مركز الجزيرة للدراسات
مع بدء الشهر الثالث لحملة التحالف الدولي في ليبيا، وبعد أن نفذت القوى الجوية منذ 19 مارس/آذار الماضي أكثر من 10.000 طلعة جوية، منها ما يزيد عن الـ 4.000 طلعة هجومية، يمكن القول أن ثمة نجاحات تحققت على الأرض في إطار مهمة التحالف، يبرز منها توقف زخم اندفاعات قوات النظام ضد معاقل الثوار في الشرق والغرب الليبي معاً، واعتمادها على المناورة بالنيران دون المناورة الحركية الواسعة بالقوات في محاولة لشراء الوقت على أمل الوصول إلى حل مشرف من وجهة نظر النظام، يُبقي على سلطته حتى ولو على جزء من البلاد رغم تصاعد العزلة السياسية والدبلوماسية على النظام إقليمياً ودولياً معاً، وتحقق هذا في جزء منه بسبب تقويض القدرة العسكرية للنظام وترسيخ الثوار لسيطرتهم على معاقلهم في الشرق وبعض أجزاء من الغرب الليبي، نتيجة الحملة الجوية المتواصلة للتحالف.
لكن واقع الأمر يفرض كذلك الإقرار بأن النظام ما يزال يشدد قبضته على جزء كبير من الغرب الليبي والعاصمة طرابلس، كما أنه حقق تكيفاً عسكرياً ما في مواجهة السيادة الجوية المطلقة للتحالف في مسرح العمليات، سواء بتخليه القسري عن استخدام معدات القتال الرئيسية الثقيلة واللجوء إلى استخدام الآليات الخفيفة ومنصات النيران المتحركة، أو باللجوء إلى التمركز في مناطق دفاعية حصينة مع الاكتفاء بأعمال الإغارة الليلية وإطلاق النيران البعيدة على معاقل الثوار في مدينة مصراتة وما حولها، وتجاه بلدات جبل نفوسة في أقصى الغرب.
هنا يمكن القول أن التحالف الدولي يواجه مأزقاً ما وليس معضلة، يتمثل في أبعاد ثلاثة:
أولها: أن الوقت الذي يسعى النظام الليبي لشرائه لا يعمل في صالح التحالف لاعتبارات عدة ليس أقلها اقتراب عام الانتخابات القادم في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى شكوك الرأي العام داخل دول التحالف حول جدوى العملية مع طول مداها الزمني.
ثانيها: الطبيعة الذاتية لغالبية أنظمة العالم الثالث التي لا تقيم وزناً لحسابات تحليل التكلفة – المنفعة التي تجبر أطراف الصراع عادة على التقييم الآني لنتائج الصراع أولاً بأول، ومن ثمّ التوصل إلى قناعات مبكرة قد تدفع إما إلى استمرار الصراع أو التوقف والرضوخ لشروط الطرف الأقوى. وفي حالة ليبيا، فإن إدراك النظام ارتباط الصراع بتغييره، بل وتقديم رموزه إلى ساحة المحكمة الجنائية الدولية، يدفع إلى تماديه في مواصلة
القتال إلى حدوده القصوى، دون اعتبار للهدر اليومي في قدراته العسكرية وتفاقم المعاناة الإنسانية في عموم البلاد.
ثالثاً: سمات التدخل العسكري الإنساني، كما في حالة ليبيا، تتمثل في تشديد القادة السياسيين على تقليل مستويات الخطر التي تتعرض لها قوات التدخل من جهة، وكذلك الحال بالنسبة للسكان المدنيين المطلوب تأمينهم من تهديدات أعدائهم، الأمر الذي يفرض قواعد اشتباك صارمة تحد من فعالية استخدام القوة العسكرية المكلفة بالتدخل. وفي النموذج الليبي على وجه الخصوص، يندرج الرفض الغربي لإنزال قوات برية على الأرض في هذا الصدد.
مأزق التحالف: قدرات أقل من الأهداف
الهليكوبتر تدخل مسرح العمليات
مأزق التحالف: قدرات أقل من الأهداف
إن قراءة فاحصة لمعدلات طلعات القوة الجوية للتحالف وأهداف القصف التي يتم التعامل معها على مدى أكثر من 66 يوما من العمليات الجوية في ليبيا تؤشر إلى واقع أن القصف الجوي قد تحول من التركيز في الشهر الأول على تعظيم التلف الميداني لقوات القذافي، المتمركزة في جبهات القتال الرئيسية حول أجدابيا في الشرق وكل من مصراتة ومناطق جبل نفوسة في الغرب، إلى التركيز على مراكز القيادة والسيطرة ومقرات رأس النظام في العاصمة طرابلس، بالتوازي مع مواصلة الضغط على ذات الجبهات السابقة وإن كان بمعدل أقل، في محاولة لإيقاع درجة أعلى من الإكراه السياسي والسيكولوجي على النظام ودائرته المغلقة من حوله، إلا أن تكيّف النظام مع هذا التطور في سير العمليات الجوية للتحالف ونجاحه النسبي في الحفاظ على استمراره حتى الآن في أماكن أخرى بديلة، دفع القادة العسكريين وحتى السياسيين في التحالف إلى الحديث عن ضرورة تكثيف الهجمات الجوية، بل وتوسيع قوائم أهداف القصف لتشمل أهداف البنية الأساسية للدولة كالجسور ومحطات الطاقة وأنظمة الاتصالات البعيدة، وهو ما أشار إليه رئيس الأركان البريطاني الجنرال ديفيد ريتشارد، في محاولة لتكرار النجاح الذي حققته هذه الخطوة إبان عمليات الناتو في كوسوفا عام 1999.
ويمكن على نحو موجز إرجاع أسباب هذا المأزق إلى عوامل تشمل مستويات الصراع الثلاث:
1- استراتيجياً
تخصيص موارد عسكرية محدودة لا تتناسب والأهداف السياسية الموضوعة للحملة (على سبيل المثال فإن عدد طائرات القتال المخصصة لمهام الهجوم الأرضي لا تتجاوز 72 طائرة مقارنة بـ 336 طائرة قتال خصصت لهذه المهام إبان العمليات الجوية فوق كوسوفا عام 1999، والتي ساندتها طلعات القاذفات الإستراتيجية المنطلقة من القارة الأمريكية مباشرة).
استبعاد أي حديث عن إمكانية إنزال قوات برية على الأرض في ليبيا.
التباطؤ المتعمد في تسليم الثوار الليبيين معدات عسكرية توفر لهم قدرة المناورة النيرانية والحركية والتقدم خارج معاقلهم الحالية.
2- عملياتياً
التأخر في استهداف مراكز القيادة والسيطرة ومقرات القيادة السياسية والعسكرية العليا إلى ما بعد أكثر من شهر من بدء شن العمليات.
العمل من مناطق تمركز بعيدة عن الساحل الليبي، خاصة من قواعد جوية في الجنوب الأوروبي ومن بعض جزر البحر المتوسط، الأمر الذي يزيد من مدى عمل طائرات القتال، فيقلص معدل الطلعات الجوية اليومي ( كمثال تتواجد قاعدة سيجونيلا في جزيرة صقلية الايطالية على مسافة حوالي 550 كم من طرابلس، بينما تبعد قاعدة سالينزارا الفرنسية في جزيرة كورسيكا حوالي 1100 كم عن ذات المدينة).
عدم إحكام العزل الجوي لخطوط الإمداد المتدفقة من الجنوب والغرب عبر الحدود الليبية لصالح النظام في طرابلس.
3- تكتيكياً
قصر الاستخدام على الطائرات ثابتة الجناح في تنفيذ مهام العمليات الجوية.
الاستخدام الغالب لأسلحة وذخائر التوجيه الدقيق ذات التكلفة
العالية (كمثال تصل تكلفة قنابل التوجيه الليزري أو التوجيه الجغرافي إلى حوالي 40.000 دولار للقطعة الواحدة، وقد تصل إلى حوالي 300.000 دولار لأنواع الإطلاق البعيد كما في حالة الـ AASM الفرنسية المخصصة لمهام إخماد أنظمة الدفاع
الجوي المعادي)، ومن ثم تقتصر استخداماتها على أهداف القيمة العالية.
عدم توافر قدرات التعامل مع الأهداف المتحركة الصغيرة التي تعتمد على المفاجأة في الاستخدام والسرعة في التخفي، وهي ما تسمى أهداف الوقت الحرج (يستخدمها النظام الليبي بتوسع عبر نصب المدفعيات الصاروخية وقطع المدفعية المتوسطة، وكذلك الرشاشات الثقيلة على آليات خفيفة والمناورة بها على هوامش المدن والبلدات التابعة للثوار للتقدم من أجل قصف مراكزها ثم العودة والاختفاء سريعاً).
الهليكوبتر تدخل مسرح العمليات
التطور الأبرز في سعي التحالف لعلاج المأزق العسكري القائم، جاء في الأسبوع الأخير بإعلان فرنسا في 23 مايو/أيار الحالي نشر سفينة الاقتحام البرمائي تونير Tonnerre وعلى متنها 12 هليكوبترا هجومية من طراز تايجر Tiger HAP وغزال Gazelle، على الساحل الليبي لاستخدامها في العمليات الهجومية ضد قوات النظام الليبي، وهو ذات اليوم الذي نشرت فيه صحيفة التليجراف اللندنية أنباء عن توجه سفينة الاقتحام البرمائي البريطانية أوشن HMS Ocean وعلى متنها 12 هليكوبترا هجومية من طراز أباتشي WAH-64D Apache لمهمة مماثلة أمام الساحل الليبي.
ويمثل إدخال الهليكوبترات الهجومية تطوراً هاماً نحو تصعيد العمليات الجوية ضد أهداف النظام الليبي في سعي حثيث من قيادات التحالف العسكرية والسياسية معاً لتقليص المدى الزمني المطلوب لإنهاء مهمة الناتو في ليبيا، والتي تشمل إلى جانب حماية المدنيين تنحية النظام الليبي عن السلطة في طرابلس. وتتمثل الأهمية العملياتية لاستخدام هذا النوع من معدات القتال في العناصر التالية:
رفع قدرة التعامل مع أهداف الوقت الحرج نتيجة تمركز الهليكوبترات على سفن الاقتحام البرمائية القريبة من الشاطئ، أو إمكانية نشرها في مناطق برية مجهزة قرب مناطق التجمعات المدنية المطلوب حمايتها، الأمر الذي يقلل زمن الاستجابة بصورة كبيرة.
إمكانية التعامل مع أنواع مختلفة من الأهداف المستهدفة كالآليات المدرعة ومضادات الصواريخ المتحركة والمدفعيات والهاونات والأفراد سواء من القناصة أو أفراد الوحدات العسكرية، بفضل التنوع في أنظمة التسليح المجهزة بها (مدافع 30mm سريعة الطلقات، والصواريخ المضادة للدروع من أنواع Trigat LR و HOT-3 الفرنسية، أو الهيل فاير AGM - 114D Hellfire الأمريكية، فضلاً عن مستودعات الصواريخ الحرة والموجهة من عيارات 68mm الفرنسية و70mm الأمريكية).
خفض التكلفة الاقتصادية سواء لأنواع الذخائر المستخدمة، أو لتشغيل الطائرات، تتيح التوسع في استخدامها ضد كافة مكونات القوة القتالية المستهدفة.
الدقة العالية في الإصابة خاصة مع العمل المشترك مع القوات الخاصة البريطانية والفرنسية المتواجدة على الأرض في مناطق العمليات.
زيادة معدل الطلعات اليومية للقوة الجديدة للتحالف إجمالاً بما لا يقل عن 30% من المستويات اليومية الحالية.
في مقابل ذلك، تبدو قدرة الاعتراض العالية لهذه الطائرات في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي المعادية، خاصة الصواريخ الفردية والمدفعيات المضادة للطائرات، إحدى المشكلات المتوقع مواجهتها عند استخدام هذه الأنواع من الهليكوبترات والتي يمكن التغلب عليها باستخدام المناورات العملياتية ووسائل الحماية الالكترونية المجهزة بها هذه الطائرات.
إن مثل هذا التطور في إدخال أنواع جديدة من معدات القتال في مسرح العمليات الليبي يؤشر إلى سعي جَدّي من قِبل قيادات التحالف لحل مشكلات المأزق العسكري القائم، ويبقى الأمر مرهوناً ليس فقط بمدى فعالية هذه الأنظمة القتالية الجديدة في ميدان المعركة ولكن كذلك بهامش المناورة لدى الخصم والذي يتضاءل في مساحته يوماً بعد يوم.
مع بدء الشهر الثالث لحملة التحالف الدولي في ليبيا، وبعد أن نفذت القوى الجوية منذ 19 مارس/آذار الماضي أكثر من 10.000 طلعة جوية، منها ما يزيد عن الـ 4.000 طلعة هجومية، يمكن القول أن ثمة نجاحات تحققت على الأرض في إطار مهمة التحالف، يبرز منها توقف زخم اندفاعات قوات النظام ضد معاقل الثوار في الشرق والغرب الليبي معاً، واعتمادها على المناورة بالنيران دون المناورة الحركية الواسعة بالقوات في محاولة لشراء الوقت على أمل الوصول إلى حل مشرف من وجهة نظر النظام، يُبقي على سلطته حتى ولو على جزء من البلاد رغم تصاعد العزلة السياسية والدبلوماسية على النظام إقليمياً ودولياً معاً، وتحقق هذا في جزء منه بسبب تقويض القدرة العسكرية للنظام وترسيخ الثوار لسيطرتهم على معاقلهم في الشرق وبعض أجزاء من الغرب الليبي، نتيجة الحملة الجوية المتواصلة للتحالف.
لكن واقع الأمر يفرض كذلك الإقرار بأن النظام ما يزال يشدد قبضته على جزء كبير من الغرب الليبي والعاصمة طرابلس، كما أنه حقق تكيفاً عسكرياً ما في مواجهة السيادة الجوية المطلقة للتحالف في مسرح العمليات، سواء بتخليه القسري عن استخدام معدات القتال الرئيسية الثقيلة واللجوء إلى استخدام الآليات الخفيفة ومنصات النيران المتحركة، أو باللجوء إلى التمركز في مناطق دفاعية حصينة مع الاكتفاء بأعمال الإغارة الليلية وإطلاق النيران البعيدة على معاقل الثوار في مدينة مصراتة وما حولها، وتجاه بلدات جبل نفوسة في أقصى الغرب.
هنا يمكن القول أن التحالف الدولي يواجه مأزقاً ما وليس معضلة، يتمثل في أبعاد ثلاثة:
أولها: أن الوقت الذي يسعى النظام الليبي لشرائه لا يعمل في صالح التحالف لاعتبارات عدة ليس أقلها اقتراب عام الانتخابات القادم في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى شكوك الرأي العام داخل دول التحالف حول جدوى العملية مع طول مداها الزمني.
ثانيها: الطبيعة الذاتية لغالبية أنظمة العالم الثالث التي لا تقيم وزناً لحسابات تحليل التكلفة – المنفعة التي تجبر أطراف الصراع عادة على التقييم الآني لنتائج الصراع أولاً بأول، ومن ثمّ التوصل إلى قناعات مبكرة قد تدفع إما إلى استمرار الصراع أو التوقف والرضوخ لشروط الطرف الأقوى. وفي حالة ليبيا، فإن إدراك النظام ارتباط الصراع بتغييره، بل وتقديم رموزه إلى ساحة المحكمة الجنائية الدولية، يدفع إلى تماديه في مواصلة
القتال إلى حدوده القصوى، دون اعتبار للهدر اليومي في قدراته العسكرية وتفاقم المعاناة الإنسانية في عموم البلاد.
ثالثاً: سمات التدخل العسكري الإنساني، كما في حالة ليبيا، تتمثل في تشديد القادة السياسيين على تقليل مستويات الخطر التي تتعرض لها قوات التدخل من جهة، وكذلك الحال بالنسبة للسكان المدنيين المطلوب تأمينهم من تهديدات أعدائهم، الأمر الذي يفرض قواعد اشتباك صارمة تحد من فعالية استخدام القوة العسكرية المكلفة بالتدخل. وفي النموذج الليبي على وجه الخصوص، يندرج الرفض الغربي لإنزال قوات برية على الأرض في هذا الصدد.
مأزق التحالف: قدرات أقل من الأهداف
الهليكوبتر تدخل مسرح العمليات
مأزق التحالف: قدرات أقل من الأهداف
إن قراءة فاحصة لمعدلات طلعات القوة الجوية للتحالف وأهداف القصف التي يتم التعامل معها على مدى أكثر من 66 يوما من العمليات الجوية في ليبيا تؤشر إلى واقع أن القصف الجوي قد تحول من التركيز في الشهر الأول على تعظيم التلف الميداني لقوات القذافي، المتمركزة في جبهات القتال الرئيسية حول أجدابيا في الشرق وكل من مصراتة ومناطق جبل نفوسة في الغرب، إلى التركيز على مراكز القيادة والسيطرة ومقرات رأس النظام في العاصمة طرابلس، بالتوازي مع مواصلة الضغط على ذات الجبهات السابقة وإن كان بمعدل أقل، في محاولة لإيقاع درجة أعلى من الإكراه السياسي والسيكولوجي على النظام ودائرته المغلقة من حوله، إلا أن تكيّف النظام مع هذا التطور في سير العمليات الجوية للتحالف ونجاحه النسبي في الحفاظ على استمراره حتى الآن في أماكن أخرى بديلة، دفع القادة العسكريين وحتى السياسيين في التحالف إلى الحديث عن ضرورة تكثيف الهجمات الجوية، بل وتوسيع قوائم أهداف القصف لتشمل أهداف البنية الأساسية للدولة كالجسور ومحطات الطاقة وأنظمة الاتصالات البعيدة، وهو ما أشار إليه رئيس الأركان البريطاني الجنرال ديفيد ريتشارد، في محاولة لتكرار النجاح الذي حققته هذه الخطوة إبان عمليات الناتو في كوسوفا عام 1999.
ويمكن على نحو موجز إرجاع أسباب هذا المأزق إلى عوامل تشمل مستويات الصراع الثلاث:
1- استراتيجياً
تخصيص موارد عسكرية محدودة لا تتناسب والأهداف السياسية الموضوعة للحملة (على سبيل المثال فإن عدد طائرات القتال المخصصة لمهام الهجوم الأرضي لا تتجاوز 72 طائرة مقارنة بـ 336 طائرة قتال خصصت لهذه المهام إبان العمليات الجوية فوق كوسوفا عام 1999، والتي ساندتها طلعات القاذفات الإستراتيجية المنطلقة من القارة الأمريكية مباشرة).
استبعاد أي حديث عن إمكانية إنزال قوات برية على الأرض في ليبيا.
التباطؤ المتعمد في تسليم الثوار الليبيين معدات عسكرية توفر لهم قدرة المناورة النيرانية والحركية والتقدم خارج معاقلهم الحالية.
2- عملياتياً
التأخر في استهداف مراكز القيادة والسيطرة ومقرات القيادة السياسية والعسكرية العليا إلى ما بعد أكثر من شهر من بدء شن العمليات.
العمل من مناطق تمركز بعيدة عن الساحل الليبي، خاصة من قواعد جوية في الجنوب الأوروبي ومن بعض جزر البحر المتوسط، الأمر الذي يزيد من مدى عمل طائرات القتال، فيقلص معدل الطلعات الجوية اليومي ( كمثال تتواجد قاعدة سيجونيلا في جزيرة صقلية الايطالية على مسافة حوالي 550 كم من طرابلس، بينما تبعد قاعدة سالينزارا الفرنسية في جزيرة كورسيكا حوالي 1100 كم عن ذات المدينة).
عدم إحكام العزل الجوي لخطوط الإمداد المتدفقة من الجنوب والغرب عبر الحدود الليبية لصالح النظام في طرابلس.
3- تكتيكياً
قصر الاستخدام على الطائرات ثابتة الجناح في تنفيذ مهام العمليات الجوية.
الاستخدام الغالب لأسلحة وذخائر التوجيه الدقيق ذات التكلفة
العالية (كمثال تصل تكلفة قنابل التوجيه الليزري أو التوجيه الجغرافي إلى حوالي 40.000 دولار للقطعة الواحدة، وقد تصل إلى حوالي 300.000 دولار لأنواع الإطلاق البعيد كما في حالة الـ AASM الفرنسية المخصصة لمهام إخماد أنظمة الدفاع
الجوي المعادي)، ومن ثم تقتصر استخداماتها على أهداف القيمة العالية.
عدم توافر قدرات التعامل مع الأهداف المتحركة الصغيرة التي تعتمد على المفاجأة في الاستخدام والسرعة في التخفي، وهي ما تسمى أهداف الوقت الحرج (يستخدمها النظام الليبي بتوسع عبر نصب المدفعيات الصاروخية وقطع المدفعية المتوسطة، وكذلك الرشاشات الثقيلة على آليات خفيفة والمناورة بها على هوامش المدن والبلدات التابعة للثوار للتقدم من أجل قصف مراكزها ثم العودة والاختفاء سريعاً).
الهليكوبتر تدخل مسرح العمليات
التطور الأبرز في سعي التحالف لعلاج المأزق العسكري القائم، جاء في الأسبوع الأخير بإعلان فرنسا في 23 مايو/أيار الحالي نشر سفينة الاقتحام البرمائي تونير Tonnerre وعلى متنها 12 هليكوبترا هجومية من طراز تايجر Tiger HAP وغزال Gazelle، على الساحل الليبي لاستخدامها في العمليات الهجومية ضد قوات النظام الليبي، وهو ذات اليوم الذي نشرت فيه صحيفة التليجراف اللندنية أنباء عن توجه سفينة الاقتحام البرمائي البريطانية أوشن HMS Ocean وعلى متنها 12 هليكوبترا هجومية من طراز أباتشي WAH-64D Apache لمهمة مماثلة أمام الساحل الليبي.
ويمثل إدخال الهليكوبترات الهجومية تطوراً هاماً نحو تصعيد العمليات الجوية ضد أهداف النظام الليبي في سعي حثيث من قيادات التحالف العسكرية والسياسية معاً لتقليص المدى الزمني المطلوب لإنهاء مهمة الناتو في ليبيا، والتي تشمل إلى جانب حماية المدنيين تنحية النظام الليبي عن السلطة في طرابلس. وتتمثل الأهمية العملياتية لاستخدام هذا النوع من معدات القتال في العناصر التالية:
رفع قدرة التعامل مع أهداف الوقت الحرج نتيجة تمركز الهليكوبترات على سفن الاقتحام البرمائية القريبة من الشاطئ، أو إمكانية نشرها في مناطق برية مجهزة قرب مناطق التجمعات المدنية المطلوب حمايتها، الأمر الذي يقلل زمن الاستجابة بصورة كبيرة.
إمكانية التعامل مع أنواع مختلفة من الأهداف المستهدفة كالآليات المدرعة ومضادات الصواريخ المتحركة والمدفعيات والهاونات والأفراد سواء من القناصة أو أفراد الوحدات العسكرية، بفضل التنوع في أنظمة التسليح المجهزة بها (مدافع 30mm سريعة الطلقات، والصواريخ المضادة للدروع من أنواع Trigat LR و HOT-3 الفرنسية، أو الهيل فاير AGM - 114D Hellfire الأمريكية، فضلاً عن مستودعات الصواريخ الحرة والموجهة من عيارات 68mm الفرنسية و70mm الأمريكية).
خفض التكلفة الاقتصادية سواء لأنواع الذخائر المستخدمة، أو لتشغيل الطائرات، تتيح التوسع في استخدامها ضد كافة مكونات القوة القتالية المستهدفة.
الدقة العالية في الإصابة خاصة مع العمل المشترك مع القوات الخاصة البريطانية والفرنسية المتواجدة على الأرض في مناطق العمليات.
زيادة معدل الطلعات اليومية للقوة الجديدة للتحالف إجمالاً بما لا يقل عن 30% من المستويات اليومية الحالية.
في مقابل ذلك، تبدو قدرة الاعتراض العالية لهذه الطائرات في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي المعادية، خاصة الصواريخ الفردية والمدفعيات المضادة للطائرات، إحدى المشكلات المتوقع مواجهتها عند استخدام هذه الأنواع من الهليكوبترات والتي يمكن التغلب عليها باستخدام المناورات العملياتية ووسائل الحماية الالكترونية المجهزة بها هذه الطائرات.
إن مثل هذا التطور في إدخال أنواع جديدة من معدات القتال في مسرح العمليات الليبي يؤشر إلى سعي جَدّي من قِبل قيادات التحالف لحل مشكلات المأزق العسكري القائم، ويبقى الأمر مرهوناً ليس فقط بمدى فعالية هذه الأنظمة القتالية الجديدة في ميدان المعركة ولكن كذلك بهامش المناورة لدى الخصم والذي يتضاءل في مساحته يوماً بعد يوم.