تداعيات الحدث السوري على السياسات الإقليمية والدولية
تشير التقارير والتسريبات الى أن تداعيات الحدث السوري قد بدأت تأخذ طابعاً عابراً للحدود، فما هي حقيقة هذه التداعيات ولماذا الطابع العابر للحدود، وما هو نطاق امتداد هذه التداعيات على المستوى الإقليمي والمستوى الدولي؟ نطاق التأثيرات الإقليمية بدا واضحاً منذ أيام الاحتجاجات السورية الأولى، بأن البيئة الإقليمية الشرق أوسطية السورية، وعلى وجه الخصوص دول الجوار الإقليمي السوري، قد أظهرت قدراً أكبر من الاهتمام لجهة احتمالات التداعيات السلبية والإيجابية المحتملة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي: • تركيا: انطوى الأداء السلوكي التركي الرسمي على قدر كبير من الارتباك، فقد سعت أنقرا من جهة إلى الرغبة في التعاون مع دمشق لجهة تحقيق التهدئة، وفي نفس الوقت سعت أنقرا لجهة التفاهم مع واشنطن وبعض الأطراف الأوروبية الغربية الأخرى حول كيفية التعامل إذا شهدت وقائع الحدث السوري المزيد من التصعيدات الجديدة.
الارتباك وعدم الانسجام الذي أظهرته أنقرا، فسره المراقبون، على أساس اعتبارات أن أنقرا لم تكن تمتلك أي تخمين يحدد بوضوح مدى تداعيات مخاطر انتقال عدوى الاحتجاجات التونسية ـ المصرية ـ اليمنية ـ البحرينية إلى بقية مناطق الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص إلى سوريا والتي تؤثر بدورها بشكل مباشر على تركيا، وأشارت التسريبات إلى أن أسباب مخاوف أنقرا تضمنت: احتمالات أن تنتقل عدوى التصعيدات إلى مناطق التمرد الكردي التركي، وأيضاً إلى احتمالات أن تسعى القوى السياسية التركية المعارضة لحكومة حزب العدالة والتنمية لجهة القيام بعمليات التعبئة السياسية السلبية الفاعلة بما يخلق قدراً من الفوضى والاضطراب يمكن أن يتيح لجنرالات المؤسسة العسكرية التركية المزيد من ذرائع ومبررات القيام بعمل عسكري ضد الحكومة التركية، وإضافة لذلك، تدرك أنقرا جيداً بأن قدراً كبيراً جداً من استراتيجية السياسة الخارجية التركية الشرق أوسطية يقوم على تأثير العامل السوري، وإضافة لذلك تشير بعض التسريبات إلى أن أنقرا سعت إلى التفاهم مع واشنطن لجهة بناء موقف مشترك أمريكي ـ تركي استباقي يتيح لأنقرا الحفاظ على توازنات مصالحها الحيوية خلال الفترات القادمة.
• لبنان: تعاني الساحة السياسية اللبنانية أصلاً من حالة انقسام ثنائي، بين طرف مرتبط بأمريكا والغرب الأوروبي وطرف وطني أكثر اهتماماً بتعزيز الروابط مع سوريا، وعلى هذه الخلفية نظر حلفاء واشنطن اللبنانيين، والذين هم خصوم سوريا، للاحتجاجات السورية على افتراض أنها مؤشر سوف ينعكس إيجابياً على موقفهم في الصراع اللبناني ـ اللبناني الداخلي، وبالفعل فقد سعت هذه الأطراف إلى تقديم المزيد من الدعم الساعي إلى رفع وتيرة الاحتجاجات وتصعيد عمليات التعبئة السلبية الفاعلة داخل سوريا، وبالمقابل سعى (بعض) حلفاء سوريا اللبنانيين لجهة العمل بنشاط وهمة لجهة دعم جهود دمشق الرامية لاحتواء المخاطر بما ينسجم مع مبدأ تحقيق استقرار المنطقة.
• الأردن: ظلت الساحة السياسية الأردنية تعاني من أزمة سياسية متزايدة الضغوط منذ أكثر من عامين، وما كان لافتاً للنظر أن القوى الإسلامية الأردنية المعارضة للنظ ام الملكي الأردني، ظلت طوال فترة الحدث السوري وهي أكثر اهتماماً لجهة معرفة ما يمكن أن يؤدي إليه.
وبرغم أن القوى الأردنية المعارضة لنظام عمان، ظلت أكثر اهتماماً بالتوافق مع توجهات دمشق المعارضة والرافضة للمشروع الإسرائيلي ـ الأمريكي في المنطقة، فإن ردود أفعال هذه القوى الأردنية إزاء الحدث السوري، حملت بين ثناياها قدراً كبيراً من مشاعر عدم التجاوب الإيجابي لجهة دعم جهود دمشق الرامية إلى حفظ الاستقرار، وحتى الآن، لا نستطيع القول بأن مواقف المعارضة الأردنية كانت من قبيل الاهتمام بصراعها الداخلي، أم أنه الصمت الذي ينظر بـ(عين الرضا) على ما يحدث ويجري في درعا المجاورة للحدود الأردنية ـ السورية! أما بالنسبة لإسرائيل، فقد خيمت المزيد من الأجواء الكابوسية، وذلك بما تضمن حالة من الارتباك، الذي انعكس بدوره في محتوى التحليلات السياسية التي نشرتها الصحف الإسرائيلية والمواقع الالكترونية الخاصة بمراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص: مركز أورشليم للدراسات السياسية العامة، ومعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------- * نطاق التأثيرات الدولية التدقيق الفاحص في محتوى ومضمون خلفيات ردود الأفعال الدولية، وأداءها السلوكي الدولي خلال فترة الحدث السوري، يشير بكل وضوح إلى وجود نوعين من التأثيرات، يمكن الإشارة إليهما على النحو الآتي: • التأثيرات الجزئية: وتضمنت الآتي: ـ واشنطن: حدثت حالة انقسام أمريكي ـ أمريكي داخل الإدارة الأمريكية (السلطة التنفيذية) وداخل الكونغرس الأمريكي (السلطة التشريعية)، وفي هذا الخصوص سعت الإدارة الأمريكية إلى اعتماد تصريحات أقل حدة من تصريحاتها السابقة ضد ليبيا ومصر، وبالنسبة للكونغرس الأمريكي، فقد سعت أقلية من أعضاء الكونغرس المرتبطين بجماعة المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي لجهة المطالبة بضرورة أن تسعى الإدارة الأمريكية من أجل ممارسة الضغوط أكثر فأكثر ضد دمشق، وكان السيناتور الجمهوري جون ماكين، واليهودي الأمريكي السيناتور جو ليبرمان من أبرز المطالبين بذلك.
ـ موسكو: ظلت أكثر اهتماماً بمتابعة تطورات الحدث السوري، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات التي أوردتها مؤسسة جيمس تاون الأمريكية، بأن المخاوف الروسية بلغت أشدها من احتمالات تصاعد تداعيات الحدث السوري بما يؤدي إلى انتقال العدوى إلى مناطق القوقاز الشمالي (الشيشان ـ أنغوشيا ـ داغستان ـ شركيسيا ـ كاباردينو بلغاريا) ومناطق آسيا الوسطى (كازاخستان ـ أوزبكستان ـ طاجكستان ـ تركمانستان ـ كيرغيزستان).
الأمر الذي دفع بموسكو إلى التأهب من أجل إعداد وتفعيل الترتيبات اللازمة لصد انتقال العدوى.
• التأثيرات الكلية: ويمكن حصرها ضمن نطاقين، هما: ـ الاتحاد الأوروبي: ظلت دول الاتحاد الأوروبي الثلاثة الرئيسية (فرنسا ـ بريطانيا ـ ألمانيا) أكثر اهتماماً بإطلاق التصريحات التي تنسجم مع تصريحات الإدارة الأمريكية، لجهة مطالبة دمشق بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين، والإسراع بإجراء الإصلاحات، وبرغم ذلك، فما كان لافتاً للنظر تمثل في قيام الأطراف الأوروبية بإعداد مسودة بيان وتقديمها لمجلس الأمن، بما يتضمن دفع المجلس من أجل إصدار قرار دولي توقع الخبراء والمراقبون بأنه سوف يشكل الخطوة الأولى لجهة تدويل الحدث السوري، ضمن سيناريو أشبه بسيناريو الحدث الليبي.
ـ الأمم المتحدة: سعى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لجهة إطلاق التصريحات المنسجمة مع التصريحات الأمريكية والأوروبية، وما كان لافتاً للنظر أن مسودة مشروع قرار البيان الدولي المقدمة بواسطة الأطراف الأوروبية لم تجد طريقها إلى المجلس وذلك بسبب الرفض الروسي القاطع.
هذا، وتقول التسريبات، بأن واشنطن ظلت أكثر اهتماماً بالتصعيد أكثر فأكثر سواء داخل سوريا، أو في مجلس الأمن الدولي، ولكن، وبحسب التسريبات والتحليلات، فقد سعت واشنطن إلى استخدام أكثر الأساليب خبثاً، لجهة ترك حلفاءها الأوروبيين يقومون بـ(المهمة القذرة)، وذلك تفادياً للآتي: • المواجهة مع موسكو، وذلك بما لا يفسح المجال أمام المزيد من الخلافات الروسية ـ الأمريكية التي قد تلحق المزيد من الأضرار بالتفاهمات الروسية ـ الأمريكية التي سبق وأن تحققت في مجالات الحد من انتشار الأسلحة النووية وشؤون ضبط التسلح وملفات نشر شبكات الدفاع الصاروخي.
• عدم إشاعة مشاعر الكراهية ضد أمريكا في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن الإدارة الأمريكية تفهم جيداً مدى معاداة الرأي العام العربي والإسلامي لتوجهات واشنطن الداعمة لإسرائيل والمعادية لطموحات شعوب المنطقة.
ولكن، ما هو مهم تمثل في أن واشنطن سعت إلى استخدام حلفاءها الأوروبيين لجهة القيام بالمزيد من عمليات ابتزاز موسكو، خاصة وأن واشنطن أصبحت تدرك جيداً أن موسكو تسعى إلى الامتناع عن معارضة مشروعات القرارات الدولية التي تتقدم بها الأطراف الأوروبية في مجلس الأمن الدولي وذلك حفاظاً على سلامة مصالح موسكو الاقتصادية والتجارية والأمنية مع الأوروبيين، وإضافة لذلك تقول بعض التسريبات، بأن أبرز تداعيات الحدث السوري على موسكو تمثل في دفع بوتين ـ مدفيديف إلى طي صفحة خلافاتهما، وبكلمات أخرى فقد سعى مدفيديف إلى دعم التوجهات الأمريكية ـ الأوروبية ضد نظام القذافي، بينما سعى بوتين إلى معارضة ذلك، ولكن، وعلى خلفية تطورات الحدث السوري، أدرك مدفيديف مدى خطورة الأمر، وبالتالي سارع إلى دعم موقف بوتين الرافض لفكرة تدويل الحدث السوري، وأيضاً إلى التراجع عن الموقف السابق إزاء الحدث الليبي، بما دفعه إلى إطلاق بعض التصريحات التي تتهم التحالف الدولي بأنه تجاوز حدود الصلاحيات المخولة له بواسطة القرار الدولي رقم /1973/ الخاص بإقامة منطقة حظر الطيران ضد ليبيا.
هذا وتقول آخر التسريبات بأن مخطط تدويل الحدث السوري بواسطة مجلس الأمن قد تم إحباطه تماماً، وذلك ليس بسبب الرفض الروسي القاطع بتمرير القرار، وإنما لسبب بسيط تمثل في انحسار مفاعيل الحدث السوري في الداخل، بعد أن اتضحت بقدر كافٍ مدى عمق تورط الأطراف الخارجية لجهة القيام بدفع الأحداث نحو الاضطراب وتقويض الاستقرار على المستويين السوري والإقليمي الشرق أوسطي.
تشير التقارير والتسريبات الى أن تداعيات الحدث السوري قد بدأت تأخذ طابعاً عابراً للحدود، فما هي حقيقة هذه التداعيات ولماذا الطابع العابر للحدود، وما هو نطاق امتداد هذه التداعيات على المستوى الإقليمي والمستوى الدولي؟ نطاق التأثيرات الإقليمية بدا واضحاً منذ أيام الاحتجاجات السورية الأولى، بأن البيئة الإقليمية الشرق أوسطية السورية، وعلى وجه الخصوص دول الجوار الإقليمي السوري، قد أظهرت قدراً أكبر من الاهتمام لجهة احتمالات التداعيات السلبية والإيجابية المحتملة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي: • تركيا: انطوى الأداء السلوكي التركي الرسمي على قدر كبير من الارتباك، فقد سعت أنقرا من جهة إلى الرغبة في التعاون مع دمشق لجهة تحقيق التهدئة، وفي نفس الوقت سعت أنقرا لجهة التفاهم مع واشنطن وبعض الأطراف الأوروبية الغربية الأخرى حول كيفية التعامل إذا شهدت وقائع الحدث السوري المزيد من التصعيدات الجديدة.
الارتباك وعدم الانسجام الذي أظهرته أنقرا، فسره المراقبون، على أساس اعتبارات أن أنقرا لم تكن تمتلك أي تخمين يحدد بوضوح مدى تداعيات مخاطر انتقال عدوى الاحتجاجات التونسية ـ المصرية ـ اليمنية ـ البحرينية إلى بقية مناطق الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص إلى سوريا والتي تؤثر بدورها بشكل مباشر على تركيا، وأشارت التسريبات إلى أن أسباب مخاوف أنقرا تضمنت: احتمالات أن تنتقل عدوى التصعيدات إلى مناطق التمرد الكردي التركي، وأيضاً إلى احتمالات أن تسعى القوى السياسية التركية المعارضة لحكومة حزب العدالة والتنمية لجهة القيام بعمليات التعبئة السياسية السلبية الفاعلة بما يخلق قدراً من الفوضى والاضطراب يمكن أن يتيح لجنرالات المؤسسة العسكرية التركية المزيد من ذرائع ومبررات القيام بعمل عسكري ضد الحكومة التركية، وإضافة لذلك، تدرك أنقرا جيداً بأن قدراً كبيراً جداً من استراتيجية السياسة الخارجية التركية الشرق أوسطية يقوم على تأثير العامل السوري، وإضافة لذلك تشير بعض التسريبات إلى أن أنقرا سعت إلى التفاهم مع واشنطن لجهة بناء موقف مشترك أمريكي ـ تركي استباقي يتيح لأنقرا الحفاظ على توازنات مصالحها الحيوية خلال الفترات القادمة.
• لبنان: تعاني الساحة السياسية اللبنانية أصلاً من حالة انقسام ثنائي، بين طرف مرتبط بأمريكا والغرب الأوروبي وطرف وطني أكثر اهتماماً بتعزيز الروابط مع سوريا، وعلى هذه الخلفية نظر حلفاء واشنطن اللبنانيين، والذين هم خصوم سوريا، للاحتجاجات السورية على افتراض أنها مؤشر سوف ينعكس إيجابياً على موقفهم في الصراع اللبناني ـ اللبناني الداخلي، وبالفعل فقد سعت هذه الأطراف إلى تقديم المزيد من الدعم الساعي إلى رفع وتيرة الاحتجاجات وتصعيد عمليات التعبئة السلبية الفاعلة داخل سوريا، وبالمقابل سعى (بعض) حلفاء سوريا اللبنانيين لجهة العمل بنشاط وهمة لجهة دعم جهود دمشق الرامية لاحتواء المخاطر بما ينسجم مع مبدأ تحقيق استقرار المنطقة.
• الأردن: ظلت الساحة السياسية الأردنية تعاني من أزمة سياسية متزايدة الضغوط منذ أكثر من عامين، وما كان لافتاً للنظر أن القوى الإسلامية الأردنية المعارضة للنظ ام الملكي الأردني، ظلت طوال فترة الحدث السوري وهي أكثر اهتماماً لجهة معرفة ما يمكن أن يؤدي إليه.
وبرغم أن القوى الأردنية المعارضة لنظام عمان، ظلت أكثر اهتماماً بالتوافق مع توجهات دمشق المعارضة والرافضة للمشروع الإسرائيلي ـ الأمريكي في المنطقة، فإن ردود أفعال هذه القوى الأردنية إزاء الحدث السوري، حملت بين ثناياها قدراً كبيراً من مشاعر عدم التجاوب الإيجابي لجهة دعم جهود دمشق الرامية إلى حفظ الاستقرار، وحتى الآن، لا نستطيع القول بأن مواقف المعارضة الأردنية كانت من قبيل الاهتمام بصراعها الداخلي، أم أنه الصمت الذي ينظر بـ(عين الرضا) على ما يحدث ويجري في درعا المجاورة للحدود الأردنية ـ السورية! أما بالنسبة لإسرائيل، فقد خيمت المزيد من الأجواء الكابوسية، وذلك بما تضمن حالة من الارتباك، الذي انعكس بدوره في محتوى التحليلات السياسية التي نشرتها الصحف الإسرائيلية والمواقع الالكترونية الخاصة بمراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص: مركز أورشليم للدراسات السياسية العامة، ومعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------- * نطاق التأثيرات الدولية التدقيق الفاحص في محتوى ومضمون خلفيات ردود الأفعال الدولية، وأداءها السلوكي الدولي خلال فترة الحدث السوري، يشير بكل وضوح إلى وجود نوعين من التأثيرات، يمكن الإشارة إليهما على النحو الآتي: • التأثيرات الجزئية: وتضمنت الآتي: ـ واشنطن: حدثت حالة انقسام أمريكي ـ أمريكي داخل الإدارة الأمريكية (السلطة التنفيذية) وداخل الكونغرس الأمريكي (السلطة التشريعية)، وفي هذا الخصوص سعت الإدارة الأمريكية إلى اعتماد تصريحات أقل حدة من تصريحاتها السابقة ضد ليبيا ومصر، وبالنسبة للكونغرس الأمريكي، فقد سعت أقلية من أعضاء الكونغرس المرتبطين بجماعة المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي لجهة المطالبة بضرورة أن تسعى الإدارة الأمريكية من أجل ممارسة الضغوط أكثر فأكثر ضد دمشق، وكان السيناتور الجمهوري جون ماكين، واليهودي الأمريكي السيناتور جو ليبرمان من أبرز المطالبين بذلك.
ـ موسكو: ظلت أكثر اهتماماً بمتابعة تطورات الحدث السوري، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات التي أوردتها مؤسسة جيمس تاون الأمريكية، بأن المخاوف الروسية بلغت أشدها من احتمالات تصاعد تداعيات الحدث السوري بما يؤدي إلى انتقال العدوى إلى مناطق القوقاز الشمالي (الشيشان ـ أنغوشيا ـ داغستان ـ شركيسيا ـ كاباردينو بلغاريا) ومناطق آسيا الوسطى (كازاخستان ـ أوزبكستان ـ طاجكستان ـ تركمانستان ـ كيرغيزستان).
الأمر الذي دفع بموسكو إلى التأهب من أجل إعداد وتفعيل الترتيبات اللازمة لصد انتقال العدوى.
• التأثيرات الكلية: ويمكن حصرها ضمن نطاقين، هما: ـ الاتحاد الأوروبي: ظلت دول الاتحاد الأوروبي الثلاثة الرئيسية (فرنسا ـ بريطانيا ـ ألمانيا) أكثر اهتماماً بإطلاق التصريحات التي تنسجم مع تصريحات الإدارة الأمريكية، لجهة مطالبة دمشق بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين، والإسراع بإجراء الإصلاحات، وبرغم ذلك، فما كان لافتاً للنظر تمثل في قيام الأطراف الأوروبية بإعداد مسودة بيان وتقديمها لمجلس الأمن، بما يتضمن دفع المجلس من أجل إصدار قرار دولي توقع الخبراء والمراقبون بأنه سوف يشكل الخطوة الأولى لجهة تدويل الحدث السوري، ضمن سيناريو أشبه بسيناريو الحدث الليبي.
ـ الأمم المتحدة: سعى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لجهة إطلاق التصريحات المنسجمة مع التصريحات الأمريكية والأوروبية، وما كان لافتاً للنظر أن مسودة مشروع قرار البيان الدولي المقدمة بواسطة الأطراف الأوروبية لم تجد طريقها إلى المجلس وذلك بسبب الرفض الروسي القاطع.
هذا، وتقول التسريبات، بأن واشنطن ظلت أكثر اهتماماً بالتصعيد أكثر فأكثر سواء داخل سوريا، أو في مجلس الأمن الدولي، ولكن، وبحسب التسريبات والتحليلات، فقد سعت واشنطن إلى استخدام أكثر الأساليب خبثاً، لجهة ترك حلفاءها الأوروبيين يقومون بـ(المهمة القذرة)، وذلك تفادياً للآتي: • المواجهة مع موسكو، وذلك بما لا يفسح المجال أمام المزيد من الخلافات الروسية ـ الأمريكية التي قد تلحق المزيد من الأضرار بالتفاهمات الروسية ـ الأمريكية التي سبق وأن تحققت في مجالات الحد من انتشار الأسلحة النووية وشؤون ضبط التسلح وملفات نشر شبكات الدفاع الصاروخي.
• عدم إشاعة مشاعر الكراهية ضد أمريكا في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن الإدارة الأمريكية تفهم جيداً مدى معاداة الرأي العام العربي والإسلامي لتوجهات واشنطن الداعمة لإسرائيل والمعادية لطموحات شعوب المنطقة.
ولكن، ما هو مهم تمثل في أن واشنطن سعت إلى استخدام حلفاءها الأوروبيين لجهة القيام بالمزيد من عمليات ابتزاز موسكو، خاصة وأن واشنطن أصبحت تدرك جيداً أن موسكو تسعى إلى الامتناع عن معارضة مشروعات القرارات الدولية التي تتقدم بها الأطراف الأوروبية في مجلس الأمن الدولي وذلك حفاظاً على سلامة مصالح موسكو الاقتصادية والتجارية والأمنية مع الأوروبيين، وإضافة لذلك تقول بعض التسريبات، بأن أبرز تداعيات الحدث السوري على موسكو تمثل في دفع بوتين ـ مدفيديف إلى طي صفحة خلافاتهما، وبكلمات أخرى فقد سعى مدفيديف إلى دعم التوجهات الأمريكية ـ الأوروبية ضد نظام القذافي، بينما سعى بوتين إلى معارضة ذلك، ولكن، وعلى خلفية تطورات الحدث السوري، أدرك مدفيديف مدى خطورة الأمر، وبالتالي سارع إلى دعم موقف بوتين الرافض لفكرة تدويل الحدث السوري، وأيضاً إلى التراجع عن الموقف السابق إزاء الحدث الليبي، بما دفعه إلى إطلاق بعض التصريحات التي تتهم التحالف الدولي بأنه تجاوز حدود الصلاحيات المخولة له بواسطة القرار الدولي رقم /1973/ الخاص بإقامة منطقة حظر الطيران ضد ليبيا.
هذا وتقول آخر التسريبات بأن مخطط تدويل الحدث السوري بواسطة مجلس الأمن قد تم إحباطه تماماً، وذلك ليس بسبب الرفض الروسي القاطع بتمرير القرار، وإنما لسبب بسيط تمثل في انحسار مفاعيل الحدث السوري في الداخل، بعد أن اتضحت بقدر كافٍ مدى عمق تورط الأطراف الخارجية لجهة القيام بدفع الأحداث نحو الاضطراب وتقويض الاستقرار على المستويين السوري والإقليمي الشرق أوسطي.