hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    كيف يحوز الداعية فقه الدعوة

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    كيف يحوز الداعية فقه الدعوة  Empty كيف يحوز الداعية فقه الدعوة

    مُساهمة  Admin الأربعاء 18 مايو 2011 - 14:20


    الحاجة لفقه الدعوة حاجة واضحة في كل مكان والناظر لتاريخ حركة الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر في هذا القرن يجد نقصا كبيرا في هذا الباب أدى إلى أن ترتفع أصوات كثيرة من دعـاة مجربين تطلب الاستدراك من هذه النقطة ، وإن دعاة الإسلام عددهم وافر في كل زمان ومكان ، نعم كان العدد وافرا ولم تكن هناك حاجة إلى دعاة جدد من المسلمين فقد كانوا وما زالوا يملئون الساحة في كل مكان من طلاب وعمال ومثقفين وأئمة مساجد ولكن يبدو أن الرعيل الأول منهم من الجيل الذي سبق المحنة كان بحاجة إلى شيء من فقه الدعوة أكثر من الذي حازوه ، ليعرفوا كيف يصارعوا التيارات الأخرى وكيف يحتاطوا للمفاجئات السياسية والتي أذهبت بكثير من عملهم ، فإن الدعوة قد بلغت في مرحلة من مراحلها إلى أن تكون جمهرة كبيرة وقطاع كبير من الشعب ولكن مع ذلك لم تصل إلى حسم ولم تستطع أن تقدم نموذجا للعمل الإسلامي متقدما يستطيع أن يقف على قدميه إزاء التيارات المعادية والسبب يرجع إلى افتقاد الدعاة لفقه الدعوة
    فإن هذه الجمهرة كانت جميلة الإيمان ، وهي بحماسة زائدة وعاطفة غامرة ولكنها لم تكن تعرف طريقة العمل ، من هنا بدأت صيحات المجربين ترتفع إننا لسنا بحاجة إلى تجمهر واسع بقدر ما نحن بحاجة إلى إعادة تربية الجمهرة التي معنا ، فإن أخا فقيها عارفا بمسالك التربية والتنظيم يستطيع أن ينتج أضعاف جمهرة أخرى من الدعاة أو من العاطفيين غير المجربين غير العارفين بالنظريات التنظيمية والتربوية
    وكان من مساهماتنا في هذا الباب أن ذكرنا في كتاب المُنْطِلق الحاجة إلى هذا الفقه ، فقه الدعوة والذي قد سميته في هذا الكتاب أنها كالمصنع الثقيل أو الصناعات الثقيلة حيث أن كل بلد ناشئ إذا أراد أن يبني صناعته فيبدأ أولا بتوفير الصناعات الثقيلة حيث هي المفتاح الذي يفتحه وتجعله ينطلق على الصناعات الأخرى وستمكنه من أن يصنع بيديه المصانع الصغيرة وهذه نظرية في التخطيط الصناعي والتطوير الدولي معروفة عند أهل الاقتصاد ، وكذلك أمرنا نحن . فالصناعة الثقيلة في داخل مجموعة الدعاة هي الأهم وليست الصناعات الخفيفة وأقصد بالصناعة الخفيفة بث الحماسة وبث العاطفة والفكر السيار اليومي الهامشي .
    هذه كلها لا تُصْنَعْ ولا تؤدي إلى أن تكون الدعوة في موطن المقدمة ، فغاية ما هنالك أن توجد لك تيارا ربما يكون سريع الزوال إما بمحنة فينفض ، وإما بفتنة فينشق ، وتكون هناك كلمات من القيل و القال وتَصْرِفهُمْ عن المطلوب ، وإما أن يكون هناك تنافسٌ مع الأحزاب المقارنة له فتغلبه الأحزاب بفنها وبتخطيطاتها ويبقى هو حائرا فاغرا فاه لا يدري ماذا يفعل .
    أما المصانع الثقيلة التي عندنا في الدعوة فهي هذه التي تصنع لك الداعية صناعة جديدة بحيث تعطيه العلم التراثي الأصيل وليس هذا العلم الهامشي الحماسي كما وصفناه ، إنما العلم التراثي من قرآن وحديث وتفسيرهما وتعطيه الفكر التربوي على ضوء تجريب الجماعة في الماضي ، وهذه الناحية مهمة جدا بحيث يستطيع أن يؤثر في الآخرين تربيةً وليس عاطفة ، وكذلك تعطيه الفكر التنظيمي بحيث تستطيع أن تجعل الداعية يعمل من عمل مجموعة صغيرة تأثيرا كبيرا مضاعفا ، والأمر في ذلك مثل المهندس الذي يمكنه أن يقوم ببعض الفن فيضيف لطاقة الماكينة شيئا عظيما فالكل عنده مواد أولية واحدة ولكن باختلاف طريقة ربطها قد يرفع من كفاءة الماكينة .
    وكذلك الحذر السياسي أو الحكمة السياسية العامة التي تدل الداعية على مواطن الفرص ليغتنمها ، وعلى مواطن الخطر ليتجنب هذه المواطن ، هذا مكمل للعلم التنظيمي والتربوي فإذا أوْجَدْنا الآلة التي تَصْنَعْ لإخواننا الدعاة هذا الوعي في هذه الجوانب فإننا نكون قد بنينا عناصر ثقيلة ، عناصر لا تهتز عند المحن ولا تهتز عند الفتن ، عناصر لا تبذر طاقاتها في غير موطنها فهذا هو المصنع الثقيل في الجماعة .
    والدراسة في مثل هذه المسائل قد تشتبه على الأخ فيحسب أننا نحاول أن نضع خطة لبلد معين كالجزائر مثلا فهذه المسألة غير واردة لأن مسألة التخطيط الموضعي إنما هي تابعة لمعلومات تفصيلية فأهل مكة أدرى بشعابها وكذلك كل بلد من البلدان ، فالمعادلة السياسية والاجتماعية في الجزائر فأهل الجزائر أفهم لها حتى لو لقنتمونا إياها بالتفصيل ، لأن المسألة متعلقة بخلجات نفسية حدثت نتيجة معاناة طويلة عاصرتموها فلا يمكن أن يقوم بدوركم أحد كما أنه لا يمكنكم أن تقوموا بدور في هذا الصدد في بلد آخر .
    فالتخطيط الموضعي الخاص هو لكم ، ولكننا نريد أن نعلمكم فقه الدعوة العام الذي يعطيكم مادة قياسية تقيسون بها واقع الجزائر على هذه المسائل النظرية المطلقة التي يصح أن يعمل بها في الجزائر ، ويصح أن يعمل بها في اليمن ويصح أن يعمل بها في أي موطن من مواطن العالم الإسلامي .
    فمعلوماتنا هنا التي نتدارسها في هذه الدروس هي معلومات مطلقة ، فلا تتوهم في لحظة وهم أننا ندعوك إلى تقليدها مائة بالمائة في الجزائر ، وإنما ندعوك إلى أن تأخذ بمثلها كما قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه ، يعرف له النحو ( الكلام اسم وحرف فأنحو منحى هذا ) فكان علم النحو الواسع الذي ما زالت جماهير النحاة تضيف إليه أشياء وأشياء ، فنحن نقول لكم أن علم الدعوة في هذه المحاضرات وعليكم أن تنحو منحى هذا الكلام الذي نقوله لكم وأن تقيسوا عليه ، فالغاية من هذه المحاضرات أستطيع أن أقسمها إلى ثلاث شعب وهي شعب كلها مهمة تتضافر لتجويد العمل :
    الغاية الأولى ... توحيد الفهم .
    ومنه تتقارب الاتجاهات في البلد الواحد وهذه من أهم أمور وحدة التنظيم وعدم وحدة الجيوب في الجماعة ، فوحدة الفهم أيها الأخوة هي المرتكز الأساسي للوحدة التنظيمية ، وإذا لم تكن هناك وحدة تنظيمية في الجزائر فلن تكون هناك آمال بالوصول إلى نتيجة إيجابية ، وخذوا مثالا واضحا بما يجري الآن في مصر ، لما غابت الجماعة المجربة عن الساحة ودخلت السجون وأجبرت أن تبتعد عن جماهير الشباب ، نشأت تيارات كثيرة في الشباب ، فبعضهم يقول بتكفير المجتمع ، والبعض ينادي بالإسراع في الجهاد ويسمي نفسه مجموعة الجهاد حتى ولو لم يستند على خلفية تربوية أو يستند على مقدمات يوجبها العقل ، كما أن هناك آخرون يأتونك على نمط ما يكون من حزب التحرير بتصور أن السياسة هي الباب الذي ندخل منه ، وأنه ليس لنا حاجة لشيء آخر من التربية أو الفكر الشرعي غير السياسي ويأتون باختلافات واجتهادات أخرى رأيت كم هم شباب الجامعات وهم كثرة كثيرة في الجيل الحاضر لكنهم ليسوا بأجمعهم في تيار واحد مسخر لخدمة الدعوة الإسلامية الواحدة ، وإنما اختلفت الوحدة التنظيمية وحصلت صعوبات أمام الجيل الذي خرج من السجون من دعاة مصر الأبطال حيث وجدوا معضلة كبيرة في توحيد هؤلاء في بوتقة تنظيمية واحدة وما السبب في ذلك إلا سبب اختلاف الفهم ؛ وخذ مسألة أخرى في هذه القضية ، ما حصل في سوريا فمنذ الاختلاف الذي صار له أكثر من خمسة عشر عاما مازال يؤثر وخاصة في الظرف الثوري الجديد ، وما خفي من هذه القصص في بلدان أخرى كثيرة.
    وانظر مثلا للهند كبلد إسلامي الجماعة الإسلامية في الهند على نمط مفاهيمنا ولكن تخالفها جماعات أخرى ليست أقل إخلاصا منها ، نيتها واحدة ونجزم بأن نيتهم حسنة ولكن جعلوا محاربة الجماعة الإسلامية في الهند هدفا أول لهم فهم يتعبدون بمحاربة الدعاة المسلمين ، وما هذا إلا لاختلاف الاجتهادات واختلاف وجهات النظر ، وانظر ما حدث من ذلك في تركيا ، فتركيا بلدٌ فيه العمل الإسلامي واسع ، ولكن قائم على اجتهاديين فالاجتهاد الأول ما استطاع أن يهضم التطور الذي حصل له في الحياة السياسية والفكرية التركية فاشتط وجعل من محاربته للقسم الآخر هدفا له بدلا من أن ينشغل بمحاربة الملحدين ، فأنتم لستم أيها الجزائريون لستم بدعة من الشعوب حتى تضمنوا وحدة العمل الإسلامي مع اختلاف الاجتهادات ، قائل يقول ما الضير في أن لا نكون بوحدة تنظيمية واحدة ؟ ما الضير في أن لا نكون في اجتهاد شرعي أو تربوي واحد ؟ وكل منا يسلك مسلكه ونأمل أنه بصيحات الحماسة فتتآلف القلوب وتتم هذه الوحدة ، المسألة أبعد من ذلك أيها الإخوة فإن القلوب لا يمكن أن توحدها عواطف وأقوال هامشية هكذا ، بل إن هذه القلوب وحدتها مرتكزة على الوحدة الفكرية ، والوحدة الفكرية هي التي تنتج الوحدة التنظيمية .
    فليس هناك تساهل من هذا الباب وليس معنى ذلك أن أفرض دكتاتورية في هذه القضية ، القلوب ملك لله عز وجل ، وملك أصحابها فصاحبها مخير بين قدرين قدر الخير وقدر الشر يختار أيهما يشاء ، والله سبحانه وتعالى من فوق هو الذي يقضي ما يشاء فلا نستطيع أن نصارع هذه المقادير ، ولكن هي عملية عرض الآراء بالحسنى ، عملية الإقناع ، عملية الحوار ، هذا الحوار بالحسنى سينتج عنه هذا التفاهم المنتظر .
    فمن هنا هذه الدورات هي مجال حسن ، لأن مما قد يؤدي إلى اختلاف الاجتهاد بعد المسافات داخل الجزائر بين الدعاة ، فالمنطقة الغربية غير المنطقة الشرقية في الأحاسيس ، فالإخوة في الريف ربما ابتدعوا من أحاسيس غير الإخوة الذين في العاصمة ، هذه مجربة في كثير من الأقطار ، وأنتم من باب القياس ولو لم ندخل أرض الجزائر قد تتعرضون لمثل هذه المسائل ، وإن البعض قد يقول بشيء لا يقول به البعض الآخر في الجزائر نفسها .
    ومن هنا فإن الاجتماع الواحد بينكم في هذا الموطن كأهل الجزائر معا ولستم من مدينة واحدة ، هو فرصة حسنة لتناول الآراء بينكم للبحث والتمحيص والاتفاق على شيء موحد ومؤكد وأولي في حصول النتيجة المرجوة .
    الغاية الثانية ... إنشاء طبقة قيادية :
    فإنشاء طبقة قيادية تشارك في تحمل الأعباء التي تقود طاقات المجتمع ، وهذه غاية ثانية تعدل الغاية الأولى في الأهمية لأنك أن أوجدت مجموعة متجانسة فماذا بعد هذا التجانس ، ربيت دعاة ، ثم ماذا ؟
    إن لم تجد لهم مكانا لتصريف طاقاتهم ستتحول هذه الطاقة إلى نوع ازدياد وفي مكان محصور وضيق حتى تنفجر ، كالبخار المحصور الذي إن لم ترسله إلى الخارج إما ينفجر الإناء الذي فيه وإما أن يذهب هدْرَاً إلى غير حاجة ، بينما إذا جمعت هذا البخار في مكان محصور ، ثم أرسلته من خلال قناة إلى محرك فإنه يولد لك طاقة ، فيشغل معملا أو يشغل قاطرة وتكون قد كسبت هذه الطاقة التي عندك ، كذلك هنا كثيرا ما تكون عملية التربية ناجحة وعملية التنظيم ناجحة بحيث تكون الوحدة التنظيمية ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك ، ثم ماذا؟ أين تصرف طاقات هؤلاء ؟ هنا تبرز هذه المسألة التي نقولها ، وهي كيف تقود طاقات المجتمع وكيف تتفنن في الوصول إلى المجتمع ؟
    طاقة القيادة هي من أهم العطاءات في العمل الإسلامي ، ويجب أن نُعلِّم كل داعية مسلم كيف يستطيع أن يفرض نفسه على المسلمين الآخرين غير المنتظمين الساذجين المبتدئين ، يفرض نفسه كقائد لهم ، وهنا لا نعني القيادة داخل الجماعة الواحدة وهي مقصودة أيضاً لكن الأخ لا ندعوه إلى القيادة لأن فيها نوع من الاستشراف لأمر مكروه ، ولكن أن يتعلم هذا العلم بنية أن يكون قائدا لغيره ، وأن يتعلم هذا العلم حتى ينافس أقرانه ويغالب على قيادة مركز عالٍ في الجماعة ، فهذا من المكروه شرعا ولسنا ندلكم على مثل هذا الباب ، ولكن المجتمع نعم نقول قودوا طاقات المجتمع فالجزائر بلد إسلامي فيه طاقات إسلامية وافرة ، بل نحن نجزم من خلال المعرفة التي لنا بالجزائر أنه من الناحية الإسلامية أكثر طاقة من بلادنا المشرقية ، فما زال الإيمان عامرا في قلوب الناس ، وما زالت الحماسة كبيرة ، وتجدر ذكر مثال العمل في الثورة الجزائرية مع سلبياتها التي رافقتها ، إلا أنه أوجد روحا محركة دافعة في الشعب الجزائري ميالة إلى الإيجابية وليست هي السلبية التي نراها في مجتمعات الترف في المشرق العربي ، ولا الطبيعة المتفلتة من الدين التي تكثر في بعض الشعوب حتى قال الحجاج في أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق وكذا ........ وقد يظن الظان أنه متجنيا عليهم كل التجني ، لكنه صادق في بعض دعواه هذه ، الآن لو تذهب إلى العراق تجد الناس فيهم المسلمون الكثير عددهم ، ولكن هناك تفلت كثير أكثر مما هو حاصل في التفلت في الجزائر ، فالجزائر طاقة إسلامية كبيرة ، كيف أقود هذه الطاقة إلى أن تؤدي عملها ودورها في خدمة العالم الإسلامي أجمع ؟
    هذا سؤال كبير ، هو يؤدى بألفاظ قليلة ، لكن الجواب عليه يأخذ مجلدات وأطنان من الكلام وجلسات بعد جلسات ، ولن نستطيع التعرف على الإجابة على هذا السؤال إلا من خلال عشرة مخيمات من أمثال هذه ، لأن الفن التربوي فنٌ معقد ، نعم ففن الدعوة والتبشير وتجميع الناس فنٌ معقد أيها الأخوة ، فن تنظيمهم وجمع خيرهم في بوتقة واحدة هو أيضا فنٌ معقد ويلزم له تجريب كثير ، فصناعةُ الطاقات أو قيادة الطاقات هذه من أجل الغايات التي نحن بصددها الآن ، وإنما نفعل بدورتنا هذه في مخيمنا هذا من أجل تمكينكم من قيادة الطاقات الإسلامية الكثيرة في الجزائر .
    الغاية الثالثة : تأصيل المنهج
    تأصيل المنهج بما تطرحه دروس الدورة من آراء فقهية مستلهمة من كتب التراث التي قد تعجز طاقات الداعية الفرد عن رؤيتها ، فحين بدأ العمل الإسلامي الحديث أيها الإخوة كان بعض الإخوة يظنون أن هذا الفن التنظيمي والتربوي هو من المبتكرات الحديثة التي أخذناها عن الغرب ، والتي يمكن أن تسيح فيها عقولنا سياحة مطلقة ، ولكن بعض الرواد من الدعاة الأوائل الذين استطاعوا أن يحنوا ظهورهم وراء الكتب وأن يطيلوا جلستهم مع هذه الكتب التراثية استطاعوا أن يكشفوا لنا شيئا كبيرا من فقه الدعوة يكمن في كتب الفقه التي كنا نظن أنها فقط للعبادات أو فقط للمعاملات الشرعية العادية مما يجري من ضبط البيع وضبط الإيجار وضبط كذا وكذا من أمور الناس العرفية ولكن مع الصبر في هذه المطالعة والتأنِّي الطويل من قبل بعض الدعاة كشف لنا شيئا كبيرا من فقه الدعوة التنظيمي والتربوي بل والسياسي أيضا يكمن في مجموعة كتب التراث التي أعدنا إحيائها ووضعناها في خدمة الدعوة .
    واليوم يجد الداعية أسطراً لابن تيميه رحمه الله مثلاً أو للشافعي أو لفقيه آخر من فقهاء السلف ، هذه الأسطر تُغْنِي عن مجلدات في المحاورة العقلية إذا أردت إقناع المسلم بها لأن الاحترام لمثل الشافعي أو لمثل أحمد بن حنبل أو لم مالك بن أنس أو لمثل بن تيميه أو لمثل آخرين قاموا بواجبهم في هذا المجال ، هذا الاحترام هو الذي يختصر لك كمية القناعة التي يحتاجها الداعية المخاطب ، وما زالت هناك أسطر قليلة تسمعها لهؤلاء السلف تهزّ المقابل السامع أكثر مما تهزُّه الكلمات العقلية المجردة التي يؤلفها الداعية المعاصر ، ومن هنا فإن الحرص يجب أن يكون كبيرا على استلال كلُّ ما هنالِكَ من فقه الدعوة في كتب التراث ، وسنجد في دروسنا هذه إن شاء الله كمية تعبر عن مقدار نموذجي من هذا الاستلال وقد ارتدنا لك كثيرا من الكتب الفقهية وأتينا لكم بمجموعة من الأقوال ومجموعة من الشواهد التي تعضد ما نحن عليه من فقه العمل ، وبذلك يتأصَّل المنهج وهنا ما أردتُ أن أقوله بتأصيل المنهج . فكلما كان المنهج أصيلاً أي مُرْجَعاً إلى أصوله الأولى منضبطا بما قاله فقهاء السلف كلما أمِنْتَ عليه من التحريف والتأويل البعيد الشاذ ، وأمِنْتَ عليه من أن تتلاعب به الأهواء وشهوات الافتتان أو شهوات الاغتراب ، وشهوات أخرى نعلمها وإن كانت من صفات أهل الجاهلية إلا أن المسلم قد لا يبرأ منها وقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام لبعض الصحابة إنكَ امرؤ فيك جاهلية وهو من قدماء الصحابة ، ولم تقل الغبراء ولم تظل الخضراء من ذي لهجة أصدقُ من أبي ذر رضى الله عنه ومع ذلك قال له النبي إنك امرؤ فيك جاهلية ، فوجود شعبة من شعب الجاهلية بالمؤمن أمرٌ ليس بالمستغرب وهذه المسألة شعبة منها ، الأهواء والشهوات في التأويل البعيد واصطناع الرأي تكلفا لمصادمة آراء أخرى وللتدليل على وجهة نظر يظنها صحيحة عنده ، هذه المسألة ليست نادرة الحدوث ، فالضابط لها والرد القوي لها أن تحتكم إلى عَدْلٍ وليس هناك أعدل من السلف ، فاليوم لو اختلف اثنان من الناس يعرضون أمرهما على رجلٍ عاقل ليس من عامة الناس ، بل من عقلاء الناس ونبلائهم فيكون قوله فصلاً بينهما ويرضى به المتنازعون وهذه المسألة شبيهة ، فلو اختلفتُ أنا وإياك في مسألة من فقه الدعوة وطال جدلنا وآتانا آخر بقولٍ لأحد من فقهاء السلف أذعنَّا سريعا لأن الاحترام في قلوب جميع المسلمين ما زال لهؤلاء السلف والقرآن ناطق بمثل هذه المعاني في فضل أهل السبق ، أهل السابقة لهم ما ليس لغيرهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا للإيمان فأشار بهذه الإيماءة البسيطة إلى هذا الأدب الجم الذي يجب أن يتحلى به اللاحق وأن يكون كامل الاحترام للسابق ، ومن هنا كلما اكتشفنا كمية أكبر من فقه الدعوة التراثي كلما كان عملنا هذا أكثر أصالة واستفدنا منه أكثر وأكثر .
    فهذه الغايات الثلاث هي أهم الغايات التي نرجوها من هذه الدروس والدورات .
    ولنا كلامٌ في الشروط التي ينبغي أن تتواجد في الأخ حتى يستفيد من هذا الكلام ، واقتراح طريقة لتكوين فقهاء الدعوة يعني كيف يكون الداعية فقيهاً في أمر الدعوة ؟
    وهذا السؤال قد تختلف عنه الإجابات ولكن في ظني أن هناك عشرة وسائل أساسية في هذا الباب تتكامل ، بعضها يسند البعض الآخر لتكوين الفقيه وهي :
    أولاً : القابلية الفطرية .
    التي تدل فراستنا على توافرها فيه ، وهذه القضية أيها الإخوة من أهم القضايا التي لا يمكن تجاوزها بتاتا ، الله سبحانه وتعالى خلق البشر متفاوتين في مقادير الذكاء ، فسبحان من قسم الحظوظ كما أن هناك في بصر العين من هو حاد البصر كزرقاء اليمامة وهناك من هو أعشى لا يبصر القريب منه ممن حوله فكذلك هناك في أهل العقول من هو حاد الذكاء كأنه يطلع على الغيب في بعض الأمور وليس هو الغيب ، لكن من فرط ذكائه استطاع أن يكشف الحجب ، وهناك من تتصارع الأحداث وتتناطح الأمور بين يديه وهو ساه عنها لاه بفكره عنها لا يستطيع أن يكتشف ما فيها من الدلائل ؛ فنحن هنا أمام مجموعة كبيرة من الجزائريين في الجزائر ، ملايين ، فهل كلهم مهيأ لمثل هذه المسألة فسبحان من قسم الحظوظ .
    الفراسة أو التجربة تقول أن التمييز واجب ابتداءً ، فنحن لا نأخذ في هذه الدعوة إلا أشداء الرجال ، إلا الذكي ، إلا الألمعي ، إلا الصبور ، إلا الشجاع ، إلا صاحب الشخصية القوية ، إلا الكريم ، لأن كل هذه الصفات الطبيعية وهي من خلق الله سبحانه وتعالى وليست من صناعتك أنت بالتربية ، كل هذه الصفات هي صفات مطلوبة لمن يتصدى لعمل كبير وضخم ، ألا ترى أن قائد الجيش لا يأخذ معه الأعرج ولا يأخذ معه الجبان ولا يأخذ معه من لا يعلم فن الحرب ، وإنما يأخذ معه أشداء الرجال فكذلك نحن ، لسنا جماعة المسلمين حتى نقول من دخل دارنا فهو مسلم ومن كان خارجها فهو كافر ولذلك نحرص على الضعفاء والسذَّج ونحرصُ على الجميع نقول حتى لا نسلبهم وصف الإيمان ، كلا لسنا إلا جماعة من المسلمين انتدبنا أنفسنا لخدمة المسلمين في أمر هام هم لا يستطيعونه ، نريد أن نتعلم الفن الذي نوصلهم به إلى العز ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، عزة المؤمن بارتفاع كلمته وبسط سلطانه في هذه الأرض وليس السلطان الجاهلي، فنحن جماعة انتدبنا أنفسنا لأمر ضخم ، والحرب هو جزء منها مهم وليس خارج التصور ، في المراحل الأخيرة نعم هناك حرب وقبل هذه الحرب هناك محن وهناك سجون وهناك معتقلات وهناك مشانق وهناك حرمان من فرص وظيفية وهناك حرمان من أشياء كثيرة ، لا يقوى عليها سوى أشداء الرجال ؛ فابتداءً نحن يجب علينا أن نميز بين من نجعلهم في صفنا وبين من نجعلهم من خارج صفنا ، ثم الذين جُعِلُوا من صفنا قد تكون فراسة الدعاة في تجميعهم قد أخطأت ، فنغربلهم غربلة ثانية ولا يأتي إلى مثل هذه الدورات ولا نرشحه إلى أن يكون تلميذا في مدارس فقه الدعوة إلا من هو مكتمل الشروط و إلا من هو فعلا عنده مقدار من الذكاء ونوع من الفطرة قد لا يكون تابع للذكاء ، مثل الفطرة التي تكون في الشاعر ، فالشاعر لا يمكنه التقليد في الشعر ، ولهذا أتى بعض من أراد التقليد جاء شِعْرُهُ باردا متكلفا ، فالفقهاء مثلا حاولوا أن يقولوا الشعر ولكنهم لم يفلحوا ، نظموا وهو مجرد نظم ، كلام موزون ومقفَّى نعم ولكن:
    إذا الشعر لم يهجسك عند سماعه ** فليس حريا أن يقال له شعر
    لا تجد في شعر الفقهاء تلك العاطفة الجياشة التي في شعر الشعراء الموهوبين ، فالشعر صناعة لا تقلد وكذلك الرسم صناعة لا تقلد ، موهبة يجعلها الله عز وجل في البعض ؛ من هنا نقول أن فقه الدعوة أيضا في جانب كبير منه ، هو موهبة من الله سبحانه وتعالى لا يمكن اصطناعها وإنما يمكن أن تكتشف أولوياتها في بعض من جمعت من الشباب ، فتنتخبهم للسماع الأكثر وتدربهم ، وهناك من تراه مع جودة إيمانه غير قابل لمثل هذا الكلام ، قد أَتَجَنَّى على بعض الصحابة وأقول قولا أرجو أن لا يفهم وفق مقصد آخر ؛ ففي الصحابة من هو أبرعُ منزلةً من بعض الصحابة في الصورة الظاهرة ولكن الأحداث السياسية أثبتت العكس ، نأخذ مثلا عمار بن ياسر رضى الله عنه والحسن بن علي بن أبي طالب ، الحسنُ كان شابا لمَّا حدثت الحروب ، الجمل وصفين ، كان شابا ما يزالُ صغيرا ، وعمار بن ياسر كان شيخا قارب أو تجاوز التسعين وهو مُبَشَّر بالجنة ومناقبه كثيرة ، يقال أن الإمام علي رضي الله عنه أرسل عمار بن ياسر والحسن إلى أهل الكوفة يستنصرهم ويدعوهم للخروج إلى أرض معركة الجمل ، فالحسن بن علي قدَّمَ عمار بن ياسر ، على المنبر فتكلَّمَ عمارٌ بدافع تقواه ، قال ... إنها – يعني عائشة – وهذه القصة في صحيح البخاري إنها والله لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتعثها ليعلم إياه تطيعون أم إياها .. المعنى الذي قصده معنى سليم لكن قُدِّمَ له بمقدمة سياسية غير سليمة ، هو في هذا الموطن مع مناقب عائشة الصحيحة الجَّمَّة التي ذكرها أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، لكن من ذا الذي يقاتل زوجة الرسول في الدنيا والآخرة فقال له الحسن اجلس فإنَّ للأمر أهله ، وجد نوعا من الخذلان قد تسرَّبَ إلى السامعين في مسجد الكوفة فقال له ذلك وخطبهم وهو شابٌ ، خطبهم خطبة حَثَّهم فيها على نصرة علي رضى الله عنه ، فخرج أهل الكوفة عن بكرة أبيهم ينصرون علياً .
    هذا مثل بسيط ، وقد يساء الفهم لمكانة أصحاب هذه الرواية ، عمار بن ياسر رضى الله عنه ولكنه مثل بسيط يريكم أنَّ العمل السياسي ليس عملا سهلا ينبغي لأي أحد ، وقد يأتيك الشخص الداعية المسلم الجم المناقب ، العالي الإيمان ولكن إن وضعته في السياسة والميدان العام لا يحسن القول ولا يأتي بالكلام على وجهه الذي ينفع في موطنه الذي يراد له ؛ وهذا خطأ كبير لأنه إذا كان في وقت احتدام المعركة لتبدل ميزان المعركة ، فكذلك الأمر عندنا فالفطرة التي نريدها في الداعية يجب أن تكون واضحة ، فطرة النباهة السياسية ، فطرة التنظيم ، كما أننا نتطلبها في الشاعر ونقول لا يكون شاعرا إلا صاحب هذه الموهبة فكذلك لا يكون قياديا في مجموعتنا إلا صاحب هذه الموهبة ؛ أما كيف تدرك هذه الموهبة فدعها لأمر من يكتشفها ، دعها للقادة الذين يقولون هذا يصلح وهذا لا يصلح ، فكل الأمور للقادة هم يختارون وينتخبون والقادة قد يخطئون فهم بشر ، وقد تكون تجربتهم أيضا في دور الاكتمال وليست مكتملة تماما ولكن دعهم لأننا لابد لنا من مرجع في هذه الأمور ، وكذلك كل أمور الجماعة ومنها هذه المسألة انتخاب وترشيح من يصلح لهذه المهمة ، فلا تبتئس إن حُجِبَ منها أحد أيها الإخوة ، ولا تبتئس لأن المسألة قد أسندت لغير صاحبك ، فإن هذه الأمور هي أمور اجتهادية وهي من فراسة القيادة في أعضائها ، تنتدب لها من تراه أنه أصلح لتلقِّي هذه المعاني ، فالقابلية الفطرية الأساسية هي شرط من شروط تكوين فقهاء الدعوة .
    ثانيا : المعاناة .
    وهذا أمر قد ذكرتُه في كتابي المنطلق صفحة رقم – 244 – حيث يوجد كلام حول هذا المعنى أن مدة المعاناة واجبة ، وليس كل من هو صاحب قابلية وموهوب يستطيع أن يقول قوله حول فقه الدعوة ، كما ليس من هو بشاعر وعنده الموهبة الشعرية يستطيع أن يجود شعره فشعراء الجاهلية ربما ، أمَّا الآن فإن القابلية الشعرية لابد أن تقترن بمقدرة أدبية و بحفظ وعلم بالموازين حتى يستطيع أن يجود قوله للشعر ، فهنا أيضا المسألة تكون متشابهة فمدة المعاناة أيها الأخوة واجبة ، ولا أعني بمدة المعاناة أنها زيادة العلم فزيادة العلم المطلوبة والتي نريدها هنا هي معنى من المعاني التي يحسها المجرد بأن تفاعله النفسي مع الأحداث ومع تطورها يجعله أكثر استعدادا لفهم الأمر الذي هو بصدده ، فالأخ مثلاً أي الداعية المسلم إن أول ما يبدأ بدراسة الدعوة يكون غافلا عن هذه المعاناة فيكون لاهيا كمن يلعب من الشباب ويلهو مع اللاهين ولكنه حين بلغ بأمر الدعوة ونجح المبلغ في أن يحوز اهتمامه فتراه يفكر في أمر المسلمين ذلك التفكير الجدِّي بعد أن طَلَّقَ اللهو فكلما فَكَّرَ جاهدا في أمور المسلمين وما صاروا إليه بادره السؤال لما صاروا هكذا ؟ لما تفرق المسلمين ؟ كما كانت الجزائر بعيدة الآن عن الإسلام في حكمها وطبيعة نظامها وتنفيذها للإسلام مع إن شعبها مسلم ، لما فشلت حركات إسلامية كانت قبلي ، ويظل يسأل نفسه عشرات الأسئلة من هذا النمط ، وعلى أي طريق يختار ؟ فتختلج خلجات نفسه في نفسه عديد من المعاني تكون هي العامل الذي يستعد به لقبول وتلقِّي أي جواب يكون من المقابِل كذلك المعاناة التجريبية المسألة ؛ فقد يكون هو كلف بجزء من هذا الأمر قيل له أيها الداعي إن الواجبات تقدر بمقادير أهلها وأنطلق في التجريب ، وذهب هو من خلال مدرسته ، من خلال المسجد ، من خلال جيرانه ، بدأ يدعو وقد يكون قد تعرض خلال سنتين من دعوته للتماس مع مائتي شاب لا يرى من المائتين إلا عشرة يأتون للدعوة هل جعل تماسَّه بشباب فوجدهم غارقين في لهوهم لدرجة أنهم ليس عندهم استعدادا الآن لقبول ما يدعو إليه أو ربما يقول ليس الآن وقت دعوتهم ولكن إذا كثر عليه الكلام أو هَزَّته حادثة حياتية تجعله يعود لرشده ثم جعل تماسه مع عشرون آخرون من هؤلاء المئتين فوجدهم أقل ذكاءً من أن يدركوا المعنى الذي يريده ، ثم جعل تماسَّه بعشرة آخري من هؤلاء المائتين فوجدهم أقلُ شجاعة يدركون المعنى لكنهم أهل جبن يخافون ويقولون قد يكون في الأمر صدام أو احتمال مضرة أو سجون أو غير ذلك فيجبنون وينسحبون ، ثم صنع تماساً بأُناس آخرين فوجدهم قد سبقه إليهم الآخرون فحرفوا وقلبوا مفاهيمهم فكانوا مسلمين ولكن على طريقة أخرى مثلاً كما في التنظيمات السلفية التي فيها حزباً من هذا القبيل ، وكجماعة التبليغ التي تتهاون في كثير من هذه المعاني والتي تجعل المسلم مجرد أن يكون مسلما عاطفيا ومتحمسا وليس شيئاً بعد ذلك ، فحصل عنده التحزب والتشيع لجماعته وسُدَّ علينا الطريق ولابد من حدوث حوادث لهم حتى يثوبوا إلى رشدهم ويعرفوا طريق الدعوة الشاملة ، وأشياء أخرى من هذا القبيل فالتجارب مع كل هؤلاء تجارب الفشل والنجاح مع من حصل بهم التماس كلها تعتبر معاناة لهذا الأخ الداعية لأنك لو جئت وذكرتَ حوادثٌ أخرى جرت في بلادٍ أخرى أو في نفس بلاده في عمليات التجميع لازداد فهماً لها لأنه يفهم هذا الكلام الجديد عليه على ضوء ما جرب وقاس من خلال تجاربه الذاتية ، فهذا الذي نقصده بمعنى المعاناة ، ونخرج بهذا بنتيجة مهمة حيث أنك لن تستطيع اختصار الطريق اختصارا كبيرا مع هؤلاء الشباب الدعاة بحيث تقول أنا أول ما يأتيني الداعية أُكثف له الكلام في فقه الدعوة فبدل ما يحوز فقه الدعوة في أربعة سنوات أو خمسة أنا أعطيه إياه في خمسة أشهر أو أقل من خلال دروسٍ مكثفة ، فلن تستطيع ذلك أيها الأخ مهما تمنيت لأن المسألة سوف تصطدم بعقبة رئيسية وهي افتقاد المعاناة في صدر من تكلمه أو تحدثه حتى يحس إحساسك وحتى يدرك الكلام على الوجه الذي أردته أنت وليس على الوجه الذي يستطيع أن ينحرف به التفسير إلى وجه آخر فمن هنا كانت مدة المعاناة واجبة وهذا يعني التدرج في صياغة المعادن القيادية وليس هي مسألة الطفرات وليست هي مسألة تكثيف القول لمجرد القول أن تصاغ هذه المعادن ، و إلا ما كان أسهل هذه المسألة أن آتيكم بعشرات من إخواني يتكلمون في دروس مختلفة ونهديكم مكتبة كاملة في ذلك وتعتكفون خلال شهرين وتكون الجزائر غنية بمعادن الرجال والقادة والفقهاء ، ولكن المسألة أكبر من ذلك بكثير فلابد من المعاناة يوما بعد يوم فالمعاني التي نريد أن نقولها أكبر لكي يكون الإيمان بها أكبر واختلاطها بالقلب يكون أكبر .
    ثالثا: قابلية الإجتهاد .
    من الشروط الأساسية بهذا الباب هو قابلية الاجتهاد وهذه المسألة من أهم المسائل ، كما أنه يعني حيازة فقه الدعوة في التلقي والاجتهاد وفهم كل ما يقال لك وهي الشرط الأول فهناك منزلة بعدها نوع من القابلية في الاجتهاد والاستنباط الذي يكون فيه الأخ الداعية غير مقلد أو جامد على ما يقال له ، وهذه المسألة شبيهة بكل أمر فيه اجتهاد فهناك بعض العلماء تراهم اليوم عندهم علمٌ واسع لكنهم لهم علم تقليدي لا يخرج عن قول مالك أو الشافعي ، فمهما توسَّعَ علمه فإنه لا يستطيع أن يشارك بالقول في مسائل جديدة أُسْتُجدت من حياة المسلمين من مشاكلٍ كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية لا يستطيع القول لأنه افتقد هذه الحاسة الاجتهادية .
    فالاجتهاد أيها الأخوة أو القابلية للاجتهاد بالأحرى هي مسألةٌ أساسية وذلك للمعنى الذي كررناه هنا ، فنحن نتكلم بقول مطلق نظري فمن يأتيك ليلقي الدروس فإنه يقرأ ما في الكتب وهذه الأقوال المفروض أن تصلح لأي مكان لكن عندما تطبق على الناس يحتاج الأمر للاجتهاد ، فهنا الخروج بالأمر من الإطلاق إلى النسبية وهذا هو الاجتهاد المُبْتَغى في هذا الميدان الدعوي من الإطلاق العام إلى النسبية المتخصصة في بلد معين وفي ظروفٍ معينة لرجال معينين وهذا هو الذي نقصده في هذا الباب .
    وقد ذكرتُ أيضا في هذه المسألة في كتابي المسار في صفحة مائة وتسعة وتسعون لو أردتم المراجعة في عنوان معادلة يفهمها الرجال أن أثنيتُ على كاتب يومئ لهذا المعنى في مجلة المجتمع ويقول أن العقلية الاجتهادية واجبة وأن سيد قطب رحمه الله أنه قد أجتهد كثيرا ودفع بعجلة فقه الدعوة دفعا واضحا وإن كان قد أخطأ كما يظنُّ الظانون فليس هذا مدعاة للحجر عل علمِه وفكره ، فالاجتهاد من ضرورياته ولوازمه أن تضع احتمالا لخطأ المجتهد احتمال لبعض الضرار الذي يصيبه و إلا فلن يستطيع أن يجتهد بتاتا ، وتطرق لهذا المعنى بمقال جيد وأثنيتُ على هذا الأمر وقلتُ لابد من فتح باب الاجتهاد في فقه الدعوة ، ومن هنا فمسألة وجود القابلية للاجتهاد مسألةٌ ضرورية والذي أعنيه بذلك قد سجلته في بعض كتاباتي .
    وأقول إنَّ مثلَ هذا الحجر على هذه المعاني هو الذي أدَّى سابقا إلى ضمور الفكر القيادي عند كثير من الدعاة وفي ظل طريقة التلقي أو في ظل طريقة التجرد في تلقي الأوامر القيادية وتنفيذها نشأت العقليات التقليدية التي تنقصها المقدرة على الاجتهاد واكتشاف المثيل والبديل إذا تغيرت الظروف وتعوزها نظرة النقد والتقويم من خلال الممارسة العملية ، وأقول أنَّ ضمور الفكر القيادي الحر يكاد يكون مشكلة ملموسة أينما ذهبنا فعدد الدعاة كثير ولكن من يملك هذا الفكر قليل ومعظم الدعاة يقلدون القيادة تقليدا جامدا وينفذون تعليماتها حرفيا ، وقد يكون هذا صحيحا في خلال بداية عمر الدعوة أو التنظيم أو في خلال تخلخل الصف ووجود الفتن أن نُعوِّد الدعاة على تلقي الأوامر والمسارعة في الطاعة ونُضيِّق عليه مجال النقاش خوفا من الجدل ، ولكن في أيام الرخاء ينبغي أن تُسْتَغَلْ لتعويدهم على إبداء الرأي ليتأصَّلَ فيهم الفكر القيادي و إلا فإنَّ الدعوة إذا خسرت في المحن قادتها بقتْلٍ أو سجنٍ أو تهجير كان الجيل القيادي الجديد الذي يأخذُ محلهم ليقود لا يعرف كيفَ يشتقْ خطة تلائم الظروف الجديدة بل يجمد على الخطة الأولى ، وحتَّى التنفيذ هو فنٌ قيادي وليس مجرد حركات ميكانيكية جسدية ويخطئ من يظنُّ غير ذلك ، نعم فنحن لا ننفي أنَّ توسيع دائرة تداول المعاني الخططية يؤدِّي إلى سلبيات مضرة يغترُّ معها بعض الأخوة غرورا يخرجهم إلى شطط في التعاون مع أقرانهم وقياداتهم ثم يؤدِّي بالتالي إلى التطاول الذي لا يوقفه سوى الحزم ، ولكن الإيجابيات كثيرة وتظل دائما أكبر وأوسع إذ يترعرع وينمو الذهن المرن ولا يجمد على حرفية القرارات والأوامر بل يقارن ويقيس ويحلل وهذه الثلاثة هي قنوات الاجتهاد التي تكون أي يقارن المقارنة ويقيس القياس ويحلل الأمور ثم رابعا يربط النتائج بمقدماتها ويرى إمكانية التفريع على قاعدة يدركها من هو علمه الفقه .
    رابعاً : القدرة على الاقتباس والتفريع
    هذا ويدرك أهمية الشرط الذي يرد كاستدراك على كل تعميم وإخلاص وهذا باب سادسٌ أيضا أنَّ هناك شئٌ مطلق لا يمكن أن تستفيد منه في حالة من الحالات أو مجتمع من المجتمعات إلا بشرط يضيف عليه بعض الاستعمال ليوفر له تنفيذا أفضل فاستكشاف هذا الشرط من المسائل الاجتهادية البحتة ليتقدَّمَ بعد ذلك بمقترحاته من خلال هذا النقد من خلال تقارير ناقدة أو نقاشٍ في المؤتمرات ليكون عاملا من عوامل تطور الخطة أو مجهرا للخطة الكبيرة ؛ أمَّا المقارنة التي رأيناها هنا من الأمور التي يطلب منه تنفيذها وبين ظرفه و واقعه فيكتشف ضرورة ما إذا كانت هناك مجال لمقولة أو لتعديل يقترحه ، وليس هذا الكلام لكم لتشتطوا وتختلفوا مع القيادة فتقولون قد قال فلان إنَّ الاجتهاد واجب وأنَّ تنفيذ حرفية الأوامر والقرارات حرفيا مُضِر ، وكذا فكلٌ يعرف طريقه وكلٌ يجتهد بنفسه ، ولكن لا فأنتَ مُكلَّف بأن تطبق من معاني الخطة في قطاعك الذي استلمته أنت في الجامعة أو في معمل صناعي وفيه آلاف من العمال مكلَّف بأن تطبق هذه الخطة ، وأنت أيضا في مجتمع أقرب للبداوة وطباع أهل الريف تطبقه في أهل الريف وأنت في العاصمة مطلوب أن تطبقه في وسط مجتمع من المثقفين الواعين سياسيا فهنا تختلف هذه المجتمعات والخطة واحدة ؛ ولكن من الذي يكتشف العلاقة النسبية المطلقة بين ظروفه وبين الخطة المطبقة ؟ هو الداعي المنفذ فلا يعطي لنفسه حق المخالفة بل نحن أعطيناك حقا وكما أعطيناه حق المخالفة أعطيناه حق الاقتراح والتعديل مع القيادة فتكون هذه هي الوسيلة المثلى لتعرف بها القيادة اختلاف المنطق التنفيذي من محل لمحل واختلاف الظروف التي يسببها الأمر في التنفيذ ومن هنا ومن خلال اقتراحاته ومحاوراته ومن خلال احترامه للقيادة يفعل فعلته التي نريدها ويشارك عندئذ في الاجتهاد هذا الذي نريده ونعنيه . وليس هو التجرؤ على المخالفة و إلا لا تكون دعوة بكثرة الاجتهادات كما قدمنا ، وأما القياس والتفريع فجوهرها اقتباس المماثل والقريب واشتقاق ما يناسب الظرف المتجدد من رأي قريب أو خطط في بلاد أخرى ، وهذا يخاطب به المنفذ والقائد معاً فالقائد فيها يخطط ويضع خطة لكل القطر وينظر للبلاد الأخرى ويقتبس منها عن طريق القياس والتفريع ما يمكن أن يقتبسه ، وكذلك المنفذ يرى عن طريق القياس أشياء هي مماثلة وقريبة مما تريده الجماعة قد تكون هي البديل الأوفق لمثل هذه الحالة ، وأيضا نكرر أن مثل هذه المسألة يجب أن تكون بتفاهم مع الجماعة فالقياس مع المقارنة متلازمان تلازما أكيدا لا تدري أيهما الأهم { حلقة مفرغة الأطراف لا تدري لها طرفا } ، وأما التحليل فسببه أن أي قرار تتخذه القيادة ينبغي أن يكون مستندا إلى أسبابه المنطقية وأن ترجو منه نتائج منظورةٌ سلفاً في ذهنها ، فإذا ضعفت الأسباب المبررة أو جاءت النتائج متخلفة أو مختلفة عن تحقيق الرجاء كان هناك لزوم العودة إلى بحث القرار ، إنَّ الباب المؤدِّي إلى هذه الإيجابيات هو أن تسمح للداعية بأن يُطِّلَّ على منظر إجمالي كلي للبناء التنظيمي ولمحاور العمل والنشاط المتنوعة تتيحه المباحث الخططية وشروط الدورات فيكون تأمل هذا المنظر وطول التحديق إليه ومراقبة حركته المفترضة مُعِيناً للداعية على فهم الأسس النظرية التي يقوم عليها هذا البناء ، وتدوم بها هذه الحركة العملية فيقوده هذا الفهم مباشرة إلى تنشيط الذهن يلحظ معها النجاح فيتمه ويزيده ، المَثَلُ في ذلك كمثل الفيزيائي الذي يضع لنفسه نماذج تمثل تماسك ذرات العناصر المختلفة في جزئ مركب عضوي إذ أنَّ نظر هذا العالم الفيزيائي للنموذج يعين التأمل والاستنباط وتمكنه من استنباط سلسلة إضافات ذرات للجزيء تنتج منها جزيئات هي سلسلة تكاد تكون لا نهائية من المركبات ذات التأثيرات والخواص المختلفة ويظل يتوسع في اشتقاقاته مع أن أصل السلسلة الكيميائية واحدة وقد وسعت هذه الطريقة استعمال الكيمياء في الصناعة والطب والتداوي وغير ذلك ، وهذه المسألة مشابهة أيها الأخوة فالكيميائي ينظر إلى تركيب الجزيئات جزئ كربون مع جزئ هيدروجين والتي هي أساس الكيمياء العضوية كيف تتحد في محاور متعددة كذا ذرة من الكربون مع كذا ذرة من الهيدروجين تتراكب بصورة معينة عندئذ يضيف لها إضافات معينة بطريقة مختلفة ليجعل إضافة ذرة في اتجاه معين أو اثنين أو أكثر إلى ما لا نهاية كل من هذه الإضافات تنتج له مركبا يختلف في طبيعته وخواصه عن المركب الأصيل ومن هنا توسَّعت هذه الطريقة جدا في الكيمياء واشتقت منها مئات بل ألوف من العناصر العضوية التي استخدمت في الصناعة والتداوي على الأخص مع أن الأصل هو كربون وهيدروجين ولكن طريقة التسلسل اختلفت ، فالعلماء كيف استطاعوا ذلك صنعوا له نموذج أمامهم وظلوا نظريا يضيفون لهذا النموذج وبدون احتمال الترابط هم يضيفون ويركبون وهذا التحديق من جانب العلماء إلى هذا المنظر الذي أمامهم هو الذي دَلَّهم على ما يمكن أن يكتشف ويضاف لهذه السلسلة ، كذلك الأمر بالنسبة لقائد حربي عنده قوة كبيرة موزعة في الوديان وخلف التلال وقرب السكة الحديد وقرب كذا وهو وزع قواته الكبيرة في كل مكان ، آمر السرية أو الفصيلة والذي يكون مع أفراد قليلين من هذا الجيش يستطيع أن يفهم المقدار الذي حوله فيقول إذا أُمِرتُ بالتقدم أسلك هذا المسلك ويعرف ما فيه من عقبات وموانع ، لكن آمر الجيش الآن لا يمكنه ذلك إلا من خلال إطلالة كاملة للمنظر الكلي فيركب طائرة ويرى ساحة المعركة عند ذلك يتصور كيف يتقدم أمن الميمنة أم بالميسرة ، هل يجتاز النهر أفضل أم اجتياز الغابة أسرع ويرى كيف ينال من العدو الذي خلف التلال وهذه مسألة عسيرة لا يمكن لأي قائد حلها إلا بالتحديق والنظر الطويل إلى الخريطة العامة أو الصعود لمكان عالي كبرج أو طائرة فيركبها فيرى المنظر بشكل عام ، وهذه النظرة الإجمالية تمكنه من شيء كثير حيث تمكنه من إجادة تحريك جيشه بالوجه الذي يريده ولا يستطيع آمر السرية الصغير من الجيش أن يحرك هذه المسألة لأنه لم يرى المنظر الكلي ؛ فهنا أيها الأخ نحن نريدك أن تكون قائدا كما قلنا للطاقات إن لم تكن قائدا لمجموعة الدعاة وتواضعت ووضعك إخوانك في محلك اللائق إنك مطلوب منك أن تكون قائدا للطاقات على المجتمع مباشرة فكيف تستطيع ذلك إن لم تَطّلِعْ على المنظر الكلي للمجتمع فهذا هو الذي نعطيك إياه هنا في مثل هذه الدورات كل شيء المفروض أن يتكامل لك ولا أعني أن يكون ذلك من خلال دورة واحدة أو من خلال مخيم كهذا بل هي سلسلة دورات يكمل بعضها البعض حتى تَطّلِعْ على المنظر الكلي فدروس التربية تكملها دروس التنظيم ، تكملهما دروس السياسة ، وتُكمِّلْ الجميع معلومات عن واقع العالم الإسلامي الآن ، وكل ذلك يتضافر لكي نُطِّلْ على منظر كلي لكل العمل الإسلامي بفروعه المتشعبة من سياسة وتنظيم وتربية و بواقعه وبتاريخه وجذوره الممتدة كشجرة ولكن لا ترى جذورها ولكن نحن نحفر لك هذه الجذور الممتدة إلى الأسفل كيف تتشعب وكيف تعمل على إنماء هذه الشجرة وأحيانا ولسنا نريد التشاؤم ؛ كيف تنتحر هذه الشجرة أحيانا يكون مرض في الجسم يؤدِّي إلى فساد الثمرة فإذا عرفت المرض في الجذور وكنت طبيبا نباتيا يعرف كيفية العلاج استقامت لك الثمرة ، فمن هنا فإنَّ تاريخ الدعوة لا يلقى عليكم لمجرد الاستئناس ولا لمجرد بث الحماسة ولا لمجرد زيادة علم وترف في المعلومات ولكن قد تكتشفون من خلال التاريخ جذورا كثيرة هي التي سببت جودة الثمرة أو خلافه ، فما كان من جذر حسن تَقَوَّى هذا الجذر ويزيد الثمر نضوجا ، وإن كان هناك فساد في الثمرة فتكون قد عالجت الجذر فيصْلُحْ الثمر من وقت لآخر ، وبهذا نريد أن نشرح ونقول ما الذي نعنيه من قابلية الاجتهاد التي نريدها هنا .
    خامساً : محاورة العلماء
    وهذا ضروري أيها الأخوة ولا يقل عن الأبواب الأخرى لزيادة العلم والاقتباس من محادثة العلماء فأنا وإن جلست لكم ولقد بحثت في نفسي كلام لأقوله لكم من هناك أضعاف وأضعاف هذا الكلام في صدور الرجال جاهز لأن يقال لمن سيحتك بهم من دون تواعد وبدون تكلف وقد تكون البركة في هذا العلم أكثر من البركة في الكلام الذي نقوله لكم بتكلف ، فالعالم الإسلامي فيه قادة وفيه مفكرون ودعاة كثيرين من المجربين الذين لهم مدة معاناة كبيرة والتي قد تهمنا هنا مدة المعاناة قد تطول لثلاثين عاما أو أكثر من ذلك أو أقل علما كثيرا ، كما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول وهو يدق على صدره إنَّ ها هنا علما كثيرا لو وجدتُ له حفظة كما في صحيح البخاري . يدق على صدره ولكن مع الأسف الحفظة هم الذين خذلوا عليا رضي الله عنه فصارت الفتن واشتعلت فلم تمكنه من بَثِّ علمه الغزير ، فهناك علما كثيرا في صدور قادة الدعوة أيها الإخوان وفي صدور دعاة منتشرين في كل مكان ، ولا تستطيع أن تأخذ منهم هذا العلم كله بواسطة كتابة ولا بالمراسلة لأنهم لو كانوا يستطيعون الكتابة لكتبوا ووفروا عليك الجهد فالكتابة أحيانا لا تجدُ عند الداعية وقتا ليكتبها وأحيانا قد يكون صاحب معنى ولكن ليس له بلاغة تؤدي بها المعنى ، وأحيانا يتواضع ويقول مالي ومال الكتابة سوف أبَلِّغْ علمي للأقربين مني وهم يسعون لتبليغه للأبعدين ويتأول في ذلك تأولات مختلفة ، وأحيانا هو يحوز علما لا يدري أن هناك حاجة لبَثِّ هذا العلم ولو علم أنَّ هناك من يحتاجه لبثه ؛ كثير من المسائل التجريبية يظن أن الجميع يستوون في معرفتها بينما هي في الحقيقة من العلم النادر لأنه يدلي بها لا كرواية تاريخية بل محللة وفق مفاهيم الاجتهاد التي ذكرناها بتحليل وقياس ومقارنة ، فمن هنا أنت كجزائري لن تستطيع أن تكون فقيها في الدعوة إلا أن ترحل ولا تكتفي بهذا الأمر فترحل لبلاد الشرق أو مخيمات الغرب وتختلط بأخوتك وترى رأى العين كيف تسير الأعمال الإسلامية هناك وتحادث وتسأل وكلما كنت حَسَنَ السؤال كان الجواب الذي يقال لك حسنا ، فملاقاة الرجال هي باب من أبواب المعرفة الفقهية أيها الأخ ، أنظر عاملا تربويا في هذا الباب أنا مرة اعترضت على جماعة التبليغ الهندية التي لها طريقة الوعظ السيار وليس الوعظ المستكين، وجماعة التبليغ هذه معروفة بهذه الطريقة قلت لهم هذا ، وعظ لا يفيد ، قالوا : نعم ولكن إذا ما رأيت نتيجة الوعظ فهي نتيجة حقيرة ضامرة ولكن إذا ما رأيت النتيجة في نفوس الواعظين الذين نخرجهم لرأيتها كبيرة إذ أنه يضطر للتعلم ومخالطة الناس ويتعلم الجرأة في مخاطبتهم وتكون له مفيدة أيما فائدة ولولاه لضمرت عناصرنا ومعارفنا وما وعت شيئا من علم الشريعة . ورأيت هذا الجواب منطقيا واضحا هذا إذا كان مع عامة الناس مع قروي وللأخ هم يخاطبونه بمثل هذه المخاطبة البسيطة في شرح لا إله إلا الله معاني واضحة يتعلمون منها هذا العلم فكيف إذا كانت محاورتك لقادة الدعوة ولأهل الفكر ولدعاة قدماء من أولي التجربة هنا ستضطر أن تكون بالموطن الذي يليق لا تكون في ذلك مرائيا حاشاك من الرياء هناك حد يمكن للداعية أن يضبط نفسه ويبعد بها عن أرض الرياء ولكن هو يريد أن يكافئ هؤلاء ويقول لهم قولا واضحا ، فإن لم يكن صاحب علم وذوق ومعرفة في داخل نفسه سوف لا يكون الجواب آنذاك بنفس الدرجة من الحسن في العمل ، مثلا إذا أنت سألته عن بلده حيث تلتقي بداعية من الكويت وتقول له كيف العمل في الكويت وكيف تقاومون الحياة المترفة وكيف تقاومون العمل الماسوني الضخم الموجود هناك وكيف كذا إلى آخره ويجب أن تتوقع أن يسألك ما الجزائر وكيف العمل هناك وهنا كيف تجيبه إذا لم تكن صاحب معرفة بالجزائر فبأي لسان ستنطق إن لم يكن عندك من العلم الشرعي ما يُسْنِد النظريات التحليلية الواقعية التي ستدلي بها ، فترى أنك إن طرقت هذه المحاورات عليك أن تبدأ بتربية نفسك فهذا عاملٌ مهم من العوامل التي تحثُّ الداعية على زيادة علمه وزيادة تفكيره وتماسِّه بالآخرين ليكون نقَّالا للعلم إلى الذين سيحاورهم ولذلك سميناها محاورة وهي ليست مجرد مقال لصحفي يأخذه من دبلوماسي أو رجل أعم

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 9:48