" يقدم عبد الرحمن سعيدي، رئيس مجلس شورى حركة مجتمع السلم، قراءته للمشهد السياسي العام في الجزائر، قبيل أيام من ثاني موعد انتخابي في إطار الإصلاحات التي أطلقها الرئيس بوتفليقة، ويتحدث في هذا الحوار الذي جمعنا به عن مظاهر اليأس من الانتخابات وتجلياتها وأسبابها في الراهن السياسي الجزائري.
حاوره محمد سيدمو
ما هي قراءتكم للمشهد السياسي في الجزائر قبل أيام تفصلنا عن الانتخابات المحلية؟
نحن في حركة مجتمع السلم نؤمن إيمانا قوياً بالتغيير عن طريق الصندوق والمنهجية السلمية في ذلك ولا نتصور أن يكون التغيير بطريقة أخرى غير طريقة الصندوق الانتخابي، فيجب أن نعمل بكل الجهود السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية "حكومة وشعبا وأحزابا" من أجل إبقاء الانتخابات ذات مصداقية ومعبراً للإرادة الشعبية لإدارة شؤونها، ولكن مع مرور الوقت وصراع الإرادات المختلفة في الساحة السياسية وفي بعض مفاصل الدولة وعدم الاستفادة من تطور المجتمع، وزيادة حاجياته المختلفة، خاصة عند فئة الشباب والظروف السياسية التي تحيط بنا، خاصة عمليات التغيير التي تحدث في دول الجوار وانهيارات الأنظمة الشمولية فيها والتحديات المحدقة ببلدنا عوض أن نشهد وثبة انتخابية جادة نستوعب فيها كل التطورات المؤدية إلى تعميق الإصلاحات السياسية والاجتماعية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، خاصة أن الجزائر لها باع في ممارسة العملية الانتخابية والتعددية السياسية فنشهد تراجعا مخيفا يتجه نحو اليأس من الانتخابات كمنهجية مهمة في عملية التغيير، وهذا يؤدي بلا شك إلى انهيار العملية الانتخابية، حيث لا يستفيد أحد من هذا الوضع.
أين تتجلى مظاهر حالة اليأس من الانتخابات التي تتحدث عنها وما هي الأسباب العميقة لها برأيك؟
في نظري لقد أدت عوامل كثيرة لذلك، يجب أن نناقشها بهدوء دون تهريج ولا استعلاء، وفي مقدمتها العزوف الشعبي عن الانتخابات، بحيث صار عموم الناخبين لا يكترثون بالعملية الانتخابية، لأنها لا تحدث في نظرهم تغييرا في حياتهم اليومية، بل تشهد حياتهم السياسية والاجتماعية تدهوراً على مختلف الأصعدة، والمواطن في هذه المرة لم يغيره حتى الترشح وليس الانتخاب فقط.
لقد أُفرغت معظم الأحزاب من المضامين السياسية، لكي لا أقول البرامج والمشاريع السياسية والمقترحات، وما زاد في حدة التنافر بين الأحزاب والشارع الجزائري هو تمييع الساحة السياسية بأحزاب لا وجود لها في الشارع بالنضال السياسي بل بالاعتماد فقط، حيث صارت سجلاً تجاريا تفتح به دكاكين سياسية لحظة الاستحقاق، وما زاد الطين بلة هو التجوال السياسي للمنتخبين والمرشحين، حيث يترشح بعضهم في التشريعيات بلون سياسي معين ويترشح في المحليات بلون سياسي آخر، والسطحية في الخطاب السياسي لديها، لكي لا أقول التهريج السياسي وبعض الأحزاب نشاطها بيان صحفي أو ندوة صحفية يظهر غالبا فيها رئيس الحزب وحده فقط.
أما قانون الانتخابات الجديد الذي تحفظنا عليه لما تمّ عرضه في العهدة السابقة لم يكن في تطلعات الإصلاحات السياسية المرجوة، فهو يجسد الآلية والإجرائية ولا يجسد المشروع السياسي والفعالية السياسية المطلوبة في الانتخابات، منها إجراءات الرقابة الآلية ونسبة سبعة وخمسة بالمائة لدخول مرحلة الفوز ونسبة المرأة في كل البلديات، حيث كان إشراكها بناء على مقاربة سياسية وقانونية غير موضوعية، حيث نظر القانون للمرأة على أنها جنس يجب أن تعطي له مكانة دون النظر لوضعها السياسي والاجتماعي وللأعراف والتقاليد، والمهم في الأمر أنه لم يلتفت لقدرة المرأة الحالية وإرادتها في ممارسة العمل السياسي واستخف القانون بعملية التمرحل والتدرج في الإشراك السياسي التي اقترحناها ولا يمكن للقانون أن يتجاوز الأعراف وذلك لقوته في المجتمع وما فتوى الإباضية إلا دليل قوته أمام المنظور القانوني، فكل الأحزاب وجدت صعوبة مع هذه المقاربة السياسية في إعداد القوائم وإن تمكن الحزب من ذلك، فلننظر لمضمون المرأة في قائمته فكانت فيها عملية شحذ على حساب الانتقاء وحسن الاختيار.
لماذا صارت الإدارة المحلية لا تستهوي المترشحين؟
أعتقد أن ذلك يرجع بالأساس، إلى إفراغ قانوني البلديات والولاية من الصلاحيات والمهام المهمة، فصارت البلدية والولاية عبئا مخيفا وما صاحبها من عمليات التشهير والازدراء على مستوى الإعلام الخاص، مما جعل التفكير في البلدية هو تفكير في الجحيم والمتابعة القضائية لكثير من المنتخبين، فالبلدية صار حالها رجل في المعاناة ورجل أخرى في السجن، فالمنتخب صار بين ناريين كلاهما يحرق. أما العامل الآخر هو حجم الملف الإداري المطلوب الذي يكرس البيروقراطية ويتعب المرشح وكثير من القوائم أسقطت لنقص أو تأخر في توفير الملف وهناك شواهد على التمييز في التعامل مع استكمال الملفات حتى بعد الآجال القانونية. إضافة إلى إفلاس المجالس البلدية في معظم بلديات الوطن، مما صّعب من دخول الانتخابات المحلية. ومن بين الأسباب أيضا، استعلاء الإدارة وكأنها الجهة الوحيدة لإدراك مصلحة المواطن ورغبتها في أن ينتهي الأمر دائما عندها سواء في تنصيص القوانين والتشريعات أو الصلاحيات وأنها الجهة المخولة لتفسير القانون في مكان القضاء والمجلس الدستوري، وقد وقع هذا كثيرا مع اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات وكذلك مع الأحزاب المحتجة في الانتخابات.
المواطن بدوره صار لا يكترث بالانتخابات المحلية رغم ملامستها لواقعه اليومي.. هل بحثتم أسباب ذلك؟
تتحمل الأحزاب جزءا من المسؤولية، لأنها غالبها ما تنتقي من المرشحين من يدفع المواطن للعزوف، وينفره من الانتخابات والخطابات الانتخابية، التي صارت مثارا للسخرية بما تتسم به من ضحالة في الطرح السياسي والسطحية في التشخيص والوعود الخيالية وغياب الرؤية السياسية الواضحة والتهريج أحيانا وتمييع الفعل السياسي.
إلى جانب ذلك، أدت كثرة القوائم الانتخابية أمام الناخب، إلى جعله يبتعد ويتخلى عن حقه الدستوري، كما أن تشويه المنتخب المحلي والوطني بقصد إرباكه والتشكيك فيه عبر الحديث عن الأجور التي يتقاضاها والامتيازات والفساد والفضائح، ساهمت في إفساد الانتخابات، ودفعت الناخب للاعتقاد بأنه يساهم على إيجاد هذا الوضع السيء إن ذهب للتصويت.
وما زاد في انهيار العملية الانتخابية هو الصدمة السياسية التي أحدثتها تشريعيات ماي 2012، حيث بشر الرئيس بأهميتها حتى قرنها بالثورة التحررية في الفاتح من نوفمبر وأن السيادة الوطنية مهددة، وفي الأخير أحدثت الانتخابات إحباط سياسي عام فأنتجت ضعفا وتململا سياسيا في الساحة وتأخرت الحكومة عن الظهور وعند ظهورها زادت في التململ السياسي رغم وجود تشكيلات سياسية مختلفة فيها.
أضف إليها البرودة الإعلامية في تناول الانتخابات تزامنها مع الدخول الاجتماعي الصعب والمدرسي كذلك وإزالة الأسواق الفوضوية التي لها علاقة مباشرة مع البلديات، مما انعكس سلبا عليها.
أي شكل من المجالس المحلية ستنتج الانتخابات القادمة في ظل ما ذكرته من عوامل مثبطة تميز المشهد السياسي؟
كل هذه العوامل ستولد مجالس هزيلة وهزلية لا تقوى السلطة على تحريكها أو تفعيلها ولا تكون تمثيلية مع تدني المشاركة الانتخابية ولا يمكن إقحام المجالس في تحريك الشارع نحو قضايا وطنية هامة ومواجهة تحديات داخلية وخارجية، خاصة تحديات الساحل والتدخل الأجنبي فيه وتكون هذه المجالس ليست تابعا للإدارة بل عبئا سياسيا واجتماعيا عليها فتكون السلطة للأسف وحدها في مواجهات الصعوبات والتحديات مستقبلا، فأدركوا العملية الانتخابية قبل انهيارها.
حاوره محمد سيدمو
ما هي قراءتكم للمشهد السياسي في الجزائر قبل أيام تفصلنا عن الانتخابات المحلية؟
نحن في حركة مجتمع السلم نؤمن إيمانا قوياً بالتغيير عن طريق الصندوق والمنهجية السلمية في ذلك ولا نتصور أن يكون التغيير بطريقة أخرى غير طريقة الصندوق الانتخابي، فيجب أن نعمل بكل الجهود السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية "حكومة وشعبا وأحزابا" من أجل إبقاء الانتخابات ذات مصداقية ومعبراً للإرادة الشعبية لإدارة شؤونها، ولكن مع مرور الوقت وصراع الإرادات المختلفة في الساحة السياسية وفي بعض مفاصل الدولة وعدم الاستفادة من تطور المجتمع، وزيادة حاجياته المختلفة، خاصة عند فئة الشباب والظروف السياسية التي تحيط بنا، خاصة عمليات التغيير التي تحدث في دول الجوار وانهيارات الأنظمة الشمولية فيها والتحديات المحدقة ببلدنا عوض أن نشهد وثبة انتخابية جادة نستوعب فيها كل التطورات المؤدية إلى تعميق الإصلاحات السياسية والاجتماعية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، خاصة أن الجزائر لها باع في ممارسة العملية الانتخابية والتعددية السياسية فنشهد تراجعا مخيفا يتجه نحو اليأس من الانتخابات كمنهجية مهمة في عملية التغيير، وهذا يؤدي بلا شك إلى انهيار العملية الانتخابية، حيث لا يستفيد أحد من هذا الوضع.
أين تتجلى مظاهر حالة اليأس من الانتخابات التي تتحدث عنها وما هي الأسباب العميقة لها برأيك؟
في نظري لقد أدت عوامل كثيرة لذلك، يجب أن نناقشها بهدوء دون تهريج ولا استعلاء، وفي مقدمتها العزوف الشعبي عن الانتخابات، بحيث صار عموم الناخبين لا يكترثون بالعملية الانتخابية، لأنها لا تحدث في نظرهم تغييرا في حياتهم اليومية، بل تشهد حياتهم السياسية والاجتماعية تدهوراً على مختلف الأصعدة، والمواطن في هذه المرة لم يغيره حتى الترشح وليس الانتخاب فقط.
لقد أُفرغت معظم الأحزاب من المضامين السياسية، لكي لا أقول البرامج والمشاريع السياسية والمقترحات، وما زاد في حدة التنافر بين الأحزاب والشارع الجزائري هو تمييع الساحة السياسية بأحزاب لا وجود لها في الشارع بالنضال السياسي بل بالاعتماد فقط، حيث صارت سجلاً تجاريا تفتح به دكاكين سياسية لحظة الاستحقاق، وما زاد الطين بلة هو التجوال السياسي للمنتخبين والمرشحين، حيث يترشح بعضهم في التشريعيات بلون سياسي معين ويترشح في المحليات بلون سياسي آخر، والسطحية في الخطاب السياسي لديها، لكي لا أقول التهريج السياسي وبعض الأحزاب نشاطها بيان صحفي أو ندوة صحفية يظهر غالبا فيها رئيس الحزب وحده فقط.
أما قانون الانتخابات الجديد الذي تحفظنا عليه لما تمّ عرضه في العهدة السابقة لم يكن في تطلعات الإصلاحات السياسية المرجوة، فهو يجسد الآلية والإجرائية ولا يجسد المشروع السياسي والفعالية السياسية المطلوبة في الانتخابات، منها إجراءات الرقابة الآلية ونسبة سبعة وخمسة بالمائة لدخول مرحلة الفوز ونسبة المرأة في كل البلديات، حيث كان إشراكها بناء على مقاربة سياسية وقانونية غير موضوعية، حيث نظر القانون للمرأة على أنها جنس يجب أن تعطي له مكانة دون النظر لوضعها السياسي والاجتماعي وللأعراف والتقاليد، والمهم في الأمر أنه لم يلتفت لقدرة المرأة الحالية وإرادتها في ممارسة العمل السياسي واستخف القانون بعملية التمرحل والتدرج في الإشراك السياسي التي اقترحناها ولا يمكن للقانون أن يتجاوز الأعراف وذلك لقوته في المجتمع وما فتوى الإباضية إلا دليل قوته أمام المنظور القانوني، فكل الأحزاب وجدت صعوبة مع هذه المقاربة السياسية في إعداد القوائم وإن تمكن الحزب من ذلك، فلننظر لمضمون المرأة في قائمته فكانت فيها عملية شحذ على حساب الانتقاء وحسن الاختيار.
لماذا صارت الإدارة المحلية لا تستهوي المترشحين؟
أعتقد أن ذلك يرجع بالأساس، إلى إفراغ قانوني البلديات والولاية من الصلاحيات والمهام المهمة، فصارت البلدية والولاية عبئا مخيفا وما صاحبها من عمليات التشهير والازدراء على مستوى الإعلام الخاص، مما جعل التفكير في البلدية هو تفكير في الجحيم والمتابعة القضائية لكثير من المنتخبين، فالبلدية صار حالها رجل في المعاناة ورجل أخرى في السجن، فالمنتخب صار بين ناريين كلاهما يحرق. أما العامل الآخر هو حجم الملف الإداري المطلوب الذي يكرس البيروقراطية ويتعب المرشح وكثير من القوائم أسقطت لنقص أو تأخر في توفير الملف وهناك شواهد على التمييز في التعامل مع استكمال الملفات حتى بعد الآجال القانونية. إضافة إلى إفلاس المجالس البلدية في معظم بلديات الوطن، مما صّعب من دخول الانتخابات المحلية. ومن بين الأسباب أيضا، استعلاء الإدارة وكأنها الجهة الوحيدة لإدراك مصلحة المواطن ورغبتها في أن ينتهي الأمر دائما عندها سواء في تنصيص القوانين والتشريعات أو الصلاحيات وأنها الجهة المخولة لتفسير القانون في مكان القضاء والمجلس الدستوري، وقد وقع هذا كثيرا مع اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات وكذلك مع الأحزاب المحتجة في الانتخابات.
المواطن بدوره صار لا يكترث بالانتخابات المحلية رغم ملامستها لواقعه اليومي.. هل بحثتم أسباب ذلك؟
تتحمل الأحزاب جزءا من المسؤولية، لأنها غالبها ما تنتقي من المرشحين من يدفع المواطن للعزوف، وينفره من الانتخابات والخطابات الانتخابية، التي صارت مثارا للسخرية بما تتسم به من ضحالة في الطرح السياسي والسطحية في التشخيص والوعود الخيالية وغياب الرؤية السياسية الواضحة والتهريج أحيانا وتمييع الفعل السياسي.
إلى جانب ذلك، أدت كثرة القوائم الانتخابية أمام الناخب، إلى جعله يبتعد ويتخلى عن حقه الدستوري، كما أن تشويه المنتخب المحلي والوطني بقصد إرباكه والتشكيك فيه عبر الحديث عن الأجور التي يتقاضاها والامتيازات والفساد والفضائح، ساهمت في إفساد الانتخابات، ودفعت الناخب للاعتقاد بأنه يساهم على إيجاد هذا الوضع السيء إن ذهب للتصويت.
وما زاد في انهيار العملية الانتخابية هو الصدمة السياسية التي أحدثتها تشريعيات ماي 2012، حيث بشر الرئيس بأهميتها حتى قرنها بالثورة التحررية في الفاتح من نوفمبر وأن السيادة الوطنية مهددة، وفي الأخير أحدثت الانتخابات إحباط سياسي عام فأنتجت ضعفا وتململا سياسيا في الساحة وتأخرت الحكومة عن الظهور وعند ظهورها زادت في التململ السياسي رغم وجود تشكيلات سياسية مختلفة فيها.
أضف إليها البرودة الإعلامية في تناول الانتخابات تزامنها مع الدخول الاجتماعي الصعب والمدرسي كذلك وإزالة الأسواق الفوضوية التي لها علاقة مباشرة مع البلديات، مما انعكس سلبا عليها.
أي شكل من المجالس المحلية ستنتج الانتخابات القادمة في ظل ما ذكرته من عوامل مثبطة تميز المشهد السياسي؟
كل هذه العوامل ستولد مجالس هزيلة وهزلية لا تقوى السلطة على تحريكها أو تفعيلها ولا تكون تمثيلية مع تدني المشاركة الانتخابية ولا يمكن إقحام المجالس في تحريك الشارع نحو قضايا وطنية هامة ومواجهة تحديات داخلية وخارجية، خاصة تحديات الساحل والتدخل الأجنبي فيه وتكون هذه المجالس ليست تابعا للإدارة بل عبئا سياسيا واجتماعيا عليها فتكون السلطة للأسف وحدها في مواجهات الصعوبات والتحديات مستقبلا، فأدركوا العملية الانتخابية قبل انهيارها.