بقلم الأستاذ محمد جمعة *
الحركات الكبرى ومنها حركة مجتمع السلم المرشحة للتمكين ينبغي أن تتعرّض بين الحين والآخر للامتحانات والابتلاءات والتمحيص "ولنبلونّكم بشيئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين"
وقد سبق للحركة أن عرفت في عهد الشيخ محفوظ نحناح ــرحمه الله ــ انشقاقا في التسعينيات عند تأسيس الحزب طال 50% منها ، إذ كانت الحركة تدار من خلال ست جهات موزعة على 48 ولاية وانسحب من الحركة قيادات 3 جهات "الوسط، الغرب، والشرق "، كانوا أعضاء في المكتب الوطني وفي مجلس الشورى الوطني ، ولكن للإنصاف فإن هؤلاء الإخوة انسحبوا في صمت ولم يفجروا في الخصومة وتعاملوا مع الحركة بمنطق
"ولا تنسوا الفضل بينكم" وظل التّواصل الأخوي قائما معهم إلى اليوم.
وفي الحقيقة ما كنّا لنتناول الإخوة المنشقين حاليا لو لم يتعرضوا للحركة بالنّقد والتّجريح وكيل الاتهامات عبر وسائل الإعلام، لأنّنا نؤمن أنّ الإسلام والجزائر يسعان الجميع كما جاء في بيان "المكتب الوطني ومجلس الشورى الوطني"، وإذا كان لا إكراه في الدّين فمن باب أولى لا إكراه في السّياسة والتحزّب، ولكن تفنيدا للمسوّغات التي تحجّج بها هؤلاء لتبرير الانشقاق، فقد كالوا للحركة 36 تهمة في بيان تأسيس الهيئةالجديدة، وكأنّ الحركة التي تربّوا في أحضانها وأصبحوا بفضلها وزراء ونـــــــواب وقيادات كلّها سوءات وعورات، وليس فيها أدنى خير فأين الوسطية والاعتدال؟
هاته التهم يمكن تلخيصها في خمس اتهامات كبرى لا تصمد أمام المعطيات الحقيقية:
1- الانحراف عن نهج الشيخ: محفوظ نحناح ـــ رحمه الله ـــ دون أن يذكروا طبيعة هذا الانحراف، في أي دائرة هو ؟ هل هو في دائرة الفكر أم في دائرة السياسة ؟ أم في التّربيـــة أم في التنظيم ؟، فالشيخ محفوظ نحناح كان حين يُسأل عن المرجعية كـان يقول دائما أنه يستقي من عدّة مرجعيات منها الحركة الـــوطنية التي انتسب في صغره إلى مدرسة الإرشاد التي أسّسها حزب الشّعب الجزائري، كما يستقي من جمعية العلمــاء المسلمين الجزائريين، ومن مدرسة الإخوان المسلمين وفكر مالك بن نبي وكل التّجارب الإنسانية النّاجحة ، إذ «الحكمة ضالة المؤمن أنّا وجدها فهو أحق النّاس بها» ، وقد ضمن هذه الأفكار في كتابه الشهير «الجزائر المنشودة المعادلة المفقودة »الإســلام الوطنية والديمقراطية، وكانت أمنيته أن تتآلف هذه الثلاثية الذهبية ولا تتنـافر ، وحاول أن يجسّدها عمليا في الائتلاف الحكومي الذي يضم التيارات الثلاث الإسلامي، الوطني والديمقراطي، والذي رقي في عهد الشيخ أبو جرة سلطاني إلى تحالف رئاسي، وهو ماكان يتطلّع إليه الشيخ محفوظ نحناح ــ رحمه الله ــ لقد اختلف الشيخ محفوظ نحناح ــرحمه اللهــ مع الإخوان المسلمين مرتين مرّة حين أشـاروا عليه أن يتفاهم ويتحالف مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومرة حين اعترضوا على ترشحــه لرئاسيات 95، كما أكّد ذلك المرشد العام في جريدة الشروق، ولكن ظل متمسّــكا برأيه وأثبتت الأيّام صحّة اجتهاده وصدق وطنيته ونفاذ بصيرته وســداد رأيه، دون أن يفضي هذا الاختلاف إلى شنآن بل ظلّ التّواصل والتّآخي قائما، علما أيضا أنّ هؤلاء الإخوة المنشقين كانوا أعضاء في المكتب الوطني ومجلس الشورى الوطني خلال الخمس سنوات المنصرمة وهو المكان الطبيعي والشرعي والقانوني للنّقد والتّقويم والتّسديد واتّخاذ القرار، ولكن لم يحدث ولا مرّة واحدة أن تطرّقوا لهذه الانحرافات التي اكتشفوها اليوم فجأة، وأصبحوا يتناولونها في البيوتات المغلقة والمقاهي وعلى صفحات الجرائد وهي نفس الاتهامات التي كان يرددها الذين انشقوا في التسعينيات في عهد الشيخ محفوظ نحناح ـــ رحمه الله ـــ ورغم أنّ الحركة ليست مبرأة من الأخطاء في التّصريحات والمواقف والممارسات ولكن هذا لا يرق إلى مستوى فتنة الصف وكان يمكن معالجة هذا الأمر في المؤسّسات الشرعية.
صحيح هناك أخطاء في الحركة ، ولكن الانحراف الحقيقي هو:
-العمل الموازي والانشقاق.
-إنشاء هيئات موازية للحركة.
-كيل التهم والإشاعات والغيبة،
ثم إنّ الشيخ محفوظ نحناح ـــ رحمه الله ـــ لم يكن طعّانا ولالعانا، لأنّه ينتمي لمدرسة الإسلام أوّلا ومدرسة الإخوان التي تنأى بنفسها عن التجريح في الهيئات والأشخاص والشيخ أبوجرة سلطاني لم يستحدث أيّ تغيير لا في نهج الشيخ محفوظ نحناح ولا في الفكرة ولا في السّياسة ولا في التّربية ولا في التّنظيم، اللهـــم إلاّ ما كان في الأداء والأسلوب، أمّا الأخطاء فهي من طبيعة البشر، كـانت سابقـا وموجودة حاليا وتكون مستقبلا، فكل بني آدم خطاء وخير الخطّائين التوابون.
2. تدنّي وتراجع شعبية الحركة :وهذه مغالطة كبرى لا تصمد أمام الأرقام ، فالأرقام كما يُقال صمّاء وعنيدة لا تقبل الجدل، لاسيما إذا كانت موثّقة ومشاعة وفي متناول الجميع ، لقد تراجعت الحركة في 2002 -إذ حازت على 500 ألف صوت ــ بنسبة 80% مقارنة برئاسيات 95 التي حاز فيها الشيخ محفوظ نحناح على زهاء 3 ملايين صوت ، ولكن خلال عهدة الشيخ أبو جرة سلطاني وان لم تسترجع وعاءها المنشود إلاّ أنها عرفت نموا بلغ أحيانا قرابة 100 %إذ ارتفع الوعاء الانتخابي من 500 ألف صوت حازتها في 2002 إلى قرابة 1 مليون صوت في 2007 ،وارتفع عدد النواب من 38 نائبا إلى 51 نائبا ، وعدد البلديات التي تسيرها الحركة ارتفع من 35 إلى 105 بلدية وعدد المنتخبين من 1100 منتخبا إلى 1800 منتخبا ، وعدد المجالس الولائية من لاشيء إلى 03 مجالس ولائية ، فضلا عن آلاف المنخرطين الجدد في صفوف الحركة.
3- تزوير القانون الأساسي :لقد حدثت ثلاث اقتراعات خلال المؤتمر كانت كلها لصالح الشيخ أبو جرة سلطاني ، فمن بين 1400 مندوبا جرت ثلاث جولات من الاقتراع بين رفع الأيدي والاقتراع السرّي:
الاقتراع الأوّل كان الفارق لصالحه بقرابة 150 صوتا ، ثم ارتفع الفارق في اقتراع سرّي استغرق 7 ساعات وكان شديد الصرامة إلى قرابة 300 صوتا ، ثم تجاوز الاقتراع الثالث 400 صوتا ، وهذا الذي دفع الأخ عبد المجيد إلى الانسحاب وليس التنازل كما يروج في وسائل الإعلام بعد التيقن من الخسارة ، فلماذا يلجأ الشيخ أبو جرة سلطاني إلى التزوير إذا كان يملك هذه الأغلبية المريحة التي تمكنه من تمرير أي بند أو تغيير في القانون الأساسي دون اللجوء إلى التزوير ، ثم إنّ المواد التي يتحدث عنها هؤلاء الإخوة هي مواد ثانوية جدا ،مثل في حالة الحل الإرادي تؤول ممتلكات الحركة إلى جمعية وطنية بدل جمعية الإرشاد والإصلاح ، وكل ما في الأمر أنّ هناك خمس مواد أحيلوا على النظام الداخلي الذي هو من اختصاص مجلس الشورى الوطني يتصرّف فيها كيف يشاء تحويرا أو تغييرا وليس مجبرا أن يضمنهم النظام الداخلي. مسألة أخرى متعلقة بعضوية رئيس الكتلة في مجلس الشورى الوطني بالصفة ، إذ رأى مجلس الشورى الوطني اجتهادا منه أنّ هذه الصفة تنطبق على شخصين لان البرلمان يحتوي على غرفتين ولا تنطبق على شخص واحد فقط وتبقى هذه المواد محل قراءة للقوانين وتفسيرا لها وليس تزويرا.
4- النّقطة المتعلقة بالإقصاء والتّهميش: هناك 26 أخ قيادي من أنصار الأخ عبد المجيد ترشّحوا ولم ينتخبوا في مجلس الشورى الوطني من قبل المناضلين في ولاياتهم ، وهذا ليس إقصاء بل هو انتخاب شوري ديمقراطي يقتضيه التّداول والتّشبيب والشّورى والدّيمقراطية، وقد حدث في مؤتمر 98 أن غير الشيخ محفوظ نحناح كلّ المكتب التّنفيذي الوطني بما فيه جميع المؤسّسين تاريخا ولم يبق إلاّ عضوين من المكتب القديم ، دون أن يعتبر الإخوة هذا إقصاء أو تهميشا.
5- تهمة الارتماء في أحضان النّظام :، وهي تهمة قديمة وصمت بها الحركة في عهد الشيخ محفوظ نحناح ، وأنّ نهج المشاركة لم يبتدعه الشيخ أبو جرة سلطاني وإنّما هو خيار استراتيجي انتهجته الحركة منذ التسعينيات وله اكراهات كثيرة ارتضتها الحركة من أجل أهداف إستراتيجية، إذ كثيرا ماكان الشيخ محفوظ نحناح يردّد نحن في الحكومة ولسنا في الحكم، وإذا كانت بعض الأخطاء في الممارسة لبعض الأشخاص فإنّها لا تبرّر الانشقاق وكان يمكن أن تعالج في الأطر الشرعية للحركة علما أنّ الأخ عبد المجيد كان قد قيّم باعتباره رئيس المجلس السياسي، قيّم عهدة الرئيس بوتفليقة تقييما سلبيا جداّ ونشر على موقع الحركة ، ووصف من يساند الرئيس بأنهم شيا تين ثم انقلب على هذه المواقف فجأة وب 180 درجة ، وأيد التّعديل الدستوري وساند الرّئيس وحاول أن يساهم في تنشيط الحملة الانتخابية ، فمن الذي تغير الرّئيس أم الموقف؟
إنّ الانشقاق الذي تتعرّض له الحركة ليس نزيفا كما تُروّج لها بعض وسائل الإعلام، وإنّما هو أشبه ما يكون بالحجامة للتخلّص من فائض الدّم كي يجدّد المرء من خلالها دورته الدموية ويستعيد عافيته ونشاطه، أو زكاة ظاهرها نقصان وحقيقتها نماء وبركة، فهذا الانشقاق ليس حديثا وإنّما يعود إلى غداة المؤتمر الراّبع ولم يلتحق بالكيان الجديد في حدود علمنا أيّ مناضل أو مناضلة، إلاّ من التحق سابقا غداة المؤتمر.
وهذا الخروج أو التّمظهر بعدّة أشكال هو لإيهام الرأي العام بأنّ هناك نزيف يومي يتمظهر بعدّة أشكال مثل استقالة المرء من مجلس الأمّة بهذه الصفة، ثم بصفة المنتخب، ثم كعضو في مجلس الشّورى الوطني، فكمناضل، فهو في الحقيقة واحد ويتمظهر في مظاهر عدّة، أشبه ما يكون بالأرز الذي يصنع منه الاندونيسيون عشرات الألوان والأشكال من الحلويات. والحقيقة أنّ الأسباب الخفية للانشقاق غير تلك المعلنة، لقد صـرّح بعـض رؤوس الانشقاق قبل المؤتمر أنّه إذا فاز أبو جرة سلطاني بعهدة ثانية سيغادرون الحركة، ممّـــــــا يعني أنّهم يتنصلون من استحقاقات الشورى والديمقراطية ويرفضون الاحتكـام إلى قرار المناضلين الذي ينبثق عن صندوق الاقتراع إذا لم يكن لصالحهم.
أما ورقة الإخوان فقد كانت مبيتة قبل المؤتمر، وبالتالي قبل ما سمي بوثائق لندن ولاهور واسطنبول، إذ كانوا يردّدون قبل المؤتمر خذوا الحزب ودعوا لنا الإخوان ، وأثنـــــــاء المؤتمر حين دخل مرشحهم القاعة البيضاوية هتفوا جميعا حركة إخوانية وكـأنّ أنصار الشرعية ليسوا إخوانا،والحقيقة أنّ هؤلاء الإخوة يعتقدون أنّهم أولى بالحركة وأجدر بقيادتها من غيرهم ، فإذا لم يفوزوا في المؤتمر وتعذر أن يكونوا رؤوسا في الحركة سينشئون كيانا جديدا يكونوا فيه رؤساء، فهذا هو سرّ الانشقاق وما عدا ذلك مجرد إنشاء.
الله غايتي , الرسول قدوتي , القرآن دستوري , الجهاد سبيلي , الموت في سبيل الله اسمى امنيتي , الجزائر وطني , العربية لغتي , الأخوة سلاحي , البسمة صورتي
21-05-2009 01:31
#1047