شرح الصفات العشر للفرد المسلم والتي صاغها الإمام حسن البنا رضي الله عنه في ركن العمل من رسالة التعاليم فقال:
ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق :
إصلاح نفسه حتى يكون : قوى الجسم ، متين الخُلُق ، مثقف الفكر ، قادرا علي الكسب ، سليم العقيدة ، صحيح العبادة ، مجاهدا لنفسه ، حريصًا علي وقته ، منظما في شئونه ، نافعا لغيره . وذلك واجب كل أخ علي حدته .
يقول الأستاذ محمد حسين في شرح رسالة (قوي الجسم ):فحدّد أهداف العمل الإسلامي لاستعادة الإسلام المُغَيَّب عن بلاد المسلمين وبدأ بالعمل علي استعادة الفرد المسلم بأوصاف القّوة الواجب اتصاف المسلم بها وهي عشرة أوصاف ، وبدأ بصفة قوة الجسم .
وهناك ملاحظات علي هذا الترتيب :
أولها : أنها صفات للفرد ، صفات قوّة مفقودة في تربية المسلم تحتاج إلي الاهتمام باكتسابها لكل مسلم علي حدة .
ثانيها : أنها مرتبة حسب فقدانها في واقع المجتمع المسلم ، وبحسب القاعدة التربوية من أن أوّل المفقود هو أول المطلوب تحقيقه ، فأول ما فقد في واقع المسلمين هو الفرد المسلم الذي به يُستعاد الإسلام ونُحْمَي به الزمار والديار ، وأول ما فقد في الفرد المسلم همته وقوة إرادته وعظم نشاطه وحَيويَّة استعداداته واستثمار طاقاته المكنونة في طيّ معطياته كبشر وذلك كله مكنوز ومركوز في الجسم السليم الصالح بمهام العبودية لله تعالي .
ثالثها : أن قوة الجسم صفة من صفات المسلم يداوم علي اكتسابها والحفاظ عليها وتعبيدها لمولاهُ الذي خلقه وأفاض عليه نعمة الإيجاد والخلق . فجسم العبد صوَّرها الخالق سبحانه إذْ يقول : ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) ، ( وصوركم فأحسن صوركم ) وهي نعمة تحتاج إلي الإمْداد بعد الإيجاد ، وتحتاج من العبد أن يشكر ربه عليها ويدعو بدوامها عليه [ اللهم حسَّن خُلُقي كما أحسنت خَلْقي ]
رابعا الملاحظات : أنه بدأ بقوة الجسم الذي هو الظرف والهيكل الذي يحتفظ بسائر القوى الروحية والعقلية وغيرها ، فبضعفه تضعف سائر القوى ، وبقوته تنمو سائر القوى المطلوبة ، فهو كالأساس للبنيان لابد من البدء به قبل غيره .
خامسها : أن الله تعالي طلب من الأمة المجاهدة أن تستَعدَّ وأن تعدَّ كل ما استطاعت من القوى حيث قال جل شأنه ( وأعُّدوا لهم ما استطعتم من قوة ) وقد أخرج مسلم وغيره عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول وهو علي المنبر ( وأعدَّوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا أن القوّة الَّرمْيُ .] وقوة الرمي هو التدريب علي تصْويب السهام للعدد وإيصالها ، وهذا يحتاج لقوة الجسم والتدريب والتربية البدنية ، وحتى الحروب العسكرية الحديثة تحتاج إلي فنون الرمي بالقذائف والصواريخ وسائر الأسلحة .
وأخيرًا : فصفات الفرد المسلم كلها أوصاف قوة واقتداء وامتلاك للقوى : فأولها قوة الجسم
ثم قوة الروح والنفس – متين الخلق –
ثم قوة العقل والعلم – مثقف الفكر –
ثم قوة الاكتساب للمال والسلطان والجاه – قادر علي الكسب –
ثم توجيه كل هذه القوى حسب عقيدة التوحيد – سليم العقيدة –
ثم تفعيل القُوى لإصلاح الحياة – صحيح العبادة ،
ثم الثبات والاستقامة علي بذل المجهود في إيجاد المطلوب – مجاهد لنفسه –
ثم الحرص الشديد علي الوقت بلا تضييع أو تكاسل في واجباته – حريص علي وقته –
ولأن الأعمال والواجبات أكثر من الأوقات فلابد من اكتساب صفة التنظيم والترتيب للتغلب فقد الأوقات أوْ فوات الواجبات – منظم في شئونه –
ثم إن المسلم يستثمر كل قواه في طاعة مولاه بمراعاة خلق الله فيجب أن يكون – نافع لغيره – )اهـ كلامه حفظه الله
وقد طرح على أحد الإخوة الكرام سؤالا عن سبب ابتدائي لشرحها بترتيب مخالف لترتيب الإمام البنا
والجواب :أن الأمر كما قال الأستاذ الجليل محمد حسين (أنها مرتبة حسب فقدانها في واقع المجتمع المسلم ، وبحسب القاعدة التربوية من أن أوّل المفقود هو أول المطلوب تحقيقه ...)
إذن فلعل هذا الترتيب كان مناسبا – في وجهة نظري- لزمن الإمام البنا لكن في زماننا رأيت أن أول صفة ينبغي الاتصاف بها أولا سلامة العقيدة وهو ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام حتى رأيناهم أثبت ما يكونوا عند المحن والمصائب فهذا الثبات الذي رأيناه في بلال وعمار وأهله وغيرهم ما جاء إلا لثمرة التربية النبوية على منهج سلامة العقيدة وأول من لفت النظر لهذه المسألة-فيما أعلم - هو الدكتور الصلابي في السيرة النبوية تحت عنوان
البناء العقدي في العهد المكي
ثم أتبعها بفصل آخر بعنوان
البناء التعبدي والأخلاقي في العهد المكي
فرأيت أن أبدأالصفات بسليم العقيدة،من هذه الوجهة ومن جهة أخرى الرد على من يزعمون أن الإخوان لا يهتمون بالعقيدة،فأردت إبراز هذا المعنى
وهذا يتبعه صحة العبادة
ثم قوة الإرادة والقدرة على التغير للأحسن (مجاهدا لنفسه )
ثم إحاطته بما يدور حوله من خلال (مثقف الفكر )
ثم سلامته من الآفات والأمراض بحرصه على صحته وتقويته لجسمه من خلال (قوي الجسم )ثم أثر ذلك في معاملته مع غيره فهو (مَتِينُ الخُلُق)
ثم في حركته في الحياة وسر نجاحه ( منظما في شئونه، حريصا على وقته)ثم في عفته وغناه عن سؤال الناس (قادرا على الكسب)ثم في إيجابيته في مجتمعه فهو لايسعى لنفسه دائما وإنما هو (نافع لغيره )
فالمسألة أخي الكريم هي رؤية للصفات حسب أولويتها وربما بعض الإخوة له وجهة نظر أخرى
والله الموفق
(1)سـليم العقيدة
كنت أبحث عن سلسلة منهجية جديدة لخطب الجمعة فقلت ما الصفات التي يحتاجها المسلم المعاصر ليكون مسلما محافظا على دينه وهويته الإسلامية وفي نفس الوقت يكون عنده واقعية وإيجابية من خلال حركته في المجتمع فتذكرت قصةعمر بن الخطاب حينما قال لأصحابه: تمنوا. فقال أحدهم : أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم فأنفقها في سبيل الله.
فقال: تمنوا قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبا فأنفقها في سبيل الله .
قال : تمنوا . قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت جوهرا أو نحوه فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر تمنوا: فقالوا : ما تمنينا بعد هذا .
كل هذه الأماني فيها خير ، لأنهم تمنوا المال من أجل إنفاقه في سبيل الله ، ولكن ماذا تمنى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)؟
قال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجال مثل أبي عبيدة بن الجراح .
وقدأعجبتني كثيراً صفات عشرة لبناء الشخصية المسلمة تلك الصفات التي صاغها العالم الرباني الإمام حسن البنا مستنتجاً إياها من كتاب الله وسنة رسوله وحاجة المسلم في الواقع المعاصر والمستقبل المنشود. وهذه العشر هي : سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شؤونه، نافعًا لغيره،قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب
وهذا التوفيق في أن يجمع هذه العشر بهذه الصياغة والتناغم بينها يبين لنا صدق تسميته بالملهم الموهوب وقد ذكرني يوم أن طلب منه أبوه الشيخ عبد الرحمن البنا مؤلف كتاب (الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ) حين طلب منه تأليف الكتب قال أنا مشغول بتأليف الرجال!!!.
ونبدأ إن شاء الله في تفصيلها والتعليق عليها :
(1)
سـليم العقيدة
سلامة الاعتقاد معناه الإيمان بأن الله هو الفاعل لكل شئ في الكون إفراد الله سبحانه بالعبادة الكون كله يعبد خالقه ويوحد خالقه وكل ما في الكون من إبداع ونظام يدل على أن مبدعه ومدبره واحد، ولو كان وراء هذا الكون أكثر من عقل يدبر، وأكثر من يد تنظم، لأختل نظامه: واضطربت سننه، وصدق الله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فسبحان الله رب العرش عما يصفون) (الأنبياء: 22)، (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله، إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، سبحان الله عما يصفون) (المؤمنون: 91).
وأنه هو تعالى واحد في ربوبيته، فهو رب السموات والأرض ومن فيهن وما فيهن، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يدعي أنه الخالق أو الرازق أو المدبر لذرة في السماء أو في الأرض (وما ينبغي لهم وما يستطيعون) (الشعراء: 211).
وهو تعالى واحد في ألوهيته، فلا يستحق العبادة إلا هو، ولا يجوز التوجه بخوف أو رجاء إلا إليه. فلا خشية إلا منه، ولا ذل إلا إليه، ولا طمع إلا في رحمته، ولا اعتماد إلا عليه ولا انقياد إلا لحكمه. والبشر جميعاً -سواء أكانوا أنبياء وصديقين أم ملوكاً وسلاطين- عباد الله، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فمن ألَّه واحداً منهم، أو خشع له وحنى رأسه، فت جاوز به قدره؛ ونزل بقدر نفسه.
ولابد مع الإيمان بوجود الله ووحدانيته من الإيمان بأنه تعالى متصف بكل كمال يليق بذاته الكريمة، منزه عن كل نقص: (لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد) (الإخلاص: 3، 4) (ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير) (الشورى: 11).
دل على ذلك: هذا الكون البديع وما فيه من إحكام عجيب، وهدت إلى ذلك الفطرة البشرة النيرة، وفصلت ذلك رسالات الله تعالى إلى أنبيائه.
فهو سبحانه العليم الذي لا يخفى عليه شيء: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا ورطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) (الأنعام: 59).
وهو العزيز الفعال لما يريد، الذي لا يغلبه شيء، ولا يقهر إرادته شيء (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير) (آل عمران: 26).
وهو القدير الذي لا يعجزه شيء. يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويحيي العظام وهي رميم، ويعيد الخلق كما بدأهم أول مرة وهو أهون عليه: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) (الملك: 1).
وهو الحكيم الذي لا يخلق شيئاً عبثاً، ولا يترك شيئاً سدىً، ولا يفعل فعلاً، أو يشرع شرعاً إلا لحكم، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها. وهذا ما شهد به الملائكة هذا الملأ الأعلى: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم) (البقرة: 32).
وما شهد به أنبياء الله وأولياؤه، وأولوا الألباب من عباده: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك) (آل عمران: 191).
وقد ورد من سنة رسول الله وصحابته الكرام ما يبين لنا حرصهم الشديد على سلامة العقيدة وصيانتها من أي شائبة
من ذلك ترك التشبه بالكافرين كما في حديث أبي واقد الليثي ، رضي الله عنه : ( أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم ،ْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ ، قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة .)ً رواه أحمد سدرة أي : شجرة وقَوْلُهُ : يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، الأنواط : جمع نوط ، وهو كل شيء يعلق ، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق . قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ : هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين ، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ . وقوله : " قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ " ، شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل لما مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم ، طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعكفون عليه كما لأولئك إله . )إنها لسنن ) ، أي : طرق ، ( لَتَرْكَبُنَّ ) أي : لَتَتَّبِعُنَّ ، ( سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) أي : طريقة من كان قبلكم من الأمم ، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الأْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ وفي هذا الحديث من الفوائد : التحذير من الشرك ، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله ، وهو أبعد ما يبعده من رحمة ربه ، ويقربه من سخطه، و النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم .
ومن ذلك أيضا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ما شاء الله وشاء محمد، للشخص.. حسماً لمادة الشرك وسداً لذريعة التشريك في المعنى، وقال لمن قال له: ما شاء الله وشئت قال: (أجعلتني لله نداً؟)
وكذلك نهينا عن الصلاة في المقبرة؛ لأنها ذريعة إلى تقديس الموتى وتعظيمهم، وكذلك لا يجوز الذهاب إلى العرافين والكهان ولو كان الإنسان غير معتقد أنهم يعلمون الغيب، لا يجوز إلا إذا كان للإنكار عليهم أو لإفحامهم وإقامة الحجة،
وكذلك لماذا نهينا عن سب الدهر؟ لأنه يؤدي إلى سب الله عز وجل الذي خلق الدهر، الدهر ليس له تصرف، لا يضر ولا ينفع، الله الذي خلقه، يقلب الأيام والليالي سبحانه وتعالى.
ولماذا نهي السيد أن يقول: عبدي وأمتي، وإنما يقول: فتاي وفتاتي وغلامي؟
ونهينا عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها حتى لا يكون ذريعة إلى مشاركة المشركين الذين يعبدون الشمس في ذلك الوقت، حتى في الأمور المتعلقة بالتطير وهذا له اتصال وثيق بالتوحيد،
فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز الشمس ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب ، ولا تَحَيُّنوا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، فإنّها تطلع بين قرني شيطان )
والمعنى أن طوائف المشركين كانوا يعبدون الشمس ، ويسجدون لها عند طلوعها ، وعند غروبها ، فعند ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس ، حتى تكون عبادتهم له .
وقد جاء هذا مصرحاً به في صحيح مسلم ، فقد سأل عمرو بن عبسة السلمي الرسول عن الصلاة . فقال صلى الله عليه وسلم : ( صل صلاة الصبح ، ثم أقصر الصلاة حتى تطلع الشمس ، حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثمّ صلَّ ، فإن الصلاة مشهودة محضورة ) .
ثم نهاه عن الصلاة بعد العصر ( حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ) .
وقد نهينا عن الصلاة في هذين الوقتين ، والصحيح أن الصلاة في هذين الوقتين جائزة ، إذا كان لها سبب كتحية المسجد ، ولا تجوز بلا سبب كالنفل المطلق ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحَيّنوا ) ؛ أي لا تقصدوا .
وهذا كما نقلوا عن عمر أنه بلغه: أن أقوامًا يزورون الشجرة التى بويع تحتها بيعة الرضوان، ويصلون هناك، فأمر بقطع الشجرة. وقد ثبت عنه أنه كان في سفر، فرأى قومًا ينتابون بقعة يصلون فيها، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ومكان صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك بنو إسرائيل بهذا. من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض..
قصة نيل مصر
روى الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية قال : لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص - حين دخل بؤونة(أغسطس ) من أشهر العجم - فقالوا : أيها الأمير ، لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها . قال : وما ذاك : قالوا : إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها ، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في هذا النيل .فقال لهم عمرو : إن هذا مما لا يكون في الإسلام ، إن الإسلام يهدم ما قبله . قال : فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى)أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ) والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا ، حتى هموا بالجلاء ، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب إليه : إنك قد أصبت بالذي فعلت ، وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي ، فألقها في النيل . فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها " من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر ، أما بعد ، فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك ، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار ، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك " قال : فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم .
وهكذا يكون حرص المسلم على سلامة عقيدته من أي شائبة تشوبها في اللفظ أو الفعل أو في الاعتقاد لأن المسلم سليم الاعتقاد لا يذل نفسه إلا لله ولا يخاف ولا يرجو إلا الله .
هذا ماعندي ورحم الله امرءا زاد وأفاد
2- (صحيح العبادة )
من صفات الفرد المسلم
(صحيح العبادة )الصحة : ضد السقم ، والصحيح ما سلم من السنقص .
و أصل العبودية : الخضوع والتَّذلُّل ، والمستحق لذلك الله تعالي والعبادة : الطاعة ، والتعبُّد : التَّنسُّك .
تنبع أهمية العبادة من كونها الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها، قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }(الذاريات: 56)
ولأجل تحقيق هذه الغاية واقعا في حياة الناس بعث اللهُ الرسل، قال تعالى:{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }(النحل:36)
وبالعبادة وصف الله ملائكته وأنبياءه، فقال تعالى:{ وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون }(الأنبياء: 19)
وذم المستكبرين عنها بقوله: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }(الأنبياء: 19)
ونعت أهل جنته بالعبودية له، فقال سبحانه:{ عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا }(الإنسان:6)
ونعت نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالعبودية له في أكمل أحواله، فقال في الإسراء:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا }(الإسراء: )،
فالدين كله داخل في العبادة وهي أشرف المقامات وأعلاها وبها نجاة العبد ورفعته في الدنيا والآخرة.
تعريف العبادة
لخص العلماء تعريف العبادة بقولهم: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فمثال الأفعال الظاهرة الصلاة، ومثال الأقوال الظاهرة التسبيح، ومثال الأقوال والأفعال الباطنة الإيمان بالله وخشيته والتوكل عليه، والحب والبغض في الله.
وأصل معنى العبادة مأخوذ من الذل، يقال طريق معبّدٌ إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام، غير أن العبادة في الشرع لا تقتصر على معنى الذل فقط، بل تشمل معنى الحب أيضا، فهي تتضمن غاية الذل لله وغاية المحبة له، فيجب أن يكون الله أحبَّ إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء .
شروط صحة العبادة :
لصحة العبادة شرطان:
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله، وهو الإخلاص الذي أمر الله به، ومعناه أن يقصد العبد بعبادته وجه الله سبحانه، قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }(البينة:5). وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا ".
والثاني: أن يعبد الله بما أمر وشرع لا بغير ذلك من الأهواء والبدع، قال تعالى: { أَم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }(الشورى: 21)، وقال تعالى: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }(الكهف:110) وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه. وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:{ ليبلوكم أيكم أحسن عملا }(هود: 7) قال أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال: العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة .
أقسام عبودية الناس لربهم :
الناس في عبوديتهم لربهم على قسمين:
القسم الأول عبودية قهر: وهذه لا يخرج منها أحد من مؤمن أو كافر، ومن بر أو فاجر، فالكل مربوب لله مقهور بحكمه خاضع لسلطانه، فما شاء الله كان وإن لم يشاؤوا وما شاؤوا إن لم يشاء لم يكن، كما قال تعالى:{ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون }(آل عمران:33
القسم الثاني عبودية تكليف: وهي عبودية شرعية دينية، وهي طاعة الله ورسوله، وهي التي يحبها الله ويرضاها، وبها وصف المصطفين من عباده، وهذه العبودية اختيارية من حيث القدر، فمن شاء آمن ومن شاء كفر، ومرد الجميع إلى الله تعالى ليحاسبهم على أعمالهم .
آثار العبادة على الخلق
لعبادة الله أعظم الأثر في صلاح الفرد والمجتمع والكون كله، فأما أثر العبادة على الكون وعلى البشرية عامة فهي سبب نظام الكون وصلاحه، وسبيل سعادة الإنسان ورفعته في الدنيا والآخرة، وكلما كان الناس أقرب إلى العبادة كان الكون أقرب إلى الصلاح، والعكس بالعكس، فإن انهمكوا في المعاصي والسيئات وتركوا الواجبات والطاعات كان ذلك مؤذنا بخراب الكون وزواله، ومن تأمل كيف أن القيامة لا تقوم إلا على شرار الخلق حين لا يقال في الكون كله " الله الله " علم صحة ما ذكرنا.
والعبادة هي الزمام الذي يكبح جماح النفس البشرية أن تلغ في شهواتها، وهي السبيل الذي يحجز البشرية عن التمرد على شرع الله تعالى، قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }(العنكبوت:45) فالعبادة ضمانة أخرى من أن تنحرف البشرية في مهاوي الردى وطرق الضلال.
والعبادة سبب للرخاء الاقتصادي واستنزال رحمات الله وبركاته على البلاد والعباد، قال تعالى: { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض }( الأعراف:96).
هذا فيما يتعلق بآثار العبادة على الكون كله وعلى البشرية جمعاء، أما آثارها فيما يتعلق بالفرد فيمكن إيجاز ذلك في أمور:
الأمر الأول: طمأنينة القلب وراحته ورضاه، قال تعالى : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }(الرعد:28).
الأمر الثاني: نور الوجه، قال تعالى: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود }(الفتح:29) وقال عن الكافرين:{ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }(يونس:27).
الأمر الثالث: سعة الرزق والبركة فيه، ويدل على ذلك قصة أصحاب الجنة الذين بارك الله لهم في جنتهم في حياة والدهم بطاعته ورحمته بالفقراء، حتى إذا مات وورثوا الأرض من بعده عزموا على حرمان الفقراء، فأرسل الله على جنتهم صاعقة فجعلتها كالصريم محترقة سوداء كالليل البهيم، قال تعالى: { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون }(القلم:17).
بور بوينت عن العبادة انسخ الرابط وضعه في المتصفح
http://www.kau.edu.sa/fah/gcu/ثقافة%...م%20الثالث.ppt
والسؤال إذا كان الله غنياً عن خلقه وغنياً عن عبادتهم لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية، فلماذا أمرنا الله أن نعبده؟
لأن العبادة حق الله على خلقه، فليس بمستنكر أن يكون لله حق على الخلق، وإنما المستنكر والمستغرب أن يجحد الخلق حق لله علينا، "أتدرى ما حق الله على العباد؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً" والجفاء والجحود أن يأسر الإنسان إحسان من أحسن إليه من البشر، إن أحسن إليك أحد الناس يأسرك إحسانه وتحبه، فأقول: من الجحود والجفاء أن يأسر إنساناً إحسان من أحسن إليه من البشر، وأن ينسى الإنسان إحسان وإنعام خالق البشر.
والعبادة غذاء لأرواحنا، فبدونها سنموت، بدون العبادة سنموت، كما مات أهل الجسد الذين قتلوا الروح قتلا، ماتوا وهم يتحركون بين الناس، إن الإنسان جسد وروح، ومستحيل أن يعيش الإنسان حياة طيبة سعيدة بالبدن دون الروح.
وأنتم تعلمون أن الغرب قد أعطى البدن كل ما يشتهيه من طعام وشراب وشهوات ونساء وملذات وعلم وتكنولوجيا إلى آخره، أعطى الغرب البدن كل ما يشتهيه ، وبقيت الروح فى أعماق البدن، تصرخ تبحث عن دواء وغذاء فوقف الغرب أمام الروح عاجزاً لا يملك شيئاً، لأن الروح لا توزن بالجرام ولا تقاس الروح بالترمومتر ، ولا توضع الروح في بوتقة التجارب في معمل كيمياء، أو في معمل فيزياء، لذا وقف الغرب عاجزاً أمام الروح، إذ لا يعلم دواء الروح وغذاء الروح إلا خالق الروح جلا وعلا : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء .
فوقف الغرب عاجزاً أمام الروح، يعيش فى ضنك. نعم: ونحن نتحدى من ينكر ذلك، يعيش الغربيون فى ضنك وشقاء، لماذا؟ لأنهم أعطوا البدن كل شئ وكل ما يشتهيه وبقيت الروح لم تأخذ شيئاً على الإطلاق، هى تنادى فى أعماق البدن تريد دواءها، تريد غذاءها تريد شرابها ودواءها وغذاءها وشرابها فى منهج خالقها وربها، وإن انتشار عيادات الطب النفسى وحالات الانتحار الجماعى والفردي في الشرق والغرب لمن أعظم الأدلة العملية على ما يعانيه الغرب في الجانب الروحي من قلق وشك وضنك واضطراب.
لا يمكن يا إخوة لطائر جبار أن يحلق في الفضاء بجناح واحد، ولو نجح في ذلك لفترة وإن طالت حتماً سيسقط لينكسر جناحه الأخر، فالإنسان يعيش بين هذين الجناحين، بين جناح الروح وجناح البدن، بل إن الروح هي الأصل؛ لأن الروح هي التي تحمل البدن.
حكى الشيخ محمد حسان كنت في مطار شيكاغو فحان موعد صلاة الظهر فأذنت في المطار بصوتي فلفت أنظار الجميع (لحلاوة كلمات الأذان وعذوبة الصوت) وصليت بالشيوخ الذين معي وافتتحت الصلاة بسورة مريم وحين انتهيت التف حولنا الناس يصورون بالكاميرا ت وجاء شخص ومعه زوجته وابنته يتساءل من أنتم وماذا تفعلون ؟ثم عقب بأنه سعيد جدا لأنه تنتابه حالات قلق نفسي واضطراب يفكر فيها بالانتحار ، ولا يشعر بالراحة إلا إذا وضع رأسه على التراب كهيئتنا (يقصد السجود )وهو سعيد جدا لأنه كان يظن أنه حالة شاذة في العالم فالآن وجد رفقاء له في المرض فوضحنا له أن هذه صلاتنا وهذا عندنا السجود ...فأراد أن يتعرف على المزيد وسألنا عن مكان نزولنا في أمريكا وجاء بعد عدة أيام إلى المركز الإسلامي وبقي هو وأسرته ثلاثة أيام تقريبا في المركز وبعدها أعلنت هذه الأسرة إسلامها .
سئل الشافعي يوما: هل الروح هي التي تحمل البدن أم البدن هو الذي يحمل الروح؟ قال: لا بل إن الروح هي التي تحمل البدن بدليل أن الروح إن فارقت البدن وخرجت منه، وقع البدن جثة هامدة لا قيمة له إن لم يدفن فاح عفته ونتنه، فنحن نعبد الله؛ لأن العبادة غذاء الروح، ومن عرف الله أحبه وشعرت روحه بالسعادة بل وشعر بدنه بالسعادة، لا يشعر المسلم بالأنس والسعادة إلا في رحاب الله وفى ذكر الله وفى الصلوات لله، وفى طاعة الله، وفى السجود بين يدي الله قمة السعادة للمسلم من عرف الله أحبه الله.
قال أحد السلف: مساكين والله أهل الغفلة، خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب ما فيها قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال حب الله والأنس به، حب الله والأنس به، فنحن نعبد الله؛ لأن العبادة غذاء للروح.
ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق :
إصلاح نفسه حتى يكون : قوى الجسم ، متين الخُلُق ، مثقف الفكر ، قادرا علي الكسب ، سليم العقيدة ، صحيح العبادة ، مجاهدا لنفسه ، حريصًا علي وقته ، منظما في شئونه ، نافعا لغيره . وذلك واجب كل أخ علي حدته .
يقول الأستاذ محمد حسين في شرح رسالة (قوي الجسم ):فحدّد أهداف العمل الإسلامي لاستعادة الإسلام المُغَيَّب عن بلاد المسلمين وبدأ بالعمل علي استعادة الفرد المسلم بأوصاف القّوة الواجب اتصاف المسلم بها وهي عشرة أوصاف ، وبدأ بصفة قوة الجسم .
وهناك ملاحظات علي هذا الترتيب :
أولها : أنها صفات للفرد ، صفات قوّة مفقودة في تربية المسلم تحتاج إلي الاهتمام باكتسابها لكل مسلم علي حدة .
ثانيها : أنها مرتبة حسب فقدانها في واقع المجتمع المسلم ، وبحسب القاعدة التربوية من أن أوّل المفقود هو أول المطلوب تحقيقه ، فأول ما فقد في واقع المسلمين هو الفرد المسلم الذي به يُستعاد الإسلام ونُحْمَي به الزمار والديار ، وأول ما فقد في الفرد المسلم همته وقوة إرادته وعظم نشاطه وحَيويَّة استعداداته واستثمار طاقاته المكنونة في طيّ معطياته كبشر وذلك كله مكنوز ومركوز في الجسم السليم الصالح بمهام العبودية لله تعالي .
ثالثها : أن قوة الجسم صفة من صفات المسلم يداوم علي اكتسابها والحفاظ عليها وتعبيدها لمولاهُ الذي خلقه وأفاض عليه نعمة الإيجاد والخلق . فجسم العبد صوَّرها الخالق سبحانه إذْ يقول : ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) ، ( وصوركم فأحسن صوركم ) وهي نعمة تحتاج إلي الإمْداد بعد الإيجاد ، وتحتاج من العبد أن يشكر ربه عليها ويدعو بدوامها عليه [ اللهم حسَّن خُلُقي كما أحسنت خَلْقي ]
رابعا الملاحظات : أنه بدأ بقوة الجسم الذي هو الظرف والهيكل الذي يحتفظ بسائر القوى الروحية والعقلية وغيرها ، فبضعفه تضعف سائر القوى ، وبقوته تنمو سائر القوى المطلوبة ، فهو كالأساس للبنيان لابد من البدء به قبل غيره .
خامسها : أن الله تعالي طلب من الأمة المجاهدة أن تستَعدَّ وأن تعدَّ كل ما استطاعت من القوى حيث قال جل شأنه ( وأعُّدوا لهم ما استطعتم من قوة ) وقد أخرج مسلم وغيره عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول وهو علي المنبر ( وأعدَّوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا أن القوّة الَّرمْيُ .] وقوة الرمي هو التدريب علي تصْويب السهام للعدد وإيصالها ، وهذا يحتاج لقوة الجسم والتدريب والتربية البدنية ، وحتى الحروب العسكرية الحديثة تحتاج إلي فنون الرمي بالقذائف والصواريخ وسائر الأسلحة .
وأخيرًا : فصفات الفرد المسلم كلها أوصاف قوة واقتداء وامتلاك للقوى : فأولها قوة الجسم
ثم قوة الروح والنفس – متين الخلق –
ثم قوة العقل والعلم – مثقف الفكر –
ثم قوة الاكتساب للمال والسلطان والجاه – قادر علي الكسب –
ثم توجيه كل هذه القوى حسب عقيدة التوحيد – سليم العقيدة –
ثم تفعيل القُوى لإصلاح الحياة – صحيح العبادة ،
ثم الثبات والاستقامة علي بذل المجهود في إيجاد المطلوب – مجاهد لنفسه –
ثم الحرص الشديد علي الوقت بلا تضييع أو تكاسل في واجباته – حريص علي وقته –
ولأن الأعمال والواجبات أكثر من الأوقات فلابد من اكتساب صفة التنظيم والترتيب للتغلب فقد الأوقات أوْ فوات الواجبات – منظم في شئونه –
ثم إن المسلم يستثمر كل قواه في طاعة مولاه بمراعاة خلق الله فيجب أن يكون – نافع لغيره – )اهـ كلامه حفظه الله
وقد طرح على أحد الإخوة الكرام سؤالا عن سبب ابتدائي لشرحها بترتيب مخالف لترتيب الإمام البنا
والجواب :أن الأمر كما قال الأستاذ الجليل محمد حسين (أنها مرتبة حسب فقدانها في واقع المجتمع المسلم ، وبحسب القاعدة التربوية من أن أوّل المفقود هو أول المطلوب تحقيقه ...)
إذن فلعل هذا الترتيب كان مناسبا – في وجهة نظري- لزمن الإمام البنا لكن في زماننا رأيت أن أول صفة ينبغي الاتصاف بها أولا سلامة العقيدة وهو ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام حتى رأيناهم أثبت ما يكونوا عند المحن والمصائب فهذا الثبات الذي رأيناه في بلال وعمار وأهله وغيرهم ما جاء إلا لثمرة التربية النبوية على منهج سلامة العقيدة وأول من لفت النظر لهذه المسألة-فيما أعلم - هو الدكتور الصلابي في السيرة النبوية تحت عنوان
البناء العقدي في العهد المكي
ثم أتبعها بفصل آخر بعنوان
البناء التعبدي والأخلاقي في العهد المكي
فرأيت أن أبدأالصفات بسليم العقيدة،من هذه الوجهة ومن جهة أخرى الرد على من يزعمون أن الإخوان لا يهتمون بالعقيدة،فأردت إبراز هذا المعنى
وهذا يتبعه صحة العبادة
ثم قوة الإرادة والقدرة على التغير للأحسن (مجاهدا لنفسه )
ثم إحاطته بما يدور حوله من خلال (مثقف الفكر )
ثم سلامته من الآفات والأمراض بحرصه على صحته وتقويته لجسمه من خلال (قوي الجسم )ثم أثر ذلك في معاملته مع غيره فهو (مَتِينُ الخُلُق)
ثم في حركته في الحياة وسر نجاحه ( منظما في شئونه، حريصا على وقته)ثم في عفته وغناه عن سؤال الناس (قادرا على الكسب)ثم في إيجابيته في مجتمعه فهو لايسعى لنفسه دائما وإنما هو (نافع لغيره )
فالمسألة أخي الكريم هي رؤية للصفات حسب أولويتها وربما بعض الإخوة له وجهة نظر أخرى
والله الموفق
(1)سـليم العقيدة
كنت أبحث عن سلسلة منهجية جديدة لخطب الجمعة فقلت ما الصفات التي يحتاجها المسلم المعاصر ليكون مسلما محافظا على دينه وهويته الإسلامية وفي نفس الوقت يكون عنده واقعية وإيجابية من خلال حركته في المجتمع فتذكرت قصةعمر بن الخطاب حينما قال لأصحابه: تمنوا. فقال أحدهم : أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم فأنفقها في سبيل الله.
فقال: تمنوا قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبا فأنفقها في سبيل الله .
قال : تمنوا . قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت جوهرا أو نحوه فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر تمنوا: فقالوا : ما تمنينا بعد هذا .
كل هذه الأماني فيها خير ، لأنهم تمنوا المال من أجل إنفاقه في سبيل الله ، ولكن ماذا تمنى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)؟
قال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجال مثل أبي عبيدة بن الجراح .
وقدأعجبتني كثيراً صفات عشرة لبناء الشخصية المسلمة تلك الصفات التي صاغها العالم الرباني الإمام حسن البنا مستنتجاً إياها من كتاب الله وسنة رسوله وحاجة المسلم في الواقع المعاصر والمستقبل المنشود. وهذه العشر هي : سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شؤونه، نافعًا لغيره،قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب
وهذا التوفيق في أن يجمع هذه العشر بهذه الصياغة والتناغم بينها يبين لنا صدق تسميته بالملهم الموهوب وقد ذكرني يوم أن طلب منه أبوه الشيخ عبد الرحمن البنا مؤلف كتاب (الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ) حين طلب منه تأليف الكتب قال أنا مشغول بتأليف الرجال!!!.
ونبدأ إن شاء الله في تفصيلها والتعليق عليها :
(1)
سـليم العقيدة
سلامة الاعتقاد معناه الإيمان بأن الله هو الفاعل لكل شئ في الكون إفراد الله سبحانه بالعبادة الكون كله يعبد خالقه ويوحد خالقه وكل ما في الكون من إبداع ونظام يدل على أن مبدعه ومدبره واحد، ولو كان وراء هذا الكون أكثر من عقل يدبر، وأكثر من يد تنظم، لأختل نظامه: واضطربت سننه، وصدق الله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فسبحان الله رب العرش عما يصفون) (الأنبياء: 22)، (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله، إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، سبحان الله عما يصفون) (المؤمنون: 91).
وأنه هو تعالى واحد في ربوبيته، فهو رب السموات والأرض ومن فيهن وما فيهن، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يدعي أنه الخالق أو الرازق أو المدبر لذرة في السماء أو في الأرض (وما ينبغي لهم وما يستطيعون) (الشعراء: 211).
وهو تعالى واحد في ألوهيته، فلا يستحق العبادة إلا هو، ولا يجوز التوجه بخوف أو رجاء إلا إليه. فلا خشية إلا منه، ولا ذل إلا إليه، ولا طمع إلا في رحمته، ولا اعتماد إلا عليه ولا انقياد إلا لحكمه. والبشر جميعاً -سواء أكانوا أنبياء وصديقين أم ملوكاً وسلاطين- عباد الله، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فمن ألَّه واحداً منهم، أو خشع له وحنى رأسه، فت جاوز به قدره؛ ونزل بقدر نفسه.
ولابد مع الإيمان بوجود الله ووحدانيته من الإيمان بأنه تعالى متصف بكل كمال يليق بذاته الكريمة، منزه عن كل نقص: (لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد) (الإخلاص: 3، 4) (ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير) (الشورى: 11).
دل على ذلك: هذا الكون البديع وما فيه من إحكام عجيب، وهدت إلى ذلك الفطرة البشرة النيرة، وفصلت ذلك رسالات الله تعالى إلى أنبيائه.
فهو سبحانه العليم الذي لا يخفى عليه شيء: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا ورطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) (الأنعام: 59).
وهو العزيز الفعال لما يريد، الذي لا يغلبه شيء، ولا يقهر إرادته شيء (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير) (آل عمران: 26).
وهو القدير الذي لا يعجزه شيء. يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويحيي العظام وهي رميم، ويعيد الخلق كما بدأهم أول مرة وهو أهون عليه: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) (الملك: 1).
وهو الحكيم الذي لا يخلق شيئاً عبثاً، ولا يترك شيئاً سدىً، ولا يفعل فعلاً، أو يشرع شرعاً إلا لحكم، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها. وهذا ما شهد به الملائكة هذا الملأ الأعلى: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم) (البقرة: 32).
وما شهد به أنبياء الله وأولياؤه، وأولوا الألباب من عباده: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك) (آل عمران: 191).
وقد ورد من سنة رسول الله وصحابته الكرام ما يبين لنا حرصهم الشديد على سلامة العقيدة وصيانتها من أي شائبة
من ذلك ترك التشبه بالكافرين كما في حديث أبي واقد الليثي ، رضي الله عنه : ( أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم ،ْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ ، قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة .)ً رواه أحمد سدرة أي : شجرة وقَوْلُهُ : يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، الأنواط : جمع نوط ، وهو كل شيء يعلق ، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق . قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ : هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين ، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ . وقوله : " قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ " ، شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل لما مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم ، طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعكفون عليه كما لأولئك إله . )إنها لسنن ) ، أي : طرق ، ( لَتَرْكَبُنَّ ) أي : لَتَتَّبِعُنَّ ، ( سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) أي : طريقة من كان قبلكم من الأمم ، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الأْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ وفي هذا الحديث من الفوائد : التحذير من الشرك ، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله ، وهو أبعد ما يبعده من رحمة ربه ، ويقربه من سخطه، و النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم .
ومن ذلك أيضا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ما شاء الله وشاء محمد، للشخص.. حسماً لمادة الشرك وسداً لذريعة التشريك في المعنى، وقال لمن قال له: ما شاء الله وشئت قال: (أجعلتني لله نداً؟)
وكذلك نهينا عن الصلاة في المقبرة؛ لأنها ذريعة إلى تقديس الموتى وتعظيمهم، وكذلك لا يجوز الذهاب إلى العرافين والكهان ولو كان الإنسان غير معتقد أنهم يعلمون الغيب، لا يجوز إلا إذا كان للإنكار عليهم أو لإفحامهم وإقامة الحجة،
وكذلك لماذا نهينا عن سب الدهر؟ لأنه يؤدي إلى سب الله عز وجل الذي خلق الدهر، الدهر ليس له تصرف، لا يضر ولا ينفع، الله الذي خلقه، يقلب الأيام والليالي سبحانه وتعالى.
ولماذا نهي السيد أن يقول: عبدي وأمتي، وإنما يقول: فتاي وفتاتي وغلامي؟
ونهينا عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها حتى لا يكون ذريعة إلى مشاركة المشركين الذين يعبدون الشمس في ذلك الوقت، حتى في الأمور المتعلقة بالتطير وهذا له اتصال وثيق بالتوحيد،
فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز الشمس ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب ، ولا تَحَيُّنوا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، فإنّها تطلع بين قرني شيطان )
والمعنى أن طوائف المشركين كانوا يعبدون الشمس ، ويسجدون لها عند طلوعها ، وعند غروبها ، فعند ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس ، حتى تكون عبادتهم له .
وقد جاء هذا مصرحاً به في صحيح مسلم ، فقد سأل عمرو بن عبسة السلمي الرسول عن الصلاة . فقال صلى الله عليه وسلم : ( صل صلاة الصبح ، ثم أقصر الصلاة حتى تطلع الشمس ، حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثمّ صلَّ ، فإن الصلاة مشهودة محضورة ) .
ثم نهاه عن الصلاة بعد العصر ( حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ) .
وقد نهينا عن الصلاة في هذين الوقتين ، والصحيح أن الصلاة في هذين الوقتين جائزة ، إذا كان لها سبب كتحية المسجد ، ولا تجوز بلا سبب كالنفل المطلق ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحَيّنوا ) ؛ أي لا تقصدوا .
وهذا كما نقلوا عن عمر أنه بلغه: أن أقوامًا يزورون الشجرة التى بويع تحتها بيعة الرضوان، ويصلون هناك، فأمر بقطع الشجرة. وقد ثبت عنه أنه كان في سفر، فرأى قومًا ينتابون بقعة يصلون فيها، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ومكان صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك بنو إسرائيل بهذا. من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض..
قصة نيل مصر
روى الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية قال : لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص - حين دخل بؤونة(أغسطس ) من أشهر العجم - فقالوا : أيها الأمير ، لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها . قال : وما ذاك : قالوا : إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها ، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في هذا النيل .فقال لهم عمرو : إن هذا مما لا يكون في الإسلام ، إن الإسلام يهدم ما قبله . قال : فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى)أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ) والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا ، حتى هموا بالجلاء ، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب إليه : إنك قد أصبت بالذي فعلت ، وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي ، فألقها في النيل . فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها " من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر ، أما بعد ، فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك ، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار ، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك " قال : فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم .
وهكذا يكون حرص المسلم على سلامة عقيدته من أي شائبة تشوبها في اللفظ أو الفعل أو في الاعتقاد لأن المسلم سليم الاعتقاد لا يذل نفسه إلا لله ولا يخاف ولا يرجو إلا الله .
هذا ماعندي ورحم الله امرءا زاد وأفاد
2- (صحيح العبادة )
من صفات الفرد المسلم
(صحيح العبادة )الصحة : ضد السقم ، والصحيح ما سلم من السنقص .
و أصل العبودية : الخضوع والتَّذلُّل ، والمستحق لذلك الله تعالي والعبادة : الطاعة ، والتعبُّد : التَّنسُّك .
تنبع أهمية العبادة من كونها الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها، قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }(الذاريات: 56)
ولأجل تحقيق هذه الغاية واقعا في حياة الناس بعث اللهُ الرسل، قال تعالى:{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }(النحل:36)
وبالعبادة وصف الله ملائكته وأنبياءه، فقال تعالى:{ وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون }(الأنبياء: 19)
وذم المستكبرين عنها بقوله: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }(الأنبياء: 19)
ونعت أهل جنته بالعبودية له، فقال سبحانه:{ عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا }(الإنسان:6)
ونعت نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالعبودية له في أكمل أحواله، فقال في الإسراء:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا }(الإسراء: )،
فالدين كله داخل في العبادة وهي أشرف المقامات وأعلاها وبها نجاة العبد ورفعته في الدنيا والآخرة.
تعريف العبادة
لخص العلماء تعريف العبادة بقولهم: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فمثال الأفعال الظاهرة الصلاة، ومثال الأقوال الظاهرة التسبيح، ومثال الأقوال والأفعال الباطنة الإيمان بالله وخشيته والتوكل عليه، والحب والبغض في الله.
وأصل معنى العبادة مأخوذ من الذل، يقال طريق معبّدٌ إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام، غير أن العبادة في الشرع لا تقتصر على معنى الذل فقط، بل تشمل معنى الحب أيضا، فهي تتضمن غاية الذل لله وغاية المحبة له، فيجب أن يكون الله أحبَّ إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء .
شروط صحة العبادة :
لصحة العبادة شرطان:
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله، وهو الإخلاص الذي أمر الله به، ومعناه أن يقصد العبد بعبادته وجه الله سبحانه، قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }(البينة:5). وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا ".
والثاني: أن يعبد الله بما أمر وشرع لا بغير ذلك من الأهواء والبدع، قال تعالى: { أَم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }(الشورى: 21)، وقال تعالى: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }(الكهف:110) وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه. وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:{ ليبلوكم أيكم أحسن عملا }(هود: 7) قال أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال: العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة .
أقسام عبودية الناس لربهم :
الناس في عبوديتهم لربهم على قسمين:
القسم الأول عبودية قهر: وهذه لا يخرج منها أحد من مؤمن أو كافر، ومن بر أو فاجر، فالكل مربوب لله مقهور بحكمه خاضع لسلطانه، فما شاء الله كان وإن لم يشاؤوا وما شاؤوا إن لم يشاء لم يكن، كما قال تعالى:{ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون }(آل عمران:33
القسم الثاني عبودية تكليف: وهي عبودية شرعية دينية، وهي طاعة الله ورسوله، وهي التي يحبها الله ويرضاها، وبها وصف المصطفين من عباده، وهذه العبودية اختيارية من حيث القدر، فمن شاء آمن ومن شاء كفر، ومرد الجميع إلى الله تعالى ليحاسبهم على أعمالهم .
آثار العبادة على الخلق
لعبادة الله أعظم الأثر في صلاح الفرد والمجتمع والكون كله، فأما أثر العبادة على الكون وعلى البشرية عامة فهي سبب نظام الكون وصلاحه، وسبيل سعادة الإنسان ورفعته في الدنيا والآخرة، وكلما كان الناس أقرب إلى العبادة كان الكون أقرب إلى الصلاح، والعكس بالعكس، فإن انهمكوا في المعاصي والسيئات وتركوا الواجبات والطاعات كان ذلك مؤذنا بخراب الكون وزواله، ومن تأمل كيف أن القيامة لا تقوم إلا على شرار الخلق حين لا يقال في الكون كله " الله الله " علم صحة ما ذكرنا.
والعبادة هي الزمام الذي يكبح جماح النفس البشرية أن تلغ في شهواتها، وهي السبيل الذي يحجز البشرية عن التمرد على شرع الله تعالى، قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }(العنكبوت:45) فالعبادة ضمانة أخرى من أن تنحرف البشرية في مهاوي الردى وطرق الضلال.
والعبادة سبب للرخاء الاقتصادي واستنزال رحمات الله وبركاته على البلاد والعباد، قال تعالى: { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض }( الأعراف:96).
هذا فيما يتعلق بآثار العبادة على الكون كله وعلى البشرية جمعاء، أما آثارها فيما يتعلق بالفرد فيمكن إيجاز ذلك في أمور:
الأمر الأول: طمأنينة القلب وراحته ورضاه، قال تعالى : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }(الرعد:28).
الأمر الثاني: نور الوجه، قال تعالى: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود }(الفتح:29) وقال عن الكافرين:{ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }(يونس:27).
الأمر الثالث: سعة الرزق والبركة فيه، ويدل على ذلك قصة أصحاب الجنة الذين بارك الله لهم في جنتهم في حياة والدهم بطاعته ورحمته بالفقراء، حتى إذا مات وورثوا الأرض من بعده عزموا على حرمان الفقراء، فأرسل الله على جنتهم صاعقة فجعلتها كالصريم محترقة سوداء كالليل البهيم، قال تعالى: { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون }(القلم:17).
بور بوينت عن العبادة انسخ الرابط وضعه في المتصفح
http://www.kau.edu.sa/fah/gcu/ثقافة%...م%20الثالث.ppt
والسؤال إذا كان الله غنياً عن خلقه وغنياً عن عبادتهم لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية، فلماذا أمرنا الله أن نعبده؟
لأن العبادة حق الله على خلقه، فليس بمستنكر أن يكون لله حق على الخلق، وإنما المستنكر والمستغرب أن يجحد الخلق حق لله علينا، "أتدرى ما حق الله على العباد؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً" والجفاء والجحود أن يأسر الإنسان إحسان من أحسن إليه من البشر، إن أحسن إليك أحد الناس يأسرك إحسانه وتحبه، فأقول: من الجحود والجفاء أن يأسر إنساناً إحسان من أحسن إليه من البشر، وأن ينسى الإنسان إحسان وإنعام خالق البشر.
والعبادة غذاء لأرواحنا، فبدونها سنموت، بدون العبادة سنموت، كما مات أهل الجسد الذين قتلوا الروح قتلا، ماتوا وهم يتحركون بين الناس، إن الإنسان جسد وروح، ومستحيل أن يعيش الإنسان حياة طيبة سعيدة بالبدن دون الروح.
وأنتم تعلمون أن الغرب قد أعطى البدن كل ما يشتهيه من طعام وشراب وشهوات ونساء وملذات وعلم وتكنولوجيا إلى آخره، أعطى الغرب البدن كل ما يشتهيه ، وبقيت الروح فى أعماق البدن، تصرخ تبحث عن دواء وغذاء فوقف الغرب أمام الروح عاجزاً لا يملك شيئاً، لأن الروح لا توزن بالجرام ولا تقاس الروح بالترمومتر ، ولا توضع الروح في بوتقة التجارب في معمل كيمياء، أو في معمل فيزياء، لذا وقف الغرب عاجزاً أمام الروح، إذ لا يعلم دواء الروح وغذاء الروح إلا خالق الروح جلا وعلا : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء .
فوقف الغرب عاجزاً أمام الروح، يعيش فى ضنك. نعم: ونحن نتحدى من ينكر ذلك، يعيش الغربيون فى ضنك وشقاء، لماذا؟ لأنهم أعطوا البدن كل شئ وكل ما يشتهيه وبقيت الروح لم تأخذ شيئاً على الإطلاق، هى تنادى فى أعماق البدن تريد دواءها، تريد غذاءها تريد شرابها ودواءها وغذاءها وشرابها فى منهج خالقها وربها، وإن انتشار عيادات الطب النفسى وحالات الانتحار الجماعى والفردي في الشرق والغرب لمن أعظم الأدلة العملية على ما يعانيه الغرب في الجانب الروحي من قلق وشك وضنك واضطراب.
لا يمكن يا إخوة لطائر جبار أن يحلق في الفضاء بجناح واحد، ولو نجح في ذلك لفترة وإن طالت حتماً سيسقط لينكسر جناحه الأخر، فالإنسان يعيش بين هذين الجناحين، بين جناح الروح وجناح البدن، بل إن الروح هي الأصل؛ لأن الروح هي التي تحمل البدن.
حكى الشيخ محمد حسان كنت في مطار شيكاغو فحان موعد صلاة الظهر فأذنت في المطار بصوتي فلفت أنظار الجميع (لحلاوة كلمات الأذان وعذوبة الصوت) وصليت بالشيوخ الذين معي وافتتحت الصلاة بسورة مريم وحين انتهيت التف حولنا الناس يصورون بالكاميرا ت وجاء شخص ومعه زوجته وابنته يتساءل من أنتم وماذا تفعلون ؟ثم عقب بأنه سعيد جدا لأنه تنتابه حالات قلق نفسي واضطراب يفكر فيها بالانتحار ، ولا يشعر بالراحة إلا إذا وضع رأسه على التراب كهيئتنا (يقصد السجود )وهو سعيد جدا لأنه كان يظن أنه حالة شاذة في العالم فالآن وجد رفقاء له في المرض فوضحنا له أن هذه صلاتنا وهذا عندنا السجود ...فأراد أن يتعرف على المزيد وسألنا عن مكان نزولنا في أمريكا وجاء بعد عدة أيام إلى المركز الإسلامي وبقي هو وأسرته ثلاثة أيام تقريبا في المركز وبعدها أعلنت هذه الأسرة إسلامها .
سئل الشافعي يوما: هل الروح هي التي تحمل البدن أم البدن هو الذي يحمل الروح؟ قال: لا بل إن الروح هي التي تحمل البدن بدليل أن الروح إن فارقت البدن وخرجت منه، وقع البدن جثة هامدة لا قيمة له إن لم يدفن فاح عفته ونتنه، فنحن نعبد الله؛ لأن العبادة غذاء الروح، ومن عرف الله أحبه وشعرت روحه بالسعادة بل وشعر بدنه بالسعادة، لا يشعر المسلم بالأنس والسعادة إلا في رحاب الله وفى ذكر الله وفى الصلوات لله، وفى طاعة الله، وفى السجود بين يدي الله قمة السعادة للمسلم من عرف الله أحبه الله.
قال أحد السلف: مساكين والله أهل الغفلة، خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب ما فيها قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال حب الله والأنس به، حب الله والأنس به، فنحن نعبد الله؛ لأن العبادة غذاء للروح.