دروس فى العمل السياسى الإسلامى : قد يستغرب البعض من العنوان وهل للسياسة أخلاق نعم راجع ما كتبته سابقا وهنا فى هذه التدوينة نتعرض إلى بعض الأخلاق الأساسية في الحياة السياسية مما أصبح الناس يفتقدونه كثيرا في السياسيين، ومن هنا يأتي تميز الإسلاميين وتأتي إضافتهم الكبيرة بإضفاء الأخلاق على الممارسة السياسية.
الصدق:
يظن غير الإسلاميين أن الصدق يتنافى مع ما تفرضه الممارسة السياسية، ويشكل قيدا عليها. وبالتالي يسمحون لأنفسهم بالكذب والنفاق والتدليس والتزوير وشهادة الزور وما إلى ذلك من أخواتها، ويعدون ذلك شطارة و(قفازة) وطريق موصلة إلى قلوب الناس وعقول الحكام ومنجاة لهم من كل فخ.
ولكن عند الإسلاميين "الصدق منجاة"(12) كما أنه "يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة."(13) ويتميّز المسلم عن المنافق بالصدق "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا أؤتمن خان."(14)
فالسياسي المسلم صادق الحديث صادق الخطاب صادق السلوك، صادق الوعد، صادق الولاء وصادق الانتماء.
والحركة السياسية الإسلامية أمرت أن تكون صادقة وأمر الفرد أن يكون معها لصدقها، وانتماؤه إليها ثمرة للتقـوى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ( التوبة119.
لقد ذكر ابن القيم قاعدة سيّاسية جليلة استنبطها من قوله تعالى ) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً( الأنعام115. وتصلح ليضعها كل مسؤول نصب عينيه باستمرار: (ومدار الولايات كلها على الصدق في الأخبار والعدل في الإنشاء).(15)
وهو ذات المعنى الذي ورد عن بعض الحكماء قديما عندما قالوا: "أول سعادة الملك صدقه وأول هلاكه جوره"(16)
فالمسؤولية تفرض على الفرد وعلى الجماعة الصدق في كل ما يخبر به من أخبار ومعلومات ويعلنه من سياسات وبرامج ويرفعه من شعارات ورايات.
الوفاء:
في زمن يتلون فيه الناس بألوان المصالح ويلبسون ثيابا بأنواع المناصب يكون السياسي الإسلامي شاهدا على الناس مميزا بخلق الوفاء.
إن السياسي في عصرنا تجده ينتقل من حزب إلى حزب ومن ولاء إلى ولاء، ومن لجنة مساندة إلى أخرى، ومن تأسيس إلى تصحيح.. إلى تقويم، ومن إيديولوجية إلى نقيضها، ومن معسكر إلى معسكر، ومن حلف إلى حلف، ومن قناعة إلى قناعة- إن كانت هناك قناعة- وقد يكون هذا التحول والانتقال في أزمان قياسية، وكل على مرات متعددة، كذلك بدافع المصلحة الخاصة التي يدور معها حيث دارت وإن طارت.
لقد أنكر الشيخ نحناح هذا السلوك السياسي المشين عندما قال: "إن استغلال المنصب السياسي أو الممارسة السياسية لتحقيق مصلحة خاصة أيا كانت (شخصية، عائلية، قبلية، حزبية، طبقية، وجهوية…إلخ، يعد سلوكا يتنافى مع أخلاقيات العمل السياسي ويفقده معناه ومصداقيته).(17)
إن وفاء السياسي الإسلامي يقتضي منه أن يراعي وداد لحظة وإن أعقبها خصام، ويقرّ لمن أفاده لفظة وإن ألف عليها بعد ذلك كتاب، ويحفظ صداقة الصديق وإن باعدت بينهما المناصب والمسؤوليات، ولا ينسى لأهل الفضل فضلهم وإن كان قليلا وينسب السبق لأهله وإن عزّ عليه ذلك، ويكرم السابق وإن تفوق اللاحق، ويبنى على أسس من سبقه من المؤسسين الأولين.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان وفيا للمهاجرين الأولين فجعل الأمارة فيهم، كما كان وفيا للأنصار الصادقين ومن وفائه لهم لم يرجع للإقامة في مكّة بعد فتحها. وهي أحب أرض الله إليه. وعندما وزع الغنائم بعد غزوة حنين في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء فأحدثت عندهم القالة فاشتكي باسمهم سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فكان مما أجاب به وهو يخطب جمعا من الأنصار: "أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقتم ولصُدّقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فآسيناك. أوجدتم عليّ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة (بقلة خضراء ناعمة) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم فو الذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ولولا الهجرة لكنت إمرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وواديا، وسلكت الأنصار شعبا وواديا لسلكت شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار" قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسمّا وحظا، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا."(18)
وكان أيضا عليه الصلاة والسلام وفيّا للأمم الأخرى من المخالفين ملتزما بالعقود والمواثيق )أوفوا بالعقود( المائدة01، وحتى المنافقين كان وفيا معهم، فرغم إيذائهم له وللمسلمين وخيانتهم للدولة الإسلامية، لم يشأ أن يقتلهم لكي لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه.
إن الناس تغيرهم المناصب والأموال فيقلّ عندهم الوفاء ناكرين المعروف متناسين الماضي، متجاهلين الفضل، وهذا خلق اللئيم إذا تولى وأصبح مسؤولا "أول ما يبدأ اللئيم إذا ولي ولاية أو نال منزلة، هدْم دارِه وطلاق زوجته ومقاطعة إخوانه"(19).
"ومن أسباب ذلك الولاية التي تحدث في الأخلاق تغيرا، وعلى الخلفاء تنكرا، إما من لؤم طبع وإما من ضيق صدر وقد قيل: من تاه في ولايته، ذل في عزله. وقيل ذل العزل يضحك من تيه الولاية".(20)
القدوة:
تفتقد ساحات العمل السياسي إلى القدوة الحسنة مما يدفع الناس غالبا إلى الإقتداء بالسياسيين السيئين.
والمسلم قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما تراجعت القدوات وصغرت الهامات لقوله تعالى: )قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا(. الأحزاب21.
القدوة مطلوبة في الفرد ومطلوبة في الجماعة وقد خص الأستاذ مصطفى مشهور في كتابه "القدوة" فصلا خاصا بالجماعة الإسلامية القدوة، باعتبارها الوعاء المناسب الذي ينتظم فيه العاملون لتحقيق الهدف العظيم المتمثل في إقامة دولة الإسلام وقد حدد لها عشرين صفة."(21)
تبقى كل الرسائل والتعليمات وكل الخطب والكتب وكل اللوائح والقوانين مجرد كلام لا أثر له في واقع الناس إن لم يسنده ويقويه فعل من مسؤول قدوة. ولذلك تجد إذا سرق الوزير تبعه المدير، وإذا كذب الأمير قلده الغفير، وإذا ارتشى المدير رشي العميل، وإذا أخطأ الرئيس تأسى به الجليس.
إن القدوة هي حجر الزاوية في العمل السياسي الناجح، وهي شرط توفيق في العمل السياسي الإسلامي )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ( الصف2-3.
فالناس يتأثرون بالأفعال أكثر مما يتأثرون بالأقوال، وقد جربوا كثيرا من المسؤولين القوّالين، وعاشروا عديدا من السياسيين الحاذقين، ولن يتميّز الإسلاميون عن هؤلاء إلا بأن يقدّموا من أنفسهم القدوة في العمل والتضحية، وفي الالتزام والتجرد، وفي تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وفي التفاني في خدمة الأفكار والمبادئ التي يؤمنون بها ويبشرون بها، وفي حب الحركة التي ينتمون إليها ويدعون إلى الانضمام لها.
القدوة تظهر غالبا عند الامتحان، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وقد يكون لذلك أثرا متعديا إلى الحركة التي يمثلها ويتحمل المسؤولية باسمها.
والناس يحاسبون الإسلاميين بقسوة أكثر من غيرهم لأنهم عندهم مثال للأخلاق والمبادئ والمثل. فلا يقبلون لهم هفوة ولا يقبلون لهم عثرة، ولا يتجاوزون لهم عن صغيرة ولا يغضون الطرف عن سقطة، خاصة إذا وجدت من الخصوم وتجار الفضائح من ينشرها ويضخمها ويعممها.
إن خلاصة الدرس الثالث من دروس العمل السيّاسي الإسلامي أن يلتزم العاملون بالأخلاق ويرفعونها تاجا فوق رؤوسهم في جمهرة الساسة المتفلتين من ضوابط الأخلاق. وتلك من مقاصد الإسلام وهي محل الأجر عند الله إن كان القصد خالصا دون حظ يشاركه في العمل.
) ص58.
(2) رواه مسلم وأحمد.
(3) رواه مسلم، أبو داود والترمذي.
(4) رواه الترمذي.
(5) (6) السيّاسة الشرعية ومفهوم السيّاسة الحديثة، محمد الدين قاسم، ص139-140.
(7) الإسلام شريكا" للكاتب الألماني فريتس شيبات، ص70.
( رواه البيهقي في السنن الكبرى.
(9) الجزائر المنشودة، ص62.
(10) المقدمة، ص251.
(11) خصائص التشريع الإسلامي في السيّاسة والحكم، ص374
(12)
(13) رواه مسلم.
(14) رواه البخاري.
(15) الطرق الحكمية في السياسة التشرعية ص38.
(16) النهج المسلوك في سياسة الملوك، للشيخ عبد الرحمن الشيرازي، ص28.
(17) الجزائر المنشودة ص63.
(18) سيرة بن هشام 3/ص498-499.
(19) كتاب السياسة لأبي بكر الحضرمي، ص33.
(20) أدب الدنيا والدين للماوردي، ص238.
(21) القدوة على طريق الدعوة، مصطفى مشهور، ص52-61.
الصدق:
يظن غير الإسلاميين أن الصدق يتنافى مع ما تفرضه الممارسة السياسية، ويشكل قيدا عليها. وبالتالي يسمحون لأنفسهم بالكذب والنفاق والتدليس والتزوير وشهادة الزور وما إلى ذلك من أخواتها، ويعدون ذلك شطارة و(قفازة) وطريق موصلة إلى قلوب الناس وعقول الحكام ومنجاة لهم من كل فخ.
ولكن عند الإسلاميين "الصدق منجاة"(12) كما أنه "يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة."(13) ويتميّز المسلم عن المنافق بالصدق "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا أؤتمن خان."(14)
فالسياسي المسلم صادق الحديث صادق الخطاب صادق السلوك، صادق الوعد، صادق الولاء وصادق الانتماء.
والحركة السياسية الإسلامية أمرت أن تكون صادقة وأمر الفرد أن يكون معها لصدقها، وانتماؤه إليها ثمرة للتقـوى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ( التوبة119.
لقد ذكر ابن القيم قاعدة سيّاسية جليلة استنبطها من قوله تعالى ) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً( الأنعام115. وتصلح ليضعها كل مسؤول نصب عينيه باستمرار: (ومدار الولايات كلها على الصدق في الأخبار والعدل في الإنشاء).(15)
وهو ذات المعنى الذي ورد عن بعض الحكماء قديما عندما قالوا: "أول سعادة الملك صدقه وأول هلاكه جوره"(16)
فالمسؤولية تفرض على الفرد وعلى الجماعة الصدق في كل ما يخبر به من أخبار ومعلومات ويعلنه من سياسات وبرامج ويرفعه من شعارات ورايات.
الوفاء:
في زمن يتلون فيه الناس بألوان المصالح ويلبسون ثيابا بأنواع المناصب يكون السياسي الإسلامي شاهدا على الناس مميزا بخلق الوفاء.
إن السياسي في عصرنا تجده ينتقل من حزب إلى حزب ومن ولاء إلى ولاء، ومن لجنة مساندة إلى أخرى، ومن تأسيس إلى تصحيح.. إلى تقويم، ومن إيديولوجية إلى نقيضها، ومن معسكر إلى معسكر، ومن حلف إلى حلف، ومن قناعة إلى قناعة- إن كانت هناك قناعة- وقد يكون هذا التحول والانتقال في أزمان قياسية، وكل على مرات متعددة، كذلك بدافع المصلحة الخاصة التي يدور معها حيث دارت وإن طارت.
لقد أنكر الشيخ نحناح هذا السلوك السياسي المشين عندما قال: "إن استغلال المنصب السياسي أو الممارسة السياسية لتحقيق مصلحة خاصة أيا كانت (شخصية، عائلية، قبلية، حزبية، طبقية، وجهوية…إلخ، يعد سلوكا يتنافى مع أخلاقيات العمل السياسي ويفقده معناه ومصداقيته).(17)
إن وفاء السياسي الإسلامي يقتضي منه أن يراعي وداد لحظة وإن أعقبها خصام، ويقرّ لمن أفاده لفظة وإن ألف عليها بعد ذلك كتاب، ويحفظ صداقة الصديق وإن باعدت بينهما المناصب والمسؤوليات، ولا ينسى لأهل الفضل فضلهم وإن كان قليلا وينسب السبق لأهله وإن عزّ عليه ذلك، ويكرم السابق وإن تفوق اللاحق، ويبنى على أسس من سبقه من المؤسسين الأولين.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان وفيا للمهاجرين الأولين فجعل الأمارة فيهم، كما كان وفيا للأنصار الصادقين ومن وفائه لهم لم يرجع للإقامة في مكّة بعد فتحها. وهي أحب أرض الله إليه. وعندما وزع الغنائم بعد غزوة حنين في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء فأحدثت عندهم القالة فاشتكي باسمهم سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فكان مما أجاب به وهو يخطب جمعا من الأنصار: "أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقتم ولصُدّقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فآسيناك. أوجدتم عليّ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة (بقلة خضراء ناعمة) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم فو الذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ولولا الهجرة لكنت إمرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وواديا، وسلكت الأنصار شعبا وواديا لسلكت شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار" قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسمّا وحظا، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا."(18)
وكان أيضا عليه الصلاة والسلام وفيّا للأمم الأخرى من المخالفين ملتزما بالعقود والمواثيق )أوفوا بالعقود( المائدة01، وحتى المنافقين كان وفيا معهم، فرغم إيذائهم له وللمسلمين وخيانتهم للدولة الإسلامية، لم يشأ أن يقتلهم لكي لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه.
إن الناس تغيرهم المناصب والأموال فيقلّ عندهم الوفاء ناكرين المعروف متناسين الماضي، متجاهلين الفضل، وهذا خلق اللئيم إذا تولى وأصبح مسؤولا "أول ما يبدأ اللئيم إذا ولي ولاية أو نال منزلة، هدْم دارِه وطلاق زوجته ومقاطعة إخوانه"(19).
"ومن أسباب ذلك الولاية التي تحدث في الأخلاق تغيرا، وعلى الخلفاء تنكرا، إما من لؤم طبع وإما من ضيق صدر وقد قيل: من تاه في ولايته، ذل في عزله. وقيل ذل العزل يضحك من تيه الولاية".(20)
القدوة:
تفتقد ساحات العمل السياسي إلى القدوة الحسنة مما يدفع الناس غالبا إلى الإقتداء بالسياسيين السيئين.
والمسلم قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما تراجعت القدوات وصغرت الهامات لقوله تعالى: )قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا(. الأحزاب21.
القدوة مطلوبة في الفرد ومطلوبة في الجماعة وقد خص الأستاذ مصطفى مشهور في كتابه "القدوة" فصلا خاصا بالجماعة الإسلامية القدوة، باعتبارها الوعاء المناسب الذي ينتظم فيه العاملون لتحقيق الهدف العظيم المتمثل في إقامة دولة الإسلام وقد حدد لها عشرين صفة."(21)
تبقى كل الرسائل والتعليمات وكل الخطب والكتب وكل اللوائح والقوانين مجرد كلام لا أثر له في واقع الناس إن لم يسنده ويقويه فعل من مسؤول قدوة. ولذلك تجد إذا سرق الوزير تبعه المدير، وإذا كذب الأمير قلده الغفير، وإذا ارتشى المدير رشي العميل، وإذا أخطأ الرئيس تأسى به الجليس.
إن القدوة هي حجر الزاوية في العمل السياسي الناجح، وهي شرط توفيق في العمل السياسي الإسلامي )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ( الصف2-3.
فالناس يتأثرون بالأفعال أكثر مما يتأثرون بالأقوال، وقد جربوا كثيرا من المسؤولين القوّالين، وعاشروا عديدا من السياسيين الحاذقين، ولن يتميّز الإسلاميون عن هؤلاء إلا بأن يقدّموا من أنفسهم القدوة في العمل والتضحية، وفي الالتزام والتجرد، وفي تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وفي التفاني في خدمة الأفكار والمبادئ التي يؤمنون بها ويبشرون بها، وفي حب الحركة التي ينتمون إليها ويدعون إلى الانضمام لها.
القدوة تظهر غالبا عند الامتحان، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وقد يكون لذلك أثرا متعديا إلى الحركة التي يمثلها ويتحمل المسؤولية باسمها.
والناس يحاسبون الإسلاميين بقسوة أكثر من غيرهم لأنهم عندهم مثال للأخلاق والمبادئ والمثل. فلا يقبلون لهم هفوة ولا يقبلون لهم عثرة، ولا يتجاوزون لهم عن صغيرة ولا يغضون الطرف عن سقطة، خاصة إذا وجدت من الخصوم وتجار الفضائح من ينشرها ويضخمها ويعممها.
إن خلاصة الدرس الثالث من دروس العمل السيّاسي الإسلامي أن يلتزم العاملون بالأخلاق ويرفعونها تاجا فوق رؤوسهم في جمهرة الساسة المتفلتين من ضوابط الأخلاق. وتلك من مقاصد الإسلام وهي محل الأجر عند الله إن كان القصد خالصا دون حظ يشاركه في العمل.
) ص58.
(2) رواه مسلم وأحمد.
(3) رواه مسلم، أبو داود والترمذي.
(4) رواه الترمذي.
(5) (6) السيّاسة الشرعية ومفهوم السيّاسة الحديثة، محمد الدين قاسم، ص139-140.
(7) الإسلام شريكا" للكاتب الألماني فريتس شيبات، ص70.
( رواه البيهقي في السنن الكبرى.
(9) الجزائر المنشودة، ص62.
(10) المقدمة، ص251.
(11) خصائص التشريع الإسلامي في السيّاسة والحكم، ص374
(12)
(13) رواه مسلم.
(14) رواه البخاري.
(15) الطرق الحكمية في السياسة التشرعية ص38.
(16) النهج المسلوك في سياسة الملوك، للشيخ عبد الرحمن الشيرازي، ص28.
(17) الجزائر المنشودة ص63.
(18) سيرة بن هشام 3/ص498-499.
(19) كتاب السياسة لأبي بكر الحضرمي، ص33.
(20) أدب الدنيا والدين للماوردي، ص238.
(21) القدوة على طريق الدعوة، مصطفى مشهور، ص52-61.