قال الله تعالىهو الذي أنزل عليك الكتب منه آيات محكمت هن أم الكتب وأخر متشابهت فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشبه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألبب) (7) سورة آل عمران
واقع المسلمين اليوم يدعو إلى دراسة المنهج العلمي الرصين في التعامل مع ما تشابه من نصوص القرآن والسنة. فقد فتن بعض شباب المسلمين في هذا العصر بكثرة الكتيبات والمطويات التي تنسب بسبب الاختلاف في هذه المسألة كثيرا من علماء المسلمين إلى البدعة ومخالفة السنة والزيغ في العقيدة.
ومازال المشفقون على أمة محمد صلى الله عليه وسلم يتحرجون من الخوض في هذه المسألة تجنبا لإثارة الفتنة بين المسلمين. ولكن لم يعد هذا التحرج مقبولا فقد تأثر كثير من العوام بما فيها من سوء الظن بأكابر العلماء والفقهاء والمحدثين.
ومن العجب أن الطعن بالعلماء قد استشرى بين من يدعي الانتساب إلى الحديث الشريف والاقتداء بالسلف حتى شمل بعض أئمة السلف والحديث. فلم يسلم من طعنهم كبار المحدثين الذين لم يعرفوا طوال تاريخنا الفكري إلا بالإمامة واتباع السنة كالحافظ البيهقي(458هـ)( [1]) والحافظ النووي(676هـ)( [2]) والحافظ ابن حجر(852هـ)( [3]) وأمثالهم. فما أعجب أن ينسب أمثال هؤلاء إلى البدعة والزيغ في الاعتقاد وقد أفنوا أعمارهم في خدمة السنة، وتطاولت أزمان وتعاقبت أجيال والأمة لا تذكرهم إلا بخير ما يذكر به أهل حديث النبي صلى الله عليه وسلم. حتى نبتت هذه النابتة الخطيرة. وما نقموا منهم إلا الخلاف في هذه المسألة.
ومما يدل على أهمية هذه المسألة ويشهد على أن رفع الخلاف فيها يرفع الخلاف في غيرها أن ابن تيمية رحمه الله تعالى حكى مناظرة دعاه إليها أحد المخالفين له فقال...فتواعدنا يوما فكان فيما تفاوضنا أن أمهات المسائل التي خالف فيها متأخرو المتكلمين ممن ينتحل مذهب الأشعرى لأهل الحديث ثلاثُ مسائل: وصف الله بالعلو على العرش، ومسألة القرآن، ومسألة تأويل الصفات. فقلت له نبدأ بالكلام على مسألة تأويل الصفات، فإنها الأم والباقى من المسائل فرع عليها)( [4])
فما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يعيدوا النظر في هذه المسألة ليعرفوا مدى الحرج والإثم الذي وقع به من أعمل في المسلمين معول التبديع والسب والتفريق. وهل يستحق الخلاف في هذه المسألة أن يرتب عليه أحد المعاصرين حكما قال فيهأما كون الأشاعرة لم يخرجوا عن الإسلام فهذا صحيح، هم من جملة المسلمين وأما أنهم من أهل السنة والجماعة فلا لأنهم يخالفون أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات من غير تأويل)( [5]) وهل نقبل قول ابن القيم ..بل الذي بين أهل الحديث والجهمية من الحرب أعظم مما بين عسكر الكفر وعسكر الإسلام)( [6])
وقد لاحظت أن ابن تيمية رحمه الله تعالى ومن تابعه على رأيه في هذه المسألة يعترفون للإمام مالك رحمه الله تعالى بالإمامة ولا ينازعون في عده من جملة السلف الصالح. ووجدتهم يكثرون من النقل عنه في هذه المسألة ويرضون بالتحاكم إليه، ثم لاحظت بعد ذلك أنهم لم يتحروا في النقل عنه ولم يصيبوا في الفهم عنه أيضا. وقد أفرد أحد المعاصرين بحثا خاصا لتلك الحادثة المشهورة التي سئل فيها الإمام عن الإستواء، وساعدنا الباحث بذكر الدوافع التي شجعته على هذه الدراسة فذكر أنَّ هذا الأثر قد تلقّاه الناس بالقبول فقال: (أولا: هذا الأثر قد تلقّاه الناس بالقبول فليس في أهل السنة والجماعة من ينكره، كما يذكر ذلك شيخُ الإسلام ابنُ تيمية - رحمه الله -( [7]) بل إنَّ أهل العلم قد ائتمّوا به واستجودوه واستحسنوه( [8]) .ثانياً: أنَّه من أنبل جواب وقع في هذه المسألة وأشدّه استيعاباً...( [9]).ثالثاً: أنَّ قوله هذا ليس خاصّاً بصفة الاستواء، بل هو بمثابة القاعدة التي يمكن أن تُقال في جميع الصفات)( [10])
ثم لاح لي بعد هذا الاتفاق سبيل يرفع النزاع في هذه المسألة الموصوفة بكونها كالأم لما سواها من المسائل. خاصة بعد أن اتفق الفريقان على أن قول الإمام فيها هو القاعدة وهو القول الأنبل. فإذا اتفقنا على ذلك فقعد تعين تحرير النقل وتصحيح الفهم عن الإمام ليرتفع الخلاف والنزاع ولا يبقى لمسلم عذر في نهش علوم الأكابر أو في السكوت على ذلك.
وأول خطوة في هذه السبيل أن نجهر معهم بالاعتراف بما اعترفوا به للإمام وأن نشهد على ما شهدوا له به وأن نشد على أيديهم في الدعوة إلى الإقتداء به في هذه المسألة. وأن نشير إلى شهادات السلف والسلفيين التي تعزز الاستمساك برأي الإمام. ولنقدم لذلك كله بلمحة سريعة نبحث فيها عن أول ظهور لهذه المسألة في تاريخنا الفكري وعن الموضع الذي تشعبت منه الآراء والمناهج. على أن نزن هذه المذاهب بميزان الدليل، ونقارن كلا منها بما صح سنده عن الإمام في هذه المسألة حتى نتبين الموافق منها والمخالف. ويتعين تفصيل هذا القول في نقاط.
أولا: لمحة في ظهور هذه المسألة وظهور الاختلاف فيها.
ثانيا: شهادة كبار المحدثين للإمام بما يعزز التحاكم إلى رأيه في هذه المسألة:
ثالثا: رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى في هذه المسألة.
أولا: لمحة في ظهور هذه المسألة وظهور الاختلاف فيها.
لا يخفى على أحد ما أحدثه اختلاطُ العرب بالعجم في صدر الرسالة من آثار في الفكر الإسلامي من جهة وفي اللغة العربية من جهة أخرى. فلما دخل في دين الإسلام أفواجٌ من أمم لم يتذوقوا بيان العربية وقفوا على بعض الألفاظ القرآنية مجردةً عن سياقها وسباقها، مثل قوله تعالى: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) ونحو ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. فحمل بعضهم مثل هذه النصوص المتشابهة على ظاهرها وربطوا بين هذا الفهم وبين ما كانوا عليه من الاعتقاد في ذات الله عز وجل المختلط بالوثنية أو اليهودية المحرفة أو غيرها من العقائد الفاسدة. وصار وجود هذه الألفاظ في حقهم موهما لتشبيه الباري وتجسيمه.
ولهذا كان في السلف من ينكر التحديث بمثل هذه الأحاديث الموهمة إشفاقاً على هؤلاء العجم مِن توهمِ التجسيم. وفي ذلك يقول القاضي عياض(544هـ) رحمه الله: (..رحم الله الإمام مالكاً فلقد كره التحديث بمثل هذه الأحاديث الموهمة للتشبيه والمشكلةِ المعنى.. والنبي صلى الله عليه وسلم أوردها على قوم عرب يفهمون كلام العرب على وجهه وتصرفاتهم في حقيقته ومجازه واستعارته وبليغه وإيجازه فلم تكن في حقهم مشكلة، ثم جاء من غلبت عليه العجمة وداخلته الأمية فلا يكاد يفهم من مقاصد العرب إلا نصَّها وصريحها..فتفرقوا في تأويلها أو حملها على ظاهرها شذر مذر فمنهم من آمن ومنهم من كفر)( [11])
وأول ظهور للخوض في هذه النصوص ينسب إلى مقاتل بن سليمان(150هـ) الذي جهر بمقالة التشبيه في خراسان فقال: إن الله جسم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل وعينين.
وفي خراسان أيضا ظهر أول إنكار لمقالة مقاتل، إذ قام الجهم بن صفوان بالرد على مقاتل غير أنه أفرط في النفي كما أفرط خصمه في الإثبات. وجرت بين الفريقين مناظرات انتقل صداها إلى علماء المسلمين من السلف الصالح رضوان الله عليهم لما سارع العوام إليهم يسألون عن الحق في ما أحدثه هذا النزاع. وفي ذلك يقول الإمام أبو حنيفة(150هـ) رحمه الله: (أتانا من المشرق رأيان خبيثان، جهمٌ معطلٌ ومقاتلٌ مشبه)( [12])
وكان موقف السلف في أول ظهور هذه البدعة يقتصر على إظهار الطعن والبراءة من الخائض فيها من الفريقين كما سبق عن الإمام أبي حنيفة( [13])
ولعل موقف الإمام مالك من أبرز المواقف التي تمثل هذا الموقف في تلك الحادثة المشهورة التي أخرجها البيهقي: (أن رجلاً دخل على الإمام مالك فقال: يا أبا عبد الله " الرحمن على العرش استوى " كيف استواؤه؟ قال: فأطرق مالك وأخذته الرُّخصاء، ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجلُ سوءٍ صاحبُ بدعةٍ، أخرجوه، فأُخرج الرجل) وفي رواية (والكيف غير معقول)( [14])
ولكن لما عمت البلوى وانتشرت البدعة نهض العلماء لقمعها وخاضوا في ما كرهوا الخوض فيه، وكانوا أغنى الخلق عن هذا البحث لولا انتشار البدعة، ولم يعد مقبولاً سكوت الأمة عن هذه البدعة فتعين على بعضها الفرض الكفائي في الذب عن السنة ومحاربة هذه البدعة.
واتفق الجميع على ترك السكوت فتكلم في ذلك من المحدثين والفقهاء والمتكلمين مَن تكلم حتى كثر فيه الكلام والاختلاف وتمايزت فيه فرقٌ ومقالات صارت مستقلة معروفة فيما بعد. وتباينت المواقف في القرب من أحد المذهبين. فظهرت المعتزلة التي أنكرت القول بالتجسيم والتشبيه ومالوا إلى رأي الجهم في نفي بعض الصفات والقول بخلق القرآن، ولما أفرط المعتزلة بالنفي قابلهم بعض المحدثين بالغلو في الإثبات فأثبتوا بعض الأخبار الواهية المنكرة وجمعوا الصحيح مع الضعيف المنكر في مصنفات جمعوا فيها ما يسمونه أخبار الصفات. ولم يكن هذا الإفراط المقابل بالتفريط إلا وبالاً على فكر المسلمين، تعمَّق به الخلاف والتنازع، واشتد به الصراع الفكري، وبعدت الشقة بين المتنازعين حتى أقبل القرن الرابع الهجري، وظهرت فيه التيارات الوسطية المعتدلة في عدد من بقاع العالم الإسلامي فظهرت الطحاوية في مصر على يد أبي جعفر الطحاوي،( [15]) والماتريدية في سمرقند نسبة إلى الإمام أبي منصور الماتريدي،( [16]) والأشاعرة في بغداد على يد الإمام أبي الحسن الأشعري. واستطاع المذهب الأشعري أن يسود ويغلب لأنه نشأ في عاصمة الخلافة بغداد وملتقى علماء الأمة ورجالها فسهل الله له منهم من يقوم بنصرة المذهب وتنقيحه وتأصيله.
وبظهور المذهب الأشعري انحسر تيار المعتزلة وتوالف المحدثون والحنابلة مع المتكلمين الأشاعرة. وانحصر خلاف العقلاء المتنزهين عن الهوى والعصبية في مثل تلك النصوص الموهمة في مسلكين: التفويض والتأويل، وأقام الأشاعرة هذين المسلكين على ثوابت العقل وصحيح النقل وشواهد العربية، ثم ظهر في الأمة من اختار مذهباً ملفقاً غير منضبط ولا ضابط وأغرب في عزو هذا المذهب المتأخر المستحدث إلى السلف الصالح. فلا بد من الحديث عن هذه المسالك الثلاثة.
ثانيا: مسالك العلماء في هذه المسألة
المسلك الأول: تفويض العلم بالمراد إلى الله عز وجل.
والمراد به الإيمان بما ورد مع صرف اللفظ الموهم عن ظاهره وردِّ العلم بالمراد منه إلى الله تعالى( [17]) وهذا التفويض لابد فيه من أمور:
الأول: تنزيه الله عز وجل تصديقاً لقوله تعالى " ليس كمثله شيء " (11) سورة الشورى
الثاني: التصديق بما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، وأنه حق على المعنى الذي أراده الله ورسوله.
الثالث: الاعتراف بالعجز عن معرفة ذات الله عز وجل والإحاطة بوصفه.
الرابع: السكوت عما سكت عليه السابقون الأولون، والكف عن السؤال عنه كما كفوا.
الخامس: الإمساك عن التصرف في تلك الألفاظ بتفسير أو ترجمة أو اشتقاق أو تفريع وقياس.
ونمسك عن تجريد اللفظ عن سياقه وسباقه لأن كل كلمة سابقةٍ ولاحقةٍ تؤثر في إفهام المراد فإذا انتهينا إلى قول الله عز وجل " وهو القاهر فوق عباده "(18) سورة الأنعام فلا نقول "هو فوق عباده " لأن لفظ القاهر قبله يشير إلى فوقية الرتبة والقهر، كما قال تعالى على لسان فرعون "وإنا فوقهم قاهرون"(127) من سورة الأعراف ونزعُ لفظِ القاهر يعطل هذا المعنى الذي يحتمله السياق احتمالاً قوياً ويوهم فوقيةً غيرَها لم يكن ليُفطن إليها لولا هذا التجريد عن السياق.( [18])
المسلك الثاني: تفويض الكيفية
ومبنى هذا المسلك على إثبات الألفاظ الموهمة وعدِّها من صفات الله عز وجل وإثباتِ الكيفية مع نفي العلم بهذه الكيفية وتفويض العلم به إلى الله، وهو مشهور في مذهب ابن تيمية رحمه الله( [19])
ويبنون هذا المسلك على ما ينسبونه إلى الإمام مالك رحمه الله أنه قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول.( [20])
المسلك الثالث: التأويل
ويراد به في هذه المسألة القطع بصرف اللفظ عن ظاهره الموهم مع بيان المعنى الذي يُظَن أنه مقصود( [21]) ويقوم هذا المذهب على أسس نذكر منها:
أولاً: أنه لا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره إلا عند قيام الدليل القاطع على أن ظاهره محال ممتنع ( [22]) مثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن)( [23]) قال الغزالي(505هـ): (حمله على الظاهر غير ممكن...إذ لو فتشنا عن قلوب المؤمنين لم نجد فيها أصابع فَعُلِمَ أنها كناية عن القدرة التي هي سر الأصابع، وكنِّي بالأصابع عن القدرة لأن ذلك أعظم وقعاً في تفهم تمام الاقتدار)( [24]).
أما إذا كان إجراؤه على الظاهر غير محال فلا يجوز تأويله، ولذلك أنكر الغزالي على المعتزلة أنهم أولوا ما ورد من الأخبار في أحوال الآخرة كالميزان والصراط وغيرهما وقال: (هو بدعة، إذ لم ينقل ذلك بطريق الرواية، وإجراؤه على الظاهر غير محال فيجب إجراؤه على الظاهر)( [25])
ثانياً: يشترط لصحة التأويل أن يكون موافقاً لأساليب اللغة وعرف الاستعمال جارياً على ما يقتضيه لسان العرب وما يفهمونه في خطاباتها.( [26])
ثالثاً: يشترط لصحة التأويل أن لا يخالف أصلاً ثابتاً( [27]) ومن هذا التأويل المخالف تأويل الاستواء بالاستقرار. لأنه لا يخفى أن في الاستقرار تشبيهاً بالمخلوق، ومفارقةً لتنزيه الباري عزّ وجلّ( [28])
وإذا فرغنا من الكلام على هذه المسالك فقد تهيأ المقام لبيان ما اتفق عليه أهل هذه المسالك من الانتساب إلى الإمام مالك رحمه تعالى ومتابعته في هذه المسألة والتحاكم إلى رأيه فيها.
ثانيا: شهادة كبار المحدثين للإمام بما يعزز التحاكم إلى رأيه في هذه المسألة:
لن نطيل بنقل ما اتفق عليه العلماء من إمامة مالك بن أنس وشهاداتهم لمن سار على منهجه باتباع السنة والسلف، فالذي يسعنا في هذا المقام أن نكتفي من ذلك برأي بعض المحدثين المشهود لهم في عصرنا بالسلفية أصالة أو اتباعا.
فمن ذلك أن الحافظ اللالكائي(418هـ) السلفي ترجم للإمام في سياق من رسم بالإمامة في السنة والدعوة والهداية إلى طريق الاستقامة( [29])
ونقل الحافظ الذهبي السلفي عن كثير من السلف ما يحتاج إليه في هذا المقام فمن ذلك
أنه نقل عن إسحاق بن راهويه(238هـ) أنه قال إذا اجتمع الثوري ومالك والأوزاعي على أمر فهو سنة وإن لم يكن فيه نص)( [30])
..وقال الذهبيوقد اتفق لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لغيره أحدها طول العمر وعلو الرواية وثانيتها الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم، وثالثتها اتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية،
ورابعتها تجمعهم على دينه وعدالته واتباعه السنن ، وخامستها تقدمه في الفقه والفتوى، وصحة قواعده)( [31])
وترجم له في السير فأكثر من نقل ثناء العلماء عليه ومن ذلك قوله: (هو شيخ الإسلام حجة الأمة إمام دار الهجرة..وعن ابن عيينة قال: مالك عالم أهل الحجاز وهو حجة زمانه
وقال الشافعي - وصدق وبر- إذا ذكر العلماء فمالك النجم...
, قال الشافعي العلم يدور على ثلاثة مالك والليث وابن عيينة...
وروي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكا يقول عالم العلماء ومفتي الحرمين
وقال ابن معين (233هـ) مالك من حجج الله على خلقه)( [32])
ولعل هذا هو الذي يتسع له المقام في ترجمة الإمام. وما أحوجنا الآن إلى التنقيب عن رأيه قي هذه المسألة الأم والتمسك بمذهبه فهو شيخ الإسلام و حجة الأمة وإمام دار الهجرة الذي أجمع العلماء على دينه وعدالته واتباعه السنن.
ثالثا: رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى في هذه المسألة.
أولا: نقد ما ينسبونه إلى الإمام من جهة السند:
من الملاحظ أن المخالفين في هذه المسألة اعتمدوا في فهم رأي الإمام على ما ينسبونه إليه من قوله لذلك السائل الاستواء معلوم والكيف مجهول) وتدل هذه العبارة عندهم على إثبات الكيفية وتفويض العلم بها إلى الله عز وجل.وهذا فهم لا يثبت من حيث النقل
ومن الملاحظ أن الروايات تعددت واختلفت في هذه الحادثة الواحدة اختلافا شديدا. ففي بعضها يعد الاستواء معلوما وتقابلها روايات يعد فيها الإستواء مجهولا. وبعضها يعد الكيف مجهولا ويقابله روايات تعد الكيف مرفوعا. ولن أطيل بتخريج هذه الروايات لأن الغرض يتحقق بتعقب ما ما ذكره الباحث عبد الرزاق البدر الذي تكلف في فهم مذهب الإمام مقتصرا على دراسة هذه الحادثة فجمع ما أمكنه الوقوف عليه من هذه الروايات المختلفة المتعارضة. ولم يفرق بين رواية الثقات وروايات من وافقهم من ضعاف الحفظ ومن خالفهم من الضعفاء. بل خلط الجميع خلطا واحدا وزعم أن ما ضعف من أسانيد هذه الروايات يتقوى بما صح من أسانيدها. وليس هذا من النقد الحديثي في شيء. فالواجب يقتضي مع هذا التعارض الواضح أن نعتمد على الأسانيد الصحيحة وأن نعد ما عارضها من باب المنكر أو الشاذ. وأن نفرق بين موافقة الثقات ومخالفتهم، فمن وافقهم فقد فاز بهذه الموافقة التي تجبر كسره وتؤكد نقله، ومن خالفهم من الضعاف صارت مخالفتهم مؤكدا لتضعيف روايته.
ولبيان ذلك نقول: وجدنا سبع روايات عن الإمام تتفق على نفي الكيف عن الله عز وجل. صح ذلك من طريقين عن الإمام. وشهد لها رواية ثلاثة عن الإمام بإسناد جيد في تقوية. ومجموع هذه الروايات الخمسة يشهد لصحة روايتين صالحتين للتقوي والاعتبار. فاجتمع من ذلك سبع روايات تشدد الحكم بالنكارة على الرواية التي تعارضها بإثبات الكيف.
ونبدأ بأصح هذه الأسانيد وهي رواية عبد الله بن وهب( [33])
قال الحافظ البيهقي: (أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أحمد بن محمد بن إسماعيل بن مهران( [34])، ثنا أبي( [35])، حدّثنا أبو الربيع بن أخي رشدين ابن سعد( [36]) قال: سمعت عبد الله بن وهب يقول: كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال: يا أبا عبدالله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استواؤه؟، قال: فأطرق مالك وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال:"الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه، قال: فأُخرج)( [37]).
وقد صحح هذه الرواية الحافظ الذهبي في العلوّ فقال وساق البيهقي بإسناد صحيح عن أبي الربيع الرشديني عن ابن وهب...)( [38]). وجود الحافظ ابن حجر إسنادها( [39]).
ويليها رواية يحيى بن يحيى التميمي( [40])
قال البيهقي رحمه الله: (أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه الأصفهاني( [41])، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيَّان المعروف بأبي الشيخ( [42])، ثنا أبو جعفر أحمد بن زيرك اليزدي: سمعت محمد بن عمرو بن النضر النيسابوري( [43]) يقول: سمعت يحيى بن يحيى يقول: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} فكيف استوى؟، قال: فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال:"الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ مبتدعاً. فأمر به أن يُخرج)( [44]).
وذكرها الحافظ الذهبي ثم قال : (هذا ثابت عن مالك)( [45]).
وهذه الرواية توافق الرواية السابقة التي قال فيها (والكيف عنه مرفوع) وهي تدل على نفي الكيف عن الله وصفاته. كما نبه عليه أتباع الإمام، من ذلك قول القرافي: (ومعنى قول مالك الاستواء غير مجهول أن عقولنا دلتنا على الاستواء اللائق بالله وجلاله وعظمته وهو الاستيلاء دون الجلوس ونحوه مما لا يكون إلا في الأجسام. وقوله والكيف غير معقول معناه أن ذات الله لا توصف بما وضعت له العرب لفظ كيف، وهو الأحوال المتنقلة والهيئات الجسمية..فلا يعقل ذلك في حقه لاستحالته في جهة الربوبية)( [46])
ويليها رواية سفيان بن عيينة( [47]) ورجالها ثقات.
قال القاضي عياض:"قال أبو طالب المكي: (كان مالك- رحمه الله - أبعدَ الناس من مذاهب المتكلِّمين، وأشدَّهم بُغضاً للعراقيين، وألزَمَهم لسنة السالفين من الصحابة والتابعين، قال سفيان بن عيينة: سأل رجلٌ مالكاً فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى يا أبا عبد الله؟، فسكت مالكٌ مليًّا حتى علاه الرحضاء، وما رأينا مالكاً وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثمَّ سُريَّ عنه فقال:"الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنُّك ضالاًّ، أخرجوه". فناداه الرجل: يا أبا عبد الله، والله الذي لا إله إلاَّ هو، لقد سألتُ عن هذه المسألة أهلَ البصرة والكوفة والعراق، فلم أجِد أحداً وُفِّق لما وُفِّقت له)( [48]).
ثم رواية محمد بن النعمان بن عبد السلام التيمي( [49]).
أخرجها أبو الشيخ الأنصاري في كتابه طبقات المحدّثين بسنده عنه أنه قال أتى رجل مالكَ بنَ أنس فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟، قال: فأطرق، وجعل يعرق، وجعلنا ننتظر ما يأمر به، فرفع رأسه، فقال:"الاستواء منه غير مجهول، والكيف منه غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ ضالاًّ، أَخرجوه من داري)( [50])
وقد ساعدنا الدكتور البدر على قبولها فقال : (إسنادها جيّد).
ثم رواية الإمام سحنون( [51]) عن بعض أصحاب مالك.
قال ابن رشد في البيان والتحصيل: (قال سحنون: أخبرني بعض أصحاب مالك أنَّه كان قاعداً عند مالك فأتاه رجل فقال:"يا أبا عبد الله مسألة؟، فسكت عنه ثم قال له: مسألة؟، فسكت عنه، ثم عاد فرفع إليه مالك رأسَه كالمجيب له، فقال السائل: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}، كيف كان استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسَه ساعة ثم رفعه، فقال:"سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمتَ في غير معقول، ولا أراك إلاَّ امرأ سوء، أَخرِجوه)( [52]).
ويلي هذه الروايات روايتان صالحتان للاعتبار
الأولى رواية جعفر بن ميمون( [53])
أخرجها الإمام أبو إسماعيل الصابوني بسنده عنه أنه قال: سئل مالك بن أنس عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟، قال:"الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ ضالاًّ، وأمر به أن يخرج من مجلسه)( [54]).
والثانية: رواية بشّار الخفّاف الشيباني( [55]).
نقل الحافظ المزي في تهذيب الكمال عن ابن ماجه في التفسير أنه خرج هذه الرواية فقال: (حدّثنا علي بن سعيد( [56])، قال: حدّثنا بشّار الخفّاف أو غيره، قال:"كنت عند مالك بن أنس فأتاه رجل... وذكره)( [57]). وذكرها أبو المظفر السمعاني في تفسيره من غير شك في روايتها عن بشار الخفّاف( [58])
فهذه الروايات تتضافر على نفي الكيف وتشدد الخطب على من خالف في إثباته. وهذه المخالفة جاءت في روايتين
الأولى: في إحدى الروايات عن مهدي بن جعفر( [59])
أخرجها الحافظ أبو نعيم في الحلية بسنده عنه وفيها أن الإمام قال "الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول( [60]). وفي رواية: :"الكيف غير معلوم"( [61]).
وقد ساعدنا البدر على الاعتراف باضطراب مهدي بن جعفر في هذه الرواية فقالومهدي بن جعفر صدوق له أوهام وقد اضطرب في روايته لهذه القصة، فرواها مرّة عن شيخه جعفر بن عبد الله عن مالك، ورواها مرّة أخرى عن شيخه جعفر عن رجل عن مالك، ورواها مرّة ثالثة عن مالك مباشرة)( [62])
واضطرب في متن الرواية أيضا: فمرة يكون الاستواء غير مجهول ومرة يكون مجهولا.
ومرة يكون الكيف مجهولا ومرة يكون غير معقول.
فهذا اضطراب لا يحتمل ولو من غير تقدير مخالفته للثقات، فكيف يكون حالها مع الإضطراب ومخالفة الثقات؟
وكيف يصح في النقد قول الباحث (وهذا الاضطراب الذي في هذه الطريق لا ينفي صحة القصة؛ لأنَّها قد جاءت من طرق أخرى تعضدها وتقوِّيها) ( [63]) وكيف يتقوى المضطرب برواية الثقات وهو يخالفهم! فالصواب أن نقبل من هذه الروايات الرواية التي وافق فيها الحفاظ، وأن ندع ما خالفهم فيها. لأنها رواية منكرة مضطربة.
والرواية الثانية رواية سريج بن النعمان( [64]) عن عبد الله بن نافع.
أخرجها الحافظ ابن عبد البر بسنده عن سريج بن النعمان، قال: حدّثنا عبد الله بن نافع، قال: قال مالك بن أنس:"الله عز وجل في السماء وعلمه في كلِّ مكان، لا يخلو منه مكان، قال: وقيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟، فقال مالك - رحمه الله -: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة( [65])، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء)( [66]).
وهذه المخالفة إن كانت من سريج فلا تحتمل ولا تصمد أمام روايات الحفاظ التي توافق العقل والنقل والتنزيه. ومثل ذلك إن كانت من عبد الله بن نافع( [67])
والحاصل أن هذه الروايات اختلفت في ذكر هذه القصة الواحدة، فعدل القول في مثل هذه الحال أن نعتمد على الروايات الصحيحة. فلا ننسب إلى الإمام موقفا يعتمد على المنكر ويغفل الصحيح، هذا إذا كان منهج الإمام في هذه المسألة لا يمكن استبيانه إلا من هذه الحادثة. فكيف إذا كان يصح عن الإمام ما يشهد لفهمنا لمنهجه ويخالف ما ينسبه إليه المخالف.
ثانيا: نفي الكيف هو المشهور المعروف من مذهب السلف، والذي يليق بالإمام أن يتفق مع الأئمة والسلف في هذه المسألة. ولم نسمع أحدا ينسب إلى الإمام مخالفة في هذه المسألة.
ثالثا: من المعروف أن من أتباع الإمام لم يرضوا بهذا المنهج الذي ينسب إلى الإمام. وهم أولى بالإمام وأعرف بمذهبه من غيرهم ، بل اختص المالكية من بين المذاهب الأربعة بالبراءة من الخوض في المتشابه. قال ابن السبكي: (أنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثنى أحدا والشافعية غالبهم أشاعرة لا أستثنى إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال ممن لا يعبأ الله به، والحنفية أكثرهم أشاعرة أعنى يعتقدون عقد الأشعري لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة، والحنابلة أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري إلا من لحق بأهل التجسيم)( [68])
رابعا: لو سلمنا بصحة الرواية التي نسبوها إلى الإمام فلا نرضى بأن نجعل هذه العبارة شاهدا وحيدا على منهج الإمام. فقد صح عن الإمام أقوالٌ ومواقفُ في هذه المسألة تساعد على فهم منهجه فمن ذلك نهيه عن التحديث بهذه الأحاديث الموهمة كما حكاه عنه القاضي عياض.
ونقل الحافظ الذهبي عن ابن القاسم أنه قال: ( سألت مالكا عمن حدث بالحديث الذين قالوا "إن الله خلق آدم على صورته" والحديث الذي جاء "إن الله يكشف عن ساقه" وأنه "يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد" فأنكر مالك ذلك إنكارا شديدا ونهى أن يحدث بها أحد)( [69])
وقد حاول الذهبي أن يبرر هذا الإنكار فقال: ( أنكر الإمام ذلك لأنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور... فقولنا في ذلك وبابِه الإقرارُ والإمرارُ وتفويضُ معناه إلى قائله الصادق المعصوم)
وهذا توجيه فيه نظر لأن السائل جمع هذه الأخبار المتشابهة ولم يسأل عن أسانيدها بل سأل عن المتون، ولا يخفى أن ضعف الرواية لا يستوجب الإنكار الشديد من الإمام على من حدث بها، ومن المعروف في مناهج المحدثين أن المحدث يبرأ من ضعف الحديث بذكر إسناده، وليس من منهجهم النهي عن التحديث بغير الصحيح، وإنما يستحق هذا الإنكار إذا خيف على العوام الخوض فيها وعدم ردها إلى المحكمات من أدلة التنزيه.
خامسا: تتضح ملامح منهج الإمام من موقفه الصارم من الخوض في هذه النصوص فقد اشتد حاله لما سمع سؤال السائل فاقتصد في جوابه وزجره ونص على أن مجرد السؤال يعد بدعة موجبة لسخط العالم على السائل وطرده، فما بالنا بمن خاض في هذه النصوص وحملها على غير ما تعارفت عليه العرب في خطاباتها وزاد على ذلك بإثبات الكيف؟
سادسا: ومن المأثور عن الإمام ما يوافق فهمَنا لمذهبه وقد نص الحافظ الذهبي على صحته عن الإمام فقال: (والمحفوظ عن مالك رحمه الله رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن فقال أمروها كما جاءت بلا تفسير)( [70]). وهذا المذهب المخالف لم يلتزم بإمرارها كما جاءت بل زاد على تفسيرها لما تصرف فيها بما يخالف أساليب العربية.
سابعا: فهمنا لمنهج الإمام هو الذي ينسجم مع ما يعرف به في مجلسه.
قال الذهبي كان مجلسه مجلس وقار وحلم قال وكان رجلا مهيبا نبيلا ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط وكان الغرباء يسألونه عن الحديث فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث...
وعن ابن وهب سمعت مالكا يقول ليس هذا الجدل من الدين بشيء...
وعن ابن وهب قال قيل لمالك ما تقول في طلب العلم قال حسن جميل لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي فالزمه)( [71])
وهذا الذي ينسبونه إلى الإمام لا يكتفي بالحديث بل يزيد عليه بقوله له ساق وله أصابع ونحوها ويتعدى إلى إثبات الكيفية ويملأ الدنيا جدالا ولغطا في ما لا يلزم أحدا من المسلمين من مهده إلى قبره. وحال عوام المسلمين يشهد بغفلتهم عن هذه الأخبار ولم يطعن أحد في إيمانهم وما علمنا أحدا من السلف في نشره لدين الله دعا الخلق إلى إثبات الساق والأصابع ونحوها.
ثامنا: اختار الإمام التأويل في بعض هذه الأخبار. ولا يخفى أن ثبوت التأويل في خبر واحد يعارض بالكلية مذهب من عد التأويل تعطيلا وإلحادا في صفات الله عز وجل. وفي المقابل لا يتعارض اختيار التأويل في موضع مع اختيار التفويض في موضع آخر.
ومن تأويل الإمام ما نقله الحافظ الذهبي عن حبيب بن أبي حبيب أنه قال: (حدثني مالك قال " يتنزل ربنا تبارك وتعالى" : يتنزل أمره فأما هو فدائم لا يزول...)( [72])
وننتهي إلى القول بأنه حق على كل من ادعى الانتساب إلى الإمام وشهد له بالإمامة واتباع السنة واستشهد بالنقل عنه في هذه المسألة أن يحرر نقله عنه وأن يتجرد في الفهم عنه. وحق على من ينتسب إلى السلف ويتشرف بموافقة أهل الحديث أن يتحقق قبل أن يسرف على نفسه بالطعن على مذهب لا يصح عن السلف ولا عن أكابر المحدثين غيره. ولا يستقيم مع العقل والنقل واللغة غيره.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
________________________________________
________________________________________
( [1]) انظر مقدمة رسالة أحمد بن على الغامدي وعنوانها البيهقي وموقفه من الإلهيات وهي رسالة دكتوراه في جامعة أم القرى 1402
( [2]) انظر دعوة التوحيد للدكتور محمد خليل هراس 224 وفتاوى اللجنة الدائمة 3/163.
( [3]) انظر نيل عبد الله بن إبراهيم آل حمد من الحافظ ابن حجر في تحقيقه لكتاب توفيق الرحمن لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك 2/220 وقد رماه بمخالفة أهل السنة واتباع أهل البدع من الأشاعرة. وانظر نحوه في منهج الحافظ ابن حجر في العقيدة لمحمد إسحاق كندو131 وغمزه بأنه كان ذا عقيدة يشوبها التمشعر.
( [4]) انظر كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة 6/ 354-355
( [5]) تنبيهات على مقالات الصابوني 62. ومثلُه قولُ ابن باز رحمه اللهفالأشاعرة وأشباههم لا يدخلون في أهل السنة في إثبات الصفات لكونهم قد خالفوهم في ذلك وسلكوا غير منهجهم)؟ انظر تنبيهات في الرد على من تأول الصفات 42.
( [6]) اجتماع الجيوش الإسلامية 154 وانظر الصواعق المرسلة 4/1333
( [7]) مجموع الفتاوى (13/309).
( [8]) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/520).
( [9]) انظر: مجموع الفتاوى (5/520).
( [10]) انظر(الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء) دراسة تحليلية بقلم عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر ص 1-4
( [11]) الشفا 2/542.
( [12]) انظر تاريخ بغداد 13/164.
( [13]) وانظر نحو هذا الموقف عن غيره من السلف في السنة لعبد الله بن أحمد 1/108.
( [14]) الأسماء والصفات 515.
( [15]) هو أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفرالطحاوي المصري الفقيه الحنفي، وكان ثقة نبيلا فقيها له كتاب شرح الآثار (321هـ) وهو صاحب العقيدة المشهورة بالعقيدة الطحاوية، صحب المزني وتفقه به ثم ترك مذهبه وصار حنفي المذهب انظر طبقات الحنفية1/102
( [16]) هو محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي من كبار العلماء كان يقال له إمام الهدى له كتاب التوحيد وكتاب المقالات وكتاب تأويلات القرآن وهو كتاب لا يوازيه فيه كتاب بل لا يدانيه شيئ من تصانيف من سبقه فى ذلك الفن، مات سنة 333هـ. انظر طبقات الحنفية 1/130
( [17]) انظر شرح جوهرة التوحيد للباجوري 149.
( [18]) انظر إلجام العوام لحجة الإسلام الغزالي 64-84
( [19]) انظر مجموع الفتاوى 13/309 ودرء التعارض 5/234
( [20]) انظر مجموع الفتاوى 13/309
( [21]) انظر شرح الجوهرة، الباجوري 149.
( [22]) انظر أساس التقديس، الرازي 182. والإرشاد، الجويني 160.
( [23]) صحيح مسلم 4/ 2045(2654)
( [24]) انظر قواعد العقائد، مع إحياء علوم الدين 1/102.
( [25]) المصدر السابق، نفس الصفحة. وانظر الاقتصاد في الاعتقاد 18.
( [26]) انظر شرح الفقه الأكبر، القاري 34.
( [27]) انظر البرهان، الجويني1/536.وفيصل التفرقة، الغزالي198-191.
( [28]) انظر تعليق الكوثري عليه 37.
( [29]) انظر اعتقاد أهل السنة1/29
( [30]) تذكرة الحفاظ1/207 .
( [31]) تذكرة الحفاظ 1/212
( [32])انظر سير أعلام النبلاء 8 /48- 95
( [33]) هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي الفهري، أبو محمد. (197هـ) وهو من أثبت الناس في مالك كما في تهذيب الكمال (16/277 - 286). وقال ابن حجر في التقريب (رقم:3718):"ثقة حافظ عابد".
( [34]) أحمد بن محمد بن إسماعيل بن مهران الإسماعيلي النيسابوري أبو الحسن. قال فيه الذهبي في تاريخ الإسلام (ص:187): "أبو الحسن الإسماعيلي النيسابوري العدل".
( [35]) محمد بن إسماعيل بن مهران أبو بكر الإسماعيلي، قال فيه الحاكم:"هو أحد أركان الحديث بنيسابور، كثرة ورحلة واشتهارا ... ثقة مأمون"، قال إبراهيم ابن أبي طالب:"لم يجوِّد لنا حديث مالك كالإسماعيلي"، توفي سنة (295هـ)، انظر: سير أعلام النبلاء (14/117 - 118).
( [36]) أبو الربيع هو سليمان بن داود بن حماد المَهْري، وجدّه حماد بن سعد أخو رِشْدين بن سعد، توفي سنة (253هـ). نقل المزي في تهذيب الكمال توثيقه عن النسائي (11/409 - 410).
( [37])الأسماء والصفات 515.
( [38]) العلوّ (1/138).
( [39]) فتح الباري (13/406،407).
( [40]) هو يحيى بن يحيى بن بكر التميمي أبو زكريا النيسابوري(226هـ).
وثّقه أحمد وابن راهويه والنسائي وغيرهم. ، تهذيب الكمال (32/31-37).
( [41]) أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث الفقيه التميمي الأصفهاني، قال فيه الذهبي في تاريخ الإسلام (ص:281):"الزاهد المقرئ النحوي المحدِّث …، وكان إماماً في العربية".
( [42]) أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيّان المعروف بأبي الشيخ، قال فيه الخطيب البغدادي:"كان أبو الشيخ حافظاً ثبتاً متقناً"، توفي سنة (369هـ)، انظر: سير أعلام النبلاء (16/277 - 279).
( [43]) أبو علي محمد بن عمرو بن النضر الجرشي النيسابوري، قال الذهبي في تاريخ الإسلام (ص:282):"وكان صدوقاً مقبولاً".
( [44])الأسماء والصفات 515. وانظر الاعتقاد (ص:56)
( [45]) العلوّ (1/139).
( [46]) الذخيرة لشهاب الدين أحمد القرافي 13/242
( [47]) هو الإمام الحافظ سفيان بن عيينة بن أبي عمران، أبو محمد الكوفي ثم المكي. انظر ترجمته فير في التقريب (رقم:2464).
( [48]) ترتيب المدارك للقاضي عياض (2/39)، ونقله الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/106،107).
( [49]) أبو عبد الله التيمي الأصبهاني. قال عنه الذهبي:"شيخ أصبهان، وابن شيخها، وأبو شيخها عبد الله"، تاريخ الإسلام (ص:475).
( [50]) طبقات المحدّثين بأصبهان (2/214).
( [51]) سحنون: هو الإمام العلاَّمة فقيه المغرب، أبو سعيد عبد السلام بن حبيب بن حسان التنوخي، قاضي القيروان، وصاحب المدونة. (240هـ).انظر: السير للذهبي (12/63 - 69).
( [52]) البيان والتحصيل (16/367 - 368).
( [53]) هو جعفر بن ميمون التميمي أبو عليّ، ويقال: أبو العوّام الأنماطي. قال عنه أحمد:"ليس بقويٍّ في الحديث"، ونحوه عن النسائي. انظر: تهذيب الكمال (5/114،115).
( [54]) عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص:38).
( [55]) هو بشار بن موسى الخفّاف الشيباني أبو عثمان تكلّم فيه البخاري ويحيى بن معين، وأبو داود، والنسائي وعلي بن المديني، وغيرهم. انظر: تهذيب الكمال (4/85 - 90).
( [56]) هو علي بن سعيد النسوي أو النسائي، قال في التقريب:"صدوق صاحب حديث".
( [57]) (4/90)، و(20/449).
( [58]) تفسير السمعاني (3/320).
( [59]) هو مهدي بن جعفر بن جَيْهان بن بهرام الرملي، أبو محمد. قال فيه ابن حجر:"صدوق له أوهام" كما في التقريب له (برقم:6979).
( [60]) الحلية لأبي نعيم (6/325،326)، ورواه الذهبي في السير (8/100) من طريق أبي نعيم.
( [61]) عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص:38).
( [62]) انظر" الأثر المشهور" ص3-4
( [63]) انظر "الأثر المشهور "ص 16
( [64]) سريج بن النعمان بن مروان الجوهري اللؤلؤي، أبو الحسين وثَّقه يحيى بن معين، والعجلي، وأبو داود، وغيرهم.وقال فيه ابن حجر:"ثقة يهم قليلاً"، كذا في التقريب.
انظر: تهذيب الكمال للمزي (10/218).
( [65]) ومثل هذه الرواية بهذا اللفظ لم أجدها منقولة بسند صحيح عن أحد من السلف. ووجدتها بسند موضوع عن وهب منبه وهو من مسلمة أهل الكتاب يزعم أنه نقلها من التوراة أخرجه أبو الشيخ في العظمة 2/706 بسند حكم بوضعه الذهبي في العلو 1/125وحكم بركاكة متنه أيضا.
( [66]) التمهيد (7/138)
( [67]) روى عن مالك رجلان بهذا الاسم: أحدهما: عبد الله بن نافع الصائغ (ت206هـ). والثاني: عبد الله بن نافع حفيد ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام، ولذلك يُقال له: الزبيري، كما يُعرف بعبد الله بن نافع الصغير (ت216هـ). قال الذهبي في السير (10/372):"وكثيراً ما تختلط روايتهم عند الفقهاء حتى لا علم عند أكثرهم بأنّهما رجلان"، و قال الحافظ ابن حجر في التقريب في الصائغ:"ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين"، وقال في الزبيري:"صدوق". وكل واحد من هذين الرجلين لا يحتمل منه مخالفة من ذكرناهم من الحفاظ.
( [68]) طبقات الشافعية الكبرى 3/371-377 وانظر كلام الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري 118-122 332و362
( [69]) سير أعلام النبلاء 8/ 103-104
( [70]) سير أعلام النبلاء8/105
( [71]) انظر سير أعلام النبلاء 8/65-97
( [72]) سير أعلام النبلاء 8/105