تأليف د . طارق محمد الطواري الأستاذ بقسم التفسير والحديث كليةالشريعة - جامعة الكويت
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد .
فلم تكن مسألة العزل أو وقف الجماع قبل نهايته أو الإنزال خارج الفرج من القضايا الجديدة الطارئة ، بل إن هذه الوسيلة كطريقة لتقليل التكاثر البشري أو لغيرها من الأسباب قد عرفت عند اليهود كما في سفر التكوين (38:8-10) في قصة أوتان .
وعندما ظهر الإسلام كانت هناك ثم وسائل معروفة عند العرب للوقاية من حمل المرأة لأسباب مقبولة كانت أو مردودة ، وكان من أبرزها العزل .
وحيث أن المجتمع المسلم بني على أسس إسلامية جديدة تناقض مفاهيم الجاهلية في غالبها ، كان لابد من معالجة هذا الموروث وهذه المسألة ، إذ أن معاجلة الجوانب المتعلقة بالحياة الإنسانية حازت على جزء كبير من اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تكن مسألة العزل بالمسألة المجهولة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجتمعه ، وإنما كثر السؤال حولها وتناقل الصحابة آراء اليهود ممن عاصروهم وعايشوهم في المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ليأتي الجواب النبوي على صور وأشكال عدة تضمنتها كثير من الأحاديث فبعض الأحاديث بين فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأمر بقدر ، ثم أتبعه صلى الله عليه وسلم بالاستنكار : فلم يفعل أحدكم ذلك ؟
ومجموعة أخرى من الأحاديث تدل على الإباحة كقوله صلى الله عليه وسلم : اعزل عنها إن شئت .
ومجموعة أخرى من الأحاديث تدل على الجواز والإباحة ورفع الحظر ، بشرط إذن الزوجة الحرة ، كحديث : لا يعزل أحدكم عن الحرة إلا بإذنها .
وأحاديث أخرى محتملة فيها دلالة على الحظر وتحتمل الإباحة كقوله صلى الله عليه وسلم : " لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر " .
وكان من أشد هذه الأحاديث إشكالا ما ورد في تسمية العزل بالوأد الخفي ، أو الموؤودة الصغرى أو الغيلة .
وهذا الإختلاف في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم له أسباب متعلقة بالزمان والمكان وطبيعة السؤال وحاله ... ، مما أدى لاختلاف فتاوى الصحابة في الموضوع نفسه بين الجواز والكراهة والإباحة .
فذهبت مجموع من كبار الصحابة كعمر وعثمان وعلي وابن عمر إلى كارهة العزل ، وذهب جمع آخر كسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت ، وخباب وابن عباس ورافع بن خديج والحسن بن علي وابن مسعود إلى الجواز .
ولما وقفت على هذه الروايات وما فيها من اختلاف حول مسألة العزل وما يترتب على ذلك فقهيا رغبت أن أجمع ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث وعن الصحابة من آثار وفتاوى في مسألة العزل رواية ودراية ، دراسة وتحقيقا لاستخراج الحكم الشرعي المأخوذ من عموم الأدلة الشرعية ، ولما رأيت أ،ه لا غنى لطالب العلم عن معرفة فقه الأحاديث وإسهام الفقهاء في حل هذا الإشكال ، رأيت إضافة فصل ثان متعلق بالبحث الفقهي حول المسألة نفسها ، ثم إن تطور الوسائل الطبية الحديثة في أداء نفس الدور المقصود من العزل دفعني لإضافة ثاث حول القضايا الطبية لموضوع العزل وما شابهه من وسائل منع الحمل .
متمما بذلك ثلاثة فصول مبتدأة بمقدمة وتمهيد ومختتمة بخاتمة وفهارس ، سائلا الله تعالى أن أكون قد شاركت بسهم في خدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وديننا الحنيف ، غير زاعم أنني لم أسبق إلى ذلك ، وإنما الجمع والترتيب والتحقيق قد يكون جديدا في بابه .
ولا يفوتني أن أتقدم بجزيل الشكر ووافر الإمتنان لإدارة الأبحاث بجامعة الكويت ، لدعمها المستمر حتى أخرج هذا البحث .
كما لا أدعي التمام والكمال ، وإنما حسبي أنني بذلت الجهد في خدمة السنة النبوية على الوجه المرضي إن شاء الله تعالى ، وصلى الله على نبيينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
معنى العزل :
العزل لغة : التنحية ، تقول : عزلت الشيء عن غيره عزلا ، من باب ضرب ، وعزلته ، فاعتزل وانعزل وتعزل ، نحيته جانبا فتنحى .
ومنه : عزلت النائب كالوكيل ، إذا أخرجته عما كان له من الحكم .
وعزل المجامع : أن يقارب الإنزال فينزع ويمني خارج الفرج .
والعزل اصطلاحا :
لا يخرج عن معناه اللغوي .
قال النووي : العزل هو : أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج
وقال ابن حجر : العزل هو النزع بعد الإيلاج ، لينزل خارج الفرج .
أي إخراج الزوج آلته بعد إدخالها في فرج زوجته عند الجماع ليقذف ماءه أي منيه خارج فرج زوجته .
أسباب العزل :
للعزل أسباب متعددة ، نستطيع أن نقسمها إلى قسمين :
القسم الأول : أسباب مشروعة ، وهي أربعة :
السبب الأول : كراهة مجيء الولد من الأمة ، وهو إما أنفة من ذلك، وإما لئلا يتعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد ، وإما لغير ذلك .
: كراهة أن تحمل الموطوءة وهي ترضع ، فيضر ذلك بالولد المرضع .
ويدل لهذين السببين ما جاء في رواية لمسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : ذكر العزل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : وما ذاكم ؟ قالوا : الرجل تكون له المرأة ترضع فيصيب منها ، ويكره أن تحمل منه ، والرجل تكون له الأمة فيصيب منها ويكره أن تحمل منه ، قال : فلا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم فإنما هو القدر .
السبب الثالث : أن تدعو له الضرورة المتعلقة بالمرأة ، كأن تكون المرأة مريضة لا تستطيع الحمل فيعزل عنها رفقا بها أو لصغر سنها ، أو لخطر الحمل عليها بسبب صغر حجم الرحم أو لوجود مرض أو آفة خلقية بالرحم ، أو لوجود ضعف أو مرض عام يمكن أن يزداد أو تحدث معه مضاعفات من أثر الحمل والطلق ، مما يؤدي إلى وفاتها أو إصابتها بمرض مستديم .
السبب الرابع : أن تدعو له الحاجة المتعلقة بالمرأة كأن تكون سريعة الإنجاب ، فيعزل عنها بقصد تمكينها من حضانة أولادها وتربيتهم .
القسم الثاني: أسباب غير مشروعة :
وهو الخوف من الفقر بسبب كثرة الأولاد التي تتطلب الإنفاق عليهم ، ولا شك أن هذا الإعتقاد غير جائز لأن الله تعالى هو الذي تكفل بالأرزاق ، قال سبحانه : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ( هود : 6 ) .
ونهى سبحانه عن قتل الأولاد خشية الفقر كما كان يفعله الجاهلون ، قال تعالى " و تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا " ( الإسراء : 31) .
وهذا التقسم الذي ذكرناه مأخوذ من كلام الإمام الغزالي المجمل حيث يقول في الإحياء : إن النيات الباعثة على العزل خمس :
الأولى : في السراري .
الثانية : استيفاء جمال المرأة وسمتها لدوام التمتع واستبقاء حياتها خوفا من خطر الطلق ، وأضاف بعض المعاصرين خطر العمليات القيصرية .
الثالثة : الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد ، والإحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء .
الرابعة : الخوف من الأولاد والإناث لما يعتقد تزويجهن من المعرة ، كما كان من دعاة العرب قتلهم الإناث فهذه نية فاسدة .
الخامسة : أن تمتنع المرأة عن الحمل لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع وهذه نية فاسدة .
وقال ابن حجر : يعزل الناس لأسباب ثلاثة :
الأول : الخوف من الولد الرقيق إذا كانت الزوجة أمة .
الثاني : الفرار من كثرة العيال ، والتضرر من تحصيل الكسب لهم .
الثالث : خوف دخول الضرر على الرضيع .
ومما سبق يتبين أن للعزل أسباب صحيحة وأسباب فاسدة كما سبق ذكره وبيانه ، ولسنا بصدد بيان الأسباب غير المشروعة ، وإنما بصدد بيان حكم العزل للأسباب المشروعة ، والله الموفق .
الفصل الأول
أحاديث وآثار
العزل عن الزوجة عند الجماع
المبحث الأول
الأحاديث النبوية
دراسة وتحقيق
الحديث الأول : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : بينما أنا جالس عند النبي إذ جاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله إنا نصيب سبيا فنحب الإتيان ، فكيف ترى في العزل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أو إنكم تفعلون ذلكم ؟ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم ، فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا وهي خارجة .
الحديث الثاني :
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العزل : " لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم ، فإنما هو القدر " .
الحديث الثالث :
عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ولم يفعل ذلك أحدكم " ؟ ولم يقل : فلا يفعل ذلك أحدكم ، فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها .
الحديث الرابع :
عن أبي سعيد الخدري سمعه يقول : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال : " ما من كل الماء يكون الولد ، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء " .
الحديث الخامس :
عن أبي سعيد الخدري قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول إن لي جارية وأنا أشتهي ما يشتهي الرجال ، وأنا أعزل عنها أكره أن تحمل ، وإن اليهود تزعم أن العزل هي الموؤودة الصغرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت يهود كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه لم نستطيع أن نصرفه .
الحديث السادس :
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن العزل فقال : أنت خلقته ؟ أنت رزقته ؟ أقره قراره ، فإنما هو القدر .
الحديث السابع :
عن أبي سعيد الخدري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اليهود يقولون إن العزل المؤؤدة الصغرى ، فقال : كذبت يهود .
الحديث الثامن :
عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم العزل فقال : " إن قضى الله شيئا ليكونن وإن عزل ، قال أبو سعيد : وإنما عزلت عن أمة لي ، فولدت أحب الناس إلي هذا الغلام .
الحديث التاسع :
عن أبي سعيد الخدري قال :لما أصبنا سبي بن المصطلق استمتعنا وعزلنا عنهن قال : فوقعت على جارية في سوق بني قينقاع فمر بي رجل من يهود فقال :ما هذه الجارية يا أبا سعيد ؟ قلت : جارية لي أبيعها ، قال : هل كنت تصيبها ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فلعلك تبيعها وفي بطنها منك سخلة ؟ قال : قلت : كنت أعزل عنها ، قال : تلك الموؤودة الصغرى قال : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : كذبت يهود كذبت يهود .
الحديث العاشر :
عن أبي سعيد الخدري قال : تذاكرنا العزل ، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا عليكم ألا تفعلوا فإنما هو القدر .
الحديث الحادي عشر :
عن أبي سعيد الزرقي أن رجلا من أشجع سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال : ما يقدر الله في الرحم يكن .
الحديث الثاني عشر :
عن صرمه العذري قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني سليم فأصبنا كرائم العرب ، فأرغبنا في البيع وقد اشتدت علينا العزوبة ، فأردنا أن نستمتع ونعزل ، فقال بعضنا لبعض : ما ينبغي لنا أن نصنع ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا حتى نسأله ، فسألناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعزلوا أو لا تعزلوا ، ما كتب الله من نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة .
الحديث الثالث عشر :
عن حذيفة بن اليمان أنهم كانوا يتحدثون في العزل فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنكم لتفعلونه قالوا نعم قال أو لم تعلموا أن الله عز وجل لم أصحهما نسمة هو بارئها إلا وهي كائنة .
الحديث الرابع عشر :
عن عبادة بن الصامت قال : إن أول من عزل نفر من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إن نفرا من الأنصار يعزلون ففزع وقال إن النفس المخلوقة لكائنة فلا آمر ولا أنهى .
الحديث الخامس عشر :
عن أنس بن مالك قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا أو ليخرج منها وليخلقن الله تبارك وتعالى نفسا هو خالقها " .
الحديث السادس عشر :
عن واثلة بن الأسقع قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم فقالوا يا رسول الله إنا نصيب سبايا وإنا نعزل عنهن قال وإنكم لتفعلون قالوا نعم قال ما من نسمة أراد الله أن تخرج من صلب رجل إلا وهي خارجة إن شاء وإن أبى فلا عليكم أن لا تفعلوا .
الحديث السابع عشر :
عن أبي هريرة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن اليهود تقول إن العزل هي الموءودة الصغرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت زفر لو أراد الله خلقها لم تستطع عزلها .
الحديث الثامن عشر :
عن جرير قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ثم ما خلصت من المشركين أريد بها السوق وأنا أعزل عنها قال جاءها ما قدر لها .
الحديث التاسع عشر :
عن عبد الله بن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال الصفرة يعني الخلوق وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب والضرب بالكعاب والتبرج والزينة لغير محلها والرقى إلى إلا بالمعوذات وتعليق التمائم وعزل الماء بغير محله وفساد .
الحديث العشرون :
عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي .
الحديث الحادي والعشرون :
عن جابر أن رجلا أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل ثم أتاه فقال إن الجارية قد حبلت فقال قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها .
الحديث الثاني والعشرون :
عن جابر قال : كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم والقرآن ينزل .
الحديث الثالث والعشرون :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها .
الحديث الرابع والعشرون :
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو أن النطفة التي أخذ الله عليها الميثاق ألقيت على صخرة لخلق الله منها إنسانا .
المبحث الثاني
الآثار عن الصحابة والتابعين
في مسألة العزل عند الجماع
1 – عن مجاهد قال : سألنا بن عباس عن العزل فقال : أؤجلكم أن تسألوا ، قالوا : فسألنا حتى ببيتنا ، فرجعنا إليه ، فتلا علينا : وقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين حتى ، ثم أنشأناه خلقا آخر فقال : كيف تكون من الموءودة حتى تمر على هذا
الخلق .
2 – كان لابن عباس جارية سوداء وكان يطأها ويعزل عنها ويجعل ماءه في خرقة ويريها إياها .
23 – سئل ابن عباس عن العزل فقال : ما كان ابن آدم ليقتل نفسا قضى الله خلقها ، حرثك إن شئت أعطشته ، وإن شئت سقيته .
4- سئل ابن عباس عن العزل فدعا جارية له : فقال : اخبريهم فكأنها استحييت ، فقال هو ذلك ، أما أنا فأفعله يعني أنه يعزل .
5 – عن ابن عباس قال : ما أبالي عزلت أو بزقت ، قال : وكان صاحب هذه الدار يكرهه يعني ابن مسعود .
6 – عن ابن مسعود قال : لو أخذ الله الميثاق على نسمة في صلب رجل ثم أخرجه على صفا لأخرجه من ذلك فإن شئت فأتم وإن شئت فلا .
7 – عن ابن مسعود قال في العزل : هو الموءودة الصغرى الخفية .
8 –وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان لا يرى بالعزل بأسا .
9 – عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
عن عبد الله بن عدي بن الخيار قال ثم تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر العزل فأختلفوا فيه فقال عمر قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم إذ تناجى رجلان فقال عمر ما هذه المناجاة قال إن اليهود تزعم أنها الموءودة الصغرى فقال علي إنها لا تكون موءودة حتى تمر بالتارات السبع ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى آخر الآية .
10 – وعن علي بن أبي طالب أيضا أنه كانت له سرية يقال لها جمانة أو أم جمانة قالت : كان علي يعزل عنها ،فقلنا له : فقال : أحيي شيئا أماته الله ؟!
11 – وعن علي أيضا أنه سئل عن العزل عن النساء فقال : ذلك الوأد الخفي .
13 – عن أبي أيوب :
عن أم ولد لأبي أيوب الأنصاري أن أبا أيوب كان يعزل .
13 – عمر وعثمان رضي الله عنهما :
كن عمر وعثمان يكرهان العزل ، ويقولان من جامع فأكسل فعليه الغسل ، وكان رجال من الأنصال لا يرون بالعزل بأسا ويقولون : من جامع ثم أكسل فلا غسل
عليه .
14 – كان عمر وابن عمر يكرهان العزل وكان زيد وابن مسعود يعزلان .
15 – رافع بن خديج :
عن إسماعيل الشيباني أنه حلف على امرأة رافع بن خديج فأخبرته أنه كان يع زل أو يعزل من قروح به كيلا تغتسل .
16 – عن أم ولد الخباب أن خبابا كان يعزل عنها .
17 - سعد بن أبي وقاص :
عن مصعب بن سعد : أن سعدا كان يعزل عن أم ولده .
18 – زيد بن ثابت :
عن الحجاج بن عمرو أنه كان جالسا ثم زيد بن ثابت فجاءه ابن فهد رجل من أهل اليمن فقال يا أبا سعيد عندي جوار ليس نسائي اللائي أكن أعجب إلي منهن وليس كلهن يعجبني أن تحمل مني أفأعزل فقال زيد أفته يا حجاج قال فقلت غفر الله لك إنما نجلس إليك لنتعلم منك قال أفته قال قلت هو حرثك إن شئت سقيت وإن شئت أعطشت قال وكنت أسمع ذلك من زيد فقال زيد : صدق .
19 – زيد :
عن خارجة بن زيد : أن زيدا كان يعزل عن جارية له .
20 – ابن عمر رضي الله عنهما :
عن عبد الله بن عمر أنه كان يعزل ، وكان يكره العزل .
21 – الحسن بن علي رضي الله عنهما :
كانت سرية للحسن بن علي فكان يعزل عنها .
الفصل الثاني
الدراسة الفقهية
وبعد ما انتهينا من بيان الشق الحديثي المتعلق بالمسألة نبدأ الآن في بيان الشق الفقهي وقد وجدنا أن هناك أقوال :
أولا : القول بالجواز مع الاختلاف في إذن الزوجة ، وذهب لذلك جمهور علماء المسلمين من الأحناف والمالكية والحنابلة والزيدية على تحو التفصيل الآتي :
أولا : الأحناف :
ذهب جمهور فقهاء الأحناف إلى إباحة العزل عن الزوجة في حين اشترط المتقدمون إذن الزوجة وذهب المتأخرون إلى التغاضي عن إذن الزوجة في حالة غياب الزوج .
نقل الإمام الخوارزمي في كتابه جامع مسانيد الإمام الأعظم عن الإمام وتلميذه أبي يوسف ومحمد بن الحسن القول بجواز العزل بشرط إذن الزوجة .
ويقول الطحاوي رحمه الله :
إن العزل غير مكروه إذ أن الصحابة لما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه لم ينههم .
وقال الإمام الكاساني :
إن العزل دون إذن الزوجة مكروه لأن القذف طريق الإنجاب وبه يحصل الولد ، ولها في الولد حق ، وبالعزل يفوت الولد ، فإذا كان العزل برضاها فإنه لا يكره ، لأنها رضيت بفوات حقها ، ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : اعزلوهن أولا تعلوهن إن الله تعالى إذا أراد خلق نسمه فهو خالقها .
ويقول ابن الهمام :
إن العزل جائز عند عامة العلماء وكرهه بعض الصحابة وغيرهم لحديث جدامة وكرهه ابن عمر وضرب بينه عليه والصحيح هو الجواز .
فقد روي عن عشرة من الصحابة ذلك وهم : علي ، وسعد بن أبي وقاص ، وزيد بن ثابت ، وأبي أيوب ، وجابر ، وابن عباس ، والحسن بن علي ، وخباب بن الأرت ، وأبو سعيد ، وابن مسعود ، وابن مسعود ، وأن غالب المذهب على لزوم موافقة الزوجة مع إمكان التغاضي عنه عند فسان الزمان والخوف من الولد السوء .
ويقول : وبهذا القول قال متأخرة الحنفية ، كابن نجيم وابن عابدين فقد ذهبوا إلى ما ذهب إليه ابن الهمام من أن الصحيح هو جواز العزل بموافقة الزوجة والتغاضي عن الإذن عند فساد الزمان ، وذكر أنه يمكن للمرأة أن تسد فم الرحم ، منعا للحمل كما جرت به عادة ذلك الزمان بشرط إذن الزوج .
ومثله قول ابن عابدين في كتابه رد المحتار على الدر المختار ، وأشار إلى جواز العزل بغير موافقة الزوجة ، كأن يكون في سفر بعيد ، أو في دار حرب فخاف على الولد ، أو كانت سيئة الخلق ويريد فراقها فخاف أن تحبل .
ثانيا : المالكية :
ذهب جمهور المالكية إلى إباحة العزل لمنع الحمل بشرط إذن الزوجة ، وقال بعض متأخري المذهب بالعوض للمرأة عن موافقتها .
فقد أخرج مالك في الموطأ ستة أحاديث في باب العزل كلها تدل على الإباحة والجواز كحديث ما عليكم ألا تفعلوا ، وأحاديث فعل الصحابة للعزل كسعد بن أبي وقاص وأي أيوب الأنصاري .
وفتوى الحجاج بن عمرو بموافقة زيد بن ثابت بإباحة العزل ، وعزل ابن عباس ورواية واحدة عن ابن عمر بالكراهة ، ثم قال مالك رحمه الله تعالى : لا يعزل الرجل عن المرأة الحرة إلا بإذنها .
وأما حديث جدامة فإن مالك ذكره في باب الرضاع وخرج الجزء الخاص منه بالغيلة دون إيراد الجزء الخاص بالعزل ، وهو الوأد الخفي وهذا الرأي من الإمام مالك هو ما جرى عليه عمل أهل المدينة .
وهو ما استمر عليه العمل من الصحابة والتابعين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدل على إباحة العزل وعدم نسحه ، ولو نسخ الأمر لفاض وانتشر بين الصحابة والتابعين وخاصة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي : لا خلاف بين العلماء على أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها .
وقال الإمام الباجي في شرحه على الموطأ عند حديث أبي سعيد الخدري في عزوة بني المصطلق وقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم : لا عليكم ألا تفعلوا .
قال : فيها إباحة العزل وقال : سؤال ابن محيريز لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن العزل وإخباره له بما عنده في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم على حسب ما كان يفعله العلماء من الصحابة من الجواب على ما سئلوا عنه مما عندهم فيه نص ،وإنما كانوا يفزعون إلى غير النصوص من القياس والاستدلال عند عدم النصوص ،وأما مع وجود النصوص فكانوا لا يتعلقون بغيرها ، لا سيما إن كان السائل من أهل العلم ... ثم ذكر رحمه الله تعالى جواز العزل بإذن الزوجة وبذلك قال الجمهور .
وقال الإمام ابن جزي : أما العزل فالسماح به يعتمد على موافقة الزوجة بالرغم من أن الشافعي أباحه مطلقا .
وقال خليل في مختصره : ولزوجها أي الأمة العزل إن رضيت وسيدها كالحرة إذا أذنت .
وقد نقل الإمام العبدري الشهير بالمواق جواز العزل عن ابن عرفة وشرطه عن الحرة بإذنها ، ولها أن تأخذ عن إذنها عوضا ماليا ، ولها الرجوع متى شاءت برد ما أخذته من قبل .
وأكد ذلك الإمام الحطاب المالكي المغربي في أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولها أن تتقاضي عوضا عن العزل عنها ، وأضاف أن بعض الأندلسيين أشاروا إلى أن حق الحرة في ذلك كحقها في القسمة فقالوا : وللمرأة أن تأخذ من زوجها مالا على أن يعزل عنها إلى أجل معروف .
وأشار الإمام الدردير في كتابه أقرب المسالك إلى جواز العزل عن الحرة فقال : ولزوجها العزل إن أذنت هي وسيدها إن توقع حملها ، فالعبرة بإذنها فقط كالحرة .
ونختم رأي المالكية بقول الإمام عليش وهو من متأخري علماء المذهب فقد جاء في كتابه فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك :
س : ما قولكم في العزل عن الزوج والأمة خوفا من حملها هل يجوز هذا ؟
ج – يجوز للزوج العزل عن زوجته إن رضيت .
س – ما قولكم في أخذ الزوجة من زوجها عوضا في إذنها له في العزل عنها هل يجوز ؟
ج – يجوز ذلك .. وإن رجعت فقيل : ترد جميع العوض ... .
س – ما قولكم في استعمال دواء لمنع الحمل ، أو وضع شيء في الفرج حال الجماع لذلك هل يجوز ؟
ج - لا يجوز تناول دواء لمنع الحمل ، وأما وضع شيء كخرقة في الفرج حال الجماع تمنع وصول الماء إليه فألحقه عبد الباقي بالعزل من الجواز بشروطه .
ثالثا : الشافعية :
ذهب جمهور فقهاء المذهب الشافعي إلى القول بإباحة العزل مطلقا بدون شرط إذن الزوجة ، على أساس أن للمرأة الحق في الجماع وذوق العسيلة وليس في الإنزال ، ولكن في العزل ترك الأولى وهو عدمه ، واشترط بعض فقهاء المذهب إذن الزوجة كبقية المذاهب كما قال بحرمة العزل بعض متأخري أصحاب المذهب .
قال الإمام الغزالي بعد إيراده للخلاف في مسألة العزل بين مبيح مطلقا بكل حال ، ومن حرم بكل حال ، ومن قائل بحل برضاها ولا يحل دون رضاها ، قال :
والصحيح عندنا أن ذلك مباح وأن الكراهية المنسوبة للعزل إن هي إلا ترك الأولى فالكراهية تطلق لنهي التحريم ، ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة فهو مكروه بالمعنى الثالث .
ثم يقول : إن إثبات النهي – عن العزل – إنما يكون بنص أو قياس على منصوص ، ولا نص ولا أصل يقاس عليه ، ثم يشبه ماء الرجل والمرأة بالعقد والإيجاب والقبول بينهما .
فيقول : فماء المرأة ركن في الإنعقاد فيجري الماءان مجرى الإيجاب والقبول في الوجود الحكمي في العقد ، فمن أوجب ثم رجع قبل القبول لا يكون جانيا على العقد بالنقض والفسخ ، ومهما اجتمع الإيجاب والقبول كان الرجوع بعده فسخا وقطعا ورفعا وكما أن النطفة في الفقار لا يخلق منها الولد ، فكذا بعد الخروج من الإحليل ما لم يمتزج بماء المرأة أو دمها ، فهذا هو القياس الجلي .
وأكد الإمام العراقي الشافعي إباحة العزل عن الحرة عند الإمام الشافعي بعدما أورد الخلاف في المسألة وهو مبني على القصد من العزل جمعا بين الأدلة إذ يقول :
محل الخلاف في العزل ما إذا كان يقصد التحرز عن الولد قال إمام الحرمين : حيث قلنا بالتحريم فذلك إذا نزع عن قصد أن يقع الماء خارجا تحرزا عن الولد ، وإما إذا عن له أن ينزع لا على هذا القصد فيجب القطع على أنه لا يحرم .
وذهب ابن حجر إلى القول بالجواز والإباحة في كتابه فتح الباري حيث تناول فيه الأحاديث المتصلة بالعزل وشرحها ثم أشار إلى أنه ثبت التصريح باطلاع رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعل الصحابة للعزل فلم ينههم وأورد روايات كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنا نضعه ، وكان يعزل ، ولو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن ، ولو كان حراما لنزل فيه ، بل ورد في حديث قوله صلى الله عليه وسلم : اعزل عنها إن شئت ، ثم نقل حكاية ابن عبد البر عدم الخلاف في الجواز وموافقة ابن هبيرة له ، ثم قال : وهو المشهور في الشافعية أن العزل يجوز مطلقا بدون إذن الزوجة ، وبذلك قال الإمام الرملي في النهاية .
رابعا : الحنابلة :
يرى جمهور فقهاء الحنابلة جواز العزل عن الزوجة صغيرة كانت أو كبيرة بشرط إذنها ، ويرى المتأخرون من الحنابلة وجوب ممارسة العزل بدار الحرب .
فقال الإمام أحمد كما في رواية أبي داود عنه : لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها .
وقال الإمام ابن قدامة : وظاهر كلام الإمام أحمد وجوب استئذان الزوجة ويحتمل أن يكون مستحبا لأن حقها في الوطء دون الإنزال .
وقال ابن تيمية : وأما العزل فقد حرمه البعض ولكن الأئمة الأربعة وافقوا على
إباحته .
وذهب ابن القيم إلى ما ذهب إليه شيخه ابن تيمية حيث عرض للمسألة في زاد المعاد وقال : إنها صريحة في الجواز ، وأن القول بالجواز منسوب إلى عشرة من الصحابة ، والقول بالإباحة هو مذهب مالك والشافعي وأهل الكوفة وجمهور أهل العلم .
وذهب المتأخرون من الحنابلة إلى وجوب العزل عن الزوجة في حال الحرب ، وقال ابن النجار : ويحرم وطء في حيض ... وكذا عزل بلا إذن حرة أو سيد أمة ، إلا بدار حرب فيسن مطلقا .
وقال البهوتي : ويحرم العزل عن الحرة إلا بإذنها وعن الأمة إلا بإذن سيدها وله أن يعزل عن سريته بلا إذنها ويعزل وجوبا بدار الحرب .
وقال مرعي الحنبلي : ويحرم وطء في حيض إجماعا .. وكذا عزل بلا إذن حرة أو سيد أمة .. ويعزل وجوبا بدار الحرب .
وبين الشعراني مأخذ من أباح ومنع بقوله : ووجه الأول عدم تحققنا أن الله تعالى يخلق من الماء بشرا فقد يحلق المني الفساد فلا ينعقد منه لد ، ووجه الثاني : أن الأصل الإنعقاد والفساد عارض .
خامسا : الزيدية :
ذهب جمهور فقهاء الزيدية إلى جواز العزل مطلقا للحمل ، واشترطوا إذن الزوجة الحرة دون المملوكة .
قال أحمد بن يحيى بن المرتضى : يجوز العزل عن الأمة الملك إجماع لإذنه صلى الله عليه وسلم للأنصاري ولم يشترط رضاها ويحرم من الزوجة الحرة إلا برضاها لنهيه صلى الله عليه وسلم إلا بإذنها .
وعن الإمام يحيى : يجوز مطلقا إذ ليس بأعظم من ترك الوطء .
سادسا : الإباضية :
ذهب جمهور فقهاء المذهب الإباضي إلى أن العزل مباح بإذن الزوجة كما يباح للفرار من الولد خشية العيال وإدخال الضرر على الرضيع .
قال الإمام إطفيش : ولا يعزل عنها أو تعزل عنه إلا بإذن وجاز العزل عن سرية بلا إذن والعزل يكون للفرار من الولد خشية العيال ، وإدخال الضرر على المرضع واسترقاق الولد وإن كانت أمة ولإضرار المرأة بذلك .
ثانيا : القول بالكراهية التنزيهية :
ذهب اللقول بالكراهة التنزيهية بعض المالكية والشافعية كالإمام النووي وبعض الحنابلة كابن الجوزي وموفق الدين ابن قدامة وبعض الزيدية .
فمن المالكية ما نقله عليش رحمه الله تعالى حيث قال : وروى عن بعض كراهته أي العزل ورآه من الموؤدة ثم قال : ونقل عياض في الإكمال قولين للعلماء كابن العربي والظاهر أن القولين خارج المذهب .
ومن الشافعية الشيرازي صاحب المهذب حيث قال : يكره العزل لما روت جدامة بنت وهب .
وقال النووي :
العزل هو أن يجامع فإذا قارب الانزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا في كل حال وكل امرأة سواء رضيت أم لا لأنه طريق الى قطع النسل ولهذا جاء في الحديث الآخر تسميته الوأد الخفى لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد وأما التحريم فقال أصحابنا لا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا لأن عليه ضررا في مملوكته بمصيرها أم ولد وامتناع بيعها وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقا تبعا لأمه وأما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم ولا فوجهان أصحهما لا يحرم ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهى محمول على كراهة التنزيه وما ورد في الإذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام وليس معناه نفى الكراهة .
وهو قول القسطلاني ونقل قول النووي مقررا له .
ومن الحنابلة ذهب ابن الجوزي وابن قدامة للقول بالكراهة ، فقال ابن الجوزي : وأما العزل فهو مباح مع الكراهية .
وقال ابن قدامة : والعزل مكروه أي كراهة تنزيه ونقل أنه رويت كراهته عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وأبي بكر لأن فيه تقليل اللذة عن الموطوءة وإن عزل الرجل من غير حاجة كره ولم يحرم .
وقال العجلي من الإمامية بالكراهة أيضا كما في كتابه السرائر ، وتابعه زين الدين العاملي كما في الروضة .
القول الثالث : التحريم :
وهو قول الظاهرية :
قال ابن حزم في المحلى : ولا يحل العزل عن حرة ولا عن أمة برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا عبيد الله بن سعيد نا المقبري هو عبد الله بن يزيد نا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود هو يتيم عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت عملا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس فسألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الوأد الخفى وقرأ وإذا المؤودة سئلت التكوير قال أبو محمد هذا خبر في غاية الصحة واحتج من أباح العزل بخبر أبي سعيد الذي فيه لا عليكم أن لا تفعلوا قال علي هذا خبر إلى النهي أقرب وكذلك قال ابن سيرين واحتجوا بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم قول زفر هو الموءودة الصغرى وبأخبار أخر لا تصح قال أبو محمد يعارضها كلها خبر جدامة الذي أوردنا وقد علمنا بيقين أن كل شيء فأصله الإباحة لقول الله تعالى الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا البقرة وعلى هذا كان كل شيء حلالا حتى نزل التحريم قال تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم الأنعام فصح أن خبر جدامة بالتحريم هو محمود لجميع التي لا شك في أنها قبل البعث وبعد البعث وهذا أمر متيقن لأنه إذ أخبر عليه الصلاة والسلام أنه الوأد الخفي والوأد محرم فقد نسخ بيقين فمن ادعى أن تلك الإباحة المنسوخة قد عادت وأن النسخ المتيقن قد بطل فقد ادعى الباطل وقفى ما لا علم له به وأتى بما لا دليل له عليه قال تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
جواب الجمهور على من قال بالتحريم :
اعتمد ابن حزم رحمه الله تعالى على حديث جدامة للقول بالتحريم وقد أجاب عنه الفقهاء بما يدور حول ثلاثة محاور :
الأول : تضعيف حديث جدامة .
الثاني : الجمع بينه وبين أحاديث الإباحة .
الثالث : التفريق بين معنى الوأد الخفي ، والموؤدة الصغرى التي أنكرها الرسول صلى الله عليه وسلم على اليهود .
فبين الطحاوي أن الفرق مبني على أن حديث جدامة على وفق ما كان عليه الأمر في أول الإسلام من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل فيه وحي على أساس أن الشرائع المنزلة قالت بذلك ، ثم أعلمه الله فكذهب اليهود فيما كانوا يفعلونه من الموءودة الصغرى .
ويقول البيهقي مجيبا عن حديث جدامة : رواة الإباحة أكثر وأحفظ وإباحة من سمينا من الصحابة فهو أولى ... فيحمل حديث جدامة وأحاديث تكذيب اليهود على الكراهة التنزيهية .
وقال الإمام النووي :
ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهي محمول على كراهة التنزيه وما ورد في الإذن محمول على أنه ليس بحرام وليس معناه نفي الكراهة .
وقال ابن القيم : أما حديث جدامة بنت وهب فإنه وإن كان رواه مسلم فإن الأحاديث الكثيرة على خلافه وقد قال أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى أن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان حدثه أن رفاعة حدثه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى قال كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه وحسبك بهذا الإسناد صحة فكلهم ثقات حفاظ وقد أعله بعضهم بأنه مضطرب فإنه اختلف فيه على يحيى بن أبي كثير فقيل عنه عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبدالله ومن هذه السلام أخرجه الترمذي والنسائي وقيل فيه عن أبي مطيع بن رفاعة وقيل عن أبي رفاعة وقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا لا يقدح في الحديث فإنه قد يكون عند يحيى عن محمد بن عبدالرحمن عن جابر وعنده عن ابن ثوبان عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعنده عن ابن ثوبان عن رفاعة عن أبي سعيد ويبقى الاختلاف في اسم أبي رفاعة الشياطين هو أبو رافع أو ابن رفاعة أو أبو مطيع وهذا لا يضر مع العلم بحال رفاعة ولا ريب أن أحاديث جابر صريحة صحيحة في جواز العزل وقد قال الشافعي رحمه الله ونحن نروي عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رخصوا في ذلك ولم يروا به بأسا قال البيهقي وقد روينا الرخصة فيه عن سعد بن أبي وقاص وأبي أيوب الأنصاري وزيد ابن ثابت وابن عباس وغيرهم وهو مذهب مالك والشافعي وأهل الكوفة وجمهور أهل العلم وقد أجيب عن حديث جدامة بأنه على طريق التنزيه وضعفته طائفة وقالوا كيف يصح أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كذب اليهود في ذلك ثم يخبر به كخبرهم هذا من المحال البين .
ويقول العراقي : أما حديث جدامة فقد اختلف في زيادة العزل فيه فلم يخرجه مالك في حديثه وقال البيقهي في المعرفة : عورض بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل قالوا إن اليهود تزعم أن العزل هو الموءودة الصغرى قال : كذبت يهود .
وحمل حديث جدامة على العزل عن الحامل لزوال المعنى الذي كان يحذره من حصول الحمل ،وفيه تضييع للحمل لأن المني يغذوه فقد يؤدي العزل إلى موته أو ضعفه فيكون وأدا خفيا .
وأما قولهم أنها موءودة صغرى فإنه يقتضى أنه وأد ظاهر ولكنه صغير بالنسبة إلى وأد الولد بعد وضعه حيا ، وبخلاف قوله صلى الله عليه وسلم إنه الوأد الخفي فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا ، فلا يترتب عليه حكمه ، وإنما شبهه بالوأد من وجه لأن فيه قطع طريق الولادة .
وأما ابن حجر رحمه الله تعالى فأجاب بأربعة أجوبة :
الأول : أن الحديث معارض بما هو أكثر طرقا منه وتعبيره وهو معارض بحديثين وذكر أحاديث جابر وأبي هريرة .
الثاني : أنه أنكر على ابن حزم استدلاله بحديث جدامة حيث قال : لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما .
الثالث : انه يمكن الجمع بين حديث جدامة وأحاديث تكذيب اليهود على التنزيه وهي طريقة البيهقي .
الرابع : أن لا يكون وأدا حتى يتطور في بطن الأم وأشار إلى حديث ابن عباس أنه أنكر أن يكون العزل وأدا وقال إن المني يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم يكسى لحما وقال : والعزل قبل ذلك كله .
ويجيب العيني من وجوه بقريب من جواب ابن حجر فيقول :
الأول : يحتمل أن يكون الأمر في ذلك كما وقع في عذاب القبر لما قالت اليهود إن الميت يعذب في قبره فكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يطلعه الله على ذلك فلما أطلعه الله تعالى على عذاب القبر أثبت ذلك واستعاذ منه .
الثاني : أن حديث جدامة منسوخ بحديث جابر وغيره وهو قول الطحاوي .
الثالث : أن حديث جدامة مضطرب وهو قول ابن العربي .
الرابع : أنه يصار إلى الترجيح ، وأن حديث جابر هو الأولى لأنه صحيح ، وله شاهد من حديث أبي سعيد وأبي هريرة .