أولا: الأحاديث التي فهم منها العلماء جواز الإسبال لغير خيلاء:
1-عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة" ، فقال أبو بكر: يا رَسُول اللَّهِ إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" رَوَاهُ البُخَارِيُّ تحت باب (من جر إزاره من غير خيلاء) فكأنه يرى الجواز، وروى مسلم بعضه.
2-وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَجُلِّيَ عَنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا.(رواه البخاري في باب من جر إزاره من غير خيلاء).
ثانيا: الآثار عن الصحابة والسلف التي تفيد جواز الإسبال لغير الخيلاء:
1-أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود بسند جيد أنه كان يسبل إزاره فقيل له في ذلك فقال إني حمش الساقين.
2- وعن أبي إسحاق قال:رأيت ابن عباس أيام منى طويل الشعر، عليه إزار فيه بعض الإسبال، وعليه رداء أصفر.
قال الهيثمي:رواه الطبراني وإسناده حسن.
3-أخرج ابن أبي شيبة وعنه أبو نعيم في الحلية : (5/322) وابن سعد في الطبقات: (5/403) عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عمرو بن مهاجر قال كان قميص عمر بن عبد العزيز ما بين الكعب والشراك.
4-قال البيهقي : وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه صلى سادلا وكأنه نسي الحديث أو حمله على أن ذلك إنما لا يجوز للخيلاء وكان لا يفعله خيلاء والله أعلم (سنن البيهقي الكبرى الجزء 2 ص 242).
5- إبراهيم بن يزيد النخعي – رحمه الله تعالى - :
أخرج ابن أبي شيبة في (( المصَنَّفِ )) (رقم :24845) قال : حدثنا ابن مهدي ، عن أبي عوانة ، عن مغيرة قال :" كان إبراهيم قميصُه على ظهر القدم" . إسناده صحيحٌ.
6- أيُّوب بن أبي تِميمَة السِّختِيَانيُّ – رحمه الله تعالى - :
أخرج الإمام أحمد في (( العلل )) – رواية ابنه عبد الله – ( رقم : 841 ) قال :حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدَّثنا حماد بن زيد ، قال :"أمرَنِي أيّوب أن أقطعَ له قميصاً قال : اجعلْه يضرِبُ ظَهْرَ القدم ، و اجعَلْ فَمَ كُمِّهِ شبراً ".
إسنادهٌ صحيحٌ .
ومن أقواله –رحمه الله- : "كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها ، و الشهرة اليوم في تقصيرها".
أخرجه معمر في (( جامعه )) (11/84) – و من طريقه عبد الرزاق في (( المصنف )) (11/84) ، و من طريقه أيضا : أخرجه ابن سعد في (( الطبقات ))(1) (7/248) و الدينوري في (( المجالسة )) ( 1919) و أبو نعيم في (( الحلية )) (3/7) و البيهقي في (( الشعب )) ( رقم :6243 ) – .
و لفظ الحلية : (( كان في قميص أيوب بعض التذييل فقيل له فقال : الشهرةُ اليومَ في التشمير )).
و لفظ ابن سعد : (( يا أبا عروة – هي كنيةُ معمرٍ - : كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها ، فالشهرة اليوم في تشميرها )) .
و كما قال سفيان بن حسين لعمر بن علي بن مقدم : أتدري ما السمت الصالح ؟! ليس هو بحلق الشارب ! ، و لا تشمير الثوب ؛ و إنما هو: لزوم طريق القوم ، إذا فعل ذلك قيل : قد أصاب السَّمت ، وتدري ما الاقتصاد ؟! هو المشي الذي ليس فيه غلو ولا تقصير .
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد ( 21/68) و سنده صحيح .
ثالثا: فهم أهل الحديث في كتبهم لهذه المسألة:
1-كما سبق أن أشرنا فقد عقد البخاري بابا في صحيحه بعنوانمن جر إزاره من غير خيلاء) وجاء فيه بالحديثين السابقين فكأن هذا مذهبه وهو أنه لا إثم على من جر ثوبه لغير خيلاء.
2- وفي كتاب المنهيات للحكيم الترمذي ص 7 :
وعامة الأحاديث التى جاءت عن جر الإزار، إنما تدل على أن النهى مع الشرط، قال : (من جر الإزار خيلاء)؛ فدل هذا على أن النهى عن جر الإزار إذا كان خيلاء.
حدثنا قتيبة عن سعيد، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع وزيد بن أسلم وعبد الله بن زبير، كلهم يخبر عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء).
وحدثنا قتيبة،عن مالك،عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً).
فهذا الإسبال والجر للثوب إنما كره للمختال الفخور.
وروى عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة.
وقد كان في بدء الإسلام المختال يلبس الخز، ويجر الإزار ويسبله؛ فنهوا عن ذلك.
وقد كان فيهم من يلبس الخز ويسبل الإزار فلا يعاب عليه، منهم أبو بكر رضى الله عنه؛ حيث قال:يا رسول الله، إنى رجل قليل اللحم فإذا أبرزت سقط إزارى على قدمى وقد قلت ما قلت? قال: (لست منهم يا أبا بكر). حدثنا بذلك أبى، حدثنا أحمد بن يونس، عن زهير، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)؛ فقال أبو بكر رضى الله عنه: بأبى أنت يا رسول الله، إن أحد شقى إزارى يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لست ممن يصنعه خيلاء).
........
ثم قال:
حدثنا سفيان،حدثنا أبى،عن منصور، عن أبى وائل، قال: كان عبد الله يسبل إزاره، فقيل له؛ فقال: إني رجل حمش الساقين. قال سفيان: يعنى رقيق الساقين.
فقد وضح لنا أن سبب النهى إنما هو الخيلاء، فإذا علم من قلبه أنه مختال فليجتنب وكان في بدء الأمر رفع الإزار إلى أنصاف الساق تجنبا للخيلاء والمراءاة، وكذلك تشمير القميص، فلم يزل الناس في تبديل من سوء ضمائرهم، حتى صار ذلك تصنعا ومراءاة؛ فكان من شمر الإزار والقميص ممقوتا لسوء مراده.
وروى عن أيوب السختيانى رحمه الله: أنه طول قميصه له الخياط في ذلك؛ فقال: السنة اليوم في هذا الزى، أو كلاما هذا معناه.. كأنه ذهب إلى أنه إنما نهى عن طوله للخيلاء فشمروا. فاليوم صار التشمير مراءاة وتصنعا وتزيينا للخلق يختالون في الدنيا بالدين!! وروى أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان قميصه وجبته تضرب شراك نعليه.
3-وفي مسند أبي عوانة باب بعنوان بيان الأخبار الناهية عن جر الرجل إزاره بطرا وخيلاء والتشديد فيه والدليل على أن من لم يرد به خيلاء لم تكن عليه تلك الشدة.
4- وجاء في صحيح ابن حبان(2/281):
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا سلام بن مسكين، عن عقيل بن طلحة، قال: حدثني أبو جري الهجيمي قال:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله، إنا قوم من أهل البادية، فعلمنا شيئا ينفعنا الله به، فقال: ((لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك، ووجهك إليه منبسط. وإياك وإسبال الإزار، فإنه من المخيلة، ولا يحبها الله. وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك، فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإن أجره لك، ووباله على من قاله)) .
قال أبو حاتم: الأمر بترك استحقار المعروف أمر قصد به الإرشاد. والزجر عن إسبال الإزار زجر حتم لعلة معلومة، وهي الخيلاء، فمتى عدمت الخيلاء، لم يكن بإسبال الإزار بأس. والزجر عن الشتيمة، إذا شوتم المرء، زجر عنه في ذلك الوقت، وقبله، وبعده، وإن لم يشتم.
رابعا:أقوال شراح كتب الحديث في الأحاديث المطلقة بالوعيد والمقيدة له بقصد الخيلاء:
1- جاء في شرح صحيح مسلم للنووي:
هذا التَّقييد بالجرِّ خيلاء يخصِّص عموم المسبل إزاره، ويدلُّ على أنَّ المراد بالوعيد من جرّه خيلاء، وقد رخَّص النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- في ذلك لأبي بكر الصِّدِّيق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وقال: لست منهم إذ كان جرّه لغير الخيلاء.
ويقول:
أمَّا الأحاديث المطلقة: بأنَّ ما تحت الكعبين في النَّار، فالمراد بها: ما كان للخيلاء، لأنَّه مطلق، فوجب حمله على المقيَّد، واللهُ أعلم.
2- وجاء في فتح الباري لابن حجر:
قال شيخنا في " شرح الترمذي " ما مس الأرض منها خيلاء لا شك في تحريمه.
قال: ولو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يكن بعيدا، ولكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها، وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به، ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك في تحريمه، وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع.
ونقل عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة.
ويقول:
وفي هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضا، لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا، فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء.
قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال.
وقال النووي: الإسبال تحت الكعبين للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، وهكذا نص الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء ولغير الخيلاء، قال: والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، وما نزل عن الكعبين ممنوع منع تحريم إن كان للخيلاء وإلا فمنع تنزيه، لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء انتهى.
والنص الذي أشار إليه ذكره البويطي في مختصره عن الشافعي قال: لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ا هـ، وقوله: " خفيف " ليس صريحا في نفي التحريم بل هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء، فأما لغير الخيلاء فيختلف الحال، فإن كان الثوب على قدر لابسه لكنه يسدله فهذا لا يظهر فيه تحريم، ولا سيما إن كان عن غير قصد كالذي وقع لأبي بكر، وإن كان الثوب زائدا على قدر لابسه فهذا قد يتجه المنع فيه من جهة الإسراف فينتهي إلى التحريم، وقد يتجه المنع فيه من جهة التشبه بالنساء وهو أمكن فيه من الأول.انتهى ما ذكره الحافظ في الفتح.
3- وجاء في فيض القدير للمناوي:
(والمسبل إزاره) الذي يطوّل ثوبه ويرسله إذا مشى تيهاً وفخراً (خيلاء) أي يقصد الخيلاء بخلافه لا بقصدها ولذلك رخص المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في ذلك لأبي بكر حيث كان جره لغير الخيلاء.
4- ويقول السندي في حاشيته على سنن النسائي في شرح حديث "ثلاثة لا يكلمهم الله... ومنهم المسبل":
"المسبل" من الإسبال بمعنى الإرخاء عن الحد الذي ينبغي الوقوف عنده والمراد إذا كان عن مخيلة والله تعالى أعلم.
5-وفي الديباج للسيوطي (بتحقيق الحويني): ("المسبل إزاره" المرخي له الجار طرفيه "خيلاء" فهو مخصص بالحديث الآخر لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء وقد رخص صلى الله عليه وسلم في ذلك لأبي بكر حيث كان جره لغير الخيلاء) .
6- وقال الشوكاني في نيل الأوطار :-
الحديث يدل على تحريم جر الثوب خيلاء . والمراد بجره هو جره على وجه الأرض وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم : { ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار.
وظاهر التقييد بقوله : خيلاء , يدل بمفهومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلا في هذا الوعيد . قال ابن عبد البر : مفهومه أن الجار لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أنه مذموم .
قال النووي : إنه مكروه وهذا نص الشافعي . قال البويطي في مختصره عن الشافعي : لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء , ولغيرها خفيف , لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : إنك لست ممن يصنعه خيلاء حين رآه يتعاهد ثوبه برفعه عن الأرض.
وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين .
وقد جمع بعض المتأخرين رسالة طويلة جزم فيها بتحريم الإسبال مطلقا , وأعظم ما تمسك به حديث جابر .
وأما حديث أبي أمامة الذي أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة قال : { بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول : عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال : يا رسول الله إني أحمش الساقين , فقال : يا عمرو إن الله تعالى قد أحسن كل شيء خلقه , يا عمرو إن الله لا يحب المسبل } . والحديث رجاله ثقات وظاهره أن عمرا لم يقصد الخيلاء , فغاية ما فيه التصريح بأن الله لا يحب المسبل , وحديث أبي بكر مقيد بالخيلاء وحمل المطلق على المقيد واجب. وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة . والله أعلم.
ويقول أيضا:
فلا بد من حمل قوله " فإنها المخيلة " في حديث جابر بن علي أنه خرج مخرج الغالب , فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا , والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة , فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله , ويرده قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء " ، والحديث رواه الجماعة حيث قال صلى الله عليه وسلم : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة , فقال أبو بكر : إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه , فقال : إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء } ففيه تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء , وأن الإسبال قد يكون للخيلاء , وقد يكون لغيره .ا.هـ بتصرف .
خامسا: أقوال الأئمة الأعلام أصحاب المذاهب المتبوعة:
*الأحناف:
1-قال صاحب المحيط من الحنفية وروي أن أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته أربعمائة دينار وكان يجره على الأرض فقيل له أولسنا نهينا عن هذا ؟ فقال إنما ذلك لذوي الخيلاء ولسنا منهم .
ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية وكذلك السفاريني في كتابه "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" وكلاهما حنبلي.
2- وقال النحلاوي في الدرر المباحة:" لا يجوز إسبال الثوب تحت الكعبين، إنْ كان للخيَلاء، والتكبر، وإلاّ جاز إلا أنّ الأفضل أن يكون فوق الكعبين..".
*المالكية:
وممن ذكر ذلك من المالكية: سليمان بن خلف الباجي في كتابه المنتقى شرح الموطأ والنفرواي في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
1- قال الباجي في المنتقى: وقوله صلى الله عليه وسلم الذي يجر ثوبه خيلاء يقتضي تعليق هذا الحكم بمن جره خيلاء، أما من جره لطول ثوب لا يجد غيره، أو عذر من الأعذار، فإنه لا يتناوله الوعيد.
2- وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
وفي المواهب(وهو أحد كتب المالكية) : ما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شكّ في تحريمه ، وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ، ما لم يصل إلى جرّ الذّيل الممنوع منه .
3-وتقدم في شرح ابن حجر للأحاديث قول ابن عبد البر:
قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال.
4- وقد تعقب العراقي الشافعي ابن العربي المالكي حيث ذهب إلى تحريم الإسبال مطلقاً بخيلاء أو بغير خيلاء ، فقال العراقي : وهو مخالف لتقييد الحديث بالخيلاء.
*الشافعية:
1-ذكر البويطي في مختصره عن الشافعي قال: لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر :إنك لست ممن يصنعه خيلاء حين رآه يتعاهد ثوبه برفعه عن الأرض. ا هـ أفاده ابن حجر في الفتح.
2, 3, 4 - وقد قدمنا أقوال الإمامين النووي وابن حجر والسيوطي والمناوي –رحمهم الله-.
5, 6 ,7-وهناك أيضا من الشافعية غير هؤلاء من ذهب إلى ذلك منهم : شيخ الإسلام زكريا الأنصاري والإمام شهاب الدين الرملي والحافظ ابن حجر الهيتمي وغيرهم كثير.ذكر ذلك الدكتور عبد الله الفقيه المفتي في موقع الشبكة الإسلامية.
8- ويقول الحافظ العراقي في طرح التثريب :-
المستحب أن يكون الثوب إلى نصف الساقين ، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين ، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع ، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم , وإلا فمنع تنزيه .
وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد به ما كان للخيلاء ; لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد انتهى – يقصد أن النهي عن الإسبال جاء من غير تحديد لسبب الإسبال في الحديث ، إلا أننا وجدنا تقييد ذلك في حديث آخر بالخيلاء ، فيجب تقييد الحديث المطلق بهذا الحديث المقيد .ا.هـ بتصرف.
9- وجاء في سير أعلام النبلاء للذهبي:
أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ تَخْتَالُ فِي لُبْسِ الذَّهَبِ وَتَفْخَرُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، كَمَا فِيْمَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ.
قلت (الأزهري الأصلي): لا شك أن لبس الذهب للنساء حلال بين فمعنى كلام الذهبي هو جواز الإسبال لغير الخيلاء بمفهوم المخالفة.
*الحنابلة:
1-قال الإمام أحمد بن حنبل في رواية حنبل : جر الإزار إذا لم يرد الخيلاء فلا بأس به وهذا ظاهر كلام غير واحد من الأصحاب رحمهم الله .
وقال أحمد رضي الله عنه أيضا { ما أسفل من الكعبين في النار } لا يجر شيئا من ثيابه وظاهر هذا التحريم , فهذه ثلاث روايات .
ذكر ذلك ابن مفلح في الآداب الشرعية ونقله عنه السفاريني في غذاء الألباب.
2- جاء في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي(حنبلي):
يكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه,نص عليه.ويكره زيادته إلى تحت كعبيه بلا حاجة,على الصحيح من الروايتين.وعنه"ما تحتهما في النار" وذكر الناظم:من لم يخف خيلاء لم يكره والأولى تركه ,هذا في حق الرجل.
3- وذكر الراويات في ذلك أيضا ابن مفلح في الآداب الشرعية والسفاريني في غذاء الألباب وهاك نصهما:
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية :-قال ابن تيمية : السنة في الإزار والقميص ونحوه من نصف الساقين إلى الكعبين فلا يتأذى الساق بحر وبرد ولا يتأذى الماشي ويجعله كالمقيد ، ويكره ما نزل عن ذلك أو ارتفع عنه نص عليه – يقصد نص عليه أحمد بن حنبل .
وقال – يقصد أحمد بن حنبل - في رواية حنبل : جر الإزار إذا لم يرد الخيلاء فلا بأس به وهذا ظاهر كلام غير واحد من الأصحاب رحمهم الله .
وقال أحمد رضي الله عنه أيضا { ما أسفل من الكعبين في النار } لا يجر شيئا من ثيابه وظاهر هذا التحريم , فهذه ثلاث روايات ، ورواية الكراهية منصوص الشافعي وأصحابه رحمهم الله .
قال صاحب المحيط من الحنفية وروي أن أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته أربعمائة دينار وكان يجره على الأرض فقيل له أولسنا نهينا عن هذا ؟ فقال إنما ذلك لذوي الخيلاء ولسنا منهم .
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله عدم تحريمه ولم يتعرض لكراهة ولا عدمها . ا.هـ بتصرف .
,وقال السفاريني في كتابه "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب":
واستدل له برواية حنبل عن الإمام رضي الله عنه أنه قال عن جر الإزار : إذا لم يرد به خيلاء فلا بأس به , وهو ظاهر كلام غير واحد من الأصحاب كما في الآداب الكبرى للعلامة ابن مفلح . وقال صاحب المحيط من الحنفية : روي أن أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته أربعمائة دينار , وكان يجره على الأرض , فقيل له : أولسنا نهينا عن هذا ؟ فقال : إنما ذلك لذوي الخيلاء , ولسنا منهم . قال في الآداب : واختار الشيخ تقي الدين عدم تحريمه , ولم يتعرض للكراهة , ولا عدمها .انتهى .
4- قال ابن قدامة : ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برفع الإزار، فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حرام.
5- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة 4/363 : وهذه نصوص صريحة في تحريم الإسبال على وجه المخيلة، والمطلق منها محمول على المقيد، وإنما أطلق ذلك ؛ لأن الغالب أن ذلك إنما يكون مخيلة.
ثم قال: ولأن الأحاديث أكثرها مقيدة بالخيلاء فيحمل المطلق عليه، وما سوى ذلك فهو باقٍ على الإباحة، وأحاديث النهي مبنية على الغالب والمظنة.
ثم قال: وبكل حال فالسنة تقصير الثياب، وحدِّ ذلك ما بين نصف الساق إلى الكعب، فما كان فوق الكعب فلا بأس به، وما تحت الكعب في النار.
ويقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (22\138): والفعل الواحد في الظاهر يثاب الإنسان على فعله مع النية الصالحة ويعاقب على فعله مع النية الفاسدة
وضرب عدة أمثلة ثم قال:
وكذلك اللباس فمن ترك جميل الثياب بخلا بالمال لم يكن له أجر ومن تركه متعبدا بتحريم المباحات كان آثما ومن لبس جميل الثياب إظهارا لنعمة الله واستعانة على طاعة الله كان مأجورا ومن لبسه فخرا وخيلاء كان آثما فإن الله لا يحب كل مختال فخور ولهذا حرم إطالة الثوب بهذه النية كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله يوم القيامة إليه فقال أبو بكر يا رسول الله إن طرف إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال يا أبا بكر إنك لست ممن يفعله خيلاء وفى الصحيحين عن النبي أنه قال بينما رجل يجر إزاره خيلاء إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة فهذه المسائل ونحوها تتنوع بتنوع علمهم واعتقادهم (أي بحسب النية).
6- وممن نص على ذلك من الحنابلة أيضا: الرحيباني في مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى حيث يقول:
( وَحَرُمَ ) ، - وَهُوَ ( كَبِيرَةٌ ) لِلْوَعِيدِ الْآتِي بَيَانُهُ فِي الْخَبَرِ - ( فِي غَيْرِ حَرْبٍ إسْبَالُ ) شَيْءٍ مِنْ ( ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ وَلَوْ عِمَامَةً وَسَرَاوِيلَ ) ؛ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ قَالَ : إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ } وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ مَذْمُومٌ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ لِحَدِيثِ { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . ( فَإِنْ أَسْبَلَ ) ثَوْبَهُ ( لِحَاجَةٍ : كَسِتْرِ ) سَاقٍ ( قَبِيحٍ ، وَلَا خُيَلَاءَ وَلَا تَدْلِيسَ ) عَلَى النِّسَاءِ : ( أُبِيحَ ) . قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : جَرُّ الْإِزَارِ وَإِسْبَالُ الرِّدَاءِ فِي الصَّلَاةِ ، إذَا لَمْ يُرِدْ الْخُيَلَاءَ فَلَا بَأْسَ ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسَ .
ومثله في كشف القناع عن متن الإقناع.
بل إنه في كثير من كتب الفقه الحنبلي ذكر أنه يكره إسبال ثوبه خيلاء وهو أحد الوجهين فما بالنا بغير الخيلاء؟!! . جزم به في الهداية ، و المذهب ، و المذهب الأحمد ، و المستوعب ، و الوجيز ، و الرعاية الصغرى ، و الحاويين ، و الفائق ، و إدراك الغاية ، و تجريد العناية ، وغيرهم . وقدمه في الرعاية الكبرى .
ويقول الشيخ القرضاوي:
لقد روى البخاري تعليقًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" وقال ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان، سرف أو مخيلة، يدل هذا على أن الممنوع هو ما كان فيه إسراف وما قصد به الخيلاء وإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج، وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها "ما أسفل الكعبين من الإزار في النار" رواه البخاري وغيره والإزار هو ما يستر أسفل البدن، ومنه البنطلون والجلباب. "من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة" رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أنى أتعاهده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. والخيلاء هو الكبر والعجب. والمخيلة من الاختيال وهو الكبر واستحقار الناس. وفي رواية لمسلم وغيره عن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم إنهم هم المسبل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. والمسبل هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبرًا واختيالا. كما فسره الحافظ المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب".
وحديث "ما أسفل الكعبين من الإزار في النار" ليس عامًا للرجال والنساء فقد فهمت أم سلمة رضي الله عنها أنه عام وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا" فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: "فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه" أخرجه النسائي والترمذي وصححه. والذراع شبران بشبر اليد المعتدلة.
والخلاصة أن للرجال حالين، حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين. وكذلك للنساء حالان، حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع. وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه، ومن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه، مستحضرًا لها شاكرًا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس"، والغمط معناه الاحتقار. والحديث الذي أخرجه الطبري "إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه" محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه. لا من أحب ذلك ابتهاجًا بنعمة الله. فقد أخرج الترمذي وحسنه "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" وأخرج النسائي وأبو داود وصححه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل رآه رث الثياب "إذا أتاك الله مالا فلير أثره عليه" أي بأن يلبس ثيابًا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون إلى الطلب منه، مع مراعاة القصد وترك الإسراف.
هذا وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة، والثوب الطويل الذي ليس فيه خيلاء يكره إذا لم يأمن لابسه من تعلق النجاسة به، فقد أخرج الترمذي عن عبيد بن خالد أنه قال: "كنت أمشي وعليَّ برد أجره، فقال لي رجل" ارفع ثوبك فإنه أنقى وأبقى" فنظرت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إنما هي بردة ملحاء – أي فيها خطوط سود وبيض – فقال: "أما لك في أسوة؟ قال: فنظرت فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه "فتح الباري ج10 ص264 – 275".
ويقول الدكتور القرضاوى :
عملية الإسبال، وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الإسبال، بعضها ورد فيها نهي مطلق عن الإسبال "أن يسبل إزاره" وبعضها مقيد بمن فعل ذلك اختيالا قال "لا يريد بذلك إلا المخيلة" وهو حديث ابن عمر، يعني من جَرَّ إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، معنى المخيلة أي الاختيال أي يريد التبختر والفخر على الناس، وكان العرب في الجاهلية يعتبرون جَرَّ الثياب هذا من مظاهر العظمة، وإن الفقير يلبس لحد الركبة أو تحت الركبة بقليل، والغني يلبس ويجر في إزاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جَرِّ الثوب، أو جَرِّ الإزار بالذات، معظم الأحاديث جاءت في الإزار وجاء أيضا إزرة المؤمن إلى نصف الساق، فبعض العلماء أخذ بالإطلاق وقال الإسبال ممنوع على كل حال، والبعض قال ممنوع إذا أريد به المخيلة، إذا أريد به الاختيال، أما من لم يخطر الاختيال بباله فلا يدخل، بدليل حديث ابن عمر وبدليل حديث سيدنا أبو بكر قال "يا رسول الله: إني لا أتعهد إزاري فيسترخي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يفعله خيلاء" فدل على أن فيه عِلَّة، وهذا ما ذهب إليه الإمام النووي والحافظ بن حجر، والكثير من شُرَّاح الحديث وأنا من هذا الفريق الذي يربط التحريم بالاختيال والفخر.
,ويقول الدكتور/يحيى إسماعيل- نائب رئيس هيئة كبار العلماء بالأزهر سابقا-:
إن الإسبال ذكر النهي عنه مرهونًا بعلة، وحيث ذكرت العلة فإن الحكم يدور معها، والحديث الصحيح الذي هو بمثابة العمدة في تلك القضية: "ثلاثة لا ينظر إليهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بالعطية، والمنفق سلعة بعد العصر باليمين الكاذبة، ورجل جرَّ ثوبه خيلاء"، فإذا انتفت العلة انتفى المعلول.
والله أعلم.
1-عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة" ، فقال أبو بكر: يا رَسُول اللَّهِ إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" رَوَاهُ البُخَارِيُّ تحت باب (من جر إزاره من غير خيلاء) فكأنه يرى الجواز، وروى مسلم بعضه.
2-وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَجُلِّيَ عَنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا.(رواه البخاري في باب من جر إزاره من غير خيلاء).
ثانيا: الآثار عن الصحابة والسلف التي تفيد جواز الإسبال لغير الخيلاء:
1-أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود بسند جيد أنه كان يسبل إزاره فقيل له في ذلك فقال إني حمش الساقين.
2- وعن أبي إسحاق قال:رأيت ابن عباس أيام منى طويل الشعر، عليه إزار فيه بعض الإسبال، وعليه رداء أصفر.
قال الهيثمي:رواه الطبراني وإسناده حسن.
3-أخرج ابن أبي شيبة وعنه أبو نعيم في الحلية : (5/322) وابن سعد في الطبقات: (5/403) عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عمرو بن مهاجر قال كان قميص عمر بن عبد العزيز ما بين الكعب والشراك.
4-قال البيهقي : وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه صلى سادلا وكأنه نسي الحديث أو حمله على أن ذلك إنما لا يجوز للخيلاء وكان لا يفعله خيلاء والله أعلم (سنن البيهقي الكبرى الجزء 2 ص 242).
5- إبراهيم بن يزيد النخعي – رحمه الله تعالى - :
أخرج ابن أبي شيبة في (( المصَنَّفِ )) (رقم :24845) قال : حدثنا ابن مهدي ، عن أبي عوانة ، عن مغيرة قال :" كان إبراهيم قميصُه على ظهر القدم" . إسناده صحيحٌ.
6- أيُّوب بن أبي تِميمَة السِّختِيَانيُّ – رحمه الله تعالى - :
أخرج الإمام أحمد في (( العلل )) – رواية ابنه عبد الله – ( رقم : 841 ) قال :حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدَّثنا حماد بن زيد ، قال :"أمرَنِي أيّوب أن أقطعَ له قميصاً قال : اجعلْه يضرِبُ ظَهْرَ القدم ، و اجعَلْ فَمَ كُمِّهِ شبراً ".
إسنادهٌ صحيحٌ .
ومن أقواله –رحمه الله- : "كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها ، و الشهرة اليوم في تقصيرها".
أخرجه معمر في (( جامعه )) (11/84) – و من طريقه عبد الرزاق في (( المصنف )) (11/84) ، و من طريقه أيضا : أخرجه ابن سعد في (( الطبقات ))(1) (7/248) و الدينوري في (( المجالسة )) ( 1919) و أبو نعيم في (( الحلية )) (3/7) و البيهقي في (( الشعب )) ( رقم :6243 ) – .
و لفظ الحلية : (( كان في قميص أيوب بعض التذييل فقيل له فقال : الشهرةُ اليومَ في التشمير )).
و لفظ ابن سعد : (( يا أبا عروة – هي كنيةُ معمرٍ - : كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها ، فالشهرة اليوم في تشميرها )) .
و كما قال سفيان بن حسين لعمر بن علي بن مقدم : أتدري ما السمت الصالح ؟! ليس هو بحلق الشارب ! ، و لا تشمير الثوب ؛ و إنما هو: لزوم طريق القوم ، إذا فعل ذلك قيل : قد أصاب السَّمت ، وتدري ما الاقتصاد ؟! هو المشي الذي ليس فيه غلو ولا تقصير .
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد ( 21/68) و سنده صحيح .
ثالثا: فهم أهل الحديث في كتبهم لهذه المسألة:
1-كما سبق أن أشرنا فقد عقد البخاري بابا في صحيحه بعنوانمن جر إزاره من غير خيلاء) وجاء فيه بالحديثين السابقين فكأن هذا مذهبه وهو أنه لا إثم على من جر ثوبه لغير خيلاء.
2- وفي كتاب المنهيات للحكيم الترمذي ص 7 :
وعامة الأحاديث التى جاءت عن جر الإزار، إنما تدل على أن النهى مع الشرط، قال : (من جر الإزار خيلاء)؛ فدل هذا على أن النهى عن جر الإزار إذا كان خيلاء.
حدثنا قتيبة عن سعيد، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع وزيد بن أسلم وعبد الله بن زبير، كلهم يخبر عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء).
وحدثنا قتيبة،عن مالك،عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً).
فهذا الإسبال والجر للثوب إنما كره للمختال الفخور.
وروى عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة.
وقد كان في بدء الإسلام المختال يلبس الخز، ويجر الإزار ويسبله؛ فنهوا عن ذلك.
وقد كان فيهم من يلبس الخز ويسبل الإزار فلا يعاب عليه، منهم أبو بكر رضى الله عنه؛ حيث قال:يا رسول الله، إنى رجل قليل اللحم فإذا أبرزت سقط إزارى على قدمى وقد قلت ما قلت? قال: (لست منهم يا أبا بكر). حدثنا بذلك أبى، حدثنا أحمد بن يونس، عن زهير، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)؛ فقال أبو بكر رضى الله عنه: بأبى أنت يا رسول الله، إن أحد شقى إزارى يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لست ممن يصنعه خيلاء).
........
ثم قال:
حدثنا سفيان،حدثنا أبى،عن منصور، عن أبى وائل، قال: كان عبد الله يسبل إزاره، فقيل له؛ فقال: إني رجل حمش الساقين. قال سفيان: يعنى رقيق الساقين.
فقد وضح لنا أن سبب النهى إنما هو الخيلاء، فإذا علم من قلبه أنه مختال فليجتنب وكان في بدء الأمر رفع الإزار إلى أنصاف الساق تجنبا للخيلاء والمراءاة، وكذلك تشمير القميص، فلم يزل الناس في تبديل من سوء ضمائرهم، حتى صار ذلك تصنعا ومراءاة؛ فكان من شمر الإزار والقميص ممقوتا لسوء مراده.
وروى عن أيوب السختيانى رحمه الله: أنه طول قميصه له الخياط في ذلك؛ فقال: السنة اليوم في هذا الزى، أو كلاما هذا معناه.. كأنه ذهب إلى أنه إنما نهى عن طوله للخيلاء فشمروا. فاليوم صار التشمير مراءاة وتصنعا وتزيينا للخلق يختالون في الدنيا بالدين!! وروى أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان قميصه وجبته تضرب شراك نعليه.
3-وفي مسند أبي عوانة باب بعنوان بيان الأخبار الناهية عن جر الرجل إزاره بطرا وخيلاء والتشديد فيه والدليل على أن من لم يرد به خيلاء لم تكن عليه تلك الشدة.
4- وجاء في صحيح ابن حبان(2/281):
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا سلام بن مسكين، عن عقيل بن طلحة، قال: حدثني أبو جري الهجيمي قال:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله، إنا قوم من أهل البادية، فعلمنا شيئا ينفعنا الله به، فقال: ((لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك، ووجهك إليه منبسط. وإياك وإسبال الإزار، فإنه من المخيلة، ولا يحبها الله. وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك، فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإن أجره لك، ووباله على من قاله)) .
قال أبو حاتم: الأمر بترك استحقار المعروف أمر قصد به الإرشاد. والزجر عن إسبال الإزار زجر حتم لعلة معلومة، وهي الخيلاء، فمتى عدمت الخيلاء، لم يكن بإسبال الإزار بأس. والزجر عن الشتيمة، إذا شوتم المرء، زجر عنه في ذلك الوقت، وقبله، وبعده، وإن لم يشتم.
رابعا:أقوال شراح كتب الحديث في الأحاديث المطلقة بالوعيد والمقيدة له بقصد الخيلاء:
1- جاء في شرح صحيح مسلم للنووي:
هذا التَّقييد بالجرِّ خيلاء يخصِّص عموم المسبل إزاره، ويدلُّ على أنَّ المراد بالوعيد من جرّه خيلاء، وقد رخَّص النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- في ذلك لأبي بكر الصِّدِّيق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وقال: لست منهم إذ كان جرّه لغير الخيلاء.
ويقول:
أمَّا الأحاديث المطلقة: بأنَّ ما تحت الكعبين في النَّار، فالمراد بها: ما كان للخيلاء، لأنَّه مطلق، فوجب حمله على المقيَّد، واللهُ أعلم.
2- وجاء في فتح الباري لابن حجر:
قال شيخنا في " شرح الترمذي " ما مس الأرض منها خيلاء لا شك في تحريمه.
قال: ولو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يكن بعيدا، ولكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها، وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به، ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك في تحريمه، وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع.
ونقل عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة.
ويقول:
وفي هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضا، لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا، فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء.
قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال.
وقال النووي: الإسبال تحت الكعبين للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، وهكذا نص الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء ولغير الخيلاء، قال: والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، وما نزل عن الكعبين ممنوع منع تحريم إن كان للخيلاء وإلا فمنع تنزيه، لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء انتهى.
والنص الذي أشار إليه ذكره البويطي في مختصره عن الشافعي قال: لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ا هـ، وقوله: " خفيف " ليس صريحا في نفي التحريم بل هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء، فأما لغير الخيلاء فيختلف الحال، فإن كان الثوب على قدر لابسه لكنه يسدله فهذا لا يظهر فيه تحريم، ولا سيما إن كان عن غير قصد كالذي وقع لأبي بكر، وإن كان الثوب زائدا على قدر لابسه فهذا قد يتجه المنع فيه من جهة الإسراف فينتهي إلى التحريم، وقد يتجه المنع فيه من جهة التشبه بالنساء وهو أمكن فيه من الأول.انتهى ما ذكره الحافظ في الفتح.
3- وجاء في فيض القدير للمناوي:
(والمسبل إزاره) الذي يطوّل ثوبه ويرسله إذا مشى تيهاً وفخراً (خيلاء) أي يقصد الخيلاء بخلافه لا بقصدها ولذلك رخص المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في ذلك لأبي بكر حيث كان جره لغير الخيلاء.
4- ويقول السندي في حاشيته على سنن النسائي في شرح حديث "ثلاثة لا يكلمهم الله... ومنهم المسبل":
"المسبل" من الإسبال بمعنى الإرخاء عن الحد الذي ينبغي الوقوف عنده والمراد إذا كان عن مخيلة والله تعالى أعلم.
5-وفي الديباج للسيوطي (بتحقيق الحويني): ("المسبل إزاره" المرخي له الجار طرفيه "خيلاء" فهو مخصص بالحديث الآخر لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء وقد رخص صلى الله عليه وسلم في ذلك لأبي بكر حيث كان جره لغير الخيلاء) .
6- وقال الشوكاني في نيل الأوطار :-
الحديث يدل على تحريم جر الثوب خيلاء . والمراد بجره هو جره على وجه الأرض وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم : { ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار.
وظاهر التقييد بقوله : خيلاء , يدل بمفهومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلا في هذا الوعيد . قال ابن عبد البر : مفهومه أن الجار لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أنه مذموم .
قال النووي : إنه مكروه وهذا نص الشافعي . قال البويطي في مختصره عن الشافعي : لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء , ولغيرها خفيف , لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : إنك لست ممن يصنعه خيلاء حين رآه يتعاهد ثوبه برفعه عن الأرض.
وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين .
وقد جمع بعض المتأخرين رسالة طويلة جزم فيها بتحريم الإسبال مطلقا , وأعظم ما تمسك به حديث جابر .
وأما حديث أبي أمامة الذي أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة قال : { بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول : عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال : يا رسول الله إني أحمش الساقين , فقال : يا عمرو إن الله تعالى قد أحسن كل شيء خلقه , يا عمرو إن الله لا يحب المسبل } . والحديث رجاله ثقات وظاهره أن عمرا لم يقصد الخيلاء , فغاية ما فيه التصريح بأن الله لا يحب المسبل , وحديث أبي بكر مقيد بالخيلاء وحمل المطلق على المقيد واجب. وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة . والله أعلم.
ويقول أيضا:
فلا بد من حمل قوله " فإنها المخيلة " في حديث جابر بن علي أنه خرج مخرج الغالب , فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا , والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة , فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله , ويرده قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء " ، والحديث رواه الجماعة حيث قال صلى الله عليه وسلم : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة , فقال أبو بكر : إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه , فقال : إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء } ففيه تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء , وأن الإسبال قد يكون للخيلاء , وقد يكون لغيره .ا.هـ بتصرف .
خامسا: أقوال الأئمة الأعلام أصحاب المذاهب المتبوعة:
*الأحناف:
1-قال صاحب المحيط من الحنفية وروي أن أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته أربعمائة دينار وكان يجره على الأرض فقيل له أولسنا نهينا عن هذا ؟ فقال إنما ذلك لذوي الخيلاء ولسنا منهم .
ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية وكذلك السفاريني في كتابه "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" وكلاهما حنبلي.
2- وقال النحلاوي في الدرر المباحة:" لا يجوز إسبال الثوب تحت الكعبين، إنْ كان للخيَلاء، والتكبر، وإلاّ جاز إلا أنّ الأفضل أن يكون فوق الكعبين..".
*المالكية:
وممن ذكر ذلك من المالكية: سليمان بن خلف الباجي في كتابه المنتقى شرح الموطأ والنفرواي في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
1- قال الباجي في المنتقى: وقوله صلى الله عليه وسلم الذي يجر ثوبه خيلاء يقتضي تعليق هذا الحكم بمن جره خيلاء، أما من جره لطول ثوب لا يجد غيره، أو عذر من الأعذار، فإنه لا يتناوله الوعيد.
2- وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
وفي المواهب(وهو أحد كتب المالكية) : ما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شكّ في تحريمه ، وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ، ما لم يصل إلى جرّ الذّيل الممنوع منه .
3-وتقدم في شرح ابن حجر للأحاديث قول ابن عبد البر:
قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال.
4- وقد تعقب العراقي الشافعي ابن العربي المالكي حيث ذهب إلى تحريم الإسبال مطلقاً بخيلاء أو بغير خيلاء ، فقال العراقي : وهو مخالف لتقييد الحديث بالخيلاء.
*الشافعية:
1-ذكر البويطي في مختصره عن الشافعي قال: لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر :إنك لست ممن يصنعه خيلاء حين رآه يتعاهد ثوبه برفعه عن الأرض. ا هـ أفاده ابن حجر في الفتح.
2, 3, 4 - وقد قدمنا أقوال الإمامين النووي وابن حجر والسيوطي والمناوي –رحمهم الله-.
5, 6 ,7-وهناك أيضا من الشافعية غير هؤلاء من ذهب إلى ذلك منهم : شيخ الإسلام زكريا الأنصاري والإمام شهاب الدين الرملي والحافظ ابن حجر الهيتمي وغيرهم كثير.ذكر ذلك الدكتور عبد الله الفقيه المفتي في موقع الشبكة الإسلامية.
8- ويقول الحافظ العراقي في طرح التثريب :-
المستحب أن يكون الثوب إلى نصف الساقين ، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين ، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع ، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم , وإلا فمنع تنزيه .
وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد به ما كان للخيلاء ; لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد انتهى – يقصد أن النهي عن الإسبال جاء من غير تحديد لسبب الإسبال في الحديث ، إلا أننا وجدنا تقييد ذلك في حديث آخر بالخيلاء ، فيجب تقييد الحديث المطلق بهذا الحديث المقيد .ا.هـ بتصرف.
9- وجاء في سير أعلام النبلاء للذهبي:
أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ تَخْتَالُ فِي لُبْسِ الذَّهَبِ وَتَفْخَرُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، كَمَا فِيْمَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ.
قلت (الأزهري الأصلي): لا شك أن لبس الذهب للنساء حلال بين فمعنى كلام الذهبي هو جواز الإسبال لغير الخيلاء بمفهوم المخالفة.
*الحنابلة:
1-قال الإمام أحمد بن حنبل في رواية حنبل : جر الإزار إذا لم يرد الخيلاء فلا بأس به وهذا ظاهر كلام غير واحد من الأصحاب رحمهم الله .
وقال أحمد رضي الله عنه أيضا { ما أسفل من الكعبين في النار } لا يجر شيئا من ثيابه وظاهر هذا التحريم , فهذه ثلاث روايات .
ذكر ذلك ابن مفلح في الآداب الشرعية ونقله عنه السفاريني في غذاء الألباب.
2- جاء في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي(حنبلي):
يكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه,نص عليه.ويكره زيادته إلى تحت كعبيه بلا حاجة,على الصحيح من الروايتين.وعنه"ما تحتهما في النار" وذكر الناظم:من لم يخف خيلاء لم يكره والأولى تركه ,هذا في حق الرجل.
3- وذكر الراويات في ذلك أيضا ابن مفلح في الآداب الشرعية والسفاريني في غذاء الألباب وهاك نصهما:
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية :-قال ابن تيمية : السنة في الإزار والقميص ونحوه من نصف الساقين إلى الكعبين فلا يتأذى الساق بحر وبرد ولا يتأذى الماشي ويجعله كالمقيد ، ويكره ما نزل عن ذلك أو ارتفع عنه نص عليه – يقصد نص عليه أحمد بن حنبل .
وقال – يقصد أحمد بن حنبل - في رواية حنبل : جر الإزار إذا لم يرد الخيلاء فلا بأس به وهذا ظاهر كلام غير واحد من الأصحاب رحمهم الله .
وقال أحمد رضي الله عنه أيضا { ما أسفل من الكعبين في النار } لا يجر شيئا من ثيابه وظاهر هذا التحريم , فهذه ثلاث روايات ، ورواية الكراهية منصوص الشافعي وأصحابه رحمهم الله .
قال صاحب المحيط من الحنفية وروي أن أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته أربعمائة دينار وكان يجره على الأرض فقيل له أولسنا نهينا عن هذا ؟ فقال إنما ذلك لذوي الخيلاء ولسنا منهم .
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله عدم تحريمه ولم يتعرض لكراهة ولا عدمها . ا.هـ بتصرف .
,وقال السفاريني في كتابه "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب":
واستدل له برواية حنبل عن الإمام رضي الله عنه أنه قال عن جر الإزار : إذا لم يرد به خيلاء فلا بأس به , وهو ظاهر كلام غير واحد من الأصحاب كما في الآداب الكبرى للعلامة ابن مفلح . وقال صاحب المحيط من الحنفية : روي أن أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته أربعمائة دينار , وكان يجره على الأرض , فقيل له : أولسنا نهينا عن هذا ؟ فقال : إنما ذلك لذوي الخيلاء , ولسنا منهم . قال في الآداب : واختار الشيخ تقي الدين عدم تحريمه , ولم يتعرض للكراهة , ولا عدمها .انتهى .
4- قال ابن قدامة : ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برفع الإزار، فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حرام.
5- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة 4/363 : وهذه نصوص صريحة في تحريم الإسبال على وجه المخيلة، والمطلق منها محمول على المقيد، وإنما أطلق ذلك ؛ لأن الغالب أن ذلك إنما يكون مخيلة.
ثم قال: ولأن الأحاديث أكثرها مقيدة بالخيلاء فيحمل المطلق عليه، وما سوى ذلك فهو باقٍ على الإباحة، وأحاديث النهي مبنية على الغالب والمظنة.
ثم قال: وبكل حال فالسنة تقصير الثياب، وحدِّ ذلك ما بين نصف الساق إلى الكعب، فما كان فوق الكعب فلا بأس به، وما تحت الكعب في النار.
ويقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (22\138): والفعل الواحد في الظاهر يثاب الإنسان على فعله مع النية الصالحة ويعاقب على فعله مع النية الفاسدة
وضرب عدة أمثلة ثم قال:
وكذلك اللباس فمن ترك جميل الثياب بخلا بالمال لم يكن له أجر ومن تركه متعبدا بتحريم المباحات كان آثما ومن لبس جميل الثياب إظهارا لنعمة الله واستعانة على طاعة الله كان مأجورا ومن لبسه فخرا وخيلاء كان آثما فإن الله لا يحب كل مختال فخور ولهذا حرم إطالة الثوب بهذه النية كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله يوم القيامة إليه فقال أبو بكر يا رسول الله إن طرف إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال يا أبا بكر إنك لست ممن يفعله خيلاء وفى الصحيحين عن النبي أنه قال بينما رجل يجر إزاره خيلاء إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة فهذه المسائل ونحوها تتنوع بتنوع علمهم واعتقادهم (أي بحسب النية).
6- وممن نص على ذلك من الحنابلة أيضا: الرحيباني في مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى حيث يقول:
( وَحَرُمَ ) ، - وَهُوَ ( كَبِيرَةٌ ) لِلْوَعِيدِ الْآتِي بَيَانُهُ فِي الْخَبَرِ - ( فِي غَيْرِ حَرْبٍ إسْبَالُ ) شَيْءٍ مِنْ ( ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ وَلَوْ عِمَامَةً وَسَرَاوِيلَ ) ؛ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ قَالَ : إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ } وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ مَذْمُومٌ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ لِحَدِيثِ { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . ( فَإِنْ أَسْبَلَ ) ثَوْبَهُ ( لِحَاجَةٍ : كَسِتْرِ ) سَاقٍ ( قَبِيحٍ ، وَلَا خُيَلَاءَ وَلَا تَدْلِيسَ ) عَلَى النِّسَاءِ : ( أُبِيحَ ) . قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : جَرُّ الْإِزَارِ وَإِسْبَالُ الرِّدَاءِ فِي الصَّلَاةِ ، إذَا لَمْ يُرِدْ الْخُيَلَاءَ فَلَا بَأْسَ ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسَ .
ومثله في كشف القناع عن متن الإقناع.
بل إنه في كثير من كتب الفقه الحنبلي ذكر أنه يكره إسبال ثوبه خيلاء وهو أحد الوجهين فما بالنا بغير الخيلاء؟!! . جزم به في الهداية ، و المذهب ، و المذهب الأحمد ، و المستوعب ، و الوجيز ، و الرعاية الصغرى ، و الحاويين ، و الفائق ، و إدراك الغاية ، و تجريد العناية ، وغيرهم . وقدمه في الرعاية الكبرى .
ويقول الشيخ القرضاوي:
لقد روى البخاري تعليقًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" وقال ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان، سرف أو مخيلة، يدل هذا على أن الممنوع هو ما كان فيه إسراف وما قصد به الخيلاء وإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج، وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها "ما أسفل الكعبين من الإزار في النار" رواه البخاري وغيره والإزار هو ما يستر أسفل البدن، ومنه البنطلون والجلباب. "من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة" رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أنى أتعاهده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. والخيلاء هو الكبر والعجب. والمخيلة من الاختيال وهو الكبر واستحقار الناس. وفي رواية لمسلم وغيره عن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم إنهم هم المسبل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. والمسبل هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبرًا واختيالا. كما فسره الحافظ المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب".
وحديث "ما أسفل الكعبين من الإزار في النار" ليس عامًا للرجال والنساء فقد فهمت أم سلمة رضي الله عنها أنه عام وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا" فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: "فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه" أخرجه النسائي والترمذي وصححه. والذراع شبران بشبر اليد المعتدلة.
والخلاصة أن للرجال حالين، حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين. وكذلك للنساء حالان، حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع. وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه، ومن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه، مستحضرًا لها شاكرًا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس"، والغمط معناه الاحتقار. والحديث الذي أخرجه الطبري "إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه" محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه. لا من أحب ذلك ابتهاجًا بنعمة الله. فقد أخرج الترمذي وحسنه "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" وأخرج النسائي وأبو داود وصححه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل رآه رث الثياب "إذا أتاك الله مالا فلير أثره عليه" أي بأن يلبس ثيابًا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون إلى الطلب منه، مع مراعاة القصد وترك الإسراف.
هذا وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة، والثوب الطويل الذي ليس فيه خيلاء يكره إذا لم يأمن لابسه من تعلق النجاسة به، فقد أخرج الترمذي عن عبيد بن خالد أنه قال: "كنت أمشي وعليَّ برد أجره، فقال لي رجل" ارفع ثوبك فإنه أنقى وأبقى" فنظرت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إنما هي بردة ملحاء – أي فيها خطوط سود وبيض – فقال: "أما لك في أسوة؟ قال: فنظرت فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه "فتح الباري ج10 ص264 – 275".
ويقول الدكتور القرضاوى :
عملية الإسبال، وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الإسبال، بعضها ورد فيها نهي مطلق عن الإسبال "أن يسبل إزاره" وبعضها مقيد بمن فعل ذلك اختيالا قال "لا يريد بذلك إلا المخيلة" وهو حديث ابن عمر، يعني من جَرَّ إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، معنى المخيلة أي الاختيال أي يريد التبختر والفخر على الناس، وكان العرب في الجاهلية يعتبرون جَرَّ الثياب هذا من مظاهر العظمة، وإن الفقير يلبس لحد الركبة أو تحت الركبة بقليل، والغني يلبس ويجر في إزاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جَرِّ الثوب، أو جَرِّ الإزار بالذات، معظم الأحاديث جاءت في الإزار وجاء أيضا إزرة المؤمن إلى نصف الساق، فبعض العلماء أخذ بالإطلاق وقال الإسبال ممنوع على كل حال، والبعض قال ممنوع إذا أريد به المخيلة، إذا أريد به الاختيال، أما من لم يخطر الاختيال بباله فلا يدخل، بدليل حديث ابن عمر وبدليل حديث سيدنا أبو بكر قال "يا رسول الله: إني لا أتعهد إزاري فيسترخي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يفعله خيلاء" فدل على أن فيه عِلَّة، وهذا ما ذهب إليه الإمام النووي والحافظ بن حجر، والكثير من شُرَّاح الحديث وأنا من هذا الفريق الذي يربط التحريم بالاختيال والفخر.
,ويقول الدكتور/يحيى إسماعيل- نائب رئيس هيئة كبار العلماء بالأزهر سابقا-:
إن الإسبال ذكر النهي عنه مرهونًا بعلة، وحيث ذكرت العلة فإن الحكم يدور معها، والحديث الصحيح الذي هو بمثابة العمدة في تلك القضية: "ثلاثة لا ينظر إليهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بالعطية، والمنفق سلعة بعد العصر باليمين الكاذبة، ورجل جرَّ ثوبه خيلاء"، فإذا انتفت العلة انتفى المعلول.
والله أعلم.