hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''  Empty في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''

    مُساهمة  Admin الأربعاء 10 أغسطس 2011 - 18:53

    عباسي مدني وجبهة الإنقاذ... ونهاية التاريخ

    ربيع بشاني (*)

    بلا مزايدة ، نقدر في الرجل نضاله ، وإخلاصه...ولكن هذا لن نتخذه معبرا لمداراته ، أو القطع بإحكامه وأطروحاته بشأن ما يراه سببا للازمة الجزائرية ،أو ما يعتقد مطلقا أنه مسئول وحيد عما حدث من مأساة..! ، هو أستاذ الفلسفة، وعلم الاجتماع التربوي ،الأدرى باختلاف طبائع ومواقف الناس،والأجدر بعلمه أن يكون شاهد و أحسن من يوازن بين المصالح والمفاسد ، وأبعد من أن يرجح مسألة أو أطروحة ،دون نقيض لها يحمل من الحجج والبراهين، ما يدحض الموقف الأول ...


    من هذا كان بالشيخ وقد أخد يعارض، ويغالب نهاية ثمانينات القرن الماضي '' النظام الماكر'' بمنظومته المقدسة في المناورة ،والمحاججة والاختراق وأخيرا القمع… أن يأخذ القضايا السياسية بحسن الاستشراف ويسعى لتجسيد برنامج وأهداف حركته الإسلامية ، بتروي وأناة ، و بما تمليه عليه أدواته العلمية ،وما يلاءم الواقع السياسي و الاجتماعي، ووفق التدرج السنني المطلوب ،والاتجاه الفلسفي ، الذي اعتنقه ، المنهج القائم على الجدل والاحتمال والتركيب( له إجازة في الفلسفة سنة 1970) أليس الطريقة الجدلية مهوى وملهم كل مفكر وفيلسوف و" سياسي " ، يراقب ،ويحلل ،يناقش ،ثم يقرر بتحفظ ،وربما تراجع و تنازل .

    لكن '' الدكتور'' المحترم الذي يقول مؤخرا منذ أن حل بالدوحة أنه ( مهاجر ومجاهد في سبيل الله...من أجل مناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية عامة وقضية الشعب الجزائري) ، ( أنا أؤلف الكتائب لا الكتب) ، ركب رأسه وفق نظرية ميكافيلي التي هي موضع نقد الفلاسفة ابد الدهر...ومشى بخطى غريمه وزير الدفاع الأسبق الاستئصالي خالد نزار، والاثنان ومرجعهما السياسي الثعلب الايطالي ميكافيلي وبعد أن خرجا من '' السيرك السياسي'' أخدا يغردان لوحدهما، ومنذ سنوات بأسلوب استقصائي ،استئصالي والتحاكم إلى '' الأنا'' المتضخمة.

    ذاك فمسببات الأزمة الدموية معروفة (انقلاب 11/01 ، يقابله انقلاب في نشاط جبهة الإنقاذ...) ولم يثيرني أو استغرب مرة في حياتي ، الأكاذيب ،والخزعبلات ،والأطروحات الزائفة، التي يسوقها من حين لأخر أقطاب انقلاب 11 جانفي، ( ضباط الجيش الفرنسي...) فالتاريخ هنا فاضح لا يرضى بأي تزييف.. ولكن موطن الغرابة تكمن في الموقف الموازي الصلب لزعيم جبهة الإنقاذ ، الملاحظ في تصريحاته منذ خروجه من السجن في جوان 2003 ، التي تضع وتكيل في مجملها أسباب الأزمة للسلطة الحاكمة ، وعدم تحمل ولو جزء من المسؤولية ، أو إحداث مرجعات في الخطاب ، لقد نسى شيخنا أن الإمام مالك رحمه الله قال( كل يؤخذ منه و يرد إلا صاحب هذا القبر و أشار إلى قبره صلى الله عليه و سلم ) ... فما بالك في الآراء والقضايا السياسية ،التي هي موضع تشابك وتعقيد وتقلب ،وتناسى أيضا أن كثير من الآيات القرآنية تحدث على العدل في القول والحكم (يأيها الذين امنوا كونوا قومين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ).

    بداية أخطاء المسيرة القاتلة

    أولى أخطاء زعيم الجبهة الإسلامية، رفضه حين تم تأسيس جبهة الإنقاذ ،انضمام زعمات الحركة الإسلامية في الجزائر بتياراتها ومشاربها المختلفة ،كمرجعيات برصيد من العمل الإسلامي.. بل كشخصيات وفقط ،تذوب في المشروع الجديد ، ورجل مثل جاب الله، الذي اشترط عليه عباسي ،'' أن يتخلي عن تنظيمه وهياكله السابقة'' كان بإمكانه توجيه المسيرة ،ينتقد ،ويصحح ، يستشرف دون قدرة على اتهامه بالعمل ''للمصالح'' ،كما أن عباسي وشلته رفضوا الإنصات لتوجيهات رئيس الرابطة الإسلامية الشيخ سحنون الذي نصحهم بالتريث في تأسيسي مشروع سياسي، وتوسيع المشورة...

    التوهم بمعصومة وسبق جبهة الإنقاذ ،ضلت تلاحق تصريحات عباسي حتى منتصف 2005 ،ففي حوار صحفي يسأل عن الطرح القائلين بأنه مع علي بلحاج مكنا التيار الاستئصالي بالصعود إلى واجهة الأحداث ،والإمساك بزمام الأمور سنة 1992 ،ينفي بشدة ويعكس الآية ،وينسب كشف هؤلاء لجبهة الإنقاذ ( ضل الاستئصالين يحكمون البلاد منذ الاستقلال ، في الخفاء بسياسة الحديد والنار وكل ما فعلوه بالشعب الجزائري والذي مازالوا يفعلونه ،ما كان ليظهروا على حقيقتهم أمام الملأ حتى جاءت الجبهة الإسلامية فكشفت النقاب عنهم وأخرجت الأفعى من جحرها حتى أصبحت سلطتهم مهددة ، وأمست نهايتهم حتمية..)

    و فضلا على أن سلطة هؤلاء تقوت ، بعد 11احداث سبتمبر ''الأمريكي'' ،ولم يرحلوا بعد وان كانوا سيرحلوا طبقا لنواميس الحياة... من جهة ينفي وينكر عباسي بفلسفته هذه ، بشكل غير مباشر ، جهود الكثير من الشخصيات السياسية والفكرية، التي اصطدمت مع هؤلاء، اثناء الازمة الدموية، وساهمت بكشف هذه الزمرة وبأسمائها وممارستها خلال الفترة الدموية (مذكرات كافي ، كتابات العربي الزبيري ، المؤرخ الدكتور بلعيد رابح مذكرات لخضر بورقعة ،كتابات صحفية عديدة...) بل ويجزم البعض أن ممارسات وخطاب جبهة الإنقاذ، في بعض جوانبه هو الذي ألب واخرج الأفعى من جحرها لتلدغ لدغتها العظمى في جسد الأمة، ولو أن عباسي لم يبني سياسته الجبهة على رد الفعل والارتجال، ولم يخضع للاستفزاز المبرمج...من قبل دوائر مجهولة استدرجته للمأزق، ظاهرها كما يستشف من رواية الهاشمي سحنوني الذي يقول فيها ( كانوا يأتوه وفود وضباط من جهات مختلفة يعرضون عليه التصعيد ، ويزعمون وأنهم رهن إشارته... ) ، كما أن جبهة الإنقاذ كما يقول عضو مجلس الشورى يحي بوكليخة ( لم تتخذ المواقف الاستباقية من اتصالات بالمسئولين في كل الدوائر ورجال الدولة القدامى من الجيش والسياسيين وطمأنتهم على مشروعنا وعملنا المستقبلي ....)

    أما بداية أخطاء عباسي في الواقع العملي بغض النظر عن الخطب العنترية على شاكلة (هذا الشعب سوف يأكل الدبابات) أو من قبيل قوله لبن عزوز زبدة احد مؤسسي جبهة الإنقاذ ،وقد زاره عباسي في المستشفى خلال إضراب 91 ( عندما تخرج من المستشفى تجد الدولة الإسلامية قد أقيمت..ربما ستقوم هذه الدولة قبل أن تغادر سريرك) أقول بداية أخطائه التي فتحت حمام الدم في الجزائر ..كان يوم رفض الإذعان لقرارات ،الأغلبية بمجلس شورى جبهة الإنقاذ في جوان 1991 ،الذين صوتوا على أيام معدودة للإضراب ،ورفضوا موافقة عباسي في إضراب مفتوح، وأوشكوا على عزله من رئاسة الحزب... فضلا عن عدم أخد الاستشارة الواسعة، ورأي تكتل وتشكيلات الرابطة الإسلامية... هذا لا يؤكده الجنرالات أصحاب المذكرات،أو أصحاب القرار ،بل قادة منشقون غير موالين للسلطة مند أن خرجوا من جبهة الإنقاذ ( لاحظ مذكرات الهاشمي سحنوني المنشورة في الخبر الأسبوعي 2009) و يقول بوكليخة يحي تحت عنوان قرار الإضراب العام في دراسة منشورة له ايضا 2006 ( أغلبية الإخوة يعني أعضاء مجلس الشورى كانوا رافضين لفكرة الإضراب ووجهوا كلامهم مباشر للشيخ ) ، بل أن القيادي في جبهة الانقاد عبد القادر بوخمخم الذي ضل وفيا لخط عباسي مدني يقول في حوار صحفي بمناسبة مرور عشر سنوات على إضراب الفيس بالحرف الواحد (انه كان ضد إضراب جوان 91 ، الإضراب جاء خصيصا من اجل قضية وحيدة هي قانون تقسيم الدوائر وقانون الانتخابات وكانت الأغلبية مع ثلاثة أيام ثم دفعنا إلى إضافة أيام أخر ) والعبارة الأخيرة مبهمة ...وبالمحصلة فان الإضراب المفتوح، رغم سلمية مسيراته ودقة تنظيمها، غير مدروس العواقب السياسية والامنية! ، و الذي حمل أصحابه شعار( لا عمل ولا تدريس حتى يسقط الرئيس) و( وميزته المسيرات بما حملت...) وسوف تغترف الجماعة المسلحة بعضا من هذه الأدبيات بشكل أو بآخر ( منع الدراسة سنة 1994 ، التجنيد العشوائي ،اللاءات الثلاث ) فتحت أعين النائمين في النظام الذين وجدوا أنفسهم أو فيما يتوهمون ،على مرمى حجر من محاكمات وإعدامات ، على طريقة الخميني...وكانت وسيلتهم الوحيدة لنقل ''الرعب مبكرا للطرف الأخر'' ،استعمال الذخيرة الحية، وتجاوز مقررات اتفاق الجبهة مع حكومة حمروش ،الذي التزم فيه كل طرف بتجنب اللجوء إلى العنف ... وسواء كان التخطيط من طرف جبهة الانقاذ أو قوى خفية لمصلحة ما ،أو حتى (بتحريض ضباط كان يحضر اجتماعات مجلس الشورى) فان عباسي مدني لم يكن بالسياسي الذي بمقدوره المناورة ،بالإضراب المحدود ، والتفاوض ، والتنازل ، وتطمين قلوب (أصحاب القرار) وتسجيل نقاط ثمينة ، على الذين يحكمون خلف ستار حكومة حمروش ،الذين أرسلوا قوات الأمن لتفريق المضربين في ساحة الابيار ،عقب اتفاق الحكومة والجبهة، (كما تقول جبهة الإنقاذ).

    تبعا لهذا التسرع، وعدم معالجة الجرح في الوقت المناسب عبر مؤتمر استثنائي ، تجسيدا للغة عباسي الذي يقول (أن فكره قائم على الحوار والاحتكام للصندوق والتغيير السلمي) ، وتصحيح موقف وخطاب جبهة الانقاد في تلك الأيام المناقض لبرنامجها السياسي.. والذي أخد منحى تصعيدي ونبرة المغالبة فجأة بعد الانتخابات المحلية 1990 ، والذي تفطنت له مراكز التخطيط والقرار، .نورد مقطع حوار اخر أجرته مجلة ( المجلة) الصادرة في لندن يسأل عن مسؤوليته التي حملها إياه كثير من المحللين القائلين بان ''عباسي أفسح المجال داخل جبهة الانقاد لمختلف التيارات بما فيها قدماء الأفغان المتشددين الذين كانوا يعدون لتأسيس جناح و تنظيم سري في الوقت الذي كان فيه عباسي ينادي بالتغيير السلمي'' ،يجيب( ليس صحيحا وهذا الأمر لا ينبغي أن يسأل )، ثم يدخل في سرد فلسفي كعادته ممل لخطابه السياسي في الثورة وبعد الاستقلال ، وعن الظلم ... دون أن يعطي إجابة شافية عن لب وجوهر المشكلة ،عن الأفغان الذين تصدروا المسيرات ،عن الشعارات المخيفة عن الجهاد.. التي سرعان ما جسدتها جماعة الطيب الأفغاني، ومؤسسي الجيا المشبوهة... وان لم يكن لهؤلاء كأعضاء وأنصار تبعا لفكرهم التكفيري، فلم يمنع أنهم ركبوا موجة المسيرات ( زخم الشارع والمسيرات المليونية والنتائج الباهرة في الانتخابات المحلية ،حقنت السير بمزيد من مانعات التفكير والتخطيط )

    على الأقل كان يجب عبر مؤتمر، الإنصات لوجهة نظر الأطراف المختلفة،و التيار السلفي الذي له باع في تأسيس الجبهة ، وبدل المسارعة في اتهامه بالعمل للمخابرات ،وهو الرعيل الأول ،وعدم تجاوزه ، لان جبهة الانقاد والقيادة الآتية من ( الاتجاه الحضاري ،ومنشقي جاب الله الإخوان الإقليميين ،والسلفية الحركية) اخطات لما عمدت إلى إحداث تغيير في المكاتب الولائية بعد الانتخابات البلدية ،حيث أبعدت التيار السلفي ، من القمة إلى الأسفل ، تبعا لمقولة عباسي ( الجبهة فيل برأس نملة) وهو ما أغاض رموزه عبد الله حموش ،كرار، سحنوني....وصبوا جام غضبهم على عباسي الذي فتح الجبهة لشخصيات يقولون أنها '' دخيلة'' كان يجب إشراك هؤلاء المؤسسين في النقاش والقضايا الهامة ، ولما كان المجلس الشورى بأغلبيته السلفية مثلا رافض للإضراب المفتوح كان يجب احترام رأيه ، ومن هنا نفهم وتبعا لشهادات سابقة... أن الانشقاق الأول الكبير الذي احدث صدم في قلب الفيس ،لم يكن سببه النظام والمخابرات بالمرة كما أشيع يومها ،وان كانت عناصر معدودة دست...ولكن الانشقاق كان سببه التباعد الفكري الهائل بين تيار السلفية العلمية ،الذي ياخد على علماء الحجاز في عدم جواز الإضراب والمسيرات والصدام مع النظام ، وبين ما يسمى التيار السلفي الحركي الذي يعارض هذا لا أكثر ولا اقل ويدعو للصدام والمناطحة.

    أيضا على الأقل كان يجب على عباسي مبكرا قبل سجنه تحييد المتشددين، بالموازاة مع السلفيين ومن منطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان يجب بالتوازي مع مهاجمة سياسات النظام فوق المنابر ، التحذير من المخططات الخفية ،والخطيرة لجماعة التكفير والهجرة، التي كانت تسرح وتمرح وتتبجح بفشل العمل السياسي ، وكانت تبحث عن الذريعة لاحتلال مواقع المجابهة ،وقد فتحت لها لفترة (...) حرية التحرك المبرمج ،وكانت أطراف لا تحب الخير للجزائر تعول على هذا الفصيل الشاذ ، لإحداث رجة قوية في جسد الإنقاذ والحركة الإسلامية عموما ،وهو ما حدث ، ولكن كل هذا كان غائبا عن جبهة الإنقاذ وعباسي الغارق في حلم ''الدولة الإسلامية''، وسط تيارات جد متصارعة ، ووصية عباسي مدنى قبل اعتقاله للشيخ محمد السعيد ورجام( ابقوا الجبهة في الشرعية الدستورية والسياسية) كانت تتعارض التركيبة البشرية وخطاب الجبهة الإسلامية في المساجد ،والصحافة ،والشارع، فالواقع كان أقوى من وصية في الزمن الضائع..

    عقـدة ومهزلة مسمار جحا!

    وثالثة الأثافي لدى عباسي في هذا السياق، إحدى أخطائه التي سيدفع الشعب ثمنها ،ولو لم يتسبب فيها عباسي بشكل مباشر ،ولكن شكلت النفسية السياسية في أذهان العامة ،وتهييج الأنصارلسنوات، بمناداته ومطالباته الملحة بها ،في كل مناسبة على غير هدى، ودون مغزى، كان يكشف بعد الذي أظهرته الأحداث بعد 11 جانفي، أن الرجل كان يحرث في الماء ، فخلال الفترة مابين تأسيس جبهة الإنقاذ ،اوخر 1989 ،إلى جوان 1991 تاريخ إلقاء القبض على قيادة الحزب ،وهو يدعو في حواراته وعلى المنابر الخطابية بإلزامية رحيل ( مسمار جحا) ،وكان يعني به الرئيس الشاذلي بن جديد ، رغم أن الرئيس لم يتم بعد عهدته الدستورية في الحكم التي كانت من المفترض أن تنتهي سنة 1993 ، ثم راح يطالب بإقالة وسقوط حكومة حمروش ،ورغم أن عباسي كان مقتنعا بالديمقراطية ،كان فيما يبدو يدعوا لانقلاب يحمله فيه الشعب إلى السلطة ،ولكن ...عباسي الرجل المجاهد ،وعضو المجلس الولائي بالعاصمة عن الآفلان زمنا ، لم يكن يعرف آخاه الشاذلي الرجل الطيب بأخلاقه، وسمته ،وسياساته ،الشاذلي لم يدعو لرحيل عباسي، بل قبل التعايش مع جبهة الانقاد في لقاء خاص جمعه مع عبد القادر حشاني رحمه الله ،بعد فوزها الساحق ، والدكتور الذي درس في بريطانيا ،لم يكن يدرك فكر الإصلاحي لرئيس الوزراء الذي فتح باب التعبير والصحافة الحرة على مصراعيه، ولم يكن أفكاره استئصالية أو اقصائية بعد سنتين نقرا في حوار مطول في أسبوعية الحقيقة لمولود حمروش يقول بالعربي الفصيح( نظام الحكم رفض تسليم أدوات التغيير للشعب، والمشروع الإسلامي ليس نقيضا للمشروع الوطني) ، لم يكن عباسي يعرف توازنات الحكم ، وفكر الشخصيات ،ورصيد الدعوة الإسلامية على مستوى المساجد ، ولم يكن حدسه قادر على التمييز بين واجهة النظام، وقد أوشكت على التعايش مع جبهة الإنقاذ، والزمر الخفية التي تلعب الدور المحوري منذ تأسيس '' المالق '' بوجدة في ترتيب أمور الحكم... بل همه الأكبر وهو يرى المسيرات وقد حشيت بالنطيحة والمتردية ،أن يسقط الشاذلي و حمروش وما بعد ؟!

    وللدلالة على مثل هذه العصبية الحزبية التي أعمت كثير منا ، نورد تحليل مهم للكاتب عيسى جرادي كتبه ضمن سلسلة لتقييم العمل الحزبي الإسلامي في الجزائر يعكس الصورة المطلوبة يقول ( كان الانخراط في الصف يسحب منك القدرة على فعل أي شيء ، يتجاوز حدود التنديد بالسلطة والمطالبة برحيل رئيس الجمهورية،وعندما كانت الأخطاء تكبر وتتراكم لم يكن احد يلتفت إليها ...فالصخب لا تنجر عنه سياسة حكيمة ..الآن وقد توقف كل شيء واستفرغ النهر الجارف حمولته ..إلى أي مدى تعكس فشل سوء التقدير وسوء الاختيار ؟ ومن المسئول عما حدث؟ لا احد يستطيع أن يقول هده أخطائي ؟ لا اعتقد وجود هؤلاء الأشخاص ، الدين لم يتساءلوا إطلاقا في بداية الطريق عن الغاية والوسيلة والنتائج والتداعيات، كيف لهم أن يقفوا على حجم الخراب الذي خلفه الإعصار أن يقول شيئا ...أو يتحملوا أوزاره ، ويمضي ملامسا المشكلة ، من المشكلات العويصة التي تعترض محاولات الإصلاح في المجتمعات الإسلامية عموما أن متقدمي الصفوف ،نادرا ما يدينون أنفسهم ...إنهم يزكون أفعالهم و أفكارهم...ويحرصون على الاحتفاظ بمواقعهم المتصدرة ...وهدا أقصى ما يقدمون ....ويخلص الكاتب في سلسلته الممتعة، التي نشرت ''برسالة الاطلس'' إلى القول ( نحن لا نحاكم النيات ، لكن لماذا نغفل عن قراءة النتائج عندما تكون وخيمة ؟! . تنحى المسمار ،وبقي الجنرالات!

    أخيرا حاول حمروش بكل قوة ، حل سياسي لازمة الإضراب وإبعاد الجيش ،فأبعده الجنرالات وذاق الشتائم والاتهامات ،من قبل وزير الدفاع نزار... وحاول الشاذلي التعايش مع الفيس في جلسة خاصة كانت يراقبها جهاز '' توفيق'' مع حشاني رحمه الله ، فابعد هو الأخر، ولم تتاح الفرصة ولن تتاح لعباسي أن يصل إلى الحكم ، أو كما قالها له زعيم التيار العلماني سعيد سعدي ، ببساطة لان عباسي ومند اللحظة الأولى لتأسيس الفيس كشف كل أوراقه السياسة ، لغة خطابه ، أدواته في التغيير ، طموحاته في الحكم في حضرة من تربوا ،وأسسوا لفلسفة الحكم بوجدة ، فابعدوا حكومة يوسف بن خدة وتعدوا على صلاحيات الولاية الرابعة ،واقتتلوا مع جنودها على أبواب العاصمة سنة 62 ،ثم انقلبوا على بن بلة ،وأخيرا ثبتوا أقدامهم بضباط فرنسا أثناء حكم بومدين ، '' بدولة إسلامية لا في الشتاء'' ولا في الربيع ، لان عباسي وهو رجل تربية وعلم اجتماع ، يبدو انه لم يدرس نفسية الفرد الجزائري وتقلباته ، صحيح أن العواطف الدينية طبقا لفطرته تأثر فيه وتصنع حركته لوقت ، ولكن أيضا إراقة قطرة دم في هذا المعسكر أو ذاك ،تبعا لتلك الفطرة الدينية تغير الولاءات الحزبية، و النموذج الجزائري فريد ، فلا يمكن محاكاته بالحالة الناصرية مع حركة الإخوان، حين استعدى عبد الناصر على رجال الدعوة من موسكو... ، وان كان يجب الاستفادة من التجربة، ولا يمكن موازنته بالنموذج الأفغاني كما أراد البعض ، ففي أفغانستان خلال الحكم الشيوعي في نهاية السبعينات ،كانت المساجد تهدم ، والمسلمون يلاحقون ، والمنظومة الثقافية والدينية للأمة تقتلع، وكانت الدعم السفياتي العقائدي بارز ..بينما في الجزائر ملخص المشكلة ومند الاستقلال ظلم واستبداد سياسي، وإقصاء مس جميع أطياف المجتمع بما فيها ( القادة المجاهدون) ، صحيح هناك حزب فرنسا ،ولكن لم يجرؤا على المساس بالمقدسات والقيم بشكل فاضح وعلني، لاسيما بعد وفاة هواري بومدين، ''راعي الضباط الفارين من الجيش الفرنسي...''، وخطاب سلطة الواجهة لم يكن يستعدي الشعب،في قيمه ودينه ، وان كان يراوغ ويفسد على الأرض، و الدعوة الإسلامية لاسيما بعد وفاة بومدين ولا أقول الحركة لان الحركة فيما بعد منها ما أصابها الميوعة والانبطاح ، ومنها ما أصابها التطرف والانشقاق ، فالدعوة يومها انتعشت كانت دائما مستعصية على التدجين والتضييق، ولو أن الدين يحكمون في زمام المساجد على درجة من الثقافة الجامعية بخطابهم العلمي العقلاني الذي يساير العصر ويضرب على موضع الجرح في المجتمع ،والوتر الحساس ،ويدعو للنصيحة والتقويم ،مستخدما أدوات الترغيب و الترهيب الرباني ( لا البشري) في الدنيا والآخرة حسب النصوص ،والتربية الخلقية ، والمعرفة بسنن التغيير ، والسيرة النبوية ، لنزلت السلطة بجيشها ، ومؤسساتها وعدتها عند أرجلهم كل مرة ، فالدعوة البعيدة عن النعرة الحزبية ، قادرة على تكسير قلوب الجبابرة ، طبعا ليس كل الجبابرة...

    ولنا في دعوة رسولنا الكريم في مكة والمدينة وسط بيئة تحكمها قوة المشركين نماذج رائعة لقصص إسلام وخضوع هؤلاء للمنطق الرباني.....الذي تحكمه الحساسيات والو لاءات الحزبية والعشائرية فالخطاب العنتري التهديدي غير منضبط الذي لا يتماشى مع مفردات الواقع وشروط مرحلة ، يدمر ولا يبني ، فجمال عبد الناصر أول منظر لاستئصال الاسلامين ، صعد كأي زعيم إسلامي متشدد، وصعد منبر الأزهر وأزبد وارغد ( سنحارب اليهود ،سنحارب) ، ولم يمنع خطابه والجماهير الخاوية روحيا التي كانت تجري وراءه في القاهرة ،لم تمنع العجوز قوالدا مائير أن تشمت به وتسحق قواته في سيناء صيف 67 فالشعارات العاطفية شيء ، والإيمان الحقيقي، والحركة الايجابية شيء أخرا...، أي متسكع؟ ،أي مخمور؟ ،أي شيطان؟ أي أحد يريد تصفية حساباته مع النظام أن يشارك أن يقود مسيرة لتحقيق ' دولة إسلامية ' ،وحين تواجهه خراطيم المياه أو الرصاص ،عند أول محك ، وتعم الفوضى ، يخلوا له الجو لممارسة المزيد من الشغب على طريقته...

    أعيد لقد رحل الشاذلي و حمروش كما أراد عباسي أول مرة ...وجاء نزار وزبانيته ،نزار الذي سيناديه عباسي في إحدى حواراته بعد خروجه من السجن '' بالأخ'' والمؤسسة العسكرية '' بالمحترمة'' بعد أن قال أن الشعب سيأكل دباباتها ، ذاك الجنرال الذي كان محل سخط شخصيات وأحزاب وطنية كجبهة التحرير، التي كان أمينها العام عبد الحميد مهري الذي اظهر وطنيته أيام المحنة الدموية ، محل سخط وتبرم عباسي وكثير من أنصاره الملتفين ،الذين كانوا بعاطفتهم وعدم قراءتهم للتاريخ ، واستشرافهم المسطح ،يرونه خصما ورجل نظام.بداية التسعينات!!، خالد نزار وقد أصبح موضع تشكيك في ولائاته الوطنية خلال السنوات الأخيرة ،وكتابات علي كافي ،وخرجة الشاذلي الذي اعتبره جاسوس... ،ومن عاصر فراره من الجيش الفرنسي اصدق دليل ... فلما المنادة برحيل الشاذلي حتى رحل ، وكان بإمكانه أن يحدث تغيير خلال سنتين 92/93 لولا لغة الفيس التي أفزعت '' أصحاب القرار''،ولما هذه الأخوة الزائفة مع الذين احرقوا البلد ، ولما هذه الدماء ؟!

    ويستمر الاستئصالين خلال سنوات 92 ،93 ،94 في تحريك آلاتهم الحربية والتحريضية، فيفر من يفر، ويتسلح من يتسلح ،وتتأسس الجماعات، تتوحد ،ثم تنقسم ، فتتفرخ وتخترق ، ثم تتقاتل ،ويعلن بعضها ولائاته وكأنه يقاتل اليهود في فلسطين ، لا هدنة ،لا حوار ،لا مصالحة ، قرى بكاملها أفرغت فرارا ، وحواضر أصبحت كالجحيم ، وحين يباشر وزير الدفاع لمين زروال حواراته سنة 1994 مع قيادة الانقاد ، فيفرج عن عدد منها ، ويطلب بيان تنديد بالعنف ، يرفض الشيخ بمعية زملائه بدعوة عدم حريته ، ويعيد تكرار الموقف سنة 1995 في حوار الظل، بينما الشرع ، الذي كان يطالب عباسي السلطة الاحتكام إليه ( رسالة 06/01/1995) ينص بعيدا عن ألاعيب السياسة ، (تحقيق المصالح ودرء المفاسد) ووقف إراقة مقدمة كانت أولى المصالح ،كان فيما يبدو لعباسي أن يتنازل على الأقل ويصدر أمرا بوقف العمليات المسلحة ولو من وجانب واحد ، كان عليه أن يصدر الآمر بقوله على الأقل وبوضوح أن العمل المسلح بدا ينحرف ، حتى يستطيع جس نبض هؤلاء الذين يجابهون النظام ،وقد كفروه بعد سنة واحدة مع التسعة الرهط في البيان رقم 73 لجماعة الجيا...

    هذا بدل إضاعة الوقت في تبادل رسائل ( إجراءات) مع الرئاسة والمطالبة كل مرة على رأس الإجراءات التهدئة احترام الدستور، وإعادة جبهة الإنقاذ بينما كان الوضع يتطلب بيان ليس تنديد كم تقول السلطة، ولكن على الأقل ( المطالبة بوقف العمل المسلح ، و الإقرار بعدم شرعيته ) و تم ربما تحييد جماعات وجماعات يومها، وتسجيل نقاط سياسية وأخلاقية على زمرة من النظام، في وقت مبكر ،يحفظه التاريخ لعباسي للأبد ،ولكن جماعته رفضت، وهو ما يستثمره دعاة الحل الأمني وتمكنوا من تحقيق نقاط سياسية وإعلامية، وطنية وبعد سنوات دولية ثقيلة جدا في رصيدهم.. للترويج لمشرعهم الذي اهلك الحرث والنسل...وحتى لا نتقول على جماعة عباسي فهم يعترفون بعدم استجابتهم، لمطلب الرئاسة في حوار الظل 1995 ، بتحرير بيان للتنديد بالعنف ويسوغون لذلك مبررات واهية ، فهاهو عبد القادر بوخمخم الذي أفرج عنه مع عدد من القيادات في سبتمبر 1995 كحسن نية من النظام ، ( ونقول هذا بحياد ودون تحفظ تبعا لتحليلنا حتى لا نظلم أناس قد يكونا بلا شك طيبين في السلطة) ولم يعاد اعتقال المفرج عنهم إلى اليوم رغم الوضع المتفجر يومها، بوخمخم حين سؤل عن البيان الذين رفضوا تحريره قال بصراحة ( نعم رفضنا إصدار بيان لا يخدم مصالح الأمة! ، ولا يتماشى مع مبادئنا وأخلاقنا وتوجهاتنا السياسية !، ولم تخضعنا سياسة الترهيب والترغيب ،وبالتالي الفرصة الوحيدة التي ضاعت - في رده على اتهامات مدني مزراق- هي فرصة تحويل الجبهة من حزب سياسي صاحب مشروع طموح ،إلى جبهة العنف والإجرام ،والاقتتال والتدمير والتخريب والسطو ....) وهل التنديد بالعنف والإجرام الحاصل يومها لا يخدم الأمة ؟! ، وما دام إن البعض حول الجبهة إلى جبهة للتخريب والتدمير ، ألم يكن الوقت مناسبا لجماعة عباسي التنديد بهذا ،وفق المبادئ والأخلاق والتوجهات السياسية التي يتحدث عنها بوخمخم ؟! والتي لا تفسر إلا بالنضال السلمي ،أم أن الجيا المشبوهة بقوتها يومها، كانت تمثل وتعكس هذه الأخلاق والتوجهات ؟! انه حقا موقف مبهم ، وفرصة ضائعة ، وامعية القيادة المعصومة، التي تربت أول يوم على المناطحة والمغالبة ،وهي لا تملك أدواتها ، ولا تعي نتائجها الكارثية...
    ..../.... (*) ربيع بشاني / كاتب مستقل
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''  Empty رد: في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''

    مُساهمة  Admin الأربعاء 10 أغسطس 2011 - 18:54

    الفرص الضائعة....لوقف الدماء

    .. دون إدراك منه لمجرى الصراع ،وتركيبة وفكر الجماعات المسلحة ،ربما كان يرى عباسي مدني بمعية جماعة العاصمة ( جدي ،قمازي ،بوخمخم ، بلحاج ) في فترة زاد وساد استئصال السلطة، هؤلاء المسلحين بالقوة والانسجام الذي يمكنهم من الاستيلاء على الحكم، وإزاحة ( الطغمة) أو على الأقل أن يجري معها النظام مفاوضات الند للند...وسد مكان '' مسمار جحا'' ، وقد جاء السفاح الهالك زوابرى و بشهادة للأمير بن حجر (أن أمير الجيا الذي خلف زيتوني صعد بقنينة خمر إلى الجبل)، لقد ترك بمعية أصدقائه المساجين المفرج عنهم، مرة أخرى الفرصة لأعداء الشعب والديمقراطية ، لنشر دعايتهم و مواصلة '' المجابهة الاستئصالية'' وكان لهم فيما يبدو إطلاق سراح بعض قادة الانقاد مزية كبرى، أو در للرماد في العيون ، مادام عباسي وعلي بلحاج رافضان للحوار..!


    ففي جولات الحوار الذي جرى بين رئاسة الدولة ،ومختلف التشكيلات السياسية بما فيها قادة الفيس بداية 1994 إلى سبتمبر منه ،أطلقت السلطة في فيفري سراح بوخمخم وجدي ،(في خطوة للعمل على تهدئة الوضع وتوقيف العنف وبتفويض من رفقائهما) كما يقول بيان لرئاسة الدولة ،وفي الوقت الذي كان فيه أن يتحركا بايجابية لتفعيل الحوار، ومحاولة الضغط على بعض فصائل العمل المسلح ،بعد أن رؤوا تجاوزات السلطة والجماعات على السواء استفحلت ،وادخلت البلاد الجحيم ،بقي الرجلان والى اليوم أسيرا وجهة نظر عباسي وصديقه ، ففي حوار مشترك مع جريدة الخبر،في خريف 94 يسأل جدي وبوخمخم عن ما تم الاتفاق بشأنه بين قيادة الفيس في السجن واليامين زروال حينما كان وزيرا للدفاع يجيبا( اتصل بنا وزير الدفاع واقترح علينا خلال المناقشة كتابة نداء للشعب يدعوه للهدوء والطمأنينة ،وبعد الدراسة رأينا أن هذا الاقتراح غير مجد ، وسابق لأوانه..) !! وحين يسألان عن مدى قدرة الفيس في التحكم في الوضع الأمني وإيقاف العنف يجيبان ( إذا وجدنا من يوقف عنف السلطة فلا شك أننا سنجد من يوقف ما ترتب عنه من رد فعل..) ، وحسب تصريح رئيس الدولة إلى الأحزاب السياسية المدعوة للحوار الوطني 29/10/1994 والذي أعلن فيه عن فشل الحوار مع قادة الإنقاذ جاء في( أن ممثلوا الدولة اجروا اتصال أخيرا مع عباسي وبلحاج يوم 23 اكتوبر وطلبوا منهما العمل على إيقاف العنف وتقديم مساهمتهم لإيجاد حل سلمي للازمة ، غير أنهما طالبا التمتع بحريتهما الكاملة ...)

    وتكرر الأمر بفضاعة في حوار عام 1995 ، حين منحت للشيوخ حرية مؤقتة ،وإقامة مريحة، وضاعت فرصة إيقاف إراقة الدماء بمفهوم الشرع، ومفهوم عباسي أيضا، بعيدا عن فلسفة العنف والعنف المضاد ، ولكن من منظور الإصلاح بين المؤمنين والطوائف المتقاتلة كما ينص القران، وبعد الاقتتال وسيلان دماء المسلمين لم يعد أمر توقيف الانتخابات ،والعودة إليها قائما بمفهوم العقلاء بل معالجة اللحظة الراهنة ،ومحاولات التخفيف من تداعياتها، قلت في حوار 95 بعد اتصالات بين رئاسة الدولة بقيادة لمين زروال ،وقادة الفيس استمرت ثلاثة أشهر ، إلا أن الفشل تجدد ، بسبب عدم قدرة عباسي وجماعته على استغلال الفرص ، والظهور بمظهر حزب سياسي ينبذ العنف، ويؤيد الوصول إلى السلطة بالوسائل السلمية ، وله القدرة على التحكم في ما أسماه قادة الفيس في بعض رسائلهم مع السلطة ( التيار الجهادي) ومن خلال العودة بيان رئاسة الدولة ليوم 11/07/1995 ، نقرأ ونفهم ما معناه ( أن هناك اتصالات أولية جرت بين الرئاسة وقادة الجبهة ....وقد تم الاتفاق مع عباسي في مراحل الحوار الأولى على المبادئ التي ينبغي أن تكون إطار لإيجاد الحل... ثم توسع الحوار مع عباسي إلى الإجراءات التي ينبغي اتخاذها من اجل تطبيق الحل المقترح ،وفي هذا المضمار تم اقتراح مسعى يكون بصفة تدريجية وعلى مراحل منها يوجه عباسي مدني نداء لوقف أعمال العنف، وسيكون متبوعا بالإفراج على جميع قادة الحزب المنحل ...ثم تمنح مهلة لعناصر الجماعات المسلحة لوضع السلاح، وبعد هذه المرحلة يقول بيان رئاسة بإمكان قادة الحزب المنحل العودة إلى النشاط السياسي تحت اسم جديد.... وبعد أن منحت شهر لعباسي للتشاور مع قادة الجبهة أعلنت هذه الأخيرة شرطين : إعادة النظر في المبادئ التي التزم بها عباسي، وثانيا طلب الإفراج عن قادة الحزب المنحل كشرط لإيقاف العنف ويضيف البيان انه منحت مجددا مهلة للجماعة للعدول عن مسعاها وموقفها كما تستدعي مصلحة الشعب الجزائري وأمام الإصرار على نفس الموقف الذي سيحكم عليه كل مواطن تم استخلاص النتيجة اللازمة واتخذت الإجراءات اللازمة يوم 10/07...) ويعلق احد الكتاب يومها في صحيفة الخبر الواسعة الانتشار يومها ( أن السيد عباسي مدني المعروف عنه انه رجل سياسة ،قادر على التأقلم مع أوضاع الساعة والساحة ، بانتهاج سياسة خطوة خطوة ، في الحقيقة معزول داخل حزبه وغير قادر على التأثير على زملائه..)

    وحين سردت هذه المقاطع السابقة من بيانات رئاسة الدولة يومها، ليس تأكيدا لحسن نوايا السلطة التي كانت قادرة بما فيه الكفاية لتخفيف من حدة التوتر، والاستمرار في حوارها ،دون التذرع برسالة علي بلحاج إلى أمير الجماعة المسلحة قوسمي شريف في 17 /09/ 1994، صحيح على الأقل هناك تيار يمثل واجهة السلطة ومن خلال ما نشر من بيانات الرئاسة ، وحتى في حوار 1995 كانت تسعى لحل سلمي حسب ما صدر عنها من وثائق منشورة ،ولكن أكدت الأحداث في نفس الوقت أن هناك جناح استئصالي يرفع شعار الكل امني ،ومن سوء الحظ أن قادة الفيس المعتقلين، لم تستطيع تفويت الفرصة الذهبية على هذا التيار، ووتتلاحم مع تيار المصالحة ،وتسجيل نقاط ايجابية تأكد مساعيها السلمية بقبول مقترحات الرئاسة للعمل على توقيف العنف ،ولكن قيادة عباسي مدنى فضلتها ( مغالبة) بحجة أنها لا تملك الحرية وهل إصدار بيان يحتاج إلى حرية؟

    الملاحظ انه كانا في السلطة جناحان متباينان، جناح المصالحة والحوار ،وجناح الاستئصال ،وعكس ما يعتقد البعض ، جناح المصالحة لم يكن معزولا بالمطلق، حتى وان كان أحيانا يمثل الواجهة ، ولكن له صوته ودوره الحيوي، ووزن داخلي وخارجي ،وامتدادات فكرية مع الطبقة السياسية، وفي المؤسسة العسكرية ، وبعد في المجتمع المدني بأطيافه.. وكان يسعى لإيجاد حل للعنف، وتوافق بأقل الأضرار مع قادة الفيس، وكان له حضور قوى ولو غير ظاهر ، خلال السنوات الفائتة ، وهذا التيار الذي يمثل الواجهة بوزنه المذكور ، يتحرك بقوة وإيعاز غريمه الاستئصالي لان هذا الأخير برجاله ،لا يملك مشروع يتلاءم وهوية وثوابت الأمة ، وظهور لغة التيار الاستئصالي و ممارساته(....) ما هي إلا سد للفارغ، وتجريب لسياسات استعمارية حاربها الشعب الجزائري طويلا( مداهمات ،اعتقال بالشبهة، تمشيطات رهيبة في القرى..) كلما فشل التيار الحواري ، وإظهار الفيس بمظهر المساند لعمل الفصائل المسلحة وقد نجح نسبيا ، إذ كيف نفسر أن اتصالات السلطة لم تتوقف بقادة الجبهة 1994/1995 وما إن انتهت هذه المرحلة حتى تم الاتصال بالفصيل المسلح الجيش الإسلامي 1997/1998 في اشد سنوات المواجهة، والملاحظ أيضا أن أهم مقترحات السلطة في حوارها مع قادة السياسية للفيس 1995 ( نداء إيقاف العنف ، منح مهلة للجماعات المسلحة) تكرر العمل بها مع قادة الجناح المسلح للجيش الإسلامي وحتى الجماعة السلفية وهي إجراءات شكلية...

    حتى بعد خروجه من السجن 2003، كان بإمكانه أن يرسل إشارات ولو بيان صحفي ،كان له أن يستغل الفضاءات الإعلامية الحرة ،لدعوته لمراكز القرار على التنازل المزدوج والمحدود في حدود العمل على '' وقف الدماء'' ، وقد حاصرتها أمواجا عاتية ، وفشلت في سياسة المواجهة ،ونالت من الرئيس بوتفليقة اتهامات،....كان بإمكان عباسي إصدار بيان واضح ، للمسلحين بترك السلاح دون تماطل من منطلق شرعي درء المفاسد وجلب المصالح لا غير، أو حاجة دخول في المفاوضات والإجراءات غير عملية في وضع خاص ( إعادة الاعتبار لجبهة الإنقاذ ، عودة الجيش للثكنات ، تعين لجنة للانتخابات ..)كما حدث في حوار الظل 95 أسابيع من البيانات والبيانات الرئاسية التعقيبة ، ثم تدخلت قوى أخرى في الوقت الضائع.. بشرط وحيد، كان لعباسي التلويح به، و كان فيما يبدو يتحقق بشكل آلي ،أن تنزع السلطات السلاح على نحو 200 ألف رجل مليشيات مازالوا يومها وبشهادة ايت احمد وجماعة سانت ايجيديو ،مصدر خطر على المدنيين، في القرى والمداشر، ولكنه لم يفعلها فضل مغادرة البلاد وله الحق أن يهجر في ارض الله ، ولكن أعاد تكرار خطابات الفرص الضائعة في حضرة ارمادة قطر الإعلامية، خطابات الإنشاء،والله دون نية إنقاص من قدر الرجل ، ولكن الحقائق التاريخية والمواقف السياسية ،يجب أن تقال وتحلل ويحكم عليها، لا أن يحجر عليه عند سدنة التزييف وعبادة الأصنام ،ولا يجر منا ممارسات الاستئصالين ،أن نقول الحق ( لأننا كلنا ذو خطأ) .

    ما هالني القناعات الصلبة ،التي يحملها الشيخ، وتربت عليها جماعة العاصمة التي تدور حول برنوسه ،وفق نغمة واحدة ،فارغة الوفاض والمعرفة ،دون تراجع أو تنازل لفقه الواقع،في حوار أجرته مع ''الشرق الوسط'، سأل عن تجربة السجن والمرجعات المحتملة لأخطاء جبهة الانقاد للشيخ ،يعترف مبدئيا وعموما بوجود أخطاء بقوله ( لا توجد حركة تشعر بمسؤوليتها حيال أمتها ولا تراجع أو تصحح أخطائها ، والخطأ اقرها علم النفس فهكذا تتكون الشخصية...) ولكن حين يسأل ثانية على ضوء إجابته عن الخطأ الذي وقف عليه وعمل على تقويمه ،هنا يعود الشيخ إلى تعصبه( أنا لم اسلم بمشروعية هذا السؤال انه غير مشروع لأنه يحكم مسبقا ، والحكم المسبق غير عادل ، ادا أردت أن أصحح السؤال فعلي أن أقول ما هي مستنتجاتك من هذه الخبرة....! هي خبرة التجربة الجزائرية بدأت في مواجهة الاستعمار قبل قرن ، ثم تحرير ثم ما بعد الاستقلال وهي قابلة لإعادة النظر والدراسة) ،وحين يسأل مجددا عن الاقتتال الذي حدث في الجزائر وشوه صورة العمل الإسلام في كل مكان وعن إمكانية صعود أصولية جامحة تؤدي إلى مثل ما حدث في الجزائر يجيب كعادته في نظرية المؤامرة في تقويم أسئلة الصحافة ،(هذا سؤال يتضمن مكيدة...) !

    خلال أول لقاء تلفزيوني خارج البلاد يوم 03/09/2003 ،برنامج لقاء اليوم بقناة الجزيرة ، يسال لماذا لا تنددون بالعنف وبعض الأحداث ؟ يجيب( أنا رجل عملي ولا أريد أن أقحم نفسي في الترهات واجعل شعبي في الخزعبلات ..نحن نعمل من اجل وقف نزيف الدم وفتح صفحة جديدة لجزائر ليس فيها بغض وحقد ،بل جزائر عزة وسلام وكرامة) ، يسأل هل عباسي مدني يختلف عن عباسي سنة 91 بدعوته للوحدة والتسامح يقطع( أبدا مند 1945 عباسي له نفس الهدف خدمة القضية الجزائرية يضحي بها بنفسه إلى اليوم،) ما قولكم في من رفع السلاح وهل تعتبرون هذا جهاد ؟ (وجه هذا للفقهاء من فضلك أنا لست فقيها.. ) رغم انه كان يقول بالجهاد كما نقل عنه إعلاميون في خطبه خلال التسعينات... هي نفس النغمة أو القاعدة في خطاب عباسي ،تهرب ،عموميات ، عدم تقديم إجابة واضحة ...

    ففي حلقة نقاش مع '' الجزيرة مباشر'' في صيف 2008 إن لم تخني الذاكرة ، يقول ( انه مازال يسعى بقلمه لإخراج البلاد من أزمتها ) وفاته العلم أن القلم لم يعد يجدى نفعا على ما كان عليه الأمر منتصف التسعينات حينما كان بيان أو مقال ،من هذه الطرف أو ذالك ،يفعل مفعوله المدوي في القلوب والعقول ،كانت بحق حرب البيانات ...تخلوا من الكلمة الطيبة ،على الأقل يومها أن كان موقف عباسي غامضا من '' شرعية الجهاد'' عن عدمه ، فعلى سبيل المثال لم يتفطن أو لم يراجع حساباته في الوقت المناسب حينما كانت بعض العناصر العائدة من أفغانستان تجول وتتصدر المسيرات بالزى العسكري، وقد رصدتها الكاميرات الإعلامية،ويتساءل مع أعضاء مجلس الشورى،عن هذه الرمزية وتأثيراتها في العمل الجبهة الإسلامية،وعلاقتها مع النظام ،أم أن نشوة النصر كما كان ينادي ( ستقام هذا الشتاء) أعمت بصيرته السياسية ، يبدو إن موقف الشيخ كان ضبابيا بشان مسألة الجهاد لأنه في الجمعة الأخيرة قبل اعتقاله قال ( إذا لم يعودوا إلى الثكنات لنا الحق أن ندعوا إلى الجهاد الشعب سيواصل جهاد أول نوفمبر 1954) ولكن حين مثل أمام قاضي التحقيق رد عن اتهامه ومسائلته بشان إعلانه هذا رد قائلا( إن دعوتنا للجهاد نعني به الجهاد الأكبر وإذا فهم الناس عكس ذالك فليس لنا عليهم أي مسؤولية) ، ولعمري هذه قمة الإسفاف تجمع جماهير تغلي بالآلاف، تريد الانتقام كل بطريقته على نظام نقر ونعترف انه متسلط فاسد مفسد ،قسم منهم محدود الثقافة وعلى حد كبير من البساطة والتفكير، وتنادي فيهم بلسان فصيح صريح بالجهاد على طريقة أول نوفمبر، ثم تزعم وتتبرأ من أي فهم أو تفسير خاطئ ، حتى لو كان المتلقون نخبة، فالفقرة المشار إليها لا تستدعي مترجم ،أو أي مجاز أو بلاغة .

    المبادرة الشهيرة ...الفشل والبعد عن الواقع..

    أغلب الضن أن عباسي لم يصدر حتى الآن بيان واحد، يترجى فيه المسلحين ترك السلاح، أو يطلب من المراكز الخفية نزع السلاح عن المليشيات حتى يستقر الوضع، وربما لا يدري أن هناك جيشا مسلحا من المدنيين وانه لن يستطيع هو شخصيا ،أن يدخل أي قرية كضيف غريب حتى هذه الأيام، دون مسائلة من ابسط رجل مسلح ببندقية تكرارية، بعد أن ازداد الأمر تعفنا وغموضا، وأصبحت أطراف دولية تلعب بالنار ، على حدود الجزائر تحت قميص القاعدة ، بل أن الحل الأمني فشل فشلا ذريعا لدرجة أصبح قانون المصالحة مفتوحا،ولدرجة دفعت النظام للتقرب من أمراء بارزين تخلوا عن السلاح لدفعهم لإقناع العناصر المسلحة بالرجوع إلى الأمة (كما قال عراب الاستئصال اويحي في خطاب له قبل شهور) وحتى الدين خططوا للجحيم الأزمة ، أحرقتهم و اعترفوا أن المجابهة انتهت إلى العدمية الضحية واحدة ،ولا غالب ولا مغلوب..

    فخلال جميع خرجاته حتى تلك الشهيرة ''بالمبادرة'' التي عرفت باسمه ،والتي كانت محل انتقاد عدد من المحللين الاعلامين في الجزائر و العالم العربي،بقي في الدائرة الأولى من عرض للأرضية المبادئ ، والإجراءات حوار...دون حديث عن الاجراء ت الفاعلة لوقف الأزمة، وامتداداتها وفك ملفاتها مثلا ..ملف المفقودين ، ملف التسلح ، بل رهان على التماطل والزمن وبين يدي حوار صحفي له أجرته معه جريدة التجديد المغربية في جانفي 2004 يسأل فيه لماذا تأخر ندائكم لوقف نزيف الدم ،الذي قلتم أنكم ستعلنونه بصفتكم رئيس جبهة الانقاد ، ولماذا هذا النداء اليوم ،وهل تتوقعون نجاحه ؟، يجيب عباسي كعادته وعادة السياسويين ،بشكل غامض عمومي ، كلمات مقتضبة ، متعثرة ، متلونة ،لا يستشف منه شيء يروي القلوب المتعطشة للأمن والاستقرار ( أولا النداء سيأتي في إطار المبادرة - يعني مبادرة لحل الأزمة- وان كانت الجبهة لا تخالفه وتعمل من اجله فهي ليست فقط للجبهة بل هي مبادرة الشعب الجزائري ككل وستشارك فيها كل العناصر الحية التي أبدت استعدادا للمشاركة...)

    ولم يأتي النداء بشكل مستقل ،وفعال ،ولا أتت المبادرة ثمارها ، وقد راهن عباسي في مبادرته على التماطل أو الوقت الضائع ،ففي أول حوار من عاصمة ماليزيا لأسبوعية السفير يسأل لماذا تضع لمبادراتك أجندة زمنية من عشر سنوات ؟ يجيب كمن يستهزأ بأرواح الضحايا ،وأمال شعب يتشوق للسلم كالظمآن في البيداء( لا بل أضعها لقرن من الزمن ،العمل السياسي عمل مستقبلي ،فمن يتكلم في السياسة الآنية ليس بسياسي...الجبهة الإسلامية لديها مشروع لنصف قرن ..السياسة ليس لعبا بل جد ،هي تعامل جاد مع مصير شعب ومصير الإنسانية ،وما لم تكن السياسة هكذا فهي ليست بسياسة) وتناسى شيخنا أن هذا التنظير كان يجب أن يطرح في حضرة مؤسسي الجبهة في سبتمبر 1989، بدل خيار المناطحة ، أو على الأقل تذكير النفس به أيام الإضراب المفتوح التي فتحت أبواب المواجهة، أما الآن وقد انفجرت الجبهة بعد ثلاث سنوات من نشاطها ، وتشتت شملها ،بل هناك من قادتها من أهال عليها التراب إلى غير رجعة...

    فالخطوات الثلاثة التي اقترحها عباسي بمفرده، و أعاد إخراجها من دفتره التاريخي ، وكأنه رئيس الجزائر منها أولا ، إيقاف القتال وسائر أنواع العنف ،بما في ذالك عنف السلطة( بعد أن سقط ألاف الضحايا) ابتداء من يوم عيد الأضحى 2004 ، وإطلاق المساجين وإرجاع المفقودين ورفع حالة الطوارئ ،وفي جميع هذه الاجراءت كان الرجل يغرد خارج السرب ،بعد أن تجاوزته الأحداث بدمويتها ،واختلال معادلات الصراع ، وتغير الخارطة السياسية ، لم يكن النظام يومها( رغم أننا لا نتفق مع سياساته..) وقد نزع عنه الحصار العسكري والسياسي والاقتصادي( التسليح ، علاقات الناثو والمتوسط ،اتفاق الشراكة ، عودة السفارات الشركات، الاستثمارات...) ليوقف العمليات العسكرية ،والتمشيطات ويسحب الثكنات الأمامية في رؤوس الجبال، ويعود إدراجه كالمهزوم ،وقد لا تعلن الجماعات ولا تستجيب وهذا كان مؤكد لفكرها وخطابها، وتوجهاتها الأممية، حتى في حوار الظل 1995 حتى لو نجح، لما جنحت الجيا المشبوهة صاحبة اللاءات ( لا حوار ،لا هدنة ،لا مصالحة) ، لا لعباسي وقد تبرأت منه...ولا للنظام وقد كفرته ،أما عودة المفقودين ، فعباسي ربما لم يكن يعرف عن نضال عشر سنوات لأهالي المفقودين واجهو فيه اشد أنواع التهديد والتماطل والمناورة من طرف السلطات، التي اعترفت أخيرا.. ورفضت كشف الحقيقة وأوصلوا القضية لهيئات خارجية، دون دعم واضح وعملي من قادة الفيس ...حتى تستجيب بجرة قلم لعباسي وقد فقد كل نفوذ في الشارع ،وكان عباسي بموقفه كان يحاكي مطالبه ويمليها على الشاذلي بن جديد سنة 1989 بإطلاق سراح جماعة بويعلي بعد أحداث اكتوبر ،يوم كان النظام يعيش أزمة سياسية ووضع اقتصادي متردي.. وبعد هذا تأتي خطوات وإجراءات أخرى ،عمومية ، قديمة وبعضها افلاطوني ،ينادي بها كل جزائري ،تقول بها كل الأحزاب حتى العلمانية، في برامجها وخطاباتها ، مثل ( العمل على توفير شروط انتخابات رئاسية ، صياغة دستور جديد ، انجاز النهضة العمرانية ، الفصل بين السلطات ،تغيير النظام بجمهورية جديدة ديمقراطية التعليم ، التعددية الثقافية ، صيانة حقوق الإنسان ، الاقتصاد النوعي ...)

    والملاحظ أن الخطوات الثلاثة في المبادرة تقريبا نفس المبادئ ، التي ضمنها رسالته لرئيس الدولة لمين زروال في09 افريل 1995 التي دفعت السلطة يومها إجراء محادثات معه وجاءت في الصحافة يومها على النحو الأتي ومنها ( الإعلان عن إيقاف المواجهات في يوم معين وساعة محددة عبر كل التراب الوطني ،ورفع حالة الطوارئ ، وتكريس الحريات وإصدار عفو عن المساجين..) أما الخطوات والاجراءت الأخرى فضل قبل ذالك يتحدث عنها في رسائله إلى السلطة....وفي رأي انه كان عباسي ألا يتعب نفسه بهذا الخطوات الثلاثة وان لا يضع حزبه ونفسه موضع السلطة،( اكرر رغم مساوئها) ولا يكون أكثر ذاتية ، فكان عليه المناداة السلطة بتطبيق ما جاء في مبادرة جماعة العقد الوطني مع بعض التعديل عوض خطوطه العريضة البعيدة عن مفردات الواقع، والتي لم تبتعد عن التاريخية.

    ولذالك فان الدكتور الهاشمي صاحب ''المستقلة''، بقي نحو عشر دقائق وهو يعيد ويكرر السؤال على عباسي في حصة خاصة عشية انتخابات الرئاسة في 07/ افريل/2009 ما هي يا شيخ الإجراءات المطلوبة لوضع حد للازمة؟ وهكذا ضل يترجاه ،ولكن الشيخ بقي في دائرة الكلام المسطح العمومي الفارغ ( يجب أن نتعاون ،أن نتسامح ..) وحين يسأل عن رأيه في الجماعات المسلحة التي تنشط حاليا وهل هي نتاج مشروعهم الفكري؟ يجيب جوابا كالعادة فضفاض ،عمومي ، لا يروي الضمان ،ولا يلمس المشكلة الراهنة، وفق أسلوبه السابق ،يقول ( العنف منبوذ ، ولا يخدم مصلحة البلاد والعباد ، ..ولكن ثقافة العنف هذه بدأت منذ الاستقلال ،باغتصاب القرار من صاحبه وهو الشعب الجزائري وبمصادرة جميع الحريات الفردية والجماعية .....) ...لقد سمعناها صريحة مدوية من دعاة أوقفوا القتال ، ولم نسمعها من عباسي لان الرجل '' سياسي محترف'' ، والسياسة التي هي في الأساس حسن التدبير والتسيير وإيجاد أرضية تفاهم وتوافق ،جعلها الايطالي ''ميكافيلي '' حسن المناورة ،والغاية مببر الوسيلة'' فتلقفها منه كثير من الراغبين في السلطة ، فدمروا وتدمروا.وقلما تجد سياسي واحد منهم ، وهو بين أنياب المقصلة يعترف بأخطائه ..عباسي بدل أن يتوجه للمسلحين بقي ينادي بمبادرات،أتت متأخرة وباردة ، وفيها نوع من السطحية التي لا تتلاءم ومجرى الأحداث التي أغرقت الجميع بسبب'' التسلح والاقتتال'' لم يعد الأمر قضية انتخابات مبكرة ،أو مرحلة انتقالية ،أو دستور جديد ، أو أرضية مبادئ وتفاهم ، أولى الأولويات إنقاذ أرواح وأنفس مسلمة تتقاتل فيما بينها،وليس إنقاذ الجبهة! ، فربما ما يأتي اخطر واعضم بالنظر إلى الساحة الدولية المكهربة ،وأنياب التحالف الصهيوني الأمريكي ،وقد أدت سياسة المواجهة الأمنية والحل الاستئصال من قبل السلطة نفسها إلى الفشل والى الهاوية باعتراف مراكز القرار...

    المشيخة ، التعصب الحزبي، ونهاية التاريخ

    كما أخد عباسي على الشاذلي تمسكه بالسلطة ،ودعاه فترة للتنحي ، وقد أقيل أو استقال ،واعتزل السياسة ، وكضم غيضه ، يأخذ اليوم على عباسي بدوره انه لم يعلن رغم هجرته ،وكبره ومرضه التخلي عن قيادة جبهة الإنقاذ ،ولم يدعو لمؤتمر لاختيار قيادة جديدة وبرنامج جديد قائم على الواقعية ،وإحداث مراجعات فكرية وسياسية ،ليس المطلوب فيها الانبطاح والميوعة وإنما الوسطية ، فمراد دهينه الذي ينشط داخل حركة رشاد بين مختلف الحساسيات ،كان تخلى عن قيادة المكتب التنفيذي المنبثق عن المؤتمر الجبهة الإنقاذ ببروكسل في اوث 2002 الذي أثار جدلا وتسبب في انشقاق جبهة الانقاد لكتلتين متباينتين في الخطاب والأهداف، دهينة تخل وحل المكتب التنفيذي يوم 13/10/2004 بسبب ما سماه في بيان حل المكتب بالحرف الواحد '' المشيخة'' (طالما لا حظنا نقص العمل التنظيمي للحزب الذي من شانه بناء الأساس والإطار من حيث منطلقاته ، ولم تكن هناك من مرجعية سوى قال الشيخ ،في خطبة كذا وكذا ،وتبعا لمفاهيم المشيخة أخفقنا وانحدر المستوى نحو الوراء ) ،هكذا أصبح النقيضان على خط واحد وسبحان مغير الأحوال ،نظام شمولي لا يرى الا ما يرى ،و وزعيم حزب يطالب بالديمقراطية ،لا يرى في السياسة والسلطة والحكم إلا حزبه إلا ما يرى ! كان على شيخنا أن يعرف أن الشعب عرف الكثير وعلمته الأزمة رغم دمويتها الكثير ،لقد مل التعصب الحزبي، من أي جهة كان، وهو يرى بأم عينه على عتبة بابه الأب وابنه يتقاتلان، احدهما يتحاكم لعباسي والأخر لعبد الحميد مهري ، أيام بوادر الفتنة ، ومقت هذا الشعب قيادات الأحزاب التي تنبذ الديكتاتورية وهي قابعة إلى يوم القيامة كزعامات حزبية لا يأتيها الباطل وقد همشت الكفاءات ،وجعلت منها سدنة الزعيم ، وأتحدى الطامحين ، والزاحفين على بطونهم لتقبيل أحدية الجنرالات بهدف ،للعودة للحزبية خلال السنوات الأخيرة ، والمطالبين بحزب جديد ،وقد استحكمت فيهم شهوة السلطة ، أن يجدوا شخصا ذو عقل ودين، يعرف ما فعلت الحزبية في القرى والمداشر، والنرجسية والأنانية التي طبعت بعض قياداتها..ومن فتن و تخاصم فقتال ،أن يجدوا رجلا عاقلا يمثل حزبهم في هذا الحي أو ذاك، بنصب خيمة أو إلصاق لافتة تأييد ،فضلا عن مكتب تمثيلي...

    عباسي في ما أرى ( ورأي خطا يحتمل الصواب) وبعد كل ما حدث ،يتوهم وبنوايا اعتقد أنها صادقة على انه قادر على إخراج البلاد من محنتها، ولو بجرة قلم ،دون الاتجاه إلى موطن الجرح ( التسلح والتسلح المضاد) يجب المناداة بوقف على الأقل الطرف الذي ليس له شرعية قانونية أو غطاء سياسي ... حتى يصبح الطرف الأخر من العدمية والهلامية أن يقاتل بمكان! يومها سترفع الطوارئ ،ويرحل المتسببون في الأزمة من هذا الطرف اوذاك ، ليحاكمهم التاريخ...بل رأينا في السنين الأخيرة رجال مليشيات، ومسلحين متضررين... بمحض إرادتهم ،ومللهم وربما وعيهم.. تركوا السلاح ومضوا لشانهم الاجتماعي ، وجنرالات غادروا السياسة إلى فضاءات أخرى...

    ولكنه لا يعلنها صريحة ، ما شاهدناه من عباسي ومند خروجه من السجن '' كلام عام'' غير عملي ومزايدات على سلطة تعرف وزنها نفسها بنفسها ، أتساءل وارجوا أن أكون مخطئا ،حتى يكون بمقدوري التراجع بدل التعصب ،هل انتهى تاريخ الفكر والسياسة ،والعلم بخبايا أزمة الجزائر ،أسبابها ،ومسببيها، وبدائلها ، ومستقبل الجزائر ، عند حضرة عباسي مدنى، وأطروحات جبهة الإنقاذ... ؟ ! ...../.....
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''  Empty رد: في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''

    مُساهمة  Admin الأربعاء 10 أغسطس 2011 - 18:54

    '' مغالبة '' جبهة الإنقاذ ... حطام وأنقاض

    على ذكر التصدع،والانقسام الذي لم تسلم منه تشكيلة سياسية في الجزائر،منذ إقرار التعددية السياسية سنة1989 ، وبصرف النظر عن الأسباب والدواعي، فان العبرة بالنتائج والتداعيات ،وهل للحزب أي حزب إسلامي؟ قدرة على تجاوز الخلافات والأزمات، التي تعصف به من حين لأخر ،واحتواء التكتلات والاتجاهات والتيارات المختلفة، بالحكمة والموعظة الحسنة ، والقدرة على رأب الصدع، بالتحاكم إلى ''الشرع'' الذي هو خيار سائر الأجنحة ''المتصارعة''! أو الانسجام ومسايرة المستجدات والتطورات السياسية الحاصلة في الداخل والخارج .


    على مستوى الجبهة الإسلامية يمكن أن نميز ، ثلاثة محطات ،احتدم فيها الصراع بين شخصيات قيادية وانتهى الأمر إلى الطلاق بينهم ،وتسبب هذا أيضا في تفتيت الجبهة إلى كيانات ،تعوزها الشرعية ،وتفتقر للشعبية ،وليس هذا تنقيصا أو تنغيصا بل حكم الواقع ، مع تمسك كل طرف يدعي أحقيته قيادة الجبهة المنحلة! وصدق وسلامة منهجه ودعوته ، والملاحظ أن كل تكتل واتجاه ينفرد بمبادراته الخاصة مع السلطة ولا يقبل مساهمة غريمه، بل يعمل على مناطحته واتهامه فإقصائه كما سنرى.. ، والحق أن الشقاق الحزبي غالبا ما يكون نتيجة إغراء السلطة السياسي أو التباعد الفكري ، وما حدث داخل بيت الجبهة الإسلامية التي ملأت الدنيا ،وشغلت الناس سنوات ،هو مزيج مما سبق ،فهناك تيارات جد متباينة الفكر والمنهج ،ومتناقضة التوجه والموقف من السلطة ،ومنهج العمل السياسي واهداف المعارضة ، كالإخوان ،جماعة البناء الحضاري، السلفيين بفصائلهم ( العلمين ،الحركيين، الجهاديين ) ،جماعة الأفغان ، وثلة من جماعة الهجرة والتكفير...والحق أيضا انه لا احد أصبح بإمكانه مللك ارث الحزب المحظور، الذي انفض عنه كثير من الأنصار، ونخرت الخلافات الفكرية والسياسية خلال السنوات الأخيرة ما تبقى من تماسكه ، ولعل قضيته لم تعد سوى قضية استهلاك إعلامي، وحديث شارع عرضي ، وحتى المتضررين مثلا من الأزمة تبعا لصراع الفيس مع السلطة ،كمعتقلي الصحراء ،وأهالي المفقودين ،ليس في نضالهم شيء اسمه( عودة جبهة الإنقاذ) فهم يطالبون بمصير وحقيقة ذويهم لا غير...

    بداية الصراع،حدث خلال إضراب جوان 1991 ،بين التيار السلفي الذي يتبع توجيهات السلفية العلمية بدول الخليج ويتبنى فكرها ،والذي رفض فكرة الإضراب ، أو تمديده ،وهذا التعبير جاء بشكل منظم ، داخل مؤسسات الحزب ( مجلس الشورى) ،وبين ما يمكن تسميته التيار السلفي الحركي، بزعامة عباسي وعلي بلحاج ثم تيار ''الجزأرة'' أو البناء الحضاري ،الذين صعدوا الموقف ورفضوا الانصياع، وتطبيق قرارات مجلس الشورى، أو هكذا فهمنا وقرأنا معظم الكتابات والمذكرات التي تناولت إضراب الفيس الذي زعزع الجبهة الإسلامية في أول امتحان لها ثقتها في نفسها ،وثقة النظام بها ، في ظرف قياسي من النشاط السياسي( ثلاثة سنوات ) وهو الانقسام الذي لا تزال تداعياته قائمة ، فجماعة كرار وعبد الله حموش ،والهاشمي سحنوني ( الذي يشار إليه انه مؤسس جماعة التكفير والهجرة، وانه هو من أتي بأتباعه للجبهة رغم انه في عدة حوارات يقول أنها تهمة لفقت له..)، وكمال بوخضرة ،وحسان ضاوي، وبن عزوز زبدة ، لا يزالون في بياناتهم وحواراتهم يؤكدون أنهم المؤسسون السابقون، الأولون الذين صنعوا للفيس أول فوز بالانتخابات البلدية ماي 1990، ويصرون على أن عباسي مدني قاد مؤامرة بعد انتخابات 1990 لإبعادهم من هياكل الجبهة الوطنية والولائية وإدخال عناصر الجزارة.. ويوضحون أن نهج وبرنامج الجبهة معتدل و يرفض الجنوح للعنف ،وخلال السنوات الأخيرة ، ترجموا وظهرت بعض مواقفهم بعيدة عن توجهات القيادة'' التاريخية'' للفيس، ،كتأييد بعض منهم ، لعبد العزيز بوتفليقة عزوز زبدة والهاشمي سحنوني،والبعض الأخر جماعة الشرق عبد لله حموش وحسان ضاوي لعلي بن فليس بحث في انتخابات الرئاسية افريل 2004...

    أما التيار الذي يدور في فلك علي بلحاج وعباسي مدني، فقد أعاد ترتيب أوراقه بعد الإضراب ،كرد فعل... ولم يتدارك الأخطاء والهفوات ،ولم يحسب فيه حسابات المستقبل، لبنية الجبهة وخطابها وعلاقاتها مع السلطة ، وهو ما أدى إلى انشقاق بدوره... فبعد سجن قيادة الإنقاذ أخد رابح كبير ومحمد السعيد وعبد القادر حشاني القيادة واعدو تنظيم الصفوف ،ونظموا مؤتمر الوفاء بباتنة ( إخوان الشرق الإقليمين ،مع تيار البناء الحضاري) في اوث 1991، وكان من المفروض رغم الإقرار بالاعتدال الفكري (للشهيد عبد القادر حشاني)الذي هو رجل حوار ويملك قدرة على التحالف والمناورة ، وسعيه مع الشهيد الثاني محمد السعيد لتهدئة الأمور ،وتخفيف لهجة الخطاب، لكن القارئ بحياد لقرارات المؤتمر يحس أن تفجير داخلي حدث،كانت نتائجه وخيمة بعد سنوات.. و فيما يبدو كان الإصرار من بعض الأطراف على تحدي '' أعداء الداخل والخارج '' ، كان الواقع المكهرب يستدعي جميع المؤسسين، لدراسة وتقليب الأمر والاحتكام لقرارات مؤسسات الجبهة ،والاستماع لجميع ممثلي التيارات، لاسيما الرافضين لإضراب جوان لتقديم رؤاه ،وطرح حججهم وصياغة توصيات وقرارات ولوائح تعبر عن أفكار جميع الأطياف وتعكس توجهاتهم، بغية احتواء الموقف ،وليس التشكيك وفقط ،شخصيا ذهلت حين وقفت على قرارات المؤتمر ..مثل تكوين لجنة للتحقيق مع أعضاء مجلس الشورى ، تجميد عضوية عدد من أعضاء الشورى، الذين أبدو مواقف مخالفة للاضطراب اللامحدود فهذه القرارات ساهمت في المزيد من الانشقاق ، وبدل أن يحقق المؤتمر والمجلس الشورى قبل هذا مع الأقلية باعتبارها خالفت ( كما يقول المؤسسون) قرارات مجلس الشورى وجرت الجبهة الإسلامية إلى إضراب مفتوح فصدام مع النظام... جرى في مؤتمر الوفاء بباتنة تثبيتها مع عباسي وعلي بلحاج كقيادة لجبهة الإنقاذ.

    حينما تجمد مثلا عضوية رجل مثل السعيد مخلوفي ، نضعه بين كماشة الجبهة والسلطة ،أحداهما تشكك فيه، والأخرى تتهمه بالتطرف ، في حين أن الضابط المنشق أحمد شوشان ،يقول في إحدى كتاباته بعدها بسنوات ،أن الرجل اظهر بداية الأزمة في اتصالاته به وهو فار، تعقله وأمله في حل سياسي،دون إراقة دماء،واثبت الواقع صدق تلك الرؤى بشأن مخلوفي الذي رفض أساليب الجيا،والذي ذهب ضحية لها.... في المؤتمر كان يجب التصالح داخليا ، ثم الدعوة لمصالحة عاجلة مع السلطة ، تطييبا لخواطر مراكز القرار، وبالمقابل طلب تعويضات وتسوية مخلفات الإضراب..لاسيما وان المؤتمر جرى في ضروف عادية جدا ولم يعتقل أي قيادي ولم يلاحظ أي انتشار'' القبعات الزرق''حسب تقرير لأسبوعية النور، ودعوة مناضلي الجبهة الصبر على الأذى، وعدم الرد على العنف بالعنف( مع قراءة عميقة لتجربة الإخوان في مصر) لتضييق الهوة بصرف النظر عن المطلب التقليدي يومها ( إطلاق سراح قيادة الإنقاذ) الذي كان تحصيل حاصل لمصالحة مع السلطة...

    التشتت السياسي والمسلح

    جناح '' القيادة التاريخية'' بعد أن يحرز نصرا في الانتخابات26ديسمبر 1991، التي شهدت حملة انتخابية عنيفة مع أنصار جبهة التحرير(..) وبعد وقف المسار الانتخابي ، تسكن داخله فوضى وزعزعة ،وتتفرخ عناصر منه ما اعتقلت ،وأخرى التحقت بالعمل المسلح ، وأخرى فرت إلى الخارج ، وهذا الافتراق ''المكاني'' الاضطراري إلى جانب المرجعيات الفكرية المتباينة، سيؤثر بالسلب على تلاحم هذا التيار ويخلف ثلاث كتل، جد متصارعة تتبادل الاتهامات عبر بياناتها خلال سنوات (1993/1994/1995 ...) ويولد مع الزمن و مستجداته، والتطورات السياسية والأمنية المزيد من الاحتقان ،والمزيد التشكيلات المنشطرة التي تتخذ فكرا وتوجهات مستقلة ، فالعناصر التي سجنت كالمرحوم عبد القادر حشاني ، وقمازي ، وجدي ، وبوخمخم ،و آخرون بالخارج ومراد دهينة ،والزاوي ،وهدام، وحتى بعض ممن التحق بالجماعة المسلحة وقتل على يد عناصرها كمحمد السعيد وعبد الرزاق رجام ، التحموا معا أول الأمر ،ليقرون بالقيادة التاريخية لجبهة الإنقاذ، ممثلة في عباسي وبلحاج ،متمسكون بحوار جدي مع السلطة دون إقصاء ،ولكن دائما ''بشرط موافقة وتزكية القيادة التاريخية'' ،وهم متمسكون بمختلف مطالبهم التقليدية ، غير أن موقفهم من استخدام العنف والجماعات المسلحة بدا غامضا نسبيا (كما يقول المتتبعون) بل أن مدني مزراق يقول بعظمة لسانه (القيادة المسماة بالتاريخية قبلت ان تكون جزء من الجيا رسميا وبذوبان الجبهة في هذا التنظيم الذي نصب عباسي وبلحاج في مجلسه للشورى ولم نسمع أحدا لا بوخمخم ولا قمازي ولا جدي يندد بذوبان الفيس في الجيا) وانفض وانشق عن هذا التيار عناصر في القيادات الوطنية والمحلية بالخصوص( صنعت نصر ديسمبر) أخرى منها من التحق بفيصل مسلح ( الجماعة المسلحة ) التي أسست في لقاء الوحدة ،وبوأت عباسي وبلحاج ،مقاعد في مجلسها الشوري ، ثم أسست حكومة الخلافة ''المزعومة'' في جويلية 1994 ، ومنحت أنور هدام الذي شكك يومها في الأمر ''وزارة الخارجية'' ،فيما أعطت احمد الزاوي وزارة الإغاثة!! ، ثم سرعان ما تبرأت الجيا التي ستبقى تاريخا أسودا في تاريخ الحركات المسلحة( لا أقول الإسلامية) بدمويتها ،وتركيبتها المشبوهة... من العمل السياسي والجبهة الإسلامية وأخذ تكفر قادتها ، وبدأ قادتها في تصفية كل من يظهر طموحات أو اتجاهات سياسية ، ويقال أن نحو من 400 عنصر من جبهة الإنقاذ والجزارة تمت تصفيتهم على يد السفاح جمال زيتوني وخليفته زوابري منتصف التسعينيات ، مما جعل هذا الفصيل بدوره يتعرض لانشقاق ما سمي بالجماعة السلفية...

    فيما أسست بعض العناصر المحسوبة على الفيس في الشرق والغرب والوسط بدرجة اقل.. ما سمي بالجيش الإسلامي للإنقاذ، وادعت بدورها أن القيادة التاريخية تبارك مولودها الجديد ..،والملاحظ أن جل بيانات هذا التنظيم يتصدرها اسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ ،وبعد أن تم حل هذا التنظيم تبرأ كثير من عناصره من أميره مدني مزراق، الذي دخل مبكرا بدوره في خلافات وحتى بعد نزوله أيضا.. مع جماعة العاصمة ( جدي ،بوخمخم ، علي بلحاج ،عباسي مدني) حيث اتهم مدني مزراق في رسالة سرية مؤرخة في 12/07/1995 لعباسي مدني ونائبه بلحاج ،كشف عنها ونشرتها جريدة اليوم بتاريخ 05/08/2001 اتهم فيها جماعة جدي بالتزامهم الصمت طوال الأزمة الدموية، وعدم إسهامهم في إيجاد حل ومما جاء في الرسالة قوله ( أن التجاوزات التي تسمعون عنها حقيقة مرة وواقع معيش ، بل أن الأمور تطورت لتصبح بعض الجماعات ،التي ترفع راية الجهاد زورا ،تفوق في انحرافها وضلالتها واعتداءاتها وجرأتها على شرع الله تفوق الفرق الضالة التي نقرأ عنها في كتب التاريخ كالخوارج ...والمؤلم أنا إخواننا المفرج عنه يعلمون ذالك يقينا ولم يحركوا ساكنا ولم يقروا معروفا ، أو ينكروا منكرا ، ربما لأنهم يخافون من السلطة ،ومن كل ما يملك السلاح ...)

    وبعد نزوله من الجبل بمعية جنده سنة 2000 م،بعد هدنة أحادية ومفاوضات أجرها مع جهاز الاستخبارات العسكرية، حصل بموجبها كما يقول بمفرده، ودون علم جنده ، على اتفاق مكتوب يتضمن شق سياسي، يجيز تأسيس حزب جديد ، وكان الاتفاق مزراق محل خلاف ثم جفاء الى اليوم ،مع جماعة العاصمة خصوصا عباسي وبلحاج والمرحوم حشاني الذين ( رأوا أن مزراق تفاوض بشكل أحادي وأعطى للسلطة حسن السيرة والسلوك ،ولم يحصل على شيء..) وحين ركب مزراق رأسه بمعزل عن هؤلاء ،نفوا أن يكون للجبهة جناح أو ذراع مسلح ولو بشكل متأخر... وساهم إعلان هدنة الجيش الإسلامي للاتقاد سنة 1997 بعلم ومباركة الهيئة التنفيذية لرابح كبير ،(وبوخمخم ايضا) في وقف العمل المسلح ،وإعلان بوتفليقة عفو شامل عن العناصر المسلحة .

    سيتقاسم أمير الجيش الإسلامي ''المنحل'' خلال هذه الفترة التي اتهم فيها من طرف بعض قياداته بالاستيلاء على أموال التنظيم....طموحات مع جماعة الهيئة التنفيذية رابح كبير في الخارج جعفر الهواري ،كريم عدة ...ويبدي رغبته في التخلي عن شعار المطالبة والمغالبة، وتأسيس حزب جديد تحت مسمى أخر تبعا لاتفاقه مع المؤسسة الاستخبارتية، وخلال هذه الفترة أيضا يكون كثير من مناضلي الجبهة الإسلامية، والجماعة السلفية الأقل تطرفا، لاسيما العائدين من الجبال، طلقوا العمل الحزبي إلى غير رجعة ، وكثير منهم تأثر واعتنق الأفكار السلفية العلمية ، بعد أن وقفوا فيما يبدو على صدق توجيهات و فتاوي علماء الحجاز والمشرق( عبد العزيز بن باز ،العثيمين، الألباني) ، و بعد أن رأوا خلال السنوات الأخيرة أن الخلافات الحزبية، لا تزال تصنع اليوميات السياسية ، لقادة،الأحزاب الإسلامية بما فيها الفيس قادة قطعوا اليمين على تأسيس ( الدولة الإسلامية العادلة)!! ،وبعد أن شاهدو بأم أعينهم أن أنصارا كثيرين في مسيرات ومسيرة الجبهة الإسلامية ،كانوا في الحقيقة مجرد غثاء وزبد ....

    وعلى ذكر الهيئة التنفيذية في الخارج ، فقد ظلت على خلاف سياسي حاد منتصف التسعينيات مع المجلس التنسيقي للجبهة بقيادة احمد الزاوي الرجل الذي ظل مطاردا في أوروبا.. ،والهيئة البرلمانية بزعامة أنور هدام بشان آليات الحل السياسي، والخروج من الأزمة وتترجم ذالك ما كان يصدر عن نشرية الرباط في ألمانيا التي تصدرها هيئة رابح كبير، والتي اخدت بشدة على عباسي مدني سنة 2003 عدم إعلامها بمبادرته ، ووعباسي كأنه رد الصاع ،بعد أن تسترت الهيئة التنفيذية عن مفاوضات جيش الإنقاذ مع جهاز الجنرال محمد مدين ونائبه الراحل إسماعيل العماري، ورفضت إشراك قيادة الجبهة رغم أن جيش الإنقاذ كما ذكرنا ،كان يفتتح بياناته باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ !!

    وتجدر الإشارة إلى أن قيادة الإنقاذ انقسمت أيضا خلال الفترة التي أعقبت توقيف المسار الانتخابي ،فيما يخص المشاركة في الاجتماعات التي عقدتها أحزاب المعارضة الفاعلة في روما في جانفي 1995( ،الافلان ،العمال ،النهضة...) والتي خرجت بأرضية مطالب سياسية أهمها ،وقف تجاوزات مصالح الأمن ،ووقف تسليح المدنيين ، ورفض العنف بجميع إشكاله... والتي اعتبرتها السلطة يومها ( لا حدث) ..وفيما شارك انور هدام وعبد الكريم عدة وهما الأقرب نسبيا من توجهات رابح كبير السياسية، فان عباسي مدني حسب علي يحي عبد النور ممثل الربطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ( رفض مشاركة الجبهة الإسلامية بينما زكاها علي بلحاج ) فيما صرح جاب الله لحصة زيارة خاصة بقناة الجزيرة في اوث 2005 ( رفض عباسي وبلحاج التوقيع على عقد روما بالاظافة لتوقيع أنور هدام وعبد الكريم مما ساهم في فشل الوساطة التي كلفته بها مجموعة العقد الوطني كما يقول لنقل مضمونه إلى اليامين زروال الذي رفض استقباله...)

    قيادات الخارج ،وصراع الشرعية التمثيلية

    أما طبعة الخلاف الثانية فتركزت بالأساس في الخارج، ،داخل الجناح السياسي الذي قاد جبهة الإنقاذ للفوز،الذي يمثل مؤسسات جبهة الإنقاذ ، الذي تمسك بالمغالبة والمناطحة حتى داخل التكتل الواحد ! وانطبق عليه القول( إن التطرف في الاتجاه يكون دائما ضد الرفقاء في نفس الاتجاه) وتركز بين جماعة مراد دهينة والزاوي الذي يرأس المجلس التنسيقي للجبهة ،ورئيس البعثة البرلمانية أنور هدام من جهة ، وبين جماعة رابح كبير رئيس الهيئة التنفيذية لجبهة الاتقاد، جعفر الهواري ،عبد الكريم ولد عدة، وقمر الدين خربان ، بونوة من جهة أخرى، وهي الهيئة التي تأسست في عاصمة تيرانا عاصمة البانيا سنة1993 وكل طرف له مؤيديه في الداخل ،مراد دهينه له أتباع جماعة العاصمة قمازي ،جدي ، وربما عباسي وبلحاج ، ورابح كبير مؤيده بالأساس قيادة جيش الإنقاذ مصطفى كبير ،ومدني ومزراق ، وتركز الصراع خلال سنة 2002 حول ،مشروعية المؤتمر الجبهة الذي نظمه ، ولعب فيه الدور المحوري واعد لوائحه ،ودعا إليه مراد دهينة في بروكسل ، حيث كانت ترى جماعته أنها حصلت على تزكية الشيخين وان المؤتمر '' ضرورة ملحة لإعادة تنظيم وهيكلة صفوف الجبهة الإسلامية ،لمواجهة الرهانات والتحديات الداخلية والخارجية'' فيما كانت الهيئة التنفيذية ترى أن هيئتها الوحيدة التي تملك الشرعية للبث في الأمر، وأنها رافضة لعقد المؤتمر مبدئيا ، ووصل الصراع لحد التراشق وتبادل الاتهامات والأوصاف الشنيعة في وسائل الإعلام بين تيار رابح كبير ومراد دهينة(....) وظهر ذالك بارزا من خلال العرض الذي قدمته عدد من الصحف الجزائرية في حوراتها مع أقطاب الصراع في الجبهة وجهات نظرهم... وتحاكم كل ذي طرف الى الشيخين كالعادة... على سبيل المثال عبد القادر بوخمخم الذي ظل يتقلب مند هدنة مزراق يوما مع جماعة كبير ومزراق ثم نراه في السنوات الأخيرة، بعد ان أخلفت السلطة وعدها بتنفيذ الشق السياسي لاتفاق الهدنة ... يقفز في دائرة جماعة العاصمة ،قال في الحين( ان المؤتمر اندفاع غير مدروس وتصفية حسابات وان القائمين عليه يريدون إشعال الفتنة والتشويش على العاملين الأوفياء) أما كما قمازي فمن تصريحاته نقتبس( الاجتماع يجمع ولا يفرق الإخوة سيجتمعون في الخارج ولن يتفرقوا والمؤتمر سيكون فرصة لتجديد النصوص والرجال)

    وانعقد المؤتمر الذي لم تحضره جماعة كبير الذي وصف المؤتمر '' ان مؤتمر بلجيكا لا يختلف عن مؤتمر الجيا ،وانه اذا كان لقاء فلابد ان يتم على ارض الجزائر....'' هذا في وقت كان الرجل يترقب ويدعم مسعى المصالحة الذي اعلنه رئيس الجمهورية....، وما لبثت جماعة كمال قمازي بالعاصمة التي كانت متحمسة للمؤتمر مند أيام حشاني، (صاحب الفكرة ومؤسس لجنة تحضير المؤتمر والذي أخد المؤتمر اسمه) أن تراجعت عن دعمها للمؤتمر بعد اقل من شهر من انعقاده وقال قمازي بصريح العبارة '' مؤتمر بروكسل خطا سياسي فادح سواء في الحضور أو النتائج '' ، ولما سأل عن التزكية التي منحها الشيخان عباسي وبلحاج للمؤتمر قال ( نرفض إقحام شيوخ الجبهة في هذه المسائل وهما مازالا رهينين في أيدي النظام ) ، وفي بيان موقع مع زميله علي جدي نراهما يتبرأن مما سماه بالحرف الواحد '' إن ما قررته هذه الزمرة القليلة التي لا تعرف حتى بأسماء أفرادها لا يلزم أحدا غيرها...حتى وان استعملت رسالة باسم عباسي مدني ، ونتبرأ من أي مسؤولية عما يمكن أن يصدر عن تلك الخلية السرية المجهولة التي قيل أنها نصبت نفسها على رأس الجبهة الإسلامية للإنقاذ ...'' وتبدو الإشارة واضحة لرئيس المكتب التنفيذي المنبثق عن المؤتمر الدكتور مراد دهينة الذي لم يكن يوما باعترافه عضوا أو مناضلا بالجبهة إذ غادر البلاد إلى الخارج سنة 1987 ، ولكن الغريب في جماعة'' القيادة التاريخية'' التي تحمست للمؤتمر ثم تبرأت منه ،أن زعيمهم عباسي مدني بارك المؤتمر مرتين بالرسالة المشار إليها ،وبرسالة ثانية مؤرخة يوم 20/08/2002 يقول فيها'' إن مؤتمر الخارج انجاز تاريخي والمعارضون غير مخولين للطعن في مصداقيته''.

    والمؤتمر بالمناسبة رغم قوة الطرح ،والعمل الذي سعى إليه دهينة وزملائه لجعل الجبهة حزب ''مؤسسات''، حقق حضور قليل واستشارة متسرعة ، وقام بحل جميع هيئات الممثلة للحزب المنحل بالخارج ... وبعد اقل من شهر قرر دهينة نفسه الذي اعد لوائح المؤتمر،وكان له حضور سياسي وإعلامي وتنظيمي مؤثر حل هيئاته ، بسبب ما أسماه ( المشيخة)...وصرح بعد سنوات ( الذي دفعني للاستقالة من المكتب التنفيذي للجبهة هو الوضع التنظيمي المضطرب وملاحظتي عدم استعداد العملي لدى كثير من قيادات هذا الحزب لإصلاح الأوضاع فالمشكلة عائدة إلى غياب تقاليد التسيير والمحاسبة ) وهذا ما اعتبرته جماعة كبير فشلا ،وانظم دهينة لجبهة سياسية وطنية معارضة سلمية تدعو لتغيير النظام ، تتكون من الضباط الفارين والدبلوماسيين وكافة الشخصيات المعارضة للنظام تعرف باسم حركة رشاد

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''  Empty رد: في الذكرى العشرين لاعتماد '' الجبهة الإسلامية للإنقاذ ''

    مُساهمة  Admin الأربعاء 10 أغسطس 2011 - 18:55

    مع الحل السياسي ، لا تنديد بالعنف !

    محطة الصراع الأخيرة التي أثبتت أن عودة جبهة الإنقاذ بشكلها، وحجمها، ومنهجها القديم ضرب من المستحيل ،حتى وان أيدت السلطة التي تصر أن ( ملف الفيس أغلق) عودتها هذا المحطة تزامنت مع اقرار ميثاق السلم والمصالحة مع سنة 2004/2005...لإنهاء الأزمة ،والذي أتى على ما تبقى من بيت الفيس ،جماعة دهينة التي أصبحت تتكلم بشكل فردي دون تنسيق غير منظم ، فعباسي يصرح لوسائل الإعلام كما يشاء ،دهينة يعبر عن وجهة نظر حركة رشاد ،علي بلحاج أصبح له هيئة إعلامية كحزب تماما، يعبر عن مواقف فردية ، يستطيع أي كاتب أو شخصية التعبير عنها ، داخل أطر قانونية ، بقايا هذا التيار رفض الميثاق ووصفه عباسي يومها''بالنفاق''، وأوضح زملائه انه فيه ظلم ،لاسيما حين حمل مسؤولية الأزمة لطرف واحد ، ومنع على قادة الإنقاذ ممارسة السياسة ، ولكن رغم صحة وجهة نظر هذا التيار فيما يخص الميثاق الذي عالج مخلفات الأزمة وفق نظرة أحادية ، وبجرعات استئصالية لم تخفى على كثير من المتتبعين المحايدين، فيها كثيرمن الزيف والمغالطات ،وهظم حقوق الضحايا لاسيما المفقودين في معرفة مصير ذويهم، كما تقول كثير من الشخصيات الوطنية كمهري وايت احمد.


    إلا أن اتجاه عباسي لم يعبر في الحقيقة عن وجهة نظره الصريحة ،فيما يخص آليات إنهاء العنف ووقف العمل المسلح، ولو بدعوة للعناصر المسلحة لوضع السلاح ،وبقي يعيش التناقض والحيرة،ففي الوقت يرفض فيه إدانة أعمال الإرهاب ، ويرى أن هذا يخدم النظام ، (رغم أن أطراف في النظام، كانت تشملها الإدانة بشكل غير مباشر...) في نفس الوقت وبغرابة يتمسك بإلزامية الحل السياسي الشامل، وهي كلمة حق ولكن كان يجب تسبقها مواقف، وعملية بناء الثقة ،بعيدا عن مطالبه التقليدية التي لا تقدم حلولا للوضع الأمني... جماعة عباسي ترى أن الحل يجب أن يكون سياسيا شاملا ( احترام الدستور ،الفصل بين السلطات ، إجراء انتخابات نزيهة ،التداول السلمي على السلطة) وهو ما تقول به شخصيات تاريخية ثقيلة مثل مهري وايت احمد مند عشر سنوات ودفعت لذالك ثمن حصار سياسي وإعلامي....، وهذا التيار يدعو لعودة جبهة الإنقاذ ، ولا يملك رؤية أو قوة أو آلية فعالة لإقناع الجماعات المسلحة التي ترفض الحلول السياسية ولو كانت شاملة وتكفر الفيس....حتى أن جماعة مراد دهينة التي كانت تتحرك بتزكية من ''الشيخين'' و التي نظمت مؤتمر بلجيكا في اوث 2002 ،أعلنت في إحدى توصيات وقرارات المؤتمر حسبما ذكرته ( صحيفة عمومية) رفضها لما أسمته العنف العشوائي ،لكنها أقرت'' مبدأ الجهاد في حالة الدفاع عن النفس'' وهي عبارة مطاطية ،غامضة، وأعطت طرف شرعية استمرار العمل المسلح..كما منحت طرف اخر نقاط مجانية ودليل على صدق اتهاماته لجبهة الإنقاذ بتأيد ودعم العنف، لقد علقت تلك الصحيفة بقولها( أن هذا تبني للعمليات الإرهابية....)على اية حال هذا التيار كباقي تيارت المعارضة الفاعلة رفض تزكية أي مرشح للانتخابات الرئاسية مرتين..

    جبهة إنقاذ ، أم جبهة بوتفليقة ؟

    أما الطرف المناوئ الذي يتزعمه رابح كبير مضى في الانبطاح ما شاء ، والانفراد بالقرارات ، ، فقد أيد الميثاق، وروج له مع مدني مزراق دون التحقق من تطبيقه ،ومعالجة كل ملفات الأزمة، وقام بتزكية بوتفليقة لعهدة ثانية 2004 (أملا في منحه فرصة أخرى للانتقال من الوئام للمصالحة...) وعلى ذكر مدني مزراق فقد تسابق بمفرده بعيدا عن الجبهة الإسلامية لإصدار بيان مساندة لبوتفليقة بتاريخ 03/04/2004 ومما جاء فيه ( لقد كان لبوتفليقة الشجاعة والجرأة والشرف في تبني خيار المصالحة وإعطاء الهدنة بعدا سياسيا وقانونيا ،مهد للوئام وتصالح بين الجزائريين يقضي على جذور الأزمة وأثارها ويؤسس للعيش في عزة وكرامة داخل الوطن ) والملاحظ أن هذه لغة بعيدة عن لغة عباسي ، و تناقض جذريا موقف علي بلحاج ،ولا تتطابق مع كثير من طروحات العديد من قادت تيارات الإنقاذ... وفي تجمع شعبي يوم 26/09/2005 خصص لترويج ميثاق السلم قال مدني مزراق بالحرف الواحد '' وقوفه إلى جانب السلطة حتى وان حكمها الارندي''

    وهو نفس موقف السلفيين المؤسسين ''جماعة العاصمة'' ، الذي يتباين مع موقف السلفين المؤسسين ''جماعة الشرق'' الذين قاموا بتزكية بن فليس كما أسلفنا ،ونزل ربح كبير الى العاصمة رفقة فريقه سبتمبر 2006،وكان مما صرح به انه '' لا يريد دولة طالبان في الجزائر'' ، ودعا عكس التيار المناوئ له المتحفظ المسلحين في الجبال ''إلى وضع السلاح والثقة بالسلطات'' ، وخلال الندوة الصحفية 18/09/2006 التي عقدها بالعاصمة ابدي نيته في تشكيل حزب سياسي خارج إطار الجبهة الإسلامية وفي إشارة مميزة قال ( جئنا بروح طيبة لنصحح الأفكار وان الوقت لم يعد لاحتكار الإسلام )، ويدعو السلطات مع مدني مزراق لتأسيس حزب جديد ، وفي ندوة صحفية ثانية يوم 29/10/2006 أعلن رابح كبير بمعية كرطالي ومزراق ومصطفى كبير ( معارضته لقيام دولة دينية وان أسلوبه في العمل السياسي تطور) وقال بصريح العبارة ( حتى لو وافقت السلطات على عودة الجبهة الإسلامية سأرفض فالجبهة تجربة آدت ما عليها وانتهت ولا يمكن استنساخ تجربة مماثلة ) ولم سأل عن علي بلحاج قال ( أخونا ونحبه لكن نختلف معه سياسيا) ولكن بعدها تبخر المشروع ،بحيث تحدثت بعض الصحف عن خلافات بين كبير ومدني، الذي كان يدفع بعناصر الفيس وهو نفسه للمشاركة في الانتخابات التشريعية 2007 في قوائم حزبية وسابقا أعلن دعمه ما سماه ''لشرفاء الافلان'' وقد كان في صراع شديد مع أنصارهم بجيجل بداية التسعينات... وكان عدد من قيادات ومناضلي جبهة الإنقاذ ترشحوا في انتخابات 2002 في قوائم النهضة والإصلاح لكن وزير الداخلية زرهوني قام بإسقاط أسمائهم ، وفي اكتوبر2005 كان مدني مزراق وهو يزور قطر ،حسبما صرح للصحافة يأمل '' مشاركة قياديين في الفيس في حكومة مقبلة التي كان يجري الحديث بشأنها في الأوساط السياسية والإعلامية ، وخلال سنة 2006 كان الحديث يجري بقوة عن ترشح مدني وعدد من قيادة جيش الانقاذ ، في الانتخابات التشريعية على قوائم جبهة الوفاق الوطني لكن حدث خلاف بينه وبين رئيس هذا الحزب علي بوخزنة...،وحين فشلت جميع خطابات الغزل السياسي ذهب مدني بعيدا حين أعلن في نهاية مارس 2007 بدوره عن التحضير لمؤتمر تحسبا لتأسيس حزب سياسي، قال انه قريب من الجبهة من حيث معانيه وبعض رجاله ولكن بعيد من حيث التسمية ،و يكون مطعما بوطنيين وان السلطة على علم من المشروع ، قبل سنتين لكن تراجع عن إطلاقه مؤقتا ( نزولا عند رغبة رجال في النظام) ، ،وقد يعزى الخلاف في الأخير بسبب من له حق القيادة لسياسي ظل يتبختر، ويتقعر في كبرى العواصم الأوربية ،أم لأمير جيش ''مزعوم'' محل رضى الاستخبارات ، حيث أثبت الواقع أن أهم الأسباب التي ساهمت في تصدع الأحزاب الإسلامية في السنوات الأخيرة في الجزائر التطاحن على الإمارة التي نصت السنة على أنها لا تعطى لطالبها ،واستحسنت الأحاديث الشريفة على وجوب تركها...

    الحقيقة فيما جرى إن زيارة رابح كبير وتصريحاته ، وتزكيته بمعية مدني وقادة آخرون لعهدة ثانية لبوتفليقة ،وهو ما فعله جناح من حركة النهضة سنة 1999 وتسبب في انشقاقها.. ،زاد الشرخ بين قيادة الإنقاذ ،ولا يستبعد أن مراكز القرار استدرجت مدني وكبير واتباعهما لتأييد مشروع الرئيس مشروع المصالحة وفتح لهما مساحات إعلامية وسياسية محدودة للتعبير أو بعبارة أدق التلاعب بهما، نظير عهود شفوية غير مباشرة ،بإمكانية (الموافقة على حزب جديد) تبعا لما أصطلح عليه (الشق السياسي في الهدنة) فيما كانت جماعة جدي وعلي بلحاج وعباسي فيما يبدو رافضة لتأسيس مثل هاته الكيانات الجديدة المنسلخة عن الجبهة ،ومما قاله بوخمخم في تصريح صحفي ( ليس من حق مزراق أن يؤسس حزبا باسم الفيس ، وان مزراق لم يكن يوما على نفس الخط مع قيادة الفيس حتى يخرج منها ) ورأت جماعته أن هناك طبخة يعد لها كبير مع السلطة على ظهر الجبهة الإسلامية للإنقاذ .

    صحيح أن إحداث مرجعات ،والتخلي عن منطق المغالبة التدميري ،شيء ايجابي غير أن التخلي عن الأفكار المتشددة ،لا يلزم بالضرورة ،تأييد مشاريع غامضة والارتماء في أحضان سلطة ،لا تتكلم الحقيقة ،لا تقدم الحلول العادلة اللازمة الأمنية، وحقوق الضحايا ، مع التخلي مطلقا عن المعارضة السياسية السلمية ، التي تطالب ،وتناضل، وتحاجج النظام ،وتجعل بذكاء سياسي ''النص الدستوري'' ،بما يكفل من حرية ،وعدالة ، وحقوق وقواعد، حجة على السلطة ، دون أن تلجأ لأساليب التهديد ، أو تسقط في دائرة الاستفزاز المبرمج ، أو الدعوة لمحاكمة النظام ،بشكل فضفاض عمومي، يؤجج الشارع ، ويدفع به للاصطدام مع ،قوات الأمن في حلقة دموية مفرغة.... وهذا الفخ الذي سقطت فيه زعامات الإنقاذ يوم تأسيسها...وفي هذا السياق أكاد أجزم أن حركة النهضة بخطابها، ونشاطها ،طوال الأزمة الجزائرية، أوشكت أن تظل الحزب الإسلامي المثالي التي رفض التشدد و العنف في العمل السياسي، بالتوازي مع التمسك بمعارضة فعلية ورفض مباركة مشاريع السلطة ، لولا ما حدث سنة 1999، من انقلاب فجائي،وانبطاح نظير مناصب وزارية ودبلوماسية... والقصة معروفة.

    مدني مزراق ، أنور هدام ،واللاعودة

    وخلال هذه الفترة نجد مدني مزراق يعبر عن أفكاره، ويجدد اتهاماته في الرسالة السرية التي اشرنا إليها سنة 1995 لجماعة العاصمة،بعدم إيجاد حلول للازمة والالتزام بالصمت ففي جانفي 2007 صرح مزراق لصحيفة ''الخبر الأسبوعي'' وأطلق النار على تلك الجماعة بقوله( إن شيوخ الفيس أضاعوا فرصة تاريخية لإيقاف نزيف الدم عام 1994 ) و(أنهم لم يتمكنوا حتى من تحرير بيان ينددون فيه بالتجاوزات التي وقعت في تلك الفترة ) وكأنه يقول لهم مجددا، نيابة عن السلطة التي وعدته '' الحزب'' لا حق لكم في العمل السياسي، ورد بوخمخم عن تلك الاتهامات في نفس الصحيفة بقوله ( نشتم من تلك الأحكام الجزافية رائحة المكر والحقد والغش السياسي مثل قولهم إن للجبهة الإسلامية جناحا مسلحا ) مهددا في حواره بمقاضاة مدني مزراق ، ونحن بدورنا نشتم من تلك الاتهامات المتبادلة والألفاظ المستخدمة أن التهارش الذي يحدث بين بقايا حزب ،إنما يذكرنا بما قرأناه عن ما كان يجري من خلافات ،وصرعات طاحنة بين مختلف ممثلي الأجنحة المنشقة في الأحزاب ''الستالينية'' خلال الستينات والسبعينات في الوطن العربي، وتحديدا في العراق ،وسوريا ولبنان ،ومصر وأوربا الشرقية... وقبل هذا بما حدث داخل الأحزاب الإسلامية عندنا (النهضة ،الإصلاح ،وأخير حمس ) وصدق الشاعر احمد مطر حين مضى يقول في إحدى لافتاته الشهيرة التي تعجبني : أكثر الأشياء في بلدتنا /الأحزاب والفقر/ عندنا عشرة أحزاب ونصف الحزب/ في كل زقاق/ كلها يسعى إلى نبذ الشقاق/ كلها ينشق في الساعة شقين/ وينشق على الشقين شقان/ وينشق عن شقيهما/ من اجل تحقيق الوفاق!!.

    وفي جانفي 2007 أعلن أنور هدام رئيس البعثة البرلمانية من أمريكا، تأسيس تشكيلة جديدة اسماها ( حركة الحرية والعدالة الاجتماعية) ، وهي كما أعلن في الحين (فريق عمل سياسي تنشط انطلاقا من الجزائر وتسعى لتفعيل عملية المصالحة الوطنية وترقيتها للم شمل الشعب ودفن الأحقاد وطي صفحة الماضي وإخراج البلاد من أزمتها) وكان أنور هدام في حوار مع جريدة الخبر في 12/012/2006 قال بالحرف الواحد ( انه يريد تأسيس مشروع سياسي يمييزنا عن الجبهة ولا ننتظر ضوءا اخضر من قيادتها للتحرك) وحين يقول يمييزنا نفهم تيار البناء الحضاري الذي ينتمي اليه ، واصدر أنور هدام عدد من البيانات باسم حركته الجديدة ... ونذكر أيضا انه خلال السنوات الأخيرة كانت لقادة الاتجاه الحضاري عدة كتابات ، فيه نوع من العتاب واللوم لمنهج وخطاب عباسي مدني وجماعته، في إدارة الأزمة لاسيما منظر التيار،الأستاذ عبد العزيز شوحة الذي كانت له مساهمات يقول في إحدى كتاباته( إن الشيخ عباسي مدني عن غير قصد أقحم الجماعة في ميدان العمل السياسي والمواجهة مع السلطة بعد أن كانت الجماعة تعول على العمل النخبوي والفكري والاجتماعي دون الصدام مع السلطة ، وفيما يلي مقطع من مقال لنفس الكاتب كتبه عن مواقف زعماء الفيس المنحل من الجزارة ( محمد السعيد لم يكن متحمسا للعمل السياسي وقد ذهب ضحية حماقات الشباب المتحمس الذين أقحموه في تبني مواقف الفيس ، أولئك الذين افسدوا على الناس دينهم ودنياهم ...ومشروع الجبهة الإسلامية كان ثورة فوضوية فاشلة ، صحيح أنها وقفت في وجه التيار التغريبي ولكنها حرفت الحركة الإسلامية في الجزائر عن مسارها الحضاري وأقحمتها الميدان السياسي دون قواعد وسلوكيات العمل السياسي وما يتطلبه من أناة وتريث ودبلوماسية وقدرة على المناورة وتتجنب الارتجال ....) يدعو الأستاذ رجال تيار البناء الحضاري لترك ( ساحة الدجل السياسي والعودة إلى مواقعهم لاستمرار رسالتهم في البناء الحضاري للمجتمع الجزائري)

    التعصب الحزبي ، المغالبة ، والمنطق التدميري

    من خلال تتبعنا لمجرى الصراع بين قادة الصف الأول في الجبهة الإسلامية ، نرى مدى التلاعب والاستخفاف بعواطف المناضلين البسطاء ،الذين كانوا يأملوا في دولة عادلة على الأقل ، يحييدون بها على الأقل سطوة النظام الأحادي الذي سلب حقوقهم ، و سطا على مبادئ ومغانم ثورتهم المجيدة(نوفمبر54 ) ،الآن فوق بقايا الأنقاض، نتساءل لم تصر بعض القيادات بفكرها الأول ،وأدواتها النضالية القديمة تحقيق'' مشروع الدولة الإسلامية '' كما بدأ أول مرة ،ولكن فوق حطام جبهة الإنقاذ ذاتها، بالتعويل على الرعاع والتحاكم إلى '' غثاء السيل'' بعد أن عجزت في السنين الأخيرة عن نشر خطابها ومشروعها، والدعوة إليه مجددا ، بوسطية ولغة جديدة مؤثرة ، من منبر مسجد، أو منتدى أو جمعية أو صحيفة، أمل كثير من هؤلاء العودة إلى المربع القديم ،وملاحقة السراب ، أليس منطق العقلاء ( والجزائر تحترق ،وتحترق...) الاعتراف بالأخطاء،وبحث سبل إيقاف الدماء ، ومحو أثار الكراهية والحقد ، الذي استوطن القلوب ، بسبب التعصب الحزبي الذي انتهى إلى الاقتتال....

    الملاحظ أن الصراع، انتقل تدريجيا من خلاف في وجهات النظر، بشان قضايا ،ثم إلى مناهج ووسائل وأهداف العمل السياسي ، نهاية بالانقسام والفراق ،والدعوة لتأسيس كيانات جديدة مستقلة عن الجبهة بما يعني الطلاق، والتي لا يمكن احد من القياديين نفيها أو القول بأنها تعبيرات فردية لا تهم جبهة الإنقاذ ،لأن المنشقين والخارجين، قادة الصف الأول كرابح كبير وانور هدام هم من قادوا جبهة الاتقاد للفوز المدوي الذي أرعب النظام بانتخابات 26/12/1991، ورابح كبير نفسه يرفض عودة الجبهة ، فيما كانت جماعة عباسي التي تناوئهم في السجون أو الخارج ، كما أن القائلين دائما لاسيما دائرة عباسي وبلحاج أن (الجبهة بخير،وان مثل هذه الخلافات ،والآراء ،تأكد التنوع الفكري) هم واهمون أو ( أن الحديث باسم الجبهة منوط بالقيادة التاريخية ) أو الإصرار بعد كل هذه الدماء التي أريقت والفتن التي اشتعلت والأحقاد والكراهية التي استوطنت قلوب المواطنين، على وقع التعصب الحزبي المقيت الذي يأباه علماء السلف والخلف ( أن الجبهة الإسلامية واقع شعبي وخط سياسي متجدر في المجتمع ،وان السلطة تدرك مدى شعبيتها وثبات قاعدتها وإطاراتها )، لا يؤمنون بسنن الحياة ، والآية القرآنية الكريمة التي تقول ( فلا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) .

    وأتحدى هؤلاء وأنا العبد الضعيف الذي يخط هذه السطور من قريتي الجبلية ،وقد عشت ادوار الصراع الدامي إلى اليوم على عتبة باب داري ،ولست متحزبا ، ولا سلفيا بالمفهوم المذهبي السائد هذه الأيام .. أتحدى أصحاب هذه الأطروحات الذين يريدون إرجاع عجلة التاريخ إلى الوراء ، أن يفتحوا مكتب واحد في أي بلدية أو قرية باسم جبهة الإنقاذ ،إن أعيد اعتمادها في الظروف الراهنة أو حتى بعد عشرين عاما.. فالقرى أفرغت وهناك تحول ديموجرافي في المدن شكله النزوح ،واتى على تغيير الدهنيات والأفكار والكثير من المواطنين المتضررين تأكدوا من عبثية العمل الحزبي في علاقاتهم مع الناس وتنحصر خيارات وطموحات الجيل الجديد من الشباب الذي كانت نشأته ،مع ولادة الفيس ( 1989/عشرون عاما/2009) ولا يعرف هؤلاء الكثير عن الحزب المغمور،ولا تغريهم السياسة بشيء ،فيما تنحصر أمالهم عموما في الاتجاه نحو التدين أو الاحتراف العسكري وإما التحصيل العلمي،فيما طغت مجريات'' الكرة'' على هامش اهتماماتهم، الذين باستطاعتهم أن يركبوا الموجة مجددا هم المجانيين والانتهازيين !

    يجب أن يستفاد من تجربة الإنقاذ أيما استفادة ،سواء على مستوى الحركة الإسلامية التي تحركت نحو الهاوية ،أو على مستوى الدعوة الإسلامية التي أجبرت على التراجع والانكماش حتى في معاقلها بالمساجد ،ذالك انه من أسباب مأساة الحركة والدعوة معا، التي انتهى بها إلى الانشقاق والخلاف والانكماش، التشدد والغلو ، حتى لا أقول التطرف ومنطق ( المغالبة ) التدميري الذي بعد أن صدم جبهة الانقاذ مع السلطة ، ودفع النظام للانتقام من بعض التشكيلات الإسلامية.. ،والدعوة على مستوى المساجد بطريقته ...أتى على بنيان الجبهة، فالنظام مهما بلغت مساوئه لم يعلن كفره ،ورجال السلطة رغم سياساتهم الفاسدة التي أهلكتنا دهرا ولا تزال ،يدعون تمسكهم الإسلام.. وليس المجتمع الجزائري بداية التسعينات أمام خصوم مشركون كما كان الحال مع بداية دعوة رسولنا الكريم ، وان كثير من الآيات القرآنية والفتاوى والنصوص الفقهية التي تصدرت خطب قادة الإنقاذ وكتاباتهم ، فيها إسفاف وابتذال وجهل بواقع الحال ،غطته العصبية الحزبية والعاطفة ، ثم غرفت من هذا القاموس وطبقته 'الجماعة المسلحة' التي ينحدر قسم من عناصرها من جبهة الإنقاذ ( احد قادة الجماعة السلفية التائبين في مدينة باتنة يقول مؤخرا أن يخلف شراطي قيادي في الفيس وراء فتاوي التكفير) تضمنت إسقاط خاطئ للوضع القائم ،فالعديد من المصطلحات المستخدمة ضد السلطة ، لم تكن بنفس المطابقة والتفسير الذي أعطي لها في القرآن الكريم ، وتوظيف فتاوي العلماء وتحديدا ابن تيمية ''المفترى عليه'' ، لا تساير واقع الحال، فقلت منطق المغالبة والتشدد الذي ترجمته مواقف ( إضراب مفتوح ، لا حوار إلا بموافقة القيادة الشرعية ، لا دعوة لإيقاف العمل المسلح إلا بحرية..) هو الذي أدى أولا إلى تفتت هذا الفصيل الإسلامي ، ودفع بعض القيادات في الجبهة إلى التراجع بعد ان وجدت باب العمل السياسي مغلق ،وفق المفردات والمبادئ التقليدية، ولكن كما قلت سابقا تراجعت هذه القيادات للأسف نحو الميوعة والانبطاح..ولم تتراجع الى الخطوط المعقولة في العمل السياسي.

    كل حزب بما لديهم فرحون...

    مراد دهينة دخل بيت حركة رشاد التي تندد بالإرهاب ،وتدعو إلى التغيير السلمي ، مدني مزراق تخلى عن العمل المسلح ، ولا يترك فرصة أو سانحة إلا ويطبل لحزب جديد بعد أن توفي صديقه إسماعيل العماري الذي وعده بتطبيق الشق سياسي من اتفاق الهدنة.. ربما لن يجد النصاب الكافي حتى لجمعيته التأسيسية ،بعد أن تبرأ معظم جنده منه تحديدا...عاد رابح كبير إلى مأمنه ومخبأه الوثير في ألمانيا ، في انتظار إشارات جديدة تصدرها السلطة في موعد زفاف جديدا لها ، جماعة العاصمة لا تتكلم ،إلا بإيعاز وموافقة عقدة( القيادة التاريخية) وظل عباسي مدني يردد من منفاه الاختياري، عبارات غير مفيدة، لا تقدم المأمول ( مازلت أجاهد ،أكافح بقلمي ، لا يمكن لأحد القضاء على جبهة الإنقاذ) !! ،كما ظل علي بلحاج يلاحق الأحداث بتنظيراته ،وتعليقاته ،التي لا تصنع له تميزا ولا مجدا ،بعد أن أصبح الكل في الجزائر يجيد القول ،ويحسن صياغة الاتهامات شرقا وغربا، والكل يغني على ليلاه...

    وهو لا يعي في الحقيقة أن الجزائر بعد أن غرقت في الدماء والفتن لا تحتاج إلى قلم ، لا يدبج بيان أو مبادرة توقف الدماء التي تنزف فورا ،ولا لقيادة الجبهة المتصارعة ، ولا أيضا لرجال النظام الذين تسببوا في المأساة(...) بل إلى جيل جديد ، ينشر السلم، ويقيم دولة العدالة، دولة المؤسسات ، ويبني البلاد بعيد عن التعصب والولاء الحزبي ،أو الاستبداد السلطوي،الذي يشجع الزبائينية والفساد ،فالذي تسبب في المأساة من هنا وهناك لن يجد أحدا يسمع له أو يصفق له أو يؤيده ، وليوظف في مشروعه الآيات القرآنية ما شاء أن يوظف ، وليظهر طائرا في الفضائيات ما شاء أن يظهر، وليعيد ترديد الشعارات من قبيل ( ياعلي ياعباس الجبهة راهي لباس )أو من جهة أخرى ( جزائر الكرامة والمصالحة) إلى إن يسمعه رواد الفضاء والذين يطمحون في تعمير المريخ في السنوات القادمة ، واني أشير في نهاية هذه الحلقات والله يشهد ما أردت الإساءة لشخص أو هيئة ، وقد ابتعدت عن التجريح والشتم والأحكام غير مسندة ، وأسندت جل تحليلي لتصريحات ومواقف وأقوال واضحة وموثقة.

    إني حاولت إنصافا للتاريخ ، تبصير المغفلين ، وتقديم النصح للعقلاء، والقول ( بان النظام المستبد الذي جثم على صدر الأمة منذ الاستقلال، لن يعفي بأية حال من الأحوال ، المسؤولية المشتركة معه لجبهة الإنقاذ عما حدث من مأساة..) ولله الأمر من قبل ومن بعد.

    (*) كاتب مستقل
    rabechani@yahoo.fr

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 7:57