لعل من الأهمية أن نبدأ الدورة بكلمات تحفز على المتابعه والتفاعل مع الموضوع ولأوضح أهمية المادة
سأبدأ هذه الدورة بتلك الحكمة الرائعة :
إذا علمت إنساناً كيف يتفاعل مع حدث ما فإنك تمنحه الحياة ما يساوي مدته الزمنية.. أما إذا علمته كيف يتفاعل مع الأحداث فإنك تمنحه الحياة طول العمر .. ولكنك إذا علمته كيف يصنع الأحداث فإنك تضيف إلى عمره حياة جديدة .
إذا علمت إنساناً كيف يتفاعل مع حدثٍ ما فإنك تمنحه الحياة ، بما يساوي مدته الزمنية لأن الإنسان الذي لا يحس بالحدث ولا يتفاعل معه كأنه لا وجود له أو كسقط المتاع لا تأثير له لا بالسلب ولا بالإيجاب لا يحمل فكرة ولا يستجيب لأمر أو موقف أو حدث.
والفرد أو الأمة لا تعرف حياتها من موتها إلا بالآثار التي تحدثها أو بالمواقف التي تفعلها والأعمال التي تنجزها والأفكار التي تخرجها والأحداث التي تصنعها .
فإذا تحركت في أمر ما فإنها تقاس حياتها بمقدار هذا الأمر فإذا وقفت في وجه ظالم مرة فإن حياتها تكون بمقدار تلك المرة أو بمقدار الزمن الذي أحست فيه بالظلم فقاومته في حادثةٍ ما .
أما إذا علمت الإنسان أو الأمة التفاعل مع الأحداث فإنك تكون قد منحتها الحياة دائماً لأنها ستظل متفاعلة وتكون حية دائماً وصدق الله ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون).
يقول الأستاذ سيد قطب : الانتصار من البغي وعدم الخضوع للظلم طبيعة الجماعة المسلمة وسمة خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتهيمن على حياة البشرية بالحق والعدل وهي عزيزة بالله : (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) فمن أهداف هذه الجماعة ووظيفتها أن تنتصر من البغي وأن تدفع العدوان (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فهذا هو الأصل في الجزاء مقابلة السيئة بالسيئة
إما إذا علمت إنساناً كيف يصنع الأحداث فإنك تضيف له إلى عمره حياة جديدة تنفعه وتنفع أمته وتنفع البشرية ويكون بذلك قد تخلص من ثلاث خصال :
الأولى : الموات الثانية : من أن تكون أعماله ردود أفعال الثالثة : من أن يكون عمله غير مفيد للأجيال اللاحقة ودائماً أبداً لا يكون المؤمن إلا حياً متجاوباً مع الأحداث ودائماً أبداً يكون سبّاقاً إلى صنع الأحداث ولا يدع الأولوية في صناعة الحدث لغيره وينجر إلى مقاومته إلا إذا كان أمراً خارجاً عن إرادته وصدق الله (لو كان خيراً ما سبقونا إليه) (الأحقاف /11) (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون) (العنكبوت/4)
فالمؤمن دائماً أبداً مفكر سبّاق إلى الخير لمّاح إليه قوي العزم مجتمع النية على إدراك هدفه بالوسائل الصحيحة التي تقربه منه باذلاً قصارى جهده في بلوغ مأربه ، غير تارك للحظوظ أن تصنع له شيئاً أو للأقدار أن تدبر له أمراً، بل يجب عليه أن يكون سبّاقاً دائماً ويعود نفسه ذلك ، ليصنع التاريخ وصدق الله (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات) (البقرة/48) ، (والذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) (المؤمنون/61) ،( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً) (الأنبياء/90)
فالمؤمن دائماً سبّاقاً ومسارعاً إلى كل خير يصنع له الأحداث ويهيئ له الطريق ويسبب له الأسباب ويرسم له الطريق فإن وجد خيانة أو تآمر أو لاحظ ملامح الشر يكون سبّاقاً إلى وأده ومسارعاً إلى إجهاضه ولا يستنيم أو يستكين حتى تحل الكارثة وإنما يتجاوب مع المشكلة ويضع لها الحدث أو الظروف التي تناسبه
وصدق الله (وإما تخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء) (الأنفال / 58(
وتأمل ففى الاية صناعة الفعل قبل الحدث بمجرد الشعور بالخيانة !!!!
ـــــــــــــــــ
هل يكون التفاعل مع الحدث رد فعل :
العلاقة بين التفاعل مع الحدث ورد الفعل
الأصل أنه لا يجب أن لا يكون سلوكنا ردود أفعال بل يكون سلوكنا مع الحدث خاضعاً لضوابط معينة ولكن رد الفعل في ذاته يدل على أن الجسد حيّ فقط والجسد الحيّ لاشك أنه لازم لأي تقدم أما التمثال أو الشخص الميت فلا شك أنه لا يصلح لأي شيء
ولكن الحي في ردود الأفعال يكون مشوشاً غير مفيد كذلك ويتمثل ذلك في المثل الآتي :
لو أن إنساناً فجأة وخزك بدبوس فإنك ولاشك ستتحرك بحركة معينة منتفضاً مثلاً تضرب ما بجانبك أو تسقط ما في يدك وقد يؤدي رد الفعل إلى ضرر كبير ولا يؤثر التأثير المطلوب على الحدث أو في صالح الشخص ولهذا لابد أن يكون رد الفعل على الحدث منضبطاً وذا إرادة وفاعلاً نحو الحدث ولهذا يشترط فيها ما يلي :-
أن نكون سباقين لا يعني مجرد أخذ المبادأة بل يعني أن نكون - آدميين - مسئولين عن حياتنا .
أن يكون سلوكنا نابعاً مما نتخذه من قرارات وليس مفروضاً علينا من الظروف المحيطة .
ألاَّ يكون هذا السلوك مجرد (رد فعل) بل هو الفعل نفسه .
أن تكون لدينا حرية الاختيار القائمة على إدراك الذات والتصور والعزيمة المستقلة والضمير الحي أن تخضع استجاباتنا للقيم وليس للمشاعر والأحاسيس.
كثيرون يتحركون وفقاً لما تمليه عليهم الظروف ، أما السباقون المسيطرون فتحركهم القيم المنتقاة التي تتشربها نفوسهم وتصبح جزءاً من تكوينهم .. وهذه القيم تنقسم إلى ثلاثة أنواع :
- قيم تجريبية : تحدث أو تقع لنا .
- قيم إبداعية : نأتي بها نحن إلى الوجود .
- قيم سلوكية : تعبر عن استجاباتنا لما يحدث لنا ، وهذه أعلى مستويات القيم لأن ما يهم في المقام الأول هو كيف نستجيب لما نجريه في الحياة .
تأمل هذا الخط الفاصل بين صاحب المبادأة والشخص الذي يقال له رد فعلي:
صاحب الرد الفعلى يقول ..ليس هناك ما يمكننا عمله.......صاحب المبادأة (المبادرة) يقول لنتأمل البدائل
صاحب الرد الفعلى يقول هذه هي طبيعتي.........صاحب المبادأة (المبادرة ) يقول يمكنني أن ألجأ إلى طرق مخالف
صاحب الرد الفعلى يقول إنه يستفزني......صاحب المبادأة (المبادرة) يقول أتحكم في مشاعري
صاحب الرد الفعلى يقول لن يسمحوا لنا بهذا.....صاحب المبادرة يقول يمكنني أن أقدم عرضاً مؤثراً
صاحب الرد الفعلى يقول أنا مضطر لذلك.....أما صاحب المبادرة يقول سأختار الإجابة المناسبة
من أقوال صاحب الرد الفعلى .....لا أستطيع...... لا بد لي .....لو أنه فقط
من اقوال صاحب المبادرة ....أختار.... أفضل..... أعتزم
وتأمل الفارق الكبير بين الإثنيين !!!!!
وهناك مثل آخر نحب أن نضربه للدلالة على أن الإنسان الذي لا تكون أعماله ردود أفعال ، وهو نفس الشخص الأول الذي يراقب الحدث ويستشرف ظواهره وكان قد أعد نفسه لمثل هذا أو أكثر ، فإنه إذا جاءه إنسان ليضربه بدبوس فإنه يتفاداه أو يخيف الضارب أو يبعد الدبوس عن مناطق التأثير في جسده أو يضرب الضارب بآلة أشد من الدبوس فيصيبه إصابة تردعه وأمثاله عن أمثال هذه الأعمال
.......تأمل الفارق بين هذا وبين من يكون عمله مجرد رد فعل لتفادى الدبوس
ــ
والآن سنأتى لبعض التعاريف الهامة :
تعريف الحدث
هو كل فعل ينتج عنه تأثير مادي أو معنوي إيجابي أو سلبي أو محايد يأخذ أشكالاً مؤثرة على الأهداف والمشروعات والمسارات والوسائل وذلك على المستوى الداخلي للمؤسسة أو البيئة المحيطة بها .
تعريف الأزمة
هي كل تأثير مادي أو معنوي يأخذ أشكالاً حادة في التأثير على الأهداف والمشروعات والمسارات والوسائل ، وذلك على المستوى الداخلي للمؤسسة أو البيئة المحيطة بها
الفارق بين المشكلة والمأزق
هناك فرق كبير بين المأزق والمشكلة ، المشكلة تنشأ بسبب خطأ أو نقص أو عجز أو مرض ، أما المأزق فنقع فيه بسبب القيم والاتجاهات التي نحترمها ونجلها .
ما سبب الجريمة ؟ قد نقول أنه الفقر أو مشاهدة أفلام العنف .. الخ . ، ولكن هناك شعوباً فقيرة ومعدمة ومع ذلك تكاد لا تعرف الجريمة ، بينما شعوب كثيرة متحضرة تفتقر حياتها للأمان بسبب الجريمة التي وجدت مرتعها الخصب في القيم التي تعليها وتجلها : المدنية والرفاهية .. الحرية الشخصية والمادية ، إذاً فظاهرة الجريمة مأزق وليست مشكلة .
المشكلة يمكن أن نجد لها حلولاً أما المأزق فيجب أن نجابهه
مثال ذلك الطبيب الذي يشرع أحياناً في علاج المريض من حالة معينة ويكتشف بعد ذلك أنه مصاب بحالة أخرى في نفس الوقت ، فيجد نفسه عاجزاً عن علاج أي من الحالتين علاجاً جذرياً لا لشيء إلا لأن علاج كل حالة يتعارض مع علاج الأخرى ، هنا يبرز دور إدارة المتناقضات : المتابعة الدائمة .. تقييم النتائج .. تنويع الأساليب : المجابهة .
المدير النابه يستوعب سريعاً أن تلك الأمور التي تؤرقه ليست مشاكل يمكن أن يتناولها بالتفكير التحليلي البحت ، ولكنها - في الغالب - تكون مأزق تتطلب منه البصيرة والرؤية الشاملة التي تقوده إلى اكتشاف المفارقة الحقيقية التي أفرزت هذا المأزق .
والمشكلة والمأزق تماثلان الحدث والأزمة مع فوارق قليلة بجب أن يجد لها الإنسان حلاً
والان سأضع بعد الامثلة والتدريبات وأرجو أن تشاركونا الإجابه قبل يوم غد قبل أن أضع الجزء التالى من الدورة
ــــــ
مجموعه من العبارات هل هى صحيحة أم خاطئه :
(1) كل حدث أزمة .
(2) كل أزمة حدث .
(3) ليس كل حدث أزمة .
(4) ليست كل أزمة حدث
ثم هل تستطيع أن تضع وصف للآتى هل هو حدث أم أزمه أم كليهما :
الحادى عشر من ستمبر
الإنتخابات
تقص الموارد
محاكمة هشام طلعت مصطفى
المشكلة المالية العالمية
هل تصنف ما مر على انه حدث او أزمه أو كليهما
ننتظر الإجابات والتعليق على ما مضى قبل وضع جزء جديد من الدوره
نستطيع أن نخرج من التعريفات السابقة عن الحدث والأزمة بمجموعة من العلاقات بين الحدث والأزمة
يمكن أن نقول أنك
كل أزمة هى حدث وليس كل حدث أزمة
مثال نقص الموارد أزمة وحدث فى نفس الوقت
الإنتخابات حدث وليست أزمة
وهكذا يمكن أن نعود للأسئله السابقة والأمر كما وصفه الاستاذ الشريف الرضى
بيد ان التوصيف الدقيق هو ان الاحداث قد تتحول الى مولد للازمات ،وربما يصنع الحدث للخلاص من ازمة فيعمقها...
والآن فى موضوع التفاعل مع الأحداث هناك خمس حقائق وخمس أوهام لا بد من إزالتها
الحقائق هى:
الحقيقية الأولى
يمكن اختيار الأحداث التي نتفاعل معها وفق السياسات المعتمدة والتي تخدم مستهدفات الخطة
يمكن جعل الخطة تتفاعل مع الأحداث وفق السياسات المعتمدة للمؤسسة والتي تخدم مستهدفات الخطة بجعل الخطة مرنة بل يمكن استغلال الأحداث لتفعيل الصف وتفعيل الخطة دعوياً وجهادياً وتدريبياً .
فيمكن التعامل مع حدث مثل إنتفاضة الأقصى لتفعيل الوحدة الإسلامية وتحريك شعور المسلمين ودفعهم إلى الإحساس بالظلم
الحقيقة الثانية :
تقع المشكلات في حالات التفاعل وعدم التفاعل مع الأحداث من ضريبة التفاعل مع الأحداث مواجهة بعض المشكلات
مثال: عدم المشاركة في الانتخابات النزيهة يفسح الطريق لغير الكفاءات في احتلال المقاعد فتشرع قوانين لصالح طبقة دون طبقة وتنتج مشكلات .
عدم التفاعل مع الأحداث التي تهدد المؤسسة ينتج عنها وقوع المؤسسة أمام أخطار تهدد بجميع العاملين (مشاكل).
الحقيقة الثالثة :
يقاس الفرق بين التفاعل وعدم التفاعل مع الأحداث " بالسنوات الضوئية " في حياة الإنسان بالحياة أو الموت
يقاس التفاعل مع الأحداث وعدم التفاعل مع الأحداث بالسنين الضوئية بمعنى أن المسافة بينهما شاسعة جداً كما أنها تكون كالفرق بين الحياة والموت فرق هائل جداً وهذا يعطي انطباعاً بأن التفاعل مع الحدث مهم جداً جداً ومهما كلف هذا التفاعل من جهد
الحقيقة الرابعة :
تعتبر المفاضلة الركن الأساسي الذي تقوم عليه فكرة تكلفة الفرصة البديلة
الحلاوة = العائد من التفاعل مع الأحداث .
النـار = المعاناة من التفاعل مع الأحداث
من بين العوائد :
(1) المعذرة إلى ربنا وبيان للناس أننا لا نخشى في الله لومة لائم ، ولا نخشى أهل الزور والبطش (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ).
(2) إشعارنا بأنا زمرة من أهل الإيمان (ولا نزكي أنفسنا) لا زالت قابضة على دينها ولا زالت تتصدى للباطل وأنصاره رغم الظلم.
(3) الحملة الانتخابية تسهم في إبقاء الجذوة الدعوية مشتعلة ونور الإيمان مستمراً رغم كيد الكائدين في الداخل والخارج.
(4) فرصة للصف لمجاهدة نوازع الاستكانة والخلود إلى الراحة أو إيثار السلامة.
(5) تحقيق سنة الله في مدافعة الباطل.. (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون( .
دفع الخصوم دفعاً لإنجاز بعض أهدافنا الدعوية بصرف النظر عن صدقهم في ذلك فصلاة العيد وتحفيظ القرآن يتصدى له الآن (أحياناً) دوائر معينة منتمية للحزب الوطني حينما تريد المزايدة علينا .
الحقيقة الخامسة
التفاعل مع الأحداث = مسئول متفاعل + أفراد متفاعلين
التفاعل مع الأحداث = مسئول متفاعل + أفراد متفاعلين أما إذا كان هناك مسئول متفاعل فقط فلا يمكن أن تتفاعل المؤسسة وكذلك العكس وهذا ينطبق عليه القول : جيش من الأرانب وقائد أسد أو جيش من الأسود وقائد أرنب تكون النتيجة عدم التفاعل مع الأحداث أما إذا كان هناك جيش من الأسود وقائد أسد فهذا قمة التفاعل
والآن مجموعة من الأوهام
1- التفاعل مع الأحداث يعطل عن العمل بالخطة....الخطة التربوية الموضوعه للأسره أو الشعبة
2 - التفاعل مع الأحداث يعني "المشاكل"عدم التفاعل مع الأحداث يعني "العافية"
3- عدم التفاعل مع الأحداث هو الاختيار "الحلو"
4- يمكن التفاعل مع كل الأحداث دون معاناة
5- يمكن توظيف الأحداث بقائد متفاعل وأفراد غير متفاعلين أو العكس
وهذه الخرافات هى عكس الحقائق السابقة فبالضد يتضح الشىء
ــــــــــــــــ
التدريبات :
ما رأيك فى العبارات التالية
أيهما أفضل جيش من الأرانب يقوده أسد أم جيش من الأسود يقوده أرنب وما هو الأفضل من الاثنين
عين في الجنة وعين في النار عند التفاعل مع الأحداث ما فيش حلاوة من غير نار
مشكلة
أعمل مشرفاً لأحد الوحدات التنفيذية على خلاف دائم مع مسئولي في العمل، إنه يعاتبنا دائماً على عدم تفاعلنا مع الأحداث بشكل جيد، بل إنه يقول لنا أحياناً أننا لا نتفاعل معها على الإطلاق لقد قررنا في وحدتنا أن نلتزم بالخطة الموضوعة ولا نريد لها أن تتعطل فهي الأهم والأولى بالاهتمام من التفاعل مع الأحداث لقد اتفقنا في بداية العام ألا نلتفت لأي مؤثرات خارجية من شانها أن تؤثر على سير الخطة، فما رأي سيادتكم في هذه المشكلة ؟
نريد راأيكم وماذا تقولونه لهذا الاخ لحل مشكلته السابقة
ــــــــــــ
التأصيل الشرعى للتفاعل مع الأحداث
التفاعل مع الحدث جهاد ولابد له من معاناة
لاشك أن للجهاد في سبيل الحق تكاليف وأن للكفاح مع الباطل ثمناً وأن للصراع مع الفساد تضحيات يتحملها الداعون إلى الحق والمتعرضون لإزاحة الباطل والمصارعون للفساد والمقوضون لدعائمه ولكن العاقبة لهم والنصر في ركابهم وصدق الله : (والعاقبة للمتقين) (الأعراف – الآية /128)
ولاشك كذلك أن للمناوئين للإصلاح والمعادين للإيمان والمؤلبين على الدعاة والمعذبين للمجاهدين من الطغاة والجبابرة والمتسلطين معاناة وآلاماً ومنغصات من هذا الصراع المحتوم وهذا الحق الصائل وذلك الكفاح المؤمن ولكنهم لا يرجون نصراً أو عزاً أو استقراراً وصدق الله : (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) (النساء- الآية/104) (وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيرا) (النساء –الآية/45 ).
إن وقوع المعركة بين جند الحق وجند الباطل واستعلاء سلطان الحق في عالم الواقع بعد استعلائه في عالم الضمائر يحتاج إلى تعاليم العصبة المسلمة وإيحاءات لحشد الطاقات المؤمنة وتوجيهها نحو النصر والفوز بالثبات عند لقاء الأعداء والتزود بزاد النصر والتأهب بأهبته.
وقد حدد القرآن ذلك في صدق كأنها المعادلات الرياضية التي لا تختلف نتائجها ولا تضطرب أرقامها ومن أصدق من الله قيلاً وذلك في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين * ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) (الأنفال - الآية / 45-47).
عوامل النصر الحقيقية : الثبات عند لقاء العدو والاتصال بالله وذكره ، والطاعة لله والرسول وتجنب النزاع والشقاق والصبر على تكاليف المعركة والحذر من البطر والرياء والبغي .
(1) فأما الثبات:
فهو بدء الطريق إلى النصر ، فأثبت الفريقين أغلبهما وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون ويألم كما يألمون ولكنه لا يرجو من الله ما لا يرجون فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه لأن المؤمن لا يتزعزع ولا يتردد ولا يهن ولا يضعف أبداً لأنه لا ينتظره إلا إحدى الحسنيين... الشهادة أو النصر..
ولا يتوقع إلا ما كتب الله له ولو أن أهل الأرض جميعاً اجتمعوا على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه وأشد ما يحرص الناس عليه آجالهم وأرزاقهم فهما أشد ما يدعوهم إلى التردد والضعف والخوف على الأعمار أن تقصر بالموت والخشية على الأرزاق أن تنقص بالنفقة .
والمؤمن واثق تمام الثقة أن الأجل والرزق بيد الله وحده لا سلطان عليهما لأحد غيره ففيم التردد والخوف ، والضعف والوهن إن المؤمن ثابت لا يلين ، قوي لا يضعف ، وكثيراً ما كان الفرق بين الهزيمة والنصر ساعة من الثبات وصدق الله : (وكأين من نبيٍ قاتل معه ربيون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) (آل عمران - الآية /149(
(2) ذكر الله تعالى :
فهو أمان الخائفين وأمل اللاجئين ، والمؤمن يعلم تمام العلم ويوقن أعمق اليقين بأن قدر الله أعظم القدر ، وأن قوة الله أجل القوى .. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (يوسف-الآية/21) فإذا أحاطت به عوامل اليأس وهتفت به هواتف الهزيمة من كل مكان وأحدقت به قوى الأعداء من كل جانب ذكر صادقاً أن وراء ذلك كله قوة القوي القدير العلي الكبير الذي له ملك السموات والأرض ومن فيهما جميعاً عباده بيده ملكوت السموات والأرض : (وما يعلم جنود ربك إلا هو) (المدثر-الآية/31) ، (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (يس-الآية/82(.
فماذا عسى أن ينال من نفسه تهويل المهولين ، أو قوة المتكاثرين أو عدة المعتدين؟ لا شيء أبداً .. (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) (آل عمران-الآية/173(.
(3) طاعة لله ورسوله :
فلا قتال إلا لغاية ولا عمل إلا في حدود وإذا كانت الغاية مرضاة الله ورسوله وإذا كانت الحدود حدود الله ورسوله وما وضع العليم الخبير لعباده من نظم ومناهج وأحكام وقواعد تبصرهم بالخير وتأمرهم به وتحذرهم من الشر وتنهاهم عنه كانت تلك ولاشك أنبل الغايات وأشرف المقاصد ، يهون في سبيلها البذل ويطيب من أجلها الكفاح : (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) (النساء-الآية/79).
(4) الوحدة والإخاء:
في العاطفة والقيادة والجندية والقول والعمل والشعور والروح والمقصد والغاية والوحدة في كل شيء على أساس القوة وملاك العزة وما تفرق قوم إلا ضعفوا وما اختلف نفر إلا ذلوا والوحدة صميم الإيمان والتفرقة من معاني الكفر: (إنما المؤمنون إخوة) (الحجرات-الآية/10(.
(5) والصبر وهو أصل الثبات:
فلا ثبات إلا للصابرين ، والثبات مظهر وعمل والصبر عاطفة وخلق والصابرون يوفون أجرهم بغير حساب في الدنيا بالنصر والظفر وفي الآخرة بالمثوبة والأجر: (وبشر الصابرين) (البقرة-الآية/155) ، (واستعينوا بالصبر والصلاة) (البقرة-الآية/45) ، (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (السجدة-الآية/24(.
(6) تصحيح النية وطهارة المقصد:
فلا يكون الغرض عدواناً على أحد أو إبطالاً لحق أو إحقاقاً لباطل أو تهجماً على آمنين أو اغتصاباً بالآخرين بل يكون دفاعاً مشروعاً أو حماية لمثل عليا : (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) (الأنفال-الآية/47(.
والعصبة المؤمنة تخرج متجردة من حظ نفسها في المعركة فلا يكون لها من النصر والغلبة إلا تحقيق طاعة الله في تلبية أمره وإقامة منهجه في الحياة وإعلاء كلمته في الأرض والتماس فضله ورضاه .
وبعد فهذا وعد الله وهذا حديثه وكلامه وما بقي إلا أن يعلم الله من نفوسنا خيراً ومن أعمالنا صدقاً ومن عزائمنا صبراً حتى يتنزل نصر الله وما هو منا إن شاء الله ببعيد ، نسأل الله الثبات والعون والتوفيق.
ـــــــــــ
أولاً : التفاعل مع الأحداث في القرآن الكريم :
من يتأمل الآيات القرآنية يجد ثلاثية للزمن التفاعل مع الأحداث بعد وقوعها ( الماضى ( وقت وقوعها )الحاضر ( وقبل وقوعها ( المستقبل (.
فالتفاعل مع الأحداث مبدأ إسلامي حيث جاءت الرسالة تتعامل مع الواقع وتعدل السلوك وتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد وحمل هذه الرسالة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وتعامل مع العبادات الجاهلية والعادات الخاطئة والتقاليد البالية كما تعامل القرآن مع الأعداء والمروجين للإشاعات المغرضة وتعامل مع المسلمين في المواقع الحربية ، من هذا كله ما يلي :-
أولاً : التفاعل مع الحدث وقت وقوعه :
(1)حدث تحويل القبلة : لما تحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلته في الصلاة إلى الكعبة بأمر من الله تعالى تقوَّل سفهاء اليهود على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرد عليهم القرآن رداً حاسماً في ذلك .
(2) حادث سرقة طعمة بن ابيرق درعاً ثم خبأها عند يهودي: فوجدت عنده ، فرماه طعمه بها وحلف أنه ما سرقها ، فنزلت الآيات في قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) (9- آيات) ، تبرئ اليهودي من السرقة وتدين المسلم.
(3) الأزمة التي حدثت في إشاعة موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحد : وحديث القرآن عنها وتثبيت المسلمين على الحق في ذلك ، في قوله تعالى : (وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (.
(4) مصاحبة القرآن للمؤمنين في الغزوات: بدر - أُحد - الفتح..... الخ .
(5) مصاحبة القرآن للمؤمنين في الأمور الاجتماعية: كالزواج والطلاق ، والميراث ، والبيوع ، وكنز المال.
(6) التشريع للمسلمين في القضايا المختلفة: جنايات وقضاء ومنازعات.
ثانياً : التفاعل مع الأحداث بعد وقوعها :
(1) قصص القرآن قصص الأنبياء والصالحين وقال سبحانه : (لقد كان في قصصهم عبرةً لأولي الألباب) ولا شك أن كل قصة تتعامل مع حدث مضى وتعطي فيه العبرة التي يجب أن يعيها الإنسان وترسم الطريقة التي ينبغي أن يتعامل بها الناس مع حقائق تلك القصة وتشرح الوسائل التي يجب أن تتبع في مثل هذه المواقف من ذلك قصة يوسف مع أخوته وقصته مع امرأة العزيز وكيف أعطت القصة كثيراً من الدروس الذي كان مآلها طيباً يليق بالمسلم أن يتبعه ويسير على منواله في الصبر والطهارة، والثبات على الإيمان : (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).
(2) وقصة موسى - عليه السلام - مع فرعون والسحرة وكيف هزم فرعون وكيف تفاعل موسى مع الحوادث وكيف انفعلت السحرة بالمواقف وكيفية الدروس المستفادة من القصة وهي كثيرة.
(3) وقصة موسى كذلك مع العبد الصالح ومواجهة الأزمات وكيف رسم العبد الصالح لموسى كيفية التعامل معها..... الخ ، هذا القصص الذي يجعل الإنسان يتفاعل مع أحداثها رغم أنها مضت ، وأصبحت في ذمة التاريخ ، ولكنها عبر ودروس يجب أني نلتفت إليها ، وصدق الله : (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (ق-37(.
ثالثاً : قصص القرآن قبل الأحداث :
(1) وذلك في قوله تعالى : (ألم ، غُلبت الروم ، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين ، لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) (الروم 1-5).
(2) كما يحث القرآن على التفاعل مع الحدث قبل أن يقع وفور ظهور بوادره وذلك في قوله تعالى: (وإما تخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء) (الأنفال -58) . (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع) (النساء-34(.
(3) ومن التعامل مع الأحداث المتوقعة: قوله تعالى: ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدة) (النساء-102(.
(4) فشرعت صلاة الحرب للتعامل مع الحدث قبل وقوعه حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة وكذلك المسلم يجب أن يكون له نظر ثاقب للأشياء حتى لا تقع الأحداث من غير استعداد لها وهي متوقعة فيتعرض الإنسان لضرر كبير وتتعرض الأمة لأضرار عظيمة تعطل مسيرتها.
ـــــــــــ
السيرة النبوية
لاشك أن خطة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في التفاعل مع الأحداث وصناعتها كانت خطة حكيمة من جميع جوانبها فكانت خطته في تبليغ الدعوة في أول مرة خطة سرية لأن الحدث إذا فاجأ الجاهلية قد يكون له تدمير كبير في وسط المسلمين وعلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى المساندين له حتى من قومه فاختار أن تكون الدعوة سرية تسري بها الإشاعات لتهيئ الأذهان للجهر بها.
ثم أخذ الرسول في دعوة المخلصين حوله من أهل بيته ومن أصحابه الذين يثق فيهم ثم أخذ في دعوة عشيرته الأقربين ثم بعد ذلك جهر بالدعوة بأسلوب منطقي ليحمل الناس على التسليم بما يقول فبعد أن نادى من على الصفا بطون قريش
: " يا بني فلان ، يا بني فلان ، واجتمعوا عليه قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بهذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ، قالوا : نعم ما جربنا عليك كذباً ، فانتزع منهم الإقرار بأنه الصادق الأمين الذي ما كذب قط ، فقال حينئذ : إني رسول الله إليكم جميعاً" ،
فانظر كيف قدم للحدث!! وكيف تعامل مع أفهام القوم وكيف استنطقهم" وكيف مر الحدث بسلام !!! إلا من كلمات من أبي لهب عاقبه عليها القرآن حين قال : تباً لك ألهذا جمعتنا : "فقال القرآن تبت يدا أبي لهب وتب) السورة .
ثم كيف تعامل بعد ذلك مع حوادث التعذيب بالصبر والمصابرة حتى ربى أصحابه وكون قوته واختار الأرض والقاعدة ! ثم أمر بالهجرة والتجمع وكانت المواجهة ولكن بعد الاستعداد وتربية الكوادر وتدريب الجيـوش !! ثم تعامل بعد ذلك مع الحوادث بما يجب أن تُعامل به وأعد لكل شيء عدته "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الجيش" فكان النصر والفوز .
وإذا كنت تريد أن تقيس تعامل رسول الله بمقاييسه الصحيحة فانظر إلى تعامله مع حادثة الصلح في الحديبية حيث قبل الشروط التي كان ينبغي أن تقبل وإن ظن غير ذلك لأن فيها الفوز والنصر والفتح وقد سماها القرآن فتحاً مبيناً قبل فتح مكة المكرمة كان تفاعل الرسول مع الأحداث سريعاً مع المهاجمين للمدينة سواء كانوا عصابات أو جيوشاً وكان نداءه يا خيل الله اركبي تنطلق في لمح البصر وراء العدو وكان الرسول أول الراكبين وأول المتقدمين ثم كيف استعد مستقبلاً في غزوة الأحزاب فحفر الخندق حول المدينة وكان ذلك سبباً في هزيمة الأعداء وكان نصرالإسلام دائماً مرتبطاً بسرعة التعامل مع الأحداث !!
تعامل الصحابة مع الأحداث
تعامل الصحابة مع الأحداث بكفاءة وثقة وقد عهدنا عنهم ذلك يوم آمنوا برسالتهم واقتدوا برسولهم أعطاهم الإسلام عزائم وقوة غامرة وأحياهم إحياءة جديدة ، وصدق الله : (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها) (الأنعام-122) وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (الأنفال-24) ، وإذا أردنا أن نتحدث عن بعض المواقف في الأزمات لأبي بكر الصديق بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نذكر موقفه في أزمة موت الرسول – صلى الله عليه وسلم– وقد تفرع عنها أربع أزمات :
الأزمة الأولى :
فتنة الناس بموت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتكذيبهم لذلك حتى قال عمر
من قال أن رسول الله قد مات ضربته بسيفي هذا ، فإذا أبو بكر يفصل في القضية :
أخرج البيهقي عن عُروة بن الزبير - رضي الله عنهما – قال : وأقبل أبو بكر – رضي الله عنه – من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد ، وأقبل مكروباً حزيناً فاستأذن في بيت ابنته عائشة – رضي الله عنها – فأذنت له ، فدخل ورسول الله (ص) قد توفي على الفراش والنسوة حوله فخمرن وجوههن واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله (ص) فجثى عليه يقبله ويبكي ويقول : ليس ما يقول ابن الخطاب شيئاً ، توفي رسول الله (ص) والذي نفسي بيده ، رحمة الله عليك يا رسول الله ، ما أطيبك حياً وميتاً ، ثم غشَّاه بالثوب ثم خرج سريعاً إلى المسجد يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر وجلس عمر – رضي الله عنه – حين رأى أبا بكر – رضي الله عنه – مقبلاً إليه
وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ونادى الناس ، فجلسوا وأنصتوا فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد وقال : إن الله عز وجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز وجل قال تعالى : (وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل) الآية فقال عمر : هذه الآية في القرآن والله ما علمت أن هذه الآية أُنزلت قبل اليوم – وقد قال الله تعالى لمحمد (ص) إنك ميت وإنهم ميتون) وقال تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه تُرجعون) وقال تعالى : (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقال : (كل نفسٍ ذائقة الموت إنما توفوّن أجوركم يوم القيامة) وقال : إن الله عمَّر محمداً وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلّغ رسالة الله وجاهد في سبيل الله ثم توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة فلن يَهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء فمن كان الله ربه فإن الله حيّ لا يموت ومن كان يعبد محمداً ويُنزله إلهاً فقد هلك إلهه فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وإن كلمة الله تامة وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه وإن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء.
وبه هدى الله محمداً وفيه حلال الله وحرامه ، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله ، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله (ص) فلا يبغين أحد إلا على نفسه ، ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله (ص) كذا في البداية (ج 5 ص/243).
وهكذا كان موقف أبي بكر الصديق وتعامله السريع مع الحدث قاطعاً للفتنة والشك !!! ومنبهاً للناس إلى التزام الصراط المستقيم .
الأزمة الثانية :
أزمة الخلافة بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحسمها حين اجتمع بعض الصحابة في
الثقيفة لاختيار خليفة بعد رسول الله (ص) ، واستطاع أبو بكر وعمر تفادي هذه الأزمة بمسارعتهم لحسم الأمور ، واستقرار الدولة الإسلامية وتولي أبو بكر سدة الخلافة وأجمعت الصحابة على طاعته وتنفيذ أوامره .
الأزمة الثالثة :
أزمة تسيير جيش أسامة وقد توفي رسول الله (ص) بعد عقده لواء جيش أسامة وعسكرة الجيش
خارج المدينة فإذا بأبي بكر الصديق يرى مالا يراه غيره من ضرورة تنفيذ جيش أسامة حتى لا يرد عمل بدأه رسول الله (ص) وفي ذلك إشارة إلى أن فيه الخير الكثير فكان في تنفيذ جيش أسامة بركة على المسلمين وردعاً لمن تسول له نفسه الخروج على الدولة فالدولة في قوة وما زالت ترسل الجيوش للتعامل مع الأعداء خارج المدينة .
والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه فيما هو أهم ، لأن ما جهز بسببه في حال السلامة ، وكان من جملة ما أشار بذلك عمر بن الخطاب ، فامتنع الصديق من ذلك وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة وقال :
والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله (ص) ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزن جيش أسامة وآمر الحرس يكونون حول المدينة فكان خروجه في ذلك الوقت من أكبر المصالح والحالة تلك فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أرعبوا منهم وقالوا : ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة فقاموا أربعين يوماً ويقال سبعين يوماً ، ثم أتوا سالمين غانمين ثم رجعوا فجهزهم حينئذ مع الأحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدة ، ومانعي الزكاة على ما سيأتي تفصيله.
قال سيف بن عمر : عن هشام بن عروة عن أبيه قال : لما بويع أبو بكر وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه ، قال : ليتم بعث أسامة وقد ارتدت العرب إما عامة إما خاصة ، في كل قبيلة ، ونجم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية ، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم (ص) وقلتهم وكثرة عدوهم فقال له الناس: إن هؤلاء جل المسلمين والعرب على ما ترى قد انتقصت بك ، وليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين ، فقال : والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله (ص) ولو لم يبق في القرى غيري أنفذته .
وقد روى هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، ومن حديث القاسم وعمرة عن عائشة ، قالت : لما قُبض رسول الله (ص) ارتدت العرب قاطبة وأشربت النفاق ، والله لقد نزل بي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها ، وصار أصحاب محمد (ص) في حيرة من أمرهم لولا موقف أبي الصديق – رضي الله عنه.
الأزمة الرابعة :
في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة قد تقدم أن رسول الله (ص) لما توفي ارتدت أحياء كثيرة من الأعراب ، ونجم النفاق بالمدينة وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة
والتقت على طليحة الأسدي بنو أسد وطيّئ ، وبشر كثير أيضاً ، وادعى النبوة أيضاً كما ادعا مسيلمة الكذاب وعظم الخطب واشتدت الحال ونفذ الصديق جيش أسامة فقل الجند عند الصديق فطمعت كثير من الأعراب في المدينة وراموا أن يهجموا عليه ، فجعل الصديق على أنقاب المدينة حراساً يبيتون بالجيوش حولها ، فمن أمراء الحرس علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبدالله بن مسعود ، وجعلت وفود العرب تقدم المدينة ، يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة ، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق ، وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى : (خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) ، قالوا : فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا
وكذلك كان صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مجاهدين لا يخافون في الله لومة لائم وقد وصفهم غيرهم بأعلى درجات التفاعل والإخلاص
سأبدأ هذه الدورة بتلك الحكمة الرائعة :
إذا علمت إنساناً كيف يتفاعل مع حدث ما فإنك تمنحه الحياة ما يساوي مدته الزمنية.. أما إذا علمته كيف يتفاعل مع الأحداث فإنك تمنحه الحياة طول العمر .. ولكنك إذا علمته كيف يصنع الأحداث فإنك تضيف إلى عمره حياة جديدة .
إذا علمت إنساناً كيف يتفاعل مع حدثٍ ما فإنك تمنحه الحياة ، بما يساوي مدته الزمنية لأن الإنسان الذي لا يحس بالحدث ولا يتفاعل معه كأنه لا وجود له أو كسقط المتاع لا تأثير له لا بالسلب ولا بالإيجاب لا يحمل فكرة ولا يستجيب لأمر أو موقف أو حدث.
والفرد أو الأمة لا تعرف حياتها من موتها إلا بالآثار التي تحدثها أو بالمواقف التي تفعلها والأعمال التي تنجزها والأفكار التي تخرجها والأحداث التي تصنعها .
فإذا تحركت في أمر ما فإنها تقاس حياتها بمقدار هذا الأمر فإذا وقفت في وجه ظالم مرة فإن حياتها تكون بمقدار تلك المرة أو بمقدار الزمن الذي أحست فيه بالظلم فقاومته في حادثةٍ ما .
أما إذا علمت الإنسان أو الأمة التفاعل مع الأحداث فإنك تكون قد منحتها الحياة دائماً لأنها ستظل متفاعلة وتكون حية دائماً وصدق الله ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون).
يقول الأستاذ سيد قطب : الانتصار من البغي وعدم الخضوع للظلم طبيعة الجماعة المسلمة وسمة خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتهيمن على حياة البشرية بالحق والعدل وهي عزيزة بالله : (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) فمن أهداف هذه الجماعة ووظيفتها أن تنتصر من البغي وأن تدفع العدوان (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فهذا هو الأصل في الجزاء مقابلة السيئة بالسيئة
إما إذا علمت إنساناً كيف يصنع الأحداث فإنك تضيف له إلى عمره حياة جديدة تنفعه وتنفع أمته وتنفع البشرية ويكون بذلك قد تخلص من ثلاث خصال :
الأولى : الموات الثانية : من أن تكون أعماله ردود أفعال الثالثة : من أن يكون عمله غير مفيد للأجيال اللاحقة ودائماً أبداً لا يكون المؤمن إلا حياً متجاوباً مع الأحداث ودائماً أبداً يكون سبّاقاً إلى صنع الأحداث ولا يدع الأولوية في صناعة الحدث لغيره وينجر إلى مقاومته إلا إذا كان أمراً خارجاً عن إرادته وصدق الله (لو كان خيراً ما سبقونا إليه) (الأحقاف /11) (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون) (العنكبوت/4)
فالمؤمن دائماً أبداً مفكر سبّاق إلى الخير لمّاح إليه قوي العزم مجتمع النية على إدراك هدفه بالوسائل الصحيحة التي تقربه منه باذلاً قصارى جهده في بلوغ مأربه ، غير تارك للحظوظ أن تصنع له شيئاً أو للأقدار أن تدبر له أمراً، بل يجب عليه أن يكون سبّاقاً دائماً ويعود نفسه ذلك ، ليصنع التاريخ وصدق الله (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات) (البقرة/48) ، (والذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) (المؤمنون/61) ،( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً) (الأنبياء/90)
فالمؤمن دائماً سبّاقاً ومسارعاً إلى كل خير يصنع له الأحداث ويهيئ له الطريق ويسبب له الأسباب ويرسم له الطريق فإن وجد خيانة أو تآمر أو لاحظ ملامح الشر يكون سبّاقاً إلى وأده ومسارعاً إلى إجهاضه ولا يستنيم أو يستكين حتى تحل الكارثة وإنما يتجاوب مع المشكلة ويضع لها الحدث أو الظروف التي تناسبه
وصدق الله (وإما تخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء) (الأنفال / 58(
وتأمل ففى الاية صناعة الفعل قبل الحدث بمجرد الشعور بالخيانة !!!!
ـــــــــــــــــ
هل يكون التفاعل مع الحدث رد فعل :
العلاقة بين التفاعل مع الحدث ورد الفعل
الأصل أنه لا يجب أن لا يكون سلوكنا ردود أفعال بل يكون سلوكنا مع الحدث خاضعاً لضوابط معينة ولكن رد الفعل في ذاته يدل على أن الجسد حيّ فقط والجسد الحيّ لاشك أنه لازم لأي تقدم أما التمثال أو الشخص الميت فلا شك أنه لا يصلح لأي شيء
ولكن الحي في ردود الأفعال يكون مشوشاً غير مفيد كذلك ويتمثل ذلك في المثل الآتي :
لو أن إنساناً فجأة وخزك بدبوس فإنك ولاشك ستتحرك بحركة معينة منتفضاً مثلاً تضرب ما بجانبك أو تسقط ما في يدك وقد يؤدي رد الفعل إلى ضرر كبير ولا يؤثر التأثير المطلوب على الحدث أو في صالح الشخص ولهذا لابد أن يكون رد الفعل على الحدث منضبطاً وذا إرادة وفاعلاً نحو الحدث ولهذا يشترط فيها ما يلي :-
أن نكون سباقين لا يعني مجرد أخذ المبادأة بل يعني أن نكون - آدميين - مسئولين عن حياتنا .
أن يكون سلوكنا نابعاً مما نتخذه من قرارات وليس مفروضاً علينا من الظروف المحيطة .
ألاَّ يكون هذا السلوك مجرد (رد فعل) بل هو الفعل نفسه .
أن تكون لدينا حرية الاختيار القائمة على إدراك الذات والتصور والعزيمة المستقلة والضمير الحي أن تخضع استجاباتنا للقيم وليس للمشاعر والأحاسيس.
كثيرون يتحركون وفقاً لما تمليه عليهم الظروف ، أما السباقون المسيطرون فتحركهم القيم المنتقاة التي تتشربها نفوسهم وتصبح جزءاً من تكوينهم .. وهذه القيم تنقسم إلى ثلاثة أنواع :
- قيم تجريبية : تحدث أو تقع لنا .
- قيم إبداعية : نأتي بها نحن إلى الوجود .
- قيم سلوكية : تعبر عن استجاباتنا لما يحدث لنا ، وهذه أعلى مستويات القيم لأن ما يهم في المقام الأول هو كيف نستجيب لما نجريه في الحياة .
تأمل هذا الخط الفاصل بين صاحب المبادأة والشخص الذي يقال له رد فعلي:
صاحب الرد الفعلى يقول ..ليس هناك ما يمكننا عمله.......صاحب المبادأة (المبادرة) يقول لنتأمل البدائل
صاحب الرد الفعلى يقول هذه هي طبيعتي.........صاحب المبادأة (المبادرة ) يقول يمكنني أن ألجأ إلى طرق مخالف
صاحب الرد الفعلى يقول إنه يستفزني......صاحب المبادأة (المبادرة) يقول أتحكم في مشاعري
صاحب الرد الفعلى يقول لن يسمحوا لنا بهذا.....صاحب المبادرة يقول يمكنني أن أقدم عرضاً مؤثراً
صاحب الرد الفعلى يقول أنا مضطر لذلك.....أما صاحب المبادرة يقول سأختار الإجابة المناسبة
من أقوال صاحب الرد الفعلى .....لا أستطيع...... لا بد لي .....لو أنه فقط
من اقوال صاحب المبادرة ....أختار.... أفضل..... أعتزم
وتأمل الفارق الكبير بين الإثنيين !!!!!
وهناك مثل آخر نحب أن نضربه للدلالة على أن الإنسان الذي لا تكون أعماله ردود أفعال ، وهو نفس الشخص الأول الذي يراقب الحدث ويستشرف ظواهره وكان قد أعد نفسه لمثل هذا أو أكثر ، فإنه إذا جاءه إنسان ليضربه بدبوس فإنه يتفاداه أو يخيف الضارب أو يبعد الدبوس عن مناطق التأثير في جسده أو يضرب الضارب بآلة أشد من الدبوس فيصيبه إصابة تردعه وأمثاله عن أمثال هذه الأعمال
.......تأمل الفارق بين هذا وبين من يكون عمله مجرد رد فعل لتفادى الدبوس
ــ
والآن سنأتى لبعض التعاريف الهامة :
تعريف الحدث
هو كل فعل ينتج عنه تأثير مادي أو معنوي إيجابي أو سلبي أو محايد يأخذ أشكالاً مؤثرة على الأهداف والمشروعات والمسارات والوسائل وذلك على المستوى الداخلي للمؤسسة أو البيئة المحيطة بها .
تعريف الأزمة
هي كل تأثير مادي أو معنوي يأخذ أشكالاً حادة في التأثير على الأهداف والمشروعات والمسارات والوسائل ، وذلك على المستوى الداخلي للمؤسسة أو البيئة المحيطة بها
الفارق بين المشكلة والمأزق
هناك فرق كبير بين المأزق والمشكلة ، المشكلة تنشأ بسبب خطأ أو نقص أو عجز أو مرض ، أما المأزق فنقع فيه بسبب القيم والاتجاهات التي نحترمها ونجلها .
ما سبب الجريمة ؟ قد نقول أنه الفقر أو مشاهدة أفلام العنف .. الخ . ، ولكن هناك شعوباً فقيرة ومعدمة ومع ذلك تكاد لا تعرف الجريمة ، بينما شعوب كثيرة متحضرة تفتقر حياتها للأمان بسبب الجريمة التي وجدت مرتعها الخصب في القيم التي تعليها وتجلها : المدنية والرفاهية .. الحرية الشخصية والمادية ، إذاً فظاهرة الجريمة مأزق وليست مشكلة .
المشكلة يمكن أن نجد لها حلولاً أما المأزق فيجب أن نجابهه
مثال ذلك الطبيب الذي يشرع أحياناً في علاج المريض من حالة معينة ويكتشف بعد ذلك أنه مصاب بحالة أخرى في نفس الوقت ، فيجد نفسه عاجزاً عن علاج أي من الحالتين علاجاً جذرياً لا لشيء إلا لأن علاج كل حالة يتعارض مع علاج الأخرى ، هنا يبرز دور إدارة المتناقضات : المتابعة الدائمة .. تقييم النتائج .. تنويع الأساليب : المجابهة .
المدير النابه يستوعب سريعاً أن تلك الأمور التي تؤرقه ليست مشاكل يمكن أن يتناولها بالتفكير التحليلي البحت ، ولكنها - في الغالب - تكون مأزق تتطلب منه البصيرة والرؤية الشاملة التي تقوده إلى اكتشاف المفارقة الحقيقية التي أفرزت هذا المأزق .
والمشكلة والمأزق تماثلان الحدث والأزمة مع فوارق قليلة بجب أن يجد لها الإنسان حلاً
والان سأضع بعد الامثلة والتدريبات وأرجو أن تشاركونا الإجابه قبل يوم غد قبل أن أضع الجزء التالى من الدورة
ــــــ
مجموعه من العبارات هل هى صحيحة أم خاطئه :
(1) كل حدث أزمة .
(2) كل أزمة حدث .
(3) ليس كل حدث أزمة .
(4) ليست كل أزمة حدث
ثم هل تستطيع أن تضع وصف للآتى هل هو حدث أم أزمه أم كليهما :
الحادى عشر من ستمبر
الإنتخابات
تقص الموارد
محاكمة هشام طلعت مصطفى
المشكلة المالية العالمية
هل تصنف ما مر على انه حدث او أزمه أو كليهما
ننتظر الإجابات والتعليق على ما مضى قبل وضع جزء جديد من الدوره
نستطيع أن نخرج من التعريفات السابقة عن الحدث والأزمة بمجموعة من العلاقات بين الحدث والأزمة
يمكن أن نقول أنك
كل أزمة هى حدث وليس كل حدث أزمة
مثال نقص الموارد أزمة وحدث فى نفس الوقت
الإنتخابات حدث وليست أزمة
وهكذا يمكن أن نعود للأسئله السابقة والأمر كما وصفه الاستاذ الشريف الرضى
بيد ان التوصيف الدقيق هو ان الاحداث قد تتحول الى مولد للازمات ،وربما يصنع الحدث للخلاص من ازمة فيعمقها...
والآن فى موضوع التفاعل مع الأحداث هناك خمس حقائق وخمس أوهام لا بد من إزالتها
الحقائق هى:
الحقيقية الأولى
يمكن اختيار الأحداث التي نتفاعل معها وفق السياسات المعتمدة والتي تخدم مستهدفات الخطة
يمكن جعل الخطة تتفاعل مع الأحداث وفق السياسات المعتمدة للمؤسسة والتي تخدم مستهدفات الخطة بجعل الخطة مرنة بل يمكن استغلال الأحداث لتفعيل الصف وتفعيل الخطة دعوياً وجهادياً وتدريبياً .
فيمكن التعامل مع حدث مثل إنتفاضة الأقصى لتفعيل الوحدة الإسلامية وتحريك شعور المسلمين ودفعهم إلى الإحساس بالظلم
الحقيقة الثانية :
تقع المشكلات في حالات التفاعل وعدم التفاعل مع الأحداث من ضريبة التفاعل مع الأحداث مواجهة بعض المشكلات
مثال: عدم المشاركة في الانتخابات النزيهة يفسح الطريق لغير الكفاءات في احتلال المقاعد فتشرع قوانين لصالح طبقة دون طبقة وتنتج مشكلات .
عدم التفاعل مع الأحداث التي تهدد المؤسسة ينتج عنها وقوع المؤسسة أمام أخطار تهدد بجميع العاملين (مشاكل).
الحقيقة الثالثة :
يقاس الفرق بين التفاعل وعدم التفاعل مع الأحداث " بالسنوات الضوئية " في حياة الإنسان بالحياة أو الموت
يقاس التفاعل مع الأحداث وعدم التفاعل مع الأحداث بالسنين الضوئية بمعنى أن المسافة بينهما شاسعة جداً كما أنها تكون كالفرق بين الحياة والموت فرق هائل جداً وهذا يعطي انطباعاً بأن التفاعل مع الحدث مهم جداً جداً ومهما كلف هذا التفاعل من جهد
الحقيقة الرابعة :
تعتبر المفاضلة الركن الأساسي الذي تقوم عليه فكرة تكلفة الفرصة البديلة
الحلاوة = العائد من التفاعل مع الأحداث .
النـار = المعاناة من التفاعل مع الأحداث
من بين العوائد :
(1) المعذرة إلى ربنا وبيان للناس أننا لا نخشى في الله لومة لائم ، ولا نخشى أهل الزور والبطش (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ).
(2) إشعارنا بأنا زمرة من أهل الإيمان (ولا نزكي أنفسنا) لا زالت قابضة على دينها ولا زالت تتصدى للباطل وأنصاره رغم الظلم.
(3) الحملة الانتخابية تسهم في إبقاء الجذوة الدعوية مشتعلة ونور الإيمان مستمراً رغم كيد الكائدين في الداخل والخارج.
(4) فرصة للصف لمجاهدة نوازع الاستكانة والخلود إلى الراحة أو إيثار السلامة.
(5) تحقيق سنة الله في مدافعة الباطل.. (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون( .
دفع الخصوم دفعاً لإنجاز بعض أهدافنا الدعوية بصرف النظر عن صدقهم في ذلك فصلاة العيد وتحفيظ القرآن يتصدى له الآن (أحياناً) دوائر معينة منتمية للحزب الوطني حينما تريد المزايدة علينا .
الحقيقة الخامسة
التفاعل مع الأحداث = مسئول متفاعل + أفراد متفاعلين
التفاعل مع الأحداث = مسئول متفاعل + أفراد متفاعلين أما إذا كان هناك مسئول متفاعل فقط فلا يمكن أن تتفاعل المؤسسة وكذلك العكس وهذا ينطبق عليه القول : جيش من الأرانب وقائد أسد أو جيش من الأسود وقائد أرنب تكون النتيجة عدم التفاعل مع الأحداث أما إذا كان هناك جيش من الأسود وقائد أسد فهذا قمة التفاعل
والآن مجموعة من الأوهام
1- التفاعل مع الأحداث يعطل عن العمل بالخطة....الخطة التربوية الموضوعه للأسره أو الشعبة
2 - التفاعل مع الأحداث يعني "المشاكل"عدم التفاعل مع الأحداث يعني "العافية"
3- عدم التفاعل مع الأحداث هو الاختيار "الحلو"
4- يمكن التفاعل مع كل الأحداث دون معاناة
5- يمكن توظيف الأحداث بقائد متفاعل وأفراد غير متفاعلين أو العكس
وهذه الخرافات هى عكس الحقائق السابقة فبالضد يتضح الشىء
ــــــــــــــــ
التدريبات :
ما رأيك فى العبارات التالية
أيهما أفضل جيش من الأرانب يقوده أسد أم جيش من الأسود يقوده أرنب وما هو الأفضل من الاثنين
عين في الجنة وعين في النار عند التفاعل مع الأحداث ما فيش حلاوة من غير نار
مشكلة
أعمل مشرفاً لأحد الوحدات التنفيذية على خلاف دائم مع مسئولي في العمل، إنه يعاتبنا دائماً على عدم تفاعلنا مع الأحداث بشكل جيد، بل إنه يقول لنا أحياناً أننا لا نتفاعل معها على الإطلاق لقد قررنا في وحدتنا أن نلتزم بالخطة الموضوعة ولا نريد لها أن تتعطل فهي الأهم والأولى بالاهتمام من التفاعل مع الأحداث لقد اتفقنا في بداية العام ألا نلتفت لأي مؤثرات خارجية من شانها أن تؤثر على سير الخطة، فما رأي سيادتكم في هذه المشكلة ؟
نريد راأيكم وماذا تقولونه لهذا الاخ لحل مشكلته السابقة
ــــــــــــ
التأصيل الشرعى للتفاعل مع الأحداث
التفاعل مع الحدث جهاد ولابد له من معاناة
لاشك أن للجهاد في سبيل الحق تكاليف وأن للكفاح مع الباطل ثمناً وأن للصراع مع الفساد تضحيات يتحملها الداعون إلى الحق والمتعرضون لإزاحة الباطل والمصارعون للفساد والمقوضون لدعائمه ولكن العاقبة لهم والنصر في ركابهم وصدق الله : (والعاقبة للمتقين) (الأعراف – الآية /128)
ولاشك كذلك أن للمناوئين للإصلاح والمعادين للإيمان والمؤلبين على الدعاة والمعذبين للمجاهدين من الطغاة والجبابرة والمتسلطين معاناة وآلاماً ومنغصات من هذا الصراع المحتوم وهذا الحق الصائل وذلك الكفاح المؤمن ولكنهم لا يرجون نصراً أو عزاً أو استقراراً وصدق الله : (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) (النساء- الآية/104) (وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيرا) (النساء –الآية/45 ).
إن وقوع المعركة بين جند الحق وجند الباطل واستعلاء سلطان الحق في عالم الواقع بعد استعلائه في عالم الضمائر يحتاج إلى تعاليم العصبة المسلمة وإيحاءات لحشد الطاقات المؤمنة وتوجيهها نحو النصر والفوز بالثبات عند لقاء الأعداء والتزود بزاد النصر والتأهب بأهبته.
وقد حدد القرآن ذلك في صدق كأنها المعادلات الرياضية التي لا تختلف نتائجها ولا تضطرب أرقامها ومن أصدق من الله قيلاً وذلك في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين * ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) (الأنفال - الآية / 45-47).
عوامل النصر الحقيقية : الثبات عند لقاء العدو والاتصال بالله وذكره ، والطاعة لله والرسول وتجنب النزاع والشقاق والصبر على تكاليف المعركة والحذر من البطر والرياء والبغي .
(1) فأما الثبات:
فهو بدء الطريق إلى النصر ، فأثبت الفريقين أغلبهما وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون ويألم كما يألمون ولكنه لا يرجو من الله ما لا يرجون فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه لأن المؤمن لا يتزعزع ولا يتردد ولا يهن ولا يضعف أبداً لأنه لا ينتظره إلا إحدى الحسنيين... الشهادة أو النصر..
ولا يتوقع إلا ما كتب الله له ولو أن أهل الأرض جميعاً اجتمعوا على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه وأشد ما يحرص الناس عليه آجالهم وأرزاقهم فهما أشد ما يدعوهم إلى التردد والضعف والخوف على الأعمار أن تقصر بالموت والخشية على الأرزاق أن تنقص بالنفقة .
والمؤمن واثق تمام الثقة أن الأجل والرزق بيد الله وحده لا سلطان عليهما لأحد غيره ففيم التردد والخوف ، والضعف والوهن إن المؤمن ثابت لا يلين ، قوي لا يضعف ، وكثيراً ما كان الفرق بين الهزيمة والنصر ساعة من الثبات وصدق الله : (وكأين من نبيٍ قاتل معه ربيون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) (آل عمران - الآية /149(
(2) ذكر الله تعالى :
فهو أمان الخائفين وأمل اللاجئين ، والمؤمن يعلم تمام العلم ويوقن أعمق اليقين بأن قدر الله أعظم القدر ، وأن قوة الله أجل القوى .. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (يوسف-الآية/21) فإذا أحاطت به عوامل اليأس وهتفت به هواتف الهزيمة من كل مكان وأحدقت به قوى الأعداء من كل جانب ذكر صادقاً أن وراء ذلك كله قوة القوي القدير العلي الكبير الذي له ملك السموات والأرض ومن فيهما جميعاً عباده بيده ملكوت السموات والأرض : (وما يعلم جنود ربك إلا هو) (المدثر-الآية/31) ، (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (يس-الآية/82(.
فماذا عسى أن ينال من نفسه تهويل المهولين ، أو قوة المتكاثرين أو عدة المعتدين؟ لا شيء أبداً .. (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) (آل عمران-الآية/173(.
(3) طاعة لله ورسوله :
فلا قتال إلا لغاية ولا عمل إلا في حدود وإذا كانت الغاية مرضاة الله ورسوله وإذا كانت الحدود حدود الله ورسوله وما وضع العليم الخبير لعباده من نظم ومناهج وأحكام وقواعد تبصرهم بالخير وتأمرهم به وتحذرهم من الشر وتنهاهم عنه كانت تلك ولاشك أنبل الغايات وأشرف المقاصد ، يهون في سبيلها البذل ويطيب من أجلها الكفاح : (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) (النساء-الآية/79).
(4) الوحدة والإخاء:
في العاطفة والقيادة والجندية والقول والعمل والشعور والروح والمقصد والغاية والوحدة في كل شيء على أساس القوة وملاك العزة وما تفرق قوم إلا ضعفوا وما اختلف نفر إلا ذلوا والوحدة صميم الإيمان والتفرقة من معاني الكفر: (إنما المؤمنون إخوة) (الحجرات-الآية/10(.
(5) والصبر وهو أصل الثبات:
فلا ثبات إلا للصابرين ، والثبات مظهر وعمل والصبر عاطفة وخلق والصابرون يوفون أجرهم بغير حساب في الدنيا بالنصر والظفر وفي الآخرة بالمثوبة والأجر: (وبشر الصابرين) (البقرة-الآية/155) ، (واستعينوا بالصبر والصلاة) (البقرة-الآية/45) ، (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (السجدة-الآية/24(.
(6) تصحيح النية وطهارة المقصد:
فلا يكون الغرض عدواناً على أحد أو إبطالاً لحق أو إحقاقاً لباطل أو تهجماً على آمنين أو اغتصاباً بالآخرين بل يكون دفاعاً مشروعاً أو حماية لمثل عليا : (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) (الأنفال-الآية/47(.
والعصبة المؤمنة تخرج متجردة من حظ نفسها في المعركة فلا يكون لها من النصر والغلبة إلا تحقيق طاعة الله في تلبية أمره وإقامة منهجه في الحياة وإعلاء كلمته في الأرض والتماس فضله ورضاه .
وبعد فهذا وعد الله وهذا حديثه وكلامه وما بقي إلا أن يعلم الله من نفوسنا خيراً ومن أعمالنا صدقاً ومن عزائمنا صبراً حتى يتنزل نصر الله وما هو منا إن شاء الله ببعيد ، نسأل الله الثبات والعون والتوفيق.
ـــــــــــ
أولاً : التفاعل مع الأحداث في القرآن الكريم :
من يتأمل الآيات القرآنية يجد ثلاثية للزمن التفاعل مع الأحداث بعد وقوعها ( الماضى ( وقت وقوعها )الحاضر ( وقبل وقوعها ( المستقبل (.
فالتفاعل مع الأحداث مبدأ إسلامي حيث جاءت الرسالة تتعامل مع الواقع وتعدل السلوك وتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد وحمل هذه الرسالة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وتعامل مع العبادات الجاهلية والعادات الخاطئة والتقاليد البالية كما تعامل القرآن مع الأعداء والمروجين للإشاعات المغرضة وتعامل مع المسلمين في المواقع الحربية ، من هذا كله ما يلي :-
أولاً : التفاعل مع الحدث وقت وقوعه :
(1)حدث تحويل القبلة : لما تحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلته في الصلاة إلى الكعبة بأمر من الله تعالى تقوَّل سفهاء اليهود على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرد عليهم القرآن رداً حاسماً في ذلك .
(2) حادث سرقة طعمة بن ابيرق درعاً ثم خبأها عند يهودي: فوجدت عنده ، فرماه طعمه بها وحلف أنه ما سرقها ، فنزلت الآيات في قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) (9- آيات) ، تبرئ اليهودي من السرقة وتدين المسلم.
(3) الأزمة التي حدثت في إشاعة موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحد : وحديث القرآن عنها وتثبيت المسلمين على الحق في ذلك ، في قوله تعالى : (وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (.
(4) مصاحبة القرآن للمؤمنين في الغزوات: بدر - أُحد - الفتح..... الخ .
(5) مصاحبة القرآن للمؤمنين في الأمور الاجتماعية: كالزواج والطلاق ، والميراث ، والبيوع ، وكنز المال.
(6) التشريع للمسلمين في القضايا المختلفة: جنايات وقضاء ومنازعات.
ثانياً : التفاعل مع الأحداث بعد وقوعها :
(1) قصص القرآن قصص الأنبياء والصالحين وقال سبحانه : (لقد كان في قصصهم عبرةً لأولي الألباب) ولا شك أن كل قصة تتعامل مع حدث مضى وتعطي فيه العبرة التي يجب أن يعيها الإنسان وترسم الطريقة التي ينبغي أن يتعامل بها الناس مع حقائق تلك القصة وتشرح الوسائل التي يجب أن تتبع في مثل هذه المواقف من ذلك قصة يوسف مع أخوته وقصته مع امرأة العزيز وكيف أعطت القصة كثيراً من الدروس الذي كان مآلها طيباً يليق بالمسلم أن يتبعه ويسير على منواله في الصبر والطهارة، والثبات على الإيمان : (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).
(2) وقصة موسى - عليه السلام - مع فرعون والسحرة وكيف هزم فرعون وكيف تفاعل موسى مع الحوادث وكيف انفعلت السحرة بالمواقف وكيفية الدروس المستفادة من القصة وهي كثيرة.
(3) وقصة موسى كذلك مع العبد الصالح ومواجهة الأزمات وكيف رسم العبد الصالح لموسى كيفية التعامل معها..... الخ ، هذا القصص الذي يجعل الإنسان يتفاعل مع أحداثها رغم أنها مضت ، وأصبحت في ذمة التاريخ ، ولكنها عبر ودروس يجب أني نلتفت إليها ، وصدق الله : (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (ق-37(.
ثالثاً : قصص القرآن قبل الأحداث :
(1) وذلك في قوله تعالى : (ألم ، غُلبت الروم ، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين ، لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) (الروم 1-5).
(2) كما يحث القرآن على التفاعل مع الحدث قبل أن يقع وفور ظهور بوادره وذلك في قوله تعالى: (وإما تخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء) (الأنفال -58) . (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع) (النساء-34(.
(3) ومن التعامل مع الأحداث المتوقعة: قوله تعالى: ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدة) (النساء-102(.
(4) فشرعت صلاة الحرب للتعامل مع الحدث قبل وقوعه حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة وكذلك المسلم يجب أن يكون له نظر ثاقب للأشياء حتى لا تقع الأحداث من غير استعداد لها وهي متوقعة فيتعرض الإنسان لضرر كبير وتتعرض الأمة لأضرار عظيمة تعطل مسيرتها.
ـــــــــــ
السيرة النبوية
لاشك أن خطة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في التفاعل مع الأحداث وصناعتها كانت خطة حكيمة من جميع جوانبها فكانت خطته في تبليغ الدعوة في أول مرة خطة سرية لأن الحدث إذا فاجأ الجاهلية قد يكون له تدمير كبير في وسط المسلمين وعلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى المساندين له حتى من قومه فاختار أن تكون الدعوة سرية تسري بها الإشاعات لتهيئ الأذهان للجهر بها.
ثم أخذ الرسول في دعوة المخلصين حوله من أهل بيته ومن أصحابه الذين يثق فيهم ثم أخذ في دعوة عشيرته الأقربين ثم بعد ذلك جهر بالدعوة بأسلوب منطقي ليحمل الناس على التسليم بما يقول فبعد أن نادى من على الصفا بطون قريش
: " يا بني فلان ، يا بني فلان ، واجتمعوا عليه قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بهذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ، قالوا : نعم ما جربنا عليك كذباً ، فانتزع منهم الإقرار بأنه الصادق الأمين الذي ما كذب قط ، فقال حينئذ : إني رسول الله إليكم جميعاً" ،
فانظر كيف قدم للحدث!! وكيف تعامل مع أفهام القوم وكيف استنطقهم" وكيف مر الحدث بسلام !!! إلا من كلمات من أبي لهب عاقبه عليها القرآن حين قال : تباً لك ألهذا جمعتنا : "فقال القرآن تبت يدا أبي لهب وتب) السورة .
ثم كيف تعامل بعد ذلك مع حوادث التعذيب بالصبر والمصابرة حتى ربى أصحابه وكون قوته واختار الأرض والقاعدة ! ثم أمر بالهجرة والتجمع وكانت المواجهة ولكن بعد الاستعداد وتربية الكوادر وتدريب الجيـوش !! ثم تعامل بعد ذلك مع الحوادث بما يجب أن تُعامل به وأعد لكل شيء عدته "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الجيش" فكان النصر والفوز .
وإذا كنت تريد أن تقيس تعامل رسول الله بمقاييسه الصحيحة فانظر إلى تعامله مع حادثة الصلح في الحديبية حيث قبل الشروط التي كان ينبغي أن تقبل وإن ظن غير ذلك لأن فيها الفوز والنصر والفتح وقد سماها القرآن فتحاً مبيناً قبل فتح مكة المكرمة كان تفاعل الرسول مع الأحداث سريعاً مع المهاجمين للمدينة سواء كانوا عصابات أو جيوشاً وكان نداءه يا خيل الله اركبي تنطلق في لمح البصر وراء العدو وكان الرسول أول الراكبين وأول المتقدمين ثم كيف استعد مستقبلاً في غزوة الأحزاب فحفر الخندق حول المدينة وكان ذلك سبباً في هزيمة الأعداء وكان نصرالإسلام دائماً مرتبطاً بسرعة التعامل مع الأحداث !!
تعامل الصحابة مع الأحداث
تعامل الصحابة مع الأحداث بكفاءة وثقة وقد عهدنا عنهم ذلك يوم آمنوا برسالتهم واقتدوا برسولهم أعطاهم الإسلام عزائم وقوة غامرة وأحياهم إحياءة جديدة ، وصدق الله : (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها) (الأنعام-122) وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (الأنفال-24) ، وإذا أردنا أن نتحدث عن بعض المواقف في الأزمات لأبي بكر الصديق بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نذكر موقفه في أزمة موت الرسول – صلى الله عليه وسلم– وقد تفرع عنها أربع أزمات :
الأزمة الأولى :
فتنة الناس بموت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتكذيبهم لذلك حتى قال عمر
من قال أن رسول الله قد مات ضربته بسيفي هذا ، فإذا أبو بكر يفصل في القضية :
أخرج البيهقي عن عُروة بن الزبير - رضي الله عنهما – قال : وأقبل أبو بكر – رضي الله عنه – من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد ، وأقبل مكروباً حزيناً فاستأذن في بيت ابنته عائشة – رضي الله عنها – فأذنت له ، فدخل ورسول الله (ص) قد توفي على الفراش والنسوة حوله فخمرن وجوههن واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله (ص) فجثى عليه يقبله ويبكي ويقول : ليس ما يقول ابن الخطاب شيئاً ، توفي رسول الله (ص) والذي نفسي بيده ، رحمة الله عليك يا رسول الله ، ما أطيبك حياً وميتاً ، ثم غشَّاه بالثوب ثم خرج سريعاً إلى المسجد يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر وجلس عمر – رضي الله عنه – حين رأى أبا بكر – رضي الله عنه – مقبلاً إليه
وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ونادى الناس ، فجلسوا وأنصتوا فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد وقال : إن الله عز وجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز وجل قال تعالى : (وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل) الآية فقال عمر : هذه الآية في القرآن والله ما علمت أن هذه الآية أُنزلت قبل اليوم – وقد قال الله تعالى لمحمد (ص) إنك ميت وإنهم ميتون) وقال تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه تُرجعون) وقال تعالى : (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقال : (كل نفسٍ ذائقة الموت إنما توفوّن أجوركم يوم القيامة) وقال : إن الله عمَّر محمداً وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلّغ رسالة الله وجاهد في سبيل الله ثم توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة فلن يَهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء فمن كان الله ربه فإن الله حيّ لا يموت ومن كان يعبد محمداً ويُنزله إلهاً فقد هلك إلهه فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وإن كلمة الله تامة وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه وإن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء.
وبه هدى الله محمداً وفيه حلال الله وحرامه ، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله ، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله (ص) فلا يبغين أحد إلا على نفسه ، ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله (ص) كذا في البداية (ج 5 ص/243).
وهكذا كان موقف أبي بكر الصديق وتعامله السريع مع الحدث قاطعاً للفتنة والشك !!! ومنبهاً للناس إلى التزام الصراط المستقيم .
الأزمة الثانية :
أزمة الخلافة بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحسمها حين اجتمع بعض الصحابة في
الثقيفة لاختيار خليفة بعد رسول الله (ص) ، واستطاع أبو بكر وعمر تفادي هذه الأزمة بمسارعتهم لحسم الأمور ، واستقرار الدولة الإسلامية وتولي أبو بكر سدة الخلافة وأجمعت الصحابة على طاعته وتنفيذ أوامره .
الأزمة الثالثة :
أزمة تسيير جيش أسامة وقد توفي رسول الله (ص) بعد عقده لواء جيش أسامة وعسكرة الجيش
خارج المدينة فإذا بأبي بكر الصديق يرى مالا يراه غيره من ضرورة تنفيذ جيش أسامة حتى لا يرد عمل بدأه رسول الله (ص) وفي ذلك إشارة إلى أن فيه الخير الكثير فكان في تنفيذ جيش أسامة بركة على المسلمين وردعاً لمن تسول له نفسه الخروج على الدولة فالدولة في قوة وما زالت ترسل الجيوش للتعامل مع الأعداء خارج المدينة .
والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه فيما هو أهم ، لأن ما جهز بسببه في حال السلامة ، وكان من جملة ما أشار بذلك عمر بن الخطاب ، فامتنع الصديق من ذلك وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة وقال :
والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله (ص) ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزن جيش أسامة وآمر الحرس يكونون حول المدينة فكان خروجه في ذلك الوقت من أكبر المصالح والحالة تلك فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أرعبوا منهم وقالوا : ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة فقاموا أربعين يوماً ويقال سبعين يوماً ، ثم أتوا سالمين غانمين ثم رجعوا فجهزهم حينئذ مع الأحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدة ، ومانعي الزكاة على ما سيأتي تفصيله.
قال سيف بن عمر : عن هشام بن عروة عن أبيه قال : لما بويع أبو بكر وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه ، قال : ليتم بعث أسامة وقد ارتدت العرب إما عامة إما خاصة ، في كل قبيلة ، ونجم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية ، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم (ص) وقلتهم وكثرة عدوهم فقال له الناس: إن هؤلاء جل المسلمين والعرب على ما ترى قد انتقصت بك ، وليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين ، فقال : والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله (ص) ولو لم يبق في القرى غيري أنفذته .
وقد روى هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، ومن حديث القاسم وعمرة عن عائشة ، قالت : لما قُبض رسول الله (ص) ارتدت العرب قاطبة وأشربت النفاق ، والله لقد نزل بي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها ، وصار أصحاب محمد (ص) في حيرة من أمرهم لولا موقف أبي الصديق – رضي الله عنه.
الأزمة الرابعة :
في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة قد تقدم أن رسول الله (ص) لما توفي ارتدت أحياء كثيرة من الأعراب ، ونجم النفاق بالمدينة وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة
والتقت على طليحة الأسدي بنو أسد وطيّئ ، وبشر كثير أيضاً ، وادعى النبوة أيضاً كما ادعا مسيلمة الكذاب وعظم الخطب واشتدت الحال ونفذ الصديق جيش أسامة فقل الجند عند الصديق فطمعت كثير من الأعراب في المدينة وراموا أن يهجموا عليه ، فجعل الصديق على أنقاب المدينة حراساً يبيتون بالجيوش حولها ، فمن أمراء الحرس علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبدالله بن مسعود ، وجعلت وفود العرب تقدم المدينة ، يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة ، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق ، وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى : (خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) ، قالوا : فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا
وكذلك كان صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مجاهدين لا يخافون في الله لومة لائم وقد وصفهم غيرهم بأعلى درجات التفاعل والإخلاص