خالد فياض
لا شك في ان الاحداث والتطورات التي تمر بها الدولة اللبنانية في الفترة الاخيرة، والممتدة منذ اجواء ما قبل صدور القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن الدولي في العام الفائت (2004)، أثرت وتؤثر تأثيرا شديدا في الأجواء اللبنانية، حيث جعلت جميع الاطراف تسرع في تعديل مواقفها حتي تتلاءم مع المستجدات الموجودة علي الساحتين الاقليمية والدولية الامر الذي حدا بحزب - بمثل ثقل حزب الله - ان يبدأ في التعاطي مع البيئة الجديدة بما لا يضطره الي الانحناء لها، فتدوسه بأقدامها او الوقوف في وجهها فتقتلعه من جذوره ..
تلك كانت سياسة حزب الله في التعاطي مع المستجدات الداخلية والاقليمية والدولية التي احاطت به ، فما هي هذه المستجدات وكيف تعامل معها حزب الله?
البيئة الداخلية :
حزب الله هو حركة جهادية إسلامية، تعود نشأته لسيرورة مركبة أيديولوجية واجتماعية وسياسية واقتصادية لها سياقها الخاص لبنانيا وعربيا وإسلاميا . وبحكم هذه السيرورة، مر حزب الله بجملة من المحطات الرئيسية المفصلية ، يمكن تحديد خط بياني فاصل لها ، أول منعطف حاسم لها هو عام 1982 ، أي العام الذي تم فيه الاجتياح الاسرائيلي للبنان وصولا إلي مدينة بيروت التي كانت ثاني عاصمة عربية ت حتل في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي بعد القدس ، وهذا المنعطف هو الذي سر ع ببلورة وحضور حزب الله كحركة جهادية منخرطة تماما في عملية صراع معقدة وطويلة ومتشابكة مع اسرائيل. فالاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية في 1967ومن ثم احتلالها لجنوب لبنان ، شكل الإطار الموضوعي لبلورة الهوية الجهادية المسلحة ل- "حزب الله" ضد اسرائيل، كما شكلت الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للشيعة في لبنان، عموما ، الإطار المحلي لبلورة الهوية الأيديولوجية والسياسية، وهكذا، كانت النشأة .أما عن دوره داخل المجتمع والدولة اللبنانية، فلحزب الله برنامج اجتماعي ديناميكي، فبفضل تراكم الاموال من مصادر الزكاة المحلية والدعم المالي المباشر من ايران بالاضافة الي تبرعات الاثرياء اللبنانيين في أمريكا اللاتينية وافريقيا ، يدير حزب الله شبكة من البرامج الاجتماعية والتعليمية والخيرية في مناطق نفوذه في كل لبنان، وتقدم الخدمات للجميع بغض النظر عن الاصول الطائفية، وهي الخدمات التي لا تقارن بالمساعدات الشحيحة التي تقدمها الحكومة اللبنانية او تلك التي تقدمها حركة امل للموالين لها . وقد قامت منظمات المساعدة التابعة لحزب الله ببناء المدارس والمستشفيات في بيروت وبعلبك، ووفرت الرعاية الصحية والتعليم بالمجان للاسر الفقيرة، هذا فضلا عن الخدمات المتعددة التي يقدمها أعضاء حزب الله علي المستوي المحلي بما في ذلك حفر آبار ارتوازية وتوفير مياه الشرب للقري والأحياء، بالاضافة الي اقامة مولدات لتوفير الكهرباء. أما "جهاد البناء" وهي جمعية خيرية .. يمولها حزب الله، فقد اعادت بناء المساكن والمتاجر التي دمرت او اضيرت من جراء القصف الاسرائيلي في جنوب لبنان، هذه الانشطة الخيرية انما تجذب عقول وقلوب سكان جنوب لبنان نحو حزب الله بفضل الهبات المالية والمساعدات واعادة الاعمار ، كل ذلك، إضافة إلي الإرث النضالي الكبير الذي خلفه حزب الله خلال حربه الطويلة مع إسرائيل طوال نحو عشرين عاما، يكفل لحزب الله البقاء والاستمرارية. وهذا بالفعل ما حدث، فقد اسفرت اخر انتخابات نيابية تجري في لبنان عن فوز حزب الله بجميع المقاعد التي تقدم للفوز بها، وعددها اربعة عشر مقعدا (الانتخابات الماضية، التي جرت عام 2000 واثناء الاحتلال السوري فاز الحزب فيها ب- (12 مقعدا فقط) وذلك بعد ان فاز هو وحليفه حركة امل بجميع مقاعد منطقة الجنوب اللبناني وعددها 23 مقعدا ، مما يؤكد علي شعبية الحزب رغم الانسحاب السوري من لبنان وما اشيع عن امكانية تأثير هذا الانسحاب في ثقل الحزب داخل الشارع اللبناني.
البيئة الإقليمية:
أولا- إسرائيل:
شكل انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني في الرابع من مايو 2000م هاجسا أمنيا لدي الحكومة الإسرائيلية التي قررت الانسحاب من جانب واحد بعد بقائها لمدة عقدين من الزمن. جاء هذا الانسحاب بعد حرب استنزاف طويلة، دفع الإسرائيليون ثمنها من جنودهم. وعندما انسحبت إسرائيل من الجنوب اللبناني، قام حزب الله بنشر قواته علي طول الحدود، وأنشأ مواقع عسكرية وأبراج مراقبة، وبدأ العمل بنشاطات أمنية مكثفة علي الجانب الآخر من الحدود، حيث يعتبر الإسرائيليون أن هذه الخطوات قدمت لحزب الله هدية ثمينة من الحكومة اللبنانية، تتمثل في حكم محلي للحزب في الجنوب، من خلال سيطرة الحزب علي الخطوط الأمامية للدولة اللبنانية، وهذا بدوره قدم خدمة جماهيرية لحزب الله داخل المجتمع اللبناني الذي ينظر إلي حزب الله بكل فخر واعتزاز وتقدير.
وهكذا، انسحبت إسرائيل من الجنوب، لكن عودة حزب الله شبه الرسمية كقوة حاكمة علي الحدود تعني تهديدا متواصلا لإسرائيل، خاصة أنه الوريث العسكري لإيران وسوريا في المنطقة، أو هكذا تعتبره اسرائيل. إن التصور السائد لدي إسرائيل عن حزب الله هو أن هذا التنظيم لن يتردد في استخدام قدرته الاستراتيجية وهو ينتظر الفرصة كي يستخدمها، وذلك من دون التأكيد علي أن هذا التصور صحيح أو مبالغ فيه، فقد أصبح حزب الله عنصرا من عناصر القوة التي تمتلك قوة الردع الحقيقية، حيث يشكل في هذه المنطقة (لاعبا) مهما. ولعل الخطر الأكبر الذي تخشاه إسرائيل هو دعمه لرجال المقاومة الفلسطينية ومساهمته في تأجيج نار المقاومة. فطبقا للمسئولين الإسرائيليين، يلعب حزب الله دورا ملموسا في استمرار الانتفاضة الفلسطينية، بتزويد المقاتلين الفلسطينيين بالأموال، والتوجيه والتدريب. ففي أغسطس من عام 2004 . نقلت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية عن احد كبار ضباط الجيش قوله: إن حزب الله وراء 75% من العمليات الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية. كما تقول إسرائيل إن حزب الله مول العديد من الهجمات الانتحارية، بما فيها الهجوم علي ميناء اشدود في مارس2004 الذي كان من المحتمل انه يهدف لقتل مزيد من الناس أكثر من العشرة الذين ماتوا. وفي يوليو عام 2004، صرح مدير الشين بيت، آفي ديتشر، مضيفا إلي قائمة الاتهامات هذه، بأن حزب الله كان وراء معظم عمليات تهريب الأسلحة إلي الضفة الغربية وقطاع غزة، كما حذر أيضا من أن حزب الله يسعي إلي تحويل المجتمع العربي داخل إسرائيل إلي "حصان طروادة".
ولم ينف المسئولون في حزب الله هذه الهواجس الإسرائيلية، ففي مارس 2002، صرح السيد حسن نصر الله أمين عام الحزب بأن الحزب كان يمنح مساعدة مباشرة للفلسطينيين بعد ان قبض علي اثنين من مقاتلي الحزب بواسطة السلطات الأردنية لمحاولتهما تهريب صواريخ كاتيوشا إلي الضفة الغربية، حيث يعتبر حزب الله مساعدة الفلسطينيين واجبا دينيا أخلاقيا وهو ما يجعل اسرائيل في قلق دائم من حزب الله.
ثانيا- إيران :
هناك علاقات وثيقة تاريخيا بين الشيعة في لبنان والشيعة في إيران ، وهي علاقات ترتكز علي نوع من الارتباط الفقهي _ الديني والاجتماعي المتبادل ،فإيران تحتضن ثاني أهم حوزة دينية للشيعة في العالم في مدينة قم بعد حوزة النجف في العراق، من هنا كان طبيعيا أن يترسخ الارتباط الأيديولوجي والفقهي بإيران بعد قيام الثورة وتشييد الدولة الإسلامية ، هذا الارتباط الذي سرعان ما وجد ترجمته المباشرة بالدعم السريع والمباشر الذي قدمته الجمهورية الإسلامية ، عبر حرسها الثوري ، إلي حزب الله الناشئ علي صعيد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي . فقد كان الارتباط الأيديولوجي والديني بين حزب الله وإيران بعد الثورة ، ولموقف إيران المبدئي من اسرائيل ، أثره الكبير في دعم حزب الله بكل أوجه الدعم الضروري المادي والمعنوي والقانوني الذي عجل لاحقا من تحوله إلي أبرز حركات المقاومة لاسرائيل ، بل بات في مرحلة من المراحل، لا سيما بعد عام 1985، الحركة الوحيدة علي هذا الصعيد، وقد ساهم هذا في نجاح حزب الله في تحرير الجنوب اللبناني، وفي تمكين ايران - الداعم الحصري لحزب الله - من تثبيت حضورها علي الساحة الشرق اوسطية وتسويق الانجاز التاريخي لحزب الله بوصفه انتصارا لها ايضا ، فقد وجدت ايران في حزب الله ضالتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية ، وتعزز دور حزب الله في الاولويات الاستراتيجية بسبب التوافق العقائدي للحزب مع الأيديولوجيا الحاكمة. وعلي هذا، فارتباط حزب الله بايران ارتباط عقائدي ومذهبي في المقام الأول وليس تحالفا مرحليا أو اقليميا أو حتي تبادلا لمنافع، مما يعني - عمليا - ثباتا نسبيا في مواقف حزب الله تجاه ايران بمعزل عن تغير التوازنات في المنطقة . وتتصارع - علي الجهة المقابلة - الأولويات الإيرانية بين الملف النووي وحزب الله، إذ إن الضغوط الدولية المتواصلة علي ايران وحزب الله - وبالاخص بسبب الديناميكية المتسارعة للاحداث في لبنان والمنطقة - ستنال علي الاغلب شيئا من الأوراق الإيرانية. وبمعني آخر يتوجب علي صانع القرار الايراني المفاضلة بين التمسك بخياره النووي الذي يتعرض لضغوط عنيفة وبين حليفه الاستراتيجي في لبنان. وتأسيسا علي ذلك، لا يمكن لايران ان تنهي مفاوضاتها القادمة مع الولايات المتحدة، سواء كانت علنية او سرية، وهي محتفظة بالورقتين معا: رادعها النووي وذراعها العسكرية الخارجية المتمثلة في حزب الله. ولما كانت المصالح القومية هي الرافعة الاساسية لتوجيه سياسات ايران الاقليمية والخارجية، فإنه يتوجب الان علي صانعي القرار في طهران تحديد أي الاولويتين يمكن اعتبارها خطا احمر لا يمكن التنازل عنه في المرحلة الحالية: حزب الله أم الرادع النووي، ولكن يبدو جليا أن إيران ستتمسك بورقتها النووية وتضعها في مرتبة تسبق حزب الله .
ثالثا - سوريا:
فقد شكلت في يوم من الأيام إحدي أهم حلقات الدعم المباشر لحزب الله بعد إيران، إلا أن الظروف التي تمر بها سوريا، والمتمثلة في الضغط الامريكي عليها من جهة العراق ومن جهة اسرائيل بالاضافة الي المشاكل الداخلية التي تمر بها حاليا، قد أثرت تأثيرا كبيرا في وضعية سوريا في المنطقة، وجاء مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ليزيد الطين بلة، فقد خرجت اصابع لبنانية تساندها اصابع دولية تشير بالاتهام الي سوريا باعتبارها المسئولة عن عملية الاغتيال ، علي اعتبار ان الحريري كان يخطط للمطالبة بانسحاب سوري كامل من لبنان، بل وبدأ في حشد التأييد الدولي لهذا الأمر ، مما قلب الامور رأسا علي عقب، وبدأ اللبنانيون يخرجون بالملايين في الشوارع مطالبين بالانسحاب السوري الكامل من لبنان. وقد أعطي الضغط الدولي لهذه المطالبات القوة اللازمة للتنفيذ، خاصة ان هذه المطالبات جاءت تالية باشهر عدة لصدور قرار مجلس الامن رقم 1559، الذي يقضي - فيما يقضي - بضرورة سحب كل القوات الاجنبية من لبنان. ولم يشفع للسوريين تأييد حزب الله لهم فقد كان هذا التأييد من جانب الحزب في حدود قوة العاصفة اللبنانية المضادة لسوريا ، بل انها المرة الاولي التي ينظم فيها حزب الله مظاهرة مليونية، وترد عليه المعارضة بمظاهرة اكبر منها معارضة للوجود السوري ، الامر الذي وجد فيه حزب الله نفسه منعزلا مع بعض التيارات السياسية غير المؤثرة في تأييده لسوريا، مما دفع الحزب الي ايجاد بعض نقاط تباين بينه وبين دمشق حول عدد من النقاط والقضايا اللبنانية الداخلية، برزت خلال الانتخابات وتحالفات الحزب فيها، كما برزت في الأداء عند تشكيل الحكومة بالتحالف مع "تيار المستقبل".ولكن ما يثير الدهشة التصريح الذي صدر من جانب رئيس الوزراء السوري ناجي العطري قبل الانسحاب السوري من لبنان، والذي أشار فيه الي ان الاسلحة التي في يد حزب الله لا ينبغي نزعها لانها تمثل ضمانة للامن القومي السوري ، هكذا تحول حزب الله في نظر المسئول السوري الي ضمانة لأمن سوريا وليس لامن لبنان، وكان رئيس الوزراء يريد ان يشجع المؤيدين لنزع سلاح حزب الله علي المضي في طريقهم في محاولة نزعة فهو علي حد قول المسئول السوري ضمانة لامن سوريا وليس لبنان . وهكذا، لم تجد سوريا من حزب الله الموقف المنتظر، ولعل ذلك يفسر رؤية حزب الله للدور السوري باعتباره من الأمور التي من الممكن الاستعاضة عنها بمزيد من البراجماتية السياسية مع اطياف المعارضة السياسية اللبنانية، وهو ما كان في تحالفاته الانتخابية التي قادته وقادة حلفائه الي تحقيق نصر لم يستطع تحقيقه اثناء الوجود السوري في لبنان، واكمل ذلك بالدخول لأول مرة للحكومة اللبنانية من خلال شغله لمنصب وزير الطاقة في حكومة فؤاد السنيورة المشكلة حديثا .
البيئة الدولية :
أولا - الولايات المتحدة :
أدرجت اللائحة الأمريكية الثالثة للأشخاص والمنظمات الإرهابية حزب الله كمنظمة إرهابية، فقد ابتكر كل من الفرع التنفيذي والكونجرس بعض الأسلحة الفعالة للجم تمويل الإرهابيين. ففي 2 نوفمبر 2001، تم توصيف حزب الله بشكل رسمي علي أنه كيان (موصف بأنه إرهابي عالمي علي نحو خاص). وفقا للقانون التنفيذي 13224، يفوض هذا التوصيف حكومة الولايات المتحدة في فرض عقوبات مالية ضد هؤلاء الذين يدعمون أو يساعدون بطرق أخري حزب الله. إضافة إلي المرسوم الوطني الذي أصدره الكونجرس (الجزآن 311 و319)، الذي يفوض وزارة المالية في اتخاذ إجراءات ضد البنية المالية للمنظمات الإرهابية، بتجميد تعاملاتها المالية واستهداف البنوك الداعمة لها، أي ان اي بنك أجنبي يرفض التعاون مع الولايات المتحدة ضد (الموصوفين بأنهم إرهابيون علي نحو خاص) هو عرضة لأن يتم تجميد ممتلكاته الأمريكية ولأن يحرم من الوصول إلي أسواق الولايات المتحدة. إضافة إلي ذلك، فإن أي بنوك داخلية تستمر في علاقتها بانسجام مع بنوك أجنبية مستهدفة قد تكون في حالة انتهاك للقانون الأمريكي، مما شكل تحولا نوعيا وجذريا لم يضف بعدا جديدا للعلاقات العربية - الأمريكية فقط، بل أضاف أيضا موقعا جديدا في طابور محكمات الصدام الأمريكي - الإيراني. وقد سعت الإدارة الأمريكية إلي تحقيق عدة أهداف مبدئية وراء هذا القرار. أولا: استغلال هذا الإدراج كبالونة اختبار لجس نبض باقي فصائل المقاومة الفلسطينية، ومن ثم الشارع العربي إزاء هذه الخطوة. ثانيا: محاولة تضييق الخناق علي حزب الله من خلال تجميد أرصدته بهدف شل حركته كخطوة أولية ربما تؤتي أكلها بتأليب الحكومة اللبنانية علي الحزب. ثالثا: تهديد الحكومة اللبنانية المأزومة اقتصاديا، فالبلد يقع تحت عبء أكثر من أربعين مليار دولار من الديون ومن خدمة دين تزيد علي ضعف ناتجه الاجمالي الداخلي ، وهو من بين الارقام الاعلي في لائحة الدول الأكثر مديونية في العالم ، قد تهدد بحصار اقتصادي يهدف الي إعادة إحياء روح الخلاف التي كانت قد ظهرت في الشارع اللبناني عقب الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في مايو 2000، مستندة إلي الطائفية التي تحكم الأمور حول مشروعية حزب الله وضرورة تفكيكه ضمن حزمة من القضايا. رابعا: تحريض الحكومة اللبنانية علي مطالبة إيران بوقف مساندتها للحزب ومطالبة الحزب بقطع كل صلة تربطه بإيران، فيحدث تدهور في العلاقات الإيرانية - اللبنانية، ربما يؤدي إلي صدام بين الحكومة والحزب.
ومع ذلك، فقد لجأت الحكومة الامريكية الي سياسة الامساك بالعصا من منتصفها في العلاقة مع حزب الله لإدراكها بصعوبة تحقيق مآربها فيه بسهولة، فهو حركة اجتماعية سياسية عسكرية منظمة، كما أن الاصطدام به غير مجد في الفترة الحالية علي الاقل ، لذلك لجأت الولايات المتحدة الي اجراء بعض المشاورات مع بعض المقربين من حزب الله. فرغم تأكيد اكثر من مسئول امريكي علي رفض بلاده لاي حوار مع قادة حزب الله باعتباره منظمة ارهابية، فقد اعلن عن بعض اللقاءات جمعت بين بعض المسئولين الامريكيين والوزير طراد حمادة ذي العلاقة الوثيقة مع حزب الله ، والذي اعلن عقب هذه اللقاءات عن سعيه للتقارب ما بين الولايات المتحدة وحزب الله. ورغم نفي الجانبين الامريكي وحزب الله لأية وساطة بينهما، فان بعض المؤشرات تؤدي الي عكس ذلك ، فعقب هذه اللقاءات، قامت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية بزيارة خاطفة لبيروت، التقت خلالها بالعديد من القادة اللبنانيين، واكدت في تصريحاتها علي ان لبنان هو المسئول عن تنفيذ القرار 1559، الامر الذي فسر بأنه اذعان من جانب الادارة الامريكية لوجهة النظر اللبنانية التي أكدت - علي لسان المحسوبين علي المعارضة والموالاة في آن واحد - علي ضرورة اخضاع ما تبقي من القرار 1559 والمتعلق بنزع سلاح حزب الله للحوار الوطني اللبناني ، مما قد يفسر بأنه اقتناع امريكي بصعوبة التعامل مع الشق الخاص بنزع اسلحة حزب الله بنفس اسلوب الشق الخاص بانسحاب القوات السورية من لبنان. واذا اضفنا الي ذلك الرسالة شديدة الوضوح التي ارسلت للادارة الامريكية من خلال الناخبين اللبنانيين بفوز هو الاكبر في تاريخ حزب الله في الانتخابات النيابية، التي اشاد بها الرئيس بوش في اكثر من مناسبة واعتبرها نموذج "الديمقراطية الناشئة "بالاضافة الي الرغبة الامريكية في عدم فتح ملف جديد من النزاع في المنطقة قبل اغلاق الملف العراقي، فسوف نكون امام رغبة أمريكية في التهدئة مع حزب الله، حتي لا تخرج الامور في المنطقة عن السيطرة الامريكية اكثر من ذلك .
ثانيا- فرنسا:
الأجندة الفرنسية هي أورو-متوسطية، أكثر منها شرق-أوسطية وتعتبر أن الفوضي وصدام الحضارات وما شابه يطاول أوروبا القريبة مباشرة أكثر مما يؤثر في الولايات المتحدة البعيدة.وهي تري أن السلام العادل والشامل شرط للدمقرطة أو ملازم لها، إلا أن السوريين واللبنانيين فوجئوا بتغيرات ملحوظة في الموقف الفرنسي الذي اتخذ صورة الضغط المباشر والقوي علي السوريين من أجل سحب قواتهم من لبنان، هذا الضغط الذي أسفر عن صدور القرار 1559 من مجلس الأمن ، ومتابعة تنفيذه بعد ذلك حتي خروج القوات السورية بالفعل من الأراضي اللبنانية ويرجع هذا التحول في الموقف الفرنسي الي مجموعة من الأسباب، هي :
1- عدم مضي السلطات السورية في مسار الاصلاح، وهو خط دعمته فرنسا منذ مجيء الرئيس بشار الاسد إلي الرئاسة عام 2000، لكن هذا المسار بدا مرتبكا ومترددا، كما لاحظ الفرنسيون الذين قدموا أكثر من خطة للاصلاح، بينها خطة "الاصلاح الاداري".
2- الضغوط التي مارستها جهات لبنانية علي صلة قوية بفرنسا والرئاسة الفرنسية، وهي تتوافق مع النظرة الفرنسية الخاصة إزاء لبنان، اذ تعتبر باريس علاقتها بلبنان علاقة خاصة ومميزة، وقد ركزت الضغوط اللبنانية علي فرنسا علي التدخلات السورية في الشأن اللبناني.
3- مجموعة مواقف من شركاء فرنسا في الاتحاد الاوروبي إزاء سوريا وسياستها، حيث طرحت بريطانيا موضوع اسلحة الدمار السورية علي موضوع الشراكة الاوروبية مع سوريا، واثارت هولندا موضوع حقوق الانسان والمجتمع المدني في سوريا، بينما فتح الموضوع اللبناني بوابة لموقف فرنسي مختلف يجد له تأييدا لدي دول الاتحاد الاوروبي.
4- قيام السوريين بمنح عقد كبير لاستثمار الغاز السوري بقيمة 759 مليون دولار أمريكي إلي تجمع شركات أمريكية - بريطانية كندية برغم مساعي الرئيس الفرنسي شيراك لمنح العقد لشركات فرنسية، وكانت نتائج محادثات نائب الرئيس عبد الحليم خدام مع الرئيس شيراك بباريس في أبريل عام 2005 بمثابة خيبة امل فرنسية في تطور المواقف السورية.
هذه الاسباب تجمعت من اجل ان تدفع الفرنسيين لاتخاذ موقف حازم تجاه الوجود السوري في لبنان ، ولكن هل سيمتد هذا الضغط الي حزب الله وأسلحته? كما أسلفنا القول، فإن الاوروبيين عموما، والفرنسيين خصوصا، أكثر حساسية في التعامل مع قضية الاستقرار في الشرق الاوسط من أقرانهم الامريكان، وبالتالي فان معرفة فرنسية بأوضاع المجتمع اللبناني ودور حزب الله فيه سوف تدفع بالفرنسيين ناحية استثمار علاقتهم التاريخية باللبنانيين من أجل الوصول الي تسوية تضمن نزع سلاح حزب الله دون حدوث أي صدامات تذكر الفرنسيين بأتون الحرب الاهلية اللبنانية، مما يجعل الدور الفرنسي اكثر حنكة وخبرة (بحكم انها الدولة التي كانت تحتل لبنان في السابق) وهدوءا في التعامل مع قضية اسلحة حزب الله، وذلك رغم الالحاح الاسرائيلي عليهم في هذا الاتجاه .
هل يمكن نزع سلاح حزب الله ?
من هذه البيئة المتنوعة الظروف، يبرز التساؤل المحوري : هل يمكن نزع سلاح حزب الله ? ان "نزع سلاح حزب الله" تنفيذا ل-لقرار 1559 أمر صعب التحقق، وقد تجمعت لعدم تحقيقه مجموعة من العوامل الرئيسية، هي:
أولا - ليس في وسع القوي الأمنية اللبنانية، في حال وجد القرار السياسي بذلك، أن تجر د "حزب الله" من سلاحه، ذلك ان الحكومة - مركز القرار السياسي - لا يمكنها بقرار من هذا القبيل أن تجازف في زج الجيش في مواجهة مع المقاومة، يكون من نتائجها تعريض المؤسسة للتفكك وانعدام الفعالية.
ثانيا - إن أيا من القوي الرئيسية في البلاد، وقد باتت القوي السياسية الرئيسية مطابقة لطوائفها، لم توافق علي ما هو أكثر من الحوار اللبناني الداخلي حول المقاومة وسلاحها، أي حول ما يمكن أن يشك ل حاجة ذاتية لبنانية.وفي خلفية هذه المواقف اللبنانية، أمر في غاية الأهمية. فليس في ني ة أحد أن يحو ل لبنان تحت أي عنوان كان، إلي ميدان لمواجهة سنية - شيعية، أو سنية درزية - شيعية أو إسلامية - مسيحية. وما يحصل في العراق ماثل في أذهان القيادات السنية والشيعية في لبنان، وثمة قرار مشترك بألا تصطدم الطائفتان في أي حال من الأحوال، لا سيما ان ما يجري في العراق علي هذا الصعيد خطير جدا، فكيف إذا أضيف إلي كل ذلك "عودة" الأصولية إلي "العمل" علي "المسرح العربي"، مما يقتضي يقظة سنية - شيعية مشتركة.
ثالثا - وإذا كان ما تقد م يشير إلي صعوبة تنفيذ ال-قرار 1559 تحت عنوان "نزع سلاح حزب الله" بأي وسائط لبنانية، فإن الخيارات الأخري من خارج لبنان تمثل صعوبة ايضا، فلا الولايات المتحدة قادرة علي تولي "المهمة" بنفسها، ولا هي قادرة علي تكليف إسرائيل بها، خاصة ان تولي إسرائيل هذا الأمر ي نتج نتائج عكسية. ومع ذلك، فان البراجماتية التي يتمتع بها حزب الله قد تمنعه من شد الحبل حتي نهايته. ففي اكثر من تلميح من جانب مسئول في حزب الله، أكد فيه انهم لا يمانعون في الانضمام الي الجيش اللبناني ونزع اسلحته بشرط تحقيق طلبه وهو اجراء تغييرات لصالحه في قيادة الجيش، لانه لا ينسي اصطدام الشيعة في لبنان مع الجيش عام 1982، ويرغب في تغييرات جذرية في القيادة العسكرية، لان الشيعة يمثلون 68% من عناصر الجيش . ولكن شيئا من ذلك لن يتم الا بعد انسحاب اسرائيلي من مزارع شبعا التي يعتبرها حزب الله لبنانية، رغم اقرار الامم المتحدة باعتبارها سورية، وبعد انسحاب إسرائيلي من جزء من مرتفعات الجولان المحتلة. وأي تراجع من جانب حزب الله في هذه الجزئية قد يعرض صورته للاهتزاز داخل الشارع اللبناني الذي يعتبره هذا الاخير بطل المقاومة اللبنانية في العالم العربي .
مستقبل حزب الله :
حزب الله الآن يشعر وكأن انتصاره قد اكتمل، وان عقده السياسية لا بد من أن تنحل بعد الانتخابات النيابية الأخيرة والالتفاف الجماهيري حوله، لحماية سلاحه ووجوده من القرار 1559 والخروج السوري، فلا بأس إذن من عودة الحزب إلي شيء من التشدد الديني، من اجل أن يتركز في وعي الجميع أن الحزب هو الأول، وان حركة أمل إنما تدين بعدم تراجع حجمها النيابي إلي تأييده لها هذه المرة، وقد تزامن ذلك مع انتصار التيار المحافظ في إيران، وهو الحاضن التاريخي لحزب الله، فوصل إلي سدة الرئاسة الإيرانية شخص يتمتع بالدينامية الميدانية (رئاسة بلدية طهران تجربته الأساسيه)، وهو ذو موقع مميز في الفضاء المحافظ، يمكن أن يكون مساعدا في التشدد السياسي مع الخارج، وداعما للتيار المحافظ في أي تسوية يمر بها مع هذا الخارج وبشروط أفضل. هذا الواقع قد يعني أن حزب الله، وهو في طريقه إلي التشدد الديني الداخلي والتشدد السياسي الداخلي، في صدد التمهيد لمرونة مع الخارج، طموحا إلي التسوية بشروط أفضل، أو استخدام التشدد كعامل تماسك في مواجهة الخارج المتشدد ضد الحزب في السياق التاريخي القريب .
لا شك في ان الاحداث والتطورات التي تمر بها الدولة اللبنانية في الفترة الاخيرة، والممتدة منذ اجواء ما قبل صدور القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن الدولي في العام الفائت (2004)، أثرت وتؤثر تأثيرا شديدا في الأجواء اللبنانية، حيث جعلت جميع الاطراف تسرع في تعديل مواقفها حتي تتلاءم مع المستجدات الموجودة علي الساحتين الاقليمية والدولية الامر الذي حدا بحزب - بمثل ثقل حزب الله - ان يبدأ في التعاطي مع البيئة الجديدة بما لا يضطره الي الانحناء لها، فتدوسه بأقدامها او الوقوف في وجهها فتقتلعه من جذوره ..
تلك كانت سياسة حزب الله في التعاطي مع المستجدات الداخلية والاقليمية والدولية التي احاطت به ، فما هي هذه المستجدات وكيف تعامل معها حزب الله?
البيئة الداخلية :
حزب الله هو حركة جهادية إسلامية، تعود نشأته لسيرورة مركبة أيديولوجية واجتماعية وسياسية واقتصادية لها سياقها الخاص لبنانيا وعربيا وإسلاميا . وبحكم هذه السيرورة، مر حزب الله بجملة من المحطات الرئيسية المفصلية ، يمكن تحديد خط بياني فاصل لها ، أول منعطف حاسم لها هو عام 1982 ، أي العام الذي تم فيه الاجتياح الاسرائيلي للبنان وصولا إلي مدينة بيروت التي كانت ثاني عاصمة عربية ت حتل في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي بعد القدس ، وهذا المنعطف هو الذي سر ع ببلورة وحضور حزب الله كحركة جهادية منخرطة تماما في عملية صراع معقدة وطويلة ومتشابكة مع اسرائيل. فالاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية في 1967ومن ثم احتلالها لجنوب لبنان ، شكل الإطار الموضوعي لبلورة الهوية الجهادية المسلحة ل- "حزب الله" ضد اسرائيل، كما شكلت الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للشيعة في لبنان، عموما ، الإطار المحلي لبلورة الهوية الأيديولوجية والسياسية، وهكذا، كانت النشأة .أما عن دوره داخل المجتمع والدولة اللبنانية، فلحزب الله برنامج اجتماعي ديناميكي، فبفضل تراكم الاموال من مصادر الزكاة المحلية والدعم المالي المباشر من ايران بالاضافة الي تبرعات الاثرياء اللبنانيين في أمريكا اللاتينية وافريقيا ، يدير حزب الله شبكة من البرامج الاجتماعية والتعليمية والخيرية في مناطق نفوذه في كل لبنان، وتقدم الخدمات للجميع بغض النظر عن الاصول الطائفية، وهي الخدمات التي لا تقارن بالمساعدات الشحيحة التي تقدمها الحكومة اللبنانية او تلك التي تقدمها حركة امل للموالين لها . وقد قامت منظمات المساعدة التابعة لحزب الله ببناء المدارس والمستشفيات في بيروت وبعلبك، ووفرت الرعاية الصحية والتعليم بالمجان للاسر الفقيرة، هذا فضلا عن الخدمات المتعددة التي يقدمها أعضاء حزب الله علي المستوي المحلي بما في ذلك حفر آبار ارتوازية وتوفير مياه الشرب للقري والأحياء، بالاضافة الي اقامة مولدات لتوفير الكهرباء. أما "جهاد البناء" وهي جمعية خيرية .. يمولها حزب الله، فقد اعادت بناء المساكن والمتاجر التي دمرت او اضيرت من جراء القصف الاسرائيلي في جنوب لبنان، هذه الانشطة الخيرية انما تجذب عقول وقلوب سكان جنوب لبنان نحو حزب الله بفضل الهبات المالية والمساعدات واعادة الاعمار ، كل ذلك، إضافة إلي الإرث النضالي الكبير الذي خلفه حزب الله خلال حربه الطويلة مع إسرائيل طوال نحو عشرين عاما، يكفل لحزب الله البقاء والاستمرارية. وهذا بالفعل ما حدث، فقد اسفرت اخر انتخابات نيابية تجري في لبنان عن فوز حزب الله بجميع المقاعد التي تقدم للفوز بها، وعددها اربعة عشر مقعدا (الانتخابات الماضية، التي جرت عام 2000 واثناء الاحتلال السوري فاز الحزب فيها ب- (12 مقعدا فقط) وذلك بعد ان فاز هو وحليفه حركة امل بجميع مقاعد منطقة الجنوب اللبناني وعددها 23 مقعدا ، مما يؤكد علي شعبية الحزب رغم الانسحاب السوري من لبنان وما اشيع عن امكانية تأثير هذا الانسحاب في ثقل الحزب داخل الشارع اللبناني.
البيئة الإقليمية:
أولا- إسرائيل:
شكل انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني في الرابع من مايو 2000م هاجسا أمنيا لدي الحكومة الإسرائيلية التي قررت الانسحاب من جانب واحد بعد بقائها لمدة عقدين من الزمن. جاء هذا الانسحاب بعد حرب استنزاف طويلة، دفع الإسرائيليون ثمنها من جنودهم. وعندما انسحبت إسرائيل من الجنوب اللبناني، قام حزب الله بنشر قواته علي طول الحدود، وأنشأ مواقع عسكرية وأبراج مراقبة، وبدأ العمل بنشاطات أمنية مكثفة علي الجانب الآخر من الحدود، حيث يعتبر الإسرائيليون أن هذه الخطوات قدمت لحزب الله هدية ثمينة من الحكومة اللبنانية، تتمثل في حكم محلي للحزب في الجنوب، من خلال سيطرة الحزب علي الخطوط الأمامية للدولة اللبنانية، وهذا بدوره قدم خدمة جماهيرية لحزب الله داخل المجتمع اللبناني الذي ينظر إلي حزب الله بكل فخر واعتزاز وتقدير.
وهكذا، انسحبت إسرائيل من الجنوب، لكن عودة حزب الله شبه الرسمية كقوة حاكمة علي الحدود تعني تهديدا متواصلا لإسرائيل، خاصة أنه الوريث العسكري لإيران وسوريا في المنطقة، أو هكذا تعتبره اسرائيل. إن التصور السائد لدي إسرائيل عن حزب الله هو أن هذا التنظيم لن يتردد في استخدام قدرته الاستراتيجية وهو ينتظر الفرصة كي يستخدمها، وذلك من دون التأكيد علي أن هذا التصور صحيح أو مبالغ فيه، فقد أصبح حزب الله عنصرا من عناصر القوة التي تمتلك قوة الردع الحقيقية، حيث يشكل في هذه المنطقة (لاعبا) مهما. ولعل الخطر الأكبر الذي تخشاه إسرائيل هو دعمه لرجال المقاومة الفلسطينية ومساهمته في تأجيج نار المقاومة. فطبقا للمسئولين الإسرائيليين، يلعب حزب الله دورا ملموسا في استمرار الانتفاضة الفلسطينية، بتزويد المقاتلين الفلسطينيين بالأموال، والتوجيه والتدريب. ففي أغسطس من عام 2004 . نقلت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية عن احد كبار ضباط الجيش قوله: إن حزب الله وراء 75% من العمليات الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية. كما تقول إسرائيل إن حزب الله مول العديد من الهجمات الانتحارية، بما فيها الهجوم علي ميناء اشدود في مارس2004 الذي كان من المحتمل انه يهدف لقتل مزيد من الناس أكثر من العشرة الذين ماتوا. وفي يوليو عام 2004، صرح مدير الشين بيت، آفي ديتشر، مضيفا إلي قائمة الاتهامات هذه، بأن حزب الله كان وراء معظم عمليات تهريب الأسلحة إلي الضفة الغربية وقطاع غزة، كما حذر أيضا من أن حزب الله يسعي إلي تحويل المجتمع العربي داخل إسرائيل إلي "حصان طروادة".
ولم ينف المسئولون في حزب الله هذه الهواجس الإسرائيلية، ففي مارس 2002، صرح السيد حسن نصر الله أمين عام الحزب بأن الحزب كان يمنح مساعدة مباشرة للفلسطينيين بعد ان قبض علي اثنين من مقاتلي الحزب بواسطة السلطات الأردنية لمحاولتهما تهريب صواريخ كاتيوشا إلي الضفة الغربية، حيث يعتبر حزب الله مساعدة الفلسطينيين واجبا دينيا أخلاقيا وهو ما يجعل اسرائيل في قلق دائم من حزب الله.
ثانيا- إيران :
هناك علاقات وثيقة تاريخيا بين الشيعة في لبنان والشيعة في إيران ، وهي علاقات ترتكز علي نوع من الارتباط الفقهي _ الديني والاجتماعي المتبادل ،فإيران تحتضن ثاني أهم حوزة دينية للشيعة في العالم في مدينة قم بعد حوزة النجف في العراق، من هنا كان طبيعيا أن يترسخ الارتباط الأيديولوجي والفقهي بإيران بعد قيام الثورة وتشييد الدولة الإسلامية ، هذا الارتباط الذي سرعان ما وجد ترجمته المباشرة بالدعم السريع والمباشر الذي قدمته الجمهورية الإسلامية ، عبر حرسها الثوري ، إلي حزب الله الناشئ علي صعيد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي . فقد كان الارتباط الأيديولوجي والديني بين حزب الله وإيران بعد الثورة ، ولموقف إيران المبدئي من اسرائيل ، أثره الكبير في دعم حزب الله بكل أوجه الدعم الضروري المادي والمعنوي والقانوني الذي عجل لاحقا من تحوله إلي أبرز حركات المقاومة لاسرائيل ، بل بات في مرحلة من المراحل، لا سيما بعد عام 1985، الحركة الوحيدة علي هذا الصعيد، وقد ساهم هذا في نجاح حزب الله في تحرير الجنوب اللبناني، وفي تمكين ايران - الداعم الحصري لحزب الله - من تثبيت حضورها علي الساحة الشرق اوسطية وتسويق الانجاز التاريخي لحزب الله بوصفه انتصارا لها ايضا ، فقد وجدت ايران في حزب الله ضالتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية ، وتعزز دور حزب الله في الاولويات الاستراتيجية بسبب التوافق العقائدي للحزب مع الأيديولوجيا الحاكمة. وعلي هذا، فارتباط حزب الله بايران ارتباط عقائدي ومذهبي في المقام الأول وليس تحالفا مرحليا أو اقليميا أو حتي تبادلا لمنافع، مما يعني - عمليا - ثباتا نسبيا في مواقف حزب الله تجاه ايران بمعزل عن تغير التوازنات في المنطقة . وتتصارع - علي الجهة المقابلة - الأولويات الإيرانية بين الملف النووي وحزب الله، إذ إن الضغوط الدولية المتواصلة علي ايران وحزب الله - وبالاخص بسبب الديناميكية المتسارعة للاحداث في لبنان والمنطقة - ستنال علي الاغلب شيئا من الأوراق الإيرانية. وبمعني آخر يتوجب علي صانع القرار الايراني المفاضلة بين التمسك بخياره النووي الذي يتعرض لضغوط عنيفة وبين حليفه الاستراتيجي في لبنان. وتأسيسا علي ذلك، لا يمكن لايران ان تنهي مفاوضاتها القادمة مع الولايات المتحدة، سواء كانت علنية او سرية، وهي محتفظة بالورقتين معا: رادعها النووي وذراعها العسكرية الخارجية المتمثلة في حزب الله. ولما كانت المصالح القومية هي الرافعة الاساسية لتوجيه سياسات ايران الاقليمية والخارجية، فإنه يتوجب الان علي صانعي القرار في طهران تحديد أي الاولويتين يمكن اعتبارها خطا احمر لا يمكن التنازل عنه في المرحلة الحالية: حزب الله أم الرادع النووي، ولكن يبدو جليا أن إيران ستتمسك بورقتها النووية وتضعها في مرتبة تسبق حزب الله .
ثالثا - سوريا:
فقد شكلت في يوم من الأيام إحدي أهم حلقات الدعم المباشر لحزب الله بعد إيران، إلا أن الظروف التي تمر بها سوريا، والمتمثلة في الضغط الامريكي عليها من جهة العراق ومن جهة اسرائيل بالاضافة الي المشاكل الداخلية التي تمر بها حاليا، قد أثرت تأثيرا كبيرا في وضعية سوريا في المنطقة، وجاء مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ليزيد الطين بلة، فقد خرجت اصابع لبنانية تساندها اصابع دولية تشير بالاتهام الي سوريا باعتبارها المسئولة عن عملية الاغتيال ، علي اعتبار ان الحريري كان يخطط للمطالبة بانسحاب سوري كامل من لبنان، بل وبدأ في حشد التأييد الدولي لهذا الأمر ، مما قلب الامور رأسا علي عقب، وبدأ اللبنانيون يخرجون بالملايين في الشوارع مطالبين بالانسحاب السوري الكامل من لبنان. وقد أعطي الضغط الدولي لهذه المطالبات القوة اللازمة للتنفيذ، خاصة ان هذه المطالبات جاءت تالية باشهر عدة لصدور قرار مجلس الامن رقم 1559، الذي يقضي - فيما يقضي - بضرورة سحب كل القوات الاجنبية من لبنان. ولم يشفع للسوريين تأييد حزب الله لهم فقد كان هذا التأييد من جانب الحزب في حدود قوة العاصفة اللبنانية المضادة لسوريا ، بل انها المرة الاولي التي ينظم فيها حزب الله مظاهرة مليونية، وترد عليه المعارضة بمظاهرة اكبر منها معارضة للوجود السوري ، الامر الذي وجد فيه حزب الله نفسه منعزلا مع بعض التيارات السياسية غير المؤثرة في تأييده لسوريا، مما دفع الحزب الي ايجاد بعض نقاط تباين بينه وبين دمشق حول عدد من النقاط والقضايا اللبنانية الداخلية، برزت خلال الانتخابات وتحالفات الحزب فيها، كما برزت في الأداء عند تشكيل الحكومة بالتحالف مع "تيار المستقبل".ولكن ما يثير الدهشة التصريح الذي صدر من جانب رئيس الوزراء السوري ناجي العطري قبل الانسحاب السوري من لبنان، والذي أشار فيه الي ان الاسلحة التي في يد حزب الله لا ينبغي نزعها لانها تمثل ضمانة للامن القومي السوري ، هكذا تحول حزب الله في نظر المسئول السوري الي ضمانة لأمن سوريا وليس لامن لبنان، وكان رئيس الوزراء يريد ان يشجع المؤيدين لنزع سلاح حزب الله علي المضي في طريقهم في محاولة نزعة فهو علي حد قول المسئول السوري ضمانة لامن سوريا وليس لبنان . وهكذا، لم تجد سوريا من حزب الله الموقف المنتظر، ولعل ذلك يفسر رؤية حزب الله للدور السوري باعتباره من الأمور التي من الممكن الاستعاضة عنها بمزيد من البراجماتية السياسية مع اطياف المعارضة السياسية اللبنانية، وهو ما كان في تحالفاته الانتخابية التي قادته وقادة حلفائه الي تحقيق نصر لم يستطع تحقيقه اثناء الوجود السوري في لبنان، واكمل ذلك بالدخول لأول مرة للحكومة اللبنانية من خلال شغله لمنصب وزير الطاقة في حكومة فؤاد السنيورة المشكلة حديثا .
البيئة الدولية :
أولا - الولايات المتحدة :
أدرجت اللائحة الأمريكية الثالثة للأشخاص والمنظمات الإرهابية حزب الله كمنظمة إرهابية، فقد ابتكر كل من الفرع التنفيذي والكونجرس بعض الأسلحة الفعالة للجم تمويل الإرهابيين. ففي 2 نوفمبر 2001، تم توصيف حزب الله بشكل رسمي علي أنه كيان (موصف بأنه إرهابي عالمي علي نحو خاص). وفقا للقانون التنفيذي 13224، يفوض هذا التوصيف حكومة الولايات المتحدة في فرض عقوبات مالية ضد هؤلاء الذين يدعمون أو يساعدون بطرق أخري حزب الله. إضافة إلي المرسوم الوطني الذي أصدره الكونجرس (الجزآن 311 و319)، الذي يفوض وزارة المالية في اتخاذ إجراءات ضد البنية المالية للمنظمات الإرهابية، بتجميد تعاملاتها المالية واستهداف البنوك الداعمة لها، أي ان اي بنك أجنبي يرفض التعاون مع الولايات المتحدة ضد (الموصوفين بأنهم إرهابيون علي نحو خاص) هو عرضة لأن يتم تجميد ممتلكاته الأمريكية ولأن يحرم من الوصول إلي أسواق الولايات المتحدة. إضافة إلي ذلك، فإن أي بنوك داخلية تستمر في علاقتها بانسجام مع بنوك أجنبية مستهدفة قد تكون في حالة انتهاك للقانون الأمريكي، مما شكل تحولا نوعيا وجذريا لم يضف بعدا جديدا للعلاقات العربية - الأمريكية فقط، بل أضاف أيضا موقعا جديدا في طابور محكمات الصدام الأمريكي - الإيراني. وقد سعت الإدارة الأمريكية إلي تحقيق عدة أهداف مبدئية وراء هذا القرار. أولا: استغلال هذا الإدراج كبالونة اختبار لجس نبض باقي فصائل المقاومة الفلسطينية، ومن ثم الشارع العربي إزاء هذه الخطوة. ثانيا: محاولة تضييق الخناق علي حزب الله من خلال تجميد أرصدته بهدف شل حركته كخطوة أولية ربما تؤتي أكلها بتأليب الحكومة اللبنانية علي الحزب. ثالثا: تهديد الحكومة اللبنانية المأزومة اقتصاديا، فالبلد يقع تحت عبء أكثر من أربعين مليار دولار من الديون ومن خدمة دين تزيد علي ضعف ناتجه الاجمالي الداخلي ، وهو من بين الارقام الاعلي في لائحة الدول الأكثر مديونية في العالم ، قد تهدد بحصار اقتصادي يهدف الي إعادة إحياء روح الخلاف التي كانت قد ظهرت في الشارع اللبناني عقب الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في مايو 2000، مستندة إلي الطائفية التي تحكم الأمور حول مشروعية حزب الله وضرورة تفكيكه ضمن حزمة من القضايا. رابعا: تحريض الحكومة اللبنانية علي مطالبة إيران بوقف مساندتها للحزب ومطالبة الحزب بقطع كل صلة تربطه بإيران، فيحدث تدهور في العلاقات الإيرانية - اللبنانية، ربما يؤدي إلي صدام بين الحكومة والحزب.
ومع ذلك، فقد لجأت الحكومة الامريكية الي سياسة الامساك بالعصا من منتصفها في العلاقة مع حزب الله لإدراكها بصعوبة تحقيق مآربها فيه بسهولة، فهو حركة اجتماعية سياسية عسكرية منظمة، كما أن الاصطدام به غير مجد في الفترة الحالية علي الاقل ، لذلك لجأت الولايات المتحدة الي اجراء بعض المشاورات مع بعض المقربين من حزب الله. فرغم تأكيد اكثر من مسئول امريكي علي رفض بلاده لاي حوار مع قادة حزب الله باعتباره منظمة ارهابية، فقد اعلن عن بعض اللقاءات جمعت بين بعض المسئولين الامريكيين والوزير طراد حمادة ذي العلاقة الوثيقة مع حزب الله ، والذي اعلن عقب هذه اللقاءات عن سعيه للتقارب ما بين الولايات المتحدة وحزب الله. ورغم نفي الجانبين الامريكي وحزب الله لأية وساطة بينهما، فان بعض المؤشرات تؤدي الي عكس ذلك ، فعقب هذه اللقاءات، قامت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية بزيارة خاطفة لبيروت، التقت خلالها بالعديد من القادة اللبنانيين، واكدت في تصريحاتها علي ان لبنان هو المسئول عن تنفيذ القرار 1559، الامر الذي فسر بأنه اذعان من جانب الادارة الامريكية لوجهة النظر اللبنانية التي أكدت - علي لسان المحسوبين علي المعارضة والموالاة في آن واحد - علي ضرورة اخضاع ما تبقي من القرار 1559 والمتعلق بنزع سلاح حزب الله للحوار الوطني اللبناني ، مما قد يفسر بأنه اقتناع امريكي بصعوبة التعامل مع الشق الخاص بنزع اسلحة حزب الله بنفس اسلوب الشق الخاص بانسحاب القوات السورية من لبنان. واذا اضفنا الي ذلك الرسالة شديدة الوضوح التي ارسلت للادارة الامريكية من خلال الناخبين اللبنانيين بفوز هو الاكبر في تاريخ حزب الله في الانتخابات النيابية، التي اشاد بها الرئيس بوش في اكثر من مناسبة واعتبرها نموذج "الديمقراطية الناشئة "بالاضافة الي الرغبة الامريكية في عدم فتح ملف جديد من النزاع في المنطقة قبل اغلاق الملف العراقي، فسوف نكون امام رغبة أمريكية في التهدئة مع حزب الله، حتي لا تخرج الامور في المنطقة عن السيطرة الامريكية اكثر من ذلك .
ثانيا- فرنسا:
الأجندة الفرنسية هي أورو-متوسطية، أكثر منها شرق-أوسطية وتعتبر أن الفوضي وصدام الحضارات وما شابه يطاول أوروبا القريبة مباشرة أكثر مما يؤثر في الولايات المتحدة البعيدة.وهي تري أن السلام العادل والشامل شرط للدمقرطة أو ملازم لها، إلا أن السوريين واللبنانيين فوجئوا بتغيرات ملحوظة في الموقف الفرنسي الذي اتخذ صورة الضغط المباشر والقوي علي السوريين من أجل سحب قواتهم من لبنان، هذا الضغط الذي أسفر عن صدور القرار 1559 من مجلس الأمن ، ومتابعة تنفيذه بعد ذلك حتي خروج القوات السورية بالفعل من الأراضي اللبنانية ويرجع هذا التحول في الموقف الفرنسي الي مجموعة من الأسباب، هي :
1- عدم مضي السلطات السورية في مسار الاصلاح، وهو خط دعمته فرنسا منذ مجيء الرئيس بشار الاسد إلي الرئاسة عام 2000، لكن هذا المسار بدا مرتبكا ومترددا، كما لاحظ الفرنسيون الذين قدموا أكثر من خطة للاصلاح، بينها خطة "الاصلاح الاداري".
2- الضغوط التي مارستها جهات لبنانية علي صلة قوية بفرنسا والرئاسة الفرنسية، وهي تتوافق مع النظرة الفرنسية الخاصة إزاء لبنان، اذ تعتبر باريس علاقتها بلبنان علاقة خاصة ومميزة، وقد ركزت الضغوط اللبنانية علي فرنسا علي التدخلات السورية في الشأن اللبناني.
3- مجموعة مواقف من شركاء فرنسا في الاتحاد الاوروبي إزاء سوريا وسياستها، حيث طرحت بريطانيا موضوع اسلحة الدمار السورية علي موضوع الشراكة الاوروبية مع سوريا، واثارت هولندا موضوع حقوق الانسان والمجتمع المدني في سوريا، بينما فتح الموضوع اللبناني بوابة لموقف فرنسي مختلف يجد له تأييدا لدي دول الاتحاد الاوروبي.
4- قيام السوريين بمنح عقد كبير لاستثمار الغاز السوري بقيمة 759 مليون دولار أمريكي إلي تجمع شركات أمريكية - بريطانية كندية برغم مساعي الرئيس الفرنسي شيراك لمنح العقد لشركات فرنسية، وكانت نتائج محادثات نائب الرئيس عبد الحليم خدام مع الرئيس شيراك بباريس في أبريل عام 2005 بمثابة خيبة امل فرنسية في تطور المواقف السورية.
هذه الاسباب تجمعت من اجل ان تدفع الفرنسيين لاتخاذ موقف حازم تجاه الوجود السوري في لبنان ، ولكن هل سيمتد هذا الضغط الي حزب الله وأسلحته? كما أسلفنا القول، فإن الاوروبيين عموما، والفرنسيين خصوصا، أكثر حساسية في التعامل مع قضية الاستقرار في الشرق الاوسط من أقرانهم الامريكان، وبالتالي فان معرفة فرنسية بأوضاع المجتمع اللبناني ودور حزب الله فيه سوف تدفع بالفرنسيين ناحية استثمار علاقتهم التاريخية باللبنانيين من أجل الوصول الي تسوية تضمن نزع سلاح حزب الله دون حدوث أي صدامات تذكر الفرنسيين بأتون الحرب الاهلية اللبنانية، مما يجعل الدور الفرنسي اكثر حنكة وخبرة (بحكم انها الدولة التي كانت تحتل لبنان في السابق) وهدوءا في التعامل مع قضية اسلحة حزب الله، وذلك رغم الالحاح الاسرائيلي عليهم في هذا الاتجاه .
هل يمكن نزع سلاح حزب الله ?
من هذه البيئة المتنوعة الظروف، يبرز التساؤل المحوري : هل يمكن نزع سلاح حزب الله ? ان "نزع سلاح حزب الله" تنفيذا ل-لقرار 1559 أمر صعب التحقق، وقد تجمعت لعدم تحقيقه مجموعة من العوامل الرئيسية، هي:
أولا - ليس في وسع القوي الأمنية اللبنانية، في حال وجد القرار السياسي بذلك، أن تجر د "حزب الله" من سلاحه، ذلك ان الحكومة - مركز القرار السياسي - لا يمكنها بقرار من هذا القبيل أن تجازف في زج الجيش في مواجهة مع المقاومة، يكون من نتائجها تعريض المؤسسة للتفكك وانعدام الفعالية.
ثانيا - إن أيا من القوي الرئيسية في البلاد، وقد باتت القوي السياسية الرئيسية مطابقة لطوائفها، لم توافق علي ما هو أكثر من الحوار اللبناني الداخلي حول المقاومة وسلاحها، أي حول ما يمكن أن يشك ل حاجة ذاتية لبنانية.وفي خلفية هذه المواقف اللبنانية، أمر في غاية الأهمية. فليس في ني ة أحد أن يحو ل لبنان تحت أي عنوان كان، إلي ميدان لمواجهة سنية - شيعية، أو سنية درزية - شيعية أو إسلامية - مسيحية. وما يحصل في العراق ماثل في أذهان القيادات السنية والشيعية في لبنان، وثمة قرار مشترك بألا تصطدم الطائفتان في أي حال من الأحوال، لا سيما ان ما يجري في العراق علي هذا الصعيد خطير جدا، فكيف إذا أضيف إلي كل ذلك "عودة" الأصولية إلي "العمل" علي "المسرح العربي"، مما يقتضي يقظة سنية - شيعية مشتركة.
ثالثا - وإذا كان ما تقد م يشير إلي صعوبة تنفيذ ال-قرار 1559 تحت عنوان "نزع سلاح حزب الله" بأي وسائط لبنانية، فإن الخيارات الأخري من خارج لبنان تمثل صعوبة ايضا، فلا الولايات المتحدة قادرة علي تولي "المهمة" بنفسها، ولا هي قادرة علي تكليف إسرائيل بها، خاصة ان تولي إسرائيل هذا الأمر ي نتج نتائج عكسية. ومع ذلك، فان البراجماتية التي يتمتع بها حزب الله قد تمنعه من شد الحبل حتي نهايته. ففي اكثر من تلميح من جانب مسئول في حزب الله، أكد فيه انهم لا يمانعون في الانضمام الي الجيش اللبناني ونزع اسلحته بشرط تحقيق طلبه وهو اجراء تغييرات لصالحه في قيادة الجيش، لانه لا ينسي اصطدام الشيعة في لبنان مع الجيش عام 1982، ويرغب في تغييرات جذرية في القيادة العسكرية، لان الشيعة يمثلون 68% من عناصر الجيش . ولكن شيئا من ذلك لن يتم الا بعد انسحاب اسرائيلي من مزارع شبعا التي يعتبرها حزب الله لبنانية، رغم اقرار الامم المتحدة باعتبارها سورية، وبعد انسحاب إسرائيلي من جزء من مرتفعات الجولان المحتلة. وأي تراجع من جانب حزب الله في هذه الجزئية قد يعرض صورته للاهتزاز داخل الشارع اللبناني الذي يعتبره هذا الاخير بطل المقاومة اللبنانية في العالم العربي .
مستقبل حزب الله :
حزب الله الآن يشعر وكأن انتصاره قد اكتمل، وان عقده السياسية لا بد من أن تنحل بعد الانتخابات النيابية الأخيرة والالتفاف الجماهيري حوله، لحماية سلاحه ووجوده من القرار 1559 والخروج السوري، فلا بأس إذن من عودة الحزب إلي شيء من التشدد الديني، من اجل أن يتركز في وعي الجميع أن الحزب هو الأول، وان حركة أمل إنما تدين بعدم تراجع حجمها النيابي إلي تأييده لها هذه المرة، وقد تزامن ذلك مع انتصار التيار المحافظ في إيران، وهو الحاضن التاريخي لحزب الله، فوصل إلي سدة الرئاسة الإيرانية شخص يتمتع بالدينامية الميدانية (رئاسة بلدية طهران تجربته الأساسيه)، وهو ذو موقع مميز في الفضاء المحافظ، يمكن أن يكون مساعدا في التشدد السياسي مع الخارج، وداعما للتيار المحافظ في أي تسوية يمر بها مع هذا الخارج وبشروط أفضل. هذا الواقع قد يعني أن حزب الله، وهو في طريقه إلي التشدد الديني الداخلي والتشدد السياسي الداخلي، في صدد التمهيد لمرونة مع الخارج، طموحا إلي التسوية بشروط أفضل، أو استخدام التشدد كعامل تماسك في مواجهة الخارج المتشدد ضد الحزب في السياق التاريخي القريب .