مقدمة:
العمل مع المجتمع لتكوين المجتمع المسلم في مظاهره وصبغته، يشمل كل شرائح المجتمع وطبقاته وفئاته سواء نساء أو رجالا.. أشبالا وأطفالا أو طلبة وكبارا وشيوخا.
وهذا العمل يقوم على تكوين الفرد المسلم والبيت المسلم فهما جزءان أساسيان من تكوين المجتمع المسلم، والتحرك الدعوى فيه.
وقد وضع الإمام الشهيد أهدافاً ومجالات متدرجة لإصلاح المجتمع والعمل فيه، مع تمام الإدراك: أن التغيير الكامل للمجتمع يحتاج إلى انحياز السلطة التنفيذية للإسلام وشريعته، وأن هذه مرحلة لاحقة، ولكن لا يتوقف عن إصلاح المجتمع، وعن إرسال النصيحة وإعلان مناهج الإصلاح في كل جوانب المجتمع.. يتقدم بها إلى السلطات التنفيذية بكل مستوياتها .
رسالة نحو النور ـ رسالة : مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي
وفي هذا يقول الإمام الشهيد: «وإذا كانت هذه الأهداف جميعاً لا تتحقق إلا في ظل الدولة الصالحة، فكان لابد أن تطالبوا بحق الإسلام في إقامة الحكومة التي ترتكز على أصوله وأحكامه وتعاليمه..».
والإخوان حين يتقدمون إلى الحكومات ببرامج الإصلاح، وبعرضون خدماتهم لوضع مطالبهم موضع التنفيذ، يحرصون كل الحرص على أن تبقى هذه الأعمال كلها محكومة بالقواعد الشرعية فلا تشارك في منكر بحجة السياسة.
وهم في جهودهم هذه يخاطبون الحكومات بلسانها وبالأدب الرسمى حرصا على تأليف القلوب، وقد يقتضى الإصلاح التوجه بالخطاب إلى غير المسلمين، ومع هذا فلابد من لزوم أدب المخاطبة دون تذلل كما علمنا الإسلام »
مذكرات الدعوة والداعية.
ومع أن استجابة الحكومات غير موجودة، فإن الإخوان سيستمرون في النصيحة كما قال الإمام الشهيد: « ومع هذا فسنظل في موقف الناصحين، حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين »
رسالة : المؤتمر السادس،ص214.
والإخوان يدركون إنه لابد من إصلاح المجتمع وصبغه بالصبغة الإسلامية، وأن تتوفر فيه جوانب سلوكية ودعوية مطلوبة، وأن يلتف حول الدعوة والجماعة، وحول شريعة الإسلام، ويطالب بها، حتى تأتى الحكومة الإسلامية بعد ذلك.
يقول الإمام الشهيد: «لا نهوض لأمة بغير خلق، فإذا استطاعت الأمة أن تتشبع بروح الجهاد والتضحية، وكبح جماح النفوس والشهوات، أمكنها أن تنجح »
مذكرات الدعوة والداعية،ص158.
مبحث
منهج الإسلام في بناء المجتمع:
منهج الإسلام في بناء المجتمع والمحافظة على سلامته يقوم على أسس محددة، كما أوضح ذلك الإمام الشهيد:
أ - جعل أساس الصلاح والدواء الأول في كل علاج هو صلاح النفوس والتضامن الاجتماعى بين بنى الإنسان
ب- مبدأ الوقاية من المشاكل ومنع عوامل الهدم.
ب - استئصال الأمراض الاجتماعية من جذورها إذا حدثت، فلكل مشكلة عنده لها دواء.
جـ - أن يحيط كل ذلك بما يرفع الحرج ولا يؤدى إلى العنت.
هـ - أن يضع القواعد الكلية، ويدع الفرعيات الجزئية.
و - يرسم طرائق التطبيق.
ز - يفرض نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والتطبيق السليم، حتى تشمل الناس أجمعين.
يقول الإمام الشهيد في ذلك: « وقد عالج الإسلام بعد ذلك مشاكل المجتمعات، فالوقاية مما يؤدى إليها أولا، واستئصال ما عساه أن يحدث منها ثانيا، فلكل مشكلة اجتماعية عنده دواء، والدواء الأول في كل علاج: صلاح النفوس والتضامن الاجتماعى بين بنى الإنسان، والإسلام يحيط بكل ذلك، لا يسلك سبيل العنت، ولا يحمل الناس إلى ما يؤدى إلى الحرج، ولكن يريد بالناس اليسر ولا يريد بهم العسر، ويضع القواعد الكلية، ويدع الفرعيات والجزئية، ويرسم طرائق التطبيق، ويكل للأزمان والعصور بعد ذلك أن تعمل عملها، وهو لذلك شريعة كل زمان ومكان، وهو لذلك يفرض نشر الدعوة حتى تشمل الناس أجمعين، ويتحقق قول الله تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " [الأنبياء: 107]، وإذا قوى الشعور الذي أشرنا إليه آنفا، وأدى نتيجته التي وضعناها الآن، فطبق نظام الإسلام على الفرد والبيت والأمة، ووصلت الرسالة إلى القلب والآذان، فقد نجحت فكرتنا، واستجيبت دعوتنا »
رسالة : دعوتنا في طور جديد،ص237.
كما يشير الإمام أيضا إلى أساس الارتباط والعلاقة بين أفراد المجتمع، وأنها تقوم على هذه الأسس في الإسلام:
1- رباط الأخوة والحب بين أفراد المجتمع، وقد قضى الإسلام على كل ما من شأنه أن يضعف هذه الرابطة أو يمزقها.
2- تحديد الحقوق والواجبات والعلاقات بين الأفراد والهيئات.
3- فصّل في مهمة الحاكم والمحكوم.
4- حدد المعاملات والممارسات بأوضح بيان.
5- حدد ميزان التفاضل والقياس في المجتمع والمساواة بين القانون.
6- حدد صلات الأمم بعضها ببعض، وحقوق كل صنف منها وواجباته، وبذلك أرسى قواعد العلاقات الخارجية الدولية.
7- وجعل الأصل في علاقة أمة الإسلام بغيرها هو: « الدعوة » والتعاون على البر والخير، والتضامن الاجتماعى بين بنى الإنسان.
يقول الإمام الشهيد في ذلك: « وقد وضع الإسلام للأمة قواعد الحياة الاجتماعية السعيدة، فعقد بين بنيها آصرة الأخوة وجعلها قرينة الإيمان، ورفع مستوى هذه الصلة إلى المحبة بل إلى الإيثار، وقضى على كل ما من شأنه أن يمزق هذه الروابط أو يضعف هذه الوشائج، وحدد الحقوق والواجبات، فللأبوة حقها وعليها واجبها، وللبنوة مثال ذلك، ولذوى القربى حقوقهم وعليهم واجباتهم، وفصّل مهمة الحاكم والمحكوم أدق تفصيل، وبين للمعاملات بين الناس أحكامها بأفصح بيان، ولم يجعل لأحد على أحد فضلا إلا بالتقوى، فلا سيد ولا مسود ولا أمراء ولا عبيد، ولكن الناس في ذات الله سواسية كأسنان المشط، إنما يتفاوتون بعمل الصالحات، كذلك حدد صلات الأمم بعضها ببعض، وبين حقوق كل صنف فيها وواجباته، ولم يدع من ذلك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها »
رسالة : دعوتنا في طور جديد،ص236.
مبحث
معالم على طريق العمل مع الجتمع
- أول خطوة في منهج عمل الجماعة مع المجتمع هو الوقوف على الداء الذي أصاب الأمة، وفي هذا يقول الإمام الشهيد: « ضعف الأخلاق وفقدان المثل العليا، وإيثار المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والجبن عن مواجهة الحقائق، والهروب من تبعات العلاج، والفرقة قاتلها الله، هذا هو الداء.والدواء كلمة واحدة هي أيضا ضد هذه الأخلاق، هى: علاج هذه النفوس، أيها الإخوان، وتقويم أخلاق الشعب " قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" [الشمس: 9، 10] »
رسالة : المؤتمر الخامس،ص152.
- العمل مع المجتمع لتهيئته وتربيته ليس مجرد مرحلة تمهيدا لقيام دولة الإسلام، بل هو أمر مستمر لبناء نهضتها، لا ينتهي ولا يضعف بمجرد قيام الدولة، ولكنه طريق طويل من التربية واستكمال نهضة الأمة.
يقول الإمام: « وإن في كل أمة مظاهر من الحياة الاجتماعية تشرف عليها الحكومات وينظمها القانون وتحميها السلطات، فعلى كل أمة شرقية إسلامية أن تعمل على أن تكون كل هذه المظاهر مما يتفق وآداب الدين ويساير تشريع الإسلام وأوامره »
رسالة : إلى أى شيء ندعو الناس،ص48.
ويقول الإمام الشهيد موضحا أبعاد هذه التربية: « يجب أن تكون دعامة النهضة « التربية » فتُربى الأمة أولا وتفهم حقوقها تماما، وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق، وتربى على الإيمان بها، ويُبث في نفسها هذا الإيمان بقوة، أو بعبارة أخرى تدرس منهاج نهضتها درسا نظريا وعمليا وروحيا.
وذلك يستدعى وقتا طويلا ؛ لأنه منهج دراسة يدرس لأمة، فلابد أن تتذرع الأمة بالصبر والأناة والكفاح الطويل، وكل أمة تحاول تخطى حواجز الطبيعة يكون نصيبها الحرمان.
- تجنب الإمام الشهيد في رؤيته وخطته الأخطار والمزالق التي وقعت فيها التجارب السابقة، وهو في منهجه الذي رسمه لدعوته يشير إلى بعض من ذلك، فيقول:
«إنى ألاحظ أن خلق التسرع المركوز في طباعنا وسرعة التأثر وهياج العواطف الذي يبدو فينا واضحاً وغيرهما من أسباب اجتماعية وغير اجتماعية.. جعلت نهضاتنا فورات عاطفية تشتد وتقوى بقوة المؤثر الوقتى وشدته ثم تخمد وتزول كأن لم يكن شيئا ».
«.. وأن الوسائل غير معروفة ولا محدودة، وقد تكون متعاكسة يخبط بعضها بعضاً ونحن لا نشعر ».
«والأمر الثانى: أن الصلة منقطعة تماماً بين السابق واللاحق.. يصل السابق إلى نصف الطريق فإذا جاء اللاحق لم يتبعه لانقطاع الصلة بينهما فيبدأ طريقاً جديداً قد يصل فيه إلى مقدار ما وصل سابقه وقد يقصر عنه.. وقد يسبق قليلاً، ولكنه على كل حال لا يصل بالأمانة إلى النهاية ؛ لأن أعمار الأفراد قصيرة بالنسبة لأعمار النهضات والشعوب. ونحن نتصور أن الواحد يستطيع أن يحقق للأمة كل ما تبتغى، وهى فكرة خيالية وخدعة نفسية عاطفية يجب أن تزول من نفس كل عامل حتى ينتفع بما عمل سلفه...».
« وشاءت الظروف أن نواجه أغاليط الماضى وأن يكون علينا رأب الصدع وجبر الكسر.. وإنقاذ أنفسنا وأبنائنا.. واسترداد عزتنا ومجدنا وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا وأن نعمل على إنقاذ الأمة من الخطر المحدق بها»
رسالة : هل نحن قوم عمليون ؟ ص360.
1- يحدد الإمام البنا متطلبات عملية الإصلاح المجتمعي وأسلوبه ومنهجه فيقول رضي الله عنه:
« لقد طغت العادات ومظاهر الحياة غير الإسلامية علينا، حتى صار المصلح في أشد ما يكون حاجة إلى قوة الإرادة واليقظة، والبحث عن المظاهر الإسلامية بين هذا السيل الجارف من المظاهر.
ولكن حذار أن يشتد على العامة، فيشتد على نفسه ثم على مريديه الذين فهموا غايته ثم يترك الناس يقلدونهم بالاختلاط لا بالأمر والشدة »
مذكرات الدعوة والداعية،ص159.
ويقول الإمام الشهيد: « لهذا يدعو الإخوان إلى أن يكون الأساس الذي تعتمد عليه نهضتنا هو توحيد مظاهر الحياة العملية في الأمة على أساس الإسلام وقواعده »
رسالة : دعوتنا في طور جديد،ص239.
ويقول أيضا: «... وندعو إلى أن تعود مصر إلى تعاليم الإسلام وقواعده، تعتمد عليها وتستمد منها وتبنى على أساسها النهضة الجديدة وتركز عليها الأوضاع الاجتماعية.. ولا يمنع في أن تقتبس الأمة الإسلامية الخير من أى مكان ؛ فليس هناك ما يمنع من أن ننقل كل ما هو نافع مفيد عن غيرنا ونطبقه وفق قواعد ديننا ونظام حياتنا وحاجات شعبنا »
رسالة : هل نحن قوم عمليون ؟.
مبحث
منطلقات العمل مع المجتمع:
العمل مع المجتمع المسلم في منهج الجماعة تدور منطلقاته حول محاور ثلاثة (كل منها يدعم الآخر ويسانده):
1- إيقاظ الإيمان وتجديد الروح: وهذا أساس الانطلاق قبل الحديث عن أى شيء أو تغيير أى سلوك.
ولابد أن تثبت فيه معانى الإيمان، وتجمعه على روعة آيات القرآن وجلال الإسلام، وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويصاحب هذه اليقظة الإيمانية التزامه العبادى بأركان الإسلام وحرصه على فرائضه.
2- توعية الشعب وتربيته (سلوكياً وأخلاقياً وثقافياً وسياسياً) وتحقق الإيجابية لديهم.
3- نشر الدعوة ومبادئها وكسب الأنصار لها.
الأسس التي يقوم عليها الإصلاح الاجتماعى:
ويلخص الإمام الشهيد أصول الإصلاح الاجتماعى الكامل، الذي جاء به الإسلام في الآتى:
1- الربانية.
2- التسامى بالنفس الإنسانية.
3- تقرير عقيدة الجزاء.
4- إعلان الإخوة بين الناس.
5- النهوض بالرجل والمرأة جميعاً، وإعلان التكافل والمساواة وتحديد مهمة كل منهما تحديداً دقيقاً.
6- تأمين المجتمع بتقرير حق الحياة والملك والعمل والصحة والحرية والعلم والأمن لكل فرد وتحديد موارد الكسب.
7- ضبط الغريزتين: غريزة حفظ النفس وحفظ النوع، وتنظيم مطالب الفم والفرج.
8- الشدة في محاربة الجرائم الأصلية.
9- تأكيد وحدة الأمة والقضاء على مظاهر الفرقة وأسبابها.
10- إلزام الأمة الجهاد في سبيل مبادئ الحق التي جاء بها هذا النظام.
11- اعتبار الدولة ممثلة للفكرة، وقائمة على حمايتها ومسؤولة عن تحقيق أهدافها في المجتمع الخاص وإبلاغها إلى الناس جميعاً.
رسالة بين الأمس واليوم
مبحث
مستويات العمل المجتمعي :
تتسع مساحة العمل مع المجتمع وتتدرج لتشمل كل جوانب المجتمع حسب الظروف المتاحة والإمكانيات المتوفرة للصف وأفراده.
والجماعة لا تستمد انطلاقها الاجتماعى ووجودها من قوانين أو إذن حكومى أو منحة من الآخرين، وإنما تستمد هذا الانطلاق من دعوتها ووجودها العملى الواقعى داخل المجتمع ومعايشتها له، فلا يمكن أن يوقف هذا التأثير الاجتماعى قانون أو تضييق، الذي تواجهه الدعوة أصالة بالثبات والمثابرة والحكمة.
وقد حدد الإمام البنا ثلاثة مجالات رئيسية
ومسار العمل المجتمعي أو النضال الدستورى (كما سماه الإمام الشهيد)، تمتد نشاطاته في منهج الجماعة ليغطي المستويات التالية:
1- على المستوى الفردى، بتحرك أفراد الجماعة بالدعوة واحتكاكهم بأفراد المجتمع ومعايشتهم له في مسار حياتهم وأحوالهم..
فأينما وجد الفرد المسلم وجدت الدعوة وتحركت معه.
فالدعوة تُربيه على الذاتية في الحركة الاجتماعية، وعلى التأثير القولى والعملى، وأن يكون قدوة ونموذجاً للدعوة.
2- وكذلك بتكوين التجمعات والجمعيات والنوادى والأوعية الاجتماعية التي تؤدى جانبا من جوانب الخير والإصلاح، وتنشر مفاهيم الإسلام وسلوكياته داخل المجتمع.
وهذه تستعين فيها الدعوة بالمخلصين من أفراد الشعب والمحبين والمتعاطفين وهى تخضع في تشكيلها إجرائيا لقوانين المجتمع وترتيباته.
وهذه الأوعية تمثل واجهات متعددة تحقق للجماعة بعض جوانب النشاط والإصلاح المختلفة، ولا يستلزم لها أن ترفع لافتة الاسم (أى اسم الإخوان عليها) ؛ فقد تأخذ أسماء مختلفة حسب طبيعة القانون والنشاط الذي يحكم ذلك الأمر.
وقد أشار الإمام الشهيد لذلك فقال:
" ليس بلازم في الدعوة أن تكون باسم: (جمعية الإخوان المسلمين)، فليس غرضنا إلا إصلاح النفوس وتهذيب الأرواح، فلتكن الدعوة إلى: مدارس الأنصار، ومعاهد حراء، وأندية التعارف »
مذكرات الدعوة والداعية ،ص152.
3- العمل على المؤسسات القائمة بالمجتمع سواء كانت: اقتصادية، أو اجتماعية، أو تعليمية، أو سياسية، أو مهنية، أو تنفيذية... إلخ.
فتعمل على إيصال الدعوة لكل المؤسسات والتقدم بمناهج الإصلاح، وكسب الأنصار، والدخول فيها وتقديم الرموز الدعوية في كل مجال.. وذلك من خلال الحق الدستورى للمواطنين، والالتزام بالقوانين القائمة.
(مثال لها: نماذج العمل المؤسسى داخل المؤسسات، والدخول في انتخابات النقابات والجمعيات والاتحادات، والمجالس التشريعية والرقابية... إلخ).
صفات وخصائص العمل مع المجتمع:
والعمل العام في الدعوة مع المجتمع له خصائص وصفات، تحرص عليها الدعوة وتربى أفرادها عليه، ويشمل ذلك:
1- روح الحب للمجتمع والحرص عليه، ورغبة الخير له:
وأن يكون ذلك هو الروح المسيطرة والباعثة في حركة الدعاة بالمجتمع.
يقول الإمام الشهيد:
« نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه القلوب أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء...
وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا...
وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان...فنحن نعمل للناس في سبيل الله ».
«فنادوا في قومنا: نحن لكم لا لغيركم..ولن نكون عليكم يوماً من الأيام ».
إننا مع المجتمع كما يقول الإمام: يلقينا بالحجر فنرميهم بالثمر.
فنحن لا نتعالى على المجتمع أو نرفع أنفسنا درجة فوقه أو نحط من شأنه معاذ الله أن نكون كذلك، بل نحن نعتز بدعوة الإسلام ونحب ونحرص أن يشاركنا جمهور المجتمع فيها ليسعد بها في دنياه وآخرته.
2- الاستعانة بكل الوسائل المتاحة:
سواء على المستوى الفردى أو الجماعى، والاستفادة من القوانين وتوظيفها لصالح الدعوة بدلاً من مصادمتها والجمود أمامها.
يقول الإمام: « ووسائل الدعاية الآن غيرها بالأمس كذلك، فقد كانت دعاية الأمس كلمة تلقى في خطبة، أو اجتماع، أو كلمة تكتب في رسالة، أو خطاب، أما الآن فنشرات ومجلات وجرائد ورسالات ومسارح (وخيالات) وحاكٍ ومذياع... إلخ. وقد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم نساءً ورجالاً في بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومزارعهم.
لهذا كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعاً حتى يأتى عملهم بثمرته المطلوبة »
رسالة : دعوتنا،ص22.
3- مواجهة المعوقات والضغوط بالنضال الدستوري:
نحترم الدستور والقانون في المجتمع، لسنا مع التمرد أو الخروج عليه، مع مطالبتنا بتصحيحه وتغييره ليكون منطلقه وسمته التشريع الإسلامي، ولكننا ضد إساءة التطبيق للقانون، وكذلك ضد القانون الذي يحل ما حرم الله ويخالف بوضوح شريعة الإسلام فنحن نواجه ذلك، وندعو إلى التصحيح ونلتزم الأسلوب القانونى في نيل الحقوق، وسلوك كل وسائل النضال الدستورى في ذلك ونواجه التضييق والتجاوز مع الدعوة، بالثبات والمواجهة القانونية والتمسك بحقنا الدستورى.
يقول الإمام الشهيد: «.. الإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأى العام، ويناصرها عن عقيدة وإيمان. ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح، ثم النضال الدستورى حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية، وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية »
رسالة : المؤتمر السادس ص212.
4- اكتساب الجماعة وجودها وشرعيتها من دين ربها:
فالجماعة تكتسب وجودها وشرعيتها ليس من قرار إدارى، أو إرادة حاكم، أو سلطة، ولكنها تستمدها من دينها، ومن دعوتها، ومن الحق الذي آمنت به وترتكن إليه.
« وفى مجال عملها الإصلاحى، تمارس أنشطتها وتلتحم بجماهير الشعب، وبذلك تكتسب هذه الأنشطة شرعية واقعية بين الناس، وتقدم رموزها الدعوية، فيلتف حولها الناس ويساعدونها ».
«ويحرص النظام والسلطة التي تحارب الدعوة، على تغييب اسم الجماعة ورموزها الاجتماعية والسياسية، لارتباط هذا الاسم وهذه الرموز بالبذل والعطاء والخدمة العامة والطهارة والنقاء والمبادرة إلى الخير والاعتدال والرفق بالناس ونبذ العنف.. وبهذه الشرعية الواقعية والمعايشة الفعالة مع الجماهير نرد على حملات التشويه الإعلامية المنظمة، ومحاولات تلفيق التهم لأفرادنا، وإثارة الشبهات حولهم».
الأستاذ مصطفى مشهور،الرؤية الواضحة،ص22.
« علينا أن نعمل لأن تستمر مسيرتنا في الدعوة إلى الله رغم التضييق، ونبتكر لإفادة قومنا ودعوتنا طرقاً جديدة، ونستعيد زمام المبادرة بأطروحات متجددة في القضايا الحيوية يقبلها شعبنا ».
وبهذا يكون «قد صار لنا حضور دائم في حياة الأمة يستعصى على التغييب، وطالما احتفظ الصف بتماسكه وثباته والتفافه حول قيادته الصلبة واستعداده للبذل والتضحية، فلسوف تتنامى مظاهر التفهم لفكرتنا والتعاطف مع حركتنا والتأييد لأعمالنا والالتفاف حولنا بل ونصرتنا إن أوذينا » ا
الأستاذ مصطفى مشهور،الرؤية الواضحة،ص22.
والجماعة في كل مساعيها للمحافظة على شرعيتها الواقعية لا تحرص أو تقدم على استفزاز، فهي لا تستفز ولا تُستفز، ولكنها في الوقت نفسه لا تساوم على مبادئها ولا توقف أنشطتها وبرنامج إصلاحها وتوعيتها لهذا الشعب وتربيته، وتصبر وتتحمل ما تلقاه في سبيل ذلك.
5- رفض أسلوب العنف والإرهاب أو الجبر والإرغام:
سواء مع السلطات التنفيذية أو مع الخصوم والهيئات الأخرى. واحتمال الأذى واحتساب الأمر عند الله عز وجل والدفع بالوسائل السلمية.
ورفض الجماعة لأسلوب استخدام القوة وأعمال العنف في عملها المجتمعي مطلق في كل الأحوال ولو تم ذلك تحت مسمى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. وقد رفض الإمام الشهيد ذلك الأسلوب الذي لا يقوم على فقه شرعى أو بصيرة بالواقع مبكرا ، وأظهر خطأه وآثاره السلبية، والذي يؤدى إلى ضرر أكبر من الفائدة في قضية تحطيم البعض للحانات، ولكنه رحمه الله فضل مع رفضه هذا أن نتبع في ذلك أسلوب الحكمة والظرف المناسب ووسائل الضغط القانونية والشعبية، مع تحليل البواعث والأسباب لوجود هذا الخلل، والسعى لعلاجها.
يقول الإمام:
« معلوم أنه ما من غيور في مصر يتمنى أن يرى فوق أرضها حانة واحدة، وقد ألقى الإخوان تبعة هذا التحطيم على الحكومات قبل الذين فعلوه ؛ لأنها هي التي أحرجت شعبها المسلم هذا الإحراج... ».
«.. نحن نعتقد أن هذا التحدى لم يحن وقته بعد، ولابد من تخير الظرف المناسب أو استخدام منتهى الحكمة فيه، وإنفاذه بصورة أخف ضرراً وأبلغ في الدلالة على المقصد كلفت نظر الحكومة إلى واجبها الإسلامي »
والإخوان في هذا المجال:
« أعمق فكراً وأبعد نظراً من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر فلا يغوصوا إلى أعماقها ولا يزنوا نتائجها وما يقصد منها وما يراد بها »
رسالة : المؤتمر الخامس،ص149.
فهم يضبطون الحماس وينيرون العاطفة بأشعة العقول:
« ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول.. ».
ويقول أيضا: « وهم يتذرعون في ذلك بالصبر والأناة والحكمة والموعظة.. » .
ويحرص الإخوان على البعد عن أسلوب الجبر والإرغام في جمع الشعب على مبادئ الإسلام وترسيخ قيمه وأخلاقياته، وإنما الأخذ بأسلوب « الإقناع » حتى يفقهها الرأى العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان، وذلك بعد إيقاظ الإيمان في قلبه وتفعيل ارتباطه بالقرآن ولجوئه إلى الله.
يقول الإمام الشهيد: « فليست الوسيلة المال، وليست الوسيلة القوة كذلك؛ فالدعوة الحقة إنما تخاطب الأرواح أولاً، وتناجى القلوب، وتطرق مغاليق النفوس.. ».
6- انتهاج المنهج العملى الواقعى:
فالمجتمع في حالة تحتاج إلى: سرعة الأخذ بيده، وإصلاح جوانب الخلل والتدهور فيه، وتربيته على الإسلام، وتقديم جوانب البر والخير إليه، فهذا يحتاج إلى المنهج العملى، وأن نقف مع الشعب في كوارثه وأزماته، وأن نقدم له ما نستطيع من جوانب البر والخدمة العامة، وألا نقف عند حدود ذلك، بل نوقظ إيمانه ونقوى إرادته وننشر فيه نماذج الخير والتكافل والتعاون ونربطه بالإسلام ربطاً حميداً، إنها مواجهة لكل شرائح المجتمع وفئاته وكل مؤسساته، بل هي لا تنحصر في قطر دون قطر.
7- الحفاظ على سمات الدعوة وخصائص منهجها في منهج عملها المجتمعي ، من قبيل :
عمومية الدعوة:
يقول الإمام الشهيد: « دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلى رأى عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهى تتوجه إلى صميم الدين ولبه »
رسالة : دعوتنا،ص25.
« فهي دعوة لا تنحصر في رأى فرعى أو لون خاص أو طائفة خاصة بل هي تسع الجميع بفهمها الشامل للإسلام، والمحدد بأصول الفهم العشرين »
رسالة : التعاليم،ص356.
أنها تضم كل المعانى الإصلاحية:
لأنها تنطلق من مفهوم الإسلام الشامل، فلا تنحصر في مجال دون آخر، فهى: « دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية.. »
رسالة : المؤتمر الخامس،122.
وأنها لا تقف عند حدود العمل العام:
بل تجتهد في جمع قلوب الناس على القرآن وفى التقدم بمناهج الإصلاح لكل الجهات، وتكوين الركائز الإيمانية وعدم الوقوف بالدعوة العامة عند حدود الخطب والمقالات، أو الإصلاح الجزئى للمجتمع، إنما الغاية أشمل من ذلك:
يقول الإمام:
« إن الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء، كل ذلك وحده لا يجدى نفعاً ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعية إلى هدف من الأهداف..».
بل الأمر يحتاج إلى:
« 1- الإيمان العميق.
2- التكوين الدقيق.
3- العمل المتواصل...
فآمنوا بفكرتكم، وتجمعوا حولها، واعملوا لها، واثبتوا عليها»
رسالة : بين الأمس واليوم،ص108 .
وبعد أن ذكر الإمام أنواعا متعددة من مجالات البر والخدمة العامة، يقوم بها الإخوان، يقول:
« لا أيها الإخوان، ليس هذا كل ما نريد، هو بعض ما نريد؛ ابتغاء مرضاة الله.
أما غاية الإخوان الأساسية، أما هدف الإخوان الأسمى، أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم فهو: إصلاح شامل كامل، تتعاون عليه قوى الأمة جميعاً، وتتجه نحوه الأمة جميعاً، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل»
رسالة : المؤتمر السادس،ص205 .
8- اتباع أسلوب الإصلاح الإيجابى الذي يقوم على البناء قبل الهدم:
« ولا يحب الإخوان أن يخلطوا البناء بهدم »
رسالة : المؤتمر الخامس،ص149.
ويقول أيضاً: « إن الناس يعيشون في أكواخ من العقائد البالية، فلا تهدموا عليهم أكواخهم، ولكن ابنوا لهم قصوراً من العقيدة السمحة، وعليه فسوف يهجرون هذه الأكواخ إلى هذه القصور »
رسالة : نحو النور،ص277 .
9- إحياء الأمل في الأمة، بعد إيقاظ الإيمان لديها:
فهذا سمت أساسى في وسائل وأهداف العمل الاجتماعى، أن ندفع روح الإحباط واليأس وأن نوقظ الإيمان والأمل.
فيقول الإمام: « تحتاج الأمة الناهضة إلى الأمل الواسع الفسيح، وقد أمر القرآن أممه بهذا الشعور بأسلوب يخرج من الأمة الميتة، أمة كلها حياة وهمة وأمل وعزم »
رسالة : دعوتنا في طور جديد، ص235 .
ويقول أيضاً: « أيها الناس قبل أن نتحدث إليكم في هذه الدعوة عن الصلاة والصوم، وعن القضاء والحكم، وعن العادات والعبادات، وعن النظم والمعاملات.. نتحدث إليكم عن القلب الحى.. والروح الحى.. والنفس الشاعرة.. والوجدان اليقظ.. والإيمان العميق.
بهذه الأركان الثلاثة: الإيمان بعظمة الرسالة، والاعتزار باعتناقها، والأمل في تأييد الله إياها، فهل أنتم مؤمنون ؟ »
رسالة : إلى الشباب،ص179 .
10- أن الجماعة في منهجها الإصلاحي ليست بديلاً عن المجتمع:
وهى تتعاون مع كل القوى والتيارات التي تسعى للإصلاح: « نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه...».
وهى لا تحتكر الإصلاح لنفسها أو تقصر الخير عليها، وتحفظ لكل ذى قدر قدره، وإنما الدعوة والجماعة من بين هذا المجتمع توقظه وتتعاون مع فئاته المخلصة، وتوجهه وتقوده إلى الخير.
يقول الإمام: « وسنربى شعبنا ليكون منه الشعب المسلم، وسنكون من بين هذا الشعب المسلم » رسالة : إلى الشباب،ص179
«الذى يريده الإخوان إصلاحا شاملا تتعاون عليه قوى الأمة جميعاً، وتتجه نحوه الأمة جميعا » .
« أصلحوا نفوسكم وركزوا دعوتكم وقودوا الأمة إلى الخير ».
رسالة : المؤتمر السادس،ص205
11- الابتعاد عن الأسلوب الحزبى في العمل، وعدم الدخول في صراعات جانبية أو صدامات مع القوى الأخرى:
يقول الإمام في ذلك: « نحن لا نهاجمهم ؛ لأننا في حاجة إلى الجهد الذي يبذل في الخصومة..» رسالة : المؤتمر السادس 215 .
«فهم لهذا أوسع الناس صدراً مع مخالفيهم ».
«الإخوان يجيزون الخلاف، ويكرهون التعصب للرأى، ويحاولون الوصول إلـى الحـق، ويحملون الناس علـى ذلك بألطف وسائل اللين والحب »
رسالة : دعوتنا،ص27.
12- التجرد والإخلاص لله في الدعوة والعمل:
فهي تتجرد عن المنافع والأطماع الشخصية والأهواء، وهى تبرأ من العجب والغرور، وترد الأمر كله لله.
يقول الإمام الشهيد:
« وإنها دعوة بريئة نزيهة قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض» .
« وإننا بحمد الله برآء من المطامع الشخصية بعيدون عن المنافع الذاتية، ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس ولا نعمل إلا ابتغاء مرضاته..»
رسالة : بين الأمس واليوم،ص109 .
«فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية، غير ملونة، وهى مع الحق أينما كان، تحب الإجماع وتكره الشذوذ » .
«ولسنا نمتن بشيء ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلاً " بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين " [ الحجرات: 17 ] »
رسالة : دعوتنا،ص25.
13- الاعتزاز بالدعوة وإعلانها بقوة ووضوح وسط هذا الركام المترامى من الدعوات:
يقول الإمام: « إن العالم الآن تتجاذبه شيوعية روسيا وديمقراطية أمريكا، وهو بينهما مذبذب حائر لن يصل عن طريق إحداهما إلى ما يريد من استقرار وسلامة.. وفى أيديكم أنتم قارورة الدواء من وحى السماء..فمن الواجب علينا أن نعلن هذه الحقيقة في وضوح، ندعو إلى منهاجنا الإسلامي في قوة، ولن يضيرنا أن ليس لنا دولة ولا صولة، فإن قوة الدعوات في ذاتها ثم في قلوب المؤمنين بها، ثم في حاجة العالم إليها، ثم في تأييد الله لها متى شاء أن تكون مظهر إرادته وأثر قدرته »
من آخر ما كتبه الإمام الشهيد في رسالة وجهها إلى الإخوان،ونشرتها مجلة المباحث،16 يناير سنة 1951م.
العمل مع المجتمع لتكوين المجتمع المسلم في مظاهره وصبغته، يشمل كل شرائح المجتمع وطبقاته وفئاته سواء نساء أو رجالا.. أشبالا وأطفالا أو طلبة وكبارا وشيوخا.
وهذا العمل يقوم على تكوين الفرد المسلم والبيت المسلم فهما جزءان أساسيان من تكوين المجتمع المسلم، والتحرك الدعوى فيه.
وقد وضع الإمام الشهيد أهدافاً ومجالات متدرجة لإصلاح المجتمع والعمل فيه، مع تمام الإدراك: أن التغيير الكامل للمجتمع يحتاج إلى انحياز السلطة التنفيذية للإسلام وشريعته، وأن هذه مرحلة لاحقة، ولكن لا يتوقف عن إصلاح المجتمع، وعن إرسال النصيحة وإعلان مناهج الإصلاح في كل جوانب المجتمع.. يتقدم بها إلى السلطات التنفيذية بكل مستوياتها .
رسالة نحو النور ـ رسالة : مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي
وفي هذا يقول الإمام الشهيد: «وإذا كانت هذه الأهداف جميعاً لا تتحقق إلا في ظل الدولة الصالحة، فكان لابد أن تطالبوا بحق الإسلام في إقامة الحكومة التي ترتكز على أصوله وأحكامه وتعاليمه..».
والإخوان حين يتقدمون إلى الحكومات ببرامج الإصلاح، وبعرضون خدماتهم لوضع مطالبهم موضع التنفيذ، يحرصون كل الحرص على أن تبقى هذه الأعمال كلها محكومة بالقواعد الشرعية فلا تشارك في منكر بحجة السياسة.
وهم في جهودهم هذه يخاطبون الحكومات بلسانها وبالأدب الرسمى حرصا على تأليف القلوب، وقد يقتضى الإصلاح التوجه بالخطاب إلى غير المسلمين، ومع هذا فلابد من لزوم أدب المخاطبة دون تذلل كما علمنا الإسلام »
مذكرات الدعوة والداعية.
ومع أن استجابة الحكومات غير موجودة، فإن الإخوان سيستمرون في النصيحة كما قال الإمام الشهيد: « ومع هذا فسنظل في موقف الناصحين، حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين »
رسالة : المؤتمر السادس،ص214.
والإخوان يدركون إنه لابد من إصلاح المجتمع وصبغه بالصبغة الإسلامية، وأن تتوفر فيه جوانب سلوكية ودعوية مطلوبة، وأن يلتف حول الدعوة والجماعة، وحول شريعة الإسلام، ويطالب بها، حتى تأتى الحكومة الإسلامية بعد ذلك.
يقول الإمام الشهيد: «لا نهوض لأمة بغير خلق، فإذا استطاعت الأمة أن تتشبع بروح الجهاد والتضحية، وكبح جماح النفوس والشهوات، أمكنها أن تنجح »
مذكرات الدعوة والداعية،ص158.
مبحث
منهج الإسلام في بناء المجتمع:
منهج الإسلام في بناء المجتمع والمحافظة على سلامته يقوم على أسس محددة، كما أوضح ذلك الإمام الشهيد:
أ - جعل أساس الصلاح والدواء الأول في كل علاج هو صلاح النفوس والتضامن الاجتماعى بين بنى الإنسان
ب- مبدأ الوقاية من المشاكل ومنع عوامل الهدم.
ب - استئصال الأمراض الاجتماعية من جذورها إذا حدثت، فلكل مشكلة عنده لها دواء.
جـ - أن يحيط كل ذلك بما يرفع الحرج ولا يؤدى إلى العنت.
هـ - أن يضع القواعد الكلية، ويدع الفرعيات الجزئية.
و - يرسم طرائق التطبيق.
ز - يفرض نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والتطبيق السليم، حتى تشمل الناس أجمعين.
يقول الإمام الشهيد في ذلك: « وقد عالج الإسلام بعد ذلك مشاكل المجتمعات، فالوقاية مما يؤدى إليها أولا، واستئصال ما عساه أن يحدث منها ثانيا، فلكل مشكلة اجتماعية عنده دواء، والدواء الأول في كل علاج: صلاح النفوس والتضامن الاجتماعى بين بنى الإنسان، والإسلام يحيط بكل ذلك، لا يسلك سبيل العنت، ولا يحمل الناس إلى ما يؤدى إلى الحرج، ولكن يريد بالناس اليسر ولا يريد بهم العسر، ويضع القواعد الكلية، ويدع الفرعيات والجزئية، ويرسم طرائق التطبيق، ويكل للأزمان والعصور بعد ذلك أن تعمل عملها، وهو لذلك شريعة كل زمان ومكان، وهو لذلك يفرض نشر الدعوة حتى تشمل الناس أجمعين، ويتحقق قول الله تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " [الأنبياء: 107]، وإذا قوى الشعور الذي أشرنا إليه آنفا، وأدى نتيجته التي وضعناها الآن، فطبق نظام الإسلام على الفرد والبيت والأمة، ووصلت الرسالة إلى القلب والآذان، فقد نجحت فكرتنا، واستجيبت دعوتنا »
رسالة : دعوتنا في طور جديد،ص237.
كما يشير الإمام أيضا إلى أساس الارتباط والعلاقة بين أفراد المجتمع، وأنها تقوم على هذه الأسس في الإسلام:
1- رباط الأخوة والحب بين أفراد المجتمع، وقد قضى الإسلام على كل ما من شأنه أن يضعف هذه الرابطة أو يمزقها.
2- تحديد الحقوق والواجبات والعلاقات بين الأفراد والهيئات.
3- فصّل في مهمة الحاكم والمحكوم.
4- حدد المعاملات والممارسات بأوضح بيان.
5- حدد ميزان التفاضل والقياس في المجتمع والمساواة بين القانون.
6- حدد صلات الأمم بعضها ببعض، وحقوق كل صنف منها وواجباته، وبذلك أرسى قواعد العلاقات الخارجية الدولية.
7- وجعل الأصل في علاقة أمة الإسلام بغيرها هو: « الدعوة » والتعاون على البر والخير، والتضامن الاجتماعى بين بنى الإنسان.
يقول الإمام الشهيد في ذلك: « وقد وضع الإسلام للأمة قواعد الحياة الاجتماعية السعيدة، فعقد بين بنيها آصرة الأخوة وجعلها قرينة الإيمان، ورفع مستوى هذه الصلة إلى المحبة بل إلى الإيثار، وقضى على كل ما من شأنه أن يمزق هذه الروابط أو يضعف هذه الوشائج، وحدد الحقوق والواجبات، فللأبوة حقها وعليها واجبها، وللبنوة مثال ذلك، ولذوى القربى حقوقهم وعليهم واجباتهم، وفصّل مهمة الحاكم والمحكوم أدق تفصيل، وبين للمعاملات بين الناس أحكامها بأفصح بيان، ولم يجعل لأحد على أحد فضلا إلا بالتقوى، فلا سيد ولا مسود ولا أمراء ولا عبيد، ولكن الناس في ذات الله سواسية كأسنان المشط، إنما يتفاوتون بعمل الصالحات، كذلك حدد صلات الأمم بعضها ببعض، وبين حقوق كل صنف فيها وواجباته، ولم يدع من ذلك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها »
رسالة : دعوتنا في طور جديد،ص236.
مبحث
معالم على طريق العمل مع الجتمع
- أول خطوة في منهج عمل الجماعة مع المجتمع هو الوقوف على الداء الذي أصاب الأمة، وفي هذا يقول الإمام الشهيد: « ضعف الأخلاق وفقدان المثل العليا، وإيثار المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والجبن عن مواجهة الحقائق، والهروب من تبعات العلاج، والفرقة قاتلها الله، هذا هو الداء.والدواء كلمة واحدة هي أيضا ضد هذه الأخلاق، هى: علاج هذه النفوس، أيها الإخوان، وتقويم أخلاق الشعب " قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" [الشمس: 9، 10] »
رسالة : المؤتمر الخامس،ص152.
- العمل مع المجتمع لتهيئته وتربيته ليس مجرد مرحلة تمهيدا لقيام دولة الإسلام، بل هو أمر مستمر لبناء نهضتها، لا ينتهي ولا يضعف بمجرد قيام الدولة، ولكنه طريق طويل من التربية واستكمال نهضة الأمة.
يقول الإمام: « وإن في كل أمة مظاهر من الحياة الاجتماعية تشرف عليها الحكومات وينظمها القانون وتحميها السلطات، فعلى كل أمة شرقية إسلامية أن تعمل على أن تكون كل هذه المظاهر مما يتفق وآداب الدين ويساير تشريع الإسلام وأوامره »
رسالة : إلى أى شيء ندعو الناس،ص48.
ويقول الإمام الشهيد موضحا أبعاد هذه التربية: « يجب أن تكون دعامة النهضة « التربية » فتُربى الأمة أولا وتفهم حقوقها تماما، وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق، وتربى على الإيمان بها، ويُبث في نفسها هذا الإيمان بقوة، أو بعبارة أخرى تدرس منهاج نهضتها درسا نظريا وعمليا وروحيا.
وذلك يستدعى وقتا طويلا ؛ لأنه منهج دراسة يدرس لأمة، فلابد أن تتذرع الأمة بالصبر والأناة والكفاح الطويل، وكل أمة تحاول تخطى حواجز الطبيعة يكون نصيبها الحرمان.
- تجنب الإمام الشهيد في رؤيته وخطته الأخطار والمزالق التي وقعت فيها التجارب السابقة، وهو في منهجه الذي رسمه لدعوته يشير إلى بعض من ذلك، فيقول:
«إنى ألاحظ أن خلق التسرع المركوز في طباعنا وسرعة التأثر وهياج العواطف الذي يبدو فينا واضحاً وغيرهما من أسباب اجتماعية وغير اجتماعية.. جعلت نهضاتنا فورات عاطفية تشتد وتقوى بقوة المؤثر الوقتى وشدته ثم تخمد وتزول كأن لم يكن شيئا ».
«.. وأن الوسائل غير معروفة ولا محدودة، وقد تكون متعاكسة يخبط بعضها بعضاً ونحن لا نشعر ».
«والأمر الثانى: أن الصلة منقطعة تماماً بين السابق واللاحق.. يصل السابق إلى نصف الطريق فإذا جاء اللاحق لم يتبعه لانقطاع الصلة بينهما فيبدأ طريقاً جديداً قد يصل فيه إلى مقدار ما وصل سابقه وقد يقصر عنه.. وقد يسبق قليلاً، ولكنه على كل حال لا يصل بالأمانة إلى النهاية ؛ لأن أعمار الأفراد قصيرة بالنسبة لأعمار النهضات والشعوب. ونحن نتصور أن الواحد يستطيع أن يحقق للأمة كل ما تبتغى، وهى فكرة خيالية وخدعة نفسية عاطفية يجب أن تزول من نفس كل عامل حتى ينتفع بما عمل سلفه...».
« وشاءت الظروف أن نواجه أغاليط الماضى وأن يكون علينا رأب الصدع وجبر الكسر.. وإنقاذ أنفسنا وأبنائنا.. واسترداد عزتنا ومجدنا وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا وأن نعمل على إنقاذ الأمة من الخطر المحدق بها»
رسالة : هل نحن قوم عمليون ؟ ص360.
1- يحدد الإمام البنا متطلبات عملية الإصلاح المجتمعي وأسلوبه ومنهجه فيقول رضي الله عنه:
« لقد طغت العادات ومظاهر الحياة غير الإسلامية علينا، حتى صار المصلح في أشد ما يكون حاجة إلى قوة الإرادة واليقظة، والبحث عن المظاهر الإسلامية بين هذا السيل الجارف من المظاهر.
ولكن حذار أن يشتد على العامة، فيشتد على نفسه ثم على مريديه الذين فهموا غايته ثم يترك الناس يقلدونهم بالاختلاط لا بالأمر والشدة »
مذكرات الدعوة والداعية،ص159.
ويقول الإمام الشهيد: « لهذا يدعو الإخوان إلى أن يكون الأساس الذي تعتمد عليه نهضتنا هو توحيد مظاهر الحياة العملية في الأمة على أساس الإسلام وقواعده »
رسالة : دعوتنا في طور جديد،ص239.
ويقول أيضا: «... وندعو إلى أن تعود مصر إلى تعاليم الإسلام وقواعده، تعتمد عليها وتستمد منها وتبنى على أساسها النهضة الجديدة وتركز عليها الأوضاع الاجتماعية.. ولا يمنع في أن تقتبس الأمة الإسلامية الخير من أى مكان ؛ فليس هناك ما يمنع من أن ننقل كل ما هو نافع مفيد عن غيرنا ونطبقه وفق قواعد ديننا ونظام حياتنا وحاجات شعبنا »
رسالة : هل نحن قوم عمليون ؟.
مبحث
منطلقات العمل مع المجتمع:
العمل مع المجتمع المسلم في منهج الجماعة تدور منطلقاته حول محاور ثلاثة (كل منها يدعم الآخر ويسانده):
1- إيقاظ الإيمان وتجديد الروح: وهذا أساس الانطلاق قبل الحديث عن أى شيء أو تغيير أى سلوك.
ولابد أن تثبت فيه معانى الإيمان، وتجمعه على روعة آيات القرآن وجلال الإسلام، وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويصاحب هذه اليقظة الإيمانية التزامه العبادى بأركان الإسلام وحرصه على فرائضه.
2- توعية الشعب وتربيته (سلوكياً وأخلاقياً وثقافياً وسياسياً) وتحقق الإيجابية لديهم.
3- نشر الدعوة ومبادئها وكسب الأنصار لها.
الأسس التي يقوم عليها الإصلاح الاجتماعى:
ويلخص الإمام الشهيد أصول الإصلاح الاجتماعى الكامل، الذي جاء به الإسلام في الآتى:
1- الربانية.
2- التسامى بالنفس الإنسانية.
3- تقرير عقيدة الجزاء.
4- إعلان الإخوة بين الناس.
5- النهوض بالرجل والمرأة جميعاً، وإعلان التكافل والمساواة وتحديد مهمة كل منهما تحديداً دقيقاً.
6- تأمين المجتمع بتقرير حق الحياة والملك والعمل والصحة والحرية والعلم والأمن لكل فرد وتحديد موارد الكسب.
7- ضبط الغريزتين: غريزة حفظ النفس وحفظ النوع، وتنظيم مطالب الفم والفرج.
8- الشدة في محاربة الجرائم الأصلية.
9- تأكيد وحدة الأمة والقضاء على مظاهر الفرقة وأسبابها.
10- إلزام الأمة الجهاد في سبيل مبادئ الحق التي جاء بها هذا النظام.
11- اعتبار الدولة ممثلة للفكرة، وقائمة على حمايتها ومسؤولة عن تحقيق أهدافها في المجتمع الخاص وإبلاغها إلى الناس جميعاً.
رسالة بين الأمس واليوم
مبحث
مستويات العمل المجتمعي :
تتسع مساحة العمل مع المجتمع وتتدرج لتشمل كل جوانب المجتمع حسب الظروف المتاحة والإمكانيات المتوفرة للصف وأفراده.
والجماعة لا تستمد انطلاقها الاجتماعى ووجودها من قوانين أو إذن حكومى أو منحة من الآخرين، وإنما تستمد هذا الانطلاق من دعوتها ووجودها العملى الواقعى داخل المجتمع ومعايشتها له، فلا يمكن أن يوقف هذا التأثير الاجتماعى قانون أو تضييق، الذي تواجهه الدعوة أصالة بالثبات والمثابرة والحكمة.
وقد حدد الإمام البنا ثلاثة مجالات رئيسية
ومسار العمل المجتمعي أو النضال الدستورى (كما سماه الإمام الشهيد)، تمتد نشاطاته في منهج الجماعة ليغطي المستويات التالية:
1- على المستوى الفردى، بتحرك أفراد الجماعة بالدعوة واحتكاكهم بأفراد المجتمع ومعايشتهم له في مسار حياتهم وأحوالهم..
فأينما وجد الفرد المسلم وجدت الدعوة وتحركت معه.
فالدعوة تُربيه على الذاتية في الحركة الاجتماعية، وعلى التأثير القولى والعملى، وأن يكون قدوة ونموذجاً للدعوة.
2- وكذلك بتكوين التجمعات والجمعيات والنوادى والأوعية الاجتماعية التي تؤدى جانبا من جوانب الخير والإصلاح، وتنشر مفاهيم الإسلام وسلوكياته داخل المجتمع.
وهذه تستعين فيها الدعوة بالمخلصين من أفراد الشعب والمحبين والمتعاطفين وهى تخضع في تشكيلها إجرائيا لقوانين المجتمع وترتيباته.
وهذه الأوعية تمثل واجهات متعددة تحقق للجماعة بعض جوانب النشاط والإصلاح المختلفة، ولا يستلزم لها أن ترفع لافتة الاسم (أى اسم الإخوان عليها) ؛ فقد تأخذ أسماء مختلفة حسب طبيعة القانون والنشاط الذي يحكم ذلك الأمر.
وقد أشار الإمام الشهيد لذلك فقال:
" ليس بلازم في الدعوة أن تكون باسم: (جمعية الإخوان المسلمين)، فليس غرضنا إلا إصلاح النفوس وتهذيب الأرواح، فلتكن الدعوة إلى: مدارس الأنصار، ومعاهد حراء، وأندية التعارف »
مذكرات الدعوة والداعية ،ص152.
3- العمل على المؤسسات القائمة بالمجتمع سواء كانت: اقتصادية، أو اجتماعية، أو تعليمية، أو سياسية، أو مهنية، أو تنفيذية... إلخ.
فتعمل على إيصال الدعوة لكل المؤسسات والتقدم بمناهج الإصلاح، وكسب الأنصار، والدخول فيها وتقديم الرموز الدعوية في كل مجال.. وذلك من خلال الحق الدستورى للمواطنين، والالتزام بالقوانين القائمة.
(مثال لها: نماذج العمل المؤسسى داخل المؤسسات، والدخول في انتخابات النقابات والجمعيات والاتحادات، والمجالس التشريعية والرقابية... إلخ).
صفات وخصائص العمل مع المجتمع:
والعمل العام في الدعوة مع المجتمع له خصائص وصفات، تحرص عليها الدعوة وتربى أفرادها عليه، ويشمل ذلك:
1- روح الحب للمجتمع والحرص عليه، ورغبة الخير له:
وأن يكون ذلك هو الروح المسيطرة والباعثة في حركة الدعاة بالمجتمع.
يقول الإمام الشهيد:
« نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه القلوب أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء...
وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا...
وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان...فنحن نعمل للناس في سبيل الله ».
«فنادوا في قومنا: نحن لكم لا لغيركم..ولن نكون عليكم يوماً من الأيام ».
إننا مع المجتمع كما يقول الإمام: يلقينا بالحجر فنرميهم بالثمر.
فنحن لا نتعالى على المجتمع أو نرفع أنفسنا درجة فوقه أو نحط من شأنه معاذ الله أن نكون كذلك، بل نحن نعتز بدعوة الإسلام ونحب ونحرص أن يشاركنا جمهور المجتمع فيها ليسعد بها في دنياه وآخرته.
2- الاستعانة بكل الوسائل المتاحة:
سواء على المستوى الفردى أو الجماعى، والاستفادة من القوانين وتوظيفها لصالح الدعوة بدلاً من مصادمتها والجمود أمامها.
يقول الإمام: « ووسائل الدعاية الآن غيرها بالأمس كذلك، فقد كانت دعاية الأمس كلمة تلقى في خطبة، أو اجتماع، أو كلمة تكتب في رسالة، أو خطاب، أما الآن فنشرات ومجلات وجرائد ورسالات ومسارح (وخيالات) وحاكٍ ومذياع... إلخ. وقد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم نساءً ورجالاً في بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومزارعهم.
لهذا كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعاً حتى يأتى عملهم بثمرته المطلوبة »
رسالة : دعوتنا،ص22.
3- مواجهة المعوقات والضغوط بالنضال الدستوري:
نحترم الدستور والقانون في المجتمع، لسنا مع التمرد أو الخروج عليه، مع مطالبتنا بتصحيحه وتغييره ليكون منطلقه وسمته التشريع الإسلامي، ولكننا ضد إساءة التطبيق للقانون، وكذلك ضد القانون الذي يحل ما حرم الله ويخالف بوضوح شريعة الإسلام فنحن نواجه ذلك، وندعو إلى التصحيح ونلتزم الأسلوب القانونى في نيل الحقوق، وسلوك كل وسائل النضال الدستورى في ذلك ونواجه التضييق والتجاوز مع الدعوة، بالثبات والمواجهة القانونية والتمسك بحقنا الدستورى.
يقول الإمام الشهيد: «.. الإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأى العام، ويناصرها عن عقيدة وإيمان. ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح، ثم النضال الدستورى حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية، وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية »
رسالة : المؤتمر السادس ص212.
4- اكتساب الجماعة وجودها وشرعيتها من دين ربها:
فالجماعة تكتسب وجودها وشرعيتها ليس من قرار إدارى، أو إرادة حاكم، أو سلطة، ولكنها تستمدها من دينها، ومن دعوتها، ومن الحق الذي آمنت به وترتكن إليه.
« وفى مجال عملها الإصلاحى، تمارس أنشطتها وتلتحم بجماهير الشعب، وبذلك تكتسب هذه الأنشطة شرعية واقعية بين الناس، وتقدم رموزها الدعوية، فيلتف حولها الناس ويساعدونها ».
«ويحرص النظام والسلطة التي تحارب الدعوة، على تغييب اسم الجماعة ورموزها الاجتماعية والسياسية، لارتباط هذا الاسم وهذه الرموز بالبذل والعطاء والخدمة العامة والطهارة والنقاء والمبادرة إلى الخير والاعتدال والرفق بالناس ونبذ العنف.. وبهذه الشرعية الواقعية والمعايشة الفعالة مع الجماهير نرد على حملات التشويه الإعلامية المنظمة، ومحاولات تلفيق التهم لأفرادنا، وإثارة الشبهات حولهم».
الأستاذ مصطفى مشهور،الرؤية الواضحة،ص22.
« علينا أن نعمل لأن تستمر مسيرتنا في الدعوة إلى الله رغم التضييق، ونبتكر لإفادة قومنا ودعوتنا طرقاً جديدة، ونستعيد زمام المبادرة بأطروحات متجددة في القضايا الحيوية يقبلها شعبنا ».
وبهذا يكون «قد صار لنا حضور دائم في حياة الأمة يستعصى على التغييب، وطالما احتفظ الصف بتماسكه وثباته والتفافه حول قيادته الصلبة واستعداده للبذل والتضحية، فلسوف تتنامى مظاهر التفهم لفكرتنا والتعاطف مع حركتنا والتأييد لأعمالنا والالتفاف حولنا بل ونصرتنا إن أوذينا » ا
الأستاذ مصطفى مشهور،الرؤية الواضحة،ص22.
والجماعة في كل مساعيها للمحافظة على شرعيتها الواقعية لا تحرص أو تقدم على استفزاز، فهي لا تستفز ولا تُستفز، ولكنها في الوقت نفسه لا تساوم على مبادئها ولا توقف أنشطتها وبرنامج إصلاحها وتوعيتها لهذا الشعب وتربيته، وتصبر وتتحمل ما تلقاه في سبيل ذلك.
5- رفض أسلوب العنف والإرهاب أو الجبر والإرغام:
سواء مع السلطات التنفيذية أو مع الخصوم والهيئات الأخرى. واحتمال الأذى واحتساب الأمر عند الله عز وجل والدفع بالوسائل السلمية.
ورفض الجماعة لأسلوب استخدام القوة وأعمال العنف في عملها المجتمعي مطلق في كل الأحوال ولو تم ذلك تحت مسمى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. وقد رفض الإمام الشهيد ذلك الأسلوب الذي لا يقوم على فقه شرعى أو بصيرة بالواقع مبكرا ، وأظهر خطأه وآثاره السلبية، والذي يؤدى إلى ضرر أكبر من الفائدة في قضية تحطيم البعض للحانات، ولكنه رحمه الله فضل مع رفضه هذا أن نتبع في ذلك أسلوب الحكمة والظرف المناسب ووسائل الضغط القانونية والشعبية، مع تحليل البواعث والأسباب لوجود هذا الخلل، والسعى لعلاجها.
يقول الإمام:
« معلوم أنه ما من غيور في مصر يتمنى أن يرى فوق أرضها حانة واحدة، وقد ألقى الإخوان تبعة هذا التحطيم على الحكومات قبل الذين فعلوه ؛ لأنها هي التي أحرجت شعبها المسلم هذا الإحراج... ».
«.. نحن نعتقد أن هذا التحدى لم يحن وقته بعد، ولابد من تخير الظرف المناسب أو استخدام منتهى الحكمة فيه، وإنفاذه بصورة أخف ضرراً وأبلغ في الدلالة على المقصد كلفت نظر الحكومة إلى واجبها الإسلامي »
والإخوان في هذا المجال:
« أعمق فكراً وأبعد نظراً من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر فلا يغوصوا إلى أعماقها ولا يزنوا نتائجها وما يقصد منها وما يراد بها »
رسالة : المؤتمر الخامس،ص149.
فهم يضبطون الحماس وينيرون العاطفة بأشعة العقول:
« ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول.. ».
ويقول أيضا: « وهم يتذرعون في ذلك بالصبر والأناة والحكمة والموعظة.. » .
ويحرص الإخوان على البعد عن أسلوب الجبر والإرغام في جمع الشعب على مبادئ الإسلام وترسيخ قيمه وأخلاقياته، وإنما الأخذ بأسلوب « الإقناع » حتى يفقهها الرأى العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان، وذلك بعد إيقاظ الإيمان في قلبه وتفعيل ارتباطه بالقرآن ولجوئه إلى الله.
يقول الإمام الشهيد: « فليست الوسيلة المال، وليست الوسيلة القوة كذلك؛ فالدعوة الحقة إنما تخاطب الأرواح أولاً، وتناجى القلوب، وتطرق مغاليق النفوس.. ».
6- انتهاج المنهج العملى الواقعى:
فالمجتمع في حالة تحتاج إلى: سرعة الأخذ بيده، وإصلاح جوانب الخلل والتدهور فيه، وتربيته على الإسلام، وتقديم جوانب البر والخير إليه، فهذا يحتاج إلى المنهج العملى، وأن نقف مع الشعب في كوارثه وأزماته، وأن نقدم له ما نستطيع من جوانب البر والخدمة العامة، وألا نقف عند حدود ذلك، بل نوقظ إيمانه ونقوى إرادته وننشر فيه نماذج الخير والتكافل والتعاون ونربطه بالإسلام ربطاً حميداً، إنها مواجهة لكل شرائح المجتمع وفئاته وكل مؤسساته، بل هي لا تنحصر في قطر دون قطر.
7- الحفاظ على سمات الدعوة وخصائص منهجها في منهج عملها المجتمعي ، من قبيل :
عمومية الدعوة:
يقول الإمام الشهيد: « دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلى رأى عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهى تتوجه إلى صميم الدين ولبه »
رسالة : دعوتنا،ص25.
« فهي دعوة لا تنحصر في رأى فرعى أو لون خاص أو طائفة خاصة بل هي تسع الجميع بفهمها الشامل للإسلام، والمحدد بأصول الفهم العشرين »
رسالة : التعاليم،ص356.
أنها تضم كل المعانى الإصلاحية:
لأنها تنطلق من مفهوم الإسلام الشامل، فلا تنحصر في مجال دون آخر، فهى: « دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية.. »
رسالة : المؤتمر الخامس،122.
وأنها لا تقف عند حدود العمل العام:
بل تجتهد في جمع قلوب الناس على القرآن وفى التقدم بمناهج الإصلاح لكل الجهات، وتكوين الركائز الإيمانية وعدم الوقوف بالدعوة العامة عند حدود الخطب والمقالات، أو الإصلاح الجزئى للمجتمع، إنما الغاية أشمل من ذلك:
يقول الإمام:
« إن الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء، كل ذلك وحده لا يجدى نفعاً ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعية إلى هدف من الأهداف..».
بل الأمر يحتاج إلى:
« 1- الإيمان العميق.
2- التكوين الدقيق.
3- العمل المتواصل...
فآمنوا بفكرتكم، وتجمعوا حولها، واعملوا لها، واثبتوا عليها»
رسالة : بين الأمس واليوم،ص108 .
وبعد أن ذكر الإمام أنواعا متعددة من مجالات البر والخدمة العامة، يقوم بها الإخوان، يقول:
« لا أيها الإخوان، ليس هذا كل ما نريد، هو بعض ما نريد؛ ابتغاء مرضاة الله.
أما غاية الإخوان الأساسية، أما هدف الإخوان الأسمى، أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم فهو: إصلاح شامل كامل، تتعاون عليه قوى الأمة جميعاً، وتتجه نحوه الأمة جميعاً، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل»
رسالة : المؤتمر السادس،ص205 .
8- اتباع أسلوب الإصلاح الإيجابى الذي يقوم على البناء قبل الهدم:
« ولا يحب الإخوان أن يخلطوا البناء بهدم »
رسالة : المؤتمر الخامس،ص149.
ويقول أيضاً: « إن الناس يعيشون في أكواخ من العقائد البالية، فلا تهدموا عليهم أكواخهم، ولكن ابنوا لهم قصوراً من العقيدة السمحة، وعليه فسوف يهجرون هذه الأكواخ إلى هذه القصور »
رسالة : نحو النور،ص277 .
9- إحياء الأمل في الأمة، بعد إيقاظ الإيمان لديها:
فهذا سمت أساسى في وسائل وأهداف العمل الاجتماعى، أن ندفع روح الإحباط واليأس وأن نوقظ الإيمان والأمل.
فيقول الإمام: « تحتاج الأمة الناهضة إلى الأمل الواسع الفسيح، وقد أمر القرآن أممه بهذا الشعور بأسلوب يخرج من الأمة الميتة، أمة كلها حياة وهمة وأمل وعزم »
رسالة : دعوتنا في طور جديد، ص235 .
ويقول أيضاً: « أيها الناس قبل أن نتحدث إليكم في هذه الدعوة عن الصلاة والصوم، وعن القضاء والحكم، وعن العادات والعبادات، وعن النظم والمعاملات.. نتحدث إليكم عن القلب الحى.. والروح الحى.. والنفس الشاعرة.. والوجدان اليقظ.. والإيمان العميق.
بهذه الأركان الثلاثة: الإيمان بعظمة الرسالة، والاعتزار باعتناقها، والأمل في تأييد الله إياها، فهل أنتم مؤمنون ؟ »
رسالة : إلى الشباب،ص179 .
10- أن الجماعة في منهجها الإصلاحي ليست بديلاً عن المجتمع:
وهى تتعاون مع كل القوى والتيارات التي تسعى للإصلاح: « نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه...».
وهى لا تحتكر الإصلاح لنفسها أو تقصر الخير عليها، وتحفظ لكل ذى قدر قدره، وإنما الدعوة والجماعة من بين هذا المجتمع توقظه وتتعاون مع فئاته المخلصة، وتوجهه وتقوده إلى الخير.
يقول الإمام: « وسنربى شعبنا ليكون منه الشعب المسلم، وسنكون من بين هذا الشعب المسلم » رسالة : إلى الشباب،ص179
«الذى يريده الإخوان إصلاحا شاملا تتعاون عليه قوى الأمة جميعاً، وتتجه نحوه الأمة جميعا » .
« أصلحوا نفوسكم وركزوا دعوتكم وقودوا الأمة إلى الخير ».
رسالة : المؤتمر السادس،ص205
11- الابتعاد عن الأسلوب الحزبى في العمل، وعدم الدخول في صراعات جانبية أو صدامات مع القوى الأخرى:
يقول الإمام في ذلك: « نحن لا نهاجمهم ؛ لأننا في حاجة إلى الجهد الذي يبذل في الخصومة..» رسالة : المؤتمر السادس 215 .
«فهم لهذا أوسع الناس صدراً مع مخالفيهم ».
«الإخوان يجيزون الخلاف، ويكرهون التعصب للرأى، ويحاولون الوصول إلـى الحـق، ويحملون الناس علـى ذلك بألطف وسائل اللين والحب »
رسالة : دعوتنا،ص27.
12- التجرد والإخلاص لله في الدعوة والعمل:
فهي تتجرد عن المنافع والأطماع الشخصية والأهواء، وهى تبرأ من العجب والغرور، وترد الأمر كله لله.
يقول الإمام الشهيد:
« وإنها دعوة بريئة نزيهة قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض» .
« وإننا بحمد الله برآء من المطامع الشخصية بعيدون عن المنافع الذاتية، ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس ولا نعمل إلا ابتغاء مرضاته..»
رسالة : بين الأمس واليوم،ص109 .
«فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية، غير ملونة، وهى مع الحق أينما كان، تحب الإجماع وتكره الشذوذ » .
«ولسنا نمتن بشيء ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلاً " بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين " [ الحجرات: 17 ] »
رسالة : دعوتنا،ص25.
13- الاعتزاز بالدعوة وإعلانها بقوة ووضوح وسط هذا الركام المترامى من الدعوات:
يقول الإمام: « إن العالم الآن تتجاذبه شيوعية روسيا وديمقراطية أمريكا، وهو بينهما مذبذب حائر لن يصل عن طريق إحداهما إلى ما يريد من استقرار وسلامة.. وفى أيديكم أنتم قارورة الدواء من وحى السماء..فمن الواجب علينا أن نعلن هذه الحقيقة في وضوح، ندعو إلى منهاجنا الإسلامي في قوة، ولن يضيرنا أن ليس لنا دولة ولا صولة، فإن قوة الدعوات في ذاتها ثم في قلوب المؤمنين بها، ثم في حاجة العالم إليها، ثم في تأييد الله لها متى شاء أن تكون مظهر إرادته وأثر قدرته »
من آخر ما كتبه الإمام الشهيد في رسالة وجهها إلى الإخوان،ونشرتها مجلة المباحث،16 يناير سنة 1951م.