الاخوان المسلمون والتعددية العرقية والدينية في المجتمع
امانة المفاهيم الصحيحة وصدق الممارسة العملية
" الاخوان المسلمون يصدرون فى مواقفهم إزاء القضايا المختلفة فى إطار ضوابط ومعالم واصول واضحة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين ذلك موقفهم من الإخوة الأقباط كمواطنين لهم حقوق وواجبات المواطنة.
إضافة إلى ان مواقف الإخوان من قضايا العصر قد أكدتها ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى اليوم.. أى انها مسجلة.. واضحة.. لا غموض فيها.. "
ولكن بعض الاقلام اللادينية عادة ما تنتهز أي مناسبة لشن الحملات المفتراه على مواقف المبدئية والثابتة للجماعة.
وقد تستخدم هذه الحملات أساليب سياسية رخيصة فطنت لها الجماعة منذ أيامها الأولى ، فعافتها فى كل أساليبها وردودها، لانها تستمد اسلوبها من اسلام طاهر نظيف....
واذا كانت الدعوة قد خبرت مثل هذه الحملات وعركتها طوال تاريخها الحافل، فإنها تقول لاصحاب هذه الحملات ما قاله مرشدها الشهيد الأمام حسن البنا "... وإما شخص ساء ظنه فينا وأحاطت بنا شكوكه وريبه، فهو لا يرانا الا بالمنظار الاسود القاتم، ولا يتحدث عنا الا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبى الا أن يلج فى غروره ويسدر فى شكوكه ويظل مع أوهامه، فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه، وأن يلهمنا وأياه الرشد. ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء، وندعو الله فيه وهو سبحانه أهل الرجاء، ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه فى صنف من الناس { إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } وهذا سنظل نحبه ونرجوفيئه الينا واقتناعه بدعوتنا، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا اليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل " اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون "
أجل " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون "، واجهت بها الدعوة خصومها من بنى جلدتها فى كل حملاتهم المدعمة بسطوة السلطان حيناً، وبأنهار الصحف ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة فى كل الأحيان، وبإنحياز ثابت وأصيل الى اصولها العقيدية وخياراتها الفقهية مهما كانت التبعات والصعوبات.
وفي السطور التالية نعرض لفهم الدعوة الأصيل فى قضية هذا البحث هذا الخصوص والذى يجىء كبقية مفاهيمها، اوضح من فلق الصبح لانه يستمد نوره من مشكاة الاسلام العظيم، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
قضية الموقف العام من الناس جميعاً
مسلمين وغير مسلمين
وهنا نبادر فنقول، إن موقفنا من هذه القضايا ومن غيرها ليس مجرد موقف انتقالي واختياري قائم علي الاستحسان، وإنما هو موقف منتسب الي الإسلام ملتزم بمبادئه صادر عن مصادره... وعلي رأسها كتاب الله تعالي والسنة الصحيحة الثابته عن نبيه صلي الله عليه وسلم، والاخوان المسلمون يرون الناس جميعا حملة خير، مؤهلين لحمل الأمانة والاستقامة علي طريق الحق، وهم لا يشغلون أنفسهم بتكفير أحد إنما يقبلون من الناس ظواهرهم وعلانيتهم ولا يقولون بتكفير مسلم مهما أوغل في المعصية، فالقلوب بين يدي الرحمن، وهو الذي يؤتي النفوس تقواها، ويحاسبها علي مسعاها.
ونحن الإخوان نقول دائما أننا دعاة ولسنا قضاة، ولذا لا نفكر ساعة من زمان في إكراه أحد علي غير معتقده أو مايدين به، ونحن نتلوا قوله تعالي : لا إكراه في الدين.
وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل...
إن ساسة العالم وأصحاب الرأي فيه يرفعون هذه الأيام شعار " التعددية " وضرورة التسليم بإختلاف رؤي الناس ومذاهبهم في الفكرو العمل.
والاسلام، منذ بدأ الوحي الي رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتبر إختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية، ويقيم نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي علي أساس هذا الاختلاف والتنوع " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"،
والتعددية في منطق الإسلام تقتضي الاعتراف بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر فيما يجري علي يديه من حق وخير ومصلحة... ذلك أن " الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها "
لذلك يظلم الاسلام والمسلمين أشد الظلم من يصورهم جماعة مغلقة منحازة وراء ستار يعزلها عن العالم، ويحول بينها وبين تبادل الأخذ والعطاء مع شعوبه... والإخوان المسلمون يؤكدون - من جديد - التزامهم بهذا النظر الإسلامي السديد الرشيد... ويذكرون أتباعهم والآخذين عنهم، بأن علي كل واحد منهم أن يكون - فيما يقول ويعقل - عنوانا صادقا علي هذا المنهج... يألف ويؤلف... ويفتح قلبه وعقله للناس جميعا ... لا يستكبر علي أحد... ولا يمن علي أحد... ولا يضيق بأحد... وأن تكون يده مبسوطه الي الجميع بالخير والحب والصفاء، وأن يبدأ الدنيا كلها بالسلام... قولا وعملا ... فبهذا كان رسولنا صلي الله عليه وسلم إمام رحمة ومهداه الي العالمين... وبهذا وحده يصدق الانتساب اليه صلي الله عليه وسلم والي الحق الذي جاء به..ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك،وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون.
الإخوان المسلمون
القــــاهرة في :30 من ذي القعدة 1415 - 30 من ابــــــريل 1995
الوحدة الوطنية
أباحت الشريعة الاسلامية لغير المسلمين حرية العقيدة والعبادة وإقامة الشعائر، وحرية الاحوال الشخصية وعملت علي صيانة ذلك الي ابعد مدي.
وتؤكد رسائل الامام البنا وكتابات الاخوان عامة علي هذا المفهوم كما تعمل علي تعميقه بين الناس من منطلق القاعدة التي اتفق عليها الفقهاء قديما : لهم مالنا وعليهم ما علينا.
وتعتبر علاقة الاخوان بالنصاري قديماً وحديثاً نموذجاً فريداً وطرازاً متميزاً يدل علي الصلة القوية بينهم، ولم يحدث يوماً ما من الممارسات ما يعكر صفو هذه العلاقة، ولعلنا نذكر كيف طالب بعض القساوسة من قنا جنوب مصر في الاربعينات رئيس وزراء مصر في هذا العهد بتطبيق الشريعة الاسلامية بعد ان استمعوا الي محاضرة للامام البنا هناك حول مزاياها وما تتضمنه من حقوق وأمن واستقرار لغير المسلمين.
ويري الاخوان ان المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث..." طبقا لعقيدة كل مواطن.
وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الاخوان ان للنصاري حق في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء.
ويتكون النسيج الاجتماعي في بعض دولنا من مجموعات من الطوائف الدينية والعرقية، وتنظر الجماعة إلى هذا التنوع على أنه عامل قوة وغنى، وليس عامل تفتيت.
ولقد أقر الإسلام في إطار الثوابت العامة التي رسمها للإنسانية حقيقة المساواة بين بني البشر، هذه المساواة التي تقرر وحدة (الجوهر) الإنساني، فتسقط بذلك كل نظريات الأجناس والأعراق والألوان، لتكرس مكانها المساواة بين بني الإنسان.
(أيها الناس إن ربكم لواحد، وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى.).. رواه أحمد وأبونعيم في الحلية، والطبراني في الأوسط والبزار، وقال الهيثمي رجال البزار رجال الصحيح.
ومن المساواة في جوهر الإنسانية، ننتقل إلى المساواة في الحقوق المدنية العامة، التي تتيح للإنسان ضمن النظام السياسي العام، أن يتمتع بكافة الحقوق المدنية.
وتبقى مقولة (لهم مالنا وعليهم ما علينا).. سنة ماضية يسوس الإسلام بها كل من ارتضى أن يعيش بين جناحيه مما يعرف بالتعبير المعاصر بالأقليات..
يقول الأستاذ البنا رحمه الله:
(وموقفنا من إخواننا المسيحيين في العالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وهم شركاء في الوطن، وإخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر بهم، والتعاون معهم على الخير، فرائض إسلامية لا يمتلك المسلم أن يستخف بها أوأن يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك، أوفعل غير ذلك فنحن براء منه ومما يقول، ومما يفعل)
" بيان للناس – رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ".
والجماعة تؤكد ان أن موقفها المبدئي من المواطنين غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية المختلفة كما سبق أن أوضحته هو موقف مبدئى ثابت مفروض على المسلمين بموجب إسلامهم وإيمانهم مؤكد بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة (قولية وعملية) وهذا الموقف يتلخص فى النقاط التالية :
هم جزء من نسيج مجتمعاتنا.
هم شركاء الوطن والمصير.
لهم مثل ما لنا وعليهم مثل ما علينا.
حرية الاعتقاد والعبادة محترمة للجميع، والتعاون فى كل ما يخدم الوطن ويحقق الخير لكل المواطنين أمر لازم.
الحرص على روح الأخوة التى ظلت تربط على مدى القرون بين أبناء الوطن الواحد جميعا وإشاعة الأصول الداعية إلى المحبة والمودة.
- ويري الاخوان أن المواطنة أوالجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث..." طبقا لعقيدة كل مواطن.
وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الاخوان ان للمواطن غير المسلم الحق في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء.
وعلى التفصيل.. فموقف الإخوان من الإخوة المسيحيين في العالم الاسلامي موقف واضح وقديم ومعروف... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أويتهاون في أخذ نفسه بأحكامها.
ولأن نصوص القرآن والسنة الشريفة تأمر المسلمين بأنه ( لا إكراه في الدين) (سورة البقرة 256)، وبتأمين غير المسلمين أصحاب الكتب السماوية السابقة على دين الإسلام، خاصة اليهود والنصارى الذين يعيشون مواطنين في الدولة الإسلامية، كما أن هذه النصوص تكفل لغير المسلمين فضلا عن حرية الإعتقاد، حرية الرأي، وترفض إجبارهم على التعامل بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، وتتركهم يتعاملون طبقا لأحكام الشرائع التي يدينون بها، فهم يتزوجون طبقا لها زواجا معترفا به لدى الدولة المسلمة، ولدى المجتمع المسلم، تثبت به الأنساب التي يستحق بها الميراث، كما لا يلزمهم ما يلزم المسلم من المحرمات في المأكل والمشرب، ما دامت غير محرمة عليهم في دينهم..
كما أن النصوص الإسلامية تبيح للمسلمين التعامل معهم مادام المسلم ملتزما في ذلك بأحكام الشريعة الإسلامية..
كما أنها لا تفرق بينهم وبين المسلمين في حق تملك العقارات والمنقولات وجميع أنواع الأموال، والإشتغال بالمهن المختلفة، كالطب والهندسة والزراعة والتجارة…إلخ.
كذلك تجعل من حقهم تولى مختلف الوظائف التي لا تتصل بالعمل بأحكام الشريعة الإسلامية التي لا يدينون بها، بل وتتركهم يتحاكمون إلى أصحاب الإختصاص والفقه في شريعتهم فيما قد يقع بينهم من اختلاف وقضايا، ولا ينظر القاضي المسلم في هذه القضايا والنزاعات، ولا يحكم إلا إذا رفعوا هم أمرهم إليه…
وقد عاش أصحاب هذه الديانات غير الإسلامية في الوطن الإسلامي في أمان على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وجميع حرماتهم، وباستثناء حالات فردية، والتاريخ لا يثبت وقوع حالات اضطهاد عامة أومظالم شاملة على غير المسلمين.
وفي ضوء هذه القواعد فإن الإخوان المسلمين يحددون موقفهم من هذه القضية على أساس النقاط التالية :
1- لا إكراه في الدين ولكل فرد الحق في ممارسة شعائره الدينية وفق الضوابط العامة للمجتمع.
2- التكافؤ في فرص الحياة، والمساواة الكاملة أمام القانون حق مطلق لجميع المواطنين دون تفرقة بسبب يرجع إلى العرق أواللون أواللغة أوالدين.
3- الأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شرائعهم، إلا إذا آثروا هم أن يتحاكموا فيها إلى شريعة الإسلام.
4- تسليم غير المسلمين بحق الأغلبية المسلمة في أن تحكم بشرع الله .
5 – ترى الجماعة أن قواعد العيش المشترك في المجتمع أربعة:
الأولى: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه: وهوبالنسبة لنا كمسلمين مسألة شرعية، تشمل الاختلاف الديني والسياسي، حسب التقسيم المعاصر.
لقد أتاح الله تعالى للإنسان حريّة الاختيار بين الإيمان والكفر، ومع ذلك لم يحرم الكافر ممّا أعطاه لمن يؤمن به، لكنّه بيّن له أنّ الإيمان هوالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ودعاه إلى ذلك ورغّبه فيه، (لا إكْرَاهَ في الدِّين،ِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ، فمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغوتِ وَيُؤْمنْ باللَّهِ فَقَدْ استمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثقَى، لا انفصَامَ لَها واللَّهُ سَميعٌ عَليم) سورة البقرة الآية 256.
إنّ هذه الحرّية الواسعة لجميع الناس كي يختاروا ما يريدون، حتّى بالنسبة للإيمان والكفر، تستلزم حتماً الاعتراف بنتائجها، والتعامل معها وفق الضوابط الشرعية. وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا معنى أصلاً للحرّية.
الثانية: الأخلاق: وهي في نظر الإسلام قيم مطلقة يتعامل بها الإنسان مع الموافق والمخالف، لا تتأثّر باختلاف الدين، ولا بوسائل الإنتاج، ولا بأيّ اعتبار آخر. الأخلاق ليست أسلوب تعامل المسلم فقط مع من يحب، ولا مع أبناء عشيرته أوقوميّته أودينه، إنّها أسلوب التعامل مع الناس جميعاً. هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع المشركين في مكّة ومع اليهود في المدينة، حتّى كانت أعظم صفة مدحه بها ربّه قوله عزّ وجلّ: (وإنّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم) سورة القلم الآية4. والعيش المشترك في مجتمع واحد بدون أخلاق لا يمكن أن يقوم ويثبت ويترسّخ، والأخلاق عندنا تنبثق من الدين، ومن رسالاته السماوية.
الثالثة: العدالة: وهي أهمّ القيم الإنسانية على الإطلاق.. من أجل تحقيقها أرسل الله الرسل بالبيّنات: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالميزَانَ لِيَقومَ النَّاسُ بالقِسْطِ) سورة الحديد الآية 25. الكتاب هومصدر العدالة. والميزان هووسيلة تحقيقها، لأنه يعني التوازن بين الحقوق والواجبات، وهوما ينبغي أن تسعى إليه السلطات القائمة من خلال قوانينها التفصيلية، أومن خلال أحكامها القضائية.
هاتان القاعدتان (الأخلاق والعدالة) هما اللتان أشار الله تعالى إليهما في الآية الكريمة: (لا يَنْهاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذينَ لَمْ يُقَاتِلوكُمْ فِي الدّين،ِ وَلَمْ يُخْرِجوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، أَنْ تَبَرّوهُمْ وتُقْسِطوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) سورة الممتحنة الآية 8.
الرابعة: التعاون: لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون فيه الناس لتحقيق المصالح المشتركة. وقد بيّن الله تعالى أنّ التعاون مطلوب حتّى مع المشركين (.. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا، وتَعَاوَنوا علَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوَانِ..) سورة المائدة الآية 2.
********************
الإخوان والأقباط ... نموذجا
الأقباط في فكر الإمام البنا
عندما نتحدَّث عن الأقباط ورؤية الإمام البنا لهم يجب أن نفهم أن الرجل كان مؤسِّسًا لفكرة، وحسب المؤسس اكتشاف الأصول والذود عنها وإماطة اللثام عما غاب منها، فقد كان التيار الإسلامي في ذلك الوقت كما يقول المستشار طارق البشري يرى نفسه في مرحلة تاريخية تستوجب منه ترسيخ المبادئ العامة وليس في مرحلة معالجة الفروع.
وبالتالي ما قدَّمه الإمام البنَّا عن الأقباطِ أو قضايا أخرى كثيرة كان محكومًا بهذا المنطق ولا ينفك عنه، حيث بثَّ فكرته عن الأقليات في صورة متفرقات.. مؤتمر.. موعظة.. رسالة.. مقالة.. في قرية.. أو مظاهرة وبأسلوبه الخاص الذي يخاطب به الجميع، وبالفهم الذي ساد في عصره، ووفق ما هو متعارفٌ عليه بين مجتهدي زمانه.
لا طائفية في الإخوان
ففي رسالة إلى الشباب يقطع الإمام أي توجه طائفي للجماعة قائلاً:
إن الإسلام عُني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان كما أنه جاء لخير الناس جميعًا ورحمة من الله للعالمين، وحرَّم الاعتداء حتى في حالات الغضب والخصومة، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدُهم وأديانهم، وإنصاف الذميين وحسن معاملتهم، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا.. نعلم كل هذا فلا ندعو إلى تفرقة عنصرية ولا إلى عصبية طائفية.
ويرى في رسالة "دعوتنا في طور جديد"، وأما دعوتنا عالمية فلأنها موجهةٌ إلى الناس كافة؛ لأن الناس في حكمها أخوةٌ أصلهم واحدٌ وأبوهم واحدٌ ونسبهم واحدٌ، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، وبما يقدِّم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ" (النساء: من الآية 1)، فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا تشجيع عصبية الأجناس والألوان، ولكننا ندعو إلى الأخوة العادلة بين بني الإنسان".
وقد أرسل الإمامُ البنا خطابًا إلى محمد محمود باشا- رئيس وزراء مصر عام 1938م يطلب منه تطبيق الشريعة الإسلامية ومنع الحفلات الخليعة وأداء الفرائض ثم قال: قد يقال إن في الأمة عنصرًا ليس مسلمًا ولا يرضى حكم الإسلام، وجواب ذلك مدفوعٌ بالواقع؛ فقد عاش هذا العنصر الإسلام قرونًا عدة، فلم يَرَ إلا العدلَ الكاملَ والإنصافَ الشاملَ، ولا تزال كلمة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لأميره على مصر مدويةً في الآذان على كل لسان: "يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".
ثم كرَّر الطلب في خطاب بعث به إلى وزير الحقانية أحمد خشبة مفندًا أيَّ انتقاص من حقوق أهل الكتاب تحت زعم أن في مصر عناصرَ غيرَ إسلاميةٍ إن حُكِمت بأحكام الإسلام كان ذلك متنافيًا مع حرية الدين التي كفلها الدستور للمواطنين، وإن حُكِمت بغيرِ أحكام الإسلام كان ذلك نوعًا من الامتياز البغيض الذي حمدنا الله على التخلص منه.
هذه الشبهة مردودةٌ بجزئياتها لأن غير المسلمين إن عوملوا بتعاليم الإسلام لم يكن في ذلك اصطدامٌ بحرية الدين، لأن الحرية المكفولة هي حرية العقيدة وحرية العبادة والشعائر والأحوال الشخصية.
أما الشئون الاجتماعية فهي حق الأمة ومظهر سيادتها، فهم فيها تبع للأكثرية فإذا ارتضت أكثرية الأمة قانونًا في هذه الشئون الاجتماعية يصرف النظر عن مصدره، فهو قانونٌ للجميع، وإن عوملوا بحسب شرائعهم مع الاحتفاظ بحقوق الدولة كاملة معهم فليس في ذلك امتيازٌ يخيف.
والامام البنا هنا نراه يؤكد تمام تسليمه بالموقف الفقهي من الضمانة التعددية القضائية التي كفلتها أحكام الشريعة المبنية على احترام التمايز العقدي لطوائف الأمة وردهم لما يدينون عند الاختلاف بحسب ما تملي به عقائدُهم، ثم إلحاقهم بالمظلة القانونية والدستورية للأمة بكل ما يمثله هذا الإلحاق من مساواة ومشاركة وانتقال من سيادة الذمة الطائفية (إلى سيادة الدستور والمواطنة) الأغلبية والأقلية.
الإمام البنا والمواطنة
ومن بين الاتهامات الشائعة التي توجه للإمام الراحل أنه قد غاب عنه تأسيسُ موقف حازم من فكرة المواطنة، وأن مقولاته- والتي تتحدث عن أخوة العقيدة- هي تكريسٌ لوضعٍ طائفي يحرم غير المسلمين من الالتحام بإطار المواطنة الجامع، لأن ثمةَ تصنيفًا يترتب على ذلك يحول بين غير المسلم والوجود الفاعل داخل الوعاء القومي، وزاد بعضهم متهمًا البنا بأنه قدَّم أدبًا اقصائيًّا طائفيًّا يحرم الأقباط من إدارة شئون بلادهم مشاركةً لإخوانهم المسلمين وحرمانهم من التمتع بكل المزايا السياسية والاقتصادية التي كفلها الدستور لأي مواطن وإن الإخوان قد يهتفون لمسلم في باكستان ولا يعبأْون بجيرانهم من الأقباط.
وبداية ومن بديهيات التاريخ المعاصر يجب أن نسلم أن فكرة الجامعة الإسلامية أو أخوة العقيدة ليست فكرة البنا وحده، ولم يكن أول من أذاعها، حيث شاركه في ذلك الكثير أمثال جمال الدين الأفغاني ومصطفى كامل وخير الدين التونسي والكاتب المسيحي سليم البستان الذي كان من دعاة الدولة العثمانية، ويرى أنه لا مانعَ في ظل الوطنية أن يكون دين الدولة الإسلام.
ورصد هذه الحركة اللورد كرومر، حيث أشار في أحد تقاريره إلى وجود حركة وطنية في مصر ممتزجة بالحركة الإسلامية، ربما اقترب منها الوفدي الشهير حنا ويصا بتعبيره بقوله لا يوجد في دائرة الإسلام الواسعة ما يمنع التطور الوطني والجنس في دوائر أصغر.
والتحم بالفكرة أكثر الرمز القبطي الكبير مكرم عبيد: نحن مسلمون وطنًا ونصارى دينًا.
ويشرح الفكرة باستفاضة المفكر القبطي المعروف الدكتور يوسف خليل قائلاً: لا نستطيع من الوجهة الواقعية أن نتجاهلَ أثرَ الدين الإسلامي كقوةٍ محركةٍ لجمهرةِ الشعوب العربية حتى يومنا هذا، فالإسلام ليس مجرد دين وعقيدة، إنما قانون جامع لشئون الدين والدنيا معًا.. والقوة الموحدة في الإسلام لا تأتي من الانتماء إلى إيمان مشترك، بل ربما كان الأثر الأكبر فيها يرجع إلى التركيب الاجتماعي المشترك وإلى الأسلوب الواحد في الحياة اللذين يهيئهما الإسلام ... بل ويرى القرآن الكريم كحافظٍ للغةِ العربيةِ؛ لأنه كما يقول: لا يخص الإسلام والمسلمين وحدهم، بل هو تراث المسيحيين العرب أيضًا.
ومن ثم رأي المفكر المسيحي قسطنطين رزيق في كتاب الوعي القومي الصادر عام 1938م يجب على كل عربي إذن بصرف النظر عن معتقده الديني أن يدرس الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم من جهة أنه موحد العرب وجامع شملهم، حيث إن القومية الحقيقية لا يمكن بحال من الأحوال أن تتناقض مع الدين الصحيح.
والجامعة الإسلامية أو أخوة العقيدة في رأي البنا لا تنفك كثيرًا عن ما سبق من فهم لطبيعة الإسلام، حيث يراها إحدى دوائر النهضة الحضارية الاسلامية التي تضم دوائر الاستقلال الوطني وتحرير الأمة وبناء المجتمع الإسلامي الناهض، وقوامة الشريعة ثم القومية العربية بحسبانهما ضمير الإسلام ثم الجامعة الإسلامية وأستاذية العالم.
ويعرف الإمام البنا الجامعةَ الإسلاميةَ بأنها رابطةُ إخاء للأمة الإسلامية التي هي أمةٌ متعددة الأعراق واللغات والأديان، وأن غير المسلمين جزءٌ من الأمة الجامعة لكل من يقر لها بالولاية السياسية مهما كانت عقيدته...
لذلك لا حجة لمن يقول كما يرى: إن الأمة الواحدة من أمم الإسلام تضم عناصرَ مختلفةً تدين بغير دين الإسلام وبالتالي لا يوجد بين أفرادها إلا الجنسية القومية، والجواب على ذلك أن سماحة الإسلام وصلته تتسع لأبناء قومنا وإن كانوا على غير ديننا.. بل وإن تعاليم الإسلام تقضي على أبنائه أن يكونوا مع أهل التعاقد سواسية... بل وقدم الإسلام باعتباره من معاني قوميتهم مشيرًا إلى أن الأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة في كل تعاليم ديننا ويعتبرون الإسلام معنى من معاني قوميتهم وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم.
فالإمام في شروحاته لا مانع لديه من استيعاب صيغة المواطنة بكل معانيها، ولكن دون أن تكون مانعًا من الانضواء تحت مظلة الأمة الجامعة أو العروبة، حيث يجب ألا يحول دون ذلك سببٌ عرقيٌّ أو جغرافيٌّ أو دينيٌّ.
ويرى أن الوطنية والعروبة والإسلام دوائرُ تتلاقى ولا تتناقض إلا إذا كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتباغض، أو أراد أقوامٌ أن يتخذوا من المناداةِ بالقوميةِ الخاصة سلاحًا لهدم الشعور بما عداها، فالإخوان المسلمون ليسوا معهم.
أو أرادوا بالقومية إحياء عادات جاهلية درست وإقامة ذكريات بائدة خلت، ومن أجل ذلك يؤكد أن الإخوان لا يقولون (فرعونية) (وفينيقية) وما فيها من اعتزاز بالجنس، وفي كل الأحوال هم يتلاقون مع جوهر الوطنية الرحبة والانتماء السامي؛ لأن حبَّ هذه الأرض وألفتها أمرٌ مركوزٌ في فِطَر النفوس من جهة مأمورية في الإسلام من جهة أخرى وتقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد.
وليظل للمصريين والمصرية في دعوتنا مكانها ومنزلتها وحقها في الكفاح والنضال؛ لأن الإخوان أشد الناس لوطنهم إخلاصًا، وهم يعملون لمصر، ويفنون في جهادهم؛ لأنها أرض الإسلام وزعيمة أممه، ويتساءل : " كيف يقال إن الإيمان بالمصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعوَ إليه رجلٌ ينادي بالإسلام ويهتف بالإسلام.. إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب، عاملون له، مجاهدون في سبيل خيره وسنظل كذلك، وبالتالي يتحركون معتقدين أن هذه الوطنية هي الحلقةُ الأولى في سلسلةِ النهضةِ المنشودةِ وأنها جزءٌ من الوطن العربي العام، وكل هذه وحدات متلازمات تشد أزر بعضها البعض؛ لأننا حين نعمل لخير مصر نعمل للعروبة وللشرق والإسلام، وتلك هي المعادلة الحضارية التي تحكم فهم الإخوان.. فلا صدام بين الوحدات الثلاث، فالدين وثبةُ الوطن والعروبة ودوره الرقي بالروابط الطبيعية والاجتماعية والقطرية وإخراجها من حيزها الضيق لتكون جديرةً بالتلاحم بالروابط الأعلى حيث لا تنفصل ملحمة الأرض عن ملحمة السماء التي تظل للجميع ملهمةً، ومن العوامل المساعدة على البناء القومي ومصدر القوة والتماسك لتؤول في النهاية الجامعة الإسلامية إلى الجامعة البشرية ودار الإسلام إلى دار الإنسان،
يقول الامام البنا: "عني الإسلام باحترام الرابطة العامة بين بني الإنسان، كما أنه جاء لخير الناس جميعًا ورحمة للعالمين، وقيادة العالم إلى الخير ومناصرة الفضيلة ومقارعة الرزيلة واحترام المثل.
خبرة المعايشة
ومن المهم ونحن نسرد قطوفًا من أدبيات الإمام نؤكد أن هذه الأقوال لم تكن معزولةً عن الواقع المعيشي، حيث اختلطت به وتداخلت معه، وكانت مغزولة في الحركة والسلوك والعلاقات لا سيما إذا تفهمنا أن هذه الآراء صادرةٌ من جماعة حركيةٍ تفكر بقدر حركتها وتعطي بقدر ما يتحمل الواقع وبقدر ما يؤمِّن مسيرتَها، وبالتالي من المفيد استفراغ الخبرات الميدانية والسلوكية؛ لأنها ذات مؤشر دالٍ، ويجب ألا يغيبَ في أي وجهةٍ دراسيةٍ.
ففي ذكرى الإمام الشهيد نشر الرمز القبطي مكرم عبيد مقالةً بجريدة الإخوان – 13 فبراير1952 تعتبر من الوثائق والشهادات الهامة في حق دعوة الإخوان ومؤسسها يقول فيها:
"تفضلت مجلة الدعوة الغراء فطلبت إليَّ أن أكتب كلمةً في ذكرى الراحل الكريم الذي شاءت له رحمةُ الله أن يغادرَ هذه الدنيا إلى جوار ربه الرحمنِ الرحيمِ كما شاءت لنا نحن رحمةُ الله أن يظلَّ الراحلُ الذي فقدناه ماثلاً بيننا بذكراه وبدعواه..
وهل هذا الراحل الماثل إلا فضيلة المرشد المغفور له الشيخ حسن البنا؟
أي نعم.. فإذا كنتم أيها الإخوان المسلمون قد فقدتم أخاكم الأكبر الخالدَ الذكر، فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذي أسلم وجهه لله حنيفًا قد أسلم روحه للوطن عفيفًا.
حسبكم أن تذكروه حيًّا في مجده، كلما ذكرتموه ميتًا في لحده، وإذا كان الموت والحياة يتنازعان السيطرة في مملكة الإنسان ويتبادلان النصر والهزيمة فيتساويان، فالغلبة للحياة مع الذكرى، وللموت مع النسيان.. لهذا فالميت حي لديك إذا ذكرته والحي ميت إذا نسيته.
وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حيٌّ لدينا جميعًا في ذكراه.. بل كيف لا يحيى ويخلد في حياته رجلٌ استوحى الدين في هدي ربه وفي الدنيا وحي قلبه.
اذكروه أنتم أيها الإخوان ثم اذكروه، ففي ذكراه حياةٌ لكم، ومن ذا الذي يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحي الذي عرف في أخيه المسلم الكريم الصدقَ والصداقةَ معًا.. ولئن ذكرت فكيف لا أذكر كم تزاورنا وتآزرنا إبان حياته، ولئن شهدت فكيف لا أشهد بفضله بعد مماته، وما هي وايم الحق إلا شهادة صدق أُشهِد عليها ربي، إذ ينطق بها لساني من وحي قلبي، بل هي شهادة رجل يجمع بينه وبين الفقيد العزيز الإيمان بوحدة ربه، وبوحدة شعبه، والتوحيد في جميع الأديان المنزلة لا يكفي فيه أن توحد الله، بل يجب أن نتوحد في الله كما أن وحدة الوطن لا يكفي فيها وحدة أرجائه، بل يجب أن تتوافر لها قبل كل شيء وحدة أبنائه.
ولقد كان الإخوان المسلمون والكتلة الوفدية هما الهيئتين الوحيدتين اللتين تتبادلان الزيارة في دار الإخوان ونادي الكتلة، بل كان لي الحظ أن يزورني رحمه الله في منزلي، وأن نتبادل خلال حديثٍ طويلٍ المشاعرَ الشخصيةَ والوطنيةَ، وكنت أراه في حديثه أبعد ما يكون عن الشكليات والصغائر، مما جعلني أعتقد أنه رجل قلَّ مثيله بيننا في التعمق تفكيرًا وفي التنزه ضميرًا.
ولقد زرته- رحمه الله- إثر موته في منزله فكانت زيارةً لن أنسى ما حييت أثرَها الفاجعَ والدامعَ، ولقد هالني أن أجد قوةً من البوليس تحاصر الشارعَ الذي به منزل الفقيد، ولولا أن ضابط البوليس عرفني فسمح لي بالمرور لما تيسر لي أن أؤدِّي واجب العزاء، ولئن نسيت فلن أنسى كيف كان والده الشيخ البار متأثرًا بهذه الزيارة حتى إنه قصَّ علينا- والدمع يفيض من عينيه- كيف منعوا الناس من تشييع جنازة الفقيد، ولم يسمح للمعزين بالعزاء في منزله، وراح الوالد الكريم يشكرني ويدعو لي دعواته المباركات التي ما زلت أتبرك بها، ولو أني قلت له إنه واجب العزاء هو فرض واجب الأداء، فإذا ما قصرت فيه أنا أو أي مصري كان في ذلك تنكر وعدم وفاء.
إخواني.. أي نعم.. إخواني.. أيها الإخوان المسلمون.. أنتم إخواني وطنًا وجنسًا، بل إخواني نفسًا وحسًّا، بل أنتم لي إخوان ما أقربكم إخوانًا في الوطنية.. إخواني إيمانًا، ولما كانت الوطنية من الإيمان فنحن إذن إخوان في الله الواحد المنان، وإذا ما ذكرتم اليوم الفضيلة في قبرها فاذكروا أيضًا ما كان بذكراه هو على الدوام إذ يذكر الحرية في سجنها.
فلنطالب إذن بتحرير بلادنا وتحرير أولادنا المساجين المساكين فإن في الإفراج عنهم عزاءً وجزاءً في وقت معًا".
في الإسماعيلية ... أراد بعضهم أن يُحدث فتنةً بين الإخوان والمسيحيين في مطلع الدعوة- والإمام البنا مدرس في الإسماعيلية- فكتب عريضةً بتوقيع"مسيحي"... ذكر فيها أن "المدرس المسلم المتعصِّب حسن البنا يرأس جماعةً متعصبةً اسمها (الإخوان المسلمون)، وأنه يهين ويضطهد التلاميذ المسيحيين، ويفضل التلاميذ المسلمين عليهم، وطالب كاتب العريضة المسئولين بنقل هذا المدرس المتعصب بعيدًا عن الإسماعيلية حتى لا تكون فتنة.
وحُوِّلت هذه العريضة على ناظر المدرسة، فاستاء المسيحيون منها جدًّا، وجاء وفدٌ منهم إلى المدرسة معلنًا استنكاره (على رأس هذا الوفد راعي الكنيسة الأرثوذكسية) وكتب كثيرٌ من أعيان الأقباط- وكذلك الكنيسة "بختمها" وتوقيع راعيها- عرائضَ وخطابات استنكار، وأرفقها الناظر بتقريره الذي ختمه بقوله: أرجو وزارة المعارف ألا ترهقنا بمثل هذه المجهولات، وأن تحقق فيها بمعرفتها، بعد أن ثبت أنها جميعًا أمورٌ كيديةٌ لا يُراد من ورائها خير.
في قنا بالصعيد... حينما نُقل حسن البنا سنة 1941م إلى "قنا" بصعيد مصر؛ نتيجة ضغط الإنجليز على حسين سري باشا- رئيس الوزراء- تسابَق كثير من المنافقين ودعاة الفتنة إلى نشر إشاعة بين الأقباط في قنا، تصور حسن البنا والإخوان المسلمين مبغضين للأقباط.. عاملين على الإضرار بهم.. فكيف قضى الإمام البنا على هذه الفِرية؟!
الجواب في السطور الآتية من رسالة بعث بها حسن البنا من قنا إلى والده- رحمه الله- بالقاهرة "جمعية الإخوان بقنا تسير بخطًى موفقةٍ، وكانت عندنا بالأمس حفلةٌ كبيرةٌ دعونا إليها كل الطائفة القبطية وعلى رأسها المطران، وأقبلوا جميعًا لم يتخلف منهم أحد، وكانت صفعةً قويةً لمنافقي المسلمين الذين يتزلفون إلى هؤلاء بالفتنة، ولقد كنت صريحًا جدًّا- في لباقة- وأنا أبسِّط فكرة الإخوان بصورة حازت إعجاب الجميع، والحمد لله، وكل شيء على ما يرام".
"خريستو".. وكيل حسن البنا... حينما رشَّح نفسه في الانتخابات النيابية سنة 1944م في عهد وزارة أحمد ماهر باشا عن دائرة الإسماعيلية كان وكيله في لجنة "الطور"- التابعة لدائرة الإسماعيلية- يونانيًّا مسيحيًّا متمصِّرًا يُدعى "الخواجة باولو خريستو" وكانت هذه اللفتة مثارَ سخريةِ قادة الحزب السعدي الحاكم، وخصوصًا أحمد ماهر باشا، ومحمود فهمي النقراشي باشا.
زيارات وشهادات... كان المسيحيون- على مستوى مصر كلها- يَشعرون بروح الودِّ والسماحة المتبادلة بينهم وبين الإخوان، وخصوصًا في المناسبات الدينية، وحرص الإخوان على أن ينشروا في صحفهم أخبار هذه الزيارات، ومثال ذلك الخبر التالي المنشور في صحيفة (الإخوان) بتاريخ 10/11/1946م.
"زار نيافة مطران الشرقية والمحافظات دار الإخوان المسلمين بالزقازيق يوم عيد الأضحى سنة 1365هـ للتهنئة بالعيد، وأذاع نيافته نشرةً مطولةً بعنوان (هدية العيد) تدور حول معنى الاتحاد رمز الانتصار، وقال في آخرها: أشكر جمعية الإخوان؛ لأنهم إخوان في الشعور.. إخوان في التضامن.. إخوان في العمل".
الأديان الثلاثة في منزل... وأطرف هذه الوقائع كلها، وكانت أواخر سنة 1927م ننقلها بالنص من مذكراته".. بعد أربعين يومًا من نزولنا إلى الإسماعيلية، لم نسترِحْ للإقامة في البنسيونات، فعوَّلنا على استئجار منزل خاص، فكانت المصادفة أن نجد دورًا أعلى في منزل استؤجر دوره الأوسط لمجموعةٍ من المواطنين المسيحيين اتخذوا منه ناديًا وكنيسةً، ودوره الأسفل (الأرضي) لمجموعة من اليهود اتخذوه ناديًا وكنيسةً، وكنا نحن بالدور الأعلى نقيم الصلاة، ونتخذ من هذا المسكن مصلًّى.. فكأنما كان هذا المنزل يمثل الأديان الثلاثة، ولست أنسى "أم شالوم" سادنة الكنيسة، وهي تدعونا كل ليلة سبت لنضيء لها النور، ونساعدها في "توليع وابور الجاز"، وكنا نداعبها بقولنا: إلى متى تستخدمون هذه الحِيَل التي لا تنطلي على الله..؟! وإن كان الله قد حرَّم عليكم النور والنار يوم السبت- كما تدَّعون- فهل حرَّم عليكم الانتفاع أو الرؤية؟ فتعتذر وتنتهي المناقشة بسلام".
رسالة إلى البطريرك
الى صاحب الغبطة الأنبا يؤنس ( بطريرك الأقباط الارثوذكس بمصر ) رئيس لجنة مساعدة الحبشة.
بكل احترام، يتشرف رئيس لجنة مساعدة فلسطين بجمعية الاخوان المسلمين بأن يرفع الى غبطتكم هذا الرجاء الحار، يحفزه اليه ما يعهده فى غبطتكم من أسمى عواطف الرحمة النبيلة والبر والإنسانية المعذبة، تلك العواطف التى حدت بكم الى تجشم المتاعب فى سبيل مساعدة الحبشة.
وتعلمون ياصاحب الغبطة أن فلسطين الشقيقة العزيزة مهد الشرائع والأنبياء، قد بطشت بها القوة الغاشمة، فانسالت دماء ابنائها من المسلمين والمسيحيين على السواء، وخربت ديارهم، وعطلت مصالحهم وقضت على موارد ارزاقهم، وأن بيت المقدس هو بيت القصيد من هذا العدوان الصارخ. ويحاول اليهود بعملهم هذا أن يستولوا عليه، وعلى غيره من الاماكن المقدسة، التى أجمع المسلمون والمسيحيون على تقديسها وإكبارها والذود عنها.
ونحن فى مصر مع الاسف الشديد لا نملك الا أن نقدم ما تسخو به الأكف من مال لمساعدة هؤلاء الابطال الذين المت بهم الفاقة.... ومن أجل ذلك توجهنا الى غبطتكم، راجين أن تشملوا هؤلاء المجاهدين بعطفكم الأبوى، فتأمروا بامداد ابناء فلسطين بإرسال ما تبقى من اموال لجنة مساعدة الاحباش الى اللجنة العربية العليا بالقدس...
وإذا رأيتم فضلاً عن ذلك أن تتكرموا بدعوة المحسنين من المصريين بالتبرع لهذا الغرض النبيل، فهو العهد بكم والمأمول فيكم، وكان لكم الشكر مضاعفاً.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
المخلص... حسن البنا
********************
يقول الدكتور حسان حتحوت فى مقالة له نشرتها مجلة الامة القطرية ( عدد 55 - رجب 1405 ) تحت عنوان ( تهمة التعصب) :
" فماذا عن قنا ؟ البداية حفل كبير زاخر، على رأسه علماء المسلمين وقسس الاقباط.... وعلى ذكر قسس الاقباط، فان كثيرين يحاولون أن يلصقوا بالرجل ودعوته تهمة التعصب ضد النصارى، أو التفرقة بين عنصرى الأمة، ويشهد الله ومن حضر من الصادقين أن العكس هو الصحيح، فلم يكن الرجل داعية بغض ولا تفرقة، وكان يبرهن ان الدعوة لتطبيق الشريعة الاسلامية لا يمكن أن تكون للأقباط، لأنها ستطبق علينا وعليهم على السواء، وأنها لا تصادر نصرانية النصرانى.....
وقد وجدت دعوة الرجل صداها وتصديقها لدى ذوى الفهم من المسلمين والأقباط...
ويكفى أن أذكر بأن الاستاذ ( لويس فانوس ) من زعماء الاقباط كان من الزبائن المستديمين لدرس الثلاثاء الذى يلقيه حسن البنا، وكانت بينهما صداقة وطيدة.
وان حسن البنا عندما تقدم مرشحا لانتخابات البرلمان كان وكيله الذى يمثله فى مقر إحدى اللجان الإنتخابية رجلا قبطياً.
وأن البنا لما اغتيل ومنعت الحكومة أن يشيع فى جنازة، لم يمش وراء نعشه الا رجلان هما والده ومكرم عبيد السياسى النصرانى.
وأذكر اننا كنا ونحن طلاب نزور جمعيات الشبان المسحية لنتحدث عن موقف الاسلام من النصرانية، فنخرج وقد شعرنا أنهم اقرب الناس مودة.
وشهادة ثانية
شكل مكتب ارشاد الجماعة لجنة سياسية عليا برئاسة وكيل الجماعة وعضوية سكرتير الجماعة وعضو من أعضاء مكتب الأرشاد، 9 أعضاء آخرون منهم ثلاثة من كبار الاقباط هم الاستاذ وهيب بك دوس المحامى والاستاذ لويس فانوس عضو مجلس النواب والاستاذ كريم ثابت الصحفى الكبير "
وثالثة
ارسل الامام حسن البنا رسالة تهنئة الى توفيق دوس بمناسبة إنتخابه عضوا فى مجلس الشيوخ المصرى، رد عليها دوس بتهنئة بمناسبة صدور جريدة " الاخوان المسلمون " اليومية وتأكيده على نزعة الإخوان القومية ..
ورابعة
رد توفيق غالى من اقباط مصر على مقالات لسلامة موسى فى عهد الأمام حسن البنا، اتهم فيها موسى الإخوان بأنهم يثيرون الفتن الطائفية. وقد أكد توفيق غالى فى رده : " انى أعترف بأنهم " الاخوان المسلمون " اشرف الجماعات مقصداً، وأنبلهم خلقا، ولن أقدم دليلا إلا أن شعبتهم يجاورها المسيحيون من كل جانب، ومع ذلك لم نر منهم الا كل أدب وتقدير لإخوانهم المسيحيين، وان شعبتهم بقسم الصيادين الزقازيق تجاور الكنيسة ولا ينظرون اليها إلا بكل احترام ".
********************
ولم تتوقف هذه السياسة بعد استشهاد الامام حسن البنا، بل التزم بها الإخوان المسلمون دينا وأصلاً، فكان مرشدونا الامناء حسن الهضيبى وعمر التلمسانى ومحمد حامد ابو النصر على نفس السياسة ونفس المنوال...
ففى كتاب " حسن الهضيبى الامام الممتحن " ذكر الاستاذ جابر رزق رحمه الله تحت عنوان " مع خلطائه المسيحيين " :
" وكانت باكورة ولايته القضاء فى مدينة جرجا من صعيد مصر، حيث تعلو فى الطبقة المثقفة نسبة المسيحيين الذين تهىء لهم مراكزهم وثقافتهم الإختلاط بقاضى المدينة ونظرائه من كبار الموظفين...
فإذا بهم يلتفون حوله، ويحيطونه بفيض من مشاعر الحب والتقدير، ويعلنون أنهم يحسدون عليه إخوانهم المسلمين، ويتمنون لو كان فى طائفتهم مثله "
********************
نشرت مجلة " الدعوة " فى عددها الرابع عشر الصادر فى شعبان 1397 هـ، تحت عنوان : " واين نصيبنا من هذا الحب " السطور التالية لمرشدنا الراحل عمر التلمسانى رحمه الله :
" إن القول بأن الإخوان يقوم تشكيلهم على اساس دينى يسبب الفرقة، قول يرده الواقع، ويدحضه الكثير من الحجج والبراهين:
أولاً : : الأمة المصرية تتكون من ديانتين اساسيتين، الإسلام والمسيحية، وبلغ التسامح الدينى بالأغلبية المسلمة أن كان من رؤسائها ووزرائها مسيحيون، كان يرأس مجلس النواب مسيحى..."
رابعاً : قامت جماعة الإخوان عام 1928 م، فلم يثبت فى تاريخها يوما من الأيام أنها دعت الى فرقة، أو هتفت بعنصرية دينية، أو نادت بحرمان غير المسلمين مما يستمتع به المسلمون، بل كان القسس يحضرون احتفالاتها، ويلقون فيها كلماتهم من وجهة نظرهم لا من وجهة نظر الإخوان المسلمين، ولم يعترض عليهم أو يقاطعهم أحد.
خامساً : كيف يكون التشكيل الرسمى للإخوان مدعاه الى التفريق بين أفراد الامة وهم لا يحرمون على مسيحى أن يبتنى كنيسة، أو أن يشتغل بوظيفة، أو أن يؤدى شعائره الدينينة آمناً مطمئناً، وإذا طالب المسيحيون بحزب مسيحى، فما الخوف من ذلك ؟ اليس هذا واقع الأمة فعلاً : مسلمون ومسيحيون، وكل ينادى بصلاحية دينيه وإصلاح المجتمع ؟... "
********************
من تصريحات المرشد الأسبق
السيد محمد حامد ابو النصر :
س - العلاقة مع الأقباط تشغل بال كثيرين لدرجة أن عدداً من أحزاب المعارضة بدأ يتسابق للحصول على أصواتهم، هل تتصورون تعاوناً بين "الإخوان" والأقباط في الانتخابات?
ج - علاقاتنا بالأقباط كانت ومازالت طيبة، على مدى السنوات السبعين الماضية، منذ نشأة الجماعة، لم يقع أي حادث يعكر صفوها، وكان للإمام حسن البنا مستشارون من الأقباط وكان عدد من الأقباط يحرص على حضور محافل الجماعة ، وحين أبعد الإمام البنا إلى قنا كتب القساوسة هناك مذكرات إلى الحكومة تنصفه.
س - هل توافقون على إنشاء الأقباط حزبا سياسيا خاصا بهم?
ج - الحزب السياسي أهم أهدافه الوصول إلى السلطة والحكم بمقتضى منهج، فهل تعتقد أن الأقباط وهم نحو خمسة في المائة من أبناء مصر يسعون إلى ذلك ? إن مثل هذه الادعاءات ظهرت في الفترة الأخيرة لتبرير محاربة الجماعة والواقع يكذب هذه الادعاءات، فمع حرية إنشاء الأحزاب لم يفكر الأقباط في إنشاء حزب في الأربعينات حين كانت الجماعة منتشرة في كل أنحاء مصر، ومع ذلك نرحب بحزب للأقباط إذا شاءوا.
الحياة 4 سبتمبر 1995
********************
تجربة الأحزاب الدينية
* ما هو رأيكم فيما يقال بأن السماح بقيام أحزاب دينية سيؤدي إلي تهديد الوحدة الوطنية والسلام الإجتماعي بل وتحويل مصر الآمنة الي لبنان جديدة ؟
** هذا قول غير صحيح، ومن الخطأ أن نقيس مصر علي لبنان، وتجربة الأحزاب الدينية موجودة في كل العالم، ولقد سمحت انجلترا بقيام حزب إسلامي، كما سمحت روسيا بقيام حزب إسلامي أيضا، وغيرها كثير من بلدان العالم، فإذا انتقلنا الي عالمنا العربي سنجد تجربة الاردن واليمن حيث سمح للإخوان هناك بتكوين حزب ولم يقل أحد أن الاردن او اليمن تحولت او ستتحول الي لبنان.
إن التاريخ خير شاهد علي العلاقة بين الإخوان المسلمين والأقباط في مصر، حيث لم تسجل حالة إعتداء واحدة قام بها احد الاخوان المسلمين ضد أحد الاقباط، كما أن قضايا مايسمي بالفتنة الطائفية لم تشر الي اي أحد من الاخوان والحمد لله، وعلاقتنا بالاقباط تنطلق من ديننا الحنيف الذي يوضح في القرآن الكريملا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين.
تطبيق الشريعة
- يري البعض أن تطبيق الشريعة الاسلامية لايتناسب مع مجتمع يضم اقليات غير مسلمة.. فضلا عن ان تطبيق الشريعة في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة أمر مستحيل.
-- هذه رؤية مردودة فالمجتمع المسلم منذ انشأه النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته من بعده وهو يضم اقليات غير اسلامية عاشت في كنف الدولة الاسلامية في جو من التراحم والتسامح، وكنائس المسيحين ومعابد اليهود في بلاد المسلمين خير شاهد علي حماية الاسلام للاقليات.
اما القول بان تطبيق الشريعة في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة امر مستحيل فهو خطأ فادح اختلف معه، اذ ان الاسلام لم يأت ليطبق علي الاغنياء دون الفقراء، كما ان تطبيق الاسلام كما بشرنا الله سبحانه وتعالي سبب لكشف البلاء والفقر والازمات.
ولو أن اهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض
السياسى المصرى 22 /11/93
********************
من تصريحات المرشد الأسبق
الاستاذ مصطفى مشهور رحمه الله
ماذا حول ما اثير عن موقفكم من الاقباط وضرورة دفع الجزية وعدم دخولهم الى الجيش ؟
- الاخوان المسلمون يصدرون فى مواقفهم إزاء الفضايا المختلفة فى إطار ضوابط ومعالم واصول واضحة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين ذلك موقفهم من الإخوة الأقباط كمواطنين لهم حقوق وواجبات المواطنة.إضافة إلى ان مواقف الإخوان من قضايا العصر قد أكدتها ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى اليوم.. أى انها مسجلة.. واضحة.. لا غموض فيها.. ويهمنا فى هذا الإطار ان نوضح :
ان تفسير الآية القرأنية الواردة فى سورة التوبة بخصوص الجزية مستقر على انه خاص بمن حارب الإسلام والمسلمين، والإخوة المواطنون الاقباط فى مصر خارجو
امانة المفاهيم الصحيحة وصدق الممارسة العملية
" الاخوان المسلمون يصدرون فى مواقفهم إزاء القضايا المختلفة فى إطار ضوابط ومعالم واصول واضحة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين ذلك موقفهم من الإخوة الأقباط كمواطنين لهم حقوق وواجبات المواطنة.
إضافة إلى ان مواقف الإخوان من قضايا العصر قد أكدتها ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى اليوم.. أى انها مسجلة.. واضحة.. لا غموض فيها.. "
ولكن بعض الاقلام اللادينية عادة ما تنتهز أي مناسبة لشن الحملات المفتراه على مواقف المبدئية والثابتة للجماعة.
وقد تستخدم هذه الحملات أساليب سياسية رخيصة فطنت لها الجماعة منذ أيامها الأولى ، فعافتها فى كل أساليبها وردودها، لانها تستمد اسلوبها من اسلام طاهر نظيف....
واذا كانت الدعوة قد خبرت مثل هذه الحملات وعركتها طوال تاريخها الحافل، فإنها تقول لاصحاب هذه الحملات ما قاله مرشدها الشهيد الأمام حسن البنا "... وإما شخص ساء ظنه فينا وأحاطت بنا شكوكه وريبه، فهو لا يرانا الا بالمنظار الاسود القاتم، ولا يتحدث عنا الا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبى الا أن يلج فى غروره ويسدر فى شكوكه ويظل مع أوهامه، فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه، وأن يلهمنا وأياه الرشد. ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء، وندعو الله فيه وهو سبحانه أهل الرجاء، ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه فى صنف من الناس { إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } وهذا سنظل نحبه ونرجوفيئه الينا واقتناعه بدعوتنا، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا اليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل " اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون "
أجل " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون "، واجهت بها الدعوة خصومها من بنى جلدتها فى كل حملاتهم المدعمة بسطوة السلطان حيناً، وبأنهار الصحف ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة فى كل الأحيان، وبإنحياز ثابت وأصيل الى اصولها العقيدية وخياراتها الفقهية مهما كانت التبعات والصعوبات.
وفي السطور التالية نعرض لفهم الدعوة الأصيل فى قضية هذا البحث هذا الخصوص والذى يجىء كبقية مفاهيمها، اوضح من فلق الصبح لانه يستمد نوره من مشكاة الاسلام العظيم، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
قضية الموقف العام من الناس جميعاً
مسلمين وغير مسلمين
وهنا نبادر فنقول، إن موقفنا من هذه القضايا ومن غيرها ليس مجرد موقف انتقالي واختياري قائم علي الاستحسان، وإنما هو موقف منتسب الي الإسلام ملتزم بمبادئه صادر عن مصادره... وعلي رأسها كتاب الله تعالي والسنة الصحيحة الثابته عن نبيه صلي الله عليه وسلم، والاخوان المسلمون يرون الناس جميعا حملة خير، مؤهلين لحمل الأمانة والاستقامة علي طريق الحق، وهم لا يشغلون أنفسهم بتكفير أحد إنما يقبلون من الناس ظواهرهم وعلانيتهم ولا يقولون بتكفير مسلم مهما أوغل في المعصية، فالقلوب بين يدي الرحمن، وهو الذي يؤتي النفوس تقواها، ويحاسبها علي مسعاها.
ونحن الإخوان نقول دائما أننا دعاة ولسنا قضاة، ولذا لا نفكر ساعة من زمان في إكراه أحد علي غير معتقده أو مايدين به، ونحن نتلوا قوله تعالي : لا إكراه في الدين.
وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل...
إن ساسة العالم وأصحاب الرأي فيه يرفعون هذه الأيام شعار " التعددية " وضرورة التسليم بإختلاف رؤي الناس ومذاهبهم في الفكرو العمل.
والاسلام، منذ بدأ الوحي الي رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتبر إختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية، ويقيم نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي علي أساس هذا الاختلاف والتنوع " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"،
والتعددية في منطق الإسلام تقتضي الاعتراف بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر فيما يجري علي يديه من حق وخير ومصلحة... ذلك أن " الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها "
لذلك يظلم الاسلام والمسلمين أشد الظلم من يصورهم جماعة مغلقة منحازة وراء ستار يعزلها عن العالم، ويحول بينها وبين تبادل الأخذ والعطاء مع شعوبه... والإخوان المسلمون يؤكدون - من جديد - التزامهم بهذا النظر الإسلامي السديد الرشيد... ويذكرون أتباعهم والآخذين عنهم، بأن علي كل واحد منهم أن يكون - فيما يقول ويعقل - عنوانا صادقا علي هذا المنهج... يألف ويؤلف... ويفتح قلبه وعقله للناس جميعا ... لا يستكبر علي أحد... ولا يمن علي أحد... ولا يضيق بأحد... وأن تكون يده مبسوطه الي الجميع بالخير والحب والصفاء، وأن يبدأ الدنيا كلها بالسلام... قولا وعملا ... فبهذا كان رسولنا صلي الله عليه وسلم إمام رحمة ومهداه الي العالمين... وبهذا وحده يصدق الانتساب اليه صلي الله عليه وسلم والي الحق الذي جاء به..ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك،وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون.
الإخوان المسلمون
القــــاهرة في :30 من ذي القعدة 1415 - 30 من ابــــــريل 1995
الوحدة الوطنية
أباحت الشريعة الاسلامية لغير المسلمين حرية العقيدة والعبادة وإقامة الشعائر، وحرية الاحوال الشخصية وعملت علي صيانة ذلك الي ابعد مدي.
وتؤكد رسائل الامام البنا وكتابات الاخوان عامة علي هذا المفهوم كما تعمل علي تعميقه بين الناس من منطلق القاعدة التي اتفق عليها الفقهاء قديما : لهم مالنا وعليهم ما علينا.
وتعتبر علاقة الاخوان بالنصاري قديماً وحديثاً نموذجاً فريداً وطرازاً متميزاً يدل علي الصلة القوية بينهم، ولم يحدث يوماً ما من الممارسات ما يعكر صفو هذه العلاقة، ولعلنا نذكر كيف طالب بعض القساوسة من قنا جنوب مصر في الاربعينات رئيس وزراء مصر في هذا العهد بتطبيق الشريعة الاسلامية بعد ان استمعوا الي محاضرة للامام البنا هناك حول مزاياها وما تتضمنه من حقوق وأمن واستقرار لغير المسلمين.
ويري الاخوان ان المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث..." طبقا لعقيدة كل مواطن.
وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الاخوان ان للنصاري حق في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء.
ويتكون النسيج الاجتماعي في بعض دولنا من مجموعات من الطوائف الدينية والعرقية، وتنظر الجماعة إلى هذا التنوع على أنه عامل قوة وغنى، وليس عامل تفتيت.
ولقد أقر الإسلام في إطار الثوابت العامة التي رسمها للإنسانية حقيقة المساواة بين بني البشر، هذه المساواة التي تقرر وحدة (الجوهر) الإنساني، فتسقط بذلك كل نظريات الأجناس والأعراق والألوان، لتكرس مكانها المساواة بين بني الإنسان.
(أيها الناس إن ربكم لواحد، وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى.).. رواه أحمد وأبونعيم في الحلية، والطبراني في الأوسط والبزار، وقال الهيثمي رجال البزار رجال الصحيح.
ومن المساواة في جوهر الإنسانية، ننتقل إلى المساواة في الحقوق المدنية العامة، التي تتيح للإنسان ضمن النظام السياسي العام، أن يتمتع بكافة الحقوق المدنية.
وتبقى مقولة (لهم مالنا وعليهم ما علينا).. سنة ماضية يسوس الإسلام بها كل من ارتضى أن يعيش بين جناحيه مما يعرف بالتعبير المعاصر بالأقليات..
يقول الأستاذ البنا رحمه الله:
(وموقفنا من إخواننا المسيحيين في العالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وهم شركاء في الوطن، وإخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر بهم، والتعاون معهم على الخير، فرائض إسلامية لا يمتلك المسلم أن يستخف بها أوأن يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك، أوفعل غير ذلك فنحن براء منه ومما يقول، ومما يفعل)
" بيان للناس – رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ".
والجماعة تؤكد ان أن موقفها المبدئي من المواطنين غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية المختلفة كما سبق أن أوضحته هو موقف مبدئى ثابت مفروض على المسلمين بموجب إسلامهم وإيمانهم مؤكد بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة (قولية وعملية) وهذا الموقف يتلخص فى النقاط التالية :
هم جزء من نسيج مجتمعاتنا.
هم شركاء الوطن والمصير.
لهم مثل ما لنا وعليهم مثل ما علينا.
حرية الاعتقاد والعبادة محترمة للجميع، والتعاون فى كل ما يخدم الوطن ويحقق الخير لكل المواطنين أمر لازم.
الحرص على روح الأخوة التى ظلت تربط على مدى القرون بين أبناء الوطن الواحد جميعا وإشاعة الأصول الداعية إلى المحبة والمودة.
- ويري الاخوان أن المواطنة أوالجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث..." طبقا لعقيدة كل مواطن.
وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الاخوان ان للمواطن غير المسلم الحق في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء.
وعلى التفصيل.. فموقف الإخوان من الإخوة المسيحيين في العالم الاسلامي موقف واضح وقديم ومعروف... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أويتهاون في أخذ نفسه بأحكامها.
ولأن نصوص القرآن والسنة الشريفة تأمر المسلمين بأنه ( لا إكراه في الدين) (سورة البقرة 256)، وبتأمين غير المسلمين أصحاب الكتب السماوية السابقة على دين الإسلام، خاصة اليهود والنصارى الذين يعيشون مواطنين في الدولة الإسلامية، كما أن هذه النصوص تكفل لغير المسلمين فضلا عن حرية الإعتقاد، حرية الرأي، وترفض إجبارهم على التعامل بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، وتتركهم يتعاملون طبقا لأحكام الشرائع التي يدينون بها، فهم يتزوجون طبقا لها زواجا معترفا به لدى الدولة المسلمة، ولدى المجتمع المسلم، تثبت به الأنساب التي يستحق بها الميراث، كما لا يلزمهم ما يلزم المسلم من المحرمات في المأكل والمشرب، ما دامت غير محرمة عليهم في دينهم..
كما أن النصوص الإسلامية تبيح للمسلمين التعامل معهم مادام المسلم ملتزما في ذلك بأحكام الشريعة الإسلامية..
كما أنها لا تفرق بينهم وبين المسلمين في حق تملك العقارات والمنقولات وجميع أنواع الأموال، والإشتغال بالمهن المختلفة، كالطب والهندسة والزراعة والتجارة…إلخ.
كذلك تجعل من حقهم تولى مختلف الوظائف التي لا تتصل بالعمل بأحكام الشريعة الإسلامية التي لا يدينون بها، بل وتتركهم يتحاكمون إلى أصحاب الإختصاص والفقه في شريعتهم فيما قد يقع بينهم من اختلاف وقضايا، ولا ينظر القاضي المسلم في هذه القضايا والنزاعات، ولا يحكم إلا إذا رفعوا هم أمرهم إليه…
وقد عاش أصحاب هذه الديانات غير الإسلامية في الوطن الإسلامي في أمان على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وجميع حرماتهم، وباستثناء حالات فردية، والتاريخ لا يثبت وقوع حالات اضطهاد عامة أومظالم شاملة على غير المسلمين.
وفي ضوء هذه القواعد فإن الإخوان المسلمين يحددون موقفهم من هذه القضية على أساس النقاط التالية :
1- لا إكراه في الدين ولكل فرد الحق في ممارسة شعائره الدينية وفق الضوابط العامة للمجتمع.
2- التكافؤ في فرص الحياة، والمساواة الكاملة أمام القانون حق مطلق لجميع المواطنين دون تفرقة بسبب يرجع إلى العرق أواللون أواللغة أوالدين.
3- الأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شرائعهم، إلا إذا آثروا هم أن يتحاكموا فيها إلى شريعة الإسلام.
4- تسليم غير المسلمين بحق الأغلبية المسلمة في أن تحكم بشرع الله .
5 – ترى الجماعة أن قواعد العيش المشترك في المجتمع أربعة:
الأولى: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه: وهوبالنسبة لنا كمسلمين مسألة شرعية، تشمل الاختلاف الديني والسياسي، حسب التقسيم المعاصر.
لقد أتاح الله تعالى للإنسان حريّة الاختيار بين الإيمان والكفر، ومع ذلك لم يحرم الكافر ممّا أعطاه لمن يؤمن به، لكنّه بيّن له أنّ الإيمان هوالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ودعاه إلى ذلك ورغّبه فيه، (لا إكْرَاهَ في الدِّين،ِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ، فمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغوتِ وَيُؤْمنْ باللَّهِ فَقَدْ استمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثقَى، لا انفصَامَ لَها واللَّهُ سَميعٌ عَليم) سورة البقرة الآية 256.
إنّ هذه الحرّية الواسعة لجميع الناس كي يختاروا ما يريدون، حتّى بالنسبة للإيمان والكفر، تستلزم حتماً الاعتراف بنتائجها، والتعامل معها وفق الضوابط الشرعية. وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا معنى أصلاً للحرّية.
الثانية: الأخلاق: وهي في نظر الإسلام قيم مطلقة يتعامل بها الإنسان مع الموافق والمخالف، لا تتأثّر باختلاف الدين، ولا بوسائل الإنتاج، ولا بأيّ اعتبار آخر. الأخلاق ليست أسلوب تعامل المسلم فقط مع من يحب، ولا مع أبناء عشيرته أوقوميّته أودينه، إنّها أسلوب التعامل مع الناس جميعاً. هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع المشركين في مكّة ومع اليهود في المدينة، حتّى كانت أعظم صفة مدحه بها ربّه قوله عزّ وجلّ: (وإنّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم) سورة القلم الآية4. والعيش المشترك في مجتمع واحد بدون أخلاق لا يمكن أن يقوم ويثبت ويترسّخ، والأخلاق عندنا تنبثق من الدين، ومن رسالاته السماوية.
الثالثة: العدالة: وهي أهمّ القيم الإنسانية على الإطلاق.. من أجل تحقيقها أرسل الله الرسل بالبيّنات: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالميزَانَ لِيَقومَ النَّاسُ بالقِسْطِ) سورة الحديد الآية 25. الكتاب هومصدر العدالة. والميزان هووسيلة تحقيقها، لأنه يعني التوازن بين الحقوق والواجبات، وهوما ينبغي أن تسعى إليه السلطات القائمة من خلال قوانينها التفصيلية، أومن خلال أحكامها القضائية.
هاتان القاعدتان (الأخلاق والعدالة) هما اللتان أشار الله تعالى إليهما في الآية الكريمة: (لا يَنْهاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذينَ لَمْ يُقَاتِلوكُمْ فِي الدّين،ِ وَلَمْ يُخْرِجوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، أَنْ تَبَرّوهُمْ وتُقْسِطوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) سورة الممتحنة الآية 8.
الرابعة: التعاون: لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون فيه الناس لتحقيق المصالح المشتركة. وقد بيّن الله تعالى أنّ التعاون مطلوب حتّى مع المشركين (.. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا، وتَعَاوَنوا علَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوَانِ..) سورة المائدة الآية 2.
********************
الإخوان والأقباط ... نموذجا
الأقباط في فكر الإمام البنا
عندما نتحدَّث عن الأقباط ورؤية الإمام البنا لهم يجب أن نفهم أن الرجل كان مؤسِّسًا لفكرة، وحسب المؤسس اكتشاف الأصول والذود عنها وإماطة اللثام عما غاب منها، فقد كان التيار الإسلامي في ذلك الوقت كما يقول المستشار طارق البشري يرى نفسه في مرحلة تاريخية تستوجب منه ترسيخ المبادئ العامة وليس في مرحلة معالجة الفروع.
وبالتالي ما قدَّمه الإمام البنَّا عن الأقباطِ أو قضايا أخرى كثيرة كان محكومًا بهذا المنطق ولا ينفك عنه، حيث بثَّ فكرته عن الأقليات في صورة متفرقات.. مؤتمر.. موعظة.. رسالة.. مقالة.. في قرية.. أو مظاهرة وبأسلوبه الخاص الذي يخاطب به الجميع، وبالفهم الذي ساد في عصره، ووفق ما هو متعارفٌ عليه بين مجتهدي زمانه.
لا طائفية في الإخوان
ففي رسالة إلى الشباب يقطع الإمام أي توجه طائفي للجماعة قائلاً:
إن الإسلام عُني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان كما أنه جاء لخير الناس جميعًا ورحمة من الله للعالمين، وحرَّم الاعتداء حتى في حالات الغضب والخصومة، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدُهم وأديانهم، وإنصاف الذميين وحسن معاملتهم، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا.. نعلم كل هذا فلا ندعو إلى تفرقة عنصرية ولا إلى عصبية طائفية.
ويرى في رسالة "دعوتنا في طور جديد"، وأما دعوتنا عالمية فلأنها موجهةٌ إلى الناس كافة؛ لأن الناس في حكمها أخوةٌ أصلهم واحدٌ وأبوهم واحدٌ ونسبهم واحدٌ، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، وبما يقدِّم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ" (النساء: من الآية 1)، فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا تشجيع عصبية الأجناس والألوان، ولكننا ندعو إلى الأخوة العادلة بين بني الإنسان".
وقد أرسل الإمامُ البنا خطابًا إلى محمد محمود باشا- رئيس وزراء مصر عام 1938م يطلب منه تطبيق الشريعة الإسلامية ومنع الحفلات الخليعة وأداء الفرائض ثم قال: قد يقال إن في الأمة عنصرًا ليس مسلمًا ولا يرضى حكم الإسلام، وجواب ذلك مدفوعٌ بالواقع؛ فقد عاش هذا العنصر الإسلام قرونًا عدة، فلم يَرَ إلا العدلَ الكاملَ والإنصافَ الشاملَ، ولا تزال كلمة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لأميره على مصر مدويةً في الآذان على كل لسان: "يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".
ثم كرَّر الطلب في خطاب بعث به إلى وزير الحقانية أحمد خشبة مفندًا أيَّ انتقاص من حقوق أهل الكتاب تحت زعم أن في مصر عناصرَ غيرَ إسلاميةٍ إن حُكِمت بأحكام الإسلام كان ذلك متنافيًا مع حرية الدين التي كفلها الدستور للمواطنين، وإن حُكِمت بغيرِ أحكام الإسلام كان ذلك نوعًا من الامتياز البغيض الذي حمدنا الله على التخلص منه.
هذه الشبهة مردودةٌ بجزئياتها لأن غير المسلمين إن عوملوا بتعاليم الإسلام لم يكن في ذلك اصطدامٌ بحرية الدين، لأن الحرية المكفولة هي حرية العقيدة وحرية العبادة والشعائر والأحوال الشخصية.
أما الشئون الاجتماعية فهي حق الأمة ومظهر سيادتها، فهم فيها تبع للأكثرية فإذا ارتضت أكثرية الأمة قانونًا في هذه الشئون الاجتماعية يصرف النظر عن مصدره، فهو قانونٌ للجميع، وإن عوملوا بحسب شرائعهم مع الاحتفاظ بحقوق الدولة كاملة معهم فليس في ذلك امتيازٌ يخيف.
والامام البنا هنا نراه يؤكد تمام تسليمه بالموقف الفقهي من الضمانة التعددية القضائية التي كفلتها أحكام الشريعة المبنية على احترام التمايز العقدي لطوائف الأمة وردهم لما يدينون عند الاختلاف بحسب ما تملي به عقائدُهم، ثم إلحاقهم بالمظلة القانونية والدستورية للأمة بكل ما يمثله هذا الإلحاق من مساواة ومشاركة وانتقال من سيادة الذمة الطائفية (إلى سيادة الدستور والمواطنة) الأغلبية والأقلية.
الإمام البنا والمواطنة
ومن بين الاتهامات الشائعة التي توجه للإمام الراحل أنه قد غاب عنه تأسيسُ موقف حازم من فكرة المواطنة، وأن مقولاته- والتي تتحدث عن أخوة العقيدة- هي تكريسٌ لوضعٍ طائفي يحرم غير المسلمين من الالتحام بإطار المواطنة الجامع، لأن ثمةَ تصنيفًا يترتب على ذلك يحول بين غير المسلم والوجود الفاعل داخل الوعاء القومي، وزاد بعضهم متهمًا البنا بأنه قدَّم أدبًا اقصائيًّا طائفيًّا يحرم الأقباط من إدارة شئون بلادهم مشاركةً لإخوانهم المسلمين وحرمانهم من التمتع بكل المزايا السياسية والاقتصادية التي كفلها الدستور لأي مواطن وإن الإخوان قد يهتفون لمسلم في باكستان ولا يعبأْون بجيرانهم من الأقباط.
وبداية ومن بديهيات التاريخ المعاصر يجب أن نسلم أن فكرة الجامعة الإسلامية أو أخوة العقيدة ليست فكرة البنا وحده، ولم يكن أول من أذاعها، حيث شاركه في ذلك الكثير أمثال جمال الدين الأفغاني ومصطفى كامل وخير الدين التونسي والكاتب المسيحي سليم البستان الذي كان من دعاة الدولة العثمانية، ويرى أنه لا مانعَ في ظل الوطنية أن يكون دين الدولة الإسلام.
ورصد هذه الحركة اللورد كرومر، حيث أشار في أحد تقاريره إلى وجود حركة وطنية في مصر ممتزجة بالحركة الإسلامية، ربما اقترب منها الوفدي الشهير حنا ويصا بتعبيره بقوله لا يوجد في دائرة الإسلام الواسعة ما يمنع التطور الوطني والجنس في دوائر أصغر.
والتحم بالفكرة أكثر الرمز القبطي الكبير مكرم عبيد: نحن مسلمون وطنًا ونصارى دينًا.
ويشرح الفكرة باستفاضة المفكر القبطي المعروف الدكتور يوسف خليل قائلاً: لا نستطيع من الوجهة الواقعية أن نتجاهلَ أثرَ الدين الإسلامي كقوةٍ محركةٍ لجمهرةِ الشعوب العربية حتى يومنا هذا، فالإسلام ليس مجرد دين وعقيدة، إنما قانون جامع لشئون الدين والدنيا معًا.. والقوة الموحدة في الإسلام لا تأتي من الانتماء إلى إيمان مشترك، بل ربما كان الأثر الأكبر فيها يرجع إلى التركيب الاجتماعي المشترك وإلى الأسلوب الواحد في الحياة اللذين يهيئهما الإسلام ... بل ويرى القرآن الكريم كحافظٍ للغةِ العربيةِ؛ لأنه كما يقول: لا يخص الإسلام والمسلمين وحدهم، بل هو تراث المسيحيين العرب أيضًا.
ومن ثم رأي المفكر المسيحي قسطنطين رزيق في كتاب الوعي القومي الصادر عام 1938م يجب على كل عربي إذن بصرف النظر عن معتقده الديني أن يدرس الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم من جهة أنه موحد العرب وجامع شملهم، حيث إن القومية الحقيقية لا يمكن بحال من الأحوال أن تتناقض مع الدين الصحيح.
والجامعة الإسلامية أو أخوة العقيدة في رأي البنا لا تنفك كثيرًا عن ما سبق من فهم لطبيعة الإسلام، حيث يراها إحدى دوائر النهضة الحضارية الاسلامية التي تضم دوائر الاستقلال الوطني وتحرير الأمة وبناء المجتمع الإسلامي الناهض، وقوامة الشريعة ثم القومية العربية بحسبانهما ضمير الإسلام ثم الجامعة الإسلامية وأستاذية العالم.
ويعرف الإمام البنا الجامعةَ الإسلاميةَ بأنها رابطةُ إخاء للأمة الإسلامية التي هي أمةٌ متعددة الأعراق واللغات والأديان، وأن غير المسلمين جزءٌ من الأمة الجامعة لكل من يقر لها بالولاية السياسية مهما كانت عقيدته...
لذلك لا حجة لمن يقول كما يرى: إن الأمة الواحدة من أمم الإسلام تضم عناصرَ مختلفةً تدين بغير دين الإسلام وبالتالي لا يوجد بين أفرادها إلا الجنسية القومية، والجواب على ذلك أن سماحة الإسلام وصلته تتسع لأبناء قومنا وإن كانوا على غير ديننا.. بل وإن تعاليم الإسلام تقضي على أبنائه أن يكونوا مع أهل التعاقد سواسية... بل وقدم الإسلام باعتباره من معاني قوميتهم مشيرًا إلى أن الأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة في كل تعاليم ديننا ويعتبرون الإسلام معنى من معاني قوميتهم وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم.
فالإمام في شروحاته لا مانع لديه من استيعاب صيغة المواطنة بكل معانيها، ولكن دون أن تكون مانعًا من الانضواء تحت مظلة الأمة الجامعة أو العروبة، حيث يجب ألا يحول دون ذلك سببٌ عرقيٌّ أو جغرافيٌّ أو دينيٌّ.
ويرى أن الوطنية والعروبة والإسلام دوائرُ تتلاقى ولا تتناقض إلا إذا كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتباغض، أو أراد أقوامٌ أن يتخذوا من المناداةِ بالقوميةِ الخاصة سلاحًا لهدم الشعور بما عداها، فالإخوان المسلمون ليسوا معهم.
أو أرادوا بالقومية إحياء عادات جاهلية درست وإقامة ذكريات بائدة خلت، ومن أجل ذلك يؤكد أن الإخوان لا يقولون (فرعونية) (وفينيقية) وما فيها من اعتزاز بالجنس، وفي كل الأحوال هم يتلاقون مع جوهر الوطنية الرحبة والانتماء السامي؛ لأن حبَّ هذه الأرض وألفتها أمرٌ مركوزٌ في فِطَر النفوس من جهة مأمورية في الإسلام من جهة أخرى وتقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد.
وليظل للمصريين والمصرية في دعوتنا مكانها ومنزلتها وحقها في الكفاح والنضال؛ لأن الإخوان أشد الناس لوطنهم إخلاصًا، وهم يعملون لمصر، ويفنون في جهادهم؛ لأنها أرض الإسلام وزعيمة أممه، ويتساءل : " كيف يقال إن الإيمان بالمصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعوَ إليه رجلٌ ينادي بالإسلام ويهتف بالإسلام.. إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب، عاملون له، مجاهدون في سبيل خيره وسنظل كذلك، وبالتالي يتحركون معتقدين أن هذه الوطنية هي الحلقةُ الأولى في سلسلةِ النهضةِ المنشودةِ وأنها جزءٌ من الوطن العربي العام، وكل هذه وحدات متلازمات تشد أزر بعضها البعض؛ لأننا حين نعمل لخير مصر نعمل للعروبة وللشرق والإسلام، وتلك هي المعادلة الحضارية التي تحكم فهم الإخوان.. فلا صدام بين الوحدات الثلاث، فالدين وثبةُ الوطن والعروبة ودوره الرقي بالروابط الطبيعية والاجتماعية والقطرية وإخراجها من حيزها الضيق لتكون جديرةً بالتلاحم بالروابط الأعلى حيث لا تنفصل ملحمة الأرض عن ملحمة السماء التي تظل للجميع ملهمةً، ومن العوامل المساعدة على البناء القومي ومصدر القوة والتماسك لتؤول في النهاية الجامعة الإسلامية إلى الجامعة البشرية ودار الإسلام إلى دار الإنسان،
يقول الامام البنا: "عني الإسلام باحترام الرابطة العامة بين بني الإنسان، كما أنه جاء لخير الناس جميعًا ورحمة للعالمين، وقيادة العالم إلى الخير ومناصرة الفضيلة ومقارعة الرزيلة واحترام المثل.
خبرة المعايشة
ومن المهم ونحن نسرد قطوفًا من أدبيات الإمام نؤكد أن هذه الأقوال لم تكن معزولةً عن الواقع المعيشي، حيث اختلطت به وتداخلت معه، وكانت مغزولة في الحركة والسلوك والعلاقات لا سيما إذا تفهمنا أن هذه الآراء صادرةٌ من جماعة حركيةٍ تفكر بقدر حركتها وتعطي بقدر ما يتحمل الواقع وبقدر ما يؤمِّن مسيرتَها، وبالتالي من المفيد استفراغ الخبرات الميدانية والسلوكية؛ لأنها ذات مؤشر دالٍ، ويجب ألا يغيبَ في أي وجهةٍ دراسيةٍ.
ففي ذكرى الإمام الشهيد نشر الرمز القبطي مكرم عبيد مقالةً بجريدة الإخوان – 13 فبراير1952 تعتبر من الوثائق والشهادات الهامة في حق دعوة الإخوان ومؤسسها يقول فيها:
"تفضلت مجلة الدعوة الغراء فطلبت إليَّ أن أكتب كلمةً في ذكرى الراحل الكريم الذي شاءت له رحمةُ الله أن يغادرَ هذه الدنيا إلى جوار ربه الرحمنِ الرحيمِ كما شاءت لنا نحن رحمةُ الله أن يظلَّ الراحلُ الذي فقدناه ماثلاً بيننا بذكراه وبدعواه..
وهل هذا الراحل الماثل إلا فضيلة المرشد المغفور له الشيخ حسن البنا؟
أي نعم.. فإذا كنتم أيها الإخوان المسلمون قد فقدتم أخاكم الأكبر الخالدَ الذكر، فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذي أسلم وجهه لله حنيفًا قد أسلم روحه للوطن عفيفًا.
حسبكم أن تذكروه حيًّا في مجده، كلما ذكرتموه ميتًا في لحده، وإذا كان الموت والحياة يتنازعان السيطرة في مملكة الإنسان ويتبادلان النصر والهزيمة فيتساويان، فالغلبة للحياة مع الذكرى، وللموت مع النسيان.. لهذا فالميت حي لديك إذا ذكرته والحي ميت إذا نسيته.
وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حيٌّ لدينا جميعًا في ذكراه.. بل كيف لا يحيى ويخلد في حياته رجلٌ استوحى الدين في هدي ربه وفي الدنيا وحي قلبه.
اذكروه أنتم أيها الإخوان ثم اذكروه، ففي ذكراه حياةٌ لكم، ومن ذا الذي يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحي الذي عرف في أخيه المسلم الكريم الصدقَ والصداقةَ معًا.. ولئن ذكرت فكيف لا أذكر كم تزاورنا وتآزرنا إبان حياته، ولئن شهدت فكيف لا أشهد بفضله بعد مماته، وما هي وايم الحق إلا شهادة صدق أُشهِد عليها ربي، إذ ينطق بها لساني من وحي قلبي، بل هي شهادة رجل يجمع بينه وبين الفقيد العزيز الإيمان بوحدة ربه، وبوحدة شعبه، والتوحيد في جميع الأديان المنزلة لا يكفي فيه أن توحد الله، بل يجب أن نتوحد في الله كما أن وحدة الوطن لا يكفي فيها وحدة أرجائه، بل يجب أن تتوافر لها قبل كل شيء وحدة أبنائه.
ولقد كان الإخوان المسلمون والكتلة الوفدية هما الهيئتين الوحيدتين اللتين تتبادلان الزيارة في دار الإخوان ونادي الكتلة، بل كان لي الحظ أن يزورني رحمه الله في منزلي، وأن نتبادل خلال حديثٍ طويلٍ المشاعرَ الشخصيةَ والوطنيةَ، وكنت أراه في حديثه أبعد ما يكون عن الشكليات والصغائر، مما جعلني أعتقد أنه رجل قلَّ مثيله بيننا في التعمق تفكيرًا وفي التنزه ضميرًا.
ولقد زرته- رحمه الله- إثر موته في منزله فكانت زيارةً لن أنسى ما حييت أثرَها الفاجعَ والدامعَ، ولقد هالني أن أجد قوةً من البوليس تحاصر الشارعَ الذي به منزل الفقيد، ولولا أن ضابط البوليس عرفني فسمح لي بالمرور لما تيسر لي أن أؤدِّي واجب العزاء، ولئن نسيت فلن أنسى كيف كان والده الشيخ البار متأثرًا بهذه الزيارة حتى إنه قصَّ علينا- والدمع يفيض من عينيه- كيف منعوا الناس من تشييع جنازة الفقيد، ولم يسمح للمعزين بالعزاء في منزله، وراح الوالد الكريم يشكرني ويدعو لي دعواته المباركات التي ما زلت أتبرك بها، ولو أني قلت له إنه واجب العزاء هو فرض واجب الأداء، فإذا ما قصرت فيه أنا أو أي مصري كان في ذلك تنكر وعدم وفاء.
إخواني.. أي نعم.. إخواني.. أيها الإخوان المسلمون.. أنتم إخواني وطنًا وجنسًا، بل إخواني نفسًا وحسًّا، بل أنتم لي إخوان ما أقربكم إخوانًا في الوطنية.. إخواني إيمانًا، ولما كانت الوطنية من الإيمان فنحن إذن إخوان في الله الواحد المنان، وإذا ما ذكرتم اليوم الفضيلة في قبرها فاذكروا أيضًا ما كان بذكراه هو على الدوام إذ يذكر الحرية في سجنها.
فلنطالب إذن بتحرير بلادنا وتحرير أولادنا المساجين المساكين فإن في الإفراج عنهم عزاءً وجزاءً في وقت معًا".
في الإسماعيلية ... أراد بعضهم أن يُحدث فتنةً بين الإخوان والمسيحيين في مطلع الدعوة- والإمام البنا مدرس في الإسماعيلية- فكتب عريضةً بتوقيع"مسيحي"... ذكر فيها أن "المدرس المسلم المتعصِّب حسن البنا يرأس جماعةً متعصبةً اسمها (الإخوان المسلمون)، وأنه يهين ويضطهد التلاميذ المسيحيين، ويفضل التلاميذ المسلمين عليهم، وطالب كاتب العريضة المسئولين بنقل هذا المدرس المتعصب بعيدًا عن الإسماعيلية حتى لا تكون فتنة.
وحُوِّلت هذه العريضة على ناظر المدرسة، فاستاء المسيحيون منها جدًّا، وجاء وفدٌ منهم إلى المدرسة معلنًا استنكاره (على رأس هذا الوفد راعي الكنيسة الأرثوذكسية) وكتب كثيرٌ من أعيان الأقباط- وكذلك الكنيسة "بختمها" وتوقيع راعيها- عرائضَ وخطابات استنكار، وأرفقها الناظر بتقريره الذي ختمه بقوله: أرجو وزارة المعارف ألا ترهقنا بمثل هذه المجهولات، وأن تحقق فيها بمعرفتها، بعد أن ثبت أنها جميعًا أمورٌ كيديةٌ لا يُراد من ورائها خير.
في قنا بالصعيد... حينما نُقل حسن البنا سنة 1941م إلى "قنا" بصعيد مصر؛ نتيجة ضغط الإنجليز على حسين سري باشا- رئيس الوزراء- تسابَق كثير من المنافقين ودعاة الفتنة إلى نشر إشاعة بين الأقباط في قنا، تصور حسن البنا والإخوان المسلمين مبغضين للأقباط.. عاملين على الإضرار بهم.. فكيف قضى الإمام البنا على هذه الفِرية؟!
الجواب في السطور الآتية من رسالة بعث بها حسن البنا من قنا إلى والده- رحمه الله- بالقاهرة "جمعية الإخوان بقنا تسير بخطًى موفقةٍ، وكانت عندنا بالأمس حفلةٌ كبيرةٌ دعونا إليها كل الطائفة القبطية وعلى رأسها المطران، وأقبلوا جميعًا لم يتخلف منهم أحد، وكانت صفعةً قويةً لمنافقي المسلمين الذين يتزلفون إلى هؤلاء بالفتنة، ولقد كنت صريحًا جدًّا- في لباقة- وأنا أبسِّط فكرة الإخوان بصورة حازت إعجاب الجميع، والحمد لله، وكل شيء على ما يرام".
"خريستو".. وكيل حسن البنا... حينما رشَّح نفسه في الانتخابات النيابية سنة 1944م في عهد وزارة أحمد ماهر باشا عن دائرة الإسماعيلية كان وكيله في لجنة "الطور"- التابعة لدائرة الإسماعيلية- يونانيًّا مسيحيًّا متمصِّرًا يُدعى "الخواجة باولو خريستو" وكانت هذه اللفتة مثارَ سخريةِ قادة الحزب السعدي الحاكم، وخصوصًا أحمد ماهر باشا، ومحمود فهمي النقراشي باشا.
زيارات وشهادات... كان المسيحيون- على مستوى مصر كلها- يَشعرون بروح الودِّ والسماحة المتبادلة بينهم وبين الإخوان، وخصوصًا في المناسبات الدينية، وحرص الإخوان على أن ينشروا في صحفهم أخبار هذه الزيارات، ومثال ذلك الخبر التالي المنشور في صحيفة (الإخوان) بتاريخ 10/11/1946م.
"زار نيافة مطران الشرقية والمحافظات دار الإخوان المسلمين بالزقازيق يوم عيد الأضحى سنة 1365هـ للتهنئة بالعيد، وأذاع نيافته نشرةً مطولةً بعنوان (هدية العيد) تدور حول معنى الاتحاد رمز الانتصار، وقال في آخرها: أشكر جمعية الإخوان؛ لأنهم إخوان في الشعور.. إخوان في التضامن.. إخوان في العمل".
الأديان الثلاثة في منزل... وأطرف هذه الوقائع كلها، وكانت أواخر سنة 1927م ننقلها بالنص من مذكراته".. بعد أربعين يومًا من نزولنا إلى الإسماعيلية، لم نسترِحْ للإقامة في البنسيونات، فعوَّلنا على استئجار منزل خاص، فكانت المصادفة أن نجد دورًا أعلى في منزل استؤجر دوره الأوسط لمجموعةٍ من المواطنين المسيحيين اتخذوا منه ناديًا وكنيسةً، ودوره الأسفل (الأرضي) لمجموعة من اليهود اتخذوه ناديًا وكنيسةً، وكنا نحن بالدور الأعلى نقيم الصلاة، ونتخذ من هذا المسكن مصلًّى.. فكأنما كان هذا المنزل يمثل الأديان الثلاثة، ولست أنسى "أم شالوم" سادنة الكنيسة، وهي تدعونا كل ليلة سبت لنضيء لها النور، ونساعدها في "توليع وابور الجاز"، وكنا نداعبها بقولنا: إلى متى تستخدمون هذه الحِيَل التي لا تنطلي على الله..؟! وإن كان الله قد حرَّم عليكم النور والنار يوم السبت- كما تدَّعون- فهل حرَّم عليكم الانتفاع أو الرؤية؟ فتعتذر وتنتهي المناقشة بسلام".
رسالة إلى البطريرك
الى صاحب الغبطة الأنبا يؤنس ( بطريرك الأقباط الارثوذكس بمصر ) رئيس لجنة مساعدة الحبشة.
بكل احترام، يتشرف رئيس لجنة مساعدة فلسطين بجمعية الاخوان المسلمين بأن يرفع الى غبطتكم هذا الرجاء الحار، يحفزه اليه ما يعهده فى غبطتكم من أسمى عواطف الرحمة النبيلة والبر والإنسانية المعذبة، تلك العواطف التى حدت بكم الى تجشم المتاعب فى سبيل مساعدة الحبشة.
وتعلمون ياصاحب الغبطة أن فلسطين الشقيقة العزيزة مهد الشرائع والأنبياء، قد بطشت بها القوة الغاشمة، فانسالت دماء ابنائها من المسلمين والمسيحيين على السواء، وخربت ديارهم، وعطلت مصالحهم وقضت على موارد ارزاقهم، وأن بيت المقدس هو بيت القصيد من هذا العدوان الصارخ. ويحاول اليهود بعملهم هذا أن يستولوا عليه، وعلى غيره من الاماكن المقدسة، التى أجمع المسلمون والمسيحيون على تقديسها وإكبارها والذود عنها.
ونحن فى مصر مع الاسف الشديد لا نملك الا أن نقدم ما تسخو به الأكف من مال لمساعدة هؤلاء الابطال الذين المت بهم الفاقة.... ومن أجل ذلك توجهنا الى غبطتكم، راجين أن تشملوا هؤلاء المجاهدين بعطفكم الأبوى، فتأمروا بامداد ابناء فلسطين بإرسال ما تبقى من اموال لجنة مساعدة الاحباش الى اللجنة العربية العليا بالقدس...
وإذا رأيتم فضلاً عن ذلك أن تتكرموا بدعوة المحسنين من المصريين بالتبرع لهذا الغرض النبيل، فهو العهد بكم والمأمول فيكم، وكان لكم الشكر مضاعفاً.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
المخلص... حسن البنا
********************
يقول الدكتور حسان حتحوت فى مقالة له نشرتها مجلة الامة القطرية ( عدد 55 - رجب 1405 ) تحت عنوان ( تهمة التعصب) :
" فماذا عن قنا ؟ البداية حفل كبير زاخر، على رأسه علماء المسلمين وقسس الاقباط.... وعلى ذكر قسس الاقباط، فان كثيرين يحاولون أن يلصقوا بالرجل ودعوته تهمة التعصب ضد النصارى، أو التفرقة بين عنصرى الأمة، ويشهد الله ومن حضر من الصادقين أن العكس هو الصحيح، فلم يكن الرجل داعية بغض ولا تفرقة، وكان يبرهن ان الدعوة لتطبيق الشريعة الاسلامية لا يمكن أن تكون للأقباط، لأنها ستطبق علينا وعليهم على السواء، وأنها لا تصادر نصرانية النصرانى.....
وقد وجدت دعوة الرجل صداها وتصديقها لدى ذوى الفهم من المسلمين والأقباط...
ويكفى أن أذكر بأن الاستاذ ( لويس فانوس ) من زعماء الاقباط كان من الزبائن المستديمين لدرس الثلاثاء الذى يلقيه حسن البنا، وكانت بينهما صداقة وطيدة.
وان حسن البنا عندما تقدم مرشحا لانتخابات البرلمان كان وكيله الذى يمثله فى مقر إحدى اللجان الإنتخابية رجلا قبطياً.
وأن البنا لما اغتيل ومنعت الحكومة أن يشيع فى جنازة، لم يمش وراء نعشه الا رجلان هما والده ومكرم عبيد السياسى النصرانى.
وأذكر اننا كنا ونحن طلاب نزور جمعيات الشبان المسحية لنتحدث عن موقف الاسلام من النصرانية، فنخرج وقد شعرنا أنهم اقرب الناس مودة.
وشهادة ثانية
شكل مكتب ارشاد الجماعة لجنة سياسية عليا برئاسة وكيل الجماعة وعضوية سكرتير الجماعة وعضو من أعضاء مكتب الأرشاد، 9 أعضاء آخرون منهم ثلاثة من كبار الاقباط هم الاستاذ وهيب بك دوس المحامى والاستاذ لويس فانوس عضو مجلس النواب والاستاذ كريم ثابت الصحفى الكبير "
وثالثة
ارسل الامام حسن البنا رسالة تهنئة الى توفيق دوس بمناسبة إنتخابه عضوا فى مجلس الشيوخ المصرى، رد عليها دوس بتهنئة بمناسبة صدور جريدة " الاخوان المسلمون " اليومية وتأكيده على نزعة الإخوان القومية ..
ورابعة
رد توفيق غالى من اقباط مصر على مقالات لسلامة موسى فى عهد الأمام حسن البنا، اتهم فيها موسى الإخوان بأنهم يثيرون الفتن الطائفية. وقد أكد توفيق غالى فى رده : " انى أعترف بأنهم " الاخوان المسلمون " اشرف الجماعات مقصداً، وأنبلهم خلقا، ولن أقدم دليلا إلا أن شعبتهم يجاورها المسيحيون من كل جانب، ومع ذلك لم نر منهم الا كل أدب وتقدير لإخوانهم المسيحيين، وان شعبتهم بقسم الصيادين الزقازيق تجاور الكنيسة ولا ينظرون اليها إلا بكل احترام ".
********************
ولم تتوقف هذه السياسة بعد استشهاد الامام حسن البنا، بل التزم بها الإخوان المسلمون دينا وأصلاً، فكان مرشدونا الامناء حسن الهضيبى وعمر التلمسانى ومحمد حامد ابو النصر على نفس السياسة ونفس المنوال...
ففى كتاب " حسن الهضيبى الامام الممتحن " ذكر الاستاذ جابر رزق رحمه الله تحت عنوان " مع خلطائه المسيحيين " :
" وكانت باكورة ولايته القضاء فى مدينة جرجا من صعيد مصر، حيث تعلو فى الطبقة المثقفة نسبة المسيحيين الذين تهىء لهم مراكزهم وثقافتهم الإختلاط بقاضى المدينة ونظرائه من كبار الموظفين...
فإذا بهم يلتفون حوله، ويحيطونه بفيض من مشاعر الحب والتقدير، ويعلنون أنهم يحسدون عليه إخوانهم المسلمين، ويتمنون لو كان فى طائفتهم مثله "
********************
نشرت مجلة " الدعوة " فى عددها الرابع عشر الصادر فى شعبان 1397 هـ، تحت عنوان : " واين نصيبنا من هذا الحب " السطور التالية لمرشدنا الراحل عمر التلمسانى رحمه الله :
" إن القول بأن الإخوان يقوم تشكيلهم على اساس دينى يسبب الفرقة، قول يرده الواقع، ويدحضه الكثير من الحجج والبراهين:
أولاً : : الأمة المصرية تتكون من ديانتين اساسيتين، الإسلام والمسيحية، وبلغ التسامح الدينى بالأغلبية المسلمة أن كان من رؤسائها ووزرائها مسيحيون، كان يرأس مجلس النواب مسيحى..."
رابعاً : قامت جماعة الإخوان عام 1928 م، فلم يثبت فى تاريخها يوما من الأيام أنها دعت الى فرقة، أو هتفت بعنصرية دينية، أو نادت بحرمان غير المسلمين مما يستمتع به المسلمون، بل كان القسس يحضرون احتفالاتها، ويلقون فيها كلماتهم من وجهة نظرهم لا من وجهة نظر الإخوان المسلمين، ولم يعترض عليهم أو يقاطعهم أحد.
خامساً : كيف يكون التشكيل الرسمى للإخوان مدعاه الى التفريق بين أفراد الامة وهم لا يحرمون على مسيحى أن يبتنى كنيسة، أو أن يشتغل بوظيفة، أو أن يؤدى شعائره الدينينة آمناً مطمئناً، وإذا طالب المسيحيون بحزب مسيحى، فما الخوف من ذلك ؟ اليس هذا واقع الأمة فعلاً : مسلمون ومسيحيون، وكل ينادى بصلاحية دينيه وإصلاح المجتمع ؟... "
********************
من تصريحات المرشد الأسبق
السيد محمد حامد ابو النصر :
س - العلاقة مع الأقباط تشغل بال كثيرين لدرجة أن عدداً من أحزاب المعارضة بدأ يتسابق للحصول على أصواتهم، هل تتصورون تعاوناً بين "الإخوان" والأقباط في الانتخابات?
ج - علاقاتنا بالأقباط كانت ومازالت طيبة، على مدى السنوات السبعين الماضية، منذ نشأة الجماعة، لم يقع أي حادث يعكر صفوها، وكان للإمام حسن البنا مستشارون من الأقباط وكان عدد من الأقباط يحرص على حضور محافل الجماعة ، وحين أبعد الإمام البنا إلى قنا كتب القساوسة هناك مذكرات إلى الحكومة تنصفه.
س - هل توافقون على إنشاء الأقباط حزبا سياسيا خاصا بهم?
ج - الحزب السياسي أهم أهدافه الوصول إلى السلطة والحكم بمقتضى منهج، فهل تعتقد أن الأقباط وهم نحو خمسة في المائة من أبناء مصر يسعون إلى ذلك ? إن مثل هذه الادعاءات ظهرت في الفترة الأخيرة لتبرير محاربة الجماعة والواقع يكذب هذه الادعاءات، فمع حرية إنشاء الأحزاب لم يفكر الأقباط في إنشاء حزب في الأربعينات حين كانت الجماعة منتشرة في كل أنحاء مصر، ومع ذلك نرحب بحزب للأقباط إذا شاءوا.
الحياة 4 سبتمبر 1995
********************
تجربة الأحزاب الدينية
* ما هو رأيكم فيما يقال بأن السماح بقيام أحزاب دينية سيؤدي إلي تهديد الوحدة الوطنية والسلام الإجتماعي بل وتحويل مصر الآمنة الي لبنان جديدة ؟
** هذا قول غير صحيح، ومن الخطأ أن نقيس مصر علي لبنان، وتجربة الأحزاب الدينية موجودة في كل العالم، ولقد سمحت انجلترا بقيام حزب إسلامي، كما سمحت روسيا بقيام حزب إسلامي أيضا، وغيرها كثير من بلدان العالم، فإذا انتقلنا الي عالمنا العربي سنجد تجربة الاردن واليمن حيث سمح للإخوان هناك بتكوين حزب ولم يقل أحد أن الاردن او اليمن تحولت او ستتحول الي لبنان.
إن التاريخ خير شاهد علي العلاقة بين الإخوان المسلمين والأقباط في مصر، حيث لم تسجل حالة إعتداء واحدة قام بها احد الاخوان المسلمين ضد أحد الاقباط، كما أن قضايا مايسمي بالفتنة الطائفية لم تشر الي اي أحد من الاخوان والحمد لله، وعلاقتنا بالاقباط تنطلق من ديننا الحنيف الذي يوضح في القرآن الكريملا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين.
تطبيق الشريعة
- يري البعض أن تطبيق الشريعة الاسلامية لايتناسب مع مجتمع يضم اقليات غير مسلمة.. فضلا عن ان تطبيق الشريعة في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة أمر مستحيل.
-- هذه رؤية مردودة فالمجتمع المسلم منذ انشأه النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته من بعده وهو يضم اقليات غير اسلامية عاشت في كنف الدولة الاسلامية في جو من التراحم والتسامح، وكنائس المسيحين ومعابد اليهود في بلاد المسلمين خير شاهد علي حماية الاسلام للاقليات.
اما القول بان تطبيق الشريعة في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة امر مستحيل فهو خطأ فادح اختلف معه، اذ ان الاسلام لم يأت ليطبق علي الاغنياء دون الفقراء، كما ان تطبيق الاسلام كما بشرنا الله سبحانه وتعالي سبب لكشف البلاء والفقر والازمات.
ولو أن اهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض
السياسى المصرى 22 /11/93
********************
من تصريحات المرشد الأسبق
الاستاذ مصطفى مشهور رحمه الله
ماذا حول ما اثير عن موقفكم من الاقباط وضرورة دفع الجزية وعدم دخولهم الى الجيش ؟
- الاخوان المسلمون يصدرون فى مواقفهم إزاء الفضايا المختلفة فى إطار ضوابط ومعالم واصول واضحة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين ذلك موقفهم من الإخوة الأقباط كمواطنين لهم حقوق وواجبات المواطنة.إضافة إلى ان مواقف الإخوان من قضايا العصر قد أكدتها ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى اليوم.. أى انها مسجلة.. واضحة.. لا غموض فيها.. ويهمنا فى هذا الإطار ان نوضح :
ان تفسير الآية القرأنية الواردة فى سورة التوبة بخصوص الجزية مستقر على انه خاص بمن حارب الإسلام والمسلمين، والإخوة المواطنون الاقباط فى مصر خارجو