العامة)(16)
(3)
ولا زالت المرأة العربية،المسلمة،تعدو خلف المرأة الغربية،لتقتبس من أخلاقها وعاداتها ومدنيتها!! مع ملاحظة أننا لا نعلم أن المرأة العربية – إذا تساوت المؤهلات – تقبض أجرا أقل من ذلك الذي يقبضه الرجل. فما أعجب (زرق العيون)!! الرجل لديهم لا يلزم (شرعا) بأن ينفق على زوجته .. وأزعجونا بالمناداة بحقوق المرأة،وبمساواتها بالرجل،ومع ذلك يمنحون المرأة – أحيانا – أجرا أقل من أجر الرجل،وإن تساوت المؤهلات!!! فأي المرأتين يجب أن تستفيد من تجربة الأخرى؟!!!
الفهارس:
1- { ص 14 ( الإسلام والمرأة المعاصرة) / ألبهي الخولي / الكويت / دار القلم / الطبعة الرابعة / 1403هـ - 1983م}.
2- { جريدة الشرق الأوسط العدد 6925 في 13/11/14997م}.
3- { ص 220 ( اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والمعاصرة)/ د. أحمد علي المجذوب / القاهرة / الدار المصرية اللبنانية / الطبعة الأولى/ 1993م}.
4- { ص 85 جــ 1( المرأة والأسرة في حضارات الشعوب وأنظمتها) / المحامي : عبد الهادي عباس / دمشق / دار طلاس / الطبعة الأولى / 1987م}.
5- { ص 221 – 222 ( اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والمعاصرة) }.
6- {جريدة الشرق الأوسط العدد 5912 في 5/9/1415هـ = 4/2/1995م}.
7- {جريدة الشرق الأوسط العدد 5913 في 6/9/1415هـ = 5/2/1995م}.
8- { ص 78 ( المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها)/ عبد الله عفيفي/ بيروت/ دار الرائد العربي/ 1402هـ/ 1982م/ ط2/ جـ3.}.
9- { ص 151- 152 ( رسائل الجاحظ ) تحقيق عبد السلام هارون/ بيروت/ دار الجيل/ 1411هـ/ 1991م/ ط1/ جـ1.} ...)).
10- { ص75 (دليل مكتبة المرأة المسلمة)/ أحمد الحمدان/ جدة/ دار الأندلس الخضراء/ 1417هـ/ 1996م/ ط 1.}.
11- { ص 941 ( فهرس الفهارس والأثبات)/ عبد الحي الكتاني/ 1402هـ/1982م/ ط2 جــ2}
12- { ص 82 ( عناية النساء بالحديث النبوي)/ أبو عبيدة مشهور آل سلمان/ الخبر / دار ابن عفان /1417هـ/ 1997م/ ط 2}.
13- {المصدرالسابق ص 85}.
14- { مجلة الهلال القاهرية أكتوبر 1985/ وأعيد نشره في عدد أكتوبر 1992م}.
15- { صافي ناز كاظم ( تاكسي الكلام) / الدار المصرية اللبنانية / الطبعة الأولى / 1422هـ}.
16- { ص 66 ( المرأة المسلمة )/ نذير حمدان / 1410هـ}.
محمود مختار الشنقيطي
لا يخفى أن المرأة المسلمة في العصر الحديث تحاول اللحاق بالمرأة الغربية (المتقدمة)،وذلك يثير – بالنسبة لي على الأقل – الكثير من التعجب!! ومن أراد أن يتعجب – مثلي – فليرافقني في هذه الرحلة التي أرجو ألا تكون طويلة ،حد الإملال.
(1)
إذا كان تتبع المرأة المسلمة لخطى المرأة الغربية لا يخفى،فهل تخفى المكانة المتدنية للمرأة في الثقافة المسيحية؟!
(وفي المسيحية غلا رجال الكنيسة في إهدار شأن المرأة،وهم دعاة شريعة الحب والرحمة،فكانوا يقولون للنساء قولا له وزن الشرع المقدس :
"إنه أولى لهن أن يخجلن من أنهن نساء،وأن يعشن في ندم متصل جراء ما جلبن على الأرض من لعنات"،(..) وقد ذهب البعض إلى أبعد من هذا، فزعموا أن أجسامهن من عمل الشيطان .. وأنه يجب أن يُلعن النساء لأنهن سبب الغواية،وكان يقال : إن الشيطان مولع في الظهور في شكل أنثى .. غلا رجال الكنيسة إلى هذا الحد حتى كان من موضوعاتهم التي يتدارسونها :
هل للمرأة أن تعبد الله كما يفعل الرجل؟ هل تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟ هل هي إنسان له روح يسري عليه الخلود ؟ أو هي نسمة فانية لا خلود لها؟.)(1)
وفي عام 586م عُقد مؤتمر لبحث إنسانية المرأة،ثم قرر المؤتمر بأغلبية صوت واحد بأن المرأة إنسان خلق لخدمة الرجل!!
ليس غريبا أن تنتفض المرأة الغربية على دين ينظر إليها – رجاله على الأقل – تلك النظرة المتدنية،وخصوصا أن الرجل أيضا تملص من ربقة الدين لأسباب أخرى. من هنا نجد الأستاذ خالد القشطيني،يقول :
(.. ولكن أول طلقة نحو تحرير المرأة دوت ليس في فرنسا وإنما من إنجلترا بصدور كتاب ( أحقية حقوق المرأة) لماري ولستنكرافت عام 1792 . من هذا الكتاب تفرعت سلسلة من الكتب والرسائل والكراريس في الدعوة لتحرير المرأة،وتبنى الموضوع كثير من رجال الفكر وعلى رأسهم جون ستيوارت ميل (..) انصب النضال على هدفين،الأول إعطاء المرأة حقها في فلوسها والثاني إعطاؤها حقها في صوتها الانتخابي،تحقق الهدف الأول في سلسلة من التشريعات جعلت المرأة الأوربية مماثلة للمرأة المسلمة لحق التملك ..)(2)
الحقيقة أن معلومات الأستاذ القشطيني – فيما يبدو – غير دقيقة إذ أن أول طلقة نحو تحرير المرأة دوت في فرنسا،وذلك حين قامت أولمب دو غونج ( 1748 – 1793 ) سنة 1791م،بنشر إعلان حقوق المرأة والمواطنة،وهي التي أطلقت على الزيجات الدينية اسم "مقبرة الحب" واقترحت استبدالها بعقد مدني عادل يأخذ بعين الاعتبار الميول الطبيعية للشركاء بالقيام بعلاقات خارج الزواج،وليس ذلك مستغربا من امرأة ولدت لصانع جوخ،ووالدها الحقيقي – البيولوجي،كما يقولون – هو الماركيز جان جاك دو بومبينيان.
ثم تفجرت ثورة علم النفس. فكيف نظر أساطين ذلك العلم إلى المرأة؟ أما ألفرد إدلر ( 1870 – 1937 ) فقد رأى أنها :
(منذ الطفولة – وباسم أفكار التمييز والتدني التي كانت من بين أكثر الأفكار أهمية – تُمنع الفتاة من القفز عاليا وتسلق الأشجار،وتتعلم أن السماء فوق الأرض،وأن الجحيم تحت،وأن الفشل يؤدي إلى السقوط إلى أسفل،وأن النجاح يعني الصعود إلى أعلى،وفي الصراع فإن دفعك كتفي خصمك إلى أن يلامسا الأرض هو الفوز،وهكذا فإن (تحت) تعني دائما الفشل والهزيمة والخضوع والاستسلام والضعة والهوان،والمرأة هي دائما تحت الرجل،تنام في وضع المنهزم )(3)
أما كبيرهم سيجموند فرويد ( 1856 – 1939 ) فرأيه في المرأة أسوء بكثير،وهو أقرب إلى الشتائم منه إلى الرأي العلمي.
يقول الأستاذ عباس عبد الهادي:
( وجاء ((فرويد)) و بنا نظريته الجنسية على تحليلات استنتجها من شعور المرأة في ذلك الزمن بما تلاقيه من احتقار ذاتي كونها امرأة،فافترض أن كل امرأة من ولادتها حتى موتها ترغب بصورة لاشعورية في أن تكون رجلا،وعليه فإن الحاجة إلى أن تكون لها ((علامة القوة)) لدى الرجل (..) تعذبها)(4)
العجيب أننا نجد امرأة مثقفة – توصف أيضا بالفيلسوفة – هي سيمون دي بوفوار (1908 – 1986 )،تقول عن المرأة – أي عن نفسها – شيئا قد يقترب من رأي فرويد!! فبعد أن قارنت بين الجزء الحساس من المرأة والرجل،تقول :
(وأن له حياته الخاصة به،السرية والمحفوفة بالمخاطر)(5)
وقد وصلت الجمعيات النسوية من القوة درجة تعديل بعض الكتابة،مثل تلك المعضلة التي واجهها البروفسور جون فنسنت الذي يشغل كرسي مادة التاريخ في جامعة بريستول.فقد كلفته دار نشر (أوكسفورد ديونفر ستي برس) بتأليف مقدمة قصيرة جدا لدراسة التاريخ،موجهة إلى الطلبة والقراء غير المتخصصين.
غير أن المخطوطة التي أنجزها فنسنت لم تلبث أن عرضت على عدد من المؤرخين الذين استعانت بهم دار النشر،فرفضوها بدعوى أن المؤلف أهمل البحث في العوامل الاجتماعية من جهة،والتعرض لدور المرأة في صنع الأحداث من جهة أخرى.
كما وجهت إلى المؤلف تهمة أخرى هي الإشارة إلى أحداث قام بها (رجال) بدلا من أن يقوم بها (أناس) أو بالأحرى بشر غير محددي الجنس الذي ينتمون إليه.
وأضاف (فنسنت) محتجا بأنه تلقى طعنة محكمة في الصدر دون أن تتاح له فرصة إعادة كتابة الفصول. ذلك أنه :
"مستعد استعدادا كاملا للامتثال لما تقضي به الاستعمالات اللغوية الشائعة لدى الحركة النسوية." ويوضح المؤلف قائلا :
"لقد قمت بأعمال تعديل كثيرة من هذا القبيل،لحساب ناشرين أمريكيين."
وقد جاء في تقرير أعده أحد قراء الكتاب أنه من غير المقبول تجاهل الإسهامات الكبرى التي قدمتها المرأة في مجال إعادة كتابة التاريخ ..)(6)
كان يُفترض بي أن أترك لفطنتكم ملاحظة سعي النسويات،إلى إبدال كلمة (رجال) بــ(أناس) في الوقت الذي يطالبن بذكر دورهن في صنع الأحداث،فتكون تلك الأحداث من صنع (المرأة) أما الأحداث الأخرى فهي من صنع (أناس) بما فيهم المرأة أيضا!!! لم أترك تلك الملاحظة لفطنتكم لأنني سوف أضيف هذه المعلومة،العجيبة،عن عشرين ألف سنة ماضية :
(يصدر خلال شهر فبراير (شباط) الجاري كتاب بعنوان : "عمل النساء : السنوات 20000 الأولى" بقلم إليزابيث ويلاند باربر)(7)
رغم كل السنوات التي مرت على (ثورة المرأة)،أي من بداية الدعوة سنة 1791م،والأجيال المتعاقبة من النسويات،ودخول جيل (المثليات) إلى الساحة ..إلخ رغم كل ذلك إلا أننا نجد مسؤولة في الاتحاد الأوربي تصرح في هذه السنة – 2009 – بأن المرأة لا تزال في حاجة إلى الرجل ليقف إلى جوارها لتأخذ حقوقها،كما أن المرأة الغربية لا تزال في بعض الدور الغربية تحصل،أحيانا، على راتب أقل من ذلك الذي يتقاضاه الرجل،وإن تساويا في المؤهلات!!! وذلك أمر يدعو إلى الحيرة، وخصوصا في تلك الثقافة التي لا تلزم الرجل بالنفقة!!!
(2)
المرأة المسلمة لم تكن في حاجة إلى (ثورة) تمنحها حق التملك أو (ذمة مالية خاصة)،فقد جاء دين الله ليساوي بين الجميع،مساواة أصيلة في أصل الخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 ،هذه مساواة ليست مع الرجل فقط،بل مع الجن أيضا. ثم المساواة في التكليف والعقوبة،والأصل وجوب موافقتها على من تتزوج.
نؤكد على أننا نتحدث عن الأصل لا عن ما حدث من انحراف عن منهج الإسلام،من حرمان المرأة من ميراثها،طمعا في مالها،أو تحقيرها،والتقليل من شأنها،لهذا السبب أو ذاك،جهلا،أو جريرة من جرائر (السياسة)،كما حصل إبان صراع العباسيين مع العلويين، وذلك ما ذهب إليه الأستاذ عبد الله عفيفي حين قال في فصل المرأة العربية في العراق، كيف كان العباسيون ينظرون إلى المرأة) :
( كان الإمامان محمد بن الحسن و أبو جعفر المنصور يتساجلان الرسائل ويتناظران بالكتب ليكسب كل منهما عطف جمهور المسلمين وانحيازهم إليه، وفي هذه الكتب يطاول كلاهما صاحبه بما له من فضل السبق وكرم العرق وقوة القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مما فخر به محمد أمومة سيدتي نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله وخديجة أم المؤمنين، فكان مما أجاب به أبو جعفر:
" أما بعد فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جُلُّ فخرك بالنساء لتضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء" ومن ثم أخذ العباسيون يتناولون أمر المرأة بالتهوين وقرابتها بالوهن وعقدتها بالانحلال كلما سنحت سانحة أو جدّ داع وأخذ شعراؤهم وعلماؤهم وذووا آرائهم يبعدون مدى ما بين الرجل
والمرأة كأن الله تعالى لم يجمع بينهما في كل موطن من كتابه العزيز)(
فهل هذه الحملة ضد المرأة هي التي جعلت الجاحظ ( توفي 255هـ) يقول :
( ولسنا نقول ولا يقول أحد ممن يعقل أن النساء فوق الرجال ولا دونهن بطبقة أو طبقتين أو أكثر،ولكنا رأينا ناسا يزرون عليهن أشد الزراية ويحتقرونهن أشد الاحتقار، ويبخسونهن أكثر حقوقهن، وإن من العجز أن يكون الرجل لا يستطيع توفير حقوق الآباء والأعمام إلا بأن ينكر حقوق الأمهات والأخوال)(9)
ليتصارع السياسيون كما يشاءون،فقد ظلت المرأة المسلمة تتعلم،بل وتعلم الرجال،ويشدون إليها الرحال لينهلوا من علمها،مثل الشيخة بيبي بنت عبد الصمد. قبل أن نشير إلى الشيخة،ننبه إلى أنه من اللافت للنظر أن الدور الأبرز للمرأة في ثقافتنا الإسلامية هو خدمة الحديث الشريف،وهو علم يعتمد على الحفظ،وقوة الذاكرة!! وتلك (ظاهرة) تحتاج إلى دراسة جادة،وهي مسألة تكشف،أيضا،عن البساطة التي كانت متوفرة عند التعامل بين الرجل المسلم والمرأة المسملة. كان الرجال يرحلون لتلقي العلم عن المرأة،مثل ...( " جزء بيبي بنت عبد الصمد" وهو جزء حديثي عالي السند ترويه الشيخة المعمرة المسندة بيبي بنت عبد الصمد (ت 477هـ) وعمرها ( 97 سنة) عن ابن شريح (ت 392هـ) عن شيوخه،وقد نال هذا الجزء شهرة واسعة ورحل من أجله أهل الحديث من كل حدب وصوب إلى قرية بخشة بالقرب من هراة في بلاد الأفغان حيث كانت تسكن الشيخة بيبي رحمها الله)(10)
وهذه الشيخة قريش الطبرية .. قرأ عليها الشيخ شمس الدين البديري :
(طرفا من الكتب الستة وطرفا من الموطأ ومسند الشافعي)(11). وقد ألف أبو عبيد آل سلمان كتابا عن عناية النساء بالحديث الشريف،ومن اللائي ترجم لهن :
( كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية.فقد كانت ركنا ركينا للحديث،ويحضر دروسها العلماء الكبار الفطاحل،كالمحدث الفقيه المعروف الخطيب البغدادي،والمحدث الشهير أبو عبد الله محمد بن نصر المعروف بالحميدي الأزدي،وكالمؤرخ الشهير أبو المحاسن المصري،وكالنسابة المحدث المعروف السمعاني،كلهم كانوا من جناة ثمار العلمية،وقد اعترف العلماء بفضلها وسبقها في تدريس (الجامع الصحيح) للبخاري حتى أن محدث هراة أبا ذر رحمه الله تعالى قد أوصى الطلبة ألا يأخذوا (الجامع الصحيح) إلا عنها)(12)
ويقول أيضا : (والحق أن النساء كان لهن حظ وافر وسهم كبير في تاريخ التدريس لــ(الجامع الصحيح) للإمام البخاري،وممن اشتهرن بذلك غير كريمة فاطمة بنت محمد ( المتوفاة سنة 539هـ) و شُهدة بنت أحمد ( المتوفاة سنة 574هـ) وزينب بنت عبد الرحمن ( المتوفاة سنة 615هـ) وشريفة بنت أحمد النسوي،وست الوزراء بنت عمر ( المتوفاة سنة 716هـ)(13)
تتعاقب السنون،وتنطوي الحقب،حتى نصل إلى عصرنا الحديث،حيث تم إزعاجنا بأول فوج من الفتيات يدخلن الجامعة المصرية،الدكتورة سهير القلماوي،ورفيقاتها،ولا باس بذلك التذكير لو لم يأت على حساب نوع آخر من التعليم كانت تتلقاه المرأة.
كتب الدكتور محمد رجب البيومي،مقالة تحت عنوان : ( هل تعلمت المرأة في الأزهر القديم). ونقتطف لكم بعض ما جاء في المقالة :
( وقع في يدي العدد ( 395 ) من مجلة الرسالة الصادر بتاريخ 27/1/1941 وفيه نبذة تحت عنوان (فتيات في الأزهر) يقول كاتبها الفاضل ما نصه : "ذكر المستشرق الإنجليزي (مستر دون) في كتابه " الحياة الفكرية والعليمة في مصر،في القرن التاسع عشر" ما خلاصته : أن الحملة الفرنسية أثناء قدومها إلى مصر،وجدت في صحن الأزهر بضع نساء يتعلمن إلى جانب الشبان ويتفقهن في الدين،وكانت هناك عالمة ضريرة،يلتف الشبان حولها،ويتلقون الدروس عنها،كما أنه كان في معهد طنطا الديني جماعة من الفتيات يحضرن الدروس الدينية ويستمعن إلى التفسير والحديث" (..) يقول الأستاذ محمود أبوالعنين - رحمه الله- بمجلة الهلال الصادرة في نوفمبر 1934 من مقال مستفيض :
" كانت لجنة الامتحان العالمية تطوف على المعاهد الملحقة بالأزهر لامتحان طلبة الشهادة فيها،فسافرت لجنة من علماء الأزهر إلى معهد طنطا سنة 1911 لامتحان طلبته،وتقدمت الشيخة فاطمة العوضية للامتحان،وكان موضوع درسها في علم الأصول (لا تكليف إلا بعقل) من كتاب (جمع الجوامع) وهو باب عويص ثقيل وفيه إشكالات وتعاقيد، و قليل من النابهين من يحذقه أو يجوزه بسلام" كما ذكر أبو العنين أن الشاعرة عائشة التيمورية كانت تحضر العلوم الشهيرة اللغوية والشرعية على أيدي عالمات حضرن في الأزهر منهن السيدة فاطمة الأزهرية والسيدة ستية الطبلاوية وقد درست عليهما جانبا من النحو والعروض)(14)
أرجو ألا يفوت على نباهتكم،الطريقة التي نسبت بها الأستاذات الفاضلات!!! لم تكن تاء التأنيث (بلهاء)،في تلك الأيام!!! الذين يكرسون صورة المرأة المظلومة،المقموعة،قافزين فوق الأشياء الإيجابية في تاريخ المرأة المسلمة،هل يفعلون ذلك (حبا) لها؟!! لا أستطيع،وأنا أتحدث عن وجود (شيخات) لبعض العلماء،دون أن أشير إلى مسألتين :
المسألة الأولى : أن الإمام السيوطي ذكر،في كتابه (بغية الوعاة)،أنه تتلمذ على عشر شيخات،كما خصص السخاوي للنساء جزء من كتابه (الضوء اللامع).
المسألة الثانية : من نتائج مسيرة المرأة العلمية،قيام بعض النساء بإصدار مجلات نسائية،قبل أن تفتح الجامعية المصرية أبوابها أمام المرأة،وقبل دعوة قاسم أمين لــ(تحرير المرأة)،فهل من دلالة لتلك الإصدارات؟ أطرح هذا السؤال قبل أن أثبت أسماء السيدات اللائي أصدرن بعض المجلات:
- هند نوفل : أصدرت في الإسكندرية مجلة (الفتاة) سنة 1882م.
- مريم مزهر : أصدرت بالقاهرة مجلة (مرآة الحسناء) سنة 1896م.
- روز حداد ( 1882 – 1955م) أصدرت بالإسكندرية مجلة (السيدات والبنات) سنة 1903م.
- لبيبة هاشم (1882 – 1952م) أصدرت بالقاهرة مجلة (فتاة الشرق) سنة 1906م.
- سلوى سلامة ( 1883- 1949م) أصدرت بالبرازيل مجلة (الكرامة) سنة 1914م وهي أول مجلة نسائية تصدر بالمهجر.
- عفيفة كرم (1883- 1924م) أصدرت بالولايات المتحدة الأمريكية مجلة (المرأة السورية) سنة 1911م،كما أصدرت سنة 1913 مجلة ( العالم الجديد).
- تفيدة علام : أصدرت مجلة (أمهات المستقبل) ما بين عامي 1920- 1923م.
- نبوية موسى ( 1890- 1951م) أصدرت بالإسكندرية مجلة ( ترقية الفتاة) سنة 1923م، مجلة (الفتاة) سنة 1938م.
- لوريس الريحاني ( ولدت سنة 1912) أنشأت أول مجلة للأولاد في لبنان سنة 1954،هي مجلة (دنيا الأحداث)،ثم غيرت اسم المجلة إلى (الفرسان).
- هدى صالح : أصدرت بفلسطين مجلة (الأسرة) عام 1961م.
أعلم أنني أطلت.لذلك سوف أعود للحديث عن أول كتاب – حسب علمنا – يتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام،وسوف يكون ذلك في الغرب،حيث عُقد المؤتمر العلمي الشرقي في ستوكهولم،سنة 1889م، فشارك الشيخ حمزة فتح الله (1266 – 1336هـ ) ببحث : ( باكورة الكلام على حقوق النساء في الإسلام)،وطُبع في كتاب سنة 1308هـ.
لم يحظ كتاب الشيخ (فتح الله)،بشهرة وفيرة،ولسنا نعرف سببا لذلك،إلا إن كان الكتاب يخلو من (التوابل)،أو الدعوة إلى السير على خطى الغرب!! وذلك ما حظيت به كتابات قاسم أمين (1863 – 1908م ) صاحب كتاب (تحرير المرأة)،والذي أصدره سنة 1316هـ / 1899م.وسوف نكتفي ببعض ما كتبت الأستاذة صافي ناز كاظم،والتي كتبت :
( فصلا عن قاسم أمين يحتوي رأيي في كتابته وأسلوبه واكتشافي أنه لم يكن مشغولا أبدا بتحرير المرأة،ولكن قضيته الأساسية كانت الدعوة إلى (محاكاة أوربا) { كما ترى أنه } ( ممن أسهموا بجدارة في التواء النهضة المصرية – منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين – عن انبعاثها الإسلامي (الإبداعي) لتصبح نهضة ثقافية اجتماعية (محاكية) مستهلكة لإنتاج مصانع الفكر الغربي ونافذة عرض دعائي له : يدعو بحماس – مترقرقا بالدموع – لتقليد رجال الغرب ونسائه ونظام معيشته،فيقول في كتابه (المرأة الجديدة) الذي ألفه في أغسطس 1900 : " نحن لا نستغرب أن المدنية الإسلامية أخطأت في فهم المرأة وتقدير شأنها،فليس خطؤها في ذلك أكبر من خطئها في كثير من الأمور الأخرى .." حتى يصل بقوله إلى : ".. والذي أراه أن تمسكنا بالماضي – إلى هذا الحد- من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعا لمحاربتها،لأنه ميل إلى التدني والتقهقر .. وهذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه،وليس من دواء إلا أننا نربي أولادنا على أن يعرفوا شؤون المدنية الغربية،ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها .. ".." إذا أتى هذا الحين،ونرجو أن لا يكون بعيدا،انجلت الحقيقة أمام أعيننا ساطعة سطوع الشمس،وعرفنا قيمة التمدن الغربي" ص 114 { وفي مكان آخر تقول : } ( كتب قاسم أمين كتابيه الشهيرين (..) وبهما من اللغة الركيكة والحشو الممل ما يضيق به الصدر عن عظمة الأوربيين والأمريكان وعن أسباب تقدم الأنجلوسكسون،وكيف أن نشاطهم وجرأتهم وإقدامهم وتبصرهم وفطنتهم،وجميع الصفات التي تعترف كل الأمم بامتيازهم فيها عن سواهم،هي نتيجة لعب الكرة والسباحة وركوب الخيل. وحين يعدد أخطاء المرأة المصرية،التي لا يجيد حصرها يتناقض،فيأخذ عليها تارة كونها لا تجيد سوى التزين لزوجها ومسامرته،فيقول : "ولما لم يبق للعقل ولا للأعمال النافعة قيمة لديها وإنما بضاعتها أن تسلي الرجل وتمتعه .. وجهت جميع قواها إلى التفنن في طرق استمالته إليها والاستيلاء على أهوائه وخواطر نفسه .." .. ثم يناقض قوله هذا بعد ست صفحات ويتهم المرأة المصرية بأنها جاهلة حتى بأمر زينتها ومسامرة زوجها،فنراه متفلسفا : "ذلك أن المرأة الجاهلة تجهل حركات النفس الباطنة،وتغيب عنها معرفة أسباب الميل والنفور،فإذا أرادت أن تستميل الرجل جاءت في الغالب بعكس ذلك" ..ص 120- 121 )(15)
وهاهي السيدة هدى محمد سلطان ( 1296 - 1367 هـ) والشهيرة بهدى شعراوي – نسبة لزوجها علي باشا شعراوي – تهرع إلى مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي بروما سنة 1932م،فتخاطب النساء المجتمعات،وتُخبرهن أن المرأة العربية :
(في أشد الحاجة إلى الاشتراك مع المرأة الغربية لتقتبس من أخلاقها وعاداتها ومدنيتها وكل ما يتفق مع النهضة العامة)(16)
(3)
ولا زالت المرأة العربية،المسلمة،تعدو خلف المرأة الغربية،لتقتبس من أخلاقها وعاداتها ومدنيتها!! مع ملاحظة أننا لا نعلم أن المرأة العربية – إذا تساوت المؤهلات – تقبض أجرا أقل من ذلك الذي يقبضه الرجل. فما أعجب (زرق العيون)!! الرجل لديهم لا يلزم (شرعا) بأن ينفق على زوجته .. وأزعجونا بالمناداة بحقوق المرأة،وبمساواتها بالرجل،ومع ذلك يمنحون المرأة – أحيانا – أجرا أقل من أجر الرجل،وإن تساوت المؤهلات!!! فأي المرأتين يجب أن تستفيد من تجربة الأخرى؟!!!
الفهارس:
1- { ص 14 ( الإسلام والمرأة المعاصرة) / ألبهي الخولي / الكويت / دار القلم / الطبعة الرابعة / 1403هـ - 1983م}.
2- { جريدة الشرق الأوسط العدد 6925 في 13/11/14997م}.
3- { ص 220 ( اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والمعاصرة)/ د. أحمد علي المجذوب / القاهرة / الدار المصرية اللبنانية / الطبعة الأولى/ 1993م}.
4- { ص 85 جــ 1( المرأة والأسرة في حضارات الشعوب وأنظمتها) / المحامي : عبد الهادي عباس / دمشق / دار طلاس / الطبعة الأولى / 1987م}.
5- { ص 221 – 222 ( اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والمعاصرة) }.
6- {جريدة الشرق الأوسط العدد 5912 في 5/9/1415هـ = 4/2/1995م}.
7- {جريدة الشرق الأوسط العدد 5913 في 6/9/1415هـ = 5/2/1995م}.
8- { ص 78 ( المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها)/ عبد الله عفيفي/ بيروت/ دار الرائد العربي/ 1402هـ/ 1982م/ ط2/ جـ3.}.
9- { ص 151- 152 ( رسائل الجاحظ ) تحقيق عبد السلام هارون/ بيروت/ دار الجيل/ 1411هـ/ 1991م/ ط1/ جـ1.} ...)).
10- { ص75 (دليل مكتبة المرأة المسلمة)/ أحمد الحمدان/ جدة/ دار الأندلس الخضراء/ 1417هـ/ 1996م/ ط 1.}.
11- { ص 941 ( فهرس الفهارس والأثبات)/ عبد الحي الكتاني/ 1402هـ/1982م/ ط2 جــ2}
12- { ص 82 ( عناية النساء بالحديث النبوي)/ أبو عبيدة مشهور آل سلمان/ الخبر / دار ابن عفان /1417هـ/ 1997م/ ط 2}.
13- {المصدرالسابق ص 85}.
14- { مجلة الهلال القاهرية أكتوبر 1985/ وأعيد نشره في عدد أكتوبر 1992م}.
15- { صافي ناز كاظم ( تاكسي الكلام) / الدار المصرية اللبنانية / الطبعة الأولى / 1422هـ}.
16- { ص 66 ( المرأة المسلمة )/ نذير حمدان / 1410هـ}.