الأستاذ علي مختار
سؤال يتبادر إلى الأذهان ويطرح نفسه في هذا الوقت بالذات، لماذا فاز الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية؟ وقد اختلفت وجهات نظر الباحثين في سبب فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية خلال هذا العام في عدة دول إسلامية، و في أعوام سابقة في دول أخرى، وتراوحت وجهات النظر إلى عدد من الأسباب، منها:
أولا: شوق الشعوب الإسلامية للعودة للمنهج الإسلامي؛ بعد أن جربت المناهج المستوردة، أو بالأصح: بعد أن فرضت عليها الدول الغربية أو الاستعمارية الحكم بمناهج مستوردة، ففي عدة دول تم استبعاد الحكم بالإسلام أو الحكم بالشريعة الإسلامية الربانية، واستبداله بمناهج أرضية، مثل: المنهج الاشتراكي، أو الرأسمالي، وقد سئمت الشعوب من هذه التجارب والتي فيها تغيير هوية المجتمع الإسلامي، ومسخ شخصيته، وتغيير انتماءه، وإضعاف اعتزازه بثوابته، واشتاق المسلمون ـ بعد انتشار الصحوة الإسلامية ـ إلى أن تتحاكم إلى الكتاب والسنة؛ فلذلك انحازوا للإسلاميين المتمسكين بأصول الدين، واختاروهم على من يتمسك بالمبادئ المستوردة.
مع العلم أن الشعوب في العصر الحديث لم يترك لها المحتلون الفرصة للاختيار، ولم تجرب المنهج الإسلامي، بل فرضت عليها التجارب الأخرى والمناهج المستوردة، وتم تزوير إرادتها ومنعها من التعبير بحرية عما تريد، أو تختار، فلما منحت الفرصة بحرية اختارت من وعدها بتطبيق الإسلام، وهذا يدل على حب الشعوب للإسلام، وإلى شوق الغالبية للتحاكم للمنهج الإسلامي.
وثانيا: لأن الحكام أصحاب المناهج المستوردة قد أسرفوا في نشر الفساد في جميع المجالات، وقاموا بنهب الثروات، واستغلال السلطة، وقلب الموازين، وقهروا البلاد، وظلموا العباد، وتحكموا في مقدرات الوطن، وغيروا وزوروا إرادة الجماهير، وأشعلوا الفتن الطائفية، وفرضوا أنفسهم على الجماهير، بل أرادوا توريث الحكم لأبنائهم من بعدهم وتغيير النظام على أهوائهم، وقد تكون هذه من ضمن أسباب انتفاضة الشعوب، ولما نجحت الثورات في بعض البلاد وأتيحت للشعوب حرية الاختيار، وضمنوا عدم تزوير إرادة الشعوب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة؛ فاختاروا بمحض إرادتهم ولأسباب عديدة أصحاب المنهج الإسلامي؛ ممن جربوهم في عدة مجالات سابقة، مثل: اختيار الشعب التونسي حزب النهضة الإسلامي، وفي المغرب اختار الشعب حركة العدل والمساواة الإسلامية، وفي مصر اختار الناخبون حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور التابع للدعوة السلفية، ومن قبل عدة سنوات وبعد إجراء انتخابات نزيهة في فلسطين، اختار الفسلطينيون حركة حماس الإسلامية، وفي الجزائر فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بأغلبية الأصوات وتلتها حركة مجتمع السلم، وحدث هذا أيضا قبل ذلك في السودان (فوز القوى الإسلامية، ومنها الجبهة الإسلامية) وفي تركيا (منذ أكثر من ثلاثين عاما فاز حزب الرفاة، ثم بعد ذلك حزب العدالة والتنمية)، ومن قبل فاز الإسلاميون في باكستان وفي غيرها.
وهذا يدل على حب الشعوب المسلمة للتخلص من الفاسدين، واشتياق الجماهير للسير في الطريق الحقيقي للتنمية، وتحقيق للإصلاح المنشود والتغيير المأمول.
ثالثا: يدل فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية على أن الشعوب الإسلامية والتي تربت على الإسلام منذ القدم، وتعرضت على يد المحتلين وأذنابهم لمسخ هويتها بالقوة، ونشر المبادئ العلمانية تارة والاشتراكية تارة أخرى، ومع الإبعاد المتعمد للقيم الدينية، وتقديم القيم والمبادئ المستوردة، ومع ذلك احتفظت الشعوب الإسلامية بدينها، وتمكنت من الحفاظ على مبادئها.
رابعا: ما حدث في عدة دول بعد فوز الإسلاميين من حروب مستمرة، أو انقلابات عسكرية يدل على أن الأمر شاق، والطريق طويل، ويحتاج لجهاد مستمر، ويدل على أن الأعداء يتربصون ولا يريدون الخير لشعوبنا، ولا يحبون أن تعود للإسلام، أو تعتز بهويتها، قال تعالى: "وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ ملتهم" سورة البقرة، والدليل على هذا ما حدث في الجزائر حينما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بأغلبية الأصوات في الانتخابات، فحركت الدول الغربية وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا حركت الجيش للقيام بانقلاب عسكري لمنع الإسلاميين من تولي الحكم. وكما حدث أيضاً في فلسطين مع حركة حماس الإسلامية، فقد عمل الأعداء الصهاينة مع عملائهم على إضعاف الحكومة أو انهيارها. وفي تركيا (منذ أكثر من ثلاثين عاما حينما فاز حزب الرفاة ووقفت القوى العلمانية ممثلة في المجلس العسكري ضد الإسلاميين، وأزاحتهم وسجنت رئيس الوزراء المنتخب نجم الدين أربكان بحجج واهية، ثم بعد ذلك بسنوات حقق حزب العدالة والتنمية في تركيا الانتصار في الانتخابات)، وتعرض السودان أيضا لحرب طويلة بعد فوز القوى الإسلامية في الانتخابات.
خامسا: قد يعتقد بعض الباحثين أن فوز الإسلاميين تحقق لبعض الأسباب السابقة، ولكن الأفضل أن نقول: إن الفوز تحقق لعدة عوامل متشابكة، وبعد أن نؤكد أن النصر من عند الله تعالى، وأن تحقيق الفوز يكون بمقدار طاعتنا وإخلاصنا لله، ونبين أن من أهم العوامل هو أن الشعب اختار الإسلاميين لأنهم يقومون بتقديم الخدمات المنوعة باستمرار مثل: الطبية والعلاجية، ويحاولون حل المشكلات الاقتصادية، والاجتماعية بقدر الإمكان، و خصوصا للشعب الفقير الذي لا يفهم في السياسة، فهم يقفون بجوار الشعب دائما وقبل الحكومة خاصة لما تحل المصائب، أو تقع الكوارث كما حصل في زلزال مصر، ويقدم الإسلاميون باستمرار الخدمات لله، وليس لتحقيق الفوز في الانتخابات فقط، وقد حاولت بعض الأحزاب الحكومية تقليد الإسلاميين بمعاونة الناس، ومساعدة الفقراء، ولكن هذا يفعلونه فقط أيام الانتخابات وبلا إخلاص أو بدون استمرار، ولكن الإسلاميين يفعلون ذلك باستمرار ولوجه الله تعالى أولا، إضافة إلى الالتزام بالأخلاق الحميدة، والمبادئ النبيلة ، فهذا سبب مهم لاختيار الشعب لهم.
عبر ودروس تربوية
ونحن على أعتاب مرحلة جديدة انتصر فيها الصابرون، و سوف يكون العهد القادم مشرقا، على الرغم من كثرة المخاطر وتربص الأعداء، وسوف يكون المستقبل زاهرا بإذن الله تعالى خصوصا بعد كسر حاجز الخوف، وبداية تمتع الشعوب بالحريّة والعدالة، وحصولها بأيديها على العزة والكرامة، بدلاً من الذلّ والقهر والعبودية والاستبداد، فعلينا أن نتذكر ببعض المعاني والدروس التربوية، ومنها:
* أن ما تحقق من تقدم أو نصر، فهو من عند الله سبحانه وتعالى، وليس لنا من الأمر شيء، إنما هو أمر الله كان وسيكون تحقيقه بنا أو بغيرنا، ونحمد الله تعالى أن النصر جرى على أيدينا، و هو لم يتحقق إلا لما نصرنا الله تعالى في أنفسنا أولا، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"سورة محمد. فجهادنا وصبرنا مهما كان طويلا فهو ضعيف محدود، ولولا فضل الله ورحمته ما صبرنا ولا وصلنا.
* يجب أن نكثر من ذكر الله تعالى وشكره على كرمه وفضله، حتى تتم النعمة ويكتمل الفضل، ويتواصل العطاء، قال تعالى:"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"سورة إبراهيم، ونحمده سبحانه على ما أولانا من نعمة.
* الإكثار من الاستغفار وترك الاغترار، والاستغفار من الزهو الذي قد يتسرب إلى النفوس، أو القلب، أو الاغترار بما تحقق من أهداف، والاستغفار من الشعور بلذة أو شهوة النصر بعد طول الكفاح، وفرحة الظفر بعد طول العناء، و الاستغفار مما دخل للقلب من وساوس لاستبطاء وعد الله بالنصر، وأيضا الاستغفار من التقصير في حمد الله وشكره، و لأن الاستغفار لحظة الانتصار فيه إشعار للنفس في لحظة الزهو والفخر بأنها في موقف تقصير وعجز، فعليها أن تحد من كبريائها وتتواضع لعظمة الله تعالى.
* التواضع وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والانكسار بين يديه، وهذا الأدب الرباني نتعلمه من موقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، وفي موقف النصر عند فتح مكة فقد دخلها وهو ساجد على ظهر دابته النصر، وسبح وحمد واستغفر كما لقنه ربه إذا جاء نصر الله والفتح.
* الثقة في منهجنا، وفي كتابنا المحفوظ إلى يوم الدين، وفيه أن النصر قادم بإذن الله تعالى"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" سورة التوبة، وقال تعالى: "يُرِيدُونَ ليطفئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" سورة الصف، وقد بشرتنا السنة النبوية بمبشرات عديدة أوضحت أن المستقبل لهاذ الدين، وأن النصر قادم بإذن الله تعالى، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض - أي جمعها وضمها - فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها " رواه مسلم.
و قد بشر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بهذه المبشرات حتى صارت سلوكا و ترسخت في نفوسهم الثقة في أن المستقبل لهذا الدين، وكان من منهج النبي صلى الله عليه وسلم أن يزرع الثقة ويبث الأمل، ويرسخ اليقين أن المستقبل لهذا الدين، وبشرهم حتى في أحلك الظروف مثل ما حدث في غزوة الخندق، وبشرهم بفتح دول فارس والروم والحصول على كنوزهما، وحتى صار هذا الأمر يتحدثون عنه بتلقائية، لدرجة أنهم سألوا عن أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو روميَّة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مدينة هرقل تفتح أولاً" يعني قسطنطينية " رواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وهذا يدل على أنهم قد ترسخ اليقين في نفوسهم أن المستقبل لهذا الدين، ولم تفلح جهود المسلمين في القرون الأولى لفتح القسطنطينية، ولم تفتح بعد محاولات عديدة إلا بعد ما يقرب من ثمانية قرون، ونحن نثق في مبشرات النبي صلى الله عليه وسلم، وإن شاء الله ستفتح روما، ولو بوسائل الفتح الحديثة تصديقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
سؤال يتبادر إلى الأذهان ويطرح نفسه في هذا الوقت بالذات، لماذا فاز الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية؟ وقد اختلفت وجهات نظر الباحثين في سبب فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية خلال هذا العام في عدة دول إسلامية، و في أعوام سابقة في دول أخرى، وتراوحت وجهات النظر إلى عدد من الأسباب، منها:
أولا: شوق الشعوب الإسلامية للعودة للمنهج الإسلامي؛ بعد أن جربت المناهج المستوردة، أو بالأصح: بعد أن فرضت عليها الدول الغربية أو الاستعمارية الحكم بمناهج مستوردة، ففي عدة دول تم استبعاد الحكم بالإسلام أو الحكم بالشريعة الإسلامية الربانية، واستبداله بمناهج أرضية، مثل: المنهج الاشتراكي، أو الرأسمالي، وقد سئمت الشعوب من هذه التجارب والتي فيها تغيير هوية المجتمع الإسلامي، ومسخ شخصيته، وتغيير انتماءه، وإضعاف اعتزازه بثوابته، واشتاق المسلمون ـ بعد انتشار الصحوة الإسلامية ـ إلى أن تتحاكم إلى الكتاب والسنة؛ فلذلك انحازوا للإسلاميين المتمسكين بأصول الدين، واختاروهم على من يتمسك بالمبادئ المستوردة.
مع العلم أن الشعوب في العصر الحديث لم يترك لها المحتلون الفرصة للاختيار، ولم تجرب المنهج الإسلامي، بل فرضت عليها التجارب الأخرى والمناهج المستوردة، وتم تزوير إرادتها ومنعها من التعبير بحرية عما تريد، أو تختار، فلما منحت الفرصة بحرية اختارت من وعدها بتطبيق الإسلام، وهذا يدل على حب الشعوب للإسلام، وإلى شوق الغالبية للتحاكم للمنهج الإسلامي.
وثانيا: لأن الحكام أصحاب المناهج المستوردة قد أسرفوا في نشر الفساد في جميع المجالات، وقاموا بنهب الثروات، واستغلال السلطة، وقلب الموازين، وقهروا البلاد، وظلموا العباد، وتحكموا في مقدرات الوطن، وغيروا وزوروا إرادة الجماهير، وأشعلوا الفتن الطائفية، وفرضوا أنفسهم على الجماهير، بل أرادوا توريث الحكم لأبنائهم من بعدهم وتغيير النظام على أهوائهم، وقد تكون هذه من ضمن أسباب انتفاضة الشعوب، ولما نجحت الثورات في بعض البلاد وأتيحت للشعوب حرية الاختيار، وضمنوا عدم تزوير إرادة الشعوب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة؛ فاختاروا بمحض إرادتهم ولأسباب عديدة أصحاب المنهج الإسلامي؛ ممن جربوهم في عدة مجالات سابقة، مثل: اختيار الشعب التونسي حزب النهضة الإسلامي، وفي المغرب اختار الشعب حركة العدل والمساواة الإسلامية، وفي مصر اختار الناخبون حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور التابع للدعوة السلفية، ومن قبل عدة سنوات وبعد إجراء انتخابات نزيهة في فلسطين، اختار الفسلطينيون حركة حماس الإسلامية، وفي الجزائر فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بأغلبية الأصوات وتلتها حركة مجتمع السلم، وحدث هذا أيضا قبل ذلك في السودان (فوز القوى الإسلامية، ومنها الجبهة الإسلامية) وفي تركيا (منذ أكثر من ثلاثين عاما فاز حزب الرفاة، ثم بعد ذلك حزب العدالة والتنمية)، ومن قبل فاز الإسلاميون في باكستان وفي غيرها.
وهذا يدل على حب الشعوب المسلمة للتخلص من الفاسدين، واشتياق الجماهير للسير في الطريق الحقيقي للتنمية، وتحقيق للإصلاح المنشود والتغيير المأمول.
ثالثا: يدل فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية على أن الشعوب الإسلامية والتي تربت على الإسلام منذ القدم، وتعرضت على يد المحتلين وأذنابهم لمسخ هويتها بالقوة، ونشر المبادئ العلمانية تارة والاشتراكية تارة أخرى، ومع الإبعاد المتعمد للقيم الدينية، وتقديم القيم والمبادئ المستوردة، ومع ذلك احتفظت الشعوب الإسلامية بدينها، وتمكنت من الحفاظ على مبادئها.
رابعا: ما حدث في عدة دول بعد فوز الإسلاميين من حروب مستمرة، أو انقلابات عسكرية يدل على أن الأمر شاق، والطريق طويل، ويحتاج لجهاد مستمر، ويدل على أن الأعداء يتربصون ولا يريدون الخير لشعوبنا، ولا يحبون أن تعود للإسلام، أو تعتز بهويتها، قال تعالى: "وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ ملتهم" سورة البقرة، والدليل على هذا ما حدث في الجزائر حينما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بأغلبية الأصوات في الانتخابات، فحركت الدول الغربية وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا حركت الجيش للقيام بانقلاب عسكري لمنع الإسلاميين من تولي الحكم. وكما حدث أيضاً في فلسطين مع حركة حماس الإسلامية، فقد عمل الأعداء الصهاينة مع عملائهم على إضعاف الحكومة أو انهيارها. وفي تركيا (منذ أكثر من ثلاثين عاما حينما فاز حزب الرفاة ووقفت القوى العلمانية ممثلة في المجلس العسكري ضد الإسلاميين، وأزاحتهم وسجنت رئيس الوزراء المنتخب نجم الدين أربكان بحجج واهية، ثم بعد ذلك بسنوات حقق حزب العدالة والتنمية في تركيا الانتصار في الانتخابات)، وتعرض السودان أيضا لحرب طويلة بعد فوز القوى الإسلامية في الانتخابات.
خامسا: قد يعتقد بعض الباحثين أن فوز الإسلاميين تحقق لبعض الأسباب السابقة، ولكن الأفضل أن نقول: إن الفوز تحقق لعدة عوامل متشابكة، وبعد أن نؤكد أن النصر من عند الله تعالى، وأن تحقيق الفوز يكون بمقدار طاعتنا وإخلاصنا لله، ونبين أن من أهم العوامل هو أن الشعب اختار الإسلاميين لأنهم يقومون بتقديم الخدمات المنوعة باستمرار مثل: الطبية والعلاجية، ويحاولون حل المشكلات الاقتصادية، والاجتماعية بقدر الإمكان، و خصوصا للشعب الفقير الذي لا يفهم في السياسة، فهم يقفون بجوار الشعب دائما وقبل الحكومة خاصة لما تحل المصائب، أو تقع الكوارث كما حصل في زلزال مصر، ويقدم الإسلاميون باستمرار الخدمات لله، وليس لتحقيق الفوز في الانتخابات فقط، وقد حاولت بعض الأحزاب الحكومية تقليد الإسلاميين بمعاونة الناس، ومساعدة الفقراء، ولكن هذا يفعلونه فقط أيام الانتخابات وبلا إخلاص أو بدون استمرار، ولكن الإسلاميين يفعلون ذلك باستمرار ولوجه الله تعالى أولا، إضافة إلى الالتزام بالأخلاق الحميدة، والمبادئ النبيلة ، فهذا سبب مهم لاختيار الشعب لهم.
عبر ودروس تربوية
ونحن على أعتاب مرحلة جديدة انتصر فيها الصابرون، و سوف يكون العهد القادم مشرقا، على الرغم من كثرة المخاطر وتربص الأعداء، وسوف يكون المستقبل زاهرا بإذن الله تعالى خصوصا بعد كسر حاجز الخوف، وبداية تمتع الشعوب بالحريّة والعدالة، وحصولها بأيديها على العزة والكرامة، بدلاً من الذلّ والقهر والعبودية والاستبداد، فعلينا أن نتذكر ببعض المعاني والدروس التربوية، ومنها:
* أن ما تحقق من تقدم أو نصر، فهو من عند الله سبحانه وتعالى، وليس لنا من الأمر شيء، إنما هو أمر الله كان وسيكون تحقيقه بنا أو بغيرنا، ونحمد الله تعالى أن النصر جرى على أيدينا، و هو لم يتحقق إلا لما نصرنا الله تعالى في أنفسنا أولا، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"سورة محمد. فجهادنا وصبرنا مهما كان طويلا فهو ضعيف محدود، ولولا فضل الله ورحمته ما صبرنا ولا وصلنا.
* يجب أن نكثر من ذكر الله تعالى وشكره على كرمه وفضله، حتى تتم النعمة ويكتمل الفضل، ويتواصل العطاء، قال تعالى:"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"سورة إبراهيم، ونحمده سبحانه على ما أولانا من نعمة.
* الإكثار من الاستغفار وترك الاغترار، والاستغفار من الزهو الذي قد يتسرب إلى النفوس، أو القلب، أو الاغترار بما تحقق من أهداف، والاستغفار من الشعور بلذة أو شهوة النصر بعد طول الكفاح، وفرحة الظفر بعد طول العناء، و الاستغفار مما دخل للقلب من وساوس لاستبطاء وعد الله بالنصر، وأيضا الاستغفار من التقصير في حمد الله وشكره، و لأن الاستغفار لحظة الانتصار فيه إشعار للنفس في لحظة الزهو والفخر بأنها في موقف تقصير وعجز، فعليها أن تحد من كبريائها وتتواضع لعظمة الله تعالى.
* التواضع وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والانكسار بين يديه، وهذا الأدب الرباني نتعلمه من موقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، وفي موقف النصر عند فتح مكة فقد دخلها وهو ساجد على ظهر دابته النصر، وسبح وحمد واستغفر كما لقنه ربه إذا جاء نصر الله والفتح.
* الثقة في منهجنا، وفي كتابنا المحفوظ إلى يوم الدين، وفيه أن النصر قادم بإذن الله تعالى"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" سورة التوبة، وقال تعالى: "يُرِيدُونَ ليطفئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" سورة الصف، وقد بشرتنا السنة النبوية بمبشرات عديدة أوضحت أن المستقبل لهاذ الدين، وأن النصر قادم بإذن الله تعالى، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض - أي جمعها وضمها - فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها " رواه مسلم.
و قد بشر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بهذه المبشرات حتى صارت سلوكا و ترسخت في نفوسهم الثقة في أن المستقبل لهذا الدين، وكان من منهج النبي صلى الله عليه وسلم أن يزرع الثقة ويبث الأمل، ويرسخ اليقين أن المستقبل لهذا الدين، وبشرهم حتى في أحلك الظروف مثل ما حدث في غزوة الخندق، وبشرهم بفتح دول فارس والروم والحصول على كنوزهما، وحتى صار هذا الأمر يتحدثون عنه بتلقائية، لدرجة أنهم سألوا عن أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو روميَّة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مدينة هرقل تفتح أولاً" يعني قسطنطينية " رواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وهذا يدل على أنهم قد ترسخ اليقين في نفوسهم أن المستقبل لهذا الدين، ولم تفلح جهود المسلمين في القرون الأولى لفتح القسطنطينية، ولم تفتح بعد محاولات عديدة إلا بعد ما يقرب من ثمانية قرون، ونحن نثق في مبشرات النبي صلى الله عليه وسلم، وإن شاء الله ستفتح روما، ولو بوسائل الفتح الحديثة تصديقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.