التصحيح والتصريح في أحاديث السبحة
رسالة
التصريح والتصحيح
للآثار الواردة في عد التسبيح
بالحصى والنوى والتسابيح
تأليف
عدنان بن عبد الله زُهار
كان الله له
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما سيدنا المصطفى
أما بعد،
فقد طلب مني بعض الأحبة جمع أهم ما قاله أهل العلم في مسألة السبحة والأحاديث الواردة فيها، فاستجب لطلبه وتتبعت كلام من صنف في استحبابها، ووقفت أيضا على كلام من أنكر استعمالها مضعفا للأحاديث المشيرة إلى جوازها.
فزاد ذلك في نفسي رغبة لتحرير هذه المسألة من الناحية الحديثية والفقهية والأصولية، فوجدتني على غير نية سابقة، واقفا عند كلام الشيخ بكر أبي زيد، في جزء جمعه لبيان الحكم الذي ارتضاه فيها، وهو حرمتها استعمالا وبيعا وشراء، وادعى أن حاملها بيده متشبه بالكفار...إلى غير ما قال، مما تفرد به عن الأولين والآخرين، غير عابئ بأقوال أهل الدراية والفهم من علماء الأمة. فصار بحثي في المسألة كالرد عليه، معتمدا الإنصاف، تاركا التعصب والإجحاف، وسميت هذه الرسالة :
التصريح والتصحيح للآثار الواردة في عد التسبيح بالنوى والحصى والتسابيح
مبتدئا فيها بمناقشة من ضعف أحاديث الإقرار، ومثنيا بمناقشة الشيخ بكر في تضعيفه الدلالات منها.
فقلت وبالله التوفيق:
الحديث الأول: حديث سعد بن أبي وقاص
أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم من طريق عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: "أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل." فقال: "سبحان الله عدد ما خلق في السماء".
قال الألباني : "قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي فأخطأ لأن خزيمة هذا مجهول. قال الذهبي نفسه في "الميزان": خزيمة لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال. وكذا قال الحافظ في "التقريب" إنه لا يعرف.
وسعيد بن أبي هلال مع ثقته، حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، فأنى للحديث الصحة والحسن؟" اهـ كلام الألباني
مناقشة كلام الألباني
وهم الشيخ الألباني رحمه الله في الحكم على حديث سعد بن أبي وقاص المروي في "المستدرك" بعلة جهالة خزيمة المذكور فيه، بين سعيد وعائشة، وتخطئته لكل من الحاكم والذهبي . ذلك أن الحاكم لم يذكر خزيمة أبدا في هذه الطريق ولا في غيرها من صحيحه.
ولم ينتبه الألباني إلى متابعة قاصرة للحديث عند ابن حبان، رغم كونه رآها عند السيوطي في "المنحة" معزوة إليه، قال ابن حبان: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن عائشة بنت سعد، به. وهو سند صحيح لكون عبد الله بن سلم ثقة، وحرملة شيخه وابن وهب إمامان ثقتان، وكذا عمرو بن الحارث. وسيأتي الكلام عن سعيد بن أبي هلال.
وصرح البزار في"مسنده" برواية سعيد بن أبي هلال عن عائشة بنت سعد، وروى لها حديثين كذلك منهما حديث التسبيح، وأيضا رواه بهذا السند أبو يعلى في "المسند" .
ثم إن كلام الشيخ الألباني في سعيد بن أبي هلال بكونه اختلط، فأعل به حديث الباب منقوضٌ، إذا علمت أن سعيدا هذا وثقه أبو حاتم، والدارقطني، والعجلي، وابن سعد، وابن خزيمة، وابن حبان وغيرهم، واحتج به الجماعة. وأما ما ذكره الساجي عنه فأجاب عنه الحافظ في مقدمة "الفتح" بقوله: "وشذ الساجي فذكره في الضعفاء". وقال أيضا :"ذكره الساجي بلا حجة، ولم يصح عن أحمد تضعيفه". وقال أيضا في شرح كتاب الرقاق من"الفتح" ردا على ابن حزم :"وسعيد متفق على الاحتجاج به." ولذلك لم يذكره سبط ابن العجمي في "الاغتباط".
وأما تعليل الحديث بسقوط خزيمة في بعض طرقه، فالجواب عنه أن سعيدا رواه مرة بواسطة عن عائشة، ومرة بدونها والواسطة خزيمة. وهو كثير في طرق الأحاديث وأسانيدها . زيادة على أن سعيدا ثقة معروف كما مر، وأدرك عائشة لا بد. وقد كانت لها شهرة يندر من مثل سعيد أن لا يسمع منها. وهي التي قالوا إن مالكا لم يحدث عن امرأة غيرها. ويؤيد ما ذكرناه أن البزار بوب في "مسنده" على هذا الحديث بقوله :"ومما روى سعيد بن أبي هلال عن عائشة، عن أبيها "، فذكره.
كلام بكر أبو زيد الحديثي
وقال الشيخ بكر أبو زيد في جزء "السبحة" : "فمدار أسانيده على سعيد بن أبي هلال، قال الحافظ عنه: "صدوق، لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا، إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط".اهـ وقال الحافظ أيضا في خزيمة: خزيمة عن عائشة بنت سعد لا يعرف، من السابعة، د ت س".اهـ
ثم قال :"وأما حديث صفية وحديث سعد بن أبي وقاص فيشهد كل واحد منهما للآخر، إذ ليس في إسناد أحدهما من قُدح فيه من جهة عدالته؟"
مناقشة كلام بكر أبي زيد
*اقتصاره على كلام الحافظ المنقول من "التقريب" في سعيد بن أبي هلال بقوله فيه: إنه صدوق. وعدم تعرضه لأقوال أهل الجرح والتعديل فيه، من صيغ التوثيق المختلفة، وردهم على من جرحه بدون بينة، كالحافظ نفسه في مقدمة "الفتح" وغيره كما مر. وكل هذا فيه إيهام القارئ أن حديث سعيد لا يرتقي إلى درجة الاعتبار، وهو من هو.
*اعتماده على جهالة خزيمة إيهام آخر لعلة الانقطاع في سند الحديث دون الإشارة إلى اللطائف الحديثية المذكورة آنفا، من رواية الشيوخ للحديث علوا ونزولا، بواسطة وبدونها أخرى.
*قوله في حديثي سعد وصفية:"يشهد كل واحد منهما للآخر..." إيهام ثالث أن كليهمالم يبلغا درجة الصحة، مع أنه لم يذكر فيهما قادحا صريحا ولا علة ظاهرة، سوى ما كان من جهالة خزيمة، وقد ذكرت لك حالها والجواب عنها.
*قوله "إذ ليس في إسناد أحدهما من قدح فيه من جهة عدالته..." لون رابع من إيهام القارئ أن هناك علة قادحة في الحديث ولم توجد. ولو وجد الشيخ بكر إليها سبيلا لأطال النفس في إيضاحها كعادته في " الردود " ...
الحديث الثاني : حديث صفية
سنده ومتنه
عن صفية قالت، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: "يا بنت حيي، ما هذا ؟" قلت: "أسبح بهن. قال: "قد سبحت منذ قمت على رأسك بأكثر من هذا." قلت: علمني يا رسول الله. قال: "قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء".
- أخرجه الترمذي في " السنن" ، وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف. وفي الباب عن ابن عباس. ورواه الحاكم وصححه . ووافقه الذهبي ورواه أبو يعلى في"مسنده" ، وابن عدي في "الكامل" .
- ورواه من وجه آخر الطبراني في "الدعاء" و"الأوسط" عن روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا حُديج بن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية، عن صفية بنت حيي رضي الله عنها به مثله.
- ورواه الطبراني من وجه ثالث في"الدعاء" وفي " الأوسط" . فقال: حدثنا محمد ابن عثمان ابن أبي شيبة، ثنا أبي، قال: "وجدت في كتاب أبي بخطه، ثنا مستلم ابن سعيد، عن منصور ابن زاذان، عن يزيد بن متعب مولى صفية بنت حيي، به.
قول الألباني في تعليله
قال في "الضعيفة": ضعفه الترمذي، وأما الحاكم فقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهذا منه عجيب. فإن هاشم بن سعيد هذا أورده هو في "الميزان" وقال: قال ابن معين ليس بشيء. وقال ابن عدي: مقدار ما يرويه لا يتابع عليه. ولذا قال الحافظ في "التقريب": ضعيف. وكنانة هذا مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان.اهـ كلام الشيخ ناصر.
قول الشيخ بكر في تعليله
قال في جزء "السبحة" : وفي هذا الحديث هاشم بن سعيد الكوفي، قال الحافظ في "التقريب" :ضعيف. وفيه شيخه كنانة مولى صفية، قال الحافظ في "التقريب": مقبول، ضعفه الأزدي بلا حجة.
أضف إلى هذا ما قاله في الخلاصة ( انظر ذلك في الصحيفة الأولى ).
مناقشة كلام الألباني
ذكر في تضعيف هاشم بن سعيد قول الإمام أحمد: لا أعرفه، وقول ابن معين، ليس بشيء، وتضعيف أبي حاتم له. وكذا ساق كلام ابن عدي أنه لا يتابع على مروياته. وكل ذلك مدفوع بإذن الله، كما يأتي:
أولا : أما قول الإمام أحمد: لا أعرفه، فلا يضر لكون غيره قد عرفه.
ثانيا: وأما قول ابن عدي، أنه لا يتابع فلا يقدح أيضا في هذا السند، لكونه قد توبع فيه. روى الطبراني في "الدعاء" و"الأوسط" عن روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا حديج بن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية، به مثله.
ثالثا :ما بقي من توثيق ابن حبان وتضعيف أبي حاتم، فالراوي يكون في هذه الحالة لينا أوفيه ضعف قريب. ولذلك قال فيه الذهبي في "الكاشف" : ضُعِّف.وعليه فتحسين الحافظ له كما في "أمالي الأذكار"وجيه.
رابعا: أما قول ابن معين في هاشم هذا: ليس بشيء، فالجواب عنه أن ابن معين يقصد بهذا في الغالب من كان قليل الحديث. قال الحافظ في مقدمة "الفتح"، في ترجمة عبد العزيز ابن المختار البصري : ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله "ليس بشيء" يعني أحاديثه قليلة."اهـ وكذا قال السخاوي في"فتح المغيث".
خامسا : تعليل الألباني الحديث بجهالة كنانة وكونه لم يوثقه غير ابن حبان، فيه أمور :
* أولها : عدم اعتماده توثيق ابن حبان في كنانة المذكور في هذا الحديث، مخالف لمنهجه في قبول توثيق من هو ككنانة، بل من هو أضعف حالا منه. قال في"مختصر العلو" عن سند فيه صالح بن الضريس: وهذا سند لا بأس به، فإن صالحا هذا أورده ابن أبي حاتم وقال: روى عنه محمد بن أيوب ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد روى عنه الذهلي. اهـ
وقال في"الإرواء" : الحسن بن محمد العبدي، أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" فقال: روى عن أبي زيد الأنصاري، روى عنه علي بن المبارك. قلت : فقد روى عنه إسماعيل ابن مسلم أيضا ...وبذلك ارتفعت جهالة عينه . وقد ذكره ابن حبان في "الثقات". وكذا حسَّن الألباني حديث من هو في حال كنانة، قال في "الإرواء" : طلحة بن عبد الله لم يوثقه غير ابن حبان، لكن روى له جماعة، فهو حسن الحديث إن شاء الله. وفي "التقريب": مقبول. اهـ
* ثانيها : ارتفعت جهالة كنانة برواية ستة رجال عنه، وهم كما ذكر ابن أبي حاتم في"الجرح والتعديل" : زهير وحديج ابنا معاوية، ومحمد بن طلحة، وهاشم بن سعيد الكوفي، وسعد بن بشر الجوهني، ويزيد المغلس الباهلي. قال الذهبي في "الكاشف" : وعنه زهير بن معاوية ومحمد بن طلحة، وجماعة، وثق. اهـ
* ثالثها: اعتماد الألباني على تضعيف الأزدي لكنانة غير مقبول. يدل عليه قول الحافظ في مقدمة "الفتح" : لا عبرة بقول الأزدي، لأنه هوضعيف.اهـ ولذا قال في "التقريب" عند ترجمة كنانة: مقبول ضعفه الأزدي بغير حجة. اهــ
*رابعها: على فرض كون كنانة مجهول الحال كما ذكر الألباني، وقد تبين لك خطأ ذلك، فإنه لم ينفرد بالحديث عن صفية ... قال الطبراني في "الأوسط" و"الدعاء": حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبي، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا مستلم بن سعيد، عن منصور بن زاذان، عن يزيد، مولى صفية بنت حيي، بالحديث ..
محمد بن عثمان شيخ الطبراني ثقة، وكذا أبوه عثمان وجده شيبة، ومنصور بن زاذان ثقة هو أيضا، ومستلم بن سعيد صدوق. فلم يبق في السند إلا يزيد وهو مجهول، لكن جهالته لا تضر، فإن المجهولين من الرواة، إن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ،كما في علوم المصطلح.
فعلى هذا يكون حديث صفية من نوع خفيف الضعف أو الحسن، إن تغاضينا عن المتابعة المذكورة، ولكن بها يصير الحديث صحيحا لغيره، على قاعد جمهور المحدثين والأصوليين والفقهاء، فلا عبرة بتضعيف من ضعفه، والله أعلم.
تأويل الشيخ بكر لحديث صفية
قال في جزء "السبحة" : "إن حديث صفية رضي الله عنها، فيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها لما رآها تعد التسبيح بالنوى: "ما هذا؟"، وهذا استنكار لفعلها، كأنه على غير المعهود في التشريع، فهو إنكار له. ولذا دلها صلى الله عليه وآله وسلم على التسبيح المشروع، كدلالته صلى الله عليه وآله وسلم للمستغفرين على سيد الاستغفار. فلا دلالة فيه لمستدل على جواز التسبيح بالحصى، أوالنوى".
تأويل الشيخ بكر لحديث سعد
قال في الجزء المذكور : "وإن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيه لما رأى صلى الله عليه وآله وسلم المرأة تسبح بنواة أو حصاة، قال:" ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل..."، وهذا أسلوب عربي معروف تأتي فيه صيغة أفعل على غير بابها، كما في قوله تعالى عن نعيم أهل الجنة: أصحب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا . فإنها من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منهن شيء، لأنه لا خير في مقيل أهل النار ومستقرهم، كقوله: آلله خير أما تشركون .
وبهذا التقرير لمعنى هذين الحديثين –على فرض صحتهما- يظهر بجلاء عدم صحة استدلال من استدل بهما على جواز التسبيح بالحصى أو النوى. والله أعلم".اهـ كلام الشيخ بكر.
مناقشة كلام الشيخ بكر المؤول لحديث صفية
وهذا الكلام عليه مؤاخذات:
ادعاؤه أن سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصفية بقوله: "ما هذا؟" استنكار لفعلها، مجرد عن الدليل، وما كان كذلك بطل لا بد.
أنه عليه الصلاة والسلام لما سألها: "ما هذا؟" لإجابته بصنيعها، علمها ما فيه أجر أكثر وأهم، دون أن يصرح أو يشير إلى كراهة ما صنعت. فقد قال لها صلى الله عليه وآله وسلم: "سبحت منذ قمت أكثر من هذا." ومعلوم عند العقلاء أن التفضيل ب"أكثر" هو للعد. ومعنى الكلام أن عدد الأجر والثواب في ذكر ما علمها أكبر مما عملته هي، وهذا لا يحتاج إلى زيادة برهان.
أما زعمه أن أفعل التفضيل تستعمل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء مستدلا بقوله تعالى أصحب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا فهو تحميل للكلام ما ليس مشهورا عند أهل الفصاحة من جهة ومخالفة لما فهمه المفسرون من هذه الآية المضروب بها المثال.
فقد قال الألوسي في "روح المعاني" : "والتفضيل المعتبر فيهما المسرة، إما لإرادة الزيادة على الإطلاق، أي هم في أقصى ما يكون من خيرية المستقر وحسن المقيل، وإما بالإضافة إلى ما للكفرة المتنعمين في الدنيا، أو إلى ما لهم في الآخرة بطريق التهكم بهم".اهـ
فلا يوجد في الاحتمالات الثلاثة شيء يشير إلى ما فهمه الشيخ بكر عن هذه الآية.
أن عادته صلى الله عليه وآله وسلم إذا استفهم عن شيء يستنكره صرح بالنهي عنه دون تأخر، لأن التأخر عن البيان وقت الحاجة ممنوع.
ومثاله ما روى البخاري في أبواب التهجد من "الصحيح" ، عن أنس بن مالك قال: دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما هذا؟" قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا، حلوه، ليُصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد."، فأنت ترى التصريح هنا بالنهي عن فعل زينب، ولا تجده في حديث صفية، والفرق أنه هناك لم يستنكر صنيعها، والله أعلم.
وأخرج البخاري أيضا في كتاب الصوم من صحيحه ح 1844، عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال: "ما هذا؟" فقالوا: صائم. فقال: "ليس من البر الصيام في سفر."
والأدلة على أن الاستفهام الاستنكاري في النصوص الشرعية لا بد أن يقترن به دليل كثيرة، والله أعلم.
إن ما ذهب إليه بكر أبو زيد في كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر على صفية تسبيحها بالنوى مخالف لما عليه جمهور أهل العلم وما فهمه علماء الأمة، ودونك بعض أقوالهم:
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" ، بعد أن ذكر أحاديث الباب: والحديثان الأخيران –أي حديث سعد وحديث صفية- يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا السبحة لعدم الفارق، لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم للمرأتين وعدم إنكاره. والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، قد وردت بذلك آثار...
ولما ذكر بعضها ساق كلام السيوطي من "المنحة" وهذا نصه: "ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها، ولا يرون ذلك مكروها".اهـ كلام السيوطي والمقصود من كلام الشوكاني.
وقال ابن القيم رحمه الله في "الوابل الصيب" : "الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة"...ثم ساق أحاديث عقد التسبيح باليد. والشاهد فيه أنه فهم أفضلية العد باليد على السبحة، التي لم يذكرها إلا لجوازها. ومعلوم أن الأفضلية تكون بين الجواز والندب، لا بين الجواز والكراهة أو التحريم، كما فهم بكر أبو زبد، مخالفا بذلك فهم جمهور الأمة.
وهو ما فهمه أبو داود من قبل لما أخرج حديث سعد فقال: باب التسبيح بالنوى –أي جوازه-.
قال العظيم آبادي : "وهذا أصل صحيح –أي حديث سعد- لتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه في معناها، إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يُعَدُّ به.، ولا يعتد بقول من عدها بدعة".اهـ
وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" : "ويدل على جواز التسبيح بالنوى والحصى حديث سعد-فساقه-...وحديث صفية-فذكره-".اهـ
وكذا قال علي القاري من الأحناف، كما في "التحفة" .
بل قد وجدت لهم في السبحة أحكاما فقهية، قال الصنعاني في "سبل السلام" : "وأما خياطة الثوب ولبسه وجعل خيط السبحة من الحرير وليقة الدواة وكيس المصاحف وغشاية الكتب فلا ينبغي القول بعدم جوازه لعدم شموله النهي له"...
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" : "وعد التسبيح بالأصابع سنة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: "سبحن واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات" ، وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة من يفعل ذلك. وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك. وروي أن أبا هريرة كان يسبح به.وأما التسبيح بما يجعل في نظام كالخرز ونحوه، فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه. أما اتخاذه من غير حاجة أو إظهاره للناس مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك، فهذا إما رياء الناس أو مظنة المراآة أو مشابهة المرائين من غير حاجة.الأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة فإن مراآة الناس في العبادات المختصة كالصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن من أعظم الذنوب"اهـ
فقارن بارك الله فيك بين استنباط الشيخ بكر وكلام هؤلاء الأعلام المحققين.
5- أن الترمذي قال في "العلل الصغير" المطبوع بآخر "السنن": "جميع ما في هذا الكتاب فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم..."
أما ما قاله الشيخ بكر في تأويل حديث سعد فهو ضعيف من حيث استعمال القواعد اللغوية في غير محلها، واستنباط الأحكام الشرعية بناء على تلك القواعد الباطلة، ودونك الدليل:
أما قوله: هذا أسلوب عربي...الخ، فنقول: أهو استثناء أم قاعدة؟ فإن قال قاعدة، فقد أتى بالبدعة التي ما فتئ يذم فاعليها. وإن قال استثناء، قلنا إن الاستثناء عدول عن الحقيقة إلى المجاز في مثل هذه التعابير...والمجاز هو إطلاق اللفظ في غير ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة اللفظ الحقيقي. وأنت ترى أن هذا الكلام الذي خرج من الفم الشريف لا وجود فيه لقرينة تدل على التجوز في التعبير. بل القرائن فيه دالة دلالة الشمس في واضحة النهار أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قصد بالأفضلية معناها الحقيقي لا المجازي، كما ذهب إليه جمهور أهل العلم.
يلزم من فهم الشيخ بكر أبو زيد لهذا الحديث أن يتجرأ من شاء على كلام الله ورسوله فيجعل أفعل التفضيل لذلك الاستعمال العربي الذي ادعاه. ومثال ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" والبخاري معلقا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أفضل الكلام أربع، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر." فيأتي من يأخذ بقاعدة الشيخ فيجعل لا حول ولا قوة إلا بالله لا دخل لها في المفضول، وكذا حسبي الله وأستغفر الله وهلم جرا...والله المستعان.
مناقشة كلام الشيخ بكر في اعتماده بعض الآثار ورد بعضها
أورد الشيخ بكر الآثار الواردة في التسبيح بالنوى والحصى ونحوهما، فذكر ستة منها في الإنكار وستة في الإقرار، وخلص إلى أن "ما ورد من إنكار بعض الصحابة فيه انقطاع، إلا ما كان من أثر ابن مسعود وجل أسانيده كالشمس صحة وصراحة في النهي والإنكار في وقائع متعددة.كما خلص إلى أن الوارد من آثار المقرين له لا تخلومن مقال."اهـ
وها أنا ذا أذكر لك ما يتعلق بأثر ابن مسعود الذي قال أنه كالشمس صراحة وصحة. أما الوارد عن عمر وعائشة فقد كفانا هو نفسه عناء البحث فيهما، واعترف بضعف إسنادهما فلا معوَّل عليهما، مع أنهما غير صريحين في إنكار العد بالنوى على تسليم صحتهما.
ذكر عن ابن مسعود ستة روايات:
*الأولى في "المصنف" لابن أبي شيبة، عن إبراهيم: كان عبد الله يكره العد، ويقول: أيمن على الله حسناته؟ ثم قال: بسند صحيح.
*الثانية في "البدع" لابن وضاح. وذكر أن السند فيه انقطاع، لعدم ثبوت سماع الصلت من ابن مسعود.
*الثالثة فيه أيضا ، وهو منقطع بشهادته كذلك لكون يسار أبي الحكم لم يسمع من ابن مسعود.
*الرابعة فيه أيضا ، وسنده تالف كما ذكر، للكذب الذي اتهم به ابن سمعان أحد رجال إسناده.
*الخامسة عنده أيضا، وقال: ورجاله كلهم من رجال "التقريب" وهم ثقات. عمرو وأبو يحيى من رجال الكتب الستة، وجده عمارة من رجال النسائي في "عمل اليوم والليلة"وهو ثقة، وأما الحكم بن المبارك فهو الباهلي، فقال في "التقريب": صدوق ربما وهم. ورمز بكون البخاري روى له في "الأدب المفرد"، ومن رواة الترمذي؟، وقد توبع في الرواية بعده.ثم ذكرها، معزوة إلى "تاريخ واسط"، وهي السادسة.اهـ
قلتُ: *أما أثر ابن مسعود أنه كان يكره العد فهو صحيح الإسناد كما قال، ولكن لا دلالة فيه على منع استعمال الحصى والنوى في عد الذكر، يتبين ذلك من وجهين:
الأول: أن هذا كان رأي ابن مسعود. ومذهب الصحابي ليس بحجة كما تقرر في الأصول، خصوصا إذا عارضه غيره من الصحابة، فعلا أوقولا-كما سيأتي-، فضلا عن أن يكون معارِضا للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسألتنا هذه.
الثاني: أن ابن مسعود لم ينكر استعمال النوى في الذكر، ولكنه أنكر المن على الله بالذكر عن طريق العد والحساب، كما صرح به هو نفسه رضي الله عنه.
والأثران بعده ضعيفان كما أقر الشيخ بكر، لعدم سماع الصلت ولا سيار أبي الحكم من ابن مسعود.
أما قوله في الأثر بعدهما: وسنده تالف لأن ابن سمعان وهو عبد الله بن زياد المخزومي رمي بالكذب. فمجانب للصواب ومخالف لاصطلاح أهل الصناعة.فالأثر موضوع جزما، وابن سمعان المذكور لا يقال فيه رمي بالكذب. ولكن يقال فيه كما قال مالك وابن إسحاق ويحيى: كان كذابا.
فإن علماء الجرح والتعديل جعلوا قولهم في الرجل: متهم بالكذب أورمي به أقل درجة في الجرح من قولهم فيه كذاب. انظر كتب الجرح والتعديل ك "الرفع والتكميل" لعبد الحي اللكنوي.
أما ما هلل به الشيخ من جعله كالشمس صحة وصراحة، فهو أثر ابن مسعود أيضا، الذي أخرجه الدارمي في "السنن" ، فلا صحة كالشمس ثمة لعلة الحكم بن المبارك، لأن فيه مقالا. فمع توثيق ابن منده وابن حبان وغيرهما، إلا أن ابن عدي عده فيمن يسرق الحديث .
ولهذا أعرض البخاري عن الرواية له في "الصحيح"، ولكن أخرج له في "الأدب المفرد"، ولم يخرج له تلميذه مسلم أي حديث، وتلميذه الترمذي إلا حديثا واحدا، ووَّهمه ابن حجر ولم يذكر فيه توثيقا عاليا، فقال: صدوق .
وهي العبارة نفسها التي اقتصر عليها الشيخ أبو زيد في بيان حال ابن أبي هلال، موهما تضعيفه بها، وبالله التوفيق.
آثار المقرين
ذكر الشيخ ستة آثار عمن أقر استعمال النوى والحصى في العد، وأعلها بما ليس علة، وهذا بيانها:
أما أثر أبي الدرداء، فرواه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" ، من طريق القاسم بن عبد الرحمن، قال: كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة، حسبت عشرا أو نحوها في الكيس، وكان إذا صلى الغداة أقعى على فراشه فأخذ الكيس فأخرجه واحدة واحدة، يسبح بهن، فإذا نفذن أعادهن واحدة واحدة، كل ذلك يسبح بهن.اهـ
قال بكر: "ولم أر من صرح بسماع القاسم بن عبد الرحمن الشامي-مولى جويرية- بنت أبي سفيان، من أبي الدرداء الصحابي. لأنه إن لم يسمع منه فه أثر منقطع".اهـ
قلت: بل الغالب أنه سمع منه، لكونه ثبت أن روى عن علي وابن مسعود، كما نقل ذلك الحافظ في "التهذيب" ، فسماعه من أبي الدرداء الذي دخل الشام أولى. زد على هذا ما ذكره ابن سعد في "الطبقات" بقوله: وله حديث كثير، وفي بعض حديث الشاميين أنه أدرك أربعين بدريا.اهـ وأيضا ما قاله ابن الجوزجاني أنه أدرك أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار . وقال محمد بن شعيب ابن شابور، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم: وكان قد أدرك أربعين من المهاجرين. وقال معاوية بن صالح، عن كثير بن الحارث، أن القاسم لقي أربعين بدريا. وفي "التهذيب" زيادة بيان ما رجحناه من سماع القاسم بن عبد الرحمن، من أبي الدرداء.
أما أثر علي فرواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ، عن حميد بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن حسن بن موسى القاري، عن طلحة بن عبد الله، عن زاذان، قال: أخذت من أم يعفور تسابيح لها، فلما أتيت عليا علمني فقال: يا أبا عمر، اردد على أم يعفور تسابيح.
وهذا الأثر ذكره بكر أبو زيد ولم يعلق عليه بشيء، فكأنه لم يقف له على علة. وعلته جهالة طلحة بن عيد الله. قال الذهبي في "الميزان" ، بعد ذكر طلحة بن سمرة وطلحة بن صالح، قال: وطلحة عن زاذان، ويقال طلحة بن عبيد الله، هؤلاء مجهولون.اهـ وكذا قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" . ولهذه العلة أعرض شيخنا محمود سعيد ممدوح عن الاحتجاج به في جزء "وصول التهاني".
وأثر أبي هريرة ورد عنه من طريق شيخ من طفاوة، قال: تثويت أبا هريرة بالمدينة –أي جئته ضيفا-، فلم أر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد تشميرا ولا أقوم على ضيف منه. بينا أنا عنده يوما وهو على سرير له، معه كيس كبير فيه حصى أو نوى، وأسفل منه جارية سوداء، وهويسبح بها حتى أنفذ ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه. رواه أبو داود في "السنن" ، وأعله أبو زيد بجهالة الشيخ من طفاوة، ولكنها علة مندفعة، من وجوه:
الأول: أن الحديث سكت عنه أبو داود ولم يعقبه بكلام في التضعيف. فهو عنده صالح كما هو معلوم.
الثاني: أن الترمذي أخرج بعضه في كتاب الاستئذان فحسنه، قائلا: حسن لأن الطفاوي تابعي ولم يأت في المتن بشيء منكر والراوي عنه ثقة.اهـ واستشهد به النسائي المتشدد في الرجال. وتذكر كلمة الذهبي في قبول المجهولين من التابعين الكبار إذا خلت أحاديثهم من نكارة المتون، وقد تقدم هذا.
الثالث: أن أثر تسبيح أبي هريرة بالنوى له شاهدان يقوياه، أحدهما عند أبي نعيم في "الحلية" أنه كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم اثني عشر ألف مرة، وسنده صحيح. والثاني عنده أيضا أن أبا هريرة كان له خيط فيه ألف عقدة، فلا ينام حتى يسبح به. وهو ضعيف لجهالة راو فيه. والله أعلم.
أما أثر سعد بن أبي وقاص، فرواه ابن سعد في "الطبقات" عن حكيم بن الديلمي أن سعدا كان يسبح بالحصى. قال الشيخ بكر: رواه ابن سعد في "الطبقات" وأحمد في "الزهد" وفيه انقطاع، فإن حكيم بن الديلمي لم يرو عن سعد بن أبي وقاص، ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" بسنده عن حكيم بن الديلمي عن مولاة لسعد به، ومولاة سعد هذه مجهولة.
قلت: هاتان علتان مقبولتان، لكن ما دام المتن غير منكر ولا يوجد في السند من اتهم بالكذب وغيره، لا حرج أن يشهد أحدهما للآخر كما عند زمرة من المحدثين.
أما اثر صفية فعزاه إلى أحمد في "الزهد" ولم يذكر له علة، وهو كذلك، فالسند صحيح، وهو هذا: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس بن عبيد، عن أمه، قالت: رأيت أبا صفية –رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم-وكان جارنا، قالت: فكان يسبح بالحصى.فرواة هذا الأثر كلهم ثقات محتج بهم.
الخاتمة
اعلم وفقني الله وإياك أن هذه المناقشة كلها على سبيل مراضاة المخالفين لا غير، وإلا فإن عد الذكر بالنوى والحصى والسبحة المعروفة والسبحة الحسابية وغيرها جائز شرعا، بل مستحب. وذلك لغياب دليل المنع والتحريم، ما دامت السبحة وسيلة لغاية محمودة، وهي ضبط الذكر بالعد والحساب، وقرر جمهور الأصوليين أن الأصل في الأشياء عند الشارع الإباحة حتى يرد الدليل على غيره.
وعليه فإن ما ألزمنا به الشيخ بكر لتحريم استعمال السبحة وبيعها واقتنائها وكونها تشبها بالكفار…الخ ما قال منقوض مردود بهذا الدليل العام، كيف وقد تبين لك بطلانه بالأدلة المفصلة في هذه الرسالة.والله أعلم.وكان الفراغ من تبييضها عشية يوم الاثنين 16 ذي القعدة لسنة 1425 هـ/28 ديسمبر 2004 م، على يد أفقر الورى إلى الله عدنان بن عبد الله زُهار، والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.
رسالة
التصريح والتصحيح
للآثار الواردة في عد التسبيح
بالحصى والنوى والتسابيح
تأليف
عدنان بن عبد الله زُهار
كان الله له
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما سيدنا المصطفى
أما بعد،
فقد طلب مني بعض الأحبة جمع أهم ما قاله أهل العلم في مسألة السبحة والأحاديث الواردة فيها، فاستجب لطلبه وتتبعت كلام من صنف في استحبابها، ووقفت أيضا على كلام من أنكر استعمالها مضعفا للأحاديث المشيرة إلى جوازها.
فزاد ذلك في نفسي رغبة لتحرير هذه المسألة من الناحية الحديثية والفقهية والأصولية، فوجدتني على غير نية سابقة، واقفا عند كلام الشيخ بكر أبي زيد، في جزء جمعه لبيان الحكم الذي ارتضاه فيها، وهو حرمتها استعمالا وبيعا وشراء، وادعى أن حاملها بيده متشبه بالكفار...إلى غير ما قال، مما تفرد به عن الأولين والآخرين، غير عابئ بأقوال أهل الدراية والفهم من علماء الأمة. فصار بحثي في المسألة كالرد عليه، معتمدا الإنصاف، تاركا التعصب والإجحاف، وسميت هذه الرسالة :
التصريح والتصحيح للآثار الواردة في عد التسبيح بالنوى والحصى والتسابيح
مبتدئا فيها بمناقشة من ضعف أحاديث الإقرار، ومثنيا بمناقشة الشيخ بكر في تضعيفه الدلالات منها.
فقلت وبالله التوفيق:
الحديث الأول: حديث سعد بن أبي وقاص
أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم من طريق عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: "أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل." فقال: "سبحان الله عدد ما خلق في السماء".
قال الألباني : "قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي فأخطأ لأن خزيمة هذا مجهول. قال الذهبي نفسه في "الميزان": خزيمة لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال. وكذا قال الحافظ في "التقريب" إنه لا يعرف.
وسعيد بن أبي هلال مع ثقته، حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، فأنى للحديث الصحة والحسن؟" اهـ كلام الألباني
مناقشة كلام الألباني
وهم الشيخ الألباني رحمه الله في الحكم على حديث سعد بن أبي وقاص المروي في "المستدرك" بعلة جهالة خزيمة المذكور فيه، بين سعيد وعائشة، وتخطئته لكل من الحاكم والذهبي . ذلك أن الحاكم لم يذكر خزيمة أبدا في هذه الطريق ولا في غيرها من صحيحه.
ولم ينتبه الألباني إلى متابعة قاصرة للحديث عند ابن حبان، رغم كونه رآها عند السيوطي في "المنحة" معزوة إليه، قال ابن حبان: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن عائشة بنت سعد، به. وهو سند صحيح لكون عبد الله بن سلم ثقة، وحرملة شيخه وابن وهب إمامان ثقتان، وكذا عمرو بن الحارث. وسيأتي الكلام عن سعيد بن أبي هلال.
وصرح البزار في"مسنده" برواية سعيد بن أبي هلال عن عائشة بنت سعد، وروى لها حديثين كذلك منهما حديث التسبيح، وأيضا رواه بهذا السند أبو يعلى في "المسند" .
ثم إن كلام الشيخ الألباني في سعيد بن أبي هلال بكونه اختلط، فأعل به حديث الباب منقوضٌ، إذا علمت أن سعيدا هذا وثقه أبو حاتم، والدارقطني، والعجلي، وابن سعد، وابن خزيمة، وابن حبان وغيرهم، واحتج به الجماعة. وأما ما ذكره الساجي عنه فأجاب عنه الحافظ في مقدمة "الفتح" بقوله: "وشذ الساجي فذكره في الضعفاء". وقال أيضا :"ذكره الساجي بلا حجة، ولم يصح عن أحمد تضعيفه". وقال أيضا في شرح كتاب الرقاق من"الفتح" ردا على ابن حزم :"وسعيد متفق على الاحتجاج به." ولذلك لم يذكره سبط ابن العجمي في "الاغتباط".
وأما تعليل الحديث بسقوط خزيمة في بعض طرقه، فالجواب عنه أن سعيدا رواه مرة بواسطة عن عائشة، ومرة بدونها والواسطة خزيمة. وهو كثير في طرق الأحاديث وأسانيدها . زيادة على أن سعيدا ثقة معروف كما مر، وأدرك عائشة لا بد. وقد كانت لها شهرة يندر من مثل سعيد أن لا يسمع منها. وهي التي قالوا إن مالكا لم يحدث عن امرأة غيرها. ويؤيد ما ذكرناه أن البزار بوب في "مسنده" على هذا الحديث بقوله :"ومما روى سعيد بن أبي هلال عن عائشة، عن أبيها "، فذكره.
كلام بكر أبو زيد الحديثي
وقال الشيخ بكر أبو زيد في جزء "السبحة" : "فمدار أسانيده على سعيد بن أبي هلال، قال الحافظ عنه: "صدوق، لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا، إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط".اهـ وقال الحافظ أيضا في خزيمة: خزيمة عن عائشة بنت سعد لا يعرف، من السابعة، د ت س".اهـ
ثم قال :"وأما حديث صفية وحديث سعد بن أبي وقاص فيشهد كل واحد منهما للآخر، إذ ليس في إسناد أحدهما من قُدح فيه من جهة عدالته؟"
مناقشة كلام بكر أبي زيد
*اقتصاره على كلام الحافظ المنقول من "التقريب" في سعيد بن أبي هلال بقوله فيه: إنه صدوق. وعدم تعرضه لأقوال أهل الجرح والتعديل فيه، من صيغ التوثيق المختلفة، وردهم على من جرحه بدون بينة، كالحافظ نفسه في مقدمة "الفتح" وغيره كما مر. وكل هذا فيه إيهام القارئ أن حديث سعيد لا يرتقي إلى درجة الاعتبار، وهو من هو.
*اعتماده على جهالة خزيمة إيهام آخر لعلة الانقطاع في سند الحديث دون الإشارة إلى اللطائف الحديثية المذكورة آنفا، من رواية الشيوخ للحديث علوا ونزولا، بواسطة وبدونها أخرى.
*قوله في حديثي سعد وصفية:"يشهد كل واحد منهما للآخر..." إيهام ثالث أن كليهمالم يبلغا درجة الصحة، مع أنه لم يذكر فيهما قادحا صريحا ولا علة ظاهرة، سوى ما كان من جهالة خزيمة، وقد ذكرت لك حالها والجواب عنها.
*قوله "إذ ليس في إسناد أحدهما من قدح فيه من جهة عدالته..." لون رابع من إيهام القارئ أن هناك علة قادحة في الحديث ولم توجد. ولو وجد الشيخ بكر إليها سبيلا لأطال النفس في إيضاحها كعادته في " الردود " ...
الحديث الثاني : حديث صفية
سنده ومتنه
عن صفية قالت، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: "يا بنت حيي، ما هذا ؟" قلت: "أسبح بهن. قال: "قد سبحت منذ قمت على رأسك بأكثر من هذا." قلت: علمني يا رسول الله. قال: "قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء".
- أخرجه الترمذي في " السنن" ، وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف. وفي الباب عن ابن عباس. ورواه الحاكم وصححه . ووافقه الذهبي ورواه أبو يعلى في"مسنده" ، وابن عدي في "الكامل" .
- ورواه من وجه آخر الطبراني في "الدعاء" و"الأوسط" عن روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا حُديج بن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية، عن صفية بنت حيي رضي الله عنها به مثله.
- ورواه الطبراني من وجه ثالث في"الدعاء" وفي " الأوسط" . فقال: حدثنا محمد ابن عثمان ابن أبي شيبة، ثنا أبي، قال: "وجدت في كتاب أبي بخطه، ثنا مستلم ابن سعيد، عن منصور ابن زاذان، عن يزيد بن متعب مولى صفية بنت حيي، به.
قول الألباني في تعليله
قال في "الضعيفة": ضعفه الترمذي، وأما الحاكم فقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهذا منه عجيب. فإن هاشم بن سعيد هذا أورده هو في "الميزان" وقال: قال ابن معين ليس بشيء. وقال ابن عدي: مقدار ما يرويه لا يتابع عليه. ولذا قال الحافظ في "التقريب": ضعيف. وكنانة هذا مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان.اهـ كلام الشيخ ناصر.
قول الشيخ بكر في تعليله
قال في جزء "السبحة" : وفي هذا الحديث هاشم بن سعيد الكوفي، قال الحافظ في "التقريب" :ضعيف. وفيه شيخه كنانة مولى صفية، قال الحافظ في "التقريب": مقبول، ضعفه الأزدي بلا حجة.
أضف إلى هذا ما قاله في الخلاصة ( انظر ذلك في الصحيفة الأولى ).
مناقشة كلام الألباني
ذكر في تضعيف هاشم بن سعيد قول الإمام أحمد: لا أعرفه، وقول ابن معين، ليس بشيء، وتضعيف أبي حاتم له. وكذا ساق كلام ابن عدي أنه لا يتابع على مروياته. وكل ذلك مدفوع بإذن الله، كما يأتي:
أولا : أما قول الإمام أحمد: لا أعرفه، فلا يضر لكون غيره قد عرفه.
ثانيا: وأما قول ابن عدي، أنه لا يتابع فلا يقدح أيضا في هذا السند، لكونه قد توبع فيه. روى الطبراني في "الدعاء" و"الأوسط" عن روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا حديج بن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية، به مثله.
ثالثا :ما بقي من توثيق ابن حبان وتضعيف أبي حاتم، فالراوي يكون في هذه الحالة لينا أوفيه ضعف قريب. ولذلك قال فيه الذهبي في "الكاشف" : ضُعِّف.وعليه فتحسين الحافظ له كما في "أمالي الأذكار"وجيه.
رابعا: أما قول ابن معين في هاشم هذا: ليس بشيء، فالجواب عنه أن ابن معين يقصد بهذا في الغالب من كان قليل الحديث. قال الحافظ في مقدمة "الفتح"، في ترجمة عبد العزيز ابن المختار البصري : ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله "ليس بشيء" يعني أحاديثه قليلة."اهـ وكذا قال السخاوي في"فتح المغيث".
خامسا : تعليل الألباني الحديث بجهالة كنانة وكونه لم يوثقه غير ابن حبان، فيه أمور :
* أولها : عدم اعتماده توثيق ابن حبان في كنانة المذكور في هذا الحديث، مخالف لمنهجه في قبول توثيق من هو ككنانة، بل من هو أضعف حالا منه. قال في"مختصر العلو" عن سند فيه صالح بن الضريس: وهذا سند لا بأس به، فإن صالحا هذا أورده ابن أبي حاتم وقال: روى عنه محمد بن أيوب ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد روى عنه الذهلي. اهـ
وقال في"الإرواء" : الحسن بن محمد العبدي، أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" فقال: روى عن أبي زيد الأنصاري، روى عنه علي بن المبارك. قلت : فقد روى عنه إسماعيل ابن مسلم أيضا ...وبذلك ارتفعت جهالة عينه . وقد ذكره ابن حبان في "الثقات". وكذا حسَّن الألباني حديث من هو في حال كنانة، قال في "الإرواء" : طلحة بن عبد الله لم يوثقه غير ابن حبان، لكن روى له جماعة، فهو حسن الحديث إن شاء الله. وفي "التقريب": مقبول. اهـ
* ثانيها : ارتفعت جهالة كنانة برواية ستة رجال عنه، وهم كما ذكر ابن أبي حاتم في"الجرح والتعديل" : زهير وحديج ابنا معاوية، ومحمد بن طلحة، وهاشم بن سعيد الكوفي، وسعد بن بشر الجوهني، ويزيد المغلس الباهلي. قال الذهبي في "الكاشف" : وعنه زهير بن معاوية ومحمد بن طلحة، وجماعة، وثق. اهـ
* ثالثها: اعتماد الألباني على تضعيف الأزدي لكنانة غير مقبول. يدل عليه قول الحافظ في مقدمة "الفتح" : لا عبرة بقول الأزدي، لأنه هوضعيف.اهـ ولذا قال في "التقريب" عند ترجمة كنانة: مقبول ضعفه الأزدي بغير حجة. اهــ
*رابعها: على فرض كون كنانة مجهول الحال كما ذكر الألباني، وقد تبين لك خطأ ذلك، فإنه لم ينفرد بالحديث عن صفية ... قال الطبراني في "الأوسط" و"الدعاء": حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبي، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا مستلم بن سعيد، عن منصور بن زاذان، عن يزيد، مولى صفية بنت حيي، بالحديث ..
محمد بن عثمان شيخ الطبراني ثقة، وكذا أبوه عثمان وجده شيبة، ومنصور بن زاذان ثقة هو أيضا، ومستلم بن سعيد صدوق. فلم يبق في السند إلا يزيد وهو مجهول، لكن جهالته لا تضر، فإن المجهولين من الرواة، إن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ،كما في علوم المصطلح.
فعلى هذا يكون حديث صفية من نوع خفيف الضعف أو الحسن، إن تغاضينا عن المتابعة المذكورة، ولكن بها يصير الحديث صحيحا لغيره، على قاعد جمهور المحدثين والأصوليين والفقهاء، فلا عبرة بتضعيف من ضعفه، والله أعلم.
تأويل الشيخ بكر لحديث صفية
قال في جزء "السبحة" : "إن حديث صفية رضي الله عنها، فيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها لما رآها تعد التسبيح بالنوى: "ما هذا؟"، وهذا استنكار لفعلها، كأنه على غير المعهود في التشريع، فهو إنكار له. ولذا دلها صلى الله عليه وآله وسلم على التسبيح المشروع، كدلالته صلى الله عليه وآله وسلم للمستغفرين على سيد الاستغفار. فلا دلالة فيه لمستدل على جواز التسبيح بالحصى، أوالنوى".
تأويل الشيخ بكر لحديث سعد
قال في الجزء المذكور : "وإن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيه لما رأى صلى الله عليه وآله وسلم المرأة تسبح بنواة أو حصاة، قال:" ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل..."، وهذا أسلوب عربي معروف تأتي فيه صيغة أفعل على غير بابها، كما في قوله تعالى عن نعيم أهل الجنة: أصحب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا . فإنها من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منهن شيء، لأنه لا خير في مقيل أهل النار ومستقرهم، كقوله: آلله خير أما تشركون .
وبهذا التقرير لمعنى هذين الحديثين –على فرض صحتهما- يظهر بجلاء عدم صحة استدلال من استدل بهما على جواز التسبيح بالحصى أو النوى. والله أعلم".اهـ كلام الشيخ بكر.
مناقشة كلام الشيخ بكر المؤول لحديث صفية
وهذا الكلام عليه مؤاخذات:
ادعاؤه أن سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصفية بقوله: "ما هذا؟" استنكار لفعلها، مجرد عن الدليل، وما كان كذلك بطل لا بد.
أنه عليه الصلاة والسلام لما سألها: "ما هذا؟" لإجابته بصنيعها، علمها ما فيه أجر أكثر وأهم، دون أن يصرح أو يشير إلى كراهة ما صنعت. فقد قال لها صلى الله عليه وآله وسلم: "سبحت منذ قمت أكثر من هذا." ومعلوم عند العقلاء أن التفضيل ب"أكثر" هو للعد. ومعنى الكلام أن عدد الأجر والثواب في ذكر ما علمها أكبر مما عملته هي، وهذا لا يحتاج إلى زيادة برهان.
أما زعمه أن أفعل التفضيل تستعمل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء مستدلا بقوله تعالى أصحب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا فهو تحميل للكلام ما ليس مشهورا عند أهل الفصاحة من جهة ومخالفة لما فهمه المفسرون من هذه الآية المضروب بها المثال.
فقد قال الألوسي في "روح المعاني" : "والتفضيل المعتبر فيهما المسرة، إما لإرادة الزيادة على الإطلاق، أي هم في أقصى ما يكون من خيرية المستقر وحسن المقيل، وإما بالإضافة إلى ما للكفرة المتنعمين في الدنيا، أو إلى ما لهم في الآخرة بطريق التهكم بهم".اهـ
فلا يوجد في الاحتمالات الثلاثة شيء يشير إلى ما فهمه الشيخ بكر عن هذه الآية.
أن عادته صلى الله عليه وآله وسلم إذا استفهم عن شيء يستنكره صرح بالنهي عنه دون تأخر، لأن التأخر عن البيان وقت الحاجة ممنوع.
ومثاله ما روى البخاري في أبواب التهجد من "الصحيح" ، عن أنس بن مالك قال: دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما هذا؟" قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا، حلوه، ليُصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد."، فأنت ترى التصريح هنا بالنهي عن فعل زينب، ولا تجده في حديث صفية، والفرق أنه هناك لم يستنكر صنيعها، والله أعلم.
وأخرج البخاري أيضا في كتاب الصوم من صحيحه ح 1844، عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال: "ما هذا؟" فقالوا: صائم. فقال: "ليس من البر الصيام في سفر."
والأدلة على أن الاستفهام الاستنكاري في النصوص الشرعية لا بد أن يقترن به دليل كثيرة، والله أعلم.
إن ما ذهب إليه بكر أبو زيد في كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر على صفية تسبيحها بالنوى مخالف لما عليه جمهور أهل العلم وما فهمه علماء الأمة، ودونك بعض أقوالهم:
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" ، بعد أن ذكر أحاديث الباب: والحديثان الأخيران –أي حديث سعد وحديث صفية- يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا السبحة لعدم الفارق، لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم للمرأتين وعدم إنكاره. والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، قد وردت بذلك آثار...
ولما ذكر بعضها ساق كلام السيوطي من "المنحة" وهذا نصه: "ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها، ولا يرون ذلك مكروها".اهـ كلام السيوطي والمقصود من كلام الشوكاني.
وقال ابن القيم رحمه الله في "الوابل الصيب" : "الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة"...ثم ساق أحاديث عقد التسبيح باليد. والشاهد فيه أنه فهم أفضلية العد باليد على السبحة، التي لم يذكرها إلا لجوازها. ومعلوم أن الأفضلية تكون بين الجواز والندب، لا بين الجواز والكراهة أو التحريم، كما فهم بكر أبو زبد، مخالفا بذلك فهم جمهور الأمة.
وهو ما فهمه أبو داود من قبل لما أخرج حديث سعد فقال: باب التسبيح بالنوى –أي جوازه-.
قال العظيم آبادي : "وهذا أصل صحيح –أي حديث سعد- لتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه في معناها، إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يُعَدُّ به.، ولا يعتد بقول من عدها بدعة".اهـ
وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" : "ويدل على جواز التسبيح بالنوى والحصى حديث سعد-فساقه-...وحديث صفية-فذكره-".اهـ
وكذا قال علي القاري من الأحناف، كما في "التحفة" .
بل قد وجدت لهم في السبحة أحكاما فقهية، قال الصنعاني في "سبل السلام" : "وأما خياطة الثوب ولبسه وجعل خيط السبحة من الحرير وليقة الدواة وكيس المصاحف وغشاية الكتب فلا ينبغي القول بعدم جوازه لعدم شموله النهي له"...
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" : "وعد التسبيح بالأصابع سنة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: "سبحن واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات" ، وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة من يفعل ذلك. وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك. وروي أن أبا هريرة كان يسبح به.وأما التسبيح بما يجعل في نظام كالخرز ونحوه، فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه. أما اتخاذه من غير حاجة أو إظهاره للناس مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك، فهذا إما رياء الناس أو مظنة المراآة أو مشابهة المرائين من غير حاجة.الأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة فإن مراآة الناس في العبادات المختصة كالصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن من أعظم الذنوب"اهـ
فقارن بارك الله فيك بين استنباط الشيخ بكر وكلام هؤلاء الأعلام المحققين.
5- أن الترمذي قال في "العلل الصغير" المطبوع بآخر "السنن": "جميع ما في هذا الكتاب فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم..."
أما ما قاله الشيخ بكر في تأويل حديث سعد فهو ضعيف من حيث استعمال القواعد اللغوية في غير محلها، واستنباط الأحكام الشرعية بناء على تلك القواعد الباطلة، ودونك الدليل:
أما قوله: هذا أسلوب عربي...الخ، فنقول: أهو استثناء أم قاعدة؟ فإن قال قاعدة، فقد أتى بالبدعة التي ما فتئ يذم فاعليها. وإن قال استثناء، قلنا إن الاستثناء عدول عن الحقيقة إلى المجاز في مثل هذه التعابير...والمجاز هو إطلاق اللفظ في غير ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة اللفظ الحقيقي. وأنت ترى أن هذا الكلام الذي خرج من الفم الشريف لا وجود فيه لقرينة تدل على التجوز في التعبير. بل القرائن فيه دالة دلالة الشمس في واضحة النهار أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قصد بالأفضلية معناها الحقيقي لا المجازي، كما ذهب إليه جمهور أهل العلم.
يلزم من فهم الشيخ بكر أبو زيد لهذا الحديث أن يتجرأ من شاء على كلام الله ورسوله فيجعل أفعل التفضيل لذلك الاستعمال العربي الذي ادعاه. ومثال ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" والبخاري معلقا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أفضل الكلام أربع، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر." فيأتي من يأخذ بقاعدة الشيخ فيجعل لا حول ولا قوة إلا بالله لا دخل لها في المفضول، وكذا حسبي الله وأستغفر الله وهلم جرا...والله المستعان.
مناقشة كلام الشيخ بكر في اعتماده بعض الآثار ورد بعضها
أورد الشيخ بكر الآثار الواردة في التسبيح بالنوى والحصى ونحوهما، فذكر ستة منها في الإنكار وستة في الإقرار، وخلص إلى أن "ما ورد من إنكار بعض الصحابة فيه انقطاع، إلا ما كان من أثر ابن مسعود وجل أسانيده كالشمس صحة وصراحة في النهي والإنكار في وقائع متعددة.كما خلص إلى أن الوارد من آثار المقرين له لا تخلومن مقال."اهـ
وها أنا ذا أذكر لك ما يتعلق بأثر ابن مسعود الذي قال أنه كالشمس صراحة وصحة. أما الوارد عن عمر وعائشة فقد كفانا هو نفسه عناء البحث فيهما، واعترف بضعف إسنادهما فلا معوَّل عليهما، مع أنهما غير صريحين في إنكار العد بالنوى على تسليم صحتهما.
ذكر عن ابن مسعود ستة روايات:
*الأولى في "المصنف" لابن أبي شيبة، عن إبراهيم: كان عبد الله يكره العد، ويقول: أيمن على الله حسناته؟ ثم قال: بسند صحيح.
*الثانية في "البدع" لابن وضاح. وذكر أن السند فيه انقطاع، لعدم ثبوت سماع الصلت من ابن مسعود.
*الثالثة فيه أيضا ، وهو منقطع بشهادته كذلك لكون يسار أبي الحكم لم يسمع من ابن مسعود.
*الرابعة فيه أيضا ، وسنده تالف كما ذكر، للكذب الذي اتهم به ابن سمعان أحد رجال إسناده.
*الخامسة عنده أيضا، وقال: ورجاله كلهم من رجال "التقريب" وهم ثقات. عمرو وأبو يحيى من رجال الكتب الستة، وجده عمارة من رجال النسائي في "عمل اليوم والليلة"وهو ثقة، وأما الحكم بن المبارك فهو الباهلي، فقال في "التقريب": صدوق ربما وهم. ورمز بكون البخاري روى له في "الأدب المفرد"، ومن رواة الترمذي؟، وقد توبع في الرواية بعده.ثم ذكرها، معزوة إلى "تاريخ واسط"، وهي السادسة.اهـ
قلتُ: *أما أثر ابن مسعود أنه كان يكره العد فهو صحيح الإسناد كما قال، ولكن لا دلالة فيه على منع استعمال الحصى والنوى في عد الذكر، يتبين ذلك من وجهين:
الأول: أن هذا كان رأي ابن مسعود. ومذهب الصحابي ليس بحجة كما تقرر في الأصول، خصوصا إذا عارضه غيره من الصحابة، فعلا أوقولا-كما سيأتي-، فضلا عن أن يكون معارِضا للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسألتنا هذه.
الثاني: أن ابن مسعود لم ينكر استعمال النوى في الذكر، ولكنه أنكر المن على الله بالذكر عن طريق العد والحساب، كما صرح به هو نفسه رضي الله عنه.
والأثران بعده ضعيفان كما أقر الشيخ بكر، لعدم سماع الصلت ولا سيار أبي الحكم من ابن مسعود.
أما قوله في الأثر بعدهما: وسنده تالف لأن ابن سمعان وهو عبد الله بن زياد المخزومي رمي بالكذب. فمجانب للصواب ومخالف لاصطلاح أهل الصناعة.فالأثر موضوع جزما، وابن سمعان المذكور لا يقال فيه رمي بالكذب. ولكن يقال فيه كما قال مالك وابن إسحاق ويحيى: كان كذابا.
فإن علماء الجرح والتعديل جعلوا قولهم في الرجل: متهم بالكذب أورمي به أقل درجة في الجرح من قولهم فيه كذاب. انظر كتب الجرح والتعديل ك "الرفع والتكميل" لعبد الحي اللكنوي.
أما ما هلل به الشيخ من جعله كالشمس صحة وصراحة، فهو أثر ابن مسعود أيضا، الذي أخرجه الدارمي في "السنن" ، فلا صحة كالشمس ثمة لعلة الحكم بن المبارك، لأن فيه مقالا. فمع توثيق ابن منده وابن حبان وغيرهما، إلا أن ابن عدي عده فيمن يسرق الحديث .
ولهذا أعرض البخاري عن الرواية له في "الصحيح"، ولكن أخرج له في "الأدب المفرد"، ولم يخرج له تلميذه مسلم أي حديث، وتلميذه الترمذي إلا حديثا واحدا، ووَّهمه ابن حجر ولم يذكر فيه توثيقا عاليا، فقال: صدوق .
وهي العبارة نفسها التي اقتصر عليها الشيخ أبو زيد في بيان حال ابن أبي هلال، موهما تضعيفه بها، وبالله التوفيق.
آثار المقرين
ذكر الشيخ ستة آثار عمن أقر استعمال النوى والحصى في العد، وأعلها بما ليس علة، وهذا بيانها:
أما أثر أبي الدرداء، فرواه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" ، من طريق القاسم بن عبد الرحمن، قال: كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة، حسبت عشرا أو نحوها في الكيس، وكان إذا صلى الغداة أقعى على فراشه فأخذ الكيس فأخرجه واحدة واحدة، يسبح بهن، فإذا نفذن أعادهن واحدة واحدة، كل ذلك يسبح بهن.اهـ
قال بكر: "ولم أر من صرح بسماع القاسم بن عبد الرحمن الشامي-مولى جويرية- بنت أبي سفيان، من أبي الدرداء الصحابي. لأنه إن لم يسمع منه فه أثر منقطع".اهـ
قلت: بل الغالب أنه سمع منه، لكونه ثبت أن روى عن علي وابن مسعود، كما نقل ذلك الحافظ في "التهذيب" ، فسماعه من أبي الدرداء الذي دخل الشام أولى. زد على هذا ما ذكره ابن سعد في "الطبقات" بقوله: وله حديث كثير، وفي بعض حديث الشاميين أنه أدرك أربعين بدريا.اهـ وأيضا ما قاله ابن الجوزجاني أنه أدرك أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار . وقال محمد بن شعيب ابن شابور، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم: وكان قد أدرك أربعين من المهاجرين. وقال معاوية بن صالح، عن كثير بن الحارث، أن القاسم لقي أربعين بدريا. وفي "التهذيب" زيادة بيان ما رجحناه من سماع القاسم بن عبد الرحمن، من أبي الدرداء.
أما أثر علي فرواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ، عن حميد بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن حسن بن موسى القاري، عن طلحة بن عبد الله، عن زاذان، قال: أخذت من أم يعفور تسابيح لها، فلما أتيت عليا علمني فقال: يا أبا عمر، اردد على أم يعفور تسابيح.
وهذا الأثر ذكره بكر أبو زيد ولم يعلق عليه بشيء، فكأنه لم يقف له على علة. وعلته جهالة طلحة بن عيد الله. قال الذهبي في "الميزان" ، بعد ذكر طلحة بن سمرة وطلحة بن صالح، قال: وطلحة عن زاذان، ويقال طلحة بن عبيد الله، هؤلاء مجهولون.اهـ وكذا قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" . ولهذه العلة أعرض شيخنا محمود سعيد ممدوح عن الاحتجاج به في جزء "وصول التهاني".
وأثر أبي هريرة ورد عنه من طريق شيخ من طفاوة، قال: تثويت أبا هريرة بالمدينة –أي جئته ضيفا-، فلم أر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد تشميرا ولا أقوم على ضيف منه. بينا أنا عنده يوما وهو على سرير له، معه كيس كبير فيه حصى أو نوى، وأسفل منه جارية سوداء، وهويسبح بها حتى أنفذ ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه. رواه أبو داود في "السنن" ، وأعله أبو زيد بجهالة الشيخ من طفاوة، ولكنها علة مندفعة، من وجوه:
الأول: أن الحديث سكت عنه أبو داود ولم يعقبه بكلام في التضعيف. فهو عنده صالح كما هو معلوم.
الثاني: أن الترمذي أخرج بعضه في كتاب الاستئذان فحسنه، قائلا: حسن لأن الطفاوي تابعي ولم يأت في المتن بشيء منكر والراوي عنه ثقة.اهـ واستشهد به النسائي المتشدد في الرجال. وتذكر كلمة الذهبي في قبول المجهولين من التابعين الكبار إذا خلت أحاديثهم من نكارة المتون، وقد تقدم هذا.
الثالث: أن أثر تسبيح أبي هريرة بالنوى له شاهدان يقوياه، أحدهما عند أبي نعيم في "الحلية" أنه كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم اثني عشر ألف مرة، وسنده صحيح. والثاني عنده أيضا أن أبا هريرة كان له خيط فيه ألف عقدة، فلا ينام حتى يسبح به. وهو ضعيف لجهالة راو فيه. والله أعلم.
أما أثر سعد بن أبي وقاص، فرواه ابن سعد في "الطبقات" عن حكيم بن الديلمي أن سعدا كان يسبح بالحصى. قال الشيخ بكر: رواه ابن سعد في "الطبقات" وأحمد في "الزهد" وفيه انقطاع، فإن حكيم بن الديلمي لم يرو عن سعد بن أبي وقاص، ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" بسنده عن حكيم بن الديلمي عن مولاة لسعد به، ومولاة سعد هذه مجهولة.
قلت: هاتان علتان مقبولتان، لكن ما دام المتن غير منكر ولا يوجد في السند من اتهم بالكذب وغيره، لا حرج أن يشهد أحدهما للآخر كما عند زمرة من المحدثين.
أما اثر صفية فعزاه إلى أحمد في "الزهد" ولم يذكر له علة، وهو كذلك، فالسند صحيح، وهو هذا: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس بن عبيد، عن أمه، قالت: رأيت أبا صفية –رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم-وكان جارنا، قالت: فكان يسبح بالحصى.فرواة هذا الأثر كلهم ثقات محتج بهم.
الخاتمة
اعلم وفقني الله وإياك أن هذه المناقشة كلها على سبيل مراضاة المخالفين لا غير، وإلا فإن عد الذكر بالنوى والحصى والسبحة المعروفة والسبحة الحسابية وغيرها جائز شرعا، بل مستحب. وذلك لغياب دليل المنع والتحريم، ما دامت السبحة وسيلة لغاية محمودة، وهي ضبط الذكر بالعد والحساب، وقرر جمهور الأصوليين أن الأصل في الأشياء عند الشارع الإباحة حتى يرد الدليل على غيره.
وعليه فإن ما ألزمنا به الشيخ بكر لتحريم استعمال السبحة وبيعها واقتنائها وكونها تشبها بالكفار…الخ ما قال منقوض مردود بهذا الدليل العام، كيف وقد تبين لك بطلانه بالأدلة المفصلة في هذه الرسالة.والله أعلم.وكان الفراغ من تبييضها عشية يوم الاثنين 16 ذي القعدة لسنة 1425 هـ/28 ديسمبر 2004 م، على يد أفقر الورى إلى الله عدنان بن عبد الله زُهار، والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.