مداخلة رئيس الحركة أمام إطارات الحركة في الندوة الوطنية للإستشراف
بسم الله، والحمد لله، ثم الصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
السيدات الفضليات،
السادة الأفاضل،
يسعدني أن أفتتح أشغال الندوة الوطنية للإستشراف في ظروف حساسة من تاريخ الجزائر، وسعادتي أكبر، لأنني أتحدث إليكم – لأول مرة- خارج مظلة حالة الطوارئ، وأحسب أن هذه الندوة سيكون لها ما بعدها.
لذلك أبادر برسم إطارها، وتحديد أهدافها، حتى لا تتحول إلى مجرد نقاش فكري عارض في قضايا مصيرية وفي ظرف تاريخي هام.
أما إطارها فهو إطار سياسي أملته طبيعة التحولات التي تعرفها المنطقة العربية كلها، والجزائر لن تكون إستثناء، إذا ظلت الحلول المقترحة إجتماعية بحتة يُؤكل أمرها للإدارة، فالتكفل بمطالب الجبهة الإجتماعية إجراء في محله، ومسألة حيوية ضرورية، تشبه الإسعافات الأولية لوقف النزيف، لكن العملية الجراحية لازمة لإستئصال أورام الإحتكار، وتسريح القنوات المسدودة، وحقن الجسم السياسي بدماء الشباب.
هذا هو الإطار العام للندوة.
أما أهدافها فلن تخرج عن ثلاثة :
أولها، نقل النقاش الدائر في القواعد النضالية إلى داخل مؤسسات الحركة : لإثرائه، وإنضاجه، وتأصيله و"ترسيمه" والإستفادة منه لاحقا.
وثانيها، إشراك إطارات الحركة ورؤساء مكاتبها ومجالسها في عمليات التقييم والتقويم والإستشراف..لتزويد مؤسسات المداولة والقرار بملفات ناضجة منبثقة عن الشورى والديمقراطية وعاكسة لأصداء الساحة الوطنية.
وثالثها، العمل على بلورة رؤية إستشرافية متكاملة، تتهيأ بها النفوس ويستعد لها المناضلون والمناضلات، وسائر مؤسسات الحركة إذا تحولت نتائج أشغال هذه الندوة إلى مشروع أرضية وطنية، لمداولات مجلس الشورى الوطني، قد تنبثق عنها قرارات حاسمة، وقد تساهم في إعادة رسم الساحة الوطنية بما فيه خير العباد والبلاد.
هذه هي الأهداف الثلاثة المرتقبة من هذه الندوة.
ولكي أضع حَضراتكم في صورة ما من أجله قررنا تنظيم هذه الندوة، فإني سوف أركز أساسا على محورين :
- محور تاريخي، له علاقة وثيقة بما يجري من حولنا، وبالمصلحة الوطنية،
- ومحور إستشرافي، أملته مرحلة ما بعد رفع حالة الطوارئ.
السيدات الفضليات،
السادة الأفاضل،
قبل سبع (07) سنوات، وقبل موعد رئاسيات 2004، تجمعت عشر (10) قوى سياسية كانت تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف جوهرية :
أولها، الحدّ من الإسراف في التشريع بالأوامر.
وثانيها، تشكيل جبهة وطنية لمنع الرئيس بوتفليقة من الترشح لعهدة ثانية.
وثالثها، إشعار المؤسسة العسكرية بواجب لزوم الحياد الإيجابي، والحرص على نظافة الإنتخابات ونزاهتها وشفافيتها.
ولأن حركة مجتمع السلم كانت يومئذ تعالج وضعية ما بعد رحيل مؤسسها الراحل المرحوم الشيخ محفوظ نحناح قبل ستة (06) أشهر، فقد وجدت نفسها مضطرة إلى أن تبحث عن تحالفات إستراتيجية جديدة، تستكمل بها جهودها وتثمن من خلالها تضحيات شهدائها في إتجاهين :
- حماية الإسلام من التشويه تحت ذريعة مكافحة الإرهاب،
- وإطفاء نار الفتنة، باستكمال جهود الوئام المدني والذهاب بشجاعة إلى مصالحة وطنية شاملة.
وعلى هذا الأساس، دارت نقاشات مجلس الشورى نهاية شهر ديسمبر 2003 بالتوازي مع نقاش كان قائما داخل مجموعة الـ 10+1 انتهت – بعد سلسلة من الإتصالات في كل الإتجاهات- برسم أربعة سيناريوهات كانت مطروحة للنقاش داخل مؤسسات الحركة بانتظار تقرير لجنة تقصي الحقائق، وللتذكير فإن السيناريوهات الأربعة المطروحة إنحسرت في :
1- التحالف مع المرشح الحر عبد العزيز بوتفليقة.
2- التحالف مع مجموعة الـ 10+1 .
3- دعم مرشح التيار الإسلامي.
4- دعم مرشح المعارضة.
ولما عرضت لجنة تقصي الحقائق تقريرها أمام مجلس الشورى الوطني في دورته، (التي ظلت مفتوحة 25 يوما) تأكد لنا أمران كانا في غاية الوضوح والجدية :
- أولها، أن مجموعة الـ 10+1 لا تمتلك رؤية واضحة، وليس لها برنامج واحد، ولا مرشح واحد، وكان هدفها الوحيد هو إقصاء المرشح الحر عبد العزيز بوتفليقة من السباق لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها إجماعهم على إسرافه في التشريع بالأوامر وإستلائه على صلاحيات البرلمان.
- وثانيها، رغبة السيد عبد العزيز بوتفليقة في إقامة تحالف وطني يستكمل في ظله برنامجه الذي أعلن عنه خلال حملته الإنتخابية لعهدته الأولى سنة 1999 والمتمثل في ثلاثة محاور كبرى :
- إطفاء نار الفتنة.
- إنعاش الإقتصاد.
- رد هيبة الدولة.
بهذا الوضوح إختارت مؤسسات الحركة، بكل سيادة، "التحالف الرئاسي" الذي كان تحالفا مع الرئيس بوتفليقة شخصيا، وليس مع جبهة التحرير الوطني، ولا مع التجمع الوطني الديمقراطي..وخلال سبع (07) سنوات من الممارسة الميدانية، تغيرت أمور كثيرة، ولكن التحالف لم يتغير:
- فنار الفتنة تم إخمادها بجهود الجميع، وهذا مكسب عظيم كان لحركة مجتمع السلم شرف المشاركة فيه،
- وعجلة الإقتصاد تحركت بتمويل ريوع المحروقات، وبغلاف مالي خيالي لم تشهده الجزائر منذ تأسيسها .
- وهيبة الدولة استرجعت كثيرا من بريقها في الداخل والخارج
- والمشاريع التنموية كلها قد تحركت ولو بوتيرة متباطئة.
- والجبهة الاجتماعية حسنت كثيرا من أوضاعها
- والبرامج الموجهة للشباب صارت تتدفق بالعشرات (كان آخرها ما صدر عن مجلس الوزراء ليومي 03 و23 فبراير الماضي).
- وحالة الطوارئ قد رفعت.
كل هذه المكاسب نباركها ونثمنها، ولكننا – في الوقت نفسه ــ نتطلع مع أمتنا إلى ما هو أعلى وأعمق من هذه الإنجازات المادية التي تخلقت تحت خيمة حالة الطوارئ، وأعطت ثمارها في ظل المأساة الوطنية .
ونؤكد اليوم أننا شاركنا في إنجازها بشرف، وعملنا مع رجال نفخر بانتمائهم للجزائر، ونعتز باستماتتهم في الدفاع عما يعتقدون أنه من مصلحة الشعب ومصلحة الوطن.
وهذه نقطة إجماع بيننا جميعًا.
السيدات الفضليات
السادة الأفاضل
أدرك جيدا أن الوضع، المحلي والإقليمي والدولي، قد تغير، وأن ما كان وجوده مصلحة وطنية بالأمس، صار من المصلحة الوطنية إزالته اليوم :
- فحالة الطوارئ كانت مصلحة وطنية سنة 92 لكن بعد 19 سنة صار من المصلحة الوطنية رفعها.
- وتقييد الحريات كان ربما مصلحة وطنية خلال سنوات الفوضى والجنون، ولكن بعد نجاح مساعي المصالحة الوطنية أصبح من المصلحة الوطنية إطلاق الحريات وتوسيعها...
- وغلق السمعي البصري خوفا من الانفلات الإعلامي كان له ربما ما يبرره، لكن من المصلحة الوطنية اليوم تحرير السمعي البصري كما تحررت الصحافة سنة 1989، وسوف يكون من المصلحة الوطنية أن تظهر في الجزائر قنوات تقارع الجزيرة والعربية وcnn..
- وتعديل الدستور جزئيا لعدة مرات ربما حفظ مصالح وطنية كثيرة كانت مهددة بالعرقيات، والجهويات، والفئويات، واللغات، والإيديولوجيات ...الخ، لكن – في ظل التحولات المتسارعة - في الوطن العربي كله، صار مؤكدا أنه من المصلحة الوطنية المبادرة بمراجعة شاملة للدستور تشمل – على وجه الخصوص – أربعة مطالب ملحة :
الانتقال بشكل واضح إلى النظام البرلماني
الفصل الواضح بين السلطات
الاكتفاء بعهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة
إطلاق الحريات وفي مقدمتها الحريات السياسية
والإعلامية والنقابية والمجتمعية..الخ.
لقد تحملت الإدارة الجزائرية، ومؤسسات الدولة كلها، أوزار المراحل الانتقالية خلال عشرين (20) عاما، وربما كان ذلك من دواعي المصلحة الوطنية، لكن الممارسات الإدارية الكلاسيكية صارت اليوم موضع تهمة، وفقدت ثقتها بالمواطن.. وصار من المصلحة الوطنية القيام بتسعة (09) إجراءات عاجلة تدخل كلها في إطار المعالجات الإستباقية، والتحوط من عاصفة الإصلاحات الجارية في الوطن العربي، وذلك إذا أرادت دولتنا أن تكون على موعد مع التاريخ، وهي :
أولا : مراجعة عاجلة لقانون الانتخابات.
ثانيا : مراجعة عميقة لقانون البلدية.
ثالثا، ضمان حياد الإدارة ومؤسسات الدولة في جميع المنافسات السياسية، ولاسيما العملية الانتخابية المقبلة.
رابعا، شطب كل المواد القانونية ذات الصلة بالمأساة الوطنية على (غرار المرسوم التنفيذي 93- 54)، وإسقاط المتابعات القضائية ضد أصحاب الرأي (بما في ذلك الإمام والصحفي).
خامسا، وضع آلية لاسترجاع الأموال المنهوبة، والحجر على ممتلكات الضالعين في الفساد، داخل الوطن وخارجه.
سادسا، إعطاء صلاحيات أوسع للسلطة القضائية بما يكرس دولة القانون .
سابعا، التركيز أساسا على الإصلاح السياسي لتكون بقية الإصلاحات ثمرة له.
ثامنا، إستكمال مسح ديون صغار التجار والحرفيين والصيادين.
تاسعا، إشراك المجتمع المدني والرأي العام في كل هذه المساعي، عن طريق وسائل الإعلام والصحافة والإستماع أكثر لصوت الشباب..
الإخوة الأفاضل :
الأخوات الفضليات :
الآمال المعلقة على هذه الندوة لا تنحسر في مجرد بحث المكاسب والإخفاقات التي كرستها إستراتيجية المشاركة التي إنخرطت فيها الحركة منذ ندوة الوفاق الوطني سنة 1994، أو التحالف منذ 1999، فالتقييم، والنقد الذاتي..والمراجعات السياسية..كلها مظاهر صحية، لكن الظروف التي تمر بها المنطقة العربية تنتظر منكم أكثر من مجرد الإكتفاء بالتقييم، والنقد، والمراجعة.
وإذا كان لي من حق في إبداء الرأي أمام هذه الندوة الإستشرافية، فإنني أقترح على تقديركم مشروع مبادرة جديدة، تتمثل في التركيز على ثلاثة (03) أولويات جوهرية سوف تساهمون بها في بلورة رؤية وطنية للإصلاح السياسي الشامل، وهي :
- أولوية السياسي على الإجتماعي، فالإحتجاجات التي أسقطت أنظمة وهي في طريقها إلى إسقاط أخرى، كان سببها الظاهر إجتماعيًا، ولكن عمقها أصبح سياسيا عندما كشف الرأي العام عن خطورة سياسة إحتكار السلطة والثروة لجهة واحدة وغلق باب التداول الديمقراطي بالتأبيد أو التمديد أو التوريث.
لذلك أصبح مطلبنا الأول اليوم هو المراجعة العميقة للدستور، بما يضمن كسر الإحتكار السياسي للسلطة والثروة، ويعيد بناء الثقة بين السلطة والمجتمع.
- أولوية الإقتصادي على الإجتماعي، فأكثر من 97% من عملتنا الصعبة مصدرها ريوع النفط والغاز، وجبايتنا العامة صارت عبئًا على الرئة الإقتصادية الوحيدة التي يتنفس بها الإستثمار المحلي، أمام هجمة شرسة على نهب المال العام، وتضخم الميزانية الإجتماعية وتعاظم فاتورة الإستيراد، لاسيما الإستراد الموجه للإستهلاك المحلي، في غياب رؤية إقتصادية متكاملة، تُخرج الجزائر من مخاطر الإعتماد على ريوع المحروقات، وسياسة شراء السلم بامتصاص الغضب عن طريق تفكيك فتائل الإنفجار الإجتماعي بإجراءات مؤقتة.
- أولوية الثقة على الوثيقة، فالشعب الجزائري لم يعد يثق في الخطاب السياسي، وفقد ثقته في الحكومة والأحزاب والنقابات والحركة الجمعوية، وصنف الجميع في ثلاث (03) خانات كبرى :
سلطة لا تفهم إلاّ لغة الشارع ولا تستجيب إلاّ تحت ضغط الإحتجاجات.
ومؤسسات حزبية وبرلمانية ونقابية ومجتمعية، ومجالس منتخبة بلا صلاحيات سواء رفعت شعار السلطة أو لوّحت بعصا المعارضة.
وإدارة بيروقراطية منغلقة على نفسها، وغارقة في الفساد والرشوة بشعار "من لم يدفع عليه أن ينتظر طويلا".
أمام هذه الوضعية، وفي خضم التحولات المتسارعة في محيطنا العربي والمغاربي يجب على أبناء حركة مجتمع السلم أن يعيدوا قراءة الرسالة الجديدة التي كتب الشباب أولى سطورها يوم أن حَركوا الإحتجاجات في 20 ولاية في أوائل يناير 2011، وخلاصتها : أن رياح التغيير قد هبّت على جميع الأنظمة العربية، وأن الأمواج المتلاطمة، لهذه الإحتجاجات الشعبية لها ظاهر إجتماعي مطلبي يخفي تحته تراكما سياسيا لابد من التكفل به بتوجيه السفينة تلقاء الديمقراطية الحقيقية، والذهاب إلى إنفتاح كامل وحريات عامة وتداول سلمي على السلطة..والإستماع الجاد إلى نبض الشارع وليس الإعتماد على التقارير الإدارية التي إعترف حاكم تونس أنها كانت تغالطه.
شكرا لكم، والسلام عليكم.
الجزائر- زرالدة في 11 مارس 2011.
بسم الله، والحمد لله، ثم الصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
السيدات الفضليات،
السادة الأفاضل،
يسعدني أن أفتتح أشغال الندوة الوطنية للإستشراف في ظروف حساسة من تاريخ الجزائر، وسعادتي أكبر، لأنني أتحدث إليكم – لأول مرة- خارج مظلة حالة الطوارئ، وأحسب أن هذه الندوة سيكون لها ما بعدها.
لذلك أبادر برسم إطارها، وتحديد أهدافها، حتى لا تتحول إلى مجرد نقاش فكري عارض في قضايا مصيرية وفي ظرف تاريخي هام.
أما إطارها فهو إطار سياسي أملته طبيعة التحولات التي تعرفها المنطقة العربية كلها، والجزائر لن تكون إستثناء، إذا ظلت الحلول المقترحة إجتماعية بحتة يُؤكل أمرها للإدارة، فالتكفل بمطالب الجبهة الإجتماعية إجراء في محله، ومسألة حيوية ضرورية، تشبه الإسعافات الأولية لوقف النزيف، لكن العملية الجراحية لازمة لإستئصال أورام الإحتكار، وتسريح القنوات المسدودة، وحقن الجسم السياسي بدماء الشباب.
هذا هو الإطار العام للندوة.
أما أهدافها فلن تخرج عن ثلاثة :
أولها، نقل النقاش الدائر في القواعد النضالية إلى داخل مؤسسات الحركة : لإثرائه، وإنضاجه، وتأصيله و"ترسيمه" والإستفادة منه لاحقا.
وثانيها، إشراك إطارات الحركة ورؤساء مكاتبها ومجالسها في عمليات التقييم والتقويم والإستشراف..لتزويد مؤسسات المداولة والقرار بملفات ناضجة منبثقة عن الشورى والديمقراطية وعاكسة لأصداء الساحة الوطنية.
وثالثها، العمل على بلورة رؤية إستشرافية متكاملة، تتهيأ بها النفوس ويستعد لها المناضلون والمناضلات، وسائر مؤسسات الحركة إذا تحولت نتائج أشغال هذه الندوة إلى مشروع أرضية وطنية، لمداولات مجلس الشورى الوطني، قد تنبثق عنها قرارات حاسمة، وقد تساهم في إعادة رسم الساحة الوطنية بما فيه خير العباد والبلاد.
هذه هي الأهداف الثلاثة المرتقبة من هذه الندوة.
ولكي أضع حَضراتكم في صورة ما من أجله قررنا تنظيم هذه الندوة، فإني سوف أركز أساسا على محورين :
- محور تاريخي، له علاقة وثيقة بما يجري من حولنا، وبالمصلحة الوطنية،
- ومحور إستشرافي، أملته مرحلة ما بعد رفع حالة الطوارئ.
السيدات الفضليات،
السادة الأفاضل،
قبل سبع (07) سنوات، وقبل موعد رئاسيات 2004، تجمعت عشر (10) قوى سياسية كانت تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف جوهرية :
أولها، الحدّ من الإسراف في التشريع بالأوامر.
وثانيها، تشكيل جبهة وطنية لمنع الرئيس بوتفليقة من الترشح لعهدة ثانية.
وثالثها، إشعار المؤسسة العسكرية بواجب لزوم الحياد الإيجابي، والحرص على نظافة الإنتخابات ونزاهتها وشفافيتها.
ولأن حركة مجتمع السلم كانت يومئذ تعالج وضعية ما بعد رحيل مؤسسها الراحل المرحوم الشيخ محفوظ نحناح قبل ستة (06) أشهر، فقد وجدت نفسها مضطرة إلى أن تبحث عن تحالفات إستراتيجية جديدة، تستكمل بها جهودها وتثمن من خلالها تضحيات شهدائها في إتجاهين :
- حماية الإسلام من التشويه تحت ذريعة مكافحة الإرهاب،
- وإطفاء نار الفتنة، باستكمال جهود الوئام المدني والذهاب بشجاعة إلى مصالحة وطنية شاملة.
وعلى هذا الأساس، دارت نقاشات مجلس الشورى نهاية شهر ديسمبر 2003 بالتوازي مع نقاش كان قائما داخل مجموعة الـ 10+1 انتهت – بعد سلسلة من الإتصالات في كل الإتجاهات- برسم أربعة سيناريوهات كانت مطروحة للنقاش داخل مؤسسات الحركة بانتظار تقرير لجنة تقصي الحقائق، وللتذكير فإن السيناريوهات الأربعة المطروحة إنحسرت في :
1- التحالف مع المرشح الحر عبد العزيز بوتفليقة.
2- التحالف مع مجموعة الـ 10+1 .
3- دعم مرشح التيار الإسلامي.
4- دعم مرشح المعارضة.
ولما عرضت لجنة تقصي الحقائق تقريرها أمام مجلس الشورى الوطني في دورته، (التي ظلت مفتوحة 25 يوما) تأكد لنا أمران كانا في غاية الوضوح والجدية :
- أولها، أن مجموعة الـ 10+1 لا تمتلك رؤية واضحة، وليس لها برنامج واحد، ولا مرشح واحد، وكان هدفها الوحيد هو إقصاء المرشح الحر عبد العزيز بوتفليقة من السباق لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها إجماعهم على إسرافه في التشريع بالأوامر وإستلائه على صلاحيات البرلمان.
- وثانيها، رغبة السيد عبد العزيز بوتفليقة في إقامة تحالف وطني يستكمل في ظله برنامجه الذي أعلن عنه خلال حملته الإنتخابية لعهدته الأولى سنة 1999 والمتمثل في ثلاثة محاور كبرى :
- إطفاء نار الفتنة.
- إنعاش الإقتصاد.
- رد هيبة الدولة.
بهذا الوضوح إختارت مؤسسات الحركة، بكل سيادة، "التحالف الرئاسي" الذي كان تحالفا مع الرئيس بوتفليقة شخصيا، وليس مع جبهة التحرير الوطني، ولا مع التجمع الوطني الديمقراطي..وخلال سبع (07) سنوات من الممارسة الميدانية، تغيرت أمور كثيرة، ولكن التحالف لم يتغير:
- فنار الفتنة تم إخمادها بجهود الجميع، وهذا مكسب عظيم كان لحركة مجتمع السلم شرف المشاركة فيه،
- وعجلة الإقتصاد تحركت بتمويل ريوع المحروقات، وبغلاف مالي خيالي لم تشهده الجزائر منذ تأسيسها .
- وهيبة الدولة استرجعت كثيرا من بريقها في الداخل والخارج
- والمشاريع التنموية كلها قد تحركت ولو بوتيرة متباطئة.
- والجبهة الاجتماعية حسنت كثيرا من أوضاعها
- والبرامج الموجهة للشباب صارت تتدفق بالعشرات (كان آخرها ما صدر عن مجلس الوزراء ليومي 03 و23 فبراير الماضي).
- وحالة الطوارئ قد رفعت.
كل هذه المكاسب نباركها ونثمنها، ولكننا – في الوقت نفسه ــ نتطلع مع أمتنا إلى ما هو أعلى وأعمق من هذه الإنجازات المادية التي تخلقت تحت خيمة حالة الطوارئ، وأعطت ثمارها في ظل المأساة الوطنية .
ونؤكد اليوم أننا شاركنا في إنجازها بشرف، وعملنا مع رجال نفخر بانتمائهم للجزائر، ونعتز باستماتتهم في الدفاع عما يعتقدون أنه من مصلحة الشعب ومصلحة الوطن.
وهذه نقطة إجماع بيننا جميعًا.
السيدات الفضليات
السادة الأفاضل
أدرك جيدا أن الوضع، المحلي والإقليمي والدولي، قد تغير، وأن ما كان وجوده مصلحة وطنية بالأمس، صار من المصلحة الوطنية إزالته اليوم :
- فحالة الطوارئ كانت مصلحة وطنية سنة 92 لكن بعد 19 سنة صار من المصلحة الوطنية رفعها.
- وتقييد الحريات كان ربما مصلحة وطنية خلال سنوات الفوضى والجنون، ولكن بعد نجاح مساعي المصالحة الوطنية أصبح من المصلحة الوطنية إطلاق الحريات وتوسيعها...
- وغلق السمعي البصري خوفا من الانفلات الإعلامي كان له ربما ما يبرره، لكن من المصلحة الوطنية اليوم تحرير السمعي البصري كما تحررت الصحافة سنة 1989، وسوف يكون من المصلحة الوطنية أن تظهر في الجزائر قنوات تقارع الجزيرة والعربية وcnn..
- وتعديل الدستور جزئيا لعدة مرات ربما حفظ مصالح وطنية كثيرة كانت مهددة بالعرقيات، والجهويات، والفئويات، واللغات، والإيديولوجيات ...الخ، لكن – في ظل التحولات المتسارعة - في الوطن العربي كله، صار مؤكدا أنه من المصلحة الوطنية المبادرة بمراجعة شاملة للدستور تشمل – على وجه الخصوص – أربعة مطالب ملحة :
الانتقال بشكل واضح إلى النظام البرلماني
الفصل الواضح بين السلطات
الاكتفاء بعهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة
إطلاق الحريات وفي مقدمتها الحريات السياسية
والإعلامية والنقابية والمجتمعية..الخ.
لقد تحملت الإدارة الجزائرية، ومؤسسات الدولة كلها، أوزار المراحل الانتقالية خلال عشرين (20) عاما، وربما كان ذلك من دواعي المصلحة الوطنية، لكن الممارسات الإدارية الكلاسيكية صارت اليوم موضع تهمة، وفقدت ثقتها بالمواطن.. وصار من المصلحة الوطنية القيام بتسعة (09) إجراءات عاجلة تدخل كلها في إطار المعالجات الإستباقية، والتحوط من عاصفة الإصلاحات الجارية في الوطن العربي، وذلك إذا أرادت دولتنا أن تكون على موعد مع التاريخ، وهي :
أولا : مراجعة عاجلة لقانون الانتخابات.
ثانيا : مراجعة عميقة لقانون البلدية.
ثالثا، ضمان حياد الإدارة ومؤسسات الدولة في جميع المنافسات السياسية، ولاسيما العملية الانتخابية المقبلة.
رابعا، شطب كل المواد القانونية ذات الصلة بالمأساة الوطنية على (غرار المرسوم التنفيذي 93- 54)، وإسقاط المتابعات القضائية ضد أصحاب الرأي (بما في ذلك الإمام والصحفي).
خامسا، وضع آلية لاسترجاع الأموال المنهوبة، والحجر على ممتلكات الضالعين في الفساد، داخل الوطن وخارجه.
سادسا، إعطاء صلاحيات أوسع للسلطة القضائية بما يكرس دولة القانون .
سابعا، التركيز أساسا على الإصلاح السياسي لتكون بقية الإصلاحات ثمرة له.
ثامنا، إستكمال مسح ديون صغار التجار والحرفيين والصيادين.
تاسعا، إشراك المجتمع المدني والرأي العام في كل هذه المساعي، عن طريق وسائل الإعلام والصحافة والإستماع أكثر لصوت الشباب..
الإخوة الأفاضل :
الأخوات الفضليات :
الآمال المعلقة على هذه الندوة لا تنحسر في مجرد بحث المكاسب والإخفاقات التي كرستها إستراتيجية المشاركة التي إنخرطت فيها الحركة منذ ندوة الوفاق الوطني سنة 1994، أو التحالف منذ 1999، فالتقييم، والنقد الذاتي..والمراجعات السياسية..كلها مظاهر صحية، لكن الظروف التي تمر بها المنطقة العربية تنتظر منكم أكثر من مجرد الإكتفاء بالتقييم، والنقد، والمراجعة.
وإذا كان لي من حق في إبداء الرأي أمام هذه الندوة الإستشرافية، فإنني أقترح على تقديركم مشروع مبادرة جديدة، تتمثل في التركيز على ثلاثة (03) أولويات جوهرية سوف تساهمون بها في بلورة رؤية وطنية للإصلاح السياسي الشامل، وهي :
- أولوية السياسي على الإجتماعي، فالإحتجاجات التي أسقطت أنظمة وهي في طريقها إلى إسقاط أخرى، كان سببها الظاهر إجتماعيًا، ولكن عمقها أصبح سياسيا عندما كشف الرأي العام عن خطورة سياسة إحتكار السلطة والثروة لجهة واحدة وغلق باب التداول الديمقراطي بالتأبيد أو التمديد أو التوريث.
لذلك أصبح مطلبنا الأول اليوم هو المراجعة العميقة للدستور، بما يضمن كسر الإحتكار السياسي للسلطة والثروة، ويعيد بناء الثقة بين السلطة والمجتمع.
- أولوية الإقتصادي على الإجتماعي، فأكثر من 97% من عملتنا الصعبة مصدرها ريوع النفط والغاز، وجبايتنا العامة صارت عبئًا على الرئة الإقتصادية الوحيدة التي يتنفس بها الإستثمار المحلي، أمام هجمة شرسة على نهب المال العام، وتضخم الميزانية الإجتماعية وتعاظم فاتورة الإستيراد، لاسيما الإستراد الموجه للإستهلاك المحلي، في غياب رؤية إقتصادية متكاملة، تُخرج الجزائر من مخاطر الإعتماد على ريوع المحروقات، وسياسة شراء السلم بامتصاص الغضب عن طريق تفكيك فتائل الإنفجار الإجتماعي بإجراءات مؤقتة.
- أولوية الثقة على الوثيقة، فالشعب الجزائري لم يعد يثق في الخطاب السياسي، وفقد ثقته في الحكومة والأحزاب والنقابات والحركة الجمعوية، وصنف الجميع في ثلاث (03) خانات كبرى :
سلطة لا تفهم إلاّ لغة الشارع ولا تستجيب إلاّ تحت ضغط الإحتجاجات.
ومؤسسات حزبية وبرلمانية ونقابية ومجتمعية، ومجالس منتخبة بلا صلاحيات سواء رفعت شعار السلطة أو لوّحت بعصا المعارضة.
وإدارة بيروقراطية منغلقة على نفسها، وغارقة في الفساد والرشوة بشعار "من لم يدفع عليه أن ينتظر طويلا".
أمام هذه الوضعية، وفي خضم التحولات المتسارعة في محيطنا العربي والمغاربي يجب على أبناء حركة مجتمع السلم أن يعيدوا قراءة الرسالة الجديدة التي كتب الشباب أولى سطورها يوم أن حَركوا الإحتجاجات في 20 ولاية في أوائل يناير 2011، وخلاصتها : أن رياح التغيير قد هبّت على جميع الأنظمة العربية، وأن الأمواج المتلاطمة، لهذه الإحتجاجات الشعبية لها ظاهر إجتماعي مطلبي يخفي تحته تراكما سياسيا لابد من التكفل به بتوجيه السفينة تلقاء الديمقراطية الحقيقية، والذهاب إلى إنفتاح كامل وحريات عامة وتداول سلمي على السلطة..والإستماع الجاد إلى نبض الشارع وليس الإعتماد على التقارير الإدارية التي إعترف حاكم تونس أنها كانت تغالطه.
شكرا لكم، والسلام عليكم.
الجزائر- زرالدة في 11 مارس 2011.