يحيى جاد
أرجو أن يكون هذا البحث في موضوع الردة والحرية الفكرية - بعد ما بذل فيه من جهدٍ لا يعلمه حقَّ علمِه إلا الله- (كلمةً سواءً) يجتمعُ عليها - أو يتحلقُ حولها أو يحترم ما وصلت إليه من رأي- المختلفون في أمر الردة والعقاب عليها. بل إني لأرجو فوق ذلك أن يكون (كلمةَ الختام الحاسمة) - وإنْ (غير النهائية)؛ لكونها صادرةً عن اجتهاد- في الجدل الدائر حول موضوع الردة؛ حسماً له - نوعاً ما- أو بالأقل تخفيفاً للاستقطاب الحاد حوله - بدرجةٍ ما. خاصةً بعد أن تراشقتْ أطرافه بتهم (الجمود) و(التسيب)، و(الرجعية) و(الكفر)، و(التخلف) و(سوء النية)، و(الإساءة للإسلام) و(الكيد له)، إلى غير ذلك من (التهم الجاهزة المُعلَّبة).. وضاقتْ بالحياد فيه الأرض بما رحبت، فالكل براء، والكل متهم.. وأعجزَ داءٌ الأمة الدواء، فحضر الشهود إلا شاهد العقل، واستحضرت الحجج إلا حجة الإنصاف؛ إيغالاً في الابتعاد عن عقلنة جدالنا، وتنظيم اختلافاتنا، وترتيب درجات سلم أولوياتنا، وتحسين نياتنا وإراداتنا، على الرغم من أن قصدنا جميعاً طاعة الله ورسوله، وغايتنا المطلوبة واحدة - وهي محاولة الوصول إلى حكم الله-، وطريقتنا المسلوكة واحدة - وهي الاعتماد على الكتاب والسنة ومقرراتهما.
قبل أن نبدأ(1)
إن الردة التي يتعين البحث في حكمها هي (الردة المحضة)؛ أي مجردُ الخروج من الإسلام، سواء كان ذلك بالتحول إلى غيره من الأديان، أو بالخروج منه إلى غير دين.. أو - بتعبيرٍ أكثرِ دقة- مجردُ الرجوع عن الإسلام صراحةً والتخلي عنه بعد الدخول في
أما الخروج على الإسلام - سواءٌ باللحاق بأعدائه أو أعداء أمته، أو بالتشنيع عليه والكيد له أو لأمته، أو بمحاولةِ تحويل عوام المسلمين عن دينهم من غير طريق المبارزة الفكرية والإقناع والاقتناع العقلي وإنما عن طريق التغرير بهم أو التلبيس والتدليس عليهم؛ باستغلال جهلَهم أو حاجتهم وفاقتهم وسوء أوضاعهم (أي: بالتغرير بعوام المسلمين وإغرائهم على الخروج منه بوسائل غير مشروعة)- فليس من طبيعة الردة، ولا هو من لوازمها الحتمية.. ومن ثم، يتعين الوعيُ بالفرق بينهما والتنبهُ إليه.. مع تأكيدي على أن (الخارج على الإسلام) يستوجب إنزال العقاب به قطعاً؛ لما يمثله من خطر على (مقومات الاجتماع الديني وأصول الإسلام)، وعلى (أصول المجتمع)، وعلى (الأمن العام)؛ إذ هو (محارب) - سواء كانت الحرابة (فكريةً معنوية) أو (حربية مادية)- لا (محاور) ولا (مسالم) - على ما سيأتي توضيحه وتفصيله إن شاء الله.
وأكرر ثانيةً وبطريقة أكثر وضوحاً وحسماً وتحديداً: أن قضية البحث الأساسية - والتي يجب أن يتعرض لها كل باحثٍ في موضوع الردة والمرتدين في ضوء نصوص الإسلام ومقاصده- هي (الردة المحضة)؛ بمعنى تغيير الإنسان عقيدته، وما بُني عليها من فكر وتصور وسلوك، ولم يقرن فعله هذا بالخروج على الجماعة أو نظمها، أو إمامتها وقيادتها الشرعية، ولم يقطع الطريق، ولم يرفع السلاح في وجه الجماعة، ولم ينضم إلى أعدائها بأي صفة أو شكل، ولم يقم بخيانة الجماعة.. إنما كل ما كان منه: تغيير في موقفه العقدي، نَجَمَ عن شُبَهٍ وعواملَ شكٍّ في جملة عقيدته أو في بعض أركانها، ولم يقو على دفع ذلك عن قلبه، واستسلم لتلك الشبهات، وانقاد لتأثيرها؛ تاركاً الإسلام ومعلناً موقفه الجديد.
ولنبدأ باسم الله وعلى بركة الله..
أولا: في شأن الإكراه(2)
1- المقدمة الصحيحة التي ينبغي أن ينطلق منها أي بحث في موضوع الردة هي قوله تعالى : " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" [البقرة 256] (3).. إذ الآية - وكذلك أخواتها من المذكورات في الهامش - تقرر قضيةً كلية قاطعة، وحقيقية جلية ساطعة، وهي أن الدين لا يكون ـ ولا يمكن أن يكون ـ بالإكراه (4)؛ إذ قد جيء بنفي الجنس "لا إكراه" لقصد العموم نصاً، وهذا دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه.. فالدين: إيمان واعتقاد يتقبله عقل الإنسان وينشرح له قلبه، وهو التزام وعمل إرادي، والإكراه – بأي شكلٍ وتحتَ أي مسمى كان- ينقض كل هذا ويتناقض معه.
لقد ورد نفي الإكراه في الآية مطلقاً، ولم يقيَّد بمن يراد إدخاله ابتداءً في الإسلام، فوجب أن يدخل فيه المرتد أيضاً؛ لأن المعنى الذي أوجب نفي الإكراه عمن يراد إدخاله في الإسلام ابتداءً : موجودٌ فيمن يراد إبقاؤه أو إعادته بعد ارتداده.
ولقد وقعت كلمة "إكراه" نكرةً في سياق النفيِ، والنفيُ إذا دخل على النكرة أفاد العموم والشمول؛ فوجب نفي كل إكراه في الدين، ووجب أن يدخل فيه إكراه المرتد على الإسلام؛ لأنه من الإكراه في الدين قطعاً (5)، فلا يصح أن يُكرَهَ عليه بمنطوق هذه الآية أصلاً.
2- والدين والإكراه لا يمكن اجتماعهما، فمتى ثبت الإكراه بطل الدين.. الإكراه لا ينتج ديناً، وإنما ينتج نفاقاً وكذباً وخداعاً، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة.
وكما أن الإكراه لا ينشئ ديناً ولا إيماناً، فإنه كذلك لا ينشئ كفراً ولا ردةً، فالمكرَه على الكفر ليس بكافر، والمكره على الردة ليس بمرتد، وكذلك فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم.. ولن يكون أحد مؤمناً مسلماً إلا بالرضا الحقيقي؛ رضيتُ بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً.
وإذا كان الإكراه باطلاً حتى في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية، حيث إنه لا ينشئ زواجاً ولا طلاقاً، ولا بيعاً، ولا بيعةً، فكيف يمكنه أن ينشئ ديناً وعقيدةً وإيماناً وإسلاماً ؟!.. إن الدين هدايةٌ اختيارية للناس، تُعرَض عليهم مؤيَّدةً بالآيات والبينات.. ورسل الله لم يُبعَثوا جبارين ولا مسيطرين، وإنما بُعثوا مبشرين ومنذرين.
3/1- إن "لا إكراه في الدين" هي (إخبار في معنى النهي)؛ فقوله تعالى "لا إكراه" (جملة خبرية) تحكي عن الواقع التكويني الذي يُثبت عدم إمكانية أن يُكره أحدُ ما أحداً آخر على الاعتقاد بدين ما؛ لأن الإيمان مسألة قناعةٍ غير قابلة للإكراه.. وفي الوقت نفسه فإنها تتضمّن (حكماً شرعياً ينهَى عن الإكراه) في مسألة الاعتقاد الديني (6).
إن "لا إكراه في الدين" هي خبر قبل أن تكون حكماً، أو إن شئت قلتَ: هي حكم معلل بالواقع؛ فالاعتقاد - لكونه اختياراً حراً- يستعصي على الإجبار، ومتى تبين الرشد من الغي، فكل امرئ وما يختار.
أرأيت شعيباً (عليه السلام) وقومه: "قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ" [الأعراف: 88].. فهذا شعيب يسفه قومه؛ لأنهم يريدون إكراهه هو ومن معه على الخروج من دينه والعودة في ملتهم، ودليله على سفههم أنهم يظنون الإكراه سبيلاً للإيمان.
أرأيت نوحاً (عليه السلام) وقومه: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ" [هود: 28].. فهذا نوح يدرك حقيقة الدين وطبيعته، فيستبعد إكراه المخالف على الدخول في دينه.
3/2- ونلاحظ في الآيتين السابقتين كلتيهما أنهما ختمتا باستفهامٍ استنكاري؛ للدلالة على سخف المخاطب الذي يتجاهل الطبيعة البشرية ويتعامى عن المسلمات.
كما نلاحظ أن كلاً من النبيين الكريمين قد دلل على فساد منطق قومه بالتعجب من أن يكون الإكراه عندهم سبيلاً لحمل إنسان على ترك دين آمن به، أو فكرة اقتنع بها، بغض النظر عن صحة ذلك أو فساده؛ لأن الإكراه ليس من شأنه أن يكون وسيلة لتحقيق هذا الغرض.
4- إذن، فقضية " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" هي قضية كلية محكمة، عامة تامة، سارية على أول الزمان وآخره، سارية على المشرك والكتابي، سارية على الرجال والنساء، سارية قبل الدخول الإسلام، وبعده، أي سارية في الابتداء وفي الإبقاء، فالدين لا يكون بالإكراه ابتداءً، كما لا يكون بالإكراه إبقاءً.. وكما لا يجوز الإكراه على الدين في الابتداء - لأن الإسلام الذي يحصل به فاسد قطعاً.. ولا يُنجِي صاحبه من عقاب الله في الآخرة.. وأنى للإسلام أن يستفيد من هذا الإيمان المغشوش الذي لا يُخلص به صاحبه للجماعة؛ إذ يعيش بينها، بحكم ما نزل به من إكراه وقهر، عضواً فاسداً يضر ولا ينفع، ولا يشتغل إلا بالتجسس عليها لحساب أعدائها؛ فيكون في باطن أمره وحقيقته: علينا لا معنا ؟! - فكذلك لا يجوز الإكراه على الدين في الإبقاء لذات العلة.
5- ولو كان للإكراه أن يتدخل في الدين ويُدخل الناس فيه، أو يبقيهم عليه، لكان هو الإكراه الصادر عن الله عز وجل، فهو سبحانه وحده القادر على الإكراه الحقيقي والمُجْدي، الذي يجعل الكافر مؤمناً والمشرك موحداً والكتابي مسلماً، ويجعل جميع الناس مؤمنين مسلمين، ولكنه سبحانه ـ بحكمته ـ أبى ذلك ولم يفعله: " وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ " [يونس99]، " قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ " [الأنعام149]، " وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ " [الأنعام 107].
فحكمة الله التي لم تأخذ بالإكراه في الدين، حتى في صورة كونه ممكناً ومجدياً وهادياً، لا يمكن أن تقره حيث لا ينتج سوى الكذب والنفاق وكراهية الإسلام وأهله.
الإكراه سوس ينخر في العقائد؛ إذ القهر على الاقتناع بمبدأ يدفع البشر إلى النفاق؛ لذلك ترك الله أمر الإيمان للإنسان دون إكراه منه تعالى ولا إجبار؛ حتى يذهب الإنسان إلى الإيمان بـ (قلبٍ عاشقٍ)؛ لأن الله تعالى لا يريد (أعناق عبيد) وإنما يريد (قلوب عباد) (7).
6/1- ومن ثم، فآية " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" غير منسوخة وغير قابلة للنسخ، وغير مخصصة وغير قابلة للتخصيص؛ إذ الإيمان بالدين: (تصديق بالقلب) يبلغ مرتبة اليقين - بعد مروره بمرحلة (الاقتناع العقلي)-.. و(التصديق القلبي) - كما (الاقتناع العقلي)- لا سبيل مطلقاً لتحقيقهما بالإكراه، ولذلك لا يمكن أن يكون الإيمان - ابتداءً أو بقاءً- ثمرة للإكراه بأي حال من الأحوال.. ولهذه الحقيقة التي تنفي إمكانية الإيمان بالإكراه، كان التعبير القرآني "لا إكراه في الدين"؛ وهو تعبير يحمل في أحشائه (نهياً) و (نفياً)؛ (النهي) عن إكراه الإنسان على الإيمان، و(النفي) لإمكانية حصول الإيمان عن طريق الإكراه؛ سواءٌ تعلق هذا الإكراه بالآخر حتى يسلم، أو بالمسلم حتى يستمر على إسلامه.
6/2- "لا إكراه في الدين" لأنه " قد تبين الرشد (أي: طريق الحق والفلاح والنجاة) من الغي (أي: طريق الباطل والخسران والهلاك)" : تعليل رباني بديع غير قابل - على الإطلاق- للإبطال أو المعارضة بدعوى نسخ أو تخصيص أو تقييد؛ لأنه تعليل عقلي منطقي قطعي يزيد جملة "لا إكراه في الدين" إحكاماً على إحكام، وقطعية على قطعية.
الإشارات المرجعية للجزء الأول
1 - تعقيب على بحث حد الردة في الفكر الإسلامي المعاصر - قراءة نقدية في ضوء النص القرآني، د/ عوض محمد عوض، ص (207- 208). ولا إكراه في الدين: إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم، د/ طه العلواني، ص (88، 15).
2 - الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، د/ أحمد الريسوني، (ص 109- 110). التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، 3/26 (تحت تفسير آية "لا إكراه في الدين"). والحرية الدينية في الإسلام، د/ عبد المتعال الصعيدي، (ص 145، 28، 36، 143، 144- 145). وتعقيب عفى بحث حد الردة، د/ عوض محمد عوض، (ص 209- 210). ومن فيض الرحمن، محمد متولي الشعراوي، (ص 241، 247، 248). والتفسير الماركسي للإسلام، د/ محمد عمارة، (ص 22).
3 - وفي معنى تلك الآية أخوات لها كثيرات: "وَلَوْ شَـاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُـوا مُؤْمِنِينَ"[يونس: 99].. "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ"[يونس: 108].. "فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ" [الرعد: 40].. "وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" [المؤمنون: 117].. "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" [الكهف: 29].. "مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ" [النمل: 92].. "مَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ" [الزمر: 41].. "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ" [التكوير: 27- 28].. إلخ.
4 - الإكراه: هو أن تحمل الغيرَ على فعلٍ لا يرى خيراً في أن يفعله.
5 - بَيِّن قطعاً أن العقاب الدنيوي على عدم الإيمان - ابتداءً أو استمراراً- إكراهٌ عليه.
6 - نفي الإكراه في معنى النهي، والمراد نفي أسباب الإكراه في حكم الإسلام، أي لا تكرهوا أحداً على اتباع الإسلام قسراً، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصّاً، وهي دليل على إبطال الإكراه بسائر أنواعه؛ لأنّ أمر الإيمان يجري على الاستدلال والتمكين من النظر والاختيار.
7 - واعلم، إن رأيت إكراهاً على مبدأ أو إرهاباً على رأي، أن صاحب هذا المبدأ غير مقتنع به، وأن المبدأ ذاته مؤسَّسٌ على غير حجة، و إلا ففيم الإكراه والقهر نشراً له وحفاظاً عليه - أي حفاظاً على استمرار الناس على الإيمان به؟!
أرجو أن يكون هذا البحث في موضوع الردة والحرية الفكرية - بعد ما بذل فيه من جهدٍ لا يعلمه حقَّ علمِه إلا الله- (كلمةً سواءً) يجتمعُ عليها - أو يتحلقُ حولها أو يحترم ما وصلت إليه من رأي- المختلفون في أمر الردة والعقاب عليها. بل إني لأرجو فوق ذلك أن يكون (كلمةَ الختام الحاسمة) - وإنْ (غير النهائية)؛ لكونها صادرةً عن اجتهاد- في الجدل الدائر حول موضوع الردة؛ حسماً له - نوعاً ما- أو بالأقل تخفيفاً للاستقطاب الحاد حوله - بدرجةٍ ما. خاصةً بعد أن تراشقتْ أطرافه بتهم (الجمود) و(التسيب)، و(الرجعية) و(الكفر)، و(التخلف) و(سوء النية)، و(الإساءة للإسلام) و(الكيد له)، إلى غير ذلك من (التهم الجاهزة المُعلَّبة).. وضاقتْ بالحياد فيه الأرض بما رحبت، فالكل براء، والكل متهم.. وأعجزَ داءٌ الأمة الدواء، فحضر الشهود إلا شاهد العقل، واستحضرت الحجج إلا حجة الإنصاف؛ إيغالاً في الابتعاد عن عقلنة جدالنا، وتنظيم اختلافاتنا، وترتيب درجات سلم أولوياتنا، وتحسين نياتنا وإراداتنا، على الرغم من أن قصدنا جميعاً طاعة الله ورسوله، وغايتنا المطلوبة واحدة - وهي محاولة الوصول إلى حكم الله-، وطريقتنا المسلوكة واحدة - وهي الاعتماد على الكتاب والسنة ومقرراتهما.
قبل أن نبدأ(1)
إن الردة التي يتعين البحث في حكمها هي (الردة المحضة)؛ أي مجردُ الخروج من الإسلام، سواء كان ذلك بالتحول إلى غيره من الأديان، أو بالخروج منه إلى غير دين.. أو - بتعبيرٍ أكثرِ دقة- مجردُ الرجوع عن الإسلام صراحةً والتخلي عنه بعد الدخول في
أما الخروج على الإسلام - سواءٌ باللحاق بأعدائه أو أعداء أمته، أو بالتشنيع عليه والكيد له أو لأمته، أو بمحاولةِ تحويل عوام المسلمين عن دينهم من غير طريق المبارزة الفكرية والإقناع والاقتناع العقلي وإنما عن طريق التغرير بهم أو التلبيس والتدليس عليهم؛ باستغلال جهلَهم أو حاجتهم وفاقتهم وسوء أوضاعهم (أي: بالتغرير بعوام المسلمين وإغرائهم على الخروج منه بوسائل غير مشروعة)- فليس من طبيعة الردة، ولا هو من لوازمها الحتمية.. ومن ثم، يتعين الوعيُ بالفرق بينهما والتنبهُ إليه.. مع تأكيدي على أن (الخارج على الإسلام) يستوجب إنزال العقاب به قطعاً؛ لما يمثله من خطر على (مقومات الاجتماع الديني وأصول الإسلام)، وعلى (أصول المجتمع)، وعلى (الأمن العام)؛ إذ هو (محارب) - سواء كانت الحرابة (فكريةً معنوية) أو (حربية مادية)- لا (محاور) ولا (مسالم) - على ما سيأتي توضيحه وتفصيله إن شاء الله.
وأكرر ثانيةً وبطريقة أكثر وضوحاً وحسماً وتحديداً: أن قضية البحث الأساسية - والتي يجب أن يتعرض لها كل باحثٍ في موضوع الردة والمرتدين في ضوء نصوص الإسلام ومقاصده- هي (الردة المحضة)؛ بمعنى تغيير الإنسان عقيدته، وما بُني عليها من فكر وتصور وسلوك، ولم يقرن فعله هذا بالخروج على الجماعة أو نظمها، أو إمامتها وقيادتها الشرعية، ولم يقطع الطريق، ولم يرفع السلاح في وجه الجماعة، ولم ينضم إلى أعدائها بأي صفة أو شكل، ولم يقم بخيانة الجماعة.. إنما كل ما كان منه: تغيير في موقفه العقدي، نَجَمَ عن شُبَهٍ وعواملَ شكٍّ في جملة عقيدته أو في بعض أركانها، ولم يقو على دفع ذلك عن قلبه، واستسلم لتلك الشبهات، وانقاد لتأثيرها؛ تاركاً الإسلام ومعلناً موقفه الجديد.
ولنبدأ باسم الله وعلى بركة الله..
أولا: في شأن الإكراه(2)
1- المقدمة الصحيحة التي ينبغي أن ينطلق منها أي بحث في موضوع الردة هي قوله تعالى : " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" [البقرة 256] (3).. إذ الآية - وكذلك أخواتها من المذكورات في الهامش - تقرر قضيةً كلية قاطعة، وحقيقية جلية ساطعة، وهي أن الدين لا يكون ـ ولا يمكن أن يكون ـ بالإكراه (4)؛ إذ قد جيء بنفي الجنس "لا إكراه" لقصد العموم نصاً، وهذا دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه.. فالدين: إيمان واعتقاد يتقبله عقل الإنسان وينشرح له قلبه، وهو التزام وعمل إرادي، والإكراه – بأي شكلٍ وتحتَ أي مسمى كان- ينقض كل هذا ويتناقض معه.
لقد ورد نفي الإكراه في الآية مطلقاً، ولم يقيَّد بمن يراد إدخاله ابتداءً في الإسلام، فوجب أن يدخل فيه المرتد أيضاً؛ لأن المعنى الذي أوجب نفي الإكراه عمن يراد إدخاله في الإسلام ابتداءً : موجودٌ فيمن يراد إبقاؤه أو إعادته بعد ارتداده.
ولقد وقعت كلمة "إكراه" نكرةً في سياق النفيِ، والنفيُ إذا دخل على النكرة أفاد العموم والشمول؛ فوجب نفي كل إكراه في الدين، ووجب أن يدخل فيه إكراه المرتد على الإسلام؛ لأنه من الإكراه في الدين قطعاً (5)، فلا يصح أن يُكرَهَ عليه بمنطوق هذه الآية أصلاً.
2- والدين والإكراه لا يمكن اجتماعهما، فمتى ثبت الإكراه بطل الدين.. الإكراه لا ينتج ديناً، وإنما ينتج نفاقاً وكذباً وخداعاً، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة.
وكما أن الإكراه لا ينشئ ديناً ولا إيماناً، فإنه كذلك لا ينشئ كفراً ولا ردةً، فالمكرَه على الكفر ليس بكافر، والمكره على الردة ليس بمرتد، وكذلك فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم.. ولن يكون أحد مؤمناً مسلماً إلا بالرضا الحقيقي؛ رضيتُ بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً.
وإذا كان الإكراه باطلاً حتى في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية، حيث إنه لا ينشئ زواجاً ولا طلاقاً، ولا بيعاً، ولا بيعةً، فكيف يمكنه أن ينشئ ديناً وعقيدةً وإيماناً وإسلاماً ؟!.. إن الدين هدايةٌ اختيارية للناس، تُعرَض عليهم مؤيَّدةً بالآيات والبينات.. ورسل الله لم يُبعَثوا جبارين ولا مسيطرين، وإنما بُعثوا مبشرين ومنذرين.
3/1- إن "لا إكراه في الدين" هي (إخبار في معنى النهي)؛ فقوله تعالى "لا إكراه" (جملة خبرية) تحكي عن الواقع التكويني الذي يُثبت عدم إمكانية أن يُكره أحدُ ما أحداً آخر على الاعتقاد بدين ما؛ لأن الإيمان مسألة قناعةٍ غير قابلة للإكراه.. وفي الوقت نفسه فإنها تتضمّن (حكماً شرعياً ينهَى عن الإكراه) في مسألة الاعتقاد الديني (6).
إن "لا إكراه في الدين" هي خبر قبل أن تكون حكماً، أو إن شئت قلتَ: هي حكم معلل بالواقع؛ فالاعتقاد - لكونه اختياراً حراً- يستعصي على الإجبار، ومتى تبين الرشد من الغي، فكل امرئ وما يختار.
أرأيت شعيباً (عليه السلام) وقومه: "قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ" [الأعراف: 88].. فهذا شعيب يسفه قومه؛ لأنهم يريدون إكراهه هو ومن معه على الخروج من دينه والعودة في ملتهم، ودليله على سفههم أنهم يظنون الإكراه سبيلاً للإيمان.
أرأيت نوحاً (عليه السلام) وقومه: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ" [هود: 28].. فهذا نوح يدرك حقيقة الدين وطبيعته، فيستبعد إكراه المخالف على الدخول في دينه.
3/2- ونلاحظ في الآيتين السابقتين كلتيهما أنهما ختمتا باستفهامٍ استنكاري؛ للدلالة على سخف المخاطب الذي يتجاهل الطبيعة البشرية ويتعامى عن المسلمات.
كما نلاحظ أن كلاً من النبيين الكريمين قد دلل على فساد منطق قومه بالتعجب من أن يكون الإكراه عندهم سبيلاً لحمل إنسان على ترك دين آمن به، أو فكرة اقتنع بها، بغض النظر عن صحة ذلك أو فساده؛ لأن الإكراه ليس من شأنه أن يكون وسيلة لتحقيق هذا الغرض.
4- إذن، فقضية " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" هي قضية كلية محكمة، عامة تامة، سارية على أول الزمان وآخره، سارية على المشرك والكتابي، سارية على الرجال والنساء، سارية قبل الدخول الإسلام، وبعده، أي سارية في الابتداء وفي الإبقاء، فالدين لا يكون بالإكراه ابتداءً، كما لا يكون بالإكراه إبقاءً.. وكما لا يجوز الإكراه على الدين في الابتداء - لأن الإسلام الذي يحصل به فاسد قطعاً.. ولا يُنجِي صاحبه من عقاب الله في الآخرة.. وأنى للإسلام أن يستفيد من هذا الإيمان المغشوش الذي لا يُخلص به صاحبه للجماعة؛ إذ يعيش بينها، بحكم ما نزل به من إكراه وقهر، عضواً فاسداً يضر ولا ينفع، ولا يشتغل إلا بالتجسس عليها لحساب أعدائها؛ فيكون في باطن أمره وحقيقته: علينا لا معنا ؟! - فكذلك لا يجوز الإكراه على الدين في الإبقاء لذات العلة.
5- ولو كان للإكراه أن يتدخل في الدين ويُدخل الناس فيه، أو يبقيهم عليه، لكان هو الإكراه الصادر عن الله عز وجل، فهو سبحانه وحده القادر على الإكراه الحقيقي والمُجْدي، الذي يجعل الكافر مؤمناً والمشرك موحداً والكتابي مسلماً، ويجعل جميع الناس مؤمنين مسلمين، ولكنه سبحانه ـ بحكمته ـ أبى ذلك ولم يفعله: " وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ " [يونس99]، " قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ " [الأنعام149]، " وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ " [الأنعام 107].
فحكمة الله التي لم تأخذ بالإكراه في الدين، حتى في صورة كونه ممكناً ومجدياً وهادياً، لا يمكن أن تقره حيث لا ينتج سوى الكذب والنفاق وكراهية الإسلام وأهله.
الإكراه سوس ينخر في العقائد؛ إذ القهر على الاقتناع بمبدأ يدفع البشر إلى النفاق؛ لذلك ترك الله أمر الإيمان للإنسان دون إكراه منه تعالى ولا إجبار؛ حتى يذهب الإنسان إلى الإيمان بـ (قلبٍ عاشقٍ)؛ لأن الله تعالى لا يريد (أعناق عبيد) وإنما يريد (قلوب عباد) (7).
6/1- ومن ثم، فآية " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" غير منسوخة وغير قابلة للنسخ، وغير مخصصة وغير قابلة للتخصيص؛ إذ الإيمان بالدين: (تصديق بالقلب) يبلغ مرتبة اليقين - بعد مروره بمرحلة (الاقتناع العقلي)-.. و(التصديق القلبي) - كما (الاقتناع العقلي)- لا سبيل مطلقاً لتحقيقهما بالإكراه، ولذلك لا يمكن أن يكون الإيمان - ابتداءً أو بقاءً- ثمرة للإكراه بأي حال من الأحوال.. ولهذه الحقيقة التي تنفي إمكانية الإيمان بالإكراه، كان التعبير القرآني "لا إكراه في الدين"؛ وهو تعبير يحمل في أحشائه (نهياً) و (نفياً)؛ (النهي) عن إكراه الإنسان على الإيمان، و(النفي) لإمكانية حصول الإيمان عن طريق الإكراه؛ سواءٌ تعلق هذا الإكراه بالآخر حتى يسلم، أو بالمسلم حتى يستمر على إسلامه.
6/2- "لا إكراه في الدين" لأنه " قد تبين الرشد (أي: طريق الحق والفلاح والنجاة) من الغي (أي: طريق الباطل والخسران والهلاك)" : تعليل رباني بديع غير قابل - على الإطلاق- للإبطال أو المعارضة بدعوى نسخ أو تخصيص أو تقييد؛ لأنه تعليل عقلي منطقي قطعي يزيد جملة "لا إكراه في الدين" إحكاماً على إحكام، وقطعية على قطعية.
الإشارات المرجعية للجزء الأول
1 - تعقيب على بحث حد الردة في الفكر الإسلامي المعاصر - قراءة نقدية في ضوء النص القرآني، د/ عوض محمد عوض، ص (207- 208). ولا إكراه في الدين: إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم، د/ طه العلواني، ص (88، 15).
2 - الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، د/ أحمد الريسوني، (ص 109- 110). التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، 3/26 (تحت تفسير آية "لا إكراه في الدين"). والحرية الدينية في الإسلام، د/ عبد المتعال الصعيدي، (ص 145، 28، 36، 143، 144- 145). وتعقيب عفى بحث حد الردة، د/ عوض محمد عوض، (ص 209- 210). ومن فيض الرحمن، محمد متولي الشعراوي، (ص 241، 247، 248). والتفسير الماركسي للإسلام، د/ محمد عمارة، (ص 22).
3 - وفي معنى تلك الآية أخوات لها كثيرات: "وَلَوْ شَـاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُـوا مُؤْمِنِينَ"[يونس: 99].. "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ"[يونس: 108].. "فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ" [الرعد: 40].. "وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" [المؤمنون: 117].. "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" [الكهف: 29].. "مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ" [النمل: 92].. "مَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ" [الزمر: 41].. "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ" [التكوير: 27- 28].. إلخ.
4 - الإكراه: هو أن تحمل الغيرَ على فعلٍ لا يرى خيراً في أن يفعله.
5 - بَيِّن قطعاً أن العقاب الدنيوي على عدم الإيمان - ابتداءً أو استمراراً- إكراهٌ عليه.
6 - نفي الإكراه في معنى النهي، والمراد نفي أسباب الإكراه في حكم الإسلام، أي لا تكرهوا أحداً على اتباع الإسلام قسراً، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصّاً، وهي دليل على إبطال الإكراه بسائر أنواعه؛ لأنّ أمر الإيمان يجري على الاستدلال والتمكين من النظر والاختيار.
7 - واعلم، إن رأيت إكراهاً على مبدأ أو إرهاباً على رأي، أن صاحب هذا المبدأ غير مقتنع به، وأن المبدأ ذاته مؤسَّسٌ على غير حجة، و إلا ففيم الإكراه والقهر نشراً له وحفاظاً عليه - أي حفاظاً على استمرار الناس على الإيمان به؟!